تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة كفتاه مامعنى كفتاه؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة كفتاه مامعنى كفتاه؟










    هل يعارض قوله هذا مع ما أصيب به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعون في عمواس؟

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة كفتاه مامعنى كفتاه؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    هل يعارض قوله هذا مع ما أصيب به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعون في عمواس؟
    لا يتعارض
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة

    أن حدوث ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم كان لبيان أنه بشر يجري عليه ما يجري عليهم من البلاء

    التوفيق بين سحر النبي صلى الله عليه وسلم وملازمة ذكره لله .

    كتبت بواسطة احمد ابو انس
    قال الشيخ صالح الفوزان فى شرح اغاثة اللهفان
    قال المؤلف: "فصل: وتمام الكلام في هذا المقام العظيم يتبين بأصول نافعة جامعة:
    الأصل الأول: أن ما يصيبُ المؤمنين من الشرور والمحن والأذى دون ما يصيب الكفار، والواقع شاهد بذلك،" ما يصيب المسلمين من المصائب أكثر مما يصيب الكفار، وذلك لأن المسلمين يمحصون بالمصائب ويطهرون بها، وأما الكفار فإنما هي زيادة العذاب لهم، والمسلمون تقتصر عقوباتهم في الدنيا، وأما الكفار عقوباتهم في الآخرة ولذلك تقل عقوباتهم في الدنيا ويتمتعون فيها. أنتم ترون الكفار وما عندهم من القوة والأموال، وهذا متاع قليل، وليس لهم عاقبة إلا النار – والعياذ بالله - ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ "وكذلك ما يصيب الأبرار في هذه الدنيا دون ما يصيب الفجار والفساق والظَّلَمة بكثير." الأبرار جمع البر، وهو التقي العابد، مأخوذ من البِر، وما يصيبهم أكثر مما يصيب الفجار؛ لأن ما يصيب المؤمنين يخلصهم الله به من عقوبة الآخرة ويطهرهم به ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾.

    "الأصل الثاني: أن ما يصيب المؤمنين في الله تعالى مقرونٌ بالرضا والاحتساب، فإن فاتَهُم الرضا فمعَوَّلهم على الصبر والاحتساب،"
    المؤمنون مصائبهم مقرونة بالرضا عن الله - سبحانه وتعالى – يعلمون أن ما أصابهم من المصائب إنما هي في صالحهم، يمحصهم الله به ويخلصهم من ذنوبهم، فتقر أعينهم بذلك، ويصبرون على ما يصيبهم؛ لأن الله يسليهم بما أمامهم من النعيم والجزاء مما لا تتصوره العقول خلاف الكافر، فليس له مستقل إلا النار، أما المسلم له مستقبل وهو الآخرة يؤمنه ويرجو وتقر عينه به. "وذلك يُخفِّف عنهم ثقلَ البلاء ومَؤُونته،" الصبر يخفف عنهم الثقل والبلاء، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ فالصلاة تعينهم على المصائب، (إن الله مع الصابرين) هي معية رحمة ونصر وتأييد، معية خاصة. "فإنهم كما شاهدوا العِوَض هان عليهم تحمُّل المشاقّ والبلاء، والكفار لا رضا عندهم ولا احتساب، وإن صبروا فكصبر البهائم،" ليس لهم في صبرهم أجر وعاقبة، فهم كالبهائم. "وقد نبَّه سبحانه على ذلك بقوله: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 104]" (ولا تهنوا) أي: لا تضعفوا ابتغاء القوم الكفار بقتالهم، وما ينالكم في القتال من المشاق الذي كتب لكم ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ المسلمون أعطاهم الله الصبر الذي يغطي ما يصيبهم من الآلام؛ ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾ أي تألمون، أي: توجعون؛ فإن الكفار يألمون كما تألمون، وهم لا عاقبة لهم إلا النار، فهذا الألم الذي يصيبهم مقدمة لما هو أكبر منه في الآخرة، ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾ هذا ما يسلي المسلمين أن لهم العاقبة الحميدة، وأما الكفار فليس لهم عاقبة إلا النار، وليس لهم عاقبة تسليهم. ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ كان الله وما يزال عليما بكل شيء وحكيما بما أمر به وينهى عنه ويشرعه، والحكمة هو وضع الشيء في موضعه؛ والله حكيم: له معنيان؛ الأول: من الحكمة وهي وضع الشيء في موضعه، والثاني: من الإحكام والاتقان، فالله متقن للأشياء. "فاشتركوا في الألم، وامتاز المؤمنون برجاء الأجر والزُّلْفَى من الله تعالى." امتاز المؤمنون برجاء الأجر من الله، من المستقبل الطيب ما لا يرجون الكفار؛ لأن ما أماهم أشد وهو العذاب المتواصل – والعياذ بالله.

    "الأصل الثالث: أن المؤمن إذا أُوذي في الله فإنه محمول عنه بحسب طاعته وإخلاصه، ووجود حقائق الإيمان في قلبه، حتى يُحْمَل عنه من الأذى ما لو كان شيء منه على غيره لعجَز عن حمله، وهذا من دَفع الله عن عبده المؤمن،" فالمؤمن إذا أصابه شيء فليتسلى ويتحمل؛ لأنه يرجو من الله العاقبة الحميدة والنصر في الدنيا والعاقبة في الآخرة. "فإنه يدفع عنه كثيرًا من البلاء، وإذا كان لابدّ له من شيء منه دَفع عنه ثقله ومَؤُونته ومشقَّته وتبعته." فالمؤمن إذا أصابه ما يؤلمه، فهناك ما يحمله عنه من وعد الله بنصره وجنته وبما عنده من الخير للمؤمنين، فالمسلمون تقر أعينهم بذلك، ويصبرون على المصائب؛ لأنهم يترقبون الفرج من الله – عز وجل.

    "الأصل الرابع: أن المحبَّة كلَّما تمكَّنت في القلب ورَسَخت فيه كان أذى المُحِبِّ في رضا محبوبه مُسْتحلىً غير مسخوط، والمحبُّون يَفْتَخِرُون عند أحبابهم بذلك، حتى قال قائلهم:
    لَئنْ سَاءَني أَنْ نِلْتِنِي بَمسَاءةٍ ... لَقَدْ سَرّنيِ أَنيِّ خَطَرْتُ بِبَالِكِ
    فما الظنّ بمحبة المحبوب الأعلى، الذي ابتلاؤه لحبيبه رحمةٌ منه له وإحسانٌ إليه؟" إذا تذكروا أن الله يمتحنهم لا ليهلكهم ويدمرهم وإنما ليذكرهم بالخطأ الذي ارتكبوا، فيربيهم الله – سبحانه وتعالى – ثم تكون العاقبة الحميدة والمستقبل المشرق لهم؛ فالمؤمن يتحمل إذا تذكر هذا.

    "الأصل الخامس: أن ما يصيبُ الكافر والفاجرَ والمنافق من العِزِّ والنصر والجاه دون ما يحصلُ للمؤمنين بكثير، بل باطن ذلك ذُلٌّ وكسرٌ وهوانٌ، وإن كان في الظاهر بخلافه." ما يصيب المؤمنين ينجبر بما لهم عند الله – عز وجل – وهذه المصيبة يؤجرون عليها، ويخلصهم الله بها من خطاياهم ومن خطأهم، فهي في صالحهم، فإذا تذكروا هذا هاونت عليهم المصائب، وتذكروا أن الله لا يصيبهم ليبغضهم، وإنما يصيبهم لأنه يحبهم، ومن محبته لهم أن يخلصهم من ذنوبهم ويمحصهم، ويدخر لهم الأجر والثواب؛ ولا شك أن هذه الدنيا وما فيها ومن النعم دار كدر، وإنما خوفه من المستقبل يكدر عليه هذه النعم. "قال الحسن رحمه الله: إنهم وإن هَمْلَجتْ بهم البغالُ، وطَقْطَقَت بهم النِّعال، إنّ ذلّ المعْصية لفي قلوبهم، أبَى اللهُ إلا أن يُذِلّ مَنْ عصاه." الحسن البصري: إمام التابعين، كلامه يشبه كلام الأنبياء؛ لأن الله أعطاه هذا العلم النافع، فكلماته تمدح بالخير ومن ذلك هذه الكلمات. (إنّ ذلّ المعْصية لفي قلوبهم) المظاهر لا تكفي، الكلام على القلوب وطمأنينة ونعيم القلوب، فذل المعصية في قلوبهم؛ فإذا كانوا أذلاء في قلوبهم فإنهم لا يجدون لذة من هذه النعم والمظاهر وإن تظاهروا بها. المؤمن في خير ونعيم وإن ليس في يده شيء من الدنيا، حتى قال بعضهم: إن كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه فإنهم في عيش طيب، قلبوهم عامرة بالذكر والإيمان والطاعة، منورة بنور الله ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ المشكاة: قلب المؤمن فيه نور أعطاه الله له حتى أصبح قلبه كالمشكاة، يعني: في القوة الضيقة التي تجمع النور، شبه الله بها قلب المؤمن لما فيه من الإيمان واليقين والعلم النافع وإن لم يكون في يده شيء من الدنيا ومظاهرها، فهو في عيش طيب، ولذة ونعمة وإن كان خالي اليد، بخلاف الكافر لو جمعت له الدنيا ومظاهرها، إلا وأن قلبه خائف خجل من مستقبله، وهو يعلم أن مستقبله سيء، لا يتلذذ بالمظاهر، وإن هَمْلَجتْ بهم البغالُ، وطَقْطَقَت بهم النِّعال، إنّ ذلّ المعْصية لفي قلوبهم، كما قال الحسن – رحمه الله - أبَى اللهُ إلا أن يُذِلّ مَنْ عصاه، ولو عنده المظاهر الدنيا فالكافر ذليل في قلبه.

    "الأصل السادس: أن ابتلاء المؤمن كالدّواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته،"
    هذا الأصل هو: أن ما أصاب به المؤمن هو دواء له وإن كان فيه مذاق مر؛ مثل الدواء، فقد يكون في الدواء مذاق مر، ولكن عاقبته طيبة، يعالج المرض ويقوي الجسم، وما يصيب الكافر هلاك عاجل؛ فهذا الفرق بين المسلمين والكفار؛ فإن بعض الناس يغتر بما عند الكفار من القوة والصناعة والمناظر الجميلة والحضارة، ولكنه لا ينظر في العواقب، وما عاقبتهم؟ لا تنفعهم هذه الأشياء، والعبرة بالعواقب، والمؤمن وإن ناله فقر فهو راض بما عند الله وهو مطمئن، والإيمان الذي في قلبه هو التجارة. "أو نقصَت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاءُ والامتحانُ منه تلك الأدواء، ويستعدُّ به لتمام الأجر وعلوّ المنزلة. ومعلوم أن وجود هذا خير للمؤمن من عدمه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده لا يَقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سَرّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاءُ صبر فكان خيرًا له)." فالمؤمن بين شاكر وصابر: شاكر على النعمة وصابر على البلية - ولله الحمد – فهو في نعمة وخير في حياته وبعد مماته وإن لم يكن في يده شيء من الدنيا ومتاعها، فإن الله قد يحجبه عنه لا لأنه يبغضه ولكن لمصلحته ألا يغتر بها أو تلهيه من طاعة الله – عز وجل – أو يحصل عنده كبر أو نحو من ذلك؛ حِكَمٌ عظيمة فيما يصيب المؤمن في هذه الدنيا، فهو خير له وإن كان ظاهره مؤلم﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ وقال ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ أي: فرض عليكم قتال الكفار ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ لأن فيه سفك للدماء وجراح وخوف ولقاء للعدو، ولكنه خير لكم، يكف الله به عنكم أعداءكم، ويكتب لكم من الأجر، ويرفع لكم به الدرجات في الجنات؛ فإن في الجنة مئة درجة اعد الله للمجاهدين في سبيله وما بين كل درجتين كما بين السموات والأرض، قال تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُو نَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾


    "فهذا الابتلاء والامتحان من تمام نصره وعزِّه وعافيته، ولهذا كان "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأقرب إليهم فالأقرب، يُبتلى المرءُ على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة شُدّد عليه البلاء، وإن كان في دينه رِقَّة خُفِّف عنه" أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؛ ليرفع لهم الدرجات، فيبتلى الإنسان بحسب إيمانه «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.» "ولا يزال البلاء بالمؤمن، حتى يمشي على وجه الأرض وما عليه خطيئة" طهره الله به من الذنوب؛ لأن الله غسل الخطايا بالمصائب التي تصيبه.


    "الأصل السابع: أن ما يصيب المؤمنَ في هذه الدار من إدالة عَدوِّه عليه، وغلبته له، وأذاه له في بعض الأحيان، أمرٌ لازم لابدَّ منه، وهو كالحَرِّ الشديد، والبرد الشديد، والأمراض والهموم والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذه الدار، حتى للأطفال والبهائم، لما اقتضته حكمةُ أحكم الحاكمين." ما من أحد في الدنيا – حتى البهائم يصيبها ما يصيبها من الأمراض والأسقام والجوع والعطش، فكيف ببني آدم؟! فما يصيبهم أشد؛ الدنيا دار ابتلاء وامتحان وليست دار نعيم ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ "فلو تجرَّد الخيرُ في هذا العالم عن الشرّ، والنفعُ عن الضرّ، واللَّذَّة عن الألم، لكان ذلك عالمًا غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تَفوتُ الحكمة التي مُزج لأجلها بين الخير والشرّ، والألم واللذة، والنافع والضار." لو نعم الناس في هذه الدنيا ويعطوا ما يريدون، وكف عنهم ما يكرهون ما تمميز المؤمن من الكافر، والله يريد أن يمير الخبيث من الطيب، ولكي يتميز المؤمن الذي يصبر ويرضى عن الله من الكافر الذي يجزع ويسخط ويكره هذه الأمور التي لو صبر عليها كانت في صالحه. "وإنما يكون تخليص هذا من هذا وتمييزه في دارٍ أخرى غير هذه الدار، كما قال تعالى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأنفال: 37]." من المؤمنين من يعمل عملا صالحا ويجاهد في سبيل الله، ولا يترك مجالا من الخير إلا وهو يفعله ثم يموت وما نال من جزاء ذلك شيئا. لماذا؟ لأن جزاؤه في الآخرة وليس جزاؤه في الدنيا، والله أحكم الحاكمين، لا يمكن أن يضيع عمل عامل؛ فإن لم يعط المؤمن شيء من هذه الدنيا وهو رجل عمال مطيع، فذلك لأن الله ادخر أجره في الآخرة؛ فالدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء، والكافر ادخر الله عقوبته في الآخرة، وهذا من أدلة البعث: أن الناس يعملون في هذه الدنيا من خير وشر ولا ينالون من أجورهم شيئا، والله لا يظلم أحد، وهذا يدل على أن هناك دارا أخرى فيها الجزاء.


    "الأصل الثامن: أن ابتلاء المؤمنين بغلبة عَدُوّهم لهم وقهرهم وكَسرهم لهم أحيانًا، فيه حِكَم عظيمةٌ، لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل.
    فمنها: استخراج عُبوديّتهم وذُلهم لله، وانكِسارهم له، وافتقارهم إليه، وسؤالهم نصرَهم على أعدائهم، ولو كانوا دائمًا منصورين قاهرين غالبين لبَطِروا وأَشِرُوا، ولو كانوا دائمًا مَقهورين مَغلوبين منصورًا عليهم عدوُّهم لما قامت للدِّين قائمةٌ، ولا كانت للحقّ دولةٌ." ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ مرة للمؤمنين ومرة للكفار، ولكن المؤمن ما يجري عليه فهو تطهير له وتمحيص، وما يجري على الكافر فهو إملاء له ليزداد إثماً ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ وقد يعجب قاصر الأنظار وضيف الإيمان مما عند الكفار من القوة والبلاد المزهرة، والمسلمون في هذه الصحاري الجافة اليابسة التي ما فيه شيء، نقول: هذا لحكمة من الله تعالى؛ لأن الله لو أعطى المؤمنين في هذه الدنيا جزاءهم لأشروا وبطروا، والله لا يظلم أحد، ويعجل للكافر حسناته إذا أحسن فالله يجزيه في الدنيا، وأما المؤمن فالله يدخر جزاءه في الآخرة وقد يعطيه في الدنيا ما يساعده ويعينه، ولكن الجزاء الأوفى فهو في الآخرة ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ الحيوان، يعني: الحياة الكاملة التي لا يعترض موت ولا فقر وأي ما يؤلم فهي في الآخرة، وأما الحياة الدنيا فهي حياة منتهية بالموت والفناء. "فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن صرّفهم بين غلبتهم تارةً، وكونهم مغلوبين تارةً،" كما في غزوة بدر وغزوة أحد، ولو كان المسلمون دائما منتصرون ما كفر أحد، ولو كانوا دائما معذبون ولا يحصلون على شيء ما آمن أحد، والله يداوله بين هذا وهذا ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ والله له فيه حكم من الفقر والغنى والعافية والمرض. "فإذا غُلِبوا تضرّعُوا إلى ربهم، وأنابوا إليه، وخضعوا له، وانكسروا له، وتابوا إليه، وإذا غَلَبوا أقامُوا دينه وشعائره، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا عَدُوّه، ونصروا أولياءه." هذا شأن المؤمنين.

    "ومنها: أنهم لو كانوا دائمًا منصورين غالبين قاهرين، لدخل معهم من ليس قَصْدُهُ الدِّين ومتابعةَ الرسول، فإنه إنما ينضاف إلى مَن له الغلبة والعزة، ولو كانوا مقهورين مغلوبين دائمًا لم يَدخُل معهم أحدٌ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن كانت لهم الدولة تارةً، وعليهم تارة، فيتميّز بذلك بين من يريد الله ورسوله، ومن ليس له مراد إلا الدنيا والجاه." الله يجري ما يجريه من الابتلاء والامتحان، ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ نحن لا نعلم الصادق من الكاذب إلا بالمصائب والمجريات التي تجري.

    "ومنها: أنه سبحانه يُحِبّ مِنْ عباده تكميلَ عُبوديتهم على السراء والضراء، وفى حال العافية والبلاء، وفى حال إدالتهم والإدالة عليهم، فلله سبحانه على العباد في كلتا الحالين عُبُودِيّة بمقتضى تلك الحال، لا تحصلُ إلا بها، ولا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيمُ الأبدان إلا بالحَرّ والبَرْد، والجوع والعطش والنَّصب وأضدادها، فتلك المِحَنُ والبلايا شَرطٌ في حصول الكمال الإنساني، والاستقامة المطلوبة منه، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنعٌ." https://alfawzan.af.org.sa/ar/node/17653

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة كفتاه مامعنى كفتاه؟

    جزاكم الله خيراً.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة كفتاه مامعنى كفتاه؟

    أنتشر مقطع بين فيه صاحبه أن قرأة الآية تكفيه من جميع الأمراض والفيروسات والأوبئة فكان سؤال أحد الأخوة كيف حصل ذلك للصحابة طاعون عمواس ولم يكن ذلك الذكر حافظاً لهم من الطاعون ؟

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة كفتاه مامعنى كفتاه؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    أنتشر مقطع بين فيه صاحبه أن قرأة الآية تكفيه من جميع الأمراض والفيروسات والأوبئة فكان سؤال أحد الأخوة كيف حصل ذلك للصحابة طاعون عمواس ولم يكن ذلك الذكر حافظاً لهم من الطاعون ؟
    بارك الله فيك اخى احمد ابو انس
    قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يعوض على صبره على الابتلاء بالشهادة وذلك أولى له آجلاً -
    قَال صلى الله عليه وسلم: «الطَّاعون شَهَادَة لِكلِّ مسْلِم»رواه البخارى ومسلم -
    قال الإِمام عبد الله بن أبي جمرة في فوائد هذا الحديث: " فيه دليل على فضل هذه الأمة على غيرها؛ لأن الطاعون كان بلاء لغيرها، وجعِلَ شهادة لها " ”
    وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله عز وجل خص أمته بشهداء كثير فقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما تعدون الشهيد فيكم؟» قالوا: يا رسول الله، من قتِلَ في سبيل الله فهو شهيد. قال: « إن شهداء أمتي إذا لقليل » قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: « من قتِلَ في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد» وفي رواية: «والغَرِيق شَهِيد» وفي حديث آخر: ".. «وصاحب الهدم»
    وقال ابن التين رحمه الله: " هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبَلِّغهم بها مراتب الشهداء
    وقال صلى الله عليه وسلم ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا،[ رواه الترمذي وصححه الألباني ].
    عن عطاء بن أبي رباح: قال: قال لي ابن عباس – رضي الله عنهما-: «ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي – صلى الله عليه وسلم-، فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت، ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. ] رواه البخاري ومسلم] فشفاء هذه المرأة من الصرع خير، لكن الأكثر خيرا لها أن يكون صرعها سببا لدخولها الجنة، وهكذا فهمت المرأة فعلا، واختارت أن تعيش بمرضها وتدخل الجنة.

    قام ابو عبيدة ابن الجراح خطيبا في الناس فقال:
    "أيها الناس، إن هذا الوجع رحمةٌ بكم، ودعوة نبيّكم، وموت الصالحين قبلكم،
    وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم لأبي عبيدة حظّه"، ثم مات
    وقد استخلف على الناس معاذ بن جبل رضي الله عنهم،
    فقام خطيباً وقال نحو ما قال أبو عبيدة رضي الله عنه،فأصيب ولده عبد الرحمن بالطاعون فمات،
    ثم أصيب هو بالطاعون،
    وكان مبدأ المرض في يده،
    يقول أحد الرواة: "لقد رأيته ينظر إليها ثم يقلب ظهر كفه
    ثم يقول:
    ما أحب أن لي بما فيكِ، شيئاً من الدنيا"
    وذلك منه استحضاراً للأجور العظيمة المترتّبة عليه.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة كفتاه مامعنى كفتاه؟

    زادكم الله من فضله .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: من قرأ آخر آيتين من سورة البقرة كفتاه مامعنى كفتاه؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد ابو انس مشاهدة المشاركة
    ولم يكن ذلك الذكر حافظاً لهم من الطاعون ؟
    بارك الله فيك
    نعم لم يكن الذكر حافظا لهم لأن الله إختار لهم خير الخيرين و عوضهم عن هذا الخير العاجل بالثواب الآجل
    لقد استوفت فى الصحابة شروط الحفظ ولكنَّ الله أراد لهم الاجر العظيم فى الاخرة على الصبر والاحتساب
    وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •