أن الهداية من أعزّ المطالب،
وأعظم ما تعلق به الذين تعلقوا بغير الله، أن يكون لهم النفع في الاستشفاع؛ وفي التوجه، في الدنيا والأخرى.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو سيد ولد آدم، وهو أفضل الخلق عند ربه جل وعلا:
نُفي عنه أنه يملك الهداية، وهي نوع من أنواع المنافع،
فدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- ليس له من الأمر شيء؛ ..
فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس له من الأمر شيء؛
ولا يستطيع أن ينفع قرابته ((يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أُغني عنك من الله شيئاً))
إذا كان هذا في المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يُغني من الله -جل وعلا- عن أحبابه شيئاً، وعن أقاربه شيئاً؛
وأنه لا يملك شيئاً من الأمر؛
وأنه ليس بيده هداية التوفيق،
فإنه أن ينتفي ذلك وما دونه عن غير النبي -صلى الله عليه وسلم- من باب أولى.
فبطل إذاً:
كل تعلّق للمشركين من هذه الأمة بغير الله جل وعلا؛ لأن كل مَنْ تعلقوا به هو دون النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإجماع، فإذا كانت هذه حال النبي عليه الصلاة والسلام، وما نُفي عنه، فإن نفي ذلك عن غيره -صلى الله عليه وسلم- من باب أولى.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوسفيان
وأمَّا قولُه تعالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52].
فالمُرَادُ بالهِدَايَةِ هنا هِدَايَةُ البَيانِ،
وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
المُبَلِّغُ عَن اللهِ وحْيَهُ الذِي اهْتَدَى بِهِ الخَلْقُ.
فال الشيخ صالح ال الشيخ
قول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت}
]{لا} هنا نافية،
وقوله: {تهدي} الهداية المنفية هنا: هي هداية التوفيق، والإلهام الخاص، والإعانة الخاصة؛
هي التي يُسميها العلماء هداية التوفيق والإلهام،
ومعناها: أن الله -جل وعلا- يجعل في قلب العبد من الإعانة الخاصة على قبول الهدى ما لا يجعله لغيره؛ فالتوفيق إعانة خاصة لمن أراد الله توفيقه، بحيث يقبل الهدى ويسعى فيه؛
فَجَعْلُ هذا في القلوب ليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إذ القلوب بيد الله، يُقلبها كيف يشاء؛
حتى من أحب، لا يستطيع عليه الصلاة والسلام أن يجعله مُسلماً مهتدياً؛
فمن أنفع قرابته له: أبو طالب، ومع ذلك لم يستطع أن يهديه هداية توفيق؛
فالمنفي هنا: هو هداية التوفيق.
والنوع الثاني من الهداية المتعلقة بالمكلف:
هداية الدلالة والإرشاد،
وهذه ثابتة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بخصوصه،
ولكل داعٍ إلى الله،
ولكل نبيٍ ورسول،
قال جل وعلا: {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}.
وقال -جل وعلا- في نبيه عليه الصلاة والسلام:{وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله}
{لتهدي}
يعني: لتدل وترشد إلى صراط مستقيم،
بأبلغ أنواع الدلالة، وأبلغ أنواع الإرشاد؛ الدلالة والإرشاد المؤيدان بالمعجزات والبراهين، والآيات الدالة على صدق ذلك الهادي، وصدق ذلك المرشد.
فإذاً:
الهداية المنتفية: هي هداية التوفيق،
وهذا يعني:
أن النفع وطلب النفع في هذه المطالب المهمة يجب أن يكون من الله جل وعلا؛
وأن محمداً عليه الصلاة والسلام؛ مع عِظَمِ شأنه عند ربه، وعظم مقامه عند ربه، وأنه سيد ولد آدم؛ وأنه أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، وأشرف الأنبياء والمرسلين،
إلا أنه لا يملك من الأمر شيئاً عليه الصلاة والسلام،
فبطل إذاً: تعلق القلوب في المطالب المهمة؛ في الهداية، وفي المغفرة، وفي الرضوان، وفي البعد - بعد الشرور- وفي جلب الخيرات إلا بالله جل وعلا، فإنه هو الذي تتعلق القلوب به -جل وعلا- خضوعاً، وإنابةً، ورغباً، ورهباً، وإقبالاً عليه، وإعراضاً عما سواه؛ سبحانه وتعالى.
قال بعد ذلك: [في (الصحيح) عن ابن المسيَّب عن أبيه قال: (لما حضرت أبا طالبالوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: فقال له:((يا عمِّ قل لا إله إلا الله، كلمةً أحاجُّ لك بها عند الله)) فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فأعاد عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب؛ وأبى أن يقول: لا إله إلا الله]
في هذا القدر من الفائدة، أن هذه الكلمة؛
كلمة (لا إله إلا الله)
ليست كلمة مُجردة عن المعنى تنفع من قالها ولو لم يُقرّ بمعناها،
والعرب كانوا لصلابتهم، وعزتهم، ورجولتهم، ومعرفتهم بما يقولون:
كانوا إذا تكلموا بكلام يَعُون ما يتكلمون به، يعون كل حرف، وكل كلمة، خُوطبوا به، أو نطقوا به هم؛ فلما قيل لهم:
قولوا (لا إله إلا الله)
مع أنها كلمة يسيرة لكن أبوا؛
لأنهم يعلمون أن هذه الكلمة معناها:إبطال إلاهة من سوى الله جل وعلا.
ولهذا قال جل وعلا:
{إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون، ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون، بل جاء بالحق وصدّق المرسلين…} الآيات.
وكذلك:
مُخبراً عن قولهم: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً}
استنكروا (لا إله إلا الله)
وهذا هو الذي حصل مع أبي طالب، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((قل لا إله إلا الله، كلمة أُحاج لك بها عند الله))
فلو كانت مجردة من المعنى عندهم؛ أو يمكن أن يقولها دون اعتقاد ما فيها، ورضى بما فيها، ويقين، وانتفاء الريب: لقالها،
ولكن ليس هذا هو المقصود من قول (لا إله إلا الله)
بل المقصود: هو قولها مع تمام اليقين بها، وانتفاء الريب، والعلم والمحبة…
إلى آخر الشروط.
(فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب)