منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثالث
الحلقة (218)
صـ 369 إلى صـ 376
بل القرآن نزل بلغة العرب، بل بلغة قريش، وقد علمت العادة المعروفة في خطاب الله ورسوله، فليس لأحد أن يخرج عنها.
وبالجملة فنحن ليس مقصودنا هنا نصر قول من يقول: القرآن قديم، فإن هذا القول أول من عرف أنه قاله في الإسلام أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب، واتبعه على ذلك طوائف، فصاروا حزبين: حزبا يقول: القديم هو معنى قائم بالذات، وحزبا يقول: هو حروف، أو حروف وأصوات.
وقد صار إلى كل من القولين طوائف من المنتسبين إلى السنة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وليس هذا القول ولا هذا القول قول أحد من الأئمة الأربعة، بل الأئمة الأربعة وسائر الأئمة متفقون على أن كلام الله منزل غير مخلوق. وقد صرح غير واحد منهم أن الله تعالى متكلم (1) (* بمشيئته وقدرته، وصرحوا بأنه لم يزل متكلما إذا شاء كيف شاء، وغير ذلك من الأقوال المنقولة عنهم، وهذه المسألة قد تكلم فيها السلف *) (2) ، لكن اشتهر النزاع فيها في المحنة المشهورة لما امتحن أئمة الإسلام، وكان الذي ثبته الله في المحنة وأقامه لنصر السنة هو الإمام أحمد (2 بن حنبل - رحمه الله تعالى 2) (3) - وكلامه وكلام غيره في ذلك (4) موجود في كتب كثيرة، وإن كان طائفة من متأخري
**_________
(1) ن، م: يتكلم.
(2) ما بين النجمتين ساقط من (م) ، وسقطت كلمة السلف من (أ) ، (ب) .
(3) (2 - 2) ساقط من (أ) ، (ب) ، وفي (ن) : بن حنبل رضي الله عنه.
(4) في ذلك: ساقطة من (أ) ، (ب)
=============================
أصحابه (1) وافقوا ابن كلاب على قوله: إن القرآن قديم، فأئمة (2) أصحابه على نفي ذلك، وأن كلامه قديم، بمعنى أنه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته.
ولهم قولان: هل يوصف الله بالسكوت عن كل كلام، [أو أنه لم يزل متكلما وإنما يوصف بالسكوت عن بعض الأشياء؟] (3) ذكرهما أبو بكر عبد العزيز وأبو عبد الله بن حامد وغيرهما. وأكثر أئمتهم وجمهورهم على أنه لم يزل متكلما، إنما يوصف بالسكوت عن بعض الأشياء.
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه» ". (4) .
وأحمد وغيره من السلف يقولون: إن الله تعالى يتكلم بصوت، لكن لم يقل أحد منهم: إن ذلك الصوت المعين قديم.
**_________
(1) أ، ب: وإن كانت طائفة من أصحابه.
(2) ن فقط: وأئمة.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من جميع النسخ، وإثباته يقتضيه الكلام.
(4) الحديث عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - في سنن الترمذي 3/134 كتاب اللباس باب ما جاء في لبس الفراء، ونصه: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السمن والجبن والفراء فقال: الحلال. . . الحديث. وقال الترمذي: وفي الباب عن المغيرة: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وروى سفيان وغيره عن سليمان التيمي عن أبي عثمان قوله: وكأن الحديث الموقوف أصح، والحديث أيضا في: سنن ابن ماجه 2 - 1117 كتاب الأطعمة، باب أكل الجبن والسمن، وذكره التبريزي في مشكاة المصابيح 2 - 451 ونقل الألباني كلام الترمذي
==============================
يقولون: إن الله تعالى يتكلم بصوت، لكن لم يقل أحد منهم: إن ذلك الصوت المعين قديم
**[فصل زعم الرافضي بأن أهل السنة ينكرون عصمة الأنبياء وكلامه على مقالتهم في الإمامة والرد عليه]
فصل (1) قال الرافضي (2) : وذهب جميع من عدا (3) الإمامية والإسماعيلية إلى أن الأنبياء والأئمة (4) غير معصومين، فجوزوا بعثة من يجوز عليه الكذب والسهو والخطأ والسرقة، فأي وثوق يبقى للعامة في أقوالهم (5) ، وكيف (6) يحصل الانقياد إليهم (7) ، وكيف يجب اتباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون به خطأ؟ ولم يجعلوا الأئمة محصورين في عدد معين بل كل من بايع (8) قرشيا انعقدت إمامته عندهم، ووجب (9) طاعته على جميع الخلق إذا كان مستور الحال، وإن كان (10) على غاية من الكفر والفسوق والنفاق (11) .
**_________
(1) عند كلمة فصل تبدأ نسخة (و) = نسخة الولايات المتحدة الأمريكية.
(2) الكلام التالي في (ك) ص 93 (م) .
(3) ب: جمع ما عدا، وهو تحريف.
(4) ك: والأئمة عليهم السلام.
(5) ك: في أقاويلهم.
(6) ك: فكيف.
(7) أ، ب: لهم.
(8) أ، ن، م، و: بل كل من تابع، ك: بل قالوا: كل من بايع، والمثبت من (ب) .
(9) ن، و، أ، ب: ووجبت.
(10) وإن كان في (ب) ، (ك) فقط، وسقطت من سائر النسخ.
(11) ن، م: من الفسوق والكفر والنفاق. و: من الفسق والكفر والنفاق
==============================
فيقال: الكلام على هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: ما ذكرته عن الجمهور من نفي (1) العصمة عن الأنبياء وتجويز الكذب والسرقة (2) والأمر بالخطأ عليهم فهذا (3) كذب على الجمهور؛ فإنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون في تبليغ الرسالة، ولا يجوز أن يستقر في شيء من الشريعة خطأ باتفاق المسلمين، وكل ما يبلغونه عن الله - عز وجل - (4) من الأمر والنهي يجب طاعته فيه (5) باتفاق المسلمين، وما أخبروا به وجب تصديقهم فيه بإجماع المسلمين، وما أمروهم به ونهوهم عنه (6) وجبت طاعتهم فيه (7) عند جميع فرق الأمة، إلا عند طائفة من الخوارج يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - (8) معصوم فيما يبلغه عن الله لا فيما يأمر هو به وينهى عنه. وهؤلاء ضلال باتفاق أهل السنة والجماعة (9) .
وقد ذكرنا غير مرة أنه إذا كان في بعض المسلمين [من قال: قولا خطأ لم يكن ذلك قدحا في المسلمين] (10) ، ولو كان كذلك لكان خطأ الرافضة
**_________
(1) ن، م، و: في نفي.
(2) أ، ب: السرقة والكذب.
(3) فهذا: زيادة في (أ) ، (ب) .
(4) عز وجل: زيادة في (أ) ، (ب) .
(5) أ، ب: فهم مطاعون فيه.
(6) ن، م: وما أمروا به ونهوا عنه، و: وما أمروا به ونهوا عنه.
(7) أ، ب: فهم مطاعون فيه.
(8) صلى الله عليه وسلم: زيادة في (أ) ، (ب) .
(9) أ، ب: باتفاق المسلمين أهل السنة والجماعة.
(10) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط
==========================
عيبا في دين المسلمين، فلا يعرف في الطوائف أكثر خطأ وكذبا منهم، وذلك (1) لا يضر المسلمين شيئا، فكذلك لا يضرهم (2) وجود مخطئ آخر (3) غير الرافضة.
وأكثر الناس - أو كثير منهم - لا يجوزون عليهم الكبائر، والجمهور الذي يجوزون الصغائر -[هم ومن يجوز الكبائر -] (4) يقولون: إنهم لا يقرون عليها، بل يحصل لهم بالتوبة منها من المنزلة (5) أعظم مما كان قبل ذلك كما تقدم التنبيه عليه.
وبالجملة (6) فليس في المسلمين من يقول: إنه يجب طاعة الرسول مع جواز أن يكون أمره خطأ، بل هم متفقون على أن الأمر الذي يجب طاعته لا يكون إلا صوابا. فقوله: " كيف يجب اتباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون (7) به خطأ " قول لا يلزم أحدا من الأمة (8) .
وللناس في تجويز الخطأ عليهم في الاجتهاد قولان معروفان، وهم متفقون على أنهم لا يقرون عليه، وإنما يطاعون فيما أقروا عليه، لا فيما غيره الله ونهى عنه، ولم يأمر بالطاعة فيه.
**_________
(1) ن، م: وكذلك.
(2) أ: شيئا من ذلك لا يضرهم، ب: شيئا من ذلك فلا يضرهم، م: وكذلك لا يضرهم.
(3) آخر: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(4) ما بين المعقوفتين زيادة في (أ) ، (ب) .
(5) ن، م: من المعتزلة، وهو تحريف.
(6) ن، م، و: وفي الجملة.
(7) ما يأمرون، ساقطة من (ن) ، (م) .
(8) أ، ب: من الأئمة
============================
وأما عصمة الأئمة فلم يقل بها إلا كما قال الإمامية والإسماعيلية.
وناهيك (1) بقول (2) لم يوافقهم عليه إلا الملاحدة المنافقون، الذين شيوخهم الكبار أكفر من اليهود والنصارى والمشركين! (3) وهذا دأب الرافضة دائما (4) يتجاوزون عن جماعة المسلمين إلى اليهود والنصارى والمشركين في الأقوال والموالاة والمعاونة (5) والقتال وغير ذلك.
فهل يوجد أضل (6) من قوم يعادون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ويوالون الكفار والمنافقين؟ (7) وقد قال الله تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون - أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون - اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين - لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون - يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون - استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون - إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين - كتب
**_________
(1) وناهيك: ساقطة من (أ) ، (ب) .
(2) أفقط: يقول.
(3) والمشركين: زيادة في (أ) ، (ب) .
(4) م: وإنما. وسقطت الكلمة من (و) .
(5) م: في الأقوال أدنى الموالاة والمعاداة، و: في الأقوال وفي الموالاة والمعاداة.
(6) أ، ب: ومن أضل من.
(7) أ، ب: المنافقين والكفار
============================
الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز - لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} [سورة المجادلة: 14 - 22] .
فهذه الآيات نزلت في المنافقين، وليس المنافقون في طائفة أكثر منهم في الرافضة، حتى أنه ليس في الروافض إلا من فيه شعبة من شعب النفاق.
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت (1) فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذااؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» ". أخرجاه في الصحيحين (2) .
{ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون - ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون} [سورة المائدة: 80 - 81] (3) .
**_________
(1) كانت: كذا في (ن) ، (و) ، وفي سائر النسخ: كان، وسقطت الكلمة مع كلمات قبلها من (م) .
(2) الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - في: البخاري 1 - 12 كتاب الإيمان باب علامة النفاق 4 - 102 كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من عاهد ثم غدر، مسلم 1 - 78 كتاب الإيمان باب بيان خصال المنافق، سنن أبي داود 4 - 305، 306 كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه.
(3) ن، م، أ، ب: كثير منهم يتولون
============================== ====
وقال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون - كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون - ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} [سورة المائدة: 78 - 80] وهم غالبا لا يتناهون عن منكر فعلوه، بل ديارهم أكثر البلاد منكرا من الظلم والفواحش (1) وغير ذلك، وهم يتولون الكفار الذين غضب الله عليهم، فليسوا مع المؤمنين ولا مع الكفار (2) كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم} [سورة المجادلة: 14] .
ولهذا هم عند جماهير (3) المسلمين نوع آخر حتى أن المسلمين لما قاتلوهم بالجبل الذي كانوا عاصين فيه (4) بساحل الشام، يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقطعون الطريق استحلالا لذلك وتدينا به، فقاتلهم صنف من التركمان فصاروا يقولون: نحن مسلمون، فيقولون: لا أنتم جنس (5) آخر. فهم بسلامة قلوبهم علموا أنهم جنس آخر (6) خارجون عن المسلمين [لامتيازهم عنهم] (7) .
**_________
(1) ن، م، و: من ظلم وفواحش.
(2) ن: ليسوا مع المسلمين ولا مع الكفار، م: ليسوا من المسلمين ولا مع الكفار، وليسوا مع الكفار ولا مع المسلمين.
(3) أ، ب: جماعة.
(4) ن: الذين كانوا فيها عاصين، م: الذين كانوا عاصين فيها.
(5) أ، ب: صنف.
(6) آخر: ساقطة من (و) .
(7) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م)
============================