إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أمَّا بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
معاشر المسلمين، احمدوا الله تبارك وتعالى على نعمة الاسلام والإيمان والدين، فقد اجتباكم الله وهداكم، وجعلكم له مسلمين، ولمحاسن الدين مبصرين، وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم متبعين، الذي أرسله الله هداية للعالمين، ورحمة مهداة ونعمة مسداة.
ولقد أحسن القائل:
ومِمَّا زادَنِي شَرَفًا وتِيهًا
وكِدْتُ بِأخْمُصِي أطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُوليْ تَحْتَ قَوْلِكَ يا عِبادِي
وأنْ صَيَّرْتَ أحْمَدَ لِي نَبِيَّا
أحبابي الكرام، كلنا سمع وشاهد وتابع ما قامت به حكومة فرنسا من حملة آثمة منكرة للإساءة لنبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، ما أغضبنا، وأحزن قلوبنا، وأدمع عيوننا، كيف لنبي كريم ورسول رحيم أن يساء إليه؟!
كيف لمن زكَّى الله نفسه وعقله، وقوله وفعله، وخَلقه وخُلقه، ودعوته وهديه أن يُساء إليه؟!
كيف يُساء لمن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، وعلى إيمان الكافرين من الحريصين؟!
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين.
قال: «إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً».
كيف يساء لمن كان رحيمًا بالعاصين والجاهلين، رحيمًا بالأطفال؟!
قال خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه: ما رَأَيْتُ أَحَدًا كانَ أَرْحَمَ بالعِيالِ مِن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ كما في "صحيح مسلم".
كيف يساء لمن كان رحيمًا بالشباب والشيوخ، رحيمًا بالزوجات والنساء، رحيمًا حتى بالحيوان؟
كيف يساء لمن حبُّه نجاة وإيمان، والإعراض عنه كفر وخسران؟!
كيف يساء لمن لا طريق لنا للوصول إلى ربنا تبارك وتعالى، وشرعه ورضاه وجنته، إلا به اتباعًا له وإيمانًا به؟!
كيف يساء لمن لا حلاوة في القلوب والأرواح، وسعادة في الحياة إلا بالإيمان به؟!
يا عباد الله، إن المؤمن يغضب ويغار، ممن أساء وتنقص من النبي المختار، وفي الحديث الصحيح: «المُؤمِنُ يَغارُ، المُؤمنُ يَغارُ، المُؤمِنُ يَغارُ، واللهُ أَشَدُّ غَيْرًا»؛ أخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه.
كيف لا نغضب ونغار ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إلينا من أنفسنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، وأموالنا وحياتنا كلها، فـ«لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ»؛ كما في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه.
ألا فليراجع إيمانه ذلك الذي بلغه الانتقاص لنبيه الكريم، ولم يغضب ويستنكر، أيُسَبُّ نبيُّك ولا تغضب ولا تحزَن!
فوالله لو كان أبوك أو كانت أمك هي التي أُسيء إليها، أو هو الذي أسيء إليه، لكنت استشطت غضبًا، وملأت الدنيا ضجيجًا ومدافعة.
ألا واعلموا يا - رعاكم الله - أن الانتقاص من نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وتشويهه وسبَّه، ليس بالأمر الجديد من قِبل أعداء ديننا، بل قد وقع هذا كثيرًا قديمًا وحديثًا.
ألم يقولوا: عنه ساحر ومجنون؟! ألم يقولوا: كاهن وكذاب؟!
فلا يعجبنَّ أحد من حقدهم هذا، وكرههم وحسدهم، وخوفهم من دين الله رب العالمين.
وإننا لنعجب ممن استغرب من هذه الحملة الآثمة، وكأنه نسِي أن الله جل وعلا بيَّن لنا عداوتهم، وحقدهم ومكرهم، وعدم رضاهم عنا مهما قدَّمنا وبذلنا لهم.
ثم إن من أساء إلى محمد رسول الله ما ضرَّه بشيء، بل ما ضرَّ إلا نفسه، وما جنى إلا عليها.
يحسبون أنهم برسوماتهم الساخرة، وتمثيلاتهم المسيئة، قد نالوا من رسول رب العالمين، كلا والله، أبى الله إلا صرفَ كل شيء عن نبيه، فمن نظر إلى تلك الرسومات القبيحة، وجد قبح خيال الراسم وبشاعته، وبعدها عن الحقيقة التي أدركها القريب والبعيد، فهي لا تشبه وصف النبي الكريم الخلقي، فإن وصفه أبهى وأجمل من القمر - بأبي هو وأمي - فمن رآه أُعجب بخَلقه وأحبَّ خُلقَه، وما أشكال تلك الرسومات إلا كأرواح من قام بها ورضي.
قال جابر بن سمرة رضي الله عنه: «رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ إضحيانٍ - مضيئة مقمرة - وعليه حُلَّة حمراء، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسن من القمر»؛ رواه الترمذي، وصححه الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح".
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه»؛ رواه الترمذي، وصححه الألباني في "تخريج مشكاة المصابيح".
ويأبي الله إلا صرف الانتقاص عن نبيه صلى الله عليه وسلم، وكانت العوراءُ زوجةُ أبي لهبٍ تقولُ:
مُذَمَّمًا قلَيْنا * ودِينَه أبَيْنا * وأمرَه عصَيْنا
فكان المشركون يعرِّضون بنبينا صلى الله عليه وسلم يشتمون ويلعنون مُذَمَّمًا مكان محمد، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا تَعْجَبُونَ كيفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ ولَعْنَهُمْ؟ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، ويَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وأنا مُحَمَّدٌ»؛ كما في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
إن الله تبارك وتعالى كفى محمدًا المستهزئين في كل زمان ومكان، بما شاء سبحانه من أنواع الصوارف والعقوبات في الدنيا؛ كما قال سبحانه: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِ ينَ ﴾ [الحجر: 94، 95].
فما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أهلَكه الله وقتَله شرَّ قِتلة، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فكم من مستهزئ وساب للنبي صلى الله عليه وسلم قد انتقم الله منه، وجعله عبرة لمن يعتبر.
عباد الله، إن عاقبة المستهزئين بنبي الرحمة وخيمة، وعقوبة بغيه عليه معجلة أليمة، كيف لا وقد بارزه الله تبارك وتعالى بالمحاربة من عادى أولياءه، فاستبشروا خيرًا؛ يقول شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله كما في كتابه "الصَّارم المسلول على شاتِم الرَّسول": "وأنَّ اللهَ مُنتقِمٌ لِرَسولِهِ مِمَّن طَعنَ عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدينهِ ولِكذِبِ الكَاذِب، إذا لم يُمكن النَّاس أَنْ يُقيموا عليه الحَدَّ، ونظيرُ هذا ما حَدَّثَنَاهُ أعدادٌ مِنَ المُسلِمين العُدولِ أَهلِ الفقهِ والخِبرةِ، عَمَّا جَرَّبوهُ مَرَّاتٍ متعدِّدةٍ، في حَصْرِ الحُصونِ والمَدائِنِ التي بالسَّواحلِ الشَّامِيَّة، لَمَّا حَصَرَ المسلمون فيها بَني الأصفَرِ في زمانِنا، قالوا: كُنَّا نحنُ نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينةَ الشَّهرَ أَو أَكثَرَ مِنَ الشَّهرِ وهو ممتَنِعٌ علينا حتَّى نَكادُ نَيئَسُ منه، حتَّى إذا تَعرَّضَ أَهلُهُ لِسبِّ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم والوَقيعةِ في عِرضِه، تَعَجَّلْنا فَتْحَهُ وتيسَّر، ولم يَكَدْ يَتَأَخَّرُ إلا يومًا أو يومينِ أو نحوَ ذلك، ثمَّ يُفتحُ المكانُ عَنْوَةً، ويكونُ فيهم مَلحَمةٌ عظيمة، قَالوا: حتَّى إنْ كنَّا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيلِ الفَتحِ إذا سَمعنَاهُم يَقعونَ فيه، مع امتلاءِ القلوب غَيظًا عليهم بما قالوا فيه"؛ ا.هـ.
ويقول أيضًا: ومن سُنَّةِ الله أنَّ من لم يُمكن المؤمنين أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله، فإنَّ الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه؛ كما قال سبحانه: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِ ينَ ﴾ [الحجر: 94، 95]؛ اهـ.
ألم يهلك الله من هؤلاء المستهزئين الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسودان بن المطلب، وابن عبد يغوث، والحارث بن قيس؟
ألم يستهزئ كسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكرم كتاب رسول الله، فمزَّقه، فقتَله الله ومزَّق مُلكه، ولم يَبقَ للأكاسرة ملكٌ، وأما قَيصَر فلم يسلم وأكرم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فثبت مُلكه، ويقال: إن الملك باقٍ في ذريته إلى اليوم، ألم يقل الله تعالى: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3]، فكُلُّ من شَنَأَهُ وأبغضه، وعاداه واستهزئ به، فإنَّ الله تعالى يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره.
عباد الله، إن لعِظم حقِّ رسولنا الكريم، ولشناعة وقبح جناية المتطاول الأثيم على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بالسب والشتم، كان حكم مَن سبَّه القتلَ مِن قِبَل أولياء الأمور وإن تاب وآمن.
ألا يعلم من أساء إلى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم أنه بذلك أساء إلى رب العالمين الذي خلق الخلائق أجمعين، والذي أرسل النبيين مبشرين ومنذرين، وخاتمهم محمد الذي أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين.
ألا يعلم من أساء إلى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم أنه بذلك أساء إلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين، إلى الذي علَّمنا أن نؤمن بهم ونُحبهم ونحترمهم، ولا نرضى أن ينتقص أحد منهم، الذين لو أسيء إلى أحدهم كإبراهيم خليل الرحمن، أو موسى الكليم، أو عيسى روح الله وكلمته، لغضبنا لله تعالى وانتصرنا لأنبياء الله ورسله، لا نفرِّق بين أحد منهم، كما ننتصر لرسولنا صلى الله عليه وسلم.
ألا يعلم من أساء إلى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم أنه بذلك أساء إلى دين الله الذي أكمله الله ورضِيه دينًا للعالمين، ولا يقبل من أحد دينًا سواه.
ألا يعلم من أساء إلى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم أنه بذلك أساء إلى جميع المسلمين الأحياء منهم والأموات.
ألا يعلم من أساء إلى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم أنه بذلك أساء إلى الأخلاق الفاضلة، والقيم السامية النبيلة، أساء إلى العفة والصدق والحياء.
أيها الكرام، إننا نسمع ونقرأ ونشاهد هذا الغضب العارم بصوره المختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي، وإنه مؤشر خير، لكن ليس من الصائب أن نجعل نصرة النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مقاطعةً لسلع غذائية، أو منتجات صناعية، أو زجاجات عطرية، أو ملبوسات قماشية، أو أدوية ومنتجات طبية، أو ألبان ومعلبات، أو أحذية وسيارات.
المقاطعة ليست حلًّا تقوم به بمفردك، أو تقدره بعاطفتك، فقد تضر مسلمًا في فرنسا بمقاطعتك، أو تاجرًا مسلمًا يتاجر بسلع فرنسية مباحة في بلدك، أو تمنع تصدير ما يحتاج المسلمون إليه في دولتك.
الأمر بالمقاطعة يقدره ويحدِّده أهل الاختصاص من ولاة الأمور، فلا تتسرع بالدعوة للمقاطعة، أو باتهام إخوانك بعدم حب الرسول الكريم؛ فلولي الأمر أن يصدر قرارًا بمنع الاستيراد، وأن يعوض المتضررين من تجار بلدك، وأن يوازن بين مصالحها ومفاسدها، وعندها تلزم طاعته بالمعروف فيما يراه نصرة لدينه، وتحقيقًا لمصالح العباد والبلاد.
المقاطعة خيار سياسي شرعي، فلولي الأمر النظر فيه دون غيره، فلا يرجع للجمعيات والمنظمات والحركات.
فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال حين قال للمشركين: "وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم".
لا إله إلا الله، انظروا كيف توجه الأمة بعيدًا عن دينها حتى في مثل هذه الأحداث؟!
وتأملوا كيف تصرف هذه الأمة عن معركتها الحقيقية مع الباطل ودعاته؟! وكيف تهدر قدراتها عن المفيد والنافع؟!
ألا يجدر بنا أن نقاطع عقائدهم ومناهجهم الفاسدة الهدامة التي صدَّروها إلينا.
ألا يجدر بنا أن نقاطع أخلاقهم الهابطة التي أفسدت أبناءنا وبناتنا بها.
ألا يجدر بنا أن نقاطع فنَّهم الساقط الذي يقتدي به الفنانون والفنانات في دُولنا.
ألا يجدر بنا أن نقاطع مدينتهم الفاسدة الزائفة التي يسعى الملاحدة والجهلة من أبناء أمتنا لتطبيقها في بلداننا.
ألا يجدر بنا أن نقاطع الفوائد المحرمة الربوية التي أغرقوا بها بنوك العالم الدولية.
ألا يجد بنا أن نقاطع التبرج والسفور، وإباحة الغناء والخمور، والزنا واللواط والفجور التي يدعون بتشريعها وتقنينها في مجتمعاتنا الإسلامية.
ألا يجدر بنا أن نقاطع ملابسهم التي لا تليق بشبابنا وشاباتنا.
ألا يجدر بنا أن نقاطع العلمانية التي جاؤوا بها لبلاد كثير من المسلمين ويفرضونها علينا.
إن غضبنا أكبر من أن يتوجه لمعلبات وملبوسات، ومعدات وسيارات، وهشتاجات وتريندات، عبر الفيس بوك وتويتر والفضائيات.
غضبنا أرقى من تركيب صور تهين الكلاب والحيوانات.
غضبنا لا يدفعنا إلى الاحتشاد في التظاهرات التي لا فائدة حقيقة منها، أو المسيرات ورفع اللافتات والشعارات.
غضبنا لا يجرنا إلى حضور الموالد التي فيها البدع، ولا تخلو من الشركيات والمخالفات.
إن الواجب علينا - يا رعاكم الله - نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، كلٌّ من مكانه وموقعه ومجاله، قال سُبْحَانه وتعالَى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّ هُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾[ آل عمران الآية81]، فقد أخذ الله تعالى العهد على الأنبياء أن ينصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يؤمنوا به، فما بالك بغيرهم من البشر؟! ومن دونهم؟!
وإنما أخذ الميثاق على النبيين وأممهم، فاكتفى بذكر الأنبياء عن ذكر الأمم؛ لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على التابع"؛ اهـ؛ كما في "زاد المسير في علم التفسير".
وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الفتح: 8، 9].
﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ﴾، فقد أرسل الله محمدًا لذلك، فهل حققنا الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما يجب علينا؟
﴿ وَتُعَزِّرُوهُ ﴾ بمعنى تنصروه وتنصروا سنته ودينه وهديه، ﴿ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ بمعنى تعظِّموه وتُجِلُّوه.
والله إنه لا خير لنا ولا فلاح إلا إذا قمنا بنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن تقاعس عن النصرة فلن يضرَّ إلا نفسه، وقد علق ربنا المتعال الفلاح بالنصرة، فقال: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]، فنحن بحاجة لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو بحاجة للنصرة؛ لأن الله قد تولَّى نصره، فقد نصره في موقف ليس معه الأعوان ولا الأنصار، وهو في حاجتها ولم يكن معه إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
فإن لم ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ الله تعالى ناصره، ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].
واعلموا أيها المسلمون أن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون بالاستجابة لما دعا إليه، والاستقامة على الدين، والتمسك بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وامتثال الأمر واجتناب النهي، والتزام السنن، إن هذا والله لأقوى رد توجهه أيها المسلم لفرنسا والمستهزئين، وأعداء الدين.
تكون نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون بنشر سيرته، فلو عرفوها لما أساؤوا إليه، ولما سبوه وشتموه، بل أحبوه واحترموه واتَّبعوه؛ إذ الإنسان عدوٌّ لما يجهله، ولو تعرفوا على حياته من مصادرها الصحيحة، بعيدًا عن تدليس المستشرقين، وافتراء المضللين، لتبيَّنت لهم جنايتهم وظلمهم.
قال ابن حزم رحمه الله كما في كتابه "الفصل في الملل والنحل":
"إن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبَّرها تقتضي تصديقه ضرورة، وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًّا، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى"؛ اهـ.
فعلينا جميعًا أيها المسلمون أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا وبلادنا، في شوارعنا وأسواقنا، ومساجدنا مجتمعاتنا؛ بالتحلي بآدابه، والتأسي بسننه، ونشر صحيح سنته، والدعوة إلى دينه في مشارق الأرض ومغاربها.
نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون أيضًا بحضور مجالس العلم، وحلقات التحفيظ، تكون ببناء دور الحديث والسنة، والسعي في تحصيل العلم النافع وتبليغه.
واعلموا يا رعاكم الله أن السبب الحقيقي وراء تطاول أعداء الإسلام على ديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم، هو ضَعف أمتنا، وخوفهم من ديننا.
وضَعفنا هذا لم يحصل إلا ببُعدنا عن ديننا، وانحراف كثيرٍ منَّا عن العقيدة الصحيحة، والعبادة السليمة، والمعاملة الحسنة.
لقد ساءت الأخلاق، وكثُرت المخالفات، وظهرت التناقضات، حتى بدى للناظر في أحوال بلادنا الإسلامية ما يُنفِّره عن ديننا، ولقد كان السلف الصالح والصحابة الكرام متمسكين بدينهم، على عقيدة صحيحة، وجماعة واحدة، قلوب مؤتلفة، همُّهم آخرتهم وما يقدمون لدينهم، ففتحوا قلوب الناس قبل حصونهم، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وفي الحديث الصحيح: «يُوشِكُ الأممُ أن تداعى عليكم كما تداعى الأكَلةُ إلى قصعتِها»، فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءُ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ»، فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ، وما الوهْنُ؟ قال: «حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ»؛ أخرجه أبو داود عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هل نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هو تارك ومتهاون في الصلوات المكتوبات، عاق بالآباء والأمهات، قاطع للأرحام والقرابات، متابع لأخبار الفنانين والفنانات، مقلد للاعبين معاكس للفتيات، مشغول بالقيل والقال والتفاهات، هل بمثل هؤلاء يُنصَرُ رسول رب العالمين أيها المؤمنون والمؤمنات؟!
أمة الإسلام، إنه لا أقل من بقية حياء وخير ودين في قلوبنا تُرجعنا إلى الله تعالى، تراجعنا إلى ديننا؛ عقيدة وسياسة وعبادة وأخلاقًا، وتدفعنا لنعرض عن تنافسنا على فتات الدنيا الزائل، وعرضها الفاني، والتسابق والتنافس على الكراسي والقصور، وبناء التجارات والدور، حكامًا ومحكومين.
أيها المسلمون، إن الذل الحقيقي عندما نعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونخالف أمره الذي طاعته من طاعة الله، ومعصيته من معصية الله، وتوعَّد مُشاقَّه بشديد العقاب، ومحادَّه بأن يكون مع الأذلين، ومَن عصاه وآذاه بالعذاب المهين.
وفي الحديث: «بُعِثتُ بين يدي الساعةِ بالسَّيفِ، حتى يُعبَدَ اللهُ تعالى وحده لا شريكَ له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظِلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذُّلُّ والصَّغارُ على من خالفَ أمري، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم»؛ أخرجه أحمد عن عبدالله بن عمر، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع".
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أما بعد:
فوالله إننا لنتحمل جزءًا من التسبب بهذا التطاول، بسبب تقصيرنا، فلو عرفوا نبيَّنا ما تطاولوا عليه، فالمقصرون نحن في نشر دعوته، وتبليغ سنته، وصد شُبَه المنحرفين من الكفار والملحدين.
ولو عرَفوا ديننا وعدله، وسماحته وحكمته، وأخلاقه وأحكامه - لَما تطاول مَن تطاول عليه، ولدخل الإيمان في قلوبهم.
أحبابي في الله، أنتم بين ثلاثة توجهات للناس في هذه الرسومات المسيئة للنبي الكريم:
توجُّه يدعوكم لتقبُّل الإساءة، ويبررون للمستهزئين إساءتهم بدعوى نصر الحريات والعلمانية والديموقراطية.
وتوجُّه يدعوكم للتسلط على حُكَّامكم، ويسعى لشق صفكم، وزرع الخلاف بينكم، وتخريب دولكم وبلدانكم، بحجة التآمر مع الأعداء والسكوت والتخاذل عن النصرة.
وتوجُّه يدعوكم للتمسك بدينكم، ويبيِّن أن الخلل من قبل هذه الأمة، وأن على الأمة الرجوع إلى الله تبارك وتعالى حكامًا ومحكومين، ويدعون إلى ضبط العواطف بقيود الشريعة، وبعين الرأي والحكمة والمصلحة، ويدعون لنصرة النبي الكريم، كلٌّ مِن موقعه وحسَب استطاعته، فالعالم بعلمه ودعوته، والخطيب من مسجده على منبره، والكاتب بقلمه في صفحته، والأديب بأدبه وبلاغته، والسياسي بحُنكته وحكمته، والمدرس في صفه من مدرسته، والشاعر بأبياته وفصاحته، والإعلامي مِن مِنَصَّتِه، والوالد في بيته وحسن تربيته.
يظن المسيؤون أنهم سينتصرون، كلَّا والله، فلن يزداد بذلك الإسلام إلا قوةً وعزًّا، وما زاد الناس للإسلام إلا حبًّا، وللرسول إلا اتباعًا، وسيدخل الناس في دين الله أفواجًا، و«لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يَترُكُ اللهُ بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلّا أَدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عَزيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ؛ عِزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللهُ به الكُفرَ».
أحبابي، ولا أنسى أن أقول: أين دعاة الدين الإبراهيمي الجديد؟! وأين دعاة التسامح، ووحدة الأديان من هؤلاء؟ أين من يقدس الغرب، وحياة الغرب، وحضارة الغرب، وحريات الغرب؟!
أين المعجبون بفرنسا المجرمة التي من قرأ التاريخ أدرك أنها من كُبريات الدول الداعمة للإرهاب العالمي الدموي ضد المسلمين.
إخواني في الله، بعض إخواننا يتناقلون رسومات الكاريكاتير التي فيها الإساءة لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذا محرم لا يجوز، ونرجو منهم الرأفة بقلوبنا؛ فلا نتحمل مشاهدتها، والله المستعان.
وأخيرًا، لا يفوتني التنبيه على عبارة يستعملها بعض إخواننا ومقصدهم حسن، ويجعلها شعارًا يردِّده أو يعلقه: إلا رسول الله، وهذه العبارة غير مستقيمة من ناحية اللغة، فلا بد من أن يأتي بالمستثنى منه.
ومن حيث المعنى فالعبارة باطلة، ولا شك في حُسن قصد قائلها وكاتبها، فهل يقصد بها أن لهم أن يُسيؤوا إلى مَن شاؤوا.
هل يقصد أن لهم أن يسيؤوا إلى الله أو إلى دينه، أو إلى ملائكته، أو إلى كتابه إلى الصحابة أو العلماء، أو المؤمنين إلا رسول الله؟!
فاحذوا استخدامها فهي عبارة غير مستقيمة لغة، وباطلة المعنى كما بيَّن علماؤنا، فأسأل الله أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، والحمد لله رب العالمين.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/142840/#ixzz6cYAAPVPH