قال الخطيب البغدادي في «الكفاية» (ص138): «حدثني محمد بن عبيد الله المالكي, أنه قرأ على القاضي أبي بكر محمد بن الطيب, قال: إن قال قائل: ما قولكم فيمن أنكر شيخه أن يكون حدثه بما رواه عنه؟ قيل: إن كان إنكاره لذلك إنكار شاك متوقف, وهو لا يدري هل حدَّثه به أم لا, فهو غير جارح لمن روى عنه ولا مكذب له, ويجب قبول هذا الحديث والعمل به؛ لأنه قد يحدِّث الرجل بالحديث وينسى أنه حدث به, وهذا غير قاطع على تكذيب من روى عنه, وإن كان جحوده للرواية عنه جحود مصمم على تكذيب الراوي عنه, وقاطع على أنه لم يحدثه, ويقول: كذب عليَّ, فذلك جرح منه له, فيجب ألا يعمل بذلك الحديث وحده من حديث الراوي, ولا يكون هذا الإنكار جرحًا يبطل جميع ما يرويه الراوي؛ لأنه جرح غير ثابت بالواحد, ولأن الراوي العدل أيضًا يجرح شيخه, ويقول: قد كذب في تكذيبه لي, وهو يعلم أنه قد حدثني, ولو قال: لا أدري حدثته أو لا, لوقفت في حاله، فأما قوله: أنا أعلم أني ما حدثته, فقد كذب، وليس جرح شيخه له أولى من قبول جرحه لشيخه, فيجب إيقاف العمل بهذا الخبر, ويرجع في الحكم إلى غيره, ويُجعل بمثابة ما لم يَرِدْ, اللهم إلا أن يرويه الشيخ مع قوله: إني لم أحدثه لهذا الراوي, فيُعمل به بروايته دون رواية راويه عنه.
قال الخطيب: ولأجل أن النسيان غير مأمون على الإنسان, فيتبادر إلى جحود ما روي عنه, وتكذيب الراوي له»اهـ.
وقال ابن الصلاح في «علوم الحديث» (ص116، 117): «إذا روى ثقة عن ثقة حديثًا وروجع المروي عنه فنفاه، فالمختار أنه إن كان جازمًا بنفيه؛ بأن قال: «ما رويته»، أو «كذب علي»، أو نحو ذلك، فقد تعارض الجزمان، والجاحد هو الأصل، فوجب رد حديث فرعه ذلك، ثم لا يكون ذلك جرحًا له يوجب رد باقي حديثه؛ لأنه مكذب لشيخه أيضًا في ذلك، وليس قبول جرح شيخه له بأولى من قبول جرحه لشيخه، فتساقطا. أما إذا قال المروي عنه: «لا أعرفه»، أو «لا أذكره»، أو نحو ذلك، فذلك لا يوجب رد رواية الراوي عنه»اهـ.