تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الاقتداء بالرسول ﷺ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي الاقتداء بالرسول ﷺ

    الاقتداء بالرسول

    سلسلة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أمور حياته. المؤلف: سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
    من هدي النبي في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته (1)
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر

    الحمد لله على نعمه، وعطائه، أحمده كما ينبغي لجلاله، وكريم عطائه، وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على رحمة الله للعالمين سيدنا محمد بن عبد الله النبي الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وبعد:

    يا كرام نحيطكم علمًا أنَّ هذا هو « اللقاء الخامس » الذي نتناول فيه شيئًا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين).

    كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم التفكير السليم، والكلام الطيب، والأسلوبُ الحكيم في مواجهة المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته الشريف، والمتدبر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته يلحظ أنه كان يتحمل ما يصدر من أهل بيته من الخلافات، مما يتحتم على كل مسلم ومسلمة أن يتأمل مليًا في هدي ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المشكلات، ونذكر في هذا المقال بعض المواقف منها:
    الحكمة في علاج الأزمات واحتواء المشكلة:
    عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت[1].

    قال ابن حجر: « قال الطيبي وإنما وصفت المرسلة بأنها أم المؤمنين إيذانًا بسبب الغيرة التي صدرت من عائشة وإشارة إلى غيرة الأخرى حيث أهدت إلى بيت ضرتها وقوله غارت أمكم اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لئلا يحمل صنيعها على ما يذم بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها... وفي الحديث حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وانصافه وحلمه قال ابن العربي وكأنه إنما لم يؤدب الكاسرة ولو بالكلام لما وقع منها من التعدي لما فهم من أن التي أهدت أرادت بذلك أذى التي هو في بيتها والمظاهرة عليها فاقتصر على تغريمها للقصعة، قال وإنما لم يغرمها الطعام لأنه كان مهدى فإتلافهم له قبول أو في حكم القبول »[2].

    فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ضربت الإناء أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شاهد ما حدث وبحضور بعض الصحابة، ومن كمال حلمه وتواضعه وحسن معاشرته لم يوجه النبي صلى الله عليه وسلم أدنى لوم لأم المؤمنين عائشة على ما فعلت؛ بل قام صلى الله عليه وسلم بشخصه وجمع ما تناثر من الصفحة ومن الطعام ولم يترك ذلك للصحابة، ثم قدم اعتذاره لصنيعها بقوله: «غارَتْ أمُّكم»، ومن أدب الصحابة لم يعلق أحد منهم على ما حدث، ثم حبس الخادم وأعطاه صحفة صحيحة عوضًا عن المكسورة.

    التروي والتثبت والحلم عند المحن:
    قصة الإفك افتعلها المنافقون وكانت محنة عظيمة، اتهمت بها أم المؤمنين عائشة وبرأها اللَّه مما قال به أهل الإفك بعشر آيات تتلى جملة واحدة من سورة النور، وقصة الإفك أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما بروايات صحيحة منها:
    عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله، كل حدثني طائفة من الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ»، قلت: إني والله لا أجد مثلا، إلا أبا يوسف: «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ» [يوسف: 18]، وأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 11] العشر الآيات [3].

    من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع حادثة الإفك:
    1- تغيير المعاملة مع كونه لا ينتقص زوجته أثناء المشكلة، فأنكرت أم المؤمنين عائشة بعض لطفه بها، وكان لا يتحدث معها أكثر من أن يلقي السلام، ويسأل عنها بقوله: كيف تيكم؟[4] لا يزيد على ذلك، وكانت قد تعودت من النبي صلى الله عليه وسلم حال مرضها أن يكون معها في غاية الحنان.

    2- التروي قبل صدور أي حكم، والتحقق من كذب الشائعة، والحكمة في التعامل مع أهل بيته فلم يتحدث مع أم المؤمنين عائشة في قول أصحاب الإفك رغم مضي شهر كامل.

    3- يجمع الآراء ويسأل المحطين بأم المؤمنين عائشة عن أخلاقها وسلوكها وواقعها، ويستشير أهل الفضل في أمر فراقها.

    4- وجه الكلام في نهاية الأمر إلى أم المؤمنين عائشة قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» [5].

    5- لما بشر صلى الله عليه وسلم بِمَا سره من براءتها وسلامتها مما رميت به تهلل وجهه وأشرق من شدة الفرح «يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ، فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ» [6].

    6- تحمل ما صدر من أم المؤمنين بعد ظهور براءتها ونزول آيات البراءة: فقالت لي أمي: قومي إليه فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي [7].

    حكم من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها اللَّه منه:
    أجمع الفقهاء على أن من قذف أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها بما برأها اللَّه منه أو شك في براءتها؛ فإنه كافر وممن قال بهذا الإجماع:
    قال الإمام النووي: براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافرا مرتدا بإجماع المسلمين [8].

    وقال ابن تيمية: "قال القاضي: ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف" [9].

    وقال ابن كثير: أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في القرآن فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن [10].

    وجملة القول:
    لا يخلو بيت من المشاكل والخلافات؛ حتى بيت النبوة، ومن القواعد والضوابط في معالجة الخلافات، الاقتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في معالجة الخلافات، واحتواء المشكال برفق وحلم وكلمات بسيطة وأسلوب طيب وحكمة بالغة.

    نسأل الله بمنه وكرمه أن يفقّهنا في ديننا، وأن يَحفظ بيوتنا وأهلنا وأبنائنا وجميع المسلمين من كلِّ مكروه.


    [1] صحيح البخاري (7/ 36) وصرح الإمام النسائي باسم أم المؤمنين عائشة انظر (7/ 70) رقم (3956)، وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (5/ 359) رقم (1523).
    [2] فتح الباري لابن حجر (5/ 126).
    [3] صحيح البخاري (5/ 119).
    [4] صحيح البخاري (5/ 118) صحيح مسلم (4/ 2132).
    [5] صحيح البخاري (3/ 175).
    [6] صحيح البخاري (3/ 176).
    [7] صحيح البخاري (3/ 176)، صحيح مسلم (4/ 2136).

    [8] شرح النووي على مسلم (17/ 117).
    [9] الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 571).
    [10] تفسير ابن كثير (3/ 337).
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الاقتداء بالرسول ﷺ

    الاقتداء بالرسول


    من هدي النبي في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته (2)
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر
    مقدمة:
    إنَّ الحمدَ لله نحمَدُه، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إلاّ اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسولُه.

    وبعدُ: نحيطكم علمًا أيها الإخوة والأخوات الأفاضل أن هذا هو اللقاء الثاني في الحديث عن/ هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته، وأيضًا هو اللقاء السادس الذي نتناول فيه شيئًا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين).

    من الخلافات التي وقعت في بيت النبوة:
    رفع صوت أم المؤمنين عائشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أخذ بخاطرها ولاطفها ولاينها وجعل يقول لها يترضاها وقت غضبها إكرامًا لها ولأبيها.

    عن النعمان بن بشير، قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فدخل، فقال: يا ابنة أم رومان وتناولها، أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فحال النبي صلى الله عليه وسلم، بينه وبينها، فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لها يترضاها: «أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ»، قال: ثم جاء أبو بكر، فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها، قال: فأذن له، فدخل، فقال له أبو بكر: يا رسول الله أشركاني في سلمكما، كما أشركتماني في حربكما[1].

    من الدروس والعبر المستفادة من الحديث:
    • أدب الاستئذان (جاء أبو بكر يستأذن) من أدب الاستئذان أن المستأذن يسمي نفسه لئلا يلتبس بغيره[2].

    • الخلافات الزوجية تحتاج إلى عقل وعاطفة، فأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ترفع صوتها علي النبي صلى الله عليه وسلم ويصبر صلى الله عليه وسلم ولا يعطي الموقف أكبر من حجمه.

    • يستأذن أبو بكر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم في وقت رفع صوت السيدة عائشة فأذن له ولم يرده، قوله (فأذن له، فدخل) دلّ على كرم وحسن استقبال النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وفيه فضائل أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

    • حب أبو بكر لابنته عائشة لم يمنعه من أن يهددها ويغضب عليها ويقول لها: يا ابنة أم رومان، ولم ينسبها لنفسه، انطلاقا من دافع حبه للنبي صلى الله عليه وسلم وتقديمه على النفس والأهل والولد.

    • ضرورة اغتنام الفرص فالنبي صلى الله عليه وسلم اغتنم موقف أبي بكر رضي الله عنه ليرضي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

    • الحلم والتواضع وحسن المعاشرة من النبي صلى الله عليه وسلم (يقول لها يترضاها)، يحدثها ويأخذ بخاطرها ويطيب قلبها، وكأن شيئًا لم يحدث.

    • أم المؤمنين عائشة تخاصم وترفع صوتها علي النبي صلى الله عليه وسلم، ولما دخل عليها أبو بكر وزجرها دافع عنها صلى الله عليه وسلم وحال بينه وبينها، واحتمت بالنبي خوفًا من أبيها؛ لكمال معرفتها بشفقته ورحمته وحسن عشرته صلى الله عليه وسلم.

    • الاتفاق الودي بين الزوجين بعدم إخراج الخلافات الزوجية خارج البيت وحل الخلافات دون تدخل الأهل قدر الإمكان، نبه على هذا قول أبو بكر رضي الله عنه: أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما.

    وفي هذا المعنى يقول أكثم بن صيفيّ: أحقّ من يشركك في النّعم شركاؤك في المكاره [3].

    وجملة القول:
    1- لا ينقص من قدر الزوج أو يحط من قيمته أو رجولته إذا بادر بمصالحة زوجته.
    2- خفض الصوت عند الكلام.
    3- آداب الاستئذان، والتأدب عند دخول البيوت.
    4- وعظ الأب ابنته المتزوجة اقتداء بسيدنا أبو بكر الصديق.
    5- الأدب في مخاطبة النبي، وعدم رفع الصوت عند قبره توقيرًا واحترامًا.

    نسأل الله تعالى أن يغفر ليّ ولكم، وأن يمن عليّ وعليكم بأعلى الدرجات، وأن يمتعنا في الآخرة بصحبة رسولنا في الفردوس الأعلى من الجنة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


    [1] مسند أحمد مخرجا (30/ 341) المعجم الكبير للطبراني من جـ 21 (21/ 100) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 944).
    [2] فتح الباري لابن حجر (1/ 461).
    [3] عيون الأخبار لابن قتيبة (3/ 25).








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الاقتداء بالرسول ﷺ

    الاقتداء بالرسول


    من هدي النبي في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته (3)
    سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    وبعد:
    أيّها الأحبة الأكارم اليوم إن شاء الله نكمل الحديث عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المشاكل والخلافات التي وقعت في بيته، سائلا الله تعالى لي ولكم صلاح النية، والزوجات، والذرية.

    أولًا: تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المشاكل الاقتصادية:
    عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلا عَلَيْكِ أَنْ لا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: " إن الله قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] " إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة[1].

    وتخيير النبي صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن (أمر من الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخير نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها، وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهن عند الله تعالى في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضي الله عنهن وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة)[2].

    بعض الفوائد المستنبطة من الحديث:
    • سبب الحديث ونزول التخيير هو طلب التوسع في النفقة، وهذا يدل على شدة الوضع الاقتصادي في بيت النبوة.

    • وجوب التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في حسن تعامله مع المشاكل فقد تعامل برفق وحلم، حاور أمهات المؤمنين واستمع لمطالبهن وأحسن في الرد عليهن قولا وعملا.

    • الحرية والجرأة الظاهرة في اجتماع أمهات المؤمنين يُطالبن بحقهن في التوسع في النفقات وأمور الدنيا.

    • استخدم النبي صلى الله عليه وسلم، الأساليب التربوية والتأديبية، لما سأله نساؤه النفقة والتوسع في أمور الدنيا بما لا يقدر عليه، شق ذلك عليه، فهجرهن شهرًا، وخيرهن بين الصبر على ضيق العيش وبين أن يفارقهن ويسرحهن سراحا جميلا.

    • بركة النصح وصلاح المشورة، بقوله صلى الله عليه وسلم، لأمنا عائشة: (لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك)، أي: تطلبي منهما المشورة والرأي.

    • حكمة أمنا عائشة رضي الله عنها، وحسن جوابها بقولها: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.

    • وجوب التوقير والتعظيم لأمهات المؤمنين ورجاحة عقولهن بعدم ثباتهن على مطلبهن بزيادة النفقة، وهن اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

    ثانيًا: استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الحوار والإقناع مع أم المؤمنين صفية، وأسلوب العظة والتذكير مع أم المؤمنين حفصة:
    عن أنس، قال: بلغ صفية أن حفصة، قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي، فقال النبي صلى الله عليه: «إِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ نَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَبِمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ»؟ ثم قال: «اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ» [3].

    قوله: "إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك"، يريد بالنبي الأول: إسحاق، والنبي الثاني: إسماعيل، وبالثالث: نفسه، صلوات الله عليهم؛ يعني: أنك ابنة إسحاق، وعمك إسماعيل، وبعلك محمد صلى الله عليه وسلم، ففي أي شيء تفخر حفصة عليك؟ [4].

    من فوائد الحديث:
    • لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم، على أم المؤمنين صفية ورآها تبكي سألها عن سبب بكائها: (ما يُبكيكِ) سمع شكواها واهتم بمشاعرها، وقدر كلماتها، وخفف عنها، وأزال عنها ما أبكاها.

    • أثلج النبي صلى الله عليه وسلم صدر أم المؤمنين صفية رضي الله عنها جبر خاطرها، وطيب نفسها بشرف نسبها، وعلو مكانتها.

    عاتب - صلى الله عليه وسلم - عنها، أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها برفق ولين وأمرها بتقوى الله.

    وجملة القول:
    • سياسة النبي صلى الله عليه وسلم الحكيمة في استقامة البيوت والأسر، فقد عالج الأمور بحكمة الراعي، ورقة الزوج المحب، يطيب الخاطر بحكمة ولطف، ويعاتب المخطئ بلا عنف.


    • نفقةَ النِّساء واجبةٌ على الرجال بالمعروف بلا إسراف ولا تقتير.

    • أهمية دور الوالدين والأسرة بالنصح والتوجيه والإرشاد.

    • وجوب توعية الأبناء والبنات بخطورة الطلاق، وما يترتب عليه من اضرار.

    • الزوج العاقل يجنب نفسه وأهل بيته منغصات ومشاكل لا داعي لها؛ بل ويبدل ذلك سعادة وهناء.

    ختامًا:
    نسأل الله بمنه وكرمه أن يفقّهنا في ديننا، وأن يعلمنا منه ما ينفعنا، وأن يزيدنا علما وهدى وتقى؛ إنه جواد كريم.


    [1] صحيح البخاري (6/ 117) صحيح مسلم (2/ 1103).
    [2] تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774ه). ج6 ص359، المحقق: محمد حسين شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة: الأولى - 1419 ه..
    [3] سنن الترمذي (6/ 192)، السنن الكبرى للنسائي (8/ 163)، قال الشيخ الألباني: صحيح. انظر: صحيح وضعيف سنن الترمذي (8/ 394).

    [4] المفاتيح في شرح المصابيح: مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ، الحسين بن محمود بن الحسن (6/ 335)









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •