الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد,,,

ففي هذه المقالة أحب أن أبين بعض الفروق بين أبرز كتب الحافظ البيهقي المشهورة، مستفيداً في ذلك مما اطلعت عليه أو نقلته من مقدمات تلك الكتب.
وأرجو أن تكون مقالةً نافعةً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

وكتبه
عبد العزيز بن أحمد العباد
الكويت
13 من ربيع الثاني سنة 1442هـ - الموافق 29 / 11 / 2020م





فروقٌ بين كتب البيهقي:


مما قيل عن البيهقي:

قال الجويني: "ما من شافعيٍّ إلا وللشافعيِّ في عنقِه مِنَّةٌ، إلا البيهقيَّ؛ فإنَّه له على الشافعي مِنَّةٌ؛ لتصانيفِه في نصرته لمذهبِه وأقاويلِه".
وقال ابن تيمية: "البيهقيُّ أعلم أصحاب الشافعي بالحديث وأنصرهم للشافعي"
قال عنه الذهبي: "لو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه لكان قادرا على ذلك لسعة علومه ومعرفته بالاختلاف"


أولاً: السنن الكبير


1- هذا الكتاب قال عنه الذهبي: ليس لأحد مثله، وجعله أحد أربعة من أمهات كتب الشريعة هي أساس العلم وعدة العالم؛ وهي: السنن الكبير للبيهقي، والمغنى لابن قدامة، والمحلى لابن حزم، والتمهيد لابن عبد البر، قال: ((فمن حصل هذه الدواوين، وكان من أذكياء المفتين، وأدمن المطالعة فيها، فهو العالم حقا)).

2- ظل البيهقي يجمع كتابه ويؤلف أبوابه، ويمليه على تلاميذه، نحوًا من سبع وعشرين سنة (405 - 432 هـ).

3- طبع من قبل باسم "السنن الكبرى" وعرف بذلك واشتهر، لكن الصحيح من ذلك أن نسخه الخطية تكاد تجمع على تسميته "السنن الكبير"، وكذلك العلماء الذين ترجموا للبيهقي وذكروا مصنفاته، فقد أوردوه إلا القليل جدًّا باسم "السنن الكبير".

4- رتبه على أبواب الفقه كما رتبها المزنى في "مختصره"، والبيهقي رتب أكثر من كتاب من كتبه على ترتيبه.

5- تراجم البيهقي هي المسائل الفقهية، والأحاديث التي تندرج تحتها هي الأدلة عليها، وتأتى التراجم معبرة عن اختيار البيهقي ورأيه الذي لا يكاد يخرج عن رأي الشافعية.

6- لم يكتف البيهقي بإيراد الأدلة لمذهب الشافعي، بل يذكر ما يستدل به أصحاب المذاهب الأخرى فإننا نجده يترجم لها

7- جعل كتابه مستوعبًا لأحاديث الأحكام من أخبار وآثار بمختلف درجاتها مع التمييز بينها.

8- يكرر الأحاديث أحياناً حسب ما يمكن أن يستنبط منها، ولعله في هذا التكرار يشبه البخاري.

9- نستطيع أن نستخلص أهم ما يتميز به الكتاب من نواحٍ عدة؛ فمن ذلك: جمعه بين علم الحديث والفقه وبيان علل الحديث ووجه الجمع بين الأحاديث، وأنه لا يخرج فيه حديثًا أو أثرًا أو حكاية أو شعرًا أو تعديلا أو تخريجا إلا بالإسناد، مع بيان أحوال الرواة في الكثير من المواضع.

10- يبين الحكم على الحديث من حيث الصحة أو الضعف، وتلك عادته في كتبه، قال رحمه الله في مقدمة كتابه "دلائل النبوة": ((وعادتي في كتبي المصنَّفة في الأصول والفروع الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون ما لا يصح، أو التمييز بين ما يصح منها وما لا يصح ليكون الناظر فيها من أهل السُّنَّة على بصيرة مما يقع الاعتماد عليه، ولا يجد من زاغ قلبه من أهل البدع عن قبول الأخبار مغمزاً فيما اعتمد عليه أهل السُّنَّة من الآثار)).

11- من عناية العلماء بالسنن الكبير للبيهقي:
"المهذب": اختصر فيه الذهبي كتاب السنن الكبير.
"المنهج المبين في بيان أدلة المجتهدين": اختصر فيه أيضاً عبد الوهاب الشعرانى الكتاب.
"الجوهر النقي في الرد على البيهقي" لابن التركماني الحنفي تعقب فيه البيهقي ورد عليه في أشياء.

[انظر للاستزادة مقدمة تحقيق السنن الكبير بإشراف د. عبد الله التركي]



ثانياً: السنن الصغير


1- لا يكرر الحديث خلافاً للسنن الكبير.

2- جمع أصح ما وجد من أدلة الشافعي، بخلاف السنن الكبير فإنه جمع ما صح وما لم يصح.

3- أشار البيهقي في مقدمة كتابه هذا إلى سبب تأليفه حيث أراد بعد أن جمع ما صح في الاعتقاد؛ أراد أن يجمع ما صح كذلك في الفقه وأبوابه.

4- انتخب أحاديث الكتاب من أكثر مصنفاته، ولكن اعتماده على السنن الكبير أكثر من كتبه الأخرى.

5- أورد في السنن الصغير أحاديث غير موجودة في السنن الكبير أو غيره.

6- يذكر أحياناً تنبيهات وتعليقات ونكت فقهية غير موجودة في السنن الكبير

7- بدأ كتاب السنن الصغير بثلاثة أبواب حول النية وأن يعبد الله كأنه يراه وأن يستعين به سبحانه، وهذا لم يفعله في السنن الكبير.

8- من المعلوم أن المحدثين يرتبون مصنفاتهم على (كتب مثل كتاب الطهارة) ثم يجعلون تحت الكتب (أبواباً مثل باب الوضوء)، والبيهقي جعل بعض الأشياء في السنن الكبير (كتباً)، بينما في السنن الصغير جعلها (أبواباً).

9- ذكر محقق الكتاب عبد المعطي قلعجي أن السنن الصغير اختصره البيهقي من السنن الكبير، وأن أكثر من 80% من أحاديث الكتاب هي من أحاديث الصحيحين أو أحدهما، ومثل هذه المعلومة تحتاج لزيادة تحقق وتدقيق، لا سيما وأن محقق الكتاب (قلعجي) قد ذم بعض أهل العلم تحقيقاته (ومنهم الشيخ حماد الأنصاري وغيره، وقال كل كتبه بحاجة إلى إعادة تحقيق وطباعة.

10- من العناية بالكتاب: المنة الكبرى شرح وتخريج السنن الصغرى، د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي.

[للاستزادة يمكن الاطلاع على مقدمة د. محمد ضياء الأعظمي في كتابه المنة الكبرى شرح وتخريج السنن الصغرى، ومقدمة د.عبد المعطي قلعجي]






ثالثاً: معرفة السنن والآثار


في هذا الكتاب كان البيهقي ينقل بإسناده نصوص الشافعي وكلامه أو ما رواه من أحاديث وآثار، ثم يعلق على ذلك إما بشرح، أو بيان أدلة أو تخريج أحاديث أو الرد على مخالفيه.
قال البيهقي رحمه الله في مقدمة الكتاب:
رَأَيْتُ الْمُتَّفَقِّهَ ةَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَأْخُذُهُمُ الْمَلَالُ مِنْ طُولِ الْكِتَابِ، فَخَرَّجْتُ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِأَسَانِيدِهِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ مَعَ مَا رَوَاهُ مُسْتَأْنِسًا بِهِ غَيْرَ مُعْتَمِدٍ عَلَيْهِ أَوْ حَكَاهُ لِغَيْرِهِ مُجِيبًا عَنْهُ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُخْتَصَرِ، وَنَقَلْتُ مَا وَجَدْتُ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى الْأَخْبَارِ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّصْحِيحِ وَالتَّعْلِيلِ.
وَأَضَفْتُ إِلَى بَعْضِ مَا أَجْمَلَهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مَا فَسَّرَهُ وَإِلَى بَعْضِ مَا رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ مَا قَوَّاهُ لِيَسْتَعِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى مَنْ تَفَقَّهَ بِفِقْهِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كَتْبِهِ هَذَا الْكِتَابِ وَحِفْظِهِ وَسَمَاعِهِ لِيَكُونَ عَلَى وَثِيقَةٍ مِمَّا يَجِبُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَعَلَى بَصِيرَةٍ مِمَّا يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مِنَ الْآثَارِ.



رابعاً: الخلافيات

الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه

في هذا الكتاب لم يكتف البيهقي بذكر قول الشافعي أو بعض أصحابه وأدلتهم،
بل كان يذكر قول الشافعي، ثم يذكر قول الأحناف
ثم يذكر أدلة الشافعي
ثم يذكر أدلة الأحناف مع الرد عليهم
وفي أثناء ذلك كله تجد الفقه والحديث والعلل
وقد طبع الكتاب بتحقيق ودراسة: فريق البحث العلمي بشركة الروضة، بإشراف: محمود بن عبد الفتاح أبي شذا النحال 1436 هـ - 2015 م.





خامساً: شعب الإيمان


في هذا الكتاب ذكر حديث: "الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان"، وفي رواية: " بضع وسبعون شعبة "، ونقل أن الحليمي اختار رواية بضع وسبعين لأن فيها قدراً زائداً، ثم ذكر 77 باباً وفي كل باب ذكر شعبة من هذه الشعب التي قد تكون مقصودة بهذا الحديث، وروى في كل باب الأحاديث الدالة عليه.



سادساً: المدخل إلى السنن الكبير


1- اسم الكتاب: سماه مؤلفه في المقدمة: "كتاب المدخل إلى علم السنن"، وكذلك في النسخة الخطية.
وفي خاتمة نسخة خطية أخرى غير مكتملة: "آخر كتاب المدخل إلى كتاب السنن للإمام أبي بكر البيهقي رضي الله عنه وأرضاه"، وكذلك سماه الحافظ ابن كثير رحمه الله في مقدمة كتابه "اختصار علوم الحديث" لابن الصلاح: "اختصرت ما بَسَطه، ونظمت ما فَرَطه .. ، وأُضيفُ إليه من الفوائد الملتقطة من كتاب الحافظ الكبير أبي بكر البيهقي المسمَّى بـ "المدخل إلى كتاب السنن"، وقد اختصرته أيضًا".
وواقع الكتاب - كما سيأتي إن شاء الله - لا يخالف أن يقال عنه: المدخل إلى علم السنن، أو: إلى كتاب السنن، أو: إلى كتاب السنن الكبرى، لكن من المعلوم بداهة في فن تحقيق التراث التزام ما بين يدي محقق الكتاب من تسمية أو تسميات للكتاب مثبتةٍ على الأصل أو الأصول الخطية، ولا يحسن بحالٍ تجاوزها، مهما كانت مسوغات ذلك.
فالكتاب فعلاً هو مدخل للسنن الكبير، ولكن عنوانه الصحيح: المدخل إلى علم السنن.


2- المراد بكلمة (المدخل): أن دراسة هذا الكتاب - أيِّ مدخلٍ كان - ضرورية لأنها تمهيد وتأصيل للعلوم التي يتضمنها ذلك الكتاب، وإن شئتَ قلتَ: إعطاء فكرة عامة عن الكتاب وعن مصطلحاته، ودراسة لموضوعاته.
فـ "المدخل" الذي كتبه الإمام البيهقي لكتابه "دلائل النبوة": موضوعه: دراسة موجزة للكتاب ومنهجه فيه، و"المدخل" الذي كتبه شيخه الحاكم لكتابه "الإكليل": هذا موضوعه: دراسة موجزة، وبيان لمصطلحاته فيه. وهكذا وهكذا.
وكذلك "المدخل إلى علم السنن": فيه دراسة ومعارف لمن أراد الدخول على علم السنة النبوية والحديث الشريف، فهو بهذا يتفق مع كتاب "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي، أي: من أراد الدخول على دراسة وقراءة كتب السنة النبوية فعليه أن يقرأ هذا الكتاب، ليتعرف على مناهج ومصطلحات علماء الرواية، ففيه "الكفاية" لطالب ذلك العلم.
"المدخل" بهذا المعنى والدراسة يشابه كثيرًا ما صار يسمى عند علمائنا المتأخرين بـ "الختم"، وذلك حين يفرغ الشيخ من قراءة كتاب يعمل "ختمًا" لقراءته، ويدوِّن ذلك في كتاب، فيعرف- مثلًا- بـ "ختم صحيح البخاري"، وغيره، وقد يكون كتابًا من غير كتب السنة، مثل "ختم كتاب الشفا"، وهكذا، ويكون في هذا الختم دراسة عن الكتاب، لكن الفرق الجوهري بين (المدخل) و (الختم): أن المدخل دراسة بقلم مؤلف الكتاب الأصل، فهذا الكتاب الذي بين أيدينا كتبه البيهقي مدخلًا إلى كتاب آخر له، هو "السنن الكبرى"، أما ختم كتاب "صحيح" البخاري: فهو بقلم عالم قرأه أو قرئ على غير الإمام البخاري.
وفرق آخر: أن مما يكتبه كاتب (الختم) ثناء الأئمة على الكتاب ومزاياه، أما كاتب (المدخل) فلا يكتب ثناء على كتابه. والله أعلم.


3- هذا "المدخل" هو مدخل إلى علم السنن، لكن كان الإمام البيهقي يلاحظ ملحظًا آخر زائدًا على ملحظ الخطيب، هو صلة كتابه هذا بكتابه الآخر "سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم"، وفيه أدلة الأحكام الشرعية، أو بمصطلحنا المعاصر: أحاديث الأحكام، وفيه (الفقه المقارن) خاصة مع الحنفية، فلا بدّ للقارئ فيه، أو: لا بد لقارئه من دراسةٍ ومدخلٍ على علم أصول الفقه، فجمع الإمام البيهقي بين الأبواب الضرورية لقارئ كتب الرواية عامة، وأحاديث الأحكام خاصة، مع الفقه المقارن، جمع بينهما في هذا (المدخل)، فجاء مدخلًا إلى علم أصول الحديث، وعلم أصول الفقه.

[للاستزادة يمكن الاطلاع على ما كتبه الشيخ محمد عوامة في مقدمة تحقيقه للكتاب]