مؤمن الغد . . مراحل النمو والخطة الشاملة
عمر إبراهيم





تقول أحد الأمهات:
كم أتمنى أن أرى طفلي في أحسن حال، كم أتمنى أن يكون من المتفوقين كم أتمنى أن يكون ولدًا صالحًا مطيعًا لربه، وكم أنمنى أن يكون من المثقفين ومن النافعين لنفسه ودينه ومجتمعه، كم أحلم أن أراه مثلًا يحتذى به وقدوة لأصحابه، كم أتمنى أن يحفظ القرآن وكم أتمنى أن يساهم بيده في نهضة أمته ووطنه وكم وكم وكم...
هذه هي أمنية هذه الأم وهذه هي أمنية كل الأمهات وكل الآباء وكل المربين ولكن!!!
النية الطيبة وحدها لا تكفي؟!!
"لقد ارتفعت الأصوات تشكو من فساد الأجيال وعدم إعدادهم الإعداد الجيد الذي يناسب تحديات العصر وكاد أن يتفق الجميع على أن هذه الأجيال وبتلك التربية الرخوة لا يمكن أن تحقق لأمتها الأمل المنشود ولكن الجميع حائرون: من يستطيع أن يعد الأجيال الجديدة الإعداد المناسب؟) [التربية العملية للطفل هداية الله أحمد الشاش ص11]
أغلب الآباء يحبون أن يرون أبناءهم صالحين ومتفوقين وناجحين في حياتهم العملية وخلوقين، ونيات أخرى كثيرة وأمنيات عديدة، والنية الطيبة متوفرة لدى أغلب الآباء ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تكفي هذه النية الطبية وحدها، أم لا، هل تكفي النيات لبناء مؤمن الغد، هل تكفي النيات لمواجهة مطاحن التربية في المجتمع، أم هل تكفي النيات لغرس القيم الإيجابية وبناءها وتغيير العادات والسلوكيات السلبية، هل تكفي النية الطيبة لبناء الطفل إيمانيًا وأخلاقيا وسلوكيًا وذهنيًا ونفسيًا واجتماعيًا، الإجابة بالطبع: لا تكفي!!


لابد من خطة شاملة:
لا بد من خطة شاملة نبرهن بها عن صدق هذه النيات، خطة ترسم للطفل طريق الصلاح والنجاح، لابد من خطة شاملة بنيت على أساس وثيق من الكتاب والسنة من جانب وعلى الفهم العميق لمراحل نمو الطفل وكيفية بناء الطفل في كافة الجوانب الإيمانية والأخلاقية والسلوكية والذهنية والنفسية والاجتماعية من جانب آخر وذلك تبعًا لفهم طبيعة كل مرحلة.
وقل أن نتكلم عن أهمية فهم مراحل نمو الطفل، لابد أن نؤكد أولًا على أهمية شمول خطة التربية:
فأغلب الآباء لا يدركون أهمية هذا الشمول المطلوب في التربية، فمنهم من يركز فقط على الجانب الإيماني ويهمل الجانب العقلي والجانب الرياضي، ومنهم من يركز فقط على الجانب الرياضي ويهمل الجانب الإيماني، أو من يركز على الجانب العقلي ويهمل الجوانب الأخرى وهكذا، ولعل السبب في ذلك التربية بنظريات عديدة غير ناضجة مثل:
- أريد طفلي أفضل مني.
- أريد طفلي أن يكون مثلي.
- أربي طفلي كما رباني والدي.
- أريد طفلي مثل فلان.
ونحن اليوم نطالب بطرح هذه النظريات وراء الظهر وندعوا إلى التربية الشاملة، وإلى أن تكون هناك خطة واضحة لبناء مؤمن الغد.
(إن الحقائق المتعلقة بأهمية النمو في مرحلة الطفولة لم تتضح في الواقع إلا منذ فترة قريبة جدًا في تاريخ الحضارة الإنسانية، فإذا تتبعنا نشأة العلوم وتطورها نجد أن العلوم الطبيعية كانت قد نشأت واستقرت كجزء من التراث الثقافي الإنساني قبل أن تبدأ أبسط الدراسات العلمية للسلوك البشري وليس معنى ذلك أن الإنسان لم يفكر أو يتأمل في طبيعته البشرية إلا مؤخرًا فقط، فقد نشأت تأملات وفلسفات وأنواع أخرى من التفكير في أهمية خبرات الطفولة وأثرها في تفكير الكبير وفي سلوكه الاجتماعي لكن الذي نريد أن نؤكده هو أن ثمة دراسات علمية بالمعنى الصحيح لهده الكلمة لم تنشأ قبل بداية القرن العشرين، وإذا كان ذلك يصدق على التراث الإنساني في الثقافة الغربية فالواقع أكثر تجسيماً في ثقافتنا العربية،
ومن أهم العوامل التي أدت لذلك انتشار الأفكار الخاطئة عن طبيعة النمو الإنساني ففي الأمثال المشهورة مثلا: " اقلب القدرة على فمها تتطلع البنت لأمها، و" ابن الوز عوام" و" الولد لخاله والبنت لعمتها " إلى آخر ذلك من الأمثال العامية التي تدل قطعًا على وجود أفكار غير علمية متعلقة بنشأة الطفول وتطوره. ) [الأطفال مرآة المجتمع د. محمد عماد الدين إسماعيل ص7]


أركان الخطة الشاملة لتربية الطفل:
الأركان الرئيسية لبناء مؤمن الغد وهي التي تحقق الشمول في البناء وتراعي كل جوانب بناء الإنسان:
1. الجانب الإيماني.
2. الجانب السلوكي.
3. الجانب الفكري والذهني (العقلي).
4. الجانب الاجتماعي.
5. الجانب النفسي.
6. الجانب البدني.
أهمية فهم مراحل نمو الطفل قبل وضع الخطة:
لابد على المربي اليوم أن يعي ويفهم مراحل نمو الطفل، بل ويتعمق في فهم طبيعة كل مرحلة، ليعرف كيف يبني طفله وفق خصائص كل مرحلة لا وفق رغبته، فربما خاطب الطفل خطابًا لا يتناسب مع مرحلته فتصبح النتيجة سلبية، وربما أيضًا لم يدرك خصيصة هامة من خصائص مرحلة ما، فلا ينتهز الفرصة ولا يستثمرها بسبب جهله بطبيعة المرحلة.
"إن حياة الإنسان تتكون من وحدة واحدة، وتتم عملية النمو من الداخل للخارج أي أن الإنسان ينمو نموًا داخليًا كليًا ومستمرًا في سنين حياته المتتابعة حتى يقف عند مرحلة معينة يصل عندها الفرد إلى تكوينه النهائي.
وعملية تقسيم نمو الإنسان إلى مراحل عملية صعبة وذلك لصعوبة وضع حدود واضحة بين كل مرحلة وأخرى ولتداخل هذه المراحل فيما بينها فكل مرحلة تتداخل وتتأثر بما قبلها من مراحل كما أنها تتداخل وتؤثر فيما بعدها من مراحل وتعدلها.
ونحن نقوم بعملية تقسيم فترة النمو إلى مراحل لتسهيل دراستها علميًا وعمليًا.
إننا في تقسيم النمو إلى مراحل نختار لك تلك الأحداث التي نعتبرها هامة بالنسبة للنمو في سن معينة ونعتبرها محددات لمرحلة معينة من مراحل النمو أو التغير في أبعاد النمو.
إننا في دراستنا للنمو الإنساني إنما ندرس السلوك البشري وكيف تتطور الوظائف النفسية المختلفة على مدى حياة الإنسان ولذلك فنحن نهدف من تقسيم النمو إلى مراحل إلى أمرين:
الأول: فهم العوامل الهامة التي تتحكم في أساليب سلوك الطفل في سن معينة.
الثاني: الملائمة بين خصائص الطفل النفسية والعقلية والمزاجية وبين ما يتطلبه من تعليم وحياة اجتماعية ) [علم نفس الطفولة ومشكلاتها د. أحلام حسن، د. أحمد شعبان ص 106]


مراحل نمو الطفل:
تنقسم مرحلة الطفولة (من الميلاد إلى 12 سنة) إلى خمسة مراحل رئيسية وهي:
1. مرحلة ما قبل الميلاد.
2. مرحلة المهد (من الميلاد حتى العام الثاني)
3. مرحلة الطفولة المبكرة (من 3 سنوات حتى 5 سنوات)
4. مرحلة الطفولة الوسطى (من 6 سنوات حتى 8 سنوات)
5. مرحلة الطفولة المتأخرة (من 9 سنوات حتى 12 سنة).
نبني مؤمن الغد وفق خطة شاملة تراعي خصائص مراحل النمو:
الآن قد عرفت عزيزي المربي أركان النجاح لبناء الطفل نحو الصلاح والنجاح ألا وهي:
1. أركان الخطة الشاملة.
2. فهم مراحل النمو.
الآن يمكننا عزيزي المربي أن نتأمل كل مرحلة من مراحل النمو على سبيل المثال " مرحلة المهد" فنعرف خصائص هذه المرحلة وسماتها، حتى نستطيع أن نبني طفلنا في هذه المرحلة في كافة الجوانب التي حددتها الخطة الشاملة ألا وهي الجانب الإيماني والسلوكي والذهني والنفسي والاجتماعي والبدني.
وبهذا نكون قد وضعنا خطة واضحة لبناء الطفل وقدمنا البرهان الواضح لصدق نيتنا، في بناء طفلنا في هذه المرحلة المهمة " مرحلة الطفولة " (والتي نتبع أهميتها من كونها طويلة قد تصل إلى خمس عمر الإنسان أو أكثر وهو يحتاج فيها إلى عناية تناسب وضعه ونموه كما أن الطفل يكون قابلًا للتوجيه ومستعدًا للاستقبال وأخيرًا هي مرحلة إعداد لما يستقبل من الأيام) [ثقافة الطفل المسلم أحمد بن عبد العزيز الحلبي ص 57، 63]
(لابد أن لا نضيع الفرصة في هذه السنوات الأولى الخطيرة من عمر الطفل "والتي أكدت كثير من الدراسات الحديثة على أهيمة التربية فيها حيث أن هذه الفترة تقوم بدور مهم في تشكيل شخصيته وتكوين اتجاهاته وميوله ونظرته إلى الحياة حيث تعلم كثير من الخبرات التي تساعده على النمو في كافة جوانبه) [أصول التربية الوقائية للطفل في الإسلام د. حسين بانبيلة ص65]


المراجع:
1. التربية العملية للطفل تأليف /هداية الله أحمد الشاش
2. علم نفس الطفولة ومشكلاتها د. أحلام حسن، د. أحمد شعبان
3. الأطفال مرآة المجتمع د. محمد عماد الدين إسماعيل
4. ثقافة الطفل المسلم أحمد بن عبد العزيز الحلبي
5. أصول التربية الوقائية للطفل في الإسلام د. حسين بانبيلة