قال الشيخ الامام محمد بن إبراهيم آل الشيخ فى شرح كشف الشبهات
اعْلَمْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ (أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ مِنْ حِكْمَتِهِ) البَالِغَةِ
(لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا) مِن الأَنْبِيَاءِ (بِهَذَا التَّوْحِيدِ)
مِن لَدُنْ نُوحٍ إِلَى أَنْ خَتَمَهُم بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(إِلاَّ جَعَلَ لَهُ أَعْدَاءً) إلاَّ قَيَّضَ لَهُ أَعْدَاءً قَصْدُهُم الإِغْوَاءُ والصَّدْفُ عن دِينِ اللهِ؛ هَذَا الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ.
وهَذِه حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ؛
ابْتِلاَءُ الأَخْيَارِ بالأَشْرَارِ لِيَكْمُلَ للأَخْيَارِ مَرَاتِبُ الجِهَادِ،
وإِلاَّ لو شَاءَ لَمَا جَعَلَ للأَشْرَارِ شَيْئًا مِن السُّلْطَةِ {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} الآيةَ.
سُنَّتُهُ البَالِغَةُ أَنْ يُسَلِّطَ الأَشْرَارَ عَلَى الأَخْيَارِ؛
سَلَّطَ الأَشْرَارَ عَلَى الرُّسُلِ فَمَا دُونَهِم، وَلَيْسَ هَوَانًا بالأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وأَتْبَاعِهِم،
ولَكِنْ ليَقُومَ الأَخْيَارُ بالجِهَادِ، فَتَعْظُمَ الدَّرَجَةُ، ويَعْظُمَ الأَجْرُ، ويَنَالُوا المَرَاتِبَ العَالِيَةَ؛
لأَِنَّ الجَنَّةَ غَالِيَةٌ لاَ تُنَالُ إِلاَّ بالصَّبْرِ عَلَى المَصَاعِبِ والمَشَاقِّ.
واعْلَمْ أَنَّ أتْبَاعَهُم كَذَلِكَ،
مَنْ صَدَّقَ اللهَ في اتِّبَاعِهِ للرُّسُلِ كَانُوا أَعْظَمَ أَعْدَائِهِ (كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا} يَشْمَلُ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ،
ثُمَّ بَيَّنَ العَدُوَّ فَقَالَ: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} يَعْنِي مِن هَؤُلاَءِ وهَؤُلاَءِ.
والشَّيَاطِينُ هُم الذين فيهم تَمَرُّدٌ وعُلُوٌّ،
قَالَ بَعْضُهُم: إِنَّه بَدَأَ بِشَيَاطِينِ الإِنْسِ؛
لأَِنَّهُم أَعْظَمُ فِي هَذَا المَقَامِ مِن شَيَاطِينِ الجِنِّ؛
لأَِنَّ شَيْطَانَ الإِنْسِ يَأْتِي في صُورَةِ نَاصِحٍ مُحِبٍّ لَيِّنِ الجَانِبِ واللِّسَانِ،
ثُمَّ بَيَّنَ الذي بِهِ يَصْدِفُونَ عَن الحَقِّ فَقَالَ: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}
فَتَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ تَزْيِيفَ القَوْلِ بالعِبَارَةِ لَهُ تَأْثِيرٌ، وَأَنَّ الحَقَّ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَن يَجْعَلُهُ في صُورَةِ البَاطِلِ
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}
لَكِنَّهُ جَعَلَهُم ابْتِلاَءً وامْتِحَانًا لِيَتَبَيَّنَ المُجَاهِدُ مِن القَاعِدِ والصَّابِرُ مِن غَيْرِ الصَّابِرِ وَالمُجِدُّ مِن المُخْلِدِ
{فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}،
وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ وتَهْدِيدٌ وتَغْلِيظٌ.
(وَقَدْ يَكُونُ لأَعْدَاءِ التَّوحِيدِ عُلُومٌ كَثيرةٌ) لُغَوِيَّةٌ (وَكُتُبٌ) يَرْجِعُونَ إِلَيْهَا (وَحُجُجٌ)
لَكِنَّهَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ مِثْلَ السَّرَابِ عِنْدَ المُنَاظَرَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّها لاَ شَيْءَ
{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} عِنْدَ الحَاجَةِ إِلَيْهِ.
وَمِن تِلْكَ الحُجَجِ مَا تَقَدَّمَ، ومِنْهَا مَا يَأْتِي الجَوَابُ عَنْهُ.
والعِلْمُ: هو المَوْرُوثُ عن الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
وأَمَّا عِلْمُهُم فهو .. تُرَّهَاتٌ بَاطِلَةٌ لاَ أَصْلَ لَهَا، ومِنْهَا شَيْءٌ صَحِيحٌ في نَفْسِهِ لَكِنْ لاَ يَفْهَمُونَهُ، وهو في الحَقِيقَةِ لاَ يَدُلُّ عَلَى بَاطِلِهِم بل هو رَدٌّ عَلَيْهِم،
والدَّلِيلُ أَنَّ عِنْدَهُم عُلُومًا كَثِيرَةً وكُتُبًا وحُجَجًا قَوْلُه تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }.