ما بعد الغفلة !






د. خالد رُوشه






هذا الشعور المخيف الذي يعتريني بينما أنظر خلفي لدورة الايام ، وكأنها تساقطت من بين يدي ، تسربت من بين الشقوق ، عمر وسنون وتجارب ومواقف وأفراح وأحزان !


وهل سيمضي بي العمر الباقي هكذا ؟! بين لحظة غفلة ولحظة كسل ؟!


وإلى أين سيمضي بي الندم ؟! وهل سيلحقني الندم فيقبل مني بتوبة وأوبة أم سأندم وقتما لا ينفع الندم ؟!


كلما سمعت صوت النعي لراحل يرحل عن الحياة ، تصورت نفسي مكانه ، فأصابتني تلك الرجفة ، كل الطموحات والآمال المعقودة على عناصر الحياة ، كل الترتيبات والخطط التي تصورت يوما أنها ستبقى معي طول الطريق ، كلها ستصير بين لحظة وضحاها وهم عابر ؟!


إنها خدعة نعيشها , تلك القائلة إن العمر طويل , وإن الحياة مفتوحة الذراعين , وإن الآمال العريضة لها ما يبررها


عن عبد الله بن عمر مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج خصا لنا وهى فقال ما هذا ؟! فقلنا خص لنا وهى فنحن نصلحه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك " أخرجه أبو داود



الأمر أعجل من هذا , أعجل من أن نعالج كوخا صغيرا قد تكسر وفسد , واعجل من أن نزين الدور , ونبني البيوت , ونرفع البنيان رغبة في التفاخر والتمايز والتزين


خطوات قصيرة لنجد أنفسنا على مشارف عمر كنا نعتبر الواصل إليه يجب أن يلم أوراقه ويرتب متاعه للرحيل , ثم هأنتذا تتراءى أمام عينيك أوراقك, وحقائبك , ويصفق الوقت معلنا الاستعداد للرحيل !

إنها لحياة قصيرة , تلك التي يتذكر الإنسان صباه فيها وكأنه مر بالأمس القريب , ويتذكر أعماله الصالحات وكأنها شىء يسير لايكاد يشفي غليلا , ويتذكر خطاياه وكأنها في أصل جبل يوشك أن يقع عليه , أي حياة تلك المغفلة المنسية لأعلى الحقوق الفاتحة ابواب الوهم والإيهام ؟!


حق للحكيم أن يحذرها , ووجب على الواعي أن يبادرها بالإصلاح في شأنه وقلبه , ويبتدرها بالصالحات أولا بأول , قال صلى الله عليه وسلم :" بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ..."


إن الحياة الحقة حياة أخرى غير تلك التي نعيش بطريقتنا المعهودة , الحياة الحقة هل تلك التي يستثمر فيها المرء كل لحظاتها , صالحا مصلحا لغيره , طاهرا مطهرا لغيره , مستقيما مقوما لغيره , إيجابيا مؤثرا , ناصحا أمينا , عابدا تقيا , سليم القلب , نظيف الصدر , مطمئن النفس ...


وكل نقص من تلك الأوصاف هو نقص من قيمة الحياة التي يعيشها أحدنا , وهو سبب الكدر الذي يغشانا والهول الذي يحدق بنا !