منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الاول
الحلقة (64)
صـ 445 إلى صـ 451
[رد الأشاعرة ومن وافقهم على المعتزلة والشيعة]
قال هؤلاء للمعتزلة والشيعة (1) : ولما كان هذا الدليل عمدتكم، استطال عليكم الفلاسفة الدهرية، كابن سينا وأمثاله، وهذا الدليل مناف في الحقيقة لحدوث العالم لا مستلزم له، فإنه إذا كان هذا الحادث لا بد له من سبب حادث، وكان هذا الدليل مستلزما لحدوث الحادث بلا سبب، لزم أن لا يكون الله أحدث شيئا. فإذا جوزنا ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح، انسد طريق إثبات الصانع الذي سلكتموه.
وقالوا أيضا للمعتزلة والشيعة (2) : أنتم مع هذا عللتم (3) أفعال الله تعالى بعلل حادثة. فيقال لكم: هل توجبون للحوادث سببا حادثا أم لا؟ فإن قلتم: نعم، لزم تسلسل الحوادث، وبطل ما ذكرتموه.
وإن لم توجبوا ذلك، قيل لكم: وكذلك ليس لها غاية حادثة بعدها، فإن المعقول أن الفاعل المحدث لا بد لفعله من سبب ولا بد له من غاية. فإذا قلتم: لا سبب لإحداثه. قيل لكم: ولا غاية مطلوبة له بالفعل.
فإن قلتم: لا يعقل فاعل لا يريد حكمة إلا وهو عابث (4) . قيل لكم: ولا نعقل فاعلا يحدث شيئا بغير سبب حادث أصلا، بل هذا أشد امتناعا في العقل من ذاك، فلماذا أثبتم الغاية ونفيتم السبب الحادث؟ .
(1) ن: فإن هؤلاء المعتزلة والشيعة؛ ا، ب: قال هؤلاء المعتزلة والشيعة. والصواب ما أثبتناه، والمعنى: قال هؤلاء الأشاعرة - ومن وافقهم - للمعتزلة. . إلخ.
(2) وقالوا أيضا للمعتزلة والشيعة: كذا في النسخ الثلاث، وهو يتفق مع قراءتنا للفقرة السابقة.
(3) ن: علمتم، وهو تحريف.
(4) ا، ن: إلا وهو غائب. والمثبت من (ب) .
****************************** *******
وقيل لكم (1) أيضا: الذي يعقل من الفاعل أن يفعل لغاية تعود إليه، وأما (2) فاعل يفعل لغاية تعود إلى غيره، فهذا غير معقول.
وإذا كان هذا قول الشيعة المتبعين للمعتزلة في حكمة الله تعالى، فقد يقال: [قول] (3) من يقول: إنه يفعل لمحض المشيئة بلا علة (4) ، خير من هذا القول، فإن هذا سلم (5) من التسلسل، وسلم من كونه يفعل لحكمة منفصلة عنه. والمعتزلة تسلم له (6) امتناع التسلسل، فعلم أن قول هؤلاء خير من قول هذا المنكر عليهم.
وأما من قال بالتعليل من أهل [السنة] والحديث، [كما تقدم] ، فذاك (7) سلم من هذا وهذا، وقد كتبت في مسألة التعليل مصنفا (8) مستقلا بنفسه لما سئلت عنها (9) وليس هذا موضع بسطه.
والمقصود هنا التنبيه على أن أقوال أهل السنة خير من أقوال الشيعة، وأنه إن كان قول بعض أهل السنة ضعيفا، فقول الشيعة أضعف منه
(1) ن: الحادث قيل لكم.
(2) ن: وإنما.
(3) قول: ساقطة من (ن) .
(4) وهو قول الأشعري ومتبعيه.
(5) ا، ب: من هذا القول وهذا سلم. .
(6) له: ساقطة من (ا) ، (ب) .
(7) ن: من أهل الحديث فذاك. .
(8) ن: مكتوبا.
(9) ذكر ابن القيم في: " أسماء مؤلفات ابن تيمية "، ص [0 - 9] 0، أن لابن تيمية: " جواب في تعليل مسألة الأفعال "، نحو ستين ورقة. وذكره ابن عبد الهادي في " العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية " ص 49، (ط. القاهرة 1356/1938) وسماه: قاعدة في تعليل الأفعال.
****************************** ******
[استمرار مناقشة مزاعم ابن المطهر]
[فصل قول الرافضي بأن أهل السنة جوزوا على الله فعل القبيح والإخلال بالواجب والرد عليه]
(فصل (1)) وأما قول الرافضي (2) " وجوزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب (3) ".
فيقال له: ليس في [طوائف] (4) المسلمين من يقول: إن الله تعالى يفعل قبيحا أو يخل بواجب، ولكن المعتزلة ونحوهم ومن وافقهم من الشيعة النافين للقدر، يوجبون على الله من جنس ما يوجبون على العباد، ويحرمون عليه ما يحرمونه على العباد، ويضعون له شريعة [بقياسه] (5) على خلقه، فهم مشبهة الأفعال (6) .
وأما المثبتون للقدر من أهل السنة والشيعة، فمتفقون على أن الله تعالى لا يقاس بخلقه في أفعاله، كما لا يقاس بهم في ذاته وصفاته، فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وليس
(1) كل ما سبق كان متصلا بالاستطراد الذي بدأ في ص 148 للرد على قول الفلاسفة بقدم العالم وبيان مقالة أهل السنة وسائر الفرق بهذا الصدد.
(2) ن: وأما قوله.
(3) انظر ص 125 - 126، وكلام ابن تيمية هنا هو في الواقع استمرار لكلامه في الوجه الرابع من وجوه رده على مزاعم ابن المطهر، انظر ص 133.
(4) طوائف: ساقطة من (ن) .
(5) بقياسه: ساقطة من (ن) .
(6) ن: فهم مشبهون في الأفعال.
****************************** *****
ما وجب على أحدنا وجب مثله على الله [تعالى] (1) ، ولا ما حرم على أحدنا حرم مثله على الله [تعالى] (2) ، ولا ما قبح منا قبح من الله، ولا ما حسن من الله [تعالى] (3) حسن من أحدنا، وليس لأحد منا أن يوجب على الله [تعالى] (4) شيئا ولا يحرم عليه شيئا.
فهذا أصل قولهم الذي اتفقوا عليه، واتفقوا على أن الله [تعالى] (5) إذا وعد عباده بشيء كان وقوعه واجبا بحكم وعده، فإنه الصادق في خبره الذي لا يخلف الميعاد، واتفقوا على أنه لا يعذب أنبياءه ولا عباده الصالحين، بل يدخلهم الجنة (6) ، كما أخبر.
لكن تنازعوا في مسألتين: إحداهما: أن العباد هل يعلمون بعقولهم حسن بعض الأفعال (7) ، ويعلمون أن الله متصف بفعله، ويعلمون قبح بعض الأفعال، ويعلمون أن الله منزه عنه؟ (8) على قولين معروفين (9) : أحدهما: أن العقل لا يعلم به حسن فعل ولا قبحه، أما في حق الله فلأن القبيح منه ممتنع لذاته، وأما في حق العباد فلأن الحسن والقبح لا يثبت إلا بالشرع. وهذا قول الأشعري وأتباعه، وكثير من الفقهاء من
(1) تعالى: زيادة في (ا) ، (ب) .
(2) تعالى: زيادة في (ا) ، (ب) .
(3) تعالى: زيادة في (ا) ، (ب) .
(4) تعالى: زيادة في (ا) ، (ب) .
(5) تعالى: زيادة في (ا) ، (ب) .
(6) ا: بل بدخولهم جنته؛ ب: بل يدخلوهم جنته.
(7) ن: الأعمال.
(8) ن: منه.
(9) معروفين: ساقطة من (ا) ، (ب) .
****************************** *
أصحاب مالك والشافعي وأحمد. وهؤلاء لا ينازعون في الحسن والقبيح (1) إذا فسر بمعنى الملائم والمنافي أنه قد يعلم بالعقل، وكذلك لا ينازعون - أو لا ينازع أكثرهم أو كثير منهم - في أنه إذا عني به كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص (2) أنه يعلم بالعقل.
والقول الثاني: أن العقل [قد] يعلم [به] حسن كثير (3) من الأفعال وقبحها في حق الله وحق عباده. وهذا مع أنه قول المعتزلة فهو قول الكرامية وغيرهم [من الطوائف] (4) ، وهو قول جمهور الحنفية، وكثير من أصحاب مالك والشافعي (5) وأحمد، كأبي بكر الأبهري (6) وغيره من أصحاب مالك، وأبي الحسن التميمي، وأبي الخطاب [الكلوذاني] (7) [من أصحاب أحمد] (8) ، وذكر أن هذا [القول] قول (9) أكثر أهل العلم،
(1) ن: في الحسن والقبح.
(2) ن: نقض، وهو تحريف.
(3) ن: أن العقل يعلم حسن كثير.
(4) من الطوائف: زيادة في (ا) ، (ب) .
(5) ن: والشافعي ومالك.
(6) أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح التميمي المالكي الأبهري. ولد سنة 289 وتوفي سنة 375، وينسب إلى أبهر وهي بليدة بالقرب من زنجان. انظر: معجم البلدان، مادة أبهر؛ ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 1/20؛ الديباج المذهب، ص [0 - 9] 55 - 258؛ الأعلام 7/98.
(7) ن: وأبي الخطاب؛ ا: والخطاب الكلوذاني؛ ب: وأبي الخطاب الكلواذي. وهو أبو الخطاب الكلوذاني، ويقال أيضا: الكلوذي، والكلواذاني. وسبق التعريف به (ص [0 - 9] 44 ت [0 - 9] ) ، وهو ينسب إلى كلواذى وهي قرية كانت بجوار بغداد وقد خربت. انظر معجم البلدان، مادة كلواذى؛ ابن الأثير: لباب الأنساب 3/49.
(8) من أصحاب أحمد: ساقطة من (ن) .
(9) ن: أن هذا قول. .
****************************** *
وهو قول أبي علي بن أبي هريرة و [أبي بكر] القفال (1) وغيرهما من أصحاب الشافعي، و [هو قول] طوائف (2) من أئمة أهل الحديث.
وعدوا القول الأول من أقوال أهل البدع، كما ذكر ذلك أبو نصر السجزي في رسالته المعروفة في السنة، وذكره صاحبه أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني (3) في شرح قصيدته المعروفة في السنة.
وفي المسألة قول ثالث اختاره الرازي في آخر مصنفاته، وهو القول بالتحسين والتقبيح العقليين (4) في أفعال (5) العباد دون أفعال الله تعالى.
وقد تنازع أئمة الطوائف في الأعيان قبل ورود السمع، فقالت الحنفية وكثير من الشافعية والحنبلية: إنها على الإباحة، مثل ابن سريج (6) ، وأبي إسحاق المروزي (7) ، وأبي الحسن التميمي، وأبي الخطاب
(1) ن: والقفال.
(2) ن: وطوائف. .
(3) ن: سعيد بن علي، وهو خطأ. وأبو القاسم سعد بن علي بن محمد بن علي الزنجاني، ينسب إلى بلدة زنجان من نواحي الجبال بين أذربيجان وبينها، نزيل الحرم كان حافظا ثقة زاهدا، توفي في أول سنة 471 أو في آخر سنة 470. ترجمته في شذرات الذهب 3/339 - 340؛ تذكرة الحفاظ 3/1174 - 1178. وانظر معجم البلدان، مادة زنجان.
(4) ن: بالتحسين والقبيح العقلي؛ ا: بالتحسين والتقبيح العقلي.
(5) ن: في فعل. . . .
(6) أبو العباس أحمد بن عمرو بن سريج شيخ الشافعية وكان يقال له: الباز الأشهب، ولد سنة 249 وتوفي ببغداد سنة 306. ترجمته في: شذرات الذهب 2/247 - 248؛ طبقات الشافعية 3/21 - 39؛ وفيات الأعيان 1/49 - 51؛ الأعلام 1/178 - 179.
(7) أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي صاحب ابن سريج، انتهت إليه رياسة مذهب الشافعي ببغداد، ومات بمصر سنة 340. ترجمته في: شذرات الذهب 2/355 - 356؛ وفيات الأعيان 1/7 - 8؛ الأعلام 1/22 - 23.
****************************** **
وقالت طوائف: إنها على الحظر، كأبي علي بن أبي هريرة، وابن حامد، والقاضي أبي يعلى، وعبد الرحمن الحلواني، (1) وغيرهم.
مع أن أكثر الناس يقولون: إن القولين لا يصحان إلا على قولنا بأن العقل يحسن ويقبح، وإلا فمن قال: إنه لا يعرف بالعقل حكم امتنع أن يصفها قبل الشرع بحظر أو إباحة (2) كما قال ذلك الأشعري، وأبو الحسن الجزري، (3) وأبو بكر الصيرفي (4) و [أبو الوفاء] بن عقيل، (5) وغيرهم.
المسألة الثانية: تنازعوا هل يوصف الله [تعالى] (6) بأنه أوجب على نفسه وحرم على نفسه، أو لا معنى للوجوب إلا إخباره (7) بوقوعه، ولا للتحريم (8) إلا إخباره بعدم وقوعه.
(1) أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن علي الحلواني. الفقيه الحنبلي الإمام، ولد سنة 490 وتوفي سنة 546 ترجمته في: شذرات الذهب 4/144؛ الذيل لابن رجب 1/221 - 222.
(2) ن: وإباحة.
(3) ن: والجزري. وهو عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير الجزري، صاحب الكامل في التاريخ المتوفى سنة 630. ترجمته في تذكرة الحفاظ 4/1399 - 1400؛ وفيات الأعيان 3/33 - 35؛ الأعلام 5/153.
(4) أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الفقيه الشافعي كان إماما في الفقه والأصول، تفقه على ابن سريج، وتوفي سنة 330. ترجمته في: شذرات الذهب 2/325؛ اللباب في تهذيب الأنساب 2/66؛ طبقات الشافعية 3/186 - 187؛ الأعلام 7/96.
(5) ن: وابن عقيل.
(6) تعالى: زيادة في (ا) ، (ب) .
(7) ن: إلا اختياره، وهو تحريف.
(8) ن: بالتحريم. وهو تحريف.
******************************