السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه دراسة حول حديث (النساء شقائق الرجال)

روى هذا اللفظ من حديث عائشة ومن حديث أنس بن مالك رضى الله عنهما.

حديث عائشة: أخرجه أبو داود (236) ، والترمذي (113) ، وابن ماجه (612) مختصراً ، وأبو يعلي (4694) ، وابن الجارود فى "المنتقي" (90) ، وأحمد (26195) ، والبيهقي فى "السنن الكبرى" (796) وغيرهم من طرق عن عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا. قَالَ: «يَغْتَسِلُ»، وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ. قَالَ: «لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» فَقَالَتْ: أُمُّ سُلَيْمٍ الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ. إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»
قال الترمذي: ((وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، حَدِيثَ عَائِشَةَ، فِي الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، وَعَبْدُ اللَّهِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ فِي الحَدِيثِ))

ومدار هذا الإسناد على عبد الله بن عمر العمري ، ((قال أبو طلحة عن أحمد: لا بأس به قد روى عنه ولكن ليس مثل أخيه عبيد الله ، وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد: كان يزيد في الأسانيد ويخالف وكان رجلا صالحا ، وقال أبو حاتم: رأيت أحمد بن حنبل يحسن الثناء عليه وقال أحمد: يروي عبد الله عن أخيه عبيد الله ولم يرو عبيد الله عن أخيه عبد الله شيئا كان عبد الله يسأل عن الحديث في حياة أخيه فيقول أما وأبو عثمان حي فلا ، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: صويلح ، وقال ابن أبي مريم عن ابن معين: ليس به بأس يكتب حديثه ، وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه: ضعيف ، وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه وكان عبد الرحمن يحدث عنه ، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق في حديثه اضطراب ، وقال صالح جزرة: لين مختلط الحديث ، وقال النسائي: ضعيف الحديث ، وقال ابن عدي: لا بأس به في رواياته صدوق ، وقال ابن سعد: وكان كثير الحديث يستضعف ، وقال أبو حاتم: وهو أحب إلي من عبد الله بن نافع يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال العجلي: لا بأس به ، وقال ابن حبان:كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق الترك ، وقال الترمذي في العلل الكبير عن البخاري: ذاهب لا أروي عنه شيئا ، وقال البخاري في التاريخ: كان يحيى بن سعيد يضعفه ، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عنده ، وقال يعقوب بن سفيان عن أحمد بن يونس: لو رأيت هيئته لعرفت أنه ثقة ، وقال المروذي: ذكره أحمد فلم يرضه ، وقال ابن عمار الموصلي: لم يتركه أحد إلا يحيى بن سعيد وزعموا أنه أخذ كتب عبيد الله فرواها ، وأورد له يعقوب بن شيبة في مسنده حديثا فقال: هذا حديث حسن الإسناد مدني وقال في موضع آخر: هو رجل صالح مذكور بالعلم والصلاح وفي حديثه بعض الضعف والإضطراب ويزيد في الأسانيد كثيرا ، وقال الخليلي: ثقة غير أن الحفاظ لم يرضوا حفظه ، وقول بن معين فيه أنه صويلح إنما حكاه عنه إسحاق الكوسج وأما عثمان الدارمي فقال عن ابن معين: صالح ثقة والله أعلم.)) انتهى من "تهذيب التهذيب" (326/5).

قال الذهبي فى "السير" (341/7): ((وَحَدِيْثُه يَتردَّدُ فِيْهِ النَّاقِدُ، أَمَا إِنْ تَابعَهُ شَيْخٌ فِي رِوَايتِهِ، فَذَلِكَ حَسَنٌ قَوِيٌّ - إِنْ شَاءَ اللهُ -.)) ، قلت: وإذا لم يُتابع فحديثه ضعيف.
وقال ابن حجر فى "التقريب" (ص341): ((ضعيف عابد))
وقال المعلمي في "التنكيل (2/ 77): ((كثير الخطأ حتى قال البخاري: "ذاهب، لا أروي عنه شيئًا" ومن أثنى عليه فلصلاحه وصدقه، وأنه ليس بالساقط))
ولذلك فقد أعل الحديث من هذا الطريق غير واحد من العلماء:
قال الشوكاني فى "نيل الأوطار" (281/1): ((وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمُخَرِّجِينَ لَهُ وَلَمْ نَجِدْهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِهِ فَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِعِلَّتَيْنِ الْأُولَى: الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ، وَالثَّانِيَةُ: التَّفَرُّدُ وَعَدَمُ الْمُتَابَعَاتِ فَقَصُرَ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَالصِّحَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.))
قال ابن رجب فى "فتح الباري" (342/1): ((وقد استنكر أحمد هَذا الحديث في رواية مهنا، وقال في رواية الفضل ابن زياد: أذهب إليه.))

وقد أورد بعضهم متابعة لهذا الحديث ، حيث أخرج الطبراني فى "الأوسط" (8966) من طريق مِقْدَامٌ، ثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَرَى فِي مَنَامِهِ شَيْئًا وَلَا يَرَى بَلَلًا، وَيَرَى بَلَلًا ثُمَّ لَا يَرَى شَيْئًا؟ قَالَ: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ بَلَلًا وَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا وَلَمْ يَرَ بَلَلًا فَلَا يَغْتَسِلْ»

ثم قال: ((لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ: ابْنُ لَهِيعَةَ))
قلت: وهذه المتابعة مع كونها قاصرة فى اللفظ ، فهى ضعيفة ، فشيخ الطبرانى المقدام بن داود ضعيف ، وابن لهيعة فيه كلام معروف.

قال ابن عبد الهادي فى "تنقيح التحقيق" (ص38) ((هذا الحديث في ثبوته نظر، والأقرب أنه لا يصح بهذا السياق، وأنا أذهب إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد وأبو عيسى الترمذي وهو ظاهر كلام ابن المنذر أنه لا يصح، لوجود عبد الله العمري كما تقدم، ولعدم قوة المتابعة التي جاءت من طريق ابن لهيعة ، وأيضًا لما جاء في "صحيح مسلم" (314) و"سنن البيهقي" (1/ 168) واللفظ له - لأن مسلمًا لم يسق لفظه، وإنما أحال على حديث هشام بن عروة، وأنه بمعناه - من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها حدثته أن أم سليم ذهبت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة ترى في النوم ما يرى الرجل، أتغتسل؟

قال: " نعم ". قالت عائشة: أف لك، أترى المرأة ذلك! فالتفت إليها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تربت يداك، فمن أين يكون الشبه؟ ".
وأخرج البخاري (130 وغيره) ومسلم (313) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأت الماء ". فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟! قال: " نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها ".وأخرج مسلم (310 ، 311) من حديث أنس عن أم سليم بنحو ما تقدم. فهذه الألفاظ تخالف حديث العمري، والله تعالى أعلم.)) انتهى.
فأوضح ابن عبد الهادي أن هذا الحديث لا يصح لكونه وُرد فى الصحيحن بغير هذا السياق ، ولأن عبد الله العمري ممن لا يُحتمل تفرده ، ولقصور المتابعة الواردة وضعفها.

أما حديث أنس بن مالك: أخرجه الدارمي (791) ، وأبو عوانة فى "المستخرج" (832) ، والبزار (6418) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّ سُلَيْمٍ وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: الْمَرْأَةُ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ؟ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: تَرِبَتْ يَدَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَضَحْتِ النِّسَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْتَصِرًا لِأُمِّ سُلَيْمٍ: «بَلْ أَنْتِ تَرِبَتْ يَدَاكِ، إِنَّ خَيْرَكُنَّ الَّتِي تَسْأَلُ عَمَّا يَعْنِيهَا، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ فَلْتَغْتَسِلْ» قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَلِلنِّسَاءِ مَاءٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَأَنَّى يُشْبِهُهُنَّ الْوَلَدُ؟ إِنَّمَا هُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»

قلت: فى إسناده محمد بن كثير الصنعاني المصيصي ، ضعّفه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي...قال الذهبي فى "الكاشف" (212/2) ((مختلف فيه صدوق اختلط)) ، وقال فى "السير" (383/10): ((وَبِكُلِّ حَالٍ، فَيُكْتَبُ حَدِيْثُه، أَمَا الحُجَّةُ بِهِ فَلاَ تَنهَضُ.)) ، وقال ابن حجر فى "التقريب" ((صدوق كثير الغلط)) ، وقال في "الخبر" (2/ 28): ((وكان رجلًا صالحًا لكنه غير ضابط، وقد وصفوه بالصدق مع ضعف الحديث)). وقد وقع اختلاف فى هذا الحديث فى الوصل والإرسال:

قال ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (163): ((سمعت أبي، وذكر حديثا، رواه عمر بن يونس، عن عكرمة بن عمار، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أَنس، قال: جاءت أُم سُليم، وهي جدة إسحاق، إلى رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم، فقالت: يا رسول الله، المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام، بأن زوجها جامعها، أتغتسل؟ فقال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: إذا وجدت الماء فلتغتسل.

وروى الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن جدته أُم سُليم، قالت: دخلت أُم سُليم على أم سلمة، فدخل عليها رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم، فقالت له أُم سُليم: أرأيت إذا رأت المرأة.
قال أبي: إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أُم سُليم، مرسل، وعكرمة بن عمار روى عن إسحاق، عن أَنس؛ أن أُم سُليم ... ، وحديث الأوزاعي أشبه مرسلا من الموصول.))

وقال الدارقُطني في «العلل» (2342): ((اختلف فيه على إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة؛
فرواه عكرمة بن عمار، عن إسحاق بن عبد الله، عن أَنس.
وتابعه محمد بن كثير، عن الأوزاعي.
وخالفهما يحيى بن عبد الله، وأَبو المغيرة، والوليد، رووه عن الأوزاعي، عن إسحاق، عن جدته أُم سُليم، لم يذكروا فيه أنسا.
وكذلك قال همام، عن إسحاق، عن جدته.
وقال يحيى بن أبي كثير وحسين المعلم: عن إسحاق بن عبد الله، أن أُم سُليم، فأرسلاه.
ورواه عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة أخو إسحاق، عن أُم سُليم.
والمرسل أشبه بالصواب.))

وقال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (36): ((سألت أبي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن جدته أُم سُليم، هل سمع منها؟ قال: هو مرسل، وعكرمة بن عمار يدخل بين إسحاق وأُم سُليم أنسا.))
فتبين بما سبق أن هذا الإسناد معلول بالإنقطاع بين إسحاق وأم سليم كما رجحه أبو حاتم الرازي والدارقطني.

هذا وقد روى هذا الحديث عن أنس بن مالك بروايات مختلفة لم يأتي فيها لفظ (النساء شقائق الرجال) ، قال البزار عقب إخراجه: ((وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَن أَنَس، ولاَ نعلمُ أَحَدًا جَاءَ بِلَفْظِ إِسْحَاقَ.)) ، وانظر الروايات عن أنس فى "صحيح مسلم" -بَابُ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْهَا- (250/1).

والحاصل أن هذه اللفظة لم تثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح.