تسلط الجن والأفكار الكفرية
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال:
♦ الملخص:
امرأة على وشك الجنون، فهي مصابة بتسلط الجن عليها في أفكار كفرية تُراودها في سب الإله والرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الأفكار مسيطرة عليها وهي على حافة الانتحار، وتريد حلًّا.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طالبة جامعية في تخصص دراسات إسلامية، أعاني من خواطر كفرية في سبِّ الإله والرسول صلى الله عليه وسلم، والاستهزاء بالدين والخُلُق، وقذف المسلمات بأبشع العبارات وأقذرها، عقلي لا يتوقف بتاتًا عن ذلك، أشعر أن في عقلي شيطانًا يترعرع، لا أدري كيف أصفه، يزداد عندما أحس بالتوتر، أحاول التخلص منه منذ ثلاث سنوات، أسقط وأقف مرة أخرى، حاولت بشتى الطرق: بعدم الاكتراث، أو ضرب نفسي؛ لكيلا أفكِّر، أو بممارسة الرياضة، أو بأن أشغل نفسي في أي شيء - كل ذلك لم يُجدِ نفعًا؛ ذلك أنه كصوت الطفل الذي يبكي ويُلحُّ في البكاء المزعج الذي لا يتوقف، سألت الله تعالى وما زلت أدعوه، ولن يداخلني اليأس أبدًا، أنا أعلم أن هذا ليس طبيعيًّا، لكن يا تُرى ما هذا؟ والله ما هو بوسواس ولا مرض، بل شيء لا أستطيع وصفه، وقد أبحرت في التعاليم الشرعية، وأعلم أن الله يتجاوز عما في النفس، وأعلم ما قاله الرسول صلى الله عليه وسام أنه ((صريح الإيمان))، لكن والله الذي أشعر به ليس ما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم، وليست خواطرَ عادية، أكاد أُجنُّ، توقَّفت حياتي، فأنا أشعر أنني أعيش مع شخص آخرَ في هذا الجسد، لا أستطيع أن أسيطر على نفسي بعد الآن، كرِهتُ كل شيء، لا يوجد حلٌّ لي إلا الانتحار، أعلم أن مصير المنتحر النارُ، لكن الذي أشعر به أشد تعذيبًا من النار، وإذا أردت أن يَهلِكَ أحدٌ، أدعو الله أن يبتليَهُ بما بلاني، والله إني لأغبط الجماد من تراب وحجر وغيره؛ لكونه لا يَعقِل، وليس في جنباته رُوح تُهلكه، فلستُ مسلمة ولا كافرة، ولا مشركة ولا ملحدة، فهو يسبُّ الله، ونفسي لا ترتاح، وأشكر الله، وعقلي لا يرتاح، لا أعلم سبب هذا كله، ماذا يحدث لي؟ لقد خارت قواي وعزائمي، فتركت الناس واعتزلت في غرفتي، أعيش في خوف ورعب وقلق، كأنني في دوامة لا تنتهي، دموعي تنسكب، وصدري يضيق، هل هذه عينٌ أو مسٌّ أو ماذا؟ أرجو من قارئ رسالتي أن يتمهل في كتابة الرد، وأن يشعر بما أنا فيه، أعلم أنها ستكون استشارة وتمرُّ، لكن حياتي تتوقف على ما سوف تقوله، فهذه آخر محاولاتي، شاكرة لك حسن تعاونك.
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: الظاهر أن من خلال كلامكِ عن حالتكِ وما تشعرين به أنكِ مصابة بتسلط الجن.
واعلمي أن الصبر على أذى الجن من أسباب دخول الجنة، والسحر بلاء، والبلاء يرفع الدرجات ويكفر السيئات، فالشوكة تصيب المؤمن يُؤجَر عليها، فما بالكِ بالسحر وآلامه ونكده، استعيني بالله وتوكَّلي عليه، فالدنيا ليست غاية، وصبِّري نفسكِ بقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الفرقان: 15].
فالمرأة التي كانت تُصرَع، وصَّاها النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر ولها الجنة، فصبرت.
والسحر بلاء، والبلاء إما دفعٌ، وإما رفع، فبالدفع يكفر الله السيئات، وبالرفع يرفع الله الدرجات، وفي كلٍّ خيرٌ لمن احتسب وصبَر.
أخيتي، لا تحزَني ولا تيئَسي، فالله حكيم عليم، يربي عباده بالسراء والضراء، فهو عليم بما يُصلحنا، فما علينا إلا التسليم لقضائه، والامتثال لأمره، فنحن مأمورون بالطاعة بغير سبب إلا الامتثال لأمره.
ثالثًا: الوقاية أنفع من العلاج:
فأيتها الأخت الفاضلة، الوقاية من السحر والحسد والعين أنفع وأنجز من العلاج، فقوي نفسكِ بتوثيق صلتكِ بالله، بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها، والأذكار الموظفة في مواعيدها، ثم إذا أصابكِ سحر، أو حسد، أو عين يقل تأثيره بقوة وقايتكِ، كسهمٍ صُوِّب لكِ وأنتِ مُتَدَرِّعة لا يضركِ إلا أذًى.
ومن الأمور التي يُتَّقى بها أذى العين قبل وقوعه:
أهم ذلك وأنفعه هو التحصن بالأذكار الشرعية والدعوات والمعوذات المأثورة؛ ومن ذلك:
♦ قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام، ومن ذلك:
قراءتها عند النوم، وآية الكرسي هي أعظم آية في القرآن الكريم؛ وهي قوله سبحانه: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].
♦ ومن ذلك: قراءة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1] خلف كل صلاة مكتوبة، وقراءة السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة الفجر، وفي أول الليل بعد صلاة المغرب.
♦ ومن ذلك: قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل؛ وهما قوله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 285، 286].
وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ آية الكرسي في ليلة، لم يَزَلْ عليه من الله حافظ، ولا يَقرَبه شيطان حتى يُصبح))، وصح عنه أيضًا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة، كَفَتَاهُ))، والمعنى والله أعلم: كفتاه من كل سوء.
♦ ومن ذلك: الإكثار من التعوذ بـ((كلمات الله التامات من شر ما خلق)) في الليل والنهار، وعند نزول أي منزل في البناء أو الصحراء، أو الجو أو البحر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك)).
♦ ومن ذلك: أن يقول المسلم في أول النهار وأول الليل ثلاث مرات: ((بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم))؛ لصحة الترغيب في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك سبب للسلامة من كل سوء.
وهذه الأذكار والتعوذات من أعظم الأسباب في اتقاء شرِّ السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق وإيمان، وثقة بالله واعتماد عليه، وانشراح صدر لِما دلت عليه، وهي أيضًا من أعظم السلاح لإزالة السحر بعد وقوعه، مع الإكثار من الضراعة إلى الله وسؤاله سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس.
♦ ومن الأدعية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في علاج الأمراض من السحر وغيره، وكان صلى الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه: ((اللهم رب الناس، أذهب البأس واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا، يقولها ثلاثًا)).
♦ ومن ذلك: الرقية التي رقى بها جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قوله: ((بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسدٍ اللهُ يشفيك، بسم الله أرقيك، ويكرر ذلك ثلاث مرات))؛ [مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (3/ 277 - 279)].
والمشروع للتخلص من السحر إذا وُجد يكون بمحوه إن كان مكتوبًا، ونقضه وحل عقده إن كان معقودًا، مع قراءة المعوذات حال فك العقد، ثم يُتلف الشيء المنقوض ويُدفن أو يُلقى في مكان بعيد، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على مشروعية نقض السحر وحل عقده في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في قصة سحره صلى الله عليه وسلم.
ولا بأس بقراءة الرقية على ماء والشرب منه والاغتسال به، ولا بأس بوضع ورق السدر في الماء كذلك، والقراءة على زيت الزيتون أو زيت النعناع والادهان به.
رابعًا: ملخص علاج السحر:
أولًا: الحفاظ على الطاعات المفروضة في وقتها.
ثانيًا: المحافظة على الأذكار الموظفة في وقتها.
ثالثًا: قراءة البقرة مرة كل ثلاثة أيام على الأقل.
رابعًا: قراءة الرقية الشرعية بنفسكِ وهذا أفضل، أو عن طريق أحد من محارمكِ، وإلا عن طريق راقٍ من أهل السنة والعلم والديانة.
خامسًا: قراءة الرقية الشرعية على الماء، والاغتسال والشرب منه.
سابعًا: قراءة الرقية على زيت الزيتون وزيت النعناع والادهان به، ولا سيما قبل النوم.
ثامنًا: لا بأس بكتابة بعض الآيات على الجبهة، أو الظهر، أو البطن، وقد جوَّز ذلك ابن تيمية ووافقه ابن عثيمين.
تاسعًا: إخلاء البيت من سبل المعصية؛ كالغناء، والأفلام، والمسلسلات.
عاشرًا: حسن التوكل على الله، والإخلاص، والبعد عن الشرك.
الحادي عشر: الدعاء، ثم الدعاء، ثم الدعاء، ولا سيما في أوقات الإجابة.
الثاني عشر: السحر والمس مرضان يحتاجان إلى صبر ورضًا، والشفاء من الله، والأسباب على العباد.
فاستعيني بالله، وتحصني بالقرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، نسأل أن يشفيَكِ وسائر مرضى المسلمين، والله أعلم.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6e9ZB64E9