فى المحراب
فى المحراب بُشرت مريم بنبى صالح
فى المحراب رُزقت مريم بفاكهة الصيف والشتاء
فى المحراب استجاب الله لدعاء زكريا بالولد الصالح
إن للمحراب أثر فى حياتنا نغفل عنه أحيانا ألا وهو أن يجعل الإنسان لنفسه خلوة يدعو فيها ربه ويبتهل إليه وينكسر بين يديه فتكون النتيجة أن يفيض عليه المولى من فيوضات الخير ويجرى على يديه المعجزات فقد رزقها فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكه الشتاء فى الصيف ورزقه الولد الصالح على كبر سنه وكل ذلك لكثرة لجوئهم إلى الله وتضرعهم بين يديه ليعلمنا الدرس ضرورة أن يكون للمسلم خلوة مع الله إذ يقول تعالى :" {ھُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ ھَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ } [٣٨ آل عمران]
إننا أمام حادث غير عادى خروج عن المألوف للبشر يحمل مظهراً من مظاهر طلاقة المشيئة التى لا تجعل لشئ قانوناً سوى كن فيكون هكذا سمِع الله لمن دعا واستجاب لمن طهر قلبه قلب رأى أثار نعمة الله على غيره فدعا أن يناله من الخير ما يحب وكان الولد وليس أى ولد إنه نبى وشهيد ما هذا الخير الذى عم على الأب عندما صبر واحتسب ولم يفقد الأمل هكذا الدعاء عندما يُكتب له القبول وكانت كلمه السر "فى المحراب"
الدعاء هو العبادة الوحيدة التى لم يجعل الله بينها وبين الداعى كلفة إذ يقول تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنى قريب} فقد أعطانا زكريا عليه السلام مفاتيح الإجابة فى تخير الأوقات المناسبة و اختار المحراب المكان المناسب لإجابة الدعاء والوقت عندما رأى الرزق الوفير عند مريم كما أعطانا مفتاح آخر لإجابة الدعاء إظهار الداعي للضعف والخشوع. فزكريا قد شرح أسباب دعائه، وعرَضَ ضعفه على القويِّ؛ فهو واهِنُ العظم، أشيب الرأس، يخاف الموالي، وامرأته - فوق كلِّ ذلك - عاقرٌ لا تُنجب، وهو يَطلب الولد! أى انسان يسمع ذلك يكون لسان حاله أنى له ذلك ونسى المسكين أنَّ الله لا يعجزه شيءٌ خرج الدعاء من قلب منكسرا فكان أدعى بالقبول والإستجابة
والمفتاح الثالث أن يُحْسِن العبد ظنَّه بالله حتى في أصعب المواقف، يتيقن أن ليس شئ على الله بعزيز حتى وإن كان فى عرف الناس من المستحيلات فقط استشعر أنك تدعو عظيماً قادراًعلى أن يجيب دعاءك كما أن من المفاتيح أن تدعو بالخير المباح فتمنِّي زكريا الولدَ هو من قبيل المباحات، وليس من المحرَّمات أو الممنوعات.وأنه ما طلبها إلا لتعينه على الطاعة وأنه خاف على الدين أن يذهب فطلب من ربه من يرث النبوة ولم يطلب من يرث المال فالأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وذلك فى قوله " {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} " مريم فهو لم يطلب الولد ليباهى به الناس ولكن طلب الولد الصالح الذى ينفعه فى الدنيا والآخرة
ومن المفاتيح الإسرار بالدعاء إذ يقول تعالى :" نادى ربَّه نداءً خفيًّا"، قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] وكأنه يسر إليه بشىء من مكنونات نفسه لا يريد احد أن يعلمها وكم فى القلب من اشياء لا يعلمها إلا الله إن اخفيناها عن الناس فلا تخفى على خالق الناس فهو أقرب إلينا من حبل الوريد
ومن المفاتيح أيضا المسارعة فى عمل الخير وتقديم الأعمال الصالحة فقد زكى المولى عزوجل زكريا وأهله بأنهم كانوا يسارعون فى الخيرات إذ يقول :" {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} " [الأنبياء 90] فالبعض يقدم العمل الصالح وقت الشدة أما وقت النعمة فينسى ويلهو لكن الآيات تبين أن زكريا كان يداوم على أفعال الخير فى الرخاء فاستجاب له ربه وقضى حاجته وها هى مريم يأمرها ربها أن تصوم عن الكلام وكأنها تقدم عملاً صالحاً لله شكراً على نعمته
فهل عرف كل منا دور المحراب فى حياته ومفاتيح إجابة الدعاء حقا أم أن الواحد منا يأكل ويشرب الحرام ثم يدعو الله وينتظر الإجابة أنى يستجاب له فلنحرص على أن يكون مأكلنا حلال ومشربنا حتى لا يذهب دعاءنا هباء ونحن نصر على المعاصى والذنوب فاللهم توبة تردنا بها إلى محرابك من جديد .
إيمان الخولى