تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: خوف الصحابة رضي الله عنهم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,465

    افتراضي خوف الصحابة رضي الله عنهم

    خوف الصحابة رضي الله عنهم -1


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أمَّا بعدُ:
    فمن أسماء الله الحسنى: العزيز، الجبار، المتكبر، القهار، القوى، المتين؛ قال سبحانه وتعالى: {﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾} [الحشر: 23]، فالله جل وعلا له عز القوة، والامتناع، والقهر والغلبة لجميع الكائنات.

    وقال عز وجل: {﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾} [الأنعام: 18]، فهو جل وعلا قد ذلت له جميع المخلوقات، وقال جل جلاله: {﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ } [الذاريات: 58]، فهو سبحانه وتعالى شديد القوة، الذي لا يُعجزه شيءٌ، ولا يغلبه غالبٌ.
    ولإيمان المسلم بهذا الأسماء آثارٌ عظيمة، وثمارٌ مباركة كثيرة؛ منها: استشعار الخوف الشديد من الله سبحانه وتعالى، والخوف من الله جل جلاله عبادة عظيمة، بتكميلها يكمل توحيد العبد، وبنقصها يكون النقص لكمال توحيده، وقد أمر الله بالخوف منه وخشيته في مواضع كثيرة من كتابه الكريم؛ قال الله جل وعلا: {﴿ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾} [البقرة: 40]؛ أي: فاخشوني، وقال سبحانه وتعالى: {﴿ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ﴾} [المائدة: 44].
    وهناك فروق بين الخشية والخوف ذكرها أهل العلم؛ منها:
    أن الخشية تكون عن علم، والخوف قد يكون عن علم، وقد يكون بدون علم، ومنها: أن الخشية تكون لعظمة المخشي، أما الخوف فقد يكون لضَعف الخائف، وإن لم يكن المخوف قويًّا.
    وقد ورد عن السلف رحمهم الله أقوال تبيِّن أهمية هذه العبادة في حياة المسلم، منها
    • ما فارق الخوف قلبًا إلا خرب.
    • الخائف هارب من ربه إلى ربه.
    • لا يمحو الشهوات إلا خوف مزعج، أو شوق مقلق.
    • التقوى تتولد من الخوف.
    • أصل كل خير الخوف من الله.
    • إذا سكن الخوف القلوب أحرَق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها.
    • صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرًا وباطنًا.
    • إن من خاف الله، خاف منه كل شيءٍ، ومن لم يخف الله، خاف من كل شيءٍ.
    والخوف من الله جل جلاله من لوازم الإيمان؛ قال عز وجل: {﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾} [آل عمران: 175]، قال العلامة السعدي رحمه الله: وعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الخوف علامة صحة الإيمان، وترحُّله من القلب علامة ترحُّل الإيمان منه.
    ومن بكى من خشية الله لم يلجِ النار، ولم تمس النارُ عينيه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(لا يلج النار رجل بكى من خشية الله...)» ؛ [أخرجه الترمذي]، وقال علية الصلاة والسلام: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» ؛ [أخرجه الترمذي].
    ومن خاف الله بادَر إلى عمل الطاعات، واجتناب المنكرات؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلَغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، إلا إن سلعة الله الجنة» [أخرجه الترمذي].
    ومن خاف الله فرج الله له، وأخرَجه من الضائقات، ونجاه من الكروب، فالثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، ولم يستطيعوا الخروج منه، قال بعضهم لبعض: لن ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فأحدهم ذكر أنه راود ابنة عم له عن نفسها بمائة دينار، فأبت، ثم إنها ألَمَّت بها لائمة، فجاءت إليها ومكَّنته من نفسها، فلما قعد بين رجليها، قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قال: فقمتُ عنها، وتركتُ لها المائة دينار، فإن كنتَ تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك، ففرِّج عنَّا، ففرَّج الله عنهم فخرَجوا.
    والعلماء هم أخشى الناس لله جل جلاله؛ لأنهم أعلم وأعرف الناس بالله؛ قال سبحانه وتعالى: {﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ } [فاطر: 28]، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من كان بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه أعلمَ، كان له أخشى وأتقى، وإنما تنقص الخشية والتقوى بحسب نقص المعرفة بالله.
    والملائكة الذين هم في غاية الطاعة لله عز وجل قولًا وفعلًا، مشفقون من خشية الله جل جلاله؛ قال سبحانه وتعالى عنهم: {﴿ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ } [الأنبياء: 28]، وكثير من المسلمين يرتكبون المعاصي، ولا يحرك ذلك في قلوب بعضهم ساكنًا، فتراهم لا يخافون من تلك المعاصي، ولا من آثارها وتبعاتها في الدنيا والآخرة، مع أن الواجب على المؤمن أن يخاف من ذنوبه، ويرى أنها عظيمة، كأنها جبل فوقه سيسقط عليه؛ كما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وأن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن تقع عليه)، قال ابن أبي جمرة: السبب في ذلك أن قلب المؤمن منور، فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه، عظُم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه، بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه في العادة، وحاصله أن المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان، فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المسلم أنه دائمُ الخوف والمراقبة، يستصغر عمله الصالح، ويخشى من صغير عمله السيئ، قوله: (وأن الفاجر يرى ذنوبه كذباب)؛ أي: ذنبه سهل عنده لا يعتقد أنه يحصل له بسببه كبيرُ ضررٍ، كما ضرر الذباب عنده سهل، وكذا دفعه عنه، قال المحب الطبري: إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته؛ لأنه على يقين من الذنب، وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله، فلذلك قلَّ خوفه واستهان بالمعصية، وقال ابن أبي جمرة: السبب في ذلك أن قلب الفاجر مظلم، فوقوع الذنب عنده خفيف عنده، ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول: هذا سهل، وقال: ويستفاد من الحديث أن قلة خوف المؤمن ذنوبه وخِفته عليه، يدل على فجوره"
    والذي ينبغي على المؤمن أن يخاف ذنوبه، ويبكي عليها، عن عقبة الجهني رضي الله عنه قال قلتُ يا رسول الله ما النجاة؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك)[أخرجه الترمذي]وعن عائشة رضي الله عنها قالت قلتُ: يا رسول الله قول الله {﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾} [المؤمنون: 60] أهو الذي يزني ويشرب الخمر، ويسرق؟ قال: (لا يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يتقبل منه[أخرجه الترمذي]، قال الحسن رحمه الله: عملوا واللهِ بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن تُرَدَّ عليهم.
    وهذا هو حال الصحابة رضي الله عنهم، لهم اجتهاد في العبادة والطاعة، ومع ذلك يخافون ولا تغرُّهم تلك الطاعات والعبادات، ولهم مواقفُ تُبيِّن شدة خوفهم؛ منها:
    خوفهم النفاق على أنفسهم:
    فعن ابن أبي مليكة رضي الله عنه، قال: أدركتُ ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كُلُّهم يخافُ النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل؛ [أخرجه البخاري]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلِّهم: عائشة وأختها أسماء وأم سلمة، والعبادلة الأربعة وأبو هريرة...، وقد جزَم بأنهم يخافون النفاق في الأعمال، وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعُهم منهم، بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم".
    وأمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يخاف النفاق على نفسه، وكان يسأل حذيفة رضي الله عنه: هل ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم وعدَّه من المنافقين؟ وكان حذيفة يُجيبه بالنفي.
    خوفهم رضي الله عنهم من الفتن:
    عن العلاء بن المُسيب عن أبيه، قال: لقيتُ البراء بن عازب رضي الله عنهما، فقلتُ: طُوبى لك! صحِبت النبي صلى الله عليه وسلم، وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا بن أخي، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده؛ [أخرجه البخاري].
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله: (إنك لا تدري ما أحدثنا بعده)، يشير إلى موقع لهم من الحروب وغيرها، فخاف غائلة ذلك، وذلك من كمال فضله.
    قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذا من خوف الصحابة رضي الله عنهم من الذنوب والفتن التي حصلت في أواخر عهد الصحابة.
    خوفهم رضي الله عنهم أيهم يكون الناجي من بعث النار:
    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «(يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدمُ، يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادي بصوتٍ: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار، قال: يا ربِّ وما بعث النار؟ قال: من كلِّ ألفٍ - أراه قال - تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين، فحينئذ تضعُ الحامل حملها، ويشيب الوليدُ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، فشقَّ ذلك على الناس حتى تغيَّرت وُجُوهُهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة)، فكبَّرنا، ثم قال: (ثُلث أهل الجنة)، فكبَّرنا، ثم قال: (شطر أهل الجنة)، فكبَّرنا» ؛ [أخرجه البخاري ومسلم]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ومن فوائد الحديث: شدةَّ مخافة الصحابة رضي الله عنهم من الله؛ لأنه لما ذكر بعث النار، وقال: (من كل ألفٍ تسعمائةٍ وتسعة وتسعين)، يعني: وواحد في الجنة، شقَّ ذلك عليهم حتى تغيَّرت وجوههم، وفي رواية أُخرى: قالوا: يا رسول الله، أيُّنا ذلك الواحد؟ يعني: الذي ينجو، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن منَّا واحدًا، ومن يأجوج ومأجوج تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين.
    شدة خوف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
    عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسيرُ في بعض
    أسفاره وعمر بن الخطاب يسيرُ معه ليلًا، فسأله عمر بن الخطاب عن شيءٍ، فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يُجبهُ، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر بن الخطاب: ثكلت أم عمر! نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كُلُّ ذلك لا يُجيبك، قال عمر: فحركت بعيري، ثم تقدمت أمام الناس، وخشيت أن يُنزل فيَّ قرآن، فما نشبتُ أن سمعتُ صارخًا يصرُخُ بي، فقلتُ: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمتُ عليه، فقال: (لقد أُنزلت عليَّ الليلة سورة، لهي أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس)، ثم قرأ: إنا فتحنا لك فتحنًا مُبينًا؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: في الحديث دليل على فوائد؛ منها: شدة خوف عمر رضي الله عنه، وكان عمر رضي الله عنه على شدته من أخوف الناس من عذاب الله، حتى إنه أحيانًا يمرض إذا قرأ بعض الآيات التي فيها التخويف، ويُعاد، ويبقى أسبوعًا مريضًا، من شدة ما سمع رضي الله عنه، ولذلك هرب من عند النبي علية الصلاة والسلام، وتقدم، خوفًا من أن ينزل فيه قرآن، وهذا لشدة ما وجد في نفسه.
    وقد قال لابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنهما: أي حفصة، أتغاضب إحداكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، قال: قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي؟ قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: وفيه: شدَّة خوف عمر رضي الله عنه من الله سبحانه وتعالى؛ حيث قال: أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم؟
    خوف الصحابي ثابت بن قيس رضي الله عنه أن يكون حبط عمله:
    عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما نزلت هذه الآية: {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾} [الحجرات: 2] إلى قوله: { ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾} [الحجرات: 2]، وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت، فقال: أنا الذي كنتُ أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حبط عملي، أنا من أهل النار، وجلس في بيته حزينًا، فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك؟ فقال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي، وأجهر بالقول حبط عملي، وأنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال، فقال: (لا، بل هو من أهل الجنة)؛ [متفق عليه]قال العلامة العثيمين رحمه الله في هذا دليل على أن الخوف قد تكون عاقبته خيرًا فهذا الرجل خاف أن يكون من أهل النار؛ لأنه كان جهوري الصوت وكان أحد خُطباء النبي صلى الله عليه وسلم, وكان فصيحًا بليغًا رضي الله عنه فلما نزلت هذه الآية فلشدة خوفه من الله عز وجل احتبس في بيته يبكي، حتى كان لا يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، ففقده النبي علية الصلاة والسلام، وسأل عنه فقال رجل: أنا أُخبرك خبره فذهب إليه، فقال: ما الذي حبسك؟ قال: (شر) يعني: بحسب ظنه لا بحسب الواقع, وهو أنه كان يرفع صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم فخاف أن يحبط عمله وهو لا يشعر هكذا قال الرجل، فأخبر الرجل النبي صلى الله عليه وسم بذلك ولكنه بشَّرهُ هذه البشارة العظيمة قال له: (إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة) وقال في رواية (أما ترضى أن تعيش حميدًا وتُقتل شهيدًا وتدخل الجنة) وقُتل رضي الله عنه شهيدًا في غزوة اليمامة.









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,465

    افتراضي رد: خوف الصحابة رضي الله عنهم

    خوف الصحابة رضي الله عنهم -2


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ



    شدة مخافة الله في قلب كعب بن مالك رضي الله عنه:
    في قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك، لما رجع الرسول عليه الصلاة والسلام من الغزوة، اعتذر إليه المنافقون فقبِل منهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، أما كعب بن مالك رضي الله عنه، فقد جاء إليه وسلم عليه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟)، فقال كعب: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذرٍ، وقد أعطيت جدلًا، ولكني والله لقد علمتُ لئن حدَّثتُك اليوم حديثَ كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يُسخطك عليَّ، ولئن حدَّثتُك حديث صدقٍ تجدُ عليَّ فيه، إني لأرجو عفوًا فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قطُّ أقوى ولا أيسر منَّي حين تخلفتُ عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك)؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذا الحديث فيه فوائد كثيرة؛ منها: شدة مخافة الله في قلب كعب بن مالك رضي الله عنه؛ لأنه بيَّن أنه لو جلس عند أحد من ملوك الدنيا، لخرج منه بعذر؛ لأنه أُعطي جدلًا ومحاجة ومخاصمة، ولكنه يخشى أن يخرج من الرسول علية الصلاة والسلام بعذر، ثم ينزل فيه قرآن يفضَحه، فلهذا أخبر بالصدق.
    خوف عبدالرحمن بن عوف رضي الله من كثرة ماله أن يهلكه:
    عن أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها، قالت: دخل عليها عبدالرحمن بن عوف، فقال: يا أُمه، قد خفت أن يهلكني كثرة مالي أنا أكثر قُريش مالًا، قالت: يا بني فأنفق؛ [أخرجه أحمد].
    والصحابة رضي الله عنهم، إذا أذنبوا أحدث ذلك لهم قلقًا في أنفسهم، وخوفًا من الله جل جلاله في قلوبهم، جعلهم يقومون بعمل الآتي:
    المبادرة إلى التوبة:
    عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، أنها اشترت نُمرقة فيها تصاوير، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالباب، فلم يدخل، فقالت: أتوب إلى الله مما أذنبت، قال: (ما هذه النمرقة؟)، قُلتُ: لتجلس عليها، وتتوسَّدها، قال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يُقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصورة)؛ [أخرجه البخاري]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في هذا الحديث دليل على فوائد، منها:
    • شدَّة إنابة عائشة رضي الله عنها؛ لأنها عرفت أن الرسول علية الصلاة والسلام لم يمتنع من الدخول إلا لسبب، فقالت: أتوب إلى الله مما أذنبتُ.
    • المبادرة بالتوبة من حين أن يعلم الإنسان بالذنب، ولا يؤخر، وهذا كما هو مقتضى الشرع، فهو أيضًا مقتضى العقل؛ لأن المعصية إذا استمر الإنسان عليها بعد أن علم أنها معصية، فإنما يزداد إثمًا وبعدًا من الله عز وجل.
    الندم الشديد على المعصية:
    الصحابة رضي الله عنهم، إذا ارتكب أحدهم ذنبًا، ندم على ذلك، واستشعر مغبة ذلك الذنب، وخاف من تبعاته، وظهر أثر هذا الخوف والندم، في التعبير عمَّا فعل بعبارات قوية، قال الصحابي الذي وقع على امرأته في رمضان: (هلكت)، وفي رواية ثانية: (احترقت)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه: الندم على المعصية، واستشعار الخوف.
    فعل ما يكون كفارةً لذنوبهم:
    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن لطَم مملوكه أو ضربه، فكفارته أن يعتقه)؛ [أخرجه مسلم]، والصحابة رضي الله عنهم قد يغضب أحدهم على أحد مماليكه، وقد يضربه، لكنه يُسارع بفعل ما يكون كفارة لما قام به، فيعتقُ من قام بضربه من مماليكه، ومن الصحابة الذين قاموا بذلك:
    • ابن عمر رضي الله عنه، فقد أعتق مملوكًا، وأخذ من الأرض عودًا، وقال: ما فيه من الأجر ما يساوي هذا، إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « (من لطم مملوكه أو ضربه، فكفارته أن يعتقه)» [أخرجه مسلم] قال العلامة العثيمين رحمه الله: قول ابن عمر رضي الله عنهما:( ما فيه من الأجر ما يسوى هذا) يعني: أنني لا أريدُ بذلك البرَّ والتقرب إلى الله عز وجل ولكن أُريدُ بذلك زكاة نفسي.
    • ومنهم: أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال: كنتُ أضرب غلامًا لي، فسمعتُ من خلفي صوتًا: (اعلم أبا مسعود، للهُ أقدرُ عليك منك عليه)، فالتفتُّ، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله: هو حُرٌّ لوجه الله، فقال: (أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار)؛ [أخرجه مسلم].
    • ومنهم: أبو معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، قال: «كانت لي جارية ترعى غنمًا... فاطَّلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صكَكتُها صكةً، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَعَظَّمَ ذلك عليَّ، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها قال: (ائتني بها)، فأتيته بها، فقال لها: (أين الله؟)، قالت: في السماء قال: (من أنا)، قالت: أنت رسول الله قال: (اعتقه فإنها مؤمنة)» ؛ [أخرجه مسلم].
    طلبهم من الرسول علية الصلاة والسلام أن يطهرهم من ذنوبهم:
    مع أن الأفضل للعاصي أن يستر على نفسه، وأن يتوب إلى الله من ذنوبه، ولا يذكر ذلك لأحد، إلا أن الخوف من الله جل جلاله بلغ في قلوب الصحابة رضي الله عنهم مبلغًا عظيمًا، أدى بهم أن يطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطهرهم من ذنوبهم التي اقترفوها، ولو كان ثمن ذلك موتهم وإزهاق أرواحهم، فقد جاء ماعز رضي الله عنه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام واعترف مرارًا بأنه زنا، وطلب أن يُطهره، فرُجِم حتى مات، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لماعز بن مالك؛ لأنه استمر على طلب إقامة الحد عليه...، ولم يرجع عن إقراره، مع أن الطبع البشري يقتضي أنه لا يستمر على الإقرار بما يقتضي إزهاق رُوحه، فجاهد نفسه على ذلك وقوِي عليها، وأقرَّ من غير اضطرار إلى إقامة ذلك عليه بالشهادة، مع وضوح الطريق إلى سلامته من القتل بالتوبة.
    رضي الله عنه، جاء في رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لقد رأيتُه بين أنهار الجنة ينغمس)، وفي رواية: (قد غُفِر له وأُدخِل الجنة).
    وكما جاء ماعز فقد جاءت الغامدية رضي الله عنها، واعترفت بالزنا، وطلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُطهرها، وكانت حاملًا من الزنا، فطلب منها الرسول علية الصلاة والسلام، أن تذهب حتى تضعه، فذهبت حتى وضعته، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ليطهرها، فأمرها أن تذهب وترضعه حتى تفطمه، ثم جاءتْه بعد أن فطمتْه، تطلب أن يطهرها، فمرور الأيام لم يجعل الخوف من الله العظيم يزول من قلبها، عند ذاك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تُرجَم، فشُدَّتْ عليها ثيابُها، ورُجِمَتْ حتى ماتت، رضي الله عنها.
    ولم يقتصر الخوف في قلوبهم على فعل الكبائر، بل إن الخوف من الذنوب ولو كانت صغائر، موجود في قلوبهم رضي الله عنهم، فإذا ارتكب أحدهم صغيرة، جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يفعل به ما يشاء، رجاء أن يكون تطهيرًا له، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء غير أني لم أُجامعها، قبَّلتها ولزِمتها، فافعل بي ما شئت؛ [أخرجه مسلم]، فرضِي الله عن أولئك الصحب الكرام، وجمعنا وإياهم في مستقر رحمته.
    البكاء على ما قاموا به:
    لقد بلغ الخوف بالصحابة رضي الله عنهم أن يبكوا على ما فاتهم من الخير، ففي قصة الثلاثة الذين خُلِفوا كعب بن مالك وصاحبيه، قال كعب رضي الله عنه وهو يحكي ما حدث له: ففاضت عيناي، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه: استحباب بكاء العاصي أسفًا على ما فاته من الخير.
    وفي الختام فمما ينبغي التنبيه إليه أن على العبد الخوف من الله جل جلاله، وخشيته في الغيب والشهادة، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فأما خشية الله في الغيب والشهادة، فالمعنى بهما أن العبد يخشى الناس سرًّا وعلانية، وظاهرًا وباطنًا، فإن أكثر الناس يرى أنه يخشى الله في العلانية وفي الشهادة، ولكن الشأن في خشية الله في الغيب، إذا غاب عن أعين الناس، وقد مدح الله من يخافه بالغيب؛ قال تعالى: {﴿ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾} [الأنبياء: 49]، وقال: { ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾} [ق: 33] وقال تعالى: {﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ﴾ } [المائدة: 94]
    وقال: {﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ } [الملك: 12]، كان بعض السلف يقول لإخوانه: زهَّدنا الله وإيَّاكم في الحرام زهادة من قدَر عليه في الخلوة، فعلِم أن الله يراه فترَكه، والموجب لخشية الله في السر والعلانية أمورٌ؛ منها: قوة الإيمان بوعده ووعيده على المعاصي، ومنها: النظر في شدة بطشه وانتقامه وقوته وقهره، وذلك يوجب على العبد ترك التعرض لمخالفته؛ كما قال الحسن: ابن آدم، هل لك طاقة بمحاربة الله، فإن من عصاه فقد حاربه، وقال بعضهم: عجبتُ مِن ضعيف يعصي قويًّا، ومنها: قوة المراقبة له، والعلم بأنه شاهد ورقيب على قلوب عباده وأعمالهم".
    كما ينبغي التنبيه على مقوله يقولها بعض الناس وهي: "إني أخافك، وأخاف مَن لا يخافك"؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وبعض الناس يقول: يا رب إني أخافك، وأخاف من لا يخافك، وهذا كلام ساقط لا يجوز، بل على العبد أن يخاف الله وحده، ولا يخاف أحدًا، لا من يخاف الله، ولا من لا يخاف الله، فإن من لا يخاف الله أخسُّ وأذلُّ من أن يُخاف، فإنه ظالم، وهو من أولياء الشيطان، فالخوف منه قد نهى الله عنه.
    اللهم اجعلنا ممن يخافك ويخشاك في الغيب والشهادة، والسر والعلانية، واجعلنا يا كريم ممن قلت فيهم: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النازعات: 40]، وممن قلت فيهم: {﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾} [الرحمن: 46].

    واجعلنا يا كريم ممن إذا ذكَرك خاليًا فاضتْ عيناه، فنكون بجودك ورحمتك من السبعة الذين تظلهم في ظلك يوم لا ظلَّ إلا ظلُّك





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •