المرأة العوجاء !
نوال العيد
لقد أرسل الله رسوله وأهل الأرض أحوج إلى رسالته من غيث السماء، ومن نور الشمس الذي يذهب عنهم الظلمات، فحاجتهم إلى رسالته فوق جميع الحاجات، وضرورتهم إليها مقدمة على جميع الضرورات، وجاءت النصوص الشرعية لتقيم العدل بين الناس، وتصحح الأفهام المغلوطة، وترسي القواعد العظام في التعاملات البشرية، إلا أن الفهم الخاطئ، والهوى وغيرهما تسبب في تنزيل نصوص الشرع على غير المراد، فجاء بتر النص واقتطاعه، أو فهمه على غير مراده جرماً ما أعظمه من جرم! وتقوُّل على الله بغير علم!
ومن تلك النصوص الشرعية التي نالها تعالم البشر ما أخرجه البخاري، ومسلم من حديث أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضِلْع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء» زاد مسلم: «وكسرها طلاقها».
ويطيب لبعض الرجال والنساء على حد سواء أن يعيّر المرأة ويصمها بالعوجاء، ويستدل في سبق عجيب على التعيير بما اتفق على إخراجه الشيخان، واستدلالهم يدل على جهل باللغة، وبمعنى الحديث، والسياق الذي جاء فيه، وذلك لما يأتي: -
لقد بدأ الحديث بالوصية بالنساء، وانتهى بالوصية بهن -أيضاً- فتكررت «فاستوصوا بالنساء» وعلى هذا الحديث بوّب أئمة الفهم البخاري وغيره: باب المدارة مع النساء، وقول النبي: «إنما المرأة كالضلع» وباب: الوصاة بالنساء، وكل هذا يدل على أن الحديث سيق لمصلحة المرأة، وذُكرت مادة خَلْقها للرفق بها.
وتنبه الحافظ ابن حجر إلى لفظ الوصية «استوصوا بالنساء» فقال: «قيل: معناه تواصوا بهن، والباء للتعدية. وقال الطيبي: السين للطلب، وهو للمبالغة، أي: اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن، أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن كمن يعود مريضاً، فيستحب له أن يحثه على الوصية، والوصية بالنساء آكد، لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن، وقيل: معناه: «اقبلوا وصيتي فيهن، واعملوا بها، وارفقوا بهن، وأحسنوا عشرتهن» وعلى كلام المحدثين تكون المرأة وصية رسول الله لمعاشر الرجال، فالرجل مطالب بأن يقوم بالوصية، بل ويوصي عليها أيضاً. فهل المعيَّر يحفظ الوصية أم يخالفها؟
في الحديث توجيه وخطاب للرجال، وفي الحديث موصَىً هم الرجال، وموصى بهن النساء، والوصية عادة لا تكون إلا في مصلحة الموصى به، وهي كذلك لمصلحة الرجل والمرأة والأسرة والمجتمع، فإذا افترض الرجل الكمال في المرأة سيقوده ذلك إلى المحاسبة الدقيقة لها على كل نقص، وهو ما يقلب جو الحياة الأسرية إلى جحيم، ولذا جاء في حديث سمرة بن جندب الذي أخرجه الحاكم وصححه «ألا إن المرأة خُلقِت من ضلع، وإنك إن ترد إقامتها تكسرها، فدارها تعش بها ثلاث مرات» ومعنى «فدارها» من المدارة التي تعني بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معاً، ولو أن معاشر الأفاضل من الرجال فهموا هذا الحديث لما كان الارتفاع المريع في نسب الطلاق.
في الحديث دلالة واضحة على الرفق عند التعامل مع المرأة، والتنبيه على رقة الطباع، وبيّن رسول الله مادة خَلْقها (من ضِلع) ليرفق الرجل بها فلا يكسرها، قال الحافظ: «كأن فيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر، ولا يتركه فيستمر على عوجه....» فهل المعيَّرون يعاملون برفق، ويتنبهون إلى رقة الطبع؟
ثم إن من يعيب المرأة؛ لكونها خلقت من ضلع أعوج، يقال له لقد كان هذا الضلع بعضك؛ أتعيب بعضك؟
وتأمل حكمة الرب في خَلْق حواء من آدم ومن الضلع بالذات المجاور للقلب، يقول ياسين رشدي: «والمتأمل في كيفية خَلْق المرأة، يجد أنها خلقت من ضلع آدم وهو أقرب مكان للقلب... وكأن هذا هو مكانها الطبيعي من زوجها... أن تكون في قلبه، فيعاملها بالعاطفة، والحب والحنان.. ولو خلقت المرأة من رأس الرجل، لكانت عقله المفكر، الذي يسوسه ويقوده... ولو خلقت من يده لبطش بها أو تكسب بها... ولكنها خُلقِت من أقرب مكان من قلبه، حتى تكون منبع العواطف الجياشة، والمشاعر الجميلة، ولكي نعلم أن الرجل هو الأصل، والمرأة فرع، وأنه هو الكل، وهي الجزء، ولا حياة للكل إلا بجميع أجزائه، ولا حياة للجزء إلا بانتمائه لأصله».