تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 7 من 23 الأولىالأولى 1234567891011121314151617 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 121 إلى 140 من 460

الموضوع: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

  1. #121
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(107)
    الحلقة (121)
    صــ 186إلى صــ 190


    1174 - حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) . قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُكْثِرًا مِنَ الْمَالِ ، وَكَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ ، وَكَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ مُحْتَاجٌ . فَخَطَبَ إِلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ ابْنَتَهُ ، فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهُ إِيَّاهَا ، فَغَضِبَ الْفَتَى وَقَالَ : وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ عَمِّي ، وَلَآخُذَنَّ مَالَهُ ، وَلَأَنْكِحَنَّ ابْنَتَهُ ، وَلَآكُلَنَّ دِيَتَهُ ! فَأَتَاهُ الْفَتَى ، وَقَدْ قَدِمَ تُجَّارٌ فِي أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ : يَا عَمِّ ، انْطَلِقْ مَعِي فَخُذْ لِي مِنْ تِجَارَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ، لَعَلِّي أُصِيبُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْكَ مَعِي أَعْطَوْنِي . فَخَرَجَ الْعَمُّ مَعَ الْفَتَى لَيْلًا فَلَمَّا بَلَغَ الشَّيْخُ ذَلِكَ السِّبْطَ ، قَتَلَهُ الْفَتَى ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ . [ ص: 186 ] فَلَمَّا أَصْبَحَ ، جَاءَ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ عَمَّهُ ، كَأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ ، فَلَمْ يَجِدْهُ . فَانْطَلَقَ نَحْوَهُ ، فَإِذَا هُوَ بِذَلِكَ السِّبْطِ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ ، فَأَخَذَهُمْ وَقَالَ : قَتَلْتُمْ عَمِّي فَأَدُّوا إِلَيَّ دِيَتَهُ . وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُنَادِي : وَاعَمَّاهُ ! فَرَفَعَهُمْ إِلَى مُوسَى ، فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ ، فَقَالُوا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ مَنْ صَاحِبُهُ ، فَيُؤْخَذُ صَاحِبُ الْجَرِيمَةِ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ دِيَتَهُ عَلَيْنَا لَهَيِّنَةٌ ، وَلَكِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نُعَيَّرَ بِهِ . فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) . فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) . قَالُوا : نَسْأَلُكَ عَنِ الْقَتِيلِ وَعَمَّنْ قَتَلَهُ ، وَتَقُولُ : اذْبَحُوا بَقَرَةً ! أَتَهْزَأُ بِنَا ؟ قَالَ مُوسَى : ( أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) - قَالَ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَلَوِ اعْتَرَضُوا بَقَرَةً فَذَبَحُوهَا لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا وَتَعَنَّتُوا مُوسَى فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ - فَقَالُوا : ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ) - وَالْفَارِضُ : الْهَرِمَةُ الَّتِي لَا تَلِدُ ، وَالْبِكْرُ : الَّتِي لَمْ تَلِدْ إِلَّا وَلَدًا وَاحِدًا ، وَالْعَوَانُ : النَّصَفُ الَّتِي بَيْنَ ذَلِكَ ، الَّتِي قَدْ وُلِدَتْ وَوُلِدَ وَلَدُهَا - " فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ " ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) - قَالَ : تُعْجِبُ النَّاظِرِينَ - ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ) - مِنْ بَيَاضٍ وَلَا سَوَادٍ وَلَا حُمْرَةٍ - ( قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) . فَطَلَبُوهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا .

    وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِأَبِيهِ ، وَإِنَّ رَجُلًا مَرَّ بِهِ مَعَهُ لُؤْلُؤٌ يَبِيعُهُ ، فَكَانَ أَبُوهُ نَائِمًا تَحْتَ رَأْسِهِ الْمِفْتَاحُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : تَشْتَرِي [ ص: 187 ] مِنِّي هَذَا اللُّؤْلُؤُ بِسَبْعِينَ أَلْفًا ؟ فَقَالَ لَهُ الْفَتَى : كَمَا أَنْتَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ أَبِي فَآخُذَهُ بِثَمَانِينَ أَلْفًا . فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ : أَيْقِظْ أَبَاكَ وَهُوَ لَكَ بِسِتِّينَ أَلْفًا . فَجَعَلَ التَّاجِرُ يَحُطُّ لَهُ حَتَّى بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَزَادَ الْآخَرُ عَلَى أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ أَبُوهُ ، حَتَّى بَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ . فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، لَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِشَيْءٍ أَبَدًا ، وَأَبَى أَنْ يُوقِظَ أَبَاهُ . فَعَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤِ أَنْ جَعَلَ لَهُ تِلْكَ الْبَقَرَةَ . فَمَرَّتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَطْلُبُونَ الْبَقَرَةَ ، فَأَبْصَرُوا الْبَقَرَةَ عِنْدَهُ ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ إِيَّاهَا بَقَرَةً بِبَقَرَةٍ ، فَأَبَى ، فَأَعْطُوهُ ثِنْتَيْنِ فَأَبَى ، فَزَادُوهُ حَتَّى بَلَغُوا عَشْرًا ، فَأَبَى ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ حَتَّى نَأْخُذَهَا مِنْكَ . فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى مُوسَى فَقَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّا وَجَدْنَا الْبَقَرَةَ عِنْدَ هَذَا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَاهَا ، وَقَدْ أَعْطَيْنَاهُ ثَمَنًا . فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَعْطِهِمْ بَقَرَتَكَ . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا أَحَقُّ بِمَالِي . فَقَالَ : صَدَقْتَ . وَقَالَ لِلْقَوْمِ : أَرْضُوا صَاحِبَكُمْ . فَأَعْطَوْهُ وَزْنَهَا ذَهَبًا فَأَبَى ، فَأَضْعَفُوا لَهُ مِثْلَ مَا أَعْطَوْهُ وَزْنَهَا ، حَتَّى أَعْطَوْهُ وَزْنَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ ، فَبَاعَهُمْ إِيَّاهَا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا . فَقَالَ : اذْبَحُوهَا . فَذَبَحُوهَا فَقَالَ : اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا . فَضَرَبُوهُ بِالْبَضْعَةِ الَّتِي بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ ، فَعَاشَ ، فَسَأَلُوهُ : مَنْ قَتَلَكَ ؟ فَقَالَ لَهُمُ : ابْنُ أَخِي ، قَالَ : أَقْتُلُهُ ، وَآخُذُ مَالَهُ ، وَأَنْكِحُ ابْنَتَهُ . فَأَخَذُوا الْغُلَامَ فَقَتَلُوهُ .

    1175 - حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ -

    1176 - وَحَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ -

    1177 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ قَالَ ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ -

    1178 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ : أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَذْكُرُ -

    1179 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ - وَحَجَّاجٌ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ - [ ص: 188 ] 1180 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ ، أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - فَذَكَرَ جَمِيعُهُمْ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالَ لَهُمْ مُوسَى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) ، نَحْوَ السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ عُبَيْدَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيُّ ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَ الْقَتِيلَ الَّذِي اخْتُصِمَ فِي أَمْرِهِ إِلَى مُوسَى ، كَانَ أَخَا الْمَقْتُولِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ أَخِيهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ كَانُوا جَمَاعَةً وَرَثَةً اسْتَبْطَئُوا حَيَاتَهُ . إِلَّا أَنَّهُمْ جَمِيعًا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مُوسَى إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ مِنْ أَجْلِ الْقَتِيلِ إِذِ احْتَكَمُوا إِلَيْهِ - عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ - فَقَالُوا لَهُ : وَمَا ذَبْحُ الْبَقَرَةِ ؟ يُبَيِّنُ لَنَا خُصُومَتَنَا الَّتِي اخْتَصَمْنَا فِيهَا إِلَيْكَ فِي قَتْلِ مَنْ قَتَلَ ، فَادُّعِيَ عَلَى بَعْضِنَا أَنَّهُ الْقَاتِلُ ! أَتَهْزَأُ بِنَا ؟ كَمَا : -

    1181 - حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : قُتِلَ قَتِيلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَطُرِحَ فِي سِبْطٍ مِنَ الْأَسْبَاطِ ، فَأَتَى أَهْلُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ إِلَى ذَلِكَ السِّبْطِ فَقَالُوا : أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا . قَالُوا : لَا وَاللَّهِ . فَأَتَوْا مُوسَى فَقَالُوا : هَذَا قَتِيلُنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، وَهُمْ وَاللَّهِ قَتَلُوهُ ! فَقَالُوا : لَا وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، طُرِحَ عَلَيْنَا ! فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً . فَقَالُوا : أَتَسْتَهْزِئُ بِنَا ؟ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ) . قَالُوا : نَأْتِيكَ فَنَذْكُرُ قَتِيلَنَا وَالَّذِي نَحْنُ فِيهِ ، فَتَسْتَهْزِئُ بِنَا ؟ فَقَالَ مُوسَى : ( أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) .

    [ ص: 189 ] 1182 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَجَّاجٌ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ : لَمَّا أَتَى أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ وَالَّذِينَ ادَّعَوْا عَلَيْهِمْ قَتَلَ صَاحِبِهِمْ - مُوسَى وَقَصُّوا قِصَّتَهُمْ عَلَيْهِ ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) . قَالُوا : وَمَا الْبَقَرَةُ وَالْقَتِيلُ ؟ قَالَ : أَقُولُ لَكُمْ : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً " ، وَتَقُولُونَ : " أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا " .
    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ )

    قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَالَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) - بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا وَاسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ ، أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ مِنْ ذَبْحِ بَقَرَةٍ - جَدٌّ وَحَقٌّ ، ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ) ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ لَهُمْ مَا كَانَ اللَّهُ قَدْ كَفَاهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمُ : " اذْبَحُوا بَقَرَةً " . لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ مِنَ الْبَقَرِ - أَيَّ بَقَرَةٍ شَاءُوا ذَبْحَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُرَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ نَوْعٍ أَوْ صِنْفٍ دُونَ صِنْفٍ - فَقَالُوا بِجَفَاءِ أَخْلَاقِهِمْ وَغِلَظِ طَبَائِعِهِمْ ، وَسُوءِ أَفْهَامِهِمْ ، وَتَكَلُّفِ مَا قَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَئُونَتَهُ ، تَعَنُّتًا مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا : -

    1183 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُمْ مُوسَى : ( أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) . قَالُوا لَهُ يَتَعَنَّتُونَه ُ : ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ) .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #122
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(108)
    الحلقة (122)
    صــ 191إلى صــ 195


    فَلَمَّا تَكَلَّفُوا جَهْلًا مِنْهُمْ مَا تَكَلَّفُوا مِنَ الْبَحْثِ عَمَّا كَانُوا قَدْ كُفُوهُ مِنْ صِفَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا ، تَعَنُّتًا مِنْهُمْ نَبِيَّهُمْ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، بَعْدَ الَّذِي كَانُوا أَظْهَرُوا لَهُ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ عَنِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، بِقَوْلِهِمْ : ( أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ) - عَاقَبَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ حَصْرَ ذَبْحَ مَا كَانَ أَمَرَهُمْ بِذَبْحِهِ [ ص: 190 ] مِنَ الْبَقَرِ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ نَوْعٍ ، فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ - إِذْ سَأَلُوهُ فَقَالُوا : مَا هِيَ ؟ مَا صِفَتُهَا ؟ وَمَا حِلْيَتُهَا ؟ حَلِّهَا لَنَا لِنَعْرِفَهَا ! - قَالَ : ( إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ ) .

    يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( لَا فَارِضٌ ) لَا مُسِنَّةٌ هَرِمَةٌ . يُقَالُ مِنْهُ : فَرَضَتِ الْبَقَرَةُ تَفْرِضُ فُرُوضًا " ، يَعْنِي بِذَلِكَ : أَسَنَّتْ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :


    يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ
    يُعْنَى بِقَوْلِهِ : " فَارْضِ " ، قَدِيمٌ . يَصِفُ ضِغْنًا قَدِيمًا . وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ :


    لَهَا زِجَاجٌ وَلَهَاةٌ فَارِضُ حَدْلَاءُ كَالْوَطْبِ نَحَاهُ الْمَاخِضُ
    [ ص: 191 ] وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ " فَارِضٍ " قَالَ الْمُتَأَوِّلُو نَ :

    ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :

    1184 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : ( لَا فَارِضٌ ) ، قَالَ : لَا كَبِيرَةٌ .

    1185 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَوْ عَنْ عِكْرِمَةَ ، شَكَّ شَرِيكٌ - : ( لَا فَارِضٌ ) ، قَالَ : الْكَبِيرَةُ .

    1185 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ، أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : ( لَا فَارِضٌ ) ، الْفَارِضُ : الْهَرِمَةُ .

    1186 - حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( لَا فَارِضٌ ) ، يَقُولُ : لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ هَرِمَةٍ .

    1187 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيّ ِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( لَا فَارِضٌ ) ، الْهَرِمَةُ .

    1188 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : " الْفَارِضُ " الْكَبِيرَةُ .

    1189 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ ، [ ص: 192 ] حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ : ( لَا فَارِضٌ ) ، قَالَ : الْكَبِيرَةُ .

    1190 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ : ( لَا فَارِضٌ ) ، يَعْنِي : لَا هَرِمَةٌ .

    1191 - حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ .

    1192 - حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ : " الْفَارِضُ " ، الْهَرِمَةُ .

    1193 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ ، قَالَ مَعْمَرٌ ، قَالَ قَتَادَةُ : " الْفَارِضُ " الْهَرِمَةُ . يَقُولُ : لَيْسَتْ بِالْهَرِمَةِ وَلَا الْبِكْرِ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ .

    1194 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ : " الْفَارِضُ " ، الْهَرِمَةُ الَّتِي لَا تَلِدُ .

    1195 - حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : " الْفَارِضُ " ، الْكَبِيرَةُ .
    الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَا بِكْرٌ )

    قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَ " الْبِكْرُ " مِنْ إِنَاثِ الْبَهَائِمِ وَبَنِي آدَمَ ، مَا لَمْ يَفْتَحِلْهُ الْفَحْلُ ، وَهِيَ مَكْسُورَةُ الْبَاءِ ، لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ " فَعَلَ " وَلَا " يَفْعَلُ " . وَأَمَّا " الْبَكْرُ " بِفَتْحِ الْبَاءِ فَهُوَ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ .

    وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَا بِكْرٌ ) وَلَا صَغِيرَةٌ لَمْ تَلِدْ ، كَمَا : -

    1196 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، صَغِيرَةٌ . [ ص: 193 ] 1197 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : " الْبِكْرُ " ، الصَّغِيرَةُ .

    1198 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - أَوْ عِكْرِمَةَ ، شَكَّ - : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، قَالَ : الصَّغِيرَةُ .

    1199 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيّ ِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، الصَّغِيرَةُ .

    1200 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : ( وَلَا بِكْرٌ ) وَلَا صَغِيرَةٌ .

    1201 - حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، وَلَا صَغِيرَةٌ ضَعِيفَةٌ .

    1202 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، يَعْنِي : وَلَا صَغِيرَةٌ .

    1203 - حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، مِثْلَهُ .

    1204 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ : فِي " الْبِكْرِ " ، لَمْ تَلِدْ إِلَّا وَلَدًا وَاحِدًا .
    القول في تأويل قوله تعالى ( عوان )

    قال أبو جعفر : " العوان " النصف التي قد ولدت بطنا بعد بطن ، وليست بنعت للبكر . يقال منه : " قد عونت " إذا صارت كذلك .

    وإنما معنى الكلام أنه يقول : إنها بقرة لا فارض ولا بكر بل عوان [ ص: 194 ] بين ذلك . ولا يجوز أن يكون " عوان " إلا مبتدأ . لأن قوله ( بين ذلك ) ، كناية عن الفارض والبكر ، فلا يجوز أن يكون متقدما عليهما ، ومنه قول الأخطل :


    وما بمكة من شمط محفلة وما بيثرب من عون وأبكار
    وجمعها " عون " يقال : " امرأة عوان من نسوة عون " . ومنه قول تميم بن مقبل :


    ومأتم كالدمى حور مدامعها لم تبأس العيش أبكارا ولا عونا


    وبقرة " عوان ، وبقر عون " . قال : وربما قالت العرب : " بقر عون " مثل " رسل " يطلبون بذلك الفرق بين جمع " عوان " من البقر ، وجمع " عانة " من الحمر . ويقال : " هذه حرب عوان " ، إذا كانت حربا قد قوتل فيها مرة بعد مرة . يمثل ذلك بالمرأة التي ولدت بطنا بعد بطن . وكذلك يقال : " حاجة عوان " ، إذا كانت قد قضيت مرة بعد مرة . [ ص: 195 ] 1205 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب ، أن ابن زيد أنشده :


    قعود لدى الأبواب طلاب حاجة عوان من الحاجات أو حاجة بكرا
    قال أبو جعفر : والبيت للفرزدق .

    وبنحو الذي قلنا في ذلك تأوله أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    1206 - حدثنا علي بن سعيد الكندي ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن خصيف ، عن مجاهد : ( عوان بين ذلك ) ، وسط ، قد ولدت بطنا أو بطنين .

    1207 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( عوان ) ، قال : " العوان " : العانس النصف .

    1208 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " العوان " ، النصف .

    1209 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن عطية قال ، حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - أو عكرمة ، شك شريك - ( عوان ) ، قال : بين ذلك .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #123
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(109)
    الحلقة (123)
    صــ 196إلى صــ 200


    1210 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( عوان ) ، قال : بين الصغيرة والكبيرة ، وهى أقوى [ ص: 196 ] ما تكون من البقر والدواب ، وأحسن ما تكون .

    1211 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسن قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، عن عطاء الخراساني عن ابن عباس : ( عوان ) ، قال : النصف .

    1212 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( عوان ) نصف .

    1213 - وحدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .

    1214 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : " العوان " ، نصف بين ذلك .

    1214 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد : ( عوان ) ، التي تنتج شيئا بشرط أن تكون التي قد نتجت بكرة أو بكرتين .

    1215 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " العوان " ، النصف التي بين ذلك ، التي قد ولدت وولد ولدها .

    1216 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : " العوان " ، بين ذلك ، ليست ببكر ولا كبيرة .
    القول في تأويل قوله تعالى ( بين ذلك )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( بين ذلك ) بين البكر والهرمة ، كما : -

    1217 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( بين ذلك ) ، أي بين البكر والهرمة .

    فإن قال قائل : قد علمت أن " بين " لا تصلح إلا أن تكون مع شيئين [ ص: 197 ] فصاعدا ، فكيف قيل " بين ذلك " و " ذلك " واحد في اللفظ ؟

    قيل : إنما صلحت مع كونها واحدة ، لأن " ذلك " بمعنى اثنين ، والعرب تجمع في " ذلك " و " ذاك " شيئين ومعنيين من الأفعال ، كما يقول القائل : " أظن أخاك قائما ، وكان عمرو أباك " ، ثم يقول : " قد كان ذاك ، وأظن ذلك " . فيجمع ب " ذلك " و " ذاك " الاسم والخبر ، الذي كان لا بد ل " ظن " و " كان " منهما .

    فمعنى الكلام : قال : إنه يقول إنها بقرة لا مسنة هرمة ، ولا صغيرة لم تلد ، ولكنها بقرة نصف قد ولدت بطنا بعد بطن ، بين الهرم والشباب . فجمع " ذلك " معنى الهرم والشباب لما وصفنا ، ولو كان مكان الفارض والبكر اسما شخصين ، لم يجمع مع " بين " ذلك . وذلك أن " ذلك " لا يؤدي عن اسم شخصين ، وغير جائز لمن قال : " كنت بين زيد وعمرو " ، أن يقول : " كنت بين ذلك " ، وإنما يكون ذلك مع أسماء الأفعال دون أسماء الأشخاص .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فافعلوا ما تؤمرون ( 68 ) )

    قال أبو جعفر : يقول الله لهم جل ثناؤه : افعلوا ما آمركم به ، تدركوا حاجاتكم وطلباتكم عندي ; واذبحوا البقرة التي أمرتكم بذبحها ، تصلوا - بانتهائكم إلى طاعتي بذبحها - إلى العلم بقاتل قتيلكم .
    [ ص: 198 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء )

    قال أبو جعفر : ومعنى ذلك : قال قوم موسى لموسى : ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ؟ أي لون البقرة التي أمرتنا بذبحها . وهذا أيضا تعنت آخر منهم بعد الأول ، وتكلف طلب ما قد كانوا كفوه في المرة الثانية والمسألة الآخرة . وذلك أنهم لم يكونوا حصروا في المرة الثانية - إذ قيل لهم بعد مسألتهم عن حلية البقرة التي كانوا أمروا بذبحها ، فأبوا إلا تكلف ما قد كفوه من المسألة عن صفتها ، فحصروا على نوع دون سائر الأنواع ، عقوبة من الله لهم على مسألتهم التي سألوها نبيهم صلى الله عليه وسلم ، تعنتا منهم له . ثم لم يحصرهم على لون منها دون لون ، فأبوا إلا تكلف ما كانوا عن تكلفه أغنياء ، فقالوا - تعنتا منهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن عباس - : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ) فقيل لهم عقوبة لهم : ( إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) . فحصروا على لون منها دون لون . ومعنى ذلك : أن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها .

    قال أبو جعفر : ومعنى قوله : ( يبين لنا ما لونها ) ، أي شيء لونها ؟ فلذلك كان اللون مرفوعا ، لأنه مرافع " ما " . وإنما لم ينصب " ما " بقوله " يبين لنا " ، لأن أصل " أي " و " ما " ، جمع متفرق الاستفهام . يقول القائل بين لنا أسوداء هذه البقرة أم صفراء ؟ فلما لم يكن لقوله : " بين لنا " أن يقع على الاستفهام متفرقا ، لم يكن له أن يقع على " أي " ، لأنه جمع ذلك المتفرق . وكذلك كل ما كان من نظائره فالعمل فيه واحد ، في " ما " و " أي " . [ ص: 199 ] واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( صفراء ) . فقال بعضهم : معنى ذلك سوداء شديدة السواد .

    ذكر من قال ذلك منهم :

    1218 - حدثني أبو مسعود إسماعيل بن مسعود الجحدري قال ، حدثنا نوح بن قيس ، عن محمد بن سيف ، عن الحسن : ( صفراء فاقع لونها ) ، قال : سوداء شديدة السواد .

    1219 - حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة . والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا نوح بن قيس ، عن محمد بن سيف ، عن أبي رجاء ، عن الحسن مثله .

    وقال آخرون : معنى ذلك : صفراء القرن والظلف

    ذكر من قال ذلك :

    1220 - حدثني هشام بن يونس النهشلي قال ، حدثنا حفص بن غياث ، عن أشعث ، عن الحسن في قوله : ( صفراء فاقع لونها ) ، قال : صفراء القرن والظلف .

    1221 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثني هشيم قال ، أخبرنا جويبر ، عن كثير بن زياد ، عن الحسن في قوله : ( صفراء فاقع لونها ) ، قال : كانت وحشية . [ ص: 200 ] 1222 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن إبراهيم ، عن أبي حفص ، عن مغراء - أو عن رجل - ، عن سعيد بن جبير : ( بقرة صفراء فاقع لونها ) ، قال : صفراء القرن والظلف .

    1223 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : هي صفراء .

    1224 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) ، قال : لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم .

    قال أبو جعفر : وأحسب أن الذي قال في قوله : ( صفراء ) ، يعني به سوداء ، ذهب إلى قوله في نعت الإبل السود : " هذه إبل صفر ، وهذه ناقة صفراء " يعني بها سوداء . وإنما قيل ذلك في الإبل لأن سوادها يضرب إلى الصفرة ، ومنه قول الشاعر :


    تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #124
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(110)
    الحلقة (124)
    صــ 201إلى صــ 205





    يعني بقوله : " هن صفر " هن سود وذلك إن وصفت الإبل به ، فليس مما توصف به البقر . مع أن العرب لا تصف السواد بالفقوع ، وإنما تصف السواد - إذا وصفته بالشدة - بالحلوكة ونحوها ، فتقول : " هو أسود حالك وحانك وحلكوك ، وأسود غربيب ودجوجي " - ولا تقول : هو أسود فاقع . وإنما تقول : " هو أصفر فاقع " . فوصفه إياه بالفقوع ، من الدليل البين على خلاف التأويل الذي تأول قوله : ( إنها بقرة صفراء فاقع ) المتأول ، بأن معناه سوداء شديدة السواد .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فاقع لونها )

    قال أبو جعفر : يعني خالص لونها . و " الفقوع " في الصفر ، نظير النصوع في البياض ، وهو شدته وصفاؤه ، كما : -

    1225 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، قال قتادة : ( فاقع لونها ) ، هي الصافي لونها .

    1226 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( فاقع لونها ) ، أي صاف لونها .

    1227 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله .

    1228 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فاقع ) ، قال : نقي لونها .

    1229 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فاقع لونها ) ، شديدة الصفرة ، تكاد [ ص: 202 ] من صفرتها تبيض . وقال أبو جعفر : أراه أبيض !

    1230 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( فاقع لونها ) ، قال : شديدة صفرتها .

    يقال منه : " فقع لونه يفقع ويفقع فقعا وفقوعا ، فهو فاقع ، كما قال الشاعر :


    حملت عليه الورد حتى تركته ذليلا يسف الترب واللون فاقع

    القول في تأويل قوله تعالى ( تسر الناظرين ( 69 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( تسر الناظرين ) ، تعجب هذه البقرة - في حسن خلقها ومنظرها وهيئتها - الناظر إليها ، كما : -

    1231 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( تسر الناظرين ) ، أي تعجب الناظرين .

    1232 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا : ( تسر الناظرين ) ، إذا نظرت إليها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها .

    1233 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( تسر الناظرين ) ، قال : تعجب الناطرين .
    [ ص: 203 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ( 70 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( قالوا ) قال قوم موسى - الذين أمروا بذبح البقرة - لموسى . فترك ذكر موسى ، وذكر عائد ذكره ، اكتفاء بما دل عليه ظاهر الكلام . وذلك أن معنى الكلام : قالوا له : " ادع ربك " . فلم يذكر " له " لما وصفنا .

    وقوله : ( يبين لنا ما هي ) ، خبر من الله عن القوم بجهلة منهم ثالثة . وذلك أنهم لو كانوا إذ أمروا بذبح البقرة ، ذبحوا أيتها تيسرت مما يقع عليه اسم بقرة ، كانت عنهم مجزئة ، ولم يكن عليهم غيرها ، لأنهم لم يكونوا كلفوها بصفة دون صفة . فلما سألوا بيانها بأي صفة هي ، بين لهم أنها بسن من الأسنان دون سن سائر الأسنان ، فقيل لهم : هي عوان بين الفارض والبكر والضرع . فكانوا - إذ بينت لهم سنها - لو ذبحوا أدنى بقرة بالسن التي بينت لهم ، كانت عنهم مجزئة ، لأنهم لم يكونوا كلفوها بغير السن التي حدت لهم ، ولا كانوا حصروا على لون منها دون لون . فلما أبوا إلا أن تكون معرفة لهم بنعوتها ، مبينة بحدودها التي تفرق بينها وبين سائر بهائم الأرض ، فشددوا على أنفسهم - شدد الله عليهم بكثرة سؤالهم نبيهم واختلافهم عليه . ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم لأمته : -

    1234 - " ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم . فإذا أمرتكم بشيء فأتوه ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ما استطعتم " . [ ص: 204 ] قال أبو جعفر : ولكن القوم لما زادوا نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم أذى وتعنتا ، زادهم الله عقوبة وتشديدا ، كما : -

    1235 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثام بن علي ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها ، لكنهم شددوا فشدد الله عليهم .

    1236 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر قال ، سمعت أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : لو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم .

    1237 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر عن أيوب -

    1238 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن هشام بن حسان جميعا ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني قال : سألوا وشددوا فشدد الله عليهم .

    1239 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال : لو أخذ بنو إسرائيل بقرة [ ص: 205 ] لأجزأت عنهم . ولولا قولهم : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، لما وجدوها .

    1240 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، لو أخذوا بقرة ما كانت ، لأجزأت عنهم . ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر ) ، قال : لو أخذوا بقرة من هذا الوصف لأجزأت عنهم . ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) ، قال : لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم . ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر ) الآية .

    1241 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، وزاد فيه : ولكنهم شددوا فشدد عليهم .

    1242 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثتي حجاج قال ، قال ابن جريج قال ، مجاهد : " لو أخذوا بقرة ما كانت أجزأت عنهم . قال ابن جريج ، قال لي عطاء : لو أخذوا أدنى بقرة كفتهم . قال ابن جريج ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أمروا بأدنى بقرة ، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم ; وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد " .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #125
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(111)
    الحلقة (125)
    صــ 206إلى صــ 210





    1243 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : لو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة ، استعرضوا [ ص: 206 ] بقرة فذبحوها لكانت إياها ، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، لما هدوا إليها أبدا .

    1244 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إنما أمر القوم بأدنى بقرة ، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم . والذي نفس محمد بيده ، لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد .

    1245 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم .

    1246 - حدثنا أبو كريب قال ، قال أبو بكر بن عياش ، قال ابن عباس : لو أن القوم نظروا أدنى بقرة - يعني بني إسرائيل - لأجزأت عنهم ، ولكن شددوا فشدد عليهم ، فاشتروها بملء جلدها دنانير .

    1247 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لو أخذوا بقرة كما أمرهم الله كفاهم ذلك ، ولكن البلاء في هذه المسائل ، فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) ، فشدد عليهم ، فقال : ( إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ) ، فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) ، قال : وشدد عليهم أشد من الأول ، فقرأ حتى بلغ : ( مسلمة لا شية فيها ) فأبوا أيضا فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ) فشدد عليهم ، فقال : ( إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ) ، [ ص: 207 ] قال : فاضطروا إلى بقرة لا يعلم على صفتها غيرها ، وهي صفراء ، ليس فيها سواد ولا بياض .

    قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه - من الصحابة والتابعين والخالفين بعدهم ، من قولهم إن بني إسرائيل لو كانوا أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم - من أوضح الدلالة على أن القوم كانوا يرون أن حكم الله ، فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، على العموم الظاهر ، دون الخصوص الباطن ، إلا أن يخص ، بعض ما عمه ظاهر التنزيل ، كتاب من الله أو رسول الله ، وإن التنزيل أو الرسول ، إن خص بعض ما عمه ظاهر التنزيل بحكم خلاف ما دل عليه الظاهر ، فالمخصوص من ذلك خارج من حكم الآية التي عمت ذلك الجنس خاصة ، وسائر حكم الآية على العموم ; على نحو ما قد بيناه في كتابنا كتاب الرسالة من لطيف القول في البيان عن أصول الأحكام - في قولنا في العموم والخصوص ، وموافقة قولهم في ذلك قولنا ، ومذهبهم مذهبنا ، وتخطئتهم قول القائلين بالخصوص في الأحكام ، وشهادتهم على فساد قول من قال : حكم الآية الجائية مجيء العموم على العموم ، ما لم يختص منها بعض ما عمته الآية . فإن خص منها بعض ، فحملك الآية حينئذ على الخصوص .

    وذلك أن جميع من ذكرنا قوله آنفا - ممن عاب على بني إسرائيل مسألتهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن صفة البقرة التي أمروا بذبحها وسنها وحليتها - رأوا أنهم كانوا في مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى ذلك مخطئين ، وأنهم لو كانوا استعرضوا أدنى بقرة من البقر - إذ أمروا بذبحها بقوله : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، فذبحوها - كانوا للواجب عليهم من أمر الله في ذلك [ ص: 208 ] مؤدين ، وللحق مطيعين ، إذ لم يكن القوم حصروا على نوع من البقر دون نوع ، وسن دون سن .

    ورأوا مع ذلك أنهم - إذ سألوا موسى عن سنها فأخبرهم عنها ، وحصرهم منها على سن دون سن ، ونوع دون نوع ، وخص من جميع أنواع البقر نوعا منها - كانوا في مسألتهم إياه في المسألة الثانية ، بعد الذي خص لهم من أنواع البقر ، من الخطأ على مثل الذي كانوا عليه من الخطأ في مسألتهم إياه المسألة الأولى .

    وكذلك رأوا أنهم في المسألة الثالثة على مثل الذي كانوا عليه من ذلك في الأولى والثانية ، وأن اللازم كان لهم في الحالة الأولى ، استعمال ظاهر الأمر ، وذبح أي بهيمة شاءوا مما وقع عليها اسم بقرة .

    وكذلك رأوا أن اللازم كان لهم في الحال الثانية استعمال ظاهر الأمر وذبح أي بهيمة شاءوا مما وقع عليها اسم بقرة عوان لا فارض ولا بكر ، ولم يروا أن حكمهم - إذ خص لهم بعض البقر دون البعض في الحالة الثانية - انتقل عن اللازم الذي كان لهم في الحالة الأولى ، من استعمال ظاهر الأمر إلى الخصوص . ففي إجماع جميعهم على ما روينا عنهم من ذلك - مع الرواية التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموافقة لقولهم - دليل واضح على صحة قولنا في العموم والخصوص ، وأن أحكام الله جل ثناؤه في آي كتابه - فيما أمر ونهى - على العموم ، ما لم يخص ذلك ما يجب التسليم له . وأنه إذا خص منه شيء ، فالمخصوص منه خارج حكمه من حكم الآية العامة الظاهر ، وسائر حكم الآية على ظاهرها العام - ومؤيد حقيقة ما قلنا في ذلك ، وشاهد عدل على فساد قول من خالف قولنا فيه . [ ص: 209 ] وقد زعم بعض من عظمت جهالته ، واشتدت حيرته ، أن القوم إنما سألوا موسى ما سألوا بعد أمر الله إياهم بذبح بقرة من البقر ، لأنهم ظنوا أنهم أمروا بذبح بقرة بعينها خصت بذلك ، كما خصت عصا موسى في معناها ، فسألوه أن يحليها لهم ليعرفوها .

    ولو كان الجاهل تدبر قوله هذا ، لسهل عليه ما استصعب من القول . وذلك أنه استعظم من القوم مسألتهم نبيهم ما سألوه تشددا منهم في دينهم ، ثم أضاف إليهم من الأمر ما هو أعظم مما استنكره أن يكون كان منهم . فزعم أنهم كانوا يرون أنه جائز أن يفرض الله عليهم فرضا ، ويتعبدهم بعبادة ، ثم لا يبين لهم ما يفرض عليهم ويتعبدهم به ، حتى يسألوا بيان ذلك لهم ! فأضاف إلى الله تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه ، ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه ، فزعم أنهم كانوا يسألون ربهم أن يفرض عليهم الفرائض ، فنعوذ بالله من الحيرة ، ونسأله التوفيق والهداية .

    وأما قوله : ( إن البقر تشابه علينا ) ، فإن " البقر " جماع بقرة .

    وقد قرأ بعضهم : ( إن الباقر ) ، وذلك - وإن كان في الكلام جائزا ، لمجيئه في كلام العرب وأشعارها ، كما قال ميمون بن قيس :


    وما ذنبه أن عافت الماء باقر وما إن تعاف الماء إلا ليضربا
    [ ص: 210 ] وكما قال أمية :


    ويسوقون باقر السهل للط ود مهازيل خشية أن تبورا
    - فغير جائزة القراءة به لمخالفته القراءة الجائية مجيء الحجة ، بنقل من لا يجوز - عليه فيما نقلوه مجمعين عليه - الخطأ والسهو والكذب .

    وأما تأويل : ( تشابه علينا ) ، فإنه يعني به التبس علينا . والقرأة مختلفة في تلاوته . فبعضهم كانوا يتلونه : " تشابه علينا " ، بتخفيف الشين ونصب الهاء على مثال " تفاعل " ، ويذكر الفعل ، وإن كان " البقر " جماعا . لأن من شأن العرب تذكير كل فعل جمع كانت وحدانه بالهاء ، وجمعه بطرح الهاء - وتأنيثه ، كما قال الله تعالى في نظيره في التذكير : ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) [ القمر : 20 ] ، فذكر " المنقعر " وهو من صفة النخل ، لتذكير لفظ " النخل " - وقال في موضع آخر : ( كأنهم أعجاز نخل خاوية ) [ الحاقة : 7 ] ، فأنث " الخاوية " وهي من صفة " النخل " - بمعنى النخل . لأنها وإن كانت في لفظ الواحد المذكر - على ما وصفنا قبل - فهي جماع " نخلة " .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #126
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(112)
    الحلقة (126)
    صــ 211إلى صــ 215





    وكان بعضهم يتلوه : ( إن البقر تشابه علينا ) ، بتشديد الشين وضم الهاء ، فيؤنث الفعل بمعنى تأنيث " البقر " ، كما قال : ( أعجاز نخل خاوية ) ، ويدخل في أول " تشابه " تاء تدل على تأنيثها ، ثم تدغم التاء الثانية في " شين " " تشابه " لتقارب مخرجها ومخرج " الشين " فتصير " شينا " مشددة ، وترفع " الهاء " بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب .

    وكان بعضهم يتلوه : ( إن البقر يشابه علينا ) ، فيخرج " يشابه " مخرج الخبر عن الذكر ، لما ذكرنا من العلة في قراءة من قرأ ذلك : ( تشابه ) بالتخفيف ونصب " الهاء " ، غير أنه كان يرفعه ب " الياء " التي يحدثها في أول " تشابه " التي تأتي بمعنى الاستقبال ، وتدغم " التاء " في " الشين " كما فعله القارئ في " تشابه " ب " التاء " والتشديد .

    قال أبو جعفر : والصواب في ذلك من القراءة عندنا : ( إن البقر تشابه علينا ) ، بتخفيف " شين " " تشابه " ونصب " هائه " ، بمعنى " تفاعل " ، لإجماع الحجة من القراء على تصويب ذلك ، ودفعهم ما سواه من القراءات . ولا يعترض على الحجة بقول من يجوز عليه فيما نقل السهو والغفلة والخطأ .

    وأما قوله : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، فإنهم عنوا : وإنا إن شاء الله لمبين لنا ما التبس علينا وتشابه من أمر البقرة التي أمرنا بذبحها . ومعنى " اهتدائهم " في هذا الموضع معنى : " تبينهم " أي ذلك الذي لزمهم ذبحه مما سواه من أجناس البقر .
    [ ص: 212 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث )

    قال أبو جعفر : وتأويل ذلك : قال موسى : إن الله يقول إن البقرة التي أمرتكم بذبحها بقرة لا ذلول .

    ويعني بقوله : ( لا ذلول ) ، أي لم يذللها العمل . فمعنى الآية : إنها بقرة لم تذللها إثارة الأرض بأظلافها ، ولا سني عليها الماء فيسقى عليها الزرع . كما يقال للدابة التي قد ذللها الركوب أو العمل : " دابة ذلول بينة الذل " بكسر الذال . ويقال في مثله من بني آدم : " رجل ذليل بين الذل والذلة " .

    1248 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إنها بقرة لا ذلول ) ، يقول : صعبة لم يذلها عمل ، ( تثير الأرض ولا تسقي الحرث ) .

    1249 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ) ، يقول : بقرة ليست بذلول يزرع عليها ، وليست تسقي الحرث .

    1250 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( إنها بقرة لا ذلول ) ، أي لم يذللها العمل . ( تثير الأرض ) يعني : ليست بذلول فتثير الأرض . ( ولا تسقي الحرث ) يقول : ولا تعمل في الحرث .

    1251 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن [ ص: 213 ] الربيع : ( إنها بقرة لا ذلول ) يقول : لم يذلها العمل ، ( تثير الأرض ) يقول : تثير الأرض بأظلافها ، ( ولا تسقي الحرث ) ، يقول : لا تعمل في الحرث .

    1252 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال الأعرج ، قال مجاهد ، قوله : ( لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ) ، يقول : ليست بذلول فتفعل ذلك .

    1253 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : ليست بذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث .

    قال أبو جعفر : ويعني بقوله : ( تثير الأرض ) ، تقلب الأرض للحرث . يقال منه : " أثرت الأرض أثيرها إثارة " ، إذا قلبتها للزرع . وإنما وصفها جل ثناؤه بهذه الصفة ، لأنها كانت - فيما قيل - وحشية .

    1254 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا جويبر ، عن كثير بن زياد ، عن الحسن قال : كانت وحشية .
    القول في تأويل قوله تعالى ( مسلمة )

    قال أبو جعفر : ومعنى " مسلمة " " مفعلة " من " السلامة " . يقال منه : " سلمت تسلم فهي مسلمة .

    ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي سلمت منه ، فوصفها الله بالسلامة منه . فقال مجاهد بما : -

    1255 - حدثنا به محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " مسلمة " ، يقول : مسلمة من الشية ، و ( لا شية فيها ) ، [ ص: 214 ] لا بياض فيها ولا سواد .

    1256 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    1257 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال مجاهد : ( مسلمة ) ، قال : مسلمة من الشية ، ( لا شية فيها ) لا بياض فيها ولا سواد .

    وقال آخرون : مسلمة من العيوب .

    ذكر من قال ذلك :

    1258 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( مسلمة لا شية فيها ) ، أي مسلمة من العيوب .

    1259 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( مسلمة ) ، يقول : لا عيب فيها .

    1260 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( مسلمة ) ، يعني مسلمة من العيوب .

    1261 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله .

    1262 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال ابن عباس قوله : ( مسلمة ) ، لا عوار فيها .

    قال أبو جعفر : والذي قاله ابن عباس وأبو العالية ومن قال بمثل قولهما في تأويل ذلك أولى بتأويل الآية مما قاله مجاهد . لأن سلامتها لو كانت من سائر أنواع الألوان سوى لون جلدها ، لكان في قوله : ( مسلمة ) مكتفى عن قوله : ( لا شية فيها ) . وفي قوله : ( لا شية فيها ) ، ما يوضح عن أن معنى قوله : ( مسلمة ) ، غير معنى قوله : ( لا شية فيها ) ، وإذ كان ذلك كذلك ، فمعنى الكلام : إنه [ ص: 215 ] يقول : إنها بقرة لم تذللها إثارة الأرض وقلبها للحراثة ، ولا السنو عليها للمزارع ، وهي مع ذلك صحيحة مسلمة من العيوب .
    القول في تأويل قوله تعالى ( لا شية فيها )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( لا شية فيها ) ، لا لون فيها يخالف لون جلدها . وأصله من " وشي الثوب " ، وهو تحسين عيوبه التي تكون فيه ، بضروب مختلفة من ألوان سداه ولحمته ، يقال منه : " وشيت الثوب فأنا أشيه شية ووشيا " ، ومنه قيل للساعي بالرجل إلى السلطان أو غيره : " واش " ، لكذبه عليه عنده ، وتحسينه كذبه بالأباطيل . يقال منه : " وشيت به إلى السلطان وشاية " . ومنه قول كعب بن زهير :


    تسعى الوشاة جنابيها وقولهم إنك يابن أبي سلمى لمقتول
    و " الوشاة جمع واش " ، يعني أنهم يتقولون بالأباطيل ، ويخبرونه أنه إن لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم قتله .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #127
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(113)
    الحلقة (127)
    صــ 216إلى صــ 220




    وقد زعم بعض أهل العربية أن " الوشي " ، العلامة . وذلك لا معنى له ، إلا أن يكون أراد بذلك تحسين الثوب بالأعلام . لأنه معلوم أن القائل : " وشيت بفلان إلى فلان " غير جائز أن يتوهم عليه أنه أراد : جعلت له عنده علامة . [ ص: 216 ] وإنما قيل : ( لا شية فيها ) وهي من " وشيت " ، لأن " الواو " لما أسقطت من أولها أبدلت مكانها " الهاء " في آخرها . كما قيل : " وزنته زنة " و " وسن سنة " و " وعدته عدة " و " وديته دية " .

    وبمثل الذي قلنا في معنى قوله : ( لا شية فيها ) ، قال أهل التأويل :

    1263 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( لا شية فيها ) ، أي لا بياض فيها .

    1264 - حدثنا الحسن قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .

    1265 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( لا شية فيها ) ، يقول : لا بياض فيها .

    1266 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لا شية فيها ) أي لا بياض فيها ولا سواد .

    1267 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    1268 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : ( لا شية فيها ) ، قال : لونها واحد ، ليس فيها سوى لونها .

    1269 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( لا شية فيها ) ، من بياض ولا سواد ولا حمرة .

    1270 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ( لا شية فيها ) ، هي صفراء ، ليس فيها بياض ولا سواد .

    1271 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( لا شية فيها ) ، يقول : لا بياض فيها .
    [ ص: 217 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا الآن جئت بالحق )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( قالوا الآن جئت بالحق ) . فقال بعضهم : معنى ذلك : الآن بينت لنا الحق فتبيناه ، وعرفنا أية بقرة عنيت . وممن قال ذلك قتادة :

    1272 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( قالوا الآن جئت بالحق ) ، أي الآن بينت لنا .

    وقال بعضهم : ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن القوم أنهم نسبوا نبي الله موسى صلوات الله عليه ، إلى أنه لم يكن يأتيهم بالحق في أمر البقرة قبل ذلك . وممن روي عنه هذا القول عبد الرحمن بن زيد :

    1273 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : اضطروا إلى بقرة لا يعلمون على صفتها غيرها ، وهي صفراء ليس فيها سواد ولا بياض ، فقالوا : هذه بقرة فلان : ( الآن جئت بالحق ) ، وقبل ذلك والله قد جاءهم بالحق .

    قال أبو جعفر : وأولى التأويلين عندنا بقوله : ( قالوا الآن جئت بالحق ) ، قول قتادة . وهو أن تأويله : الآن بينت لنا الحق في أمر البقر ، فعرفنا أيها الواجب علينا ذبحها منها . لأن الله جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم قد أطاعوه فذبحوها ، بعد [ ص: 218 ] قيلهم هذا . مع غلظ مئونة ذبحها عليهم ، وثقل أمرها ، فقال : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) ، وإن كانوا قد قالوا - بقولهم : الآن بينت لنا الحق - هراء من القول ، وأتوا خطأ وجهلا من الأمر . وذلك أن نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم كان مبينا لهم - في كل مسألة سألوها إياه ، ورد رادوه في أمر البقر - الحق . وإنما يقال : " الآن بينت لنا الحق " لمن لم يكن مبينا قبل ذلك ، فأما من كان كل قيله - فيما أبان عن الله تعالى ذكره - حقا وبيانا ، فغير جائز أن يقال له في بعض ما أبان عن الله في أمره ونهيه ، وأدى عنه إلى عباده من فرائضه التي أوجبها عليهم : ( الآن جئت بالحق ) ، كأنه لم يكن جاءهم بالحق قبل ذلك !

    وقد كان بعض من سلف يزعم أن القوم ارتدوا عن دينهم وكفروا بقولهم لموسى : ( الآن جئت بالحق ) ، ويزعم أنهم نفوا أن يكون موسى أتاهم بالحق في أمر البقرة قبل ذلك ، وأن ذلك من فعلهم وقيلهم كفر .

    وليس الذي قال من ذلك عندنا كما قال ، لأنهم أذعنوا بالطاعة بذبحها ، وإن كان قيلهم الذي قالوه لموسى جهلة منهم وهفوة من هفواتهم .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ( 71 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( فذبحوها ) ، فذبح قوم موسى البقرة ، التي وصفها الله لهم وأمرهم بذبحها .

    ويعني بقوله : ( وما كادوا يفعلون ) ، أي : قاربوا أن يدعوا ذبحها ، ويتركوا فرض الله عليهم في ذلك .

    ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله كادوا أن يضيعوا فرض الله عليهم في ذبح ما أمرهم بذبحه من ذلك . فقال بعضهم : ذلك السبب كان [ ص: 219 ] غلاء ثمن البقرة التي أمروا بذبحها ، وبينت لهم صفتها .

    ذكر من قال ذلك :

    1274 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا أبو معشر المدني ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) قال : لغلاء ثمنها .

    1275 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد الهلالي قال ، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب قال ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) ، قال : من كثرة قيمتها .

    1276 - حدثنا القاسم قال ، أخبرنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وحجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس - في حديث فيه طول ، ذكر أن حديث بعضهم دخل في حديث بعض - قوله : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) ، لكثرة الثمن ، أخذوها بملء مسكها ذهبا من مال المقتول ، فكان سواء لم يكن فيه فضل فذبحوها .

    1277 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) ، يقول : كادوا لا يفعلون ، ولم يكن الذي أرادوا ، لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها : وكل شيء في القرآن " كاد " أو " كادوا " أو " لو " ، فإنه لا يكون . وهو مثل قوله : ( أكاد أخفيها ) [ طه : 20 ]

    وقال آخرون : لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة ، إن أطلع الله على [ ص: 220 ] قاتل القتيل الذي اختصموا فيه إلى موسى .

    قال أبو جعفر : والصواب من التأويل عندنا ، أن القوم لم يكادوا يفعلون ما أمرهم الله به من ذبح البقرة ، للخلتين كلتيهما : إحداهما غلاء ثمنها ، مع ما ذكر لنا من صغر خطرها وقلة قيمتها ; والأخرى خوف عظيم الفضيحة على أنفسهم ، بإظهار الله نبيه موسى صلوات الله عليه وأتباعه - على قاتله .

    فأما غلاء ثمنها ، فإنه قد روي لنا فيه ضروب من الروايات .

    1278 - فحدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : اشتروها بوزنها عشر مرات ذهبا ، فباعهم صاحبها إياها وأخذ ثمنها .

    1279 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : اشتروها بملء جلدها دنانير .

    1280 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كانت البقرة لرجل يبر أمه ، فرزقه الله أن جعل تلك البقرة له ، فباعها بملء جلدها ذهبا .

    1281 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل قال ، حدثني خالد بن يزيد ، عن مجاهد قال : أعطوا صاحبها ملء مسكها ذهبا فباعها منهم .

    1282 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل ، بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا يقول : اشتروها منه على أن يملئوا له جلدها دنانير ، ثم ذبحوها فعمدوا إلى جلد البقرة فملئوه دنانير ، ثم دفعوها إليه .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #128
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(114)
    الحلقة (128)
    صــ 221إلى صــ 225





    1283 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي [ ص: 221 ] قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : وجدوها عند رجل يزعم أنه ليس بائعها بمال أبدا ، فلم يزالوا به حتى جعلوا له أن يسلخوا له مسكها فيملئوه له دنانير ، فرضي به فأعطاهم إياها .

    1284 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : لم يجدوها إلا عند عجوز ، وإنها سألتهم أضعاف ثمنها ، فقال لهم موسى : أعطوها رضاها وحكمها . ففعلوا ، واشتروها فذبحوها .

    1285 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، قال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : لم يجدوا هذه البقرة إلا عند رجل واحد ، فباعها بوزنها ذهبا ، أو ملء مسكها ذهبا - فذبحوها .

    1286 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني قال : وجدوا البقرة عند رجل ، فقال : إني لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا ، فاشتروها بملء جلدها ذهبا .

    1287 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : جعلوا يزيدون صاحبها حتى ملئوا له مسكها - وهو جلدها - ذهبا .

    وأما صغر خطرها وقلة قيمتها ، فإن الحسن بن يحيى : -

    1288 - حدثنا قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة قال ، حدثني محمد بن سوقة ، عن عكرمة قال : ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير .

    وأما ما قلنا من خوفهم الفضيحة على أنفسهم ، فإن وهب بن منبه كان يقول : إن القوم إذ أمروا بذبح البقرة ، إنما قالوا لموسى : ( أتتخذنا هزوا ) ، لعلمهم بأنهم سيفتضحون إذا ذبحت ، فحادوا عن ذبحها .

    1289 - حدثت بذلك عن إسماعيل بن عبد الكريم ، عن عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه .

    وكان ابن عباس يقول : إن القوم ، بعد أن أحيا الله الميت فأخبرهم بقاتله ، [ ص: 222 ] أنكرت قتلته قتله ، فقالوا : والله ما قتلناه ; بعد أن رأوا الآية والحق .

    1290 - حدثني بذلك محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإذ قتلتم نفسا ) ، واذكروا يا بني إسرائيل إذ قتلتم نفسا . و " النفس " التي قتلوها ، هي النفس التي ذكرنا قصتها في تأويل قوله : ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) .

    وقوله : ( فادارأتم فيها ) ، يعني فاختلفتم وتنازعتم . وإنما هو " فتدارأتم فيها " على مثال " تفاعلتم " ، من الدرء . و " الدرء " : العوج ، ومنه قول أبي النجم العجلي :


    خشية ضغام إذا هم جسر يأكل ذا الدرء ويقصي من حقر
    يعني : ذا العوج والعسر . ومنه قول رؤبة بن العجاج :


    أدركتها قدام كل مدره بالدفع عني درء كل عنجه
    ومنه الخبر الذي : -

    1291 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا مصعب بن المقدام ، عن إسرائيل ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن مجاهد ، عن السائب قال : جاءني عثمان وزهير ابنا أمية ، فاستأذنا لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أعلم به منكما ، ألم تكن شريكي في الجاهلية ؟ قلت : نعم ، بأبي أنت وأمي ، فنعم الشريك كنت لا تماري ولا تداري " . [ ص: 224 ] يعني بقوله : " لا تداري ، لا تخالف رفيقك وشريكك ولا تنازعه ولا تشاره .

    وإنما أصل ( فادارأتم ) ، فتدارأتم ، ولكن التاء قريبة من مخرج الدال - وذلك أن مخرج التاء من طرف اللسان وأصول الشفتين ، ومخرج الدال من طرف اللسان وأطراف الثنيتين - فأدغمت التاء في الدال ، فجعلت دالا مشددة كما قال الشاعر :


    تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
    يريد إذا ما تتابع القبل ، فأدغم إحدى التاءين في الأخرى . فلما أدغمت التاء في الدال فجعلت دالا مثلها سكنت ، فجلبوا ألفا ليصلوا إلى الكلام بها ، وذلك إذا كان قبله شيء ، لأن الإدغام لا يكون إلا وقبله شيء ، ومنه قول الله جل ثناؤه : ( حتى إذا اداركوا فيها جميعا ) [ الأعراف : 38 ] ، إنما هو " تداركوا " ، ولكن التاء منها أدغمت في الدال ، فصارت دالا مشددة ، وجعلت فيها ألف - إذ وصلت بكلام - قبلها ليسلم الإدغام . وإذا لم يكن قبل ذلك ما يواصله ، وابتدئ به ، قيل : تداركوا وتثاقلوا ، فأظهروا الإدغام . وقد قيل يقال : " اداركوا ، وادارءوا " .

    وقد قيل إن معنى قوله : ( فادارأتم فيها ) ، فتدافعتم فيها . من قول القائل : " درأت هذا الأمر عني " ، ومن قول الله : ( ويدرأ عنها العذاب ) [ النور : 8 ] ، بمعنى [ ص: 225 ] يدفع عنها العذاب . وهذا قول قريب المعنى من القول الأول . لأن القوم إنما تدافعوا قتل قتيل ، فانتفى كل فريق منهم أن يكون قاتله ، كما قد بينا قبل فيما مضى من كتابنا هذا . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( فادارأتم فيها ) قال أهل التأويل .

    1292 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( فادارأتم فيها ) ، قال : اختلفتم فيها .

    1293 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    1294 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ) قال بعضهم : أنتم قتلتموه . وقال الآخرون : أنتم قتلتموه .

    1295 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( فادارأتم فيها ) ، قال : اختلفتم ، وهو التنازع ، تنازعوا فيه . قال : قال هؤلاء : أنتم قتلتموه . وقال هؤلاء : لا .

    وكان تدارؤهم في النفس التي قتلوها كما : -

    1296 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : صاحب البقرة رجل من بني إسرائيل ، قتله رجل فألقاه على باب ناس آخرين ، فجاء أولياء المقتول فادعوا دمه عندهم ، فانتفوا - أو انتفلوا - منه . شك أبو عاصم .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #129
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(115)
    الحلقة (129)
    صــ 226إلى صــ 230




    1297 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن [ ص: 226 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله سواء - إلا أنه قال : فادعوا دمه عندهم فانتفوا - ولم يشك - منه .

    1298 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : قتيل كان في بني إسرائيل فقذف كل سبط منهم [ سبطا به ] ، حتى تفاقم بينهم الشر ، حتى ترافعوا في ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم . فأوحى الله إلى موسى : أن اذبح بقرة فاضربه ببعضها . فذكر لنا أن وليه الذي كان يطلب بدمه هو الذي قتله ، من أجل ميراث كان بينهم .

    1299 - حدثني ابن سعد قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في شأن البقرة . وذلك أن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرا من المال وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم ، وكان الشيخ لا ولد له ، وكان بنو أخيه ورثته . فقالوا : ليت عمنا قد مات فورثنا ماله ! وإنه لما تطاول عليهم أن لا يموت عمهم ، أتاهم الشيطان ، فقال : هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم ، فترثوا ماله ، وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته ؟ - وذلك أنهما كانتا مدينتين ، كانوا في إحداهما ، فكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين ، قيس ما بين القتيل وما بين المدينتين ، فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية - وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك ، وتطاول عليهم أن لا يموت عمهم ، عمدوا إليه فقتلوه ، ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها . فلما أصبح أهل المدينة ، جاء بنو أخي الشيخ ، فقالوا : عمنا قتل على باب مدينتكم ، فوالله لتغرمن لنا دية عمنا . قال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا . وأنهم عمدوا إلى موسى ، فلما أتوا قال بنو أخي الشيخ : عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم . وقال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلناه ، ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا . وأن جبريل جاء بأمر ربنا السميع العليم إلى موسى ، [ ص: 227 ] فقال : قل لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها .

    1300 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا حسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد - وحجاج عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس - دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، قالوا : إن سبطا من بني إسرائيل ، لما رأوا كثرة شرور الناس ، بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس ، فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدا منهم خارجا إلا أدخلوه ، وإذا أصبحوا قام رئيسهم فنظر وتشرف ، فإذا لم ير شيئا فتح المدينة ، فكانوا مع الناس حتى يمسوا . وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير ، ولم يكن له وارث غير ابن أخيه ، فطال عليه حياته ، فقتله ليرثه ، ثم حمله فوضعه على باب المدينة ، ثم كمن في مكان هو وأصحابه . قال : فتشرف رئيس المدينة على باب المدينة ، فنظر فلم ير شيئا . ففتح الباب ، فلما رأى القتيل رد الباب : فناداه ابن أخي المقتول وأصحابه : هيهات ! قتلتموه ثم تردون الباب ؟ وكان موسى لما رأى القتل كثيرا في أصحابه بني إسرائيل ، كان إذا رأى القتيل بين ظهري القوم أخذهم . فكاد يكون بين أخي المقتول وبين أهل المدينة قتال ، حتى لبس الفريقان السلاح ، ثم كف بعضهم عن بعض . فأتوا موسى فذكروا له شأنهم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن هؤلاء قتلوا قتيلا ثم ردوا الباب . وقال أهل المدينة : يا رسول الله ، قد عرفت اعتزالنا الشرور ، وبنينا مدينة - كما رأيت - نعتزل شرور الناس ، ما قتلنا ولا علمنا قاتلا . فأوحى الله تعالى ذكره إليه : أن يذبحوا بقرة ، فقال لهم موسى : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة .

    1301 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : كان في بني إسرائيل رجل عقيم وله مال كثير ، فقتله ابن أخ له ، فجره فألقاه على باب ناس آخرين . [ ص: 228 ] ثم أصبحوا ، فادعاه عليهم ، حتى تسلح هؤلاء وهؤلاء ، فأرادوا أن يقتتلوا ، فقال ، ذوو النهى منهم : أتقتتلون وفيكم نبي الله ؟ فأمسكوا حتى أتوا موسى ، فقصوا عليه القصة ، فأمرهم أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ، فقالوا : أتتخذنا هزوا ؟ قال : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين .

    1302 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : قتيل من بني إسرائيل ، طرح في سبط من الأسباط ، فأتى أهل ذلك السبط إلى ذلك السبط فقالوا : أنتم والله قتلتم صاحبنا . فقالوا : لا والله . فأتوا إلى موسى فقالوا : هذا قتيلنا بين أظهرهم ، وهم والله قتلوه . فقالوا : لا والله يا نبي الله ، طرح علينا . فقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة .

    قال أبو جعفر : فكان اختلافهم وتنازعهم وخصامهم بينهم - في أمر القتيل الذي ذكرنا أمره ، على ما روينا من علمائنا من أهل التأويل - هو " الدرء " الذي قال الله جل ثناؤه لذريتهم وبقايا أولادهم : ( فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ) .
    القول في تأويل قوله تعالى ( والله مخرج ما كنتم تكتمون ( 72 ) )

    قال أبو جعفر : ويعني بقوله : ( والله مخرج ما كنتم تكتمون ) ، والله معلن ما كنتم تسرونه من قتل القتيل الذي قتلتم ، ثم ادارأتم فيه .

    ومعنى " الإخراج " - في هذا الموضع - الإظهار والإعلان لمن خفي ذلك عنه ، وإطلاعهم عليه ، كما قال الله تعالى ذكره : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ) [ النمل : 25 ] يعني بذلك : يظهره ويطلعه من مخبئه بعد خفائه .

    والذي كانوا يكتمونه فأخرجه ، هو قتل القاتل القتيل . لما كتم ذلك [ ص: 229 ] القاتل ومن علمه ممن شايعه على ذلك ، حتى أظهره الله وأخرجه ، فأعلن أمره لمن لا يعلم أمره .

    وعنى جل ذكره بقوله : ( تكتمون ) ، تسرون وتغيبون ، كما :

    1303 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( والله مخرج ما كنتم تكتمون ) ، قال : تغيبون .

    1304 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ما كنتم تكتمون ) ، ما كنتم تغيبون .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فقلنا اضربوه ببعضها )

    قال أبو جعفر : يعني جل ذكره بقوله : فقلنا لقوم موسى الذين ادارءوا في القتيل - الذي قد تقدم وصفنا أمره - : اضربوا القتيل . و " الهاء " التي في قوله : ( اضربوه ) من ذكر القتيل ; ( ببعضها ) أي : ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها .

    ثم اختلف العلماء في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ، وأي عضو كان ذلك منها . فقال بعضهم : ضرب بفخذ البقرة القتيل .

    ذكر من قال ذلك :

    1305 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : ضرب بفخذ البقرة فقام حيا ، فقال : قتلني فلان . ثم عاد في ميتته . [ ص: 230 ] 1306 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : ضرب بفخذ البقرة ، ثم ذكر مثله .

    1307 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) ، قال : بفخذها ، فلما ضرب بها عاش ، وقال : قتلني فلان . ثم عاد إلى حاله .

    1308 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن خالد بن يزيد ، عن مجاهد قال : ضرب بفخذها الرجل ، فقام حيا فقال : قتلني فلان . ثم عاد في ميتته .

    1309 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، قال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : ضربوا المقتول ببعض لحمها - وقال معمر ، عن قتادة - : ضربوه بلحم الفخذ فعاش ، فقال : قتلني فلان .

    1310 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها ، فأحياه الله فأنبأ بقاتله الذي قتله ، وتكلم ثم مات .

    وقال آخرون : الذي ضرب به منها هو البضعة التي بين الكتفين .

    ذكر من قال ذلك :



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #130
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(116)
    الحلقة (130)
    صــ 231إلى صــ 235




    1311 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) ، فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش ، فسألوه : من قتلك ؟ فقال لهم : ابن أخي . [ ص: 231 ] وقال آخرون : الذي أمروا أن يضربوه به منها ، عظم من عظامها .

    ذكر من قال ذلك :

    1312 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل . ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ، ثم عاد ميتا كما كان . فأخذ قاتله ، وهو الذي أتى موسى فشكا إليه ، فقتله الله على أسوأ عمله .

    وقال آخرون بما : -

    1313 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ضربوا الميت ببعض آرابها فإذا هو قاعد - قالوا : من قتلك ؟ قال : ابن أخي . قال : وكان قتله وطرحه على ذلك السبط ، أراد أن يأخذ ديته .

    قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل قوله عندنا : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) ، أن يقال : أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب . ولا دلالة في الآية ، ولا [ في ] خبر تقوم به حجة ، على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به . وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضر*بوه به هو الفخذ***** ، وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف ، وغير ذلك من أبعاضها . ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل ، ولا ينفع العلم به ، مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها فأحياه الله .

    قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها ؟ قيل : ليحيا فينبئ نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم والذين ادارءوا فيه - من قاتله .

    [ ص: 232 ] فإن قال قائل : وأين الخبر عن أن الله جل ثناؤه أمرهم بذلك لذلك ؟ قيل : ترك ذلك اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه - نحو الذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى . ومعنى الكلام : فقلنا : اضربوه ببعضها ليحيا ، فضربوه فحيي - كما قال جل ثناؤه : ( أن اضرب بعصاك البحر فانفلق ) [ الشعراء : 63 ] ، والمعنى : فضرب فانفلق - دل على ذلك قوله : ( كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ) .
    القول في تأويل قوله تعالى ( كذلك يحيي الله الموتى )

    قال أبو جعفر : وقوله : ( كذلك يحيي الله الموتى ) ، مخاطبة من الله عباده المؤمنين ، واحتجاج منه على المشركين المكذبين بالبعث ، وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا . فقال لهم تعالى ذكره : أيها المكذبون بالبعث بعد الممات اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته ، فإني كما أحييته في الدنيا ، فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم ، فأبعثهم يوم البعث .

    وإنما احتج جل ذكره بذلك على مشركي العرب ، وهم قوم أميون لا كتاب لهم ، لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم ، وفيهم نزلت هذه الآيات ، فأخبرهم جل ذكره بذلك ، ليتعرفوا علم من قبلهم .
    [ ص: 233 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ويريكم آياته لعلكم تعقلون ( 73 ) )

    قال أبو جعفر : يعني جل ذكره : ويريكم الله أيها الكافرون المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله - من آياته وآياته : أعلامه وحججه الدالة على نبوته لتعقلوا وتفهموا أنه محق صادق ، فتؤمنوا به وتتبعوه .
    القول في تأويل قوله تعالى ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك كفار بني إسرائيل ، وهم - فيما ذكر - بنو أخي المقتول ، فقال لهم : " ثم قست قلوبكم " : أي جفت وغلظت وعست ، كما قال الراجز :


    وقد قسوت وقسا لداتي
    يقال : " قسا " و " عسا " و " عتا " بمعنى واحد ، وذلك إذا جفا وغلظ وصلب . يقال : منه : قسا قلبه يقسو قسوا وقسوة وقساوة وقساء .

    ويعني بقوله : ( من بعد ذلك ) ، من بعد أن أحيا المقتول لهم الذي - ادارءوا [ ص: 234 ] في قتله ، فأخبرهم بقاتله ، وبالسبب الذي من أجله قتله ، كما قد وصفنا قبل على ما جاءت الآثار والأخبار - وفصل الله تعالى ذكره بخبره بين المحق منهم والمبطل . وكانت قساوة قلوبهم التي وصفهم الله بها ، أنهم - فيما بلغنا - أنكروا أن يكونوا هم قتلوا القتيل الذي أحياه الله ، فأخبر بني إسرائيل بأنهم كانوا قتلته ، بعد إخباره إياهم بذلك ، وبعد ميتته الثانية ، كما : -

    1314 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما ضرب المقتول ببعضها - يعني ببعض البقرة - جلس حيا ، فقيل له : من قتلك ؟ فقال : بنو أخي قتلوني . ثم قبض فقال بنو أخيه حين قبض : والله ما قتلناه ! فكذبوا بالحق بعد إذ رأوه ، فقال الله : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ) - يعني بني أخي الشيخ - ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) .

    1315 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ) ، يقول : من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى ، وبعد ما أراهم من أمر القتيل - ما أراهم ، " فهي كالحجارة أو أشد قسوة " .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( فهي ) : " قلوبكم " . يقول : ثم صلبت قلوبكم - بعد إذ رأيتم الحق فتبينتموه وعرفتموه - عن الخضوع له والإذعان لواجب حق الله عليكم ، فقلوبكم كالحجارة صلابة ويبسا وغلظا وشدة ، أو أشد قسوة " ، [ ص: 235 ] يعني : قلوبهم - عن الإذعان لواجب حق الله عليهم ، والإقرار له باللازم من حقوقه لهم - أشد صلابة من الحجارة .

    فإن سأل سائل فقال : وما وجه قوله : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ، و " أو " عند أهل العربية ، إنما تأتي في الكلام لمعنى الشك ، والله تعالى جل ذكره غير جائز في خبره الشك ؟

    قيل : إن ذلك على غير الوجه الذي توهمته ، من أنه شك من الله جل ذكره فيما أخبر عنه ، ولكنه خبر منه عن قلوبهم القاسية ، أنها - عند عباده الذين هم أصحابها ، الذين كذبوا بالحق بعد ما رأوا العظيم من آيات الله - كالحجارة قسوة أو أشد من الحجارة ، عندهم وعند من عرف شأنهم .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #131
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(117)
    الحلقة (131)
    صــ 236إلى صــ 240



    وقد قال في ذلك جماعة من أهل العربية أقوالا فقال بعضهم : إنما أراد الله جل ثناؤه بقوله : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ، وما أشبه ذلك من الأخبار التي تأتي ب " أو " ، كقوله : ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] ، وكقول الله جل ذكره : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) [ سبأ : 24 ] [ الإبهام على من خاطبه ] فهو عالم أي ذلك كان . قالوا : ونظير ذلك قول القائل : أكلت بسرة أو رطبة ، وهو عالم أي ذلك أكل ، ولكنه أبهم على المخاطب ، كما قال أبو الأسود الدؤلي :


    أحب محمدا حبا شديدا وعباسا وحمزة والوصيا [ ص: 236 ] فإن يك حبهم رشدا أصبه
    ولست بمخطئ إن كان غيا
    قالوا : ولا شك أن أبا الأسود لم يكن شاكا في أن حب من سمى - رشد ، ولكنه أبهم على من خاطبه به . وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما قال هذه الأبيات قيل له : شككت ! فقال : كلا والله ! ثم انتزع بقول الله عز وجل : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) ، فقال : أوكان شاكا - من أخبر بهذا - في الهادي من الضلال .

    وقال بعضهم : ذلك كقول القائل : " ما أطعمتك إلا حلوا أو حامضا " ، وقد أطعمه النوعين جميعا . فقالوا : فقائل ذلك لم يكن شاكا أنه قد أطعم صاحبه الحلو والحامض كليهما ، ولكنه أراد الخبر عما أطعمه إياه أنه لم يخرج عن هذين النوعين . قالوا : فكذلك قوله : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ، إنما معناه : فقلوبهم لا تخرج من أحد هذين المثلين ، إما أن تكون مثلا للحجارة في القسوة ، وإما أن تكون أشد منها قسوة . ومعنى ذلك على هذا التأويل : فبعضها كالحجارة قسوة ، وبعضها أشد قسوة من الحجارة .

    وقال بعضهم : " أو " في قوله : ( أو أشد قسوة ) ، بمعنى ، وأشد قسوة ، كما قال تبارك وتعالى : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) [ الإنسان : 24 ] بمعنى : وكفورا ، وكما قال جرير بن عطية :


    نال الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر
    يعني : نال الخلافة ، وكانت له قدرا ، وكما قال النابغة :


    قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد
    يريد . ونصفه

    وقال آخرون : " أو " في هذا الموضع بمعنى " بل " ، فكان تأويله عندهم : فهي كالحجارة بل أشد قسوة ، كما قال جل ثناؤه : ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] ، بمعنى : بل يزيدون .

    وقال آخرون : معنى ذلك : فهي كالحجارة ، أو أشد قسوة عندكم .

    قال أبو جعفر : ولكل مما قيل من هذه الأقوال التي حكينا وجه ومخرج في كلام العرب . غير أن أعجب الأقوال إلي في ذلك ما قلناه أولا ثم القول الذي ذكرناه عمن وجه ذلك إلى أنه بمعنى : فهي أوجه في القسوة : إما أن تكون كالحجارة ، أو أشد ، على تأويل أن منها كالحجارة ، ومنها أشد قسوة . لأن " أو " ، وإن استعملت في أماكن من أماكن " الواو " حتى يلتبس معناها ومعنى " الواو " ، لتقارب معنييهما في بعض تلك الأماكن - فإن أصلها أن تأتي بمعنى أحد الاثنين . فتوجيهها إلى أصلها - ما وجدنا إلى ذلك سبيلا أعجب إلي من إخراجها عن أصلها ، ومعناها المعروف لها .

    قال أبو جعفر : وأما الرفع في قوله : ( أو أشد قسوة ) فمن وجهين : أحدهما : أن يكون عطفا على معنى " الكاف " في قوله : ( كالحجارة ) ، لأن معناها الرفع . وذلك أن معناها معنى " مثل " ، [ فيكون تأويله ] فهي مثل الحجارة أو أشد قسوة من الحجارة . [ ص: 238 ] والوجه الآخر : أن يكون مرفوعا ، على معنى تكرير " هي " عليه . فيكون تأويل ذلك : فهي كالحجارة ، أو هي أشد قسوة من الحجارة .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ذكره : ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ) : وإن من الحجارة حجارة يتفجر منها الماء الذي تكون منه الأنهار ، فاستغنى بذكر الأنهار عن ذكر الماء . وإنما ذكر فقال " منه " ، للفظ " ما " .

    و " التفجر " : " التفعل " من " تفجر الماء " ، وذلك إذا تنزل خارجا من منبعه . وكل سائل شخص خارجا من موضعه ومكانه ، فقد " انفجر " ، ماء كان ذلك أو دما أو صديدا أو غير ذلك ، ومنه قول عمر بن لجأ :


    ولما أن قرنت إلى جرير أبى ذو بطنه إلا انفجارا
    يعني : إلا خروجا وسيلانا .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : وإن منها لما يشقق " ، [ ص: 239 ] وإن من الحجارة لحجارة يشقق . وتشققها : تصدعها . وإنما هي : لما يتشقق ، ولكن التاء أدغمت في الشين فصارت شينا مشددة .

    وقوله : ( فيخرج منه الماء ) فيكون عينا نابعة وأنهارا جارية .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وإن منها لما يهبط من خشية الله )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وإن من الحجارة لما يهبط - أي يتردى من رأس الجبل إلى الأرض والسفح - من خوف الله وخشيته . وقد دللنا على معنى " الهبوط " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

    قال أبو جعفر : وأدخلت هذه " اللامات " اللواتي في " ما " ، توكيدا للخبر .

    وإنما وصف الله تعالى ذكره الحجارة بما وصفها به - من أن منها المتفجر منه الأنهار ، وأن منها المتشقق بالماء ، وأن منها الهابط من خشية الله ، بعد الذي جعل منها لقلوب الذين أخبر عن قسوة قلوبهم من بني إسرائيل مثلا - معذرة منه جل ثناؤه لها ، دون الذين أخبر عن قسوة قلوبهم من بني إسرائيل إذ كانوا بالصفة التي وصفهم الله بها من التكذيب لرسله ، والجحود لآياته ، بعد الذي أراهم من الآيات والعبر ، وعاينوا من عجائب الأدلة والحجج ، مع ما أعطاهم تعالى ذكره من صحة العقول ، ومن به عليهم من سلامة النفوس التي لم [ ص: 240 ] يعطها الحجر والمدر ، ثم هو مع ذلك منه ما يتفجر بالأنهار ، ومنه ما يتشقق بالماء ، ومنه ما يهبط من خشية الله ، فأخبر تعالى ذكره أن من الحجارة ما هو ألين من قلوبهم لما يدعون إليه من الحق ، كما : -

    1316 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق .

    وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    1317 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) ، قال : كل حجر يتفجر منه الماء ، أو يتشقق عن ماء ، أو يتردى من رأس جبل ، فهو من خشية الله عز وجل ، نزل بذلك القرآن .

    1318 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    1319 - حدثني بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ثم عذر الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم . فقال : ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) .

    1320 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .

    1321 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ثم عذر الله الحجارة فقال : ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #132
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(118)
    الحلقة (132)
    صــ 241إلى صــ 245





    1322 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن [ ص: 241 ] جريج أنه قال فيها كل حجر انفجر منه ماء ، أو تشقق عن ماء ، أو تردى من جبل ، فمن خشية الله . نزل به القرآن .

    قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في معنى هبوط ما هبط من الحجارة من خشية الله .

    فقال بعضهم : إن هبوط ما هبط منها من خشية الله تفيؤ ظلاله .

    وقال آخرون : ذلك الجبل الذي صار دكا إذ تجلى له ربه .

    وقال بعضهم : ذلك كان منه ويكون ، بأن الله جل ذكره أعطى بعض الحجارة المعرفة والفهم ، فعقل طاعة الله فأطاعه .

    1324 - كالذي روي عن الجذع الذي كان يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب ، فلما تحول عنه حن .

    1325 - وكالذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن حجرا كان يسلم علي في الجاهلية إني لأعرفه الآن " . [ ص: 242 ] وقال آخرون : بل قوله : ( يهبط من خشية الله ) كقوله : ( جدارا يريد أن ينقض ) ولا إرادة له . قالوا وإنما أريد بذلك أنه من عظم أمر الله ، يرى كأنه هابط خاشع من ذل خشية الله ، كما قال زيد الخيل :


    بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم منه سجدا للحوافر
    وكما قال سويد بن أبي كاهل يصف عدوا له :


    ساجد المنخر لا يرفعه خاشع الطرف أصم المستمع
    يريد أنه ذليل .

    وكما قال جرير بن عطية :


    لما أتى خبر الرسول تضعضعت سور المدينة والجبال الخشع


    وقال آخرون : معنى قوله : ( يهبط من خشية الله ) ، أي : يوجب الخشية لغيره ، بدلالته على صانعه ، كما قيل : " ناقة تاجرة " ، إذا كانت من نجابتها وفراهتها تدعو الناس إلى الرغبة فيها ، كما قال جرير بن عطية :

    [ ص: 243 ]
    وأعور من نبهان ، أما نهاره فأعمى ، وأما ليله فبصير
    فجعل الصفة لليل والنهار ، وهو يريد بذلك صاحبه النبهاني الذي يهجوه ، من أجل أنه فيهما كان ما وصفه به .

    وهذه الأقوال ، وإن كانت غير بعيدات المعنى مما تحتمله الآية من التأويل ، فإن تأويل أهل التأويل من علماء سلف الأمة بخلافها ، فلذلك لم نستجز صرف تأويل الآية إلى معنى منها .

    وقد دللنا فيما مضى على معنى " الخشية " ، وأنها الرهبة والمخافة ، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وما الله بغافل عما تعملون ( 74 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وما الله بغافل عما تعملون ) ، وما الله بغافل - يا معشر المكذبين بآياته ، والجاحدين نبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، والمتقولين عليه الأباطيل من بني إسرائيل وأحبار اليهود - عما تعملون من أعمالكم الخبيثة ، وأفعالكم الرديئة ، ولكنه محصيها عليكم ، فمجازيكم بها في الآخرة ، أو معاقبكم بها في الدنيا . [ ص: 244 ] وأصل " الغفلة " عن الشيء ، تركه على وجه السهو عنه ، والنسيان له .

    فأخبرهم تعالى ذكره أنه غير غافل عن أفعالهم الخبيثة ، ولا ساه عنها ، بل هو لها محص ، ولها حافظ .
    القول في تأويل قوله تعالى ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( أفتطمعون ) يا أصحاب محمد ، أي : أفترجون يا معشر المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والمصدقين ما جاءكم به من عند الله ، أن يؤمن لكم يهود بني إسرائيل ؟

    ويعني بقوله : ( أن يؤمنوا لكم ) ، أن يصدقوكم بما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم محمد من عند ربكم ، كما : -

    1326 - حدثت عن عمار بن الحسن ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) ، يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، " أن يؤمنوا لكم " يقول : أفتطمعون أن يؤمن لكم اليهود ؟ .

    1327 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) الآية ، قال : هم اليهود .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وقد كان فريق منهم )

    قال أبو جعفر : أما " الفريق " فجمع ، كالطائفة ، لا واحد له من لفظه . وهو " فعيل " من " التفرق " سمي به الجماع ، كما سميت الجماعة ب " الحزب " ، من " التحزب " ، وما أشبه ذلك . ومنه قول أعشى بني ثعلبة :

    [ ص: 245 ]
    أجدوا فلما خفت أن يتفرقوا فريقين ، منهم مصعد ومصوب
    يعني بقوله : ( منهم ) ، من بني إسرائيل . وإنما جعل الله الذين كانوا على عهد موسى ومن بعدهم من بني إسرائيل ، من اليهود الذين قال الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) - لأنهم كانوا آباءهم وأسلافهم ، فجعلهم منهم ، إذ كانوا عشائرهم وفرطهم وأسلافهم ، كما يذكر الرجل اليوم الرجل ، وقد مضى على منهاج الذاكر وطريقته . وكان من قومه وعشيرته ، فيقول : " كان منا فلان " ، يعني أنه كان من أهل طريقته أو مذهبه ، أو من قومه وعشيرته . فكذلك قوله : ( وقد كان فريق منهم ) .
    القول في تأويل قوله تعالى ( يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ( 75 ) )



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #133
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(119)
    الحلقة (133)
    صــ 246إلى صــ 250





    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) . فقال بعضهم بما : -

    1328 - حدثني به محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ، [ ص: 246 ] فالذين يحرفونه والذين يكتمونه ، هم العلماء منهم .

    1329 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .

    1330 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ) ، قال : هي التوراة ، حرفوها .

    1331 - حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) ، قال : التوراة التي أنزلها عليهم ، يحرفونها ، يجعلون الحلال فيها حراما ، والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا ، إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله ، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب ، فهو فيه محق . وإن جاء أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء ، أمروه بالحق . فقال لهم : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) [ البقرة : 44 ] .

    وقال آخرون في ذلك بما : -

    1332 - حدثت عن عمار بن الحسن قال ، أخبرنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ، فكانوا يسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوة ، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون .

    1333 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ) الآية ، قال : ليس قوله : ( يسمعون كلام الله ) ، يسمعون التوراة . كلهم قد سمعها ، ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها . [ ص: 247 ] 1334 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : بلغني عن بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى : يا موسى ، قد حيل بيننا وبين رؤية الله عز وجل ، فأسمعنا كلامه حين يكلمك . فطلب ذلك موسى إلى ربه فقال : نعم ، فمرهم فليتطهروا ، وليطهروا ثيابهم ، ويصوموا . ففعلوا . ثم خرج بهم حتى أتى الطور ، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى عليه السلام [ أن يسجدوا ] فوقعوا سجودا ، وكلمه ربه فسمعوا كلامه ، يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا ما سمعوا . ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل . فلما جاءوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل : إن الله قد أمركم بكذا وكذا ، قال ذلك الفريق الذي ذكرهم الله : إنما قال كذا وكذا - خلافا لما قال الله عز وجل لهم . فهم الذين عنى الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

    قال أبو جعفر : وأولى التأويلين اللذين ذكرت بالآية ، وأشبههما بما دل عليه ظاهر التلاوة ، ما قاله الربيع بن أنس ، والذي حكاه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم : من أن الله تعالى ذكره إنما عنى بذلك من سمع كلامه من بني إسرائيل ، سماع موسى إياه منه ، ثم حرف ذلك وبدل ، من بعد سماعه وعلمه به وفهمه إياه . وذلك أن الله جل ثناؤه إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله عز وجل ، استعظاما من الله لما كانوا يأتون من البهتان ، بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان ، وإيذانا منه تعالى ذكره عباده المؤمنين قطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمد من الحق والنور والهدى ، فقال لهم : كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وإنما تخبرونهم - بالذي تخبرونهم من الأنباء عن الله عز وجل - عن غيب لم يشاهدوه ولم يعاينوه وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه وأمره ونهيه ، ثم يبدله ويحرفه ويجحده ، فهؤلاء الذين بين [ ص: 248 ] أظهركم من بقايا نسلهم ، أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق ، وهم لا يسمعونه من الله ، وإنما يسمعونه منكم - وأقرب إلى أن يحرفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ويبدلوه ، وهم به عالمون ، فيجحدوه ويكذبوا - من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه ، ثم حرفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف .

    ولو كان تأويل الآية على ما قاله الذين زعموا أنه عني بقوله : ( يسمعون كلام الله ) ، يسمعون التوراة ، لم يكن لذكر قوله : ( يسمعون كلام الله ) معنى مفهوم . لأن ذلك قد سمعه المحرف منهم وغير المحرف ، فخصوص المحرف منهم بأنه كان يسمع كلام الله - إن كان التأويل على ما قاله الذين ذكرنا قولهم - دون غيرهم ممن كان يسمع ذلك سماعهم لا معنى له .

    فإن ظن ظان [ أنه ] إنما صلح أن يقال ذلك لقوله : ( يحرفونه ) ، فقد أغفل وجه الصواب في ذلك . وذلك أن ذلك لو كان كذلك لقيل : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون . ولكنه جل ثناؤه أخبر عن خاص من اليهود ، كانوا أعطوا - من مباشرتهم سماع كلام الله - ما لم يعطه أحد غير الأنبياء والرسل ، ثم بدلوا وحرفوا ما سمعوا من ذلك . فلذلك وصفهم بما وصفهم به ، للخصوص الذي كان خص به هؤلاء الفريق الذي ذكرهم في كتابه تعالى ذكره .

    ويعني بقوله : ( ثم يحرفونه ) ، ثم يبدلون معناه وتأويله ويغيرونه . وأصله من " انحراف الشيء عن جهته " ، وهو ميله عنها إلى غيرها . فكذلك قوله : ( يحرفونه ) [ ص: 249 ] أي يميلونه عن وجهه ومعناه الذي هو معناه ، إلى غيره . فأخبر الله جل ثناؤه أنهم فعلوا ما فعلوا من ذلك على علم منهم بتأويل ما حرفوا ، وأنه بخلاف ما حرفوه إليه . فقال : ( يحرفونه من بعد ما عقلوه ) ، يعني : من بعد ما عقلوا تأويله ، ( وهم يعلمون ) ، أي : يعلمون أنهم في تحريفهم ما حرفوا من ذلك مبطلون كاذبون . وذلك إخبار من الله جل ثناؤه عن إقدامهم على البهت ، ومناصبتهم العداوة له ولرسوله موسى صلى الله عليه وسلم ، وأن بقاياهم - من مناصبتهم العداوة لله ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا - على مثل الذي كان عليه أوائلهم من ذلك في عصر موسى عليه الصلاة والسلام .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا )

    قال أبو جعفر : أما قوله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) ، فإنه خبر من الله جل ذكره عن الذين أيأس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من إيمانهم - من يهود بني إسرائيل ، الذين كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون - وهم الذين إذا لقوا الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا . يعني بذلك : أنهم إذا لقوا الذين صدقوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله ، قالوا : آمنا - أي صدقنا بمحمد وبما صدقتم به ، وأقررنا بذلك . أخبر الله عز وجل أنهم تخلقوا بأخلاق المنافقين ، وسلكوا منهاجهم ، كما : -

    1335 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس قوله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، وذلك أن نفرا من اليهود كانوا إذا لقوا محمدا صلى الله عليه وسلم قالوا : [ ص: 250 ] آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم .

    1336 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) ، يعني المنافقين من اليهود ، كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا .

    وقد روي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر وهو ما : -

    1337 - حدثنا به ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) ، أي : بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه إليكم خاصة .

    1338 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) الآية ، قال : هؤلاء ناس من اليهود ، آمنوا ثم نافقوا .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ( 76 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض ) أي : إذا خلا بعض هؤلاء اليهود - الذين وصف الله صفتهم - إلى بعض منهم ، فصاروا في خلاء من الناس غيرهم ، وذلك هو الموضع الذي ليس فيه غيرهم - " قالوا " يعني : قال بعضهم لبعض - : " أتحدثونهم بما فتح الله عليكم " .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #134
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(120)
    الحلقة (134)
    صــ 251إلى صــ 255




    ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( بما فتح الله عليكم ) . فقال بعضهم بما : -

    1339 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن [ ص: 251 ] عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، يعني : بما أمركم الله به . فيقول الآخرون : إنما نستهزئ بهم ونضحك .

    وقال آخرون بما : -

    1340 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) ، أي : بصاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم . فأنزل الله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) ، أي : تقرون بأنه نبي ، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجده في كتابنا ؟ اجحدوه ولا تقروا لهم به . يقول الله : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .

    1341 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، أي بما أنزل الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم .

    1342 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : ( قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، أي : بما من الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا به عليكم ، ( أفلا تعقلون ) .

    [ ص: 252 ] 1343 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، ليحتجوا به عليكم .

    1344 - حدثني المثنى قال ، حدثني آدم قال ، حدثنا أبو جعفر قال ، قال قتادة : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، يعني : بما أنزل الله عليكم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته .

    وقال آخرون في ذلك بما : -

    1345 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) قال : قول يهود بني قريظة ، حين سبهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم إخوة القردة والخنازير ، قالوا : من حدثك ؟ هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا ، فقال : يا إخوة القردة والخنازير .

    1346 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله - إلا أنه قال : هذا ، حين أرسل إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآذوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اخسئوا يا إخوة القردة والخنازير " .

    1347 - حدثنا القاسم قال ، حدثني الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، [ ص: 253 ] قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال : " يا إخوان القردة ، ويا إخوان الخنازير ، ويا عبدة الطاغوت . فقالوا : من أخبر هذا محمدا ؟ ما خرج هذا إلا منكم ! ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ! بما حكم الله ، للفتح ، ليكون لهم حجة عليكم . قال ابن جريج ، عن مجاهد : هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا صلى الله عليه وسلم .

    وقال آخرون بما : -

    1348 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) - من العذاب - " ليحاجوكم به عند ربكم " هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا ، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به ، فقال بعضهم لبعض : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب ، ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم ، وأكرم على الله منكم ؟



    وقال آخرون بما : -

    1349 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) : قال : كانوا إذا سئلوا عن الشيء قالوا : أما تعلمون في التوراة كذا وكذا ؟ قالوا : بلى ! - قال : وهم يهود - فيقول لهم رؤساؤهم الذين يرجعون إليهم : ما لكم تخبرونهم بالذي أنزل الله عليكم فيحاجوكم به عند ربكم ؟ أفلا تعقلون ؟ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن . فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق : اذهبوا فقولوا آمنا ، واكفروا إذا رجعتم . قال : فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر وقرأ قول الله : ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) [ آل عمران : 72 ] . وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة : نحن مسلمون . ليعلموا خبر رسول الله صلى الله [ ص: 254 ] عليه وسلم وأمره ، فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر . فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهم ، قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون وكان المؤمنون الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يظنون أنهم مؤمنون ، فيقولون لهم : أليس قد قال الله لكم كذا وكذا ؟ فيقولون : بلى ! فإذا رجعوا إلى قومهم [ يعني الرؤساء ] - قالوا : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم " ، الآية .

    وأصل " الفتح " في كلام العرب : النصر والقضاء ، والحكم . يقال منه : " اللهم افتح بيني وبين فلان " ، أي احكم بيني وبينه ، ومنه قول الشاعر :


    ألا أبلغ بني عصم رسولا بأني عن فتاحتكم غني
    قال أبو جعفر : قال : ويقال للقاضي : " الفتاح " ومنه قول الله عز وجل : ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) [ الأعراف : 89 ] أي احكم بيننا وبينهم .

    فإذا كان معنى الفتح ما وصفنا ، تبين أن معنى قوله : ( قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) إنما هو أتحدثونهم بما حكم الله به عليكم ، وقضاه فيكم ؟ ومن حكمه جل ثناؤه عليهم ما أخذ به ميثاقهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به في التوراة . ومن قضائه فيهم أن جعل منهم القردة والخنازير ، وغير ذلك من أحكامه وقضائه فيهم . وكل ذلك كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به حجة على المكذبين من اليهود [ ص: 255 ] المقرين بحكم التوراة ، وغير ذلك [ من أحكامه وقضائه ] .

    فإذ كان كذلك . فالذي هو أولى عندي بتأويل الآية قول من قال : معنى ذلك : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى خلقه ؟ لأن الله جل ثناؤه إنما قص في أول هذه الآية الخبر عن قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه : آمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ; فالذي هو أولى بآخرها أن يكون نظير الخبر عما ابتدئ به أولها .

    وإذا كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون تلاومهم كان فيما بينهم فيما كانوا أظهروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه من قولهم لهم : آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به . وكان قيلهم ذلك ، من أجل أنهم يجدون ذلك في كتبهم ، وكانوا يخبرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . فكان تلاومهم - فيما بينهم إذا خلوا - على ما كانوا يخبرونهم بما هو حجة للمسلمين عليهم عند ربهم . وذلك أنهم كانوا يخبرونهم عن وجود نعت محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم ، ويكفرون به ، وكان فتح الله الذي فتحه للمسلمين على اليهود ، وحكمه عليهم لهم في كتابهم ، أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث . فلما بعث كفروا به ، مع علمهم بنبوته .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #135
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(121)
    الحلقة (135)
    صــ 256إلى صــ 260




    قال أبو جعفر : وقوله : ( أفلا تعقلون ) ، خبر من الله تعالى ذكره - عن اليهود اللائمين إخوانهم على ما أخبروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتح الله لهم عليهم - أنهم قالوا لهم : أفلا تفقهون أيها القوم وتعقلون ، أن إخباركم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما في كتبكم أنه نبي مبعوث ، حجة لهم عليكم عند ربكم ، يحتجون بها عليكم ؟ أي : فلا تفعلوا ذلك ، ولا تقولوا لهم مثل ما قلتم ، ولا تخبروهم [ ص: 256 ] بمثل ما أخبرتموهم به من ذلك . فقال جل ثناؤه : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
    القول في تأويل قوله تعالى ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( 77 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) ، أولا يعلم - هؤلاء اللائمون من اليهود إخوانهم من أهل ملتهم ، على كونهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وعلى إخبارهم المؤمنين بما في كتبهم من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ، القائلون لهم : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم - أن الله عالم بما يسرون ، فيخفونه عن المؤمنين في خلائهم من كفرهم ، وتلاومهم بينهم على إظهارهم ما أظهروا لرسول الله وللمؤمنين به من الإقرار بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى قيلهم لهم : آمنا ، ونهي بعضهم بعضا أن يخبروا المؤمنين بما فتح الله للمؤمنين عليهم ، وقضى لهم عليهم في كتبهم ، من حقيقة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ومبعثه وما يعلنون ، فيظهرونه لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه المؤمنين به إذا لقوهم ، من قيلهم لهم : آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، نفاقا وخداعا لله ولرسوله وللمؤمنين ؟ كما : -

    1350 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون ) ، من كفرهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم إذا خلا بعضهم إلى بعض ، ( وما يعلنون ) إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا ليرضوهم بذلك .

    1351 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 257 ] الربيع ، عن أبي العالية : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) ، يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبهم به ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم ، ( وما يعلنون ) ، يعني : ما أعلنوا حين قالوا للمؤمنين : آمنا .
    القول في تأويل قوله تعالى ( ومنهم أميون )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ومنهم أميون ) ، ومن هؤلاء - اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات ، وأيأس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيمانهم فقال لهم : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم إذا لقوكم قالوا : آمنا ، كما : -

    1352 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ومنهم أميون ) ، يعني : من اليهود .

    1353 - وحدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

    1354 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( ومنهم أميون ) ، قال : أناس من يهود .

    قال أبو جعفر : يعني ب " الأميين " ، الذين لا يكتبون ولا يقرءون .

    ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " يقال منه : " رجل أمي بين الأمية " . كما : -

    1356 - حدثني المثنى قال ، حدثني سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن [ ص: 258 ] المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ) ، قال : منهم من لا يحسن أن يكتب .

    1357 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( ومنهم أميون ) قال : أميون لا يقرءون الكتاب من اليهود .

    وروي عن ابن عباس قول خلاف هذا القول ، وهو ما : -

    1358 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( ومنهم أميون ) ، قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، [ ص: 259 ] ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله . وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين ، لجحودهم كتب الله ورسله .

    قال أبو جعفر : وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم ، وذلك أن " الأمي " عند العرب : هو الذي لا يكتب .

    قال أبو جعفر : وأرى أنه قيل للأمي " أمي " ; نسبة له بأنه لا يكتب إلى " أمه " ، لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء ، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال - إلى أمه - في جهله بالكتابة ، دون أبيه ، كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " ، وكما قال : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) [ الجمعة : 2 ] . فإذا كان معنى " الأمي " في كلام العرب ما وصفنا ، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي ، من أن معنى قوله : ( ومنهم أميون ) : ومنهم من لا يحسن أن يكتب .
    القول في تأويل قوله تعالى ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( لا يعلمون الكتاب ) ، لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله ، ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه ، كهيئة البهائم ، كالذي : -

    1359 - حدثني الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا [ ص: 260 ] معمر ، عن قتادة في قوله ، ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) : إنما هم أمثال البهائم ، لا يعلمون شيئا .

    1360 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( لا يعلمون الكتاب ) ، يقول : لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه .

    1361 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( لا يعلمون الكتاب ) لا يدرون ما فيه .

    1362 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( لا يعلمون الكتاب ) قال : لا يدرون بما فيه .

    1363 - حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ( لا يعلمون الكتاب ) ، لا يعلمون شيئا ، لا يقرءون التوراة . ليست تستظهر ، إنما تقرأ هكذا . فإذا لم يكتب أحدهم ، لم يستطع أن يقرأ .

    1364 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله ، ( لا يعلمون الكتاب ) ، قال : لا يعرفون الكتاب الذي أنزله الله .

    قال أبو جعفر : وإنما عني ب " الكتاب " : التوراة ، ولذلك أدخلت فيه " الألف واللام " لأنه قصد به كتاب معروف بعينه .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #136
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(122)
    الحلقة (136)
    صــ 261إلى صــ 265




    ومعناه : ومنهم فريق لا يكتبون ، ولا يدرون ما في الكتاب الذي عرفتموه الذي هو عندهم - وهم ينتحلونه ويدعون الإقرار به - من أحكام الله وفرائضه ، وما فيه من حدوده التي بينها فيه .

    [ واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ] ( إلا أماني ) فقال بعضهم بما : - [ ص: 261 ] 1365 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( إلا أماني ) ، يقول : إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا .

    1366 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) : إلا كذبا .

    1367 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

    وقال آخرون بما : -

    1368 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إلا أماني ) ، يقول : يتمنون على الله ما ليس لهم .

    1369 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( إلا أماني ) ، يقول : يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم .

    1370 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح ، [ عن معاوية بن صالح ] ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ، يقول : إلا أحاديث .

    1371 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ، قال : أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا ، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ، ويقولون : هو من الكتاب أماني يتمنونها .

    1372 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( إلا أماني ) ، يتمنون على الله ما ليس لهم .

    1373 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( إلا أماني ) ، قال : تمنوا فقالوا : نحن من أهل الكتاب . وليسوا منهم .

    [ ص: 262 ] قال أبو جعفر : وأولى ما روينا في تأويل قوله : ( إلا أماني ) ، بالحق ، وأشبهه بالصواب ، الذي قاله ابن عباس - الذي رواه عنه الضحاك - وقول مجاهد : إن " الأميين " الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية ، أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله على موسى شيئا ، ولكنهم يتخرصون الكذب ويتقولون الأباطيل كذبا وزورا .

    و " التمني " في هذا الموضع ، هو تخلق الكذب وتخرصه وافتعاله . يقال منه : " تمنيت كذا " ، إذا افتعلته وتخرصته . ومنه الخبر الذي روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : " ما تغنيت ولا تمنيت " ، يعني بقوله : " ما تمنيت " ، ما تخرصت الباطل ، ولا اختلقت الكذب والإفك .

    والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك - وأنه أولى بتأويل قوله : ( إلا أماني ) من غيره من الأقوال - قول الله جل ثناؤه : ( وإن هم إلا يظنون ) . فأخبر عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب ، ظنا منهم لا يقينا . ولو كان معنى ذلك أنهم " يتلونه " ، لم يكونوا ظانين ، وكذلك لو كان معناه : " يشتهونه " . لأن الذي يتلوه ، إذا تدبره علمه . ولا يستحق - الذي يتلو كتابا قرأه ، وإن لم يتدبره بتركه التدبر أن يقال : هو ظان لما يتلو ، إلا أن يكون شاكا في نفس ما يتلوه ، لا يدري أحق هو أم باطل . ولم يكن القوم - الذين كانوا يتلون التوراة على عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود - فيما بلغنا - [ ص: 263 ] شاكين في التوراة أنها من عند الله . وكذلك " المتمني " الذي هو في معنى " المشتهي " غير جائز أن يقال : هو ظان في تمنيه . لأن التمني من المتمني ، إذا تمنى ما قد وجد عينه . فغير جائز أن يقال : هو شاك ، فيما هو به عالم . لأن العلم والشك معنيان ينفي كل واحد منهما صاحبه ، لا يجوز اجتماعهما في حيز واحد . والمتمني في حال تمنيه ، موجود تمنيه ، فغير جائز أن يقال : هو يظن تمنيه .

    وإنما قيل : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ، والأماني من غير نوع " الكتاب " ، كما قال ربنا جل ثناؤه : ( ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) [ النساء : 157 ] و " الظن " من " العلم " بمعزل . وكما قال : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) [ الليل : 19 - 20 ] ، وكما قال الشاعر :


    ليس بيني وبين قيس عتاب غير طعن الكلى وضرب الرقاب
    وكما قال نابغة بني ذبيان :


    حلفت يمينا غير ذي مثنوية ، ولا علم إلا حسن ظن بصاحب
    [ ص: 264 ] في نظائر لما ذكرنا يطول بإحصائها الكتاب .

    ويخرج ب " إلا " ما بعدها من معنى ما قبلها ومن صفته ، وإن كان كل واحد منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه . ويسمي ذلك بعض أهل العربية " استثناء منقطعا " ، لانقطاع الكلام الذي يأتي بعد " إلا " عن معنى ما قبلها . وإنما يكون ذلك كذلك ، في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان " إلا " " لكن " ; فيعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول ، ألا ترى أنك إذا قلت : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ثم أردت وضع " لكن " مكان " إلا " وحذف " إلا " ، وجدت الكلام صحيحا معناه صحته وفيه " إلا " ؟ وذلك إذا قلت : ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب لكن أماني . يعني : لكنهم يتمنون . وكذلك قوله : ( ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) ، لكن اتباع الظن ، بمعنى : لكنهم يتبعون الظن . وكذلك جميع هذا النوع من الكلام على ما وصفنا .

    وقد ذكر عن بعض القرأة أنه قرأ : ( إلا أماني ) مخففة . ومن خفف ذلك وجهه إلى نحو جمعهم " المفتاح " " مفاتح " ، و " القرقور " ، " قراقر " ، وأن [ ص: 265 ] ياء الجمع لما حذفت خففت الياء الأصلية - أعني من " الأماني " - كما جمعوا " الأثفية " " أثافي " مخففة ، كما قال زهير بن أبي سلمى :


    أثافي سفعا في معرس مرجل ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
    وأما من ثقل : ( أماني ) فشدد ياءها ، فإنه وجه ذلك إلى نحو جمعهم " المفتاح مفاتيح ، والقرقور قراقير ، والزنبور زنابير " ، فاجتمعت ياء " فعاليل " ولامها ، وهما جميعا ياآن ، فأدغمت إحداهما في الأخرى ، فصارتا ياء واحدة مشددة .

    فأما القراءة التي لا يجوز غيرها عندي لقارئ في ذلك ، فتشديد ياء " الأماني " ، لإجماع القرأة على أنها القراءة التي مضى على القراءة بها السلف - مستفيض ذلك بينهم ، غير مدفوعة صحته - وشذوذ القارئ بتخفيفها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك . وكفى دليلا على خطأ قارئ ذلك بتخفيفها ، إجماعها على تخطئته .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وإن هم إلا يظنون ( 78 ) )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإن هم إلا يظنون ) ، وما هم ، كما قال جل ثناؤه : ( قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ) [ إبراهيم : 11 ] ، يعني بذلك : ما نحن إلا بشر مثلكم .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #137
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(123)
    الحلقة (137)
    صــ 266إلى صــ 270





    ومعنى قوله : ( إلا يظنون ) : إلا يشكون ، ولا يعلمون حقيقته وصحته . و " الظن " - في هذا الموضع - الشك . [ ص: 266 ] فمعنى الآية : ومنهم من لا يكتب ولا يخط ولا يعلم كتاب الله ولا يدري ما فيه ، إلا تخرصا وتقولا على الله الباطل ، ظنا منه أنه محق في تخرصه وتقوله الباطل .

    وإنما وصفهم الله تعالى ذكره بأنهم في تخرصهم على ظن أنهم محقون وهم مبطلون ، لأنهم كانوا قد سمعوا من رؤسائهم وأحبارهم أمورا حسبوها من كتاب الله ، ولم تكن من كتاب الله ، فوصفهم جل ثناؤه بأنهم يتركون التصديق بالذي يوقنون به أنه من عند الله مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتبعون ما هم فيه شاكون ، وفي حقيقته مرتابون ، مما أخبرهم به كبراؤهم ورؤساؤهم وأحبارهم عنادا منهم لله ولرسوله ، ومخالفة منهم لأمر الله ، واغترارا منهم بإمهال الله إياهم . وبنحو ما قلنا في تأويل قوله : ( وإن هم إلا يظنون ) ، قال فيه المتأولون من السلف :

    1374 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وإن هم إلا يظنون ) إلا يكذبون .

    1375 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    1376 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .

    1377 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ) ، أي لا يعلمون ولا يدرون ما فيه ، وهم يجحدون نبوتك بالظن .

    1378 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وإن هم إلا يظنون ) ، قال : يظنون الظنون بغير الحق .

    1379 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 267 ] الربيع ، عن أبي العالية قال : يظنون الظنون بغير الحق .

    1380 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فويل )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فويل ) . فقال بعضهم بما : -

    1381 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق عن الضحاك ، عن ابن عباس ( فويل ) ، يقول : فالعذاب عليهم .

    وقال آخرون بما : -

    1382 - حدثنا به ابن بشار قال ، حدثنا ابن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن زياد بن فياض قال : سمعت أبا عياض يقول : الويل : ما يسيل من صديد في أصل جهنم .

    1383 - حدثنا بشر بن أبان الحطاب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن زياد بن فياض ، عن أبي عياض في قوله : ( فويل ) ، قال : صهريج في أصل جهنم ، يسيل فيه صديدهم . [ ص: 268 ] 1384 - حدثنا علي بن سهل الرملي قال ، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء قال ، حدثنا سفيان عن زياد بن فياض ، عن أبي عياض قال : الويل ، واد من صديد في جهنم .

    1385 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا مهران ، عن شقيق قال : ( ويل ) ، ما يسيل من صديد في أصل جهنم .

    وقال آخرون بما : -

    1386 - حدثنا به المثنى قال ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح التستري . قال ، حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة بن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الويل جبل في النار " . [ ص: 269 ] 1387 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ويل " واد في جهنم ، يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ إلى قعره " .

    قال أبو جعفر : فمعنى الآية - على ما روي عمن ذكرت قوله في تأويل ( ويل ) - : فالعذاب الذي هو شرب صديد أهل جهنم في أسفل الجحيم لليهود الذين يكتبون الباطل بأيديهم ، ثم يقولون : هذا من عند الله .
    [ ص: 270 ] القول في تأويل قوله تعالى ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا )

    قال أبو جعفر : يعني بذلك الذين حرفوا كتاب الله من يهود بني إسرائيل ، وكتبوا كتابا على ما تأولوه من تأويلاتهم ، مخالفا لما أنزل الله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ، ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها ، ولا بما في التوراة ، جهال بما في كتب الله - لطلب عرض من الدنيا خسيس ، فقال الله لهم : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ، كما : -

    1388 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) ، قال : كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم ، يبيعونه من العرب ، ويحدثونهم أنه من عند الله ، ليأخذوا به ثمنا قليلا .

    1389 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله " ليشتروا به ثمنا قليلا " . قال : عرضا من عرض الدنيا .

    1390 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) ، قال : هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله ، يحرفونه .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #138
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(124)
    الحلقة (138)
    صــ 271إلى صــ 275








    1391 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله ، إلا أنه قال : ثم يحرفونه . [ ص: 271 ] 1392 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد ، عن قتادة : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) الآية ، وهم اليهود .

    1393 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) ، قال : كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتابا بأيديهم ، ليتأكلوا الناس ، فقالوا : هذا من عند الله ، وما هو من عند الله .

    1394 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) ، قال : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه ، يبتغون بذلك عرضا من عرض الدنيا ، فقال : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) .

    1395 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام قال ، حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ، الويل : جبل في النار ، وهو الذي أنزل في اليهود ، لأنهم حرفوا التوراة ، وزادوا فيها ما يحبون ، ومحوا منها ما يكرهون ، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة . فلذلك غضب الله عليهم ، فرفع بعض التوراة ، فقال : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) .

    1396 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني سعيد بن أبي [ ص: 272 ] أيوب ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار . قال : ويل ، واد في جهنم ، لو سيرت فيه الجبال لانماعت من شدة حره .

    قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : ما وجه قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) ؟ وهل تكون الكتابة بغير اليد ، حتى احتاج المخاطبون بهذه المخاطبة ، إلى أن يخبروا عن هؤلاء - القوم الذين قص الله قصتهم - أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ؟ .

    قيل له : إن الكتاب من بني آدم ، وإن كان منهم باليد ، فإنه قد يضاف الكتاب إلى غير كاتبه وغير المتولي رسم خطه فيقال : كتب فلان إلى فلان بكذا " ، وإن كان المتولي كتابته بيده ، غير المضاف إليه الكتاب ، إذا كان الكاتب كتبه بأمر المضاف إليه الكتاب . فأعلم ربنا بقوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) عباده المؤمنين ، أن أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله بأيديهم ، على علم منهم وعمد للكذب على الله ، ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله ، تكذبا على الله وافتراء عليه . فنفى جل ثناؤه بقوله : ( يكتبون الكتاب بأيديهم ) ، أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهالهم بأمر علمائهم وأحبارهم . وذلك نظير قول القائل : " باعني فلان عينه كذا وكذا ، فاشترى فلان نفسه كذا " ، يراد بإدخال " النفس والعين " في ذلك ، نفي اللبس عن سامعه ، أن يكون المتولي بيع ذلك أو شراءه ، غير الموصوف له أمره ،

    ويوجب حقيقة الفعل للمخبر [ ص: 273 ] عنه ، فكذلك قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ( 79 ) )

    قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم ) ، أي فالعذاب - في الوادي السائل من صديد أهل النار في أسفل جهنم - لهم ، يعني : للذين يكتبون الكتاب ، الذي وصفنا أمره ، من يهود بني إسرائيل محرفا ، ثم قالوا : هذا من عند الله ، ابتغاء عرض من الدنيا به قليل ممن يبتاعه منهم .

    وقوله : ( مما كتبت أيديهم ) ، يقول : من الذي كتبت أيديهم من ذلك ، وويل لهم أيضا ( مما يكسبون ) ، يعني : مما يعملون من الخطايا ، ويجترحون من الآثام ، ويكسبون من الحرام ، بكتابهم الذي يكتبونه بأيديهم ، بخلاف ما أنزل الله ، ثم يأكلون ثمنه ، وقد باعوه ممن باعوه منهم على أنه من كتاب الله ، كما : -

    1397 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( وويل لهم مما يكسبون ) ، يعني : من الخطيئة .

    1398 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( فويل لهم ) ، يقول : فالعذاب عليهم . قال : يقول : من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب ، ( وويل لهم مما يكسبون ) ، يقول : مما يأكلون به من السفلة وغيرهم .

    قال أبو جعفر : وأصل " الكسب " : العمل . فكل عامل عملا بمباشرة منه لما عمل ومعاناة باحتراف ، فهو كاسب لما عمل ، كما قال لبيد بن ربيعة :

    [ ص: 274 ]
    لمعفر قهد تنازع شلوه غبس كواسب لا يمن طعامها


    القول في تأويل قوله ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وقالوا ) ، اليهود ، يقول : وقالت اليهود : ( لن تمسنا النار ) ، يعني لن تلاقي أجسامنا النار ولن ندخلها ، " إلا أياما معدودة " . وإنما قيل " معدودة " وإن لم يكن مبينا عددها في التنزيل ، لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم بذلك وهم عارفون عدد الأيام ، التي يوقتونها لمكثهم في النار . فلذلك ترك ذكر تسمية عدد تلك الأيام ، وسماها " معدودة " لما وصفنا .

    ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ الأيام المعدودة التي عينها اليهود ، القائلون ما أخبر الله عنهم من ذلك فقال بعضهم بما : -

    1399 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قال ذلك أعداء الله اليهود ، قالوا : لن يدخلنا الله النار إلا [ ص: 275 ] تحلة القسم ، الأيام التي أصبنا فيها العجل : أربعين يوما ، فإذا انقضت عنا تلك الأيام ، انقطع عنا العذاب والقسم .

    1400 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قالوا : أياما معدودة بما أصبنا في العجل .

    1401 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قال : قالت اليهود : إن الله يدخلنا النار فنمكث فيها أربعين ليلة ، حتى إذا أكلت النار خطايانا واستنقيتنا ، نادى مناد : أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل . فلذلك أمرنا أن نختتن . قالوا : فلا يدعون منا في النار أحدا إلا أخرجوه .

    1402 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : قالت اليهود : إن ربنا عتب علينا في أمرنا ، فأقسم ليعذبنا أربعين ليلة ، ثم يخرجنا . فأكذبهم الله .

    1403 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن قتادة قال : قالت اليهود : لن ندخل النار إلا تحلة القسم ، عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #139
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(125)
    الحلقة (139)
    صــ 276إلى صــ 280





    1404 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) الآية ، قال ابن عباس : ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوبا ، أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم - وكان ابن عباس يقول : إن الجحيم سقر ، وفيه شجرة الزقوم - فزعم أعداء الله ، [ ص: 276 ] أنه إذا خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياما معدودة - وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم - فقالوا : إذا خلا العدد انتهى الأجل . فلا عذاب ، وتذهب جهنم وتهلك . فذلك قوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، يعنون بذلك الأجل . فقال ابن عباس : لما اقتحموا من باب جهنم ، ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة ، قال لهم خزان سقر : زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة ! فقد خلا العدد وأنتم في الأبد ! فأخذ بهم في الصعود في جهنم يرهقون .

    1405 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، إلا أربعين ليلة .

    1406 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن ندخل النار إلا أربعين ليلة ، وسيخلفنا فيها قوم آخرون - يعنون محمدا وأصحابه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم " بل أنتم فيها خالدون ، لا يخلفكم فيها أحد . فأنزل الله جل ثناؤه : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) .

    1407 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : اجتمعت يهود يوما تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم . فقالوا : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، [ ص: 277 ] - وسموا أربعين يوما - ثم يخلفنا ، أو يلحقنا ، فيها أناس . فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كذبتم ، بل أنتم فيها خالدون مخلدون ، لا نلحقكم ولا نخلفكم فيها إن شاء الله أبدا " .

    1408 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا علي بن معبد ، عن أبي معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قال : قالت اليهود : لا نعذب في النار يوم القيامة إلا أربعين يوما مقدار ما عبدنا العجل .

    1409 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : " أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى يوم طور سيناء ، من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة ؟ وقالوا : إن ربهم غضب عليهم غضبة ، فنمكث في النار أربعين ليلة ، ثم نخرج فتخلفوننا فيها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتم والله ، لا نخلفكم فيها أبدا " . فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا ) إلى قوله : ( هم فيها خالدون ) .

    وقال آخرون في ذلك بما : -

    1410 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت يهود يقولون : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الله الناس يوم القيامة بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا من أيام الآخرة ، وإنها سبعة أيام . فأنزل الله في ذلك من [ ص: 278 ] قولهم : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) الآية .

    1411 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ويهود تقول : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة ، فإنما هي سبعة أيام ، ثم ينقطع العذاب . فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم : ( لن تمسنا النار ) الآية .

    1412 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قال : كانت تقول : إنما الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما .

    1413 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله - إلا أنه قال : كانت اليهود تقول : إنما الدنيا ، وسائر الحديث مثله .

    1414 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال مجاهد : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة من الدهر . وسموا عدة سبعة آلاف سنة ، من كل ألف سنة يوما . يهود تقوله .
    القول في تأويل قوله تعالى ( قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ( 80 ) )

    قال أبو جعفر : لما قالت اليهود ما قالت من قولها : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [ ص: 279 ] - على ما قد بينا من تأويل ذلك - قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد ، لمعشر اليهود : ( أتخذتم عند الله عهدا ) : أأخذتم بما تقولون من ذلك من الله ميثاقا ، فالله لا ينقض ميثاقه ، ولا يبدل وعده وعقده ، أم تقولون على الله الباطل جهلا وجراءة عليه ؟ كما : -

    1415 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قل أتخذتم عند الله عهدا ) أي : موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون .

    1416 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    1417 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن قتادة قال : قالت اليهود : لن ندخل النار إلا تحلة القسم ، عدة الأيام التي عبدنا فيها العجل ، فقال الله : ( أتخذتم عند الله عهدا ) ، بهذا الذي تقولونه ؟ ألكم بهذا حجة وبرهان ؟ فلن يخلف الله عهده ، فهاتوا حجتكم وبرهانكم ، أم تقولون على الله ما لا تعلمون ؟

    1418 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : لما قالت اليهود ما قالت ، قال الله جل ثناؤه لمحمد ، قل " أتخذتم عند الله عهدا " ، يقول : أدخرتم عند الله عهدا ؟ يقول : أقلتم لا إله إلا الله لم تشركوا ولم تكفروا به ؟ فإن كنتم قلتموها فارجوا بها ، وإن كنتم لم تقولوها ، فلم تقولون على الله ما لا تعلمون ؟ يقول : لو كنتم قلتم لا إله إلا الله ولم تشركوا به شيئا ، ثم متم على ذلك ، لكان لكم ذخرا عندي ، ولم أخلف وعدي لكم : أني أجازيكم بها .

    1419 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط عن السدي قال : لما قالت اليهود ما قالت ، قال الله عز وجل : ( قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ) [ ص: 280 ] - وقال في مكان آخر : ( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) . [ آل عمران : 24 ] ، ثم أخبر الخبر فقال : ( بلى من كسب سيئة ) .

    قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي رويناها عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، بنحو ما قلنا في تأويل قوله : ( قل أتخذتم عند الله عهدا ) ؛ لأن مما أعطاه الله عباده من ميثاقه : أن من آمن به وأطاع أمره ، نجاه من ناره يوم القيامة . ومن الإيمان به الإقرار بأن لا إله إلا الله . وكذلك من ميثاقه الذي واثقهم به : أن من أتى الله يوم القيامة بحجة تكون له نجاة من النار ، فينجيه منها . وكل ذلك ، وإن اختلفت ألفاظ قائليه ، فمتفق المعاني على ما قلنا فيه ، والله تعالى أعلم .
    القول في تأويل قوله تعالى : ( بلى من كسب سيئة )

    قال أبو جعفر : وقوله : ( بلى من كسب سيئة ) تكذيب من الله القائلين من اليهود : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) وإخبار منه لهم أنه معذب من أشرك ومن كفر به وبرسله ، وأحاطت به ذنوبه ، فمخلده في النار ؛ فإن الجنة لا يسكنها إلا أهل الإيمان به وبرسوله ، وأهل الطاعة له ، والقائمون بحدوده كما : -

    1420 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ) أي : من عمل مثل أعمالكم ، وكفر بمثل ما كفرتم به ، حتى يحيط كفره بما له من حسنة ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #140
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,785

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثانى
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(126)
    الحلقة (140)
    صــ 281إلى صــ 285



    قال أبو جعفر : وأما ( بلى ) ، فإنها إقرار في كل كلام في أوله جحد ، كما [ ص: 281 ] "نعم " إقرار في الاستفهام الذي لا جحد فيه . وأصلها "بل " التي هي رجوع عن الجحد المحض في قولك : "ما قام عمرو بل زيد " . فزيد فيها " الياء " ليصلح عليها الوقوف ، إذ كانت "بل " لا يصلح عليها الوقوف ، إذ كانت عطفا ورجوعا عن الجحد . ولتكون - أعني "بلى " - رجوعا عن الجحد فقط ، وإقرارا بالفعل الذي بعد الجحد ، فدلت "الياء " منها على معنى الإقرار والإنعام . ودل لفظ "بل " على الرجوع عن الجحد .

    قال أبو جعفر : وأما "السيئة " التي ذكر الله في هذا المكان ، فإنها الشرك بالله كما : -

    1421 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان قال : حدثني عاصم ، عن أبي وائل : ( بلى من كسب سيئة ) ، قال : الشرك بالله .

    1422 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بلى من كسب سيئة ) شركا .

    1423 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    1424 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قوله : ( بلى من كسب سيئة ) ، قال : أما السيئة فالشرك .

    1425 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .

    1426 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 282 ] السدي : ( بلى من كسب سيئة ) ، أما السيئة ، فهي الذنوب التي وعد عليها النار .

    1427 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قلت لعطاء : ( بلى من كسب سيئة ) ، قال : الشرك - قال ابن جريج قال : قال مجاهد : ( سيئة ) شركا .

    1428 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( بلى من كسب سيئة ) ، يعني : الشرك .

    قال أبو جعفر : وإنما قلنا : إن "السيئة " - التي ذكر الله - جل ثناؤه - أن من كسبها وأحاطت به خطيئته ، فهو من أهل النار المخلدين فيها - في هذا الموضع ، إنما عنى الله بها بعض السيئات دون بعض ، وإن كان ظاهرها في التلاوة عاما ؛ لأن الله قضى على أهلها بالخلود في النار ، والخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان به ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل الإيمان لا يخلدون فيها ، وأن الخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان . فإن الله جل ثناؤه قد قرن بقوله : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) - قوله - ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) . فكان معلوما بذلك أن الذين لهم الخلود في النار من أهل السيئات غير الذين لهم الخلود في الجنة من أهل الإيمان .

    فإن ظن ظان أن الذين لهم الخلود في الجنة من الذين آمنوا ، هم الذين عملوا الصالحات ، دون الذين عملوا السيئات ، فإن في إخبار الله أنه مكفر - باجتنابنا كبائر ما ننهى عنه سيئاتنا ، ومدخلنا المدخل الكريم ما ينبئ عن صحة ما قلنا في تأويل قوله : ( بلى من كسب سيئة ) ، بأن ذلك على خاص من السيئات دون عامها .

    فإن قال لنا قائل : فإن الله - جل ثناؤه - إنما ضمن لنا تكفير سيئاتنا باجتنابنا [ ص: 283 ] كبائر ما ننهى عنه ، فما الدلالة على أن الكبائر غير داخلة في قوله : ( بلى من كسب سيئة ) ؟

    قيل : لما صح من أن الصغائر غير داخلة فيه ، وأن المعني بالآية خاص دون عام ، ثبت وصح أن القضاء والحكم بها غير جائز لأحد على أحد ، إلا على من وقفه الله عليه بدلالة من خبر قاطع عذر من بلغه . وقد ثبت وصح أن الله تعالى ذكره قد عنى بذلك أهل الشرك والكفر به ، بشهادة جميع الأمة . فوجب بذلك القضاء على أن أهل الشرك والكفر ممن عناه الله بالآية . فأما أهل الكبائر ، فإن الأخبار القاطعة عذر من بلغته ، قد تظاهرت عندنا بأنهم غير معنيين بها . فمن أنكر ذلك - ممن دافع حجة الأخبار المستفيضة والأنباء المتظاهرة - فاللازم له ترك قطع الشهادة على أهل الكبائر بالخلود في النار ، بهذه الآية ونظائرها التي جاءت بعمومهم في الوعيد ؛ إذ كان تأويل القرآن غير مدرك إلا ببيان من جعل الله إليه بيان القرآن ، وكانت الآية يأتي عاما في صنف ظاهرها ، وهي خاص في ذلك الصنف باطنها .

    ويسأل مدافعو الخبر بأن أهل الكبائر من أهل الاستثناء ، سؤالنا منكر رجم الزاني المحصن ، وزوال فرض الصلاة عن الحائض في حال الحيض ؛ فإن السؤال عليهم ، نظير السؤال على هؤلاء ، سواء .

    [ ص: 284 ]
    القول في تأويل قوله تعالى : ( وأحاطت به خطيئته )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وأحاطت به خطيئته ) ، اجتمعت عليه فمات عليها ، قبل الإنابة والتوبة منها .

    وأصل "الإحاطة بالشيء " ، الإحداق به ، بمنزلة "الحائط " الذي تحاط به الدار فتحدق به . ومنه قول الله جل ثناؤه : ( نارا أحاط بهم سرادقها ) [ الكهف : 29 ] .

    فتأويل الآية إذا : من أشرك بالله ، واقترف ذنوبا جمة فمات عليها قبل الإنابة والتوبة ، فأولئك أصحاب النار هم فيها مخلدون أبدا . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال المتأولون .

    ذكر من قال ذلك :

    1429 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي روق ، عن الضحاك : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : مات بذنبه .

    1430 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جرير بن نوح قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : مات عليها .

    1431 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال ، أخبرني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : يحيط كفره بما له من حسنة .

    1432 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثني عيسى ، [ ص: 285 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : ما أوجب الله فيه النار .

    1433 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : أما الخطيئة فالكبيرة الموجبة .

    1434 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق [ قال : أخبرنا معمر ] ، عن قتادة : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : الخطيئة : الكبائر .

    1435 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا وكيع ويحيى بن آدم ، عن سلام بن مسكين قال : سأل رجل الحسن عن قوله : ( وأحاطت به خطيئته ) ، فقال : ما ندري ما الخطيئة ، يا بني ، اتل القرآن ، فكل آية وعد الله عليها النار ، فهي الخطيئة .

    1436 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ) ، قال : كل ذنب محيط ، فهو ما وعد الله عليه النار .

    1437 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي رزين : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : مات بخطيئته .

    1438 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا الأعمش قال : حدثنا مسعود أبو رزين ، عن الربيع بن خثيم في قوله : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب .

    1439 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : قال وكيع : سمعت الأعمش يقول في قوله : ( وأحاطت به خطيئته ) ، مات بذنوبه .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •