الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
فيجدر التوضيح بأن التصريحات التي صدرت من الرئيس الفرنسي ماكرون في الأيام الماضية نحو دين الإسلام ونحو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ونحو المسلمين، كل ذلك لا يقبله المنطق ولا الواقع، وتنم عن منطلقات دفينة مرفوضة، كمثل ادعائه: (إن الإسلام يعاني من أزمة) ومثل وصفه لجريمة الطعن (الإرهاب الإسلاموي) وكمثل قوله: (لن نتخلى عن الرسوم الكرتونية).
وكذلك الإصرار من بعض الجهات في فرنسا على إعادة نشر الرسوم المسيئة على واجهات المباني في باريس، وغيرها من التصرفات المتشددة.
فكل هذه العبارات والاستفزازات نحو المقدسات غير مقبولة منطقًا وواقعًا، فأعمال ‫الاعتداء والإرهاب غير مبررة، كما أن الإساءة للأنبياء بدعوى حرية التعبير غير مقبولة ولا مبررة.
وكانت وزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية قد علقت على حادثة الطعن في إحدى ضواحي باريس تعليقًا موجزًا حكيمًا ومتوازنًا، مبينة أن الحادثة جريمة مستنكرة وأن المملكة ترفض العنف والتطرف والإرهاب بجميع أشكاله وصوره ودوافعه. ولأن هذه الحادثة كانت ردة الفعل نحوها تكرار الإساءة المتعمدة لخاتم الرسل والأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام، فإن وزارة الخارجية جددت: (دعوتها لاحترام الرموز الدينية والابتعاد عن إثارة الكراهية بالإساءة للأديان).
إن مما لا مرية فيه أن الإسلام شريعة ربانية سامية وعادلة، وفي غنى وسموّ عن تقييم أحد من الناس كائنًا من كان، ولا يصح بحال أن يتم ربطها بالعنف والإرهاب، فالإسلام بكمالاته وعظمة تشريعاته فيه الخير والسلام للإنسانية حاضرًا ومستقبلًا، كما كان منقذًا للبشرية فيما مضى.
وأما سيدنا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو أبعد ما يكون عن أوصاف السوء والبهتان، وهذه الرسوم لم ولن تنال من جنابه الشريف قيد أنملة، فجنابه الشريف قد صانه وحفظه ربُّ العالمين القائل: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِ ينَ ﴾ [سورة الحِجر: 95] مهما تمادى الجاهلون.
ورمزية الصور التي افتُريت فيها أوصاف البغي والاعتداء لنبي الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام هي أبعد ما تكون عن السيرة النبوية والأوصاف المحمدية التي نزل بها القرآن العظيم، والتي اطلع عليها كلُّ من قرأ سيرته عليه الصلاة والسلام، وستبقى معروفة معلومة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4] وقال الله جلَّ شأنه: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [سورة الشرح: 4].
وإذا كانت بعض وسائل الإعلام قد لبّست على الشعب الفرنسي وغيره من الشعوب حقيقة شخصية رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالحقيقة حاضرة لمن تطلبها، شهد بها زعماء وسياسيون ومثقفون وأدباء وغيرهم من غير المسلمين.
فها هو الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري آروويه (François-Marie Arouet)‏ المشهور بفولتير (Voltaire)‏ ‏ (1694 – 1778) والذي أفصح عن حقيقة موقفه نحو القرآن الكريم ونحو رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام في كتابه (بحث في العادات نشره عام 1765)، وكتابه الآخر (بحث في عادات الأمم وأرواحها Essay on the Customs and the Spirit of the Nations نشره عام 1756) حيث دافع فيهما عن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام.
ومن الناحية القانونية فغير بعيد عن ذلك حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2011م التي قضت بأن الإساءة لرسول الله محمد عليه الصلاة والسلام لا تندرج ضمن حرية التعبير.
وإنه لمن المستغرب أن يكون شخص بمقام القيادة والرئاسة أن يسلك المسالك المنفعلة لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية! دون اعتبار للحقيقة، ولا لمرتكزات الدولة، ولا لمشاعر المسلمين الذين هم جزء أساسي للنسيج الاجتماعي للشعب الفرنسي بكل مكوناته. في وقت أحوج ما تكون له الشعوب للتراحم والتسامح.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأبرار، وعدد ما غفل عن ذكره الجاهلون.


نشر بجريدة الرياض - الاثنين 9 ربيع الأول 1442هـ - 26 اكتوبر 2020م


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/142772/#ixzz6c9T4RnCO