تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 9 من 25 الأولىالأولى 12345678910111213141516171819 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 161 إلى 180 من 490

الموضوع: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

  1. #161
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (161)
    صــ291 إلى صــ 295

    يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب


    قوله تعالى: يسألونك ماذا أحل لهم في سبب نزولها قولان .

    أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلاب ، قال الناس: يا رسول الله ماذا أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزلت هذه الآية ، أخرجه أبو عبد الله الحاكم في "صحيحه" من حديث أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان السبب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها أن جبريل عليه السلام استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 291 ] فأذن له ، فلم يدخل وقال: "إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة" فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو .

    والثاني: أن عدي بن حاتم ، وزيد الخيل الذي سماه رسول الله: زيد الخير ، قالا: يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة ، فمنه ما ندرك ذكاته ، ومنه مالا ندرك ذكاته ، وقد حرم الله الميتة ، فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير . قال الزجاج : ومعنى الكلام: يسألونك أي شيء أحل لهم؟ قل: أحل لكم الطيبات ، وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح ، والتأويل أنهم سألوا عنه ولكن حذف ذكر صيد ما علمتم ، لأن في الكلام دليلا عليه .

    وفي الطيبات قولان .

    أحدهما: أنها المباح من الذبائح .

    والثاني: أنها ما استطابه العرب مما لم يحرم . فأما "الجوارح" فهي ما صيد به من سباع البهائم والطير ، كالكلب ، والفهد ، والصقر ، والبازي ، ونحو ذلك مما يقبل التعليم . قال ابن عباس : كل شيء صاد فهو جارح .

    [ ص: 292 ] وفي تسميتها بالجوارح قولان .

    أحدهما: لكسب أهلها بها ، قال ابن قتيبة: أصل الاجتراح: الاكتساب ، يقال: امرأة لا جارح لها ، أي: لا كاسب .

    والثاني: لأنها تجرح ما تصيد في الغالب ، ذكره الماوردي . قال أبو سليمان الدمشقي: وعلامة التعليم أنك إذا دعوته أجاب ، وإذا أسدته استأسد ، ومضى في طلبه ، وإذا أمسك أمسك عليك لا على نفسه ، وعلامة إمساكه عليك: أن لا يأكل منه شيئا ، هذا في السباع والكلاب ، فأما تعليم جوارح الطير فبخلاف السباع ، لأن الطائر إنما يعلم الصيد بالأكل ، والفهد ، والكلب ، وما أشبههما يعلمون بترك الأكل ، فهذا فرق ما بينهما .

    وفي قوله: ( مكلبين) ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهم أصحاب الكلاب ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهو قول ابن عمر ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والضحاك ، والسدي ، والفراء ، والزجاج ، وابن قتيبة . قال الزجاج : يقال: رجل مكلب وكلابي ، أي: صاحب صيد بالكلاب .

    والثاني: أن معنى "مكلبين" مصرين على الصيد ، وهذا مروي عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد .

    والثالث: أن "مكلبين" بمعنى: معلمين . قال أبو سليمان الدمشقي: وإنما قيل لهم: مكلبين ، لأن الغالب من صيدهم إنما يكون بالكلاب . قال ثعلب: وقرأ الحسن ، وأبو رزين: مكلبين ، بسكون الكاف ، يقال: أكلب الرجل: إذا كثرت كلابه ، وأمشى: إذا كثرت ماشيته ، والعرب تدعو الصائد مكلبا .

    قوله تعالى: تعلمونهن مما علمكم الله قال سعيد بن جبير: تؤدبونهن لطلب [ ص: 293 ] الصيد . وقال الفراء: تؤدبونهن أن لا يأكلن صيدهن . واختلفوا هل إمساك الصائد عن الأكل شرط في صحة التعليم أم لا؟ على ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه شرط في كل الجوارح ، فإن أكلت ، لم يؤكل ، روي عن ابن عباس ، وعطاء .

    والثاني: أنه ليس بشرط في الكل ، ويؤكل وإن أكلت ، روي عن سعد ابن أبي وقاص ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وسلمان الفارسي .

    والثالث: أنه شرط في جوارح البهائم ، وليس بشرط في جوارح الطير ، وبه قال الشعبي ، والنخعي ، والسدي . وهو أصح لما بينا أن جارح الطير يعلم على الأكل ، فأبيح ما أكل منه ، وسباع البهائم تعلم على ترك الأكل ، فأبيح ما أكلت منه .

    فعلى هذا إذا أكل الكلب والفهد من الصيد ، لم يبح أكله . فأما ما أكل منه الصقر والبازي ، فمباح ، وبه قال أبو حنيفة ، وأصحابه . وقال مالك: يباح أكل ما أكل منه الكلب ، والفهد ، والصقر ، فإن قتل الكلب ، ولم يأكل ، أبيح .

    وقال أبو حنيفة: لا يباح ، فإن أدرك الصيد ، وفيه حياة ، فمات قبل أن يذكيه ، فإن كان ذلك قبل القدرة على ذكاته أبيح ، وإن أمكنه فلم يذكه ، لم يبح ، وبه قال مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة: لا يباح في الموضعين .

    فأما الصيد بكلب المجوسي ، فروي عن أحمد أنه لا يكره ، وهو قول الأكثرين ، وروي عنه الكراهة ، وهو قول الثوري لقوله تعالى: وما علمتم من الجوارح وهذا خطاب للمؤمنين . قال القاضي أبو يعلى: ومنع أصحابنا الصيد بالكلب الأسود ، وإن كان معلما ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله ، والأمر بالقتل: يمنع ثبوت اليد ، ويبطل حكم الفعل ، فيصير وجوده كالعدم ، فلا يباح صيده .

    [ ص: 294 ] قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم قال الأخفش: "من" زائدة ، كقوله: فيها من برد [النور: 43] .

    قوله تعالى: واذكروا اسم الله عليه في "هاء الكناية" قولان .

    أحدهما: أنها ترجع إلى الإرسال ، قاله ابن عباس ، والسدي ، وعندنا أن التسمية شرط في إباحة الصيد .

    والثاني: ترجع إلى الأكل فتكون التسمية مستحبة .

    قوله تعالى: واتقوا الله قال سعيد بن جبير: لا تستحلوا ما لم يذكر اسم الله عليه .
    اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين

    [ ص: 295 ] قوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات قال القاضي أبو يعلى: يجوز أن يريد باليوم اليوم الذي أنزلت فيه الآية ، ويجوز أن يريد اليوم الذي تقدم ذكره في قوله: اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ، وفي قوله: اليوم أكملت لكم دينكم ، وقيل: ليس بيوم معين . وقد سبق الكلام في "الطيبات" وإنما كرر إحلالها تأكيدا . فأما أهل الكتاب ، فهم اليهود والنصارى . وطعامهم: ذبائحهم ، هذا قول ابن عباس ، والجماعة . وإنما أريد بها الذبائح خاصة ، لأن سائر طعامهم لا يختلف بمن تولاه من مجوسي وكتابي ، وإنما الذكاة تختلف ، فلما خص أهل الكتاب بذلك ، دل على أن المراد الذبائح ، فأما ذبائح المجوس ، فأجمعوا على تحريمها . واختلفوا في ذبائح من دان باليهودية والنصرانية من عبدة الأوثان ، فروي عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب ، فقال: لا بأس بها ، وتلا قوله: ومن يتولهم منكم فإنه منهم [المائدة: 51] وهذا قول الحسن ، وعطاء بن أبي رباح ، والشعبي ، وعكرمة ، وقتادة ، والزهري ، والحكم ، وحماد . وقد روي عن علي ، وابن مسعود في آخرين أن ذبائحهم لا تحل . ونقل الخرقي عن أحمد في نصارى بني تغلب روايتين .

    إحداهما: تباح ذبائحهم ، وهو قول أبي حنيفة ، ومالك .

    والثانية: لا تباح . وقال الشافعي: من دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن ، لم يبح أكل ذبيحته . [ ص: 296 ] قوله تعالى: وطعامكم حل لهم أي: وذبائحكم لهم حلال ، فإذا اشتروا منا شيئا كان الثمن لنا حلالا ، واللحم لهم حلالا . قال الزجاج : والمعنى: أحل لكم أن تطعموهم .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #162
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (162)
    صــ296 إلى صــ 300

    فصل

    وقد زعم قوم أن هذه الآية اقتضت إباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقا وإن ذكروا غير اسم الله عليها ، فكان هذا ناسخا لقوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه [الأنعام: 121] والصحيح أنها أطلقت إباحة ذبائحهم ، لأن الأصل أنهم يذكرون الله ، فيحمل أمرهم على هذا . فإن تيقنا أنهم ذكروا غيره ، فلا نأكل ، ولا وجه للنسخ ، وإلى هذا الذي قلته ذهب علي ، وابن عمر ، وعبادة ، وأبو الدرداء ، والحسن في جماعة .

    قوله تعالى: والمحصنات من المؤمنات فيهن قولان .

    أحدهما: العفائف ، قاله ابن عباس . والثاني: الحرائر ، قاله مجاهد .

    وفي قوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب قولان .

    أحدهما: الحرائر أيضا ، قاله ابن عباس .

    والثاني: العفائف ، قاله الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، والضحاك ، والسدي . فعلى هذا القول; يجوز تزويج الحرة منهن والأمة .

    فصل

    وهذه الآية أباحت نكاح الكتابية . وقد روي عن عثمان أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية . وعن طلحة بن عبيد الله: أنه تزوج [ ص: 297 ] يهودية . وقد روي عن عمر ، وابن عمر كراهة ذلك . واختلفوا في نكاح الكتابية الحربية ، فقال ابن عباس : لا تحل ، والجمهور على خلافه ، وإنما كرهوا ذلك ، لقوله تعالى: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله [المجادلة: 22] والنكاح يوجب الود . واختلفوا في نكاح نساء تغلب ، فروي عن علي رضي الله عنه الحظر ، وبه قال جابر بن زيد ، والنخعي ، وروي عن ابن عباس الإباحة . وعن أحمد روايتان . واختلفوا في إماء أهل الكتاب ، فروي عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد: أنه لا يجوز نكاحهن ، وبه قال الأوزاعي ، ومالك ، والليث بن سعد ، والشافعي ، وأصحابنا . وروي عن الشعبي ، وأبي ميسرة: جواز ذلك ، وبه قال أبو حنيفة . فأما المجوس ، فالجمهور على أنهم ليسوا بأهل كتاب ، وقد شذ من قال: إنهم أهل كتاب ، ويبطل قولهم قوله عليه السلام: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" . فأما "الأجور" و "الإحصان" و "السفاح" و "الأخدان" فقد سبق في سورة (النساء) .

    قوله تعالى: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله سبب نزول هذا الكلام: أن الله تعالى لما رخص في نكاح الكتابيات قلن بينهن: لولا أن الله تعالى قد رضي علينا ، لم يبح للمؤمنين تزويجنا ، وقال المسلمون: كيف يتزوج الرجل منا الكتابية ، وليست على ديننا ، فنزلت: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال مقاتل بن حيان: نزلت فيما أحصن المسلمون من نساء أهل الكتاب ، يقول: ليس إحصان المسلمين إياهن بالذي يخرجهن من الكفر . وروى ليث عن مجاهد: ومن يكفر بالإيمان ، قال: الإيمان بالله تعالى . قال الزجاج : [ ص: 298 ] معنى الآية: من أحل ما حرم الله ، أو حرم ما أحله الله ، فهو كافر . وقال أبو سليمان: من جحد ما أنزله الله من شرائع الإيمان ، وعرفه من الحلال والحرام ، فقد حبط عمله المتقدم . وسمعت الحسن بن أبي بكر النيسابوري الفقيه يقول: إنما أباح الله عز وجل الكتابيات ، لأن بعض المسلمين قد يعجبه حسنهن ، فحذر ناكحهن من الميل إلى دينهن بقوله: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله .
    يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون

    قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة قال الزجاج : المعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة ، كقوله: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله [النحل: 98] قال ابن الأنباري: وهذا كما تقول: إذا آخيت فآخ أهل الحسب ، وإذا اتجرت فاتجر في البز . قال: ويجوز أن يكون الكلام مقدما ومؤخرا ، تقديره: إذا غسلتم وجوهكم ، واستوفيتم الطهور ، فقوموا إلى الصلاة . وللعلماء في المراد بالآية قولان .

    أحدهما: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين ، فاغسلوا ، فصار الحدث مضمرا في وجوب الوضوء ، وهذا قول سعد بن أبي وقاص ، وأبي موسى الأشعري ، وابن عباس ، والفقهاء .

    [ ص: 299 ] والثاني: أن الكلام على إطلاقه من غير إضمار ، فيجب الوضوء على كل من يريد الصلاة ، محدثا كان ، أو غير محدث ، وهذا مروي عن علي رضي الله عنه ، وعكرمة ، وابن سيرين . ونقل عنهم أن هذا الحكم غير منسوخ ، ونقل عن جماعة من العلماء أن ذلك كان واجبا ، ثم نسخ بالسنة ، وهو ما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد ، فقال له عمر: لقد صنعت شيئا لم تكن تصنعه؟ فقال: "عمدا فعلته يا عمر" وقال قوم: في الآية [ ص: 300 ] تقديم وتأخير ، ومعناها: إذا قمتم إلى الصلاة من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء ، فاغسلوا وجوهكم .

    قوله تعالى: وأيديكم إلى المرافق "إلى" حرف موضوع للغاية ، وقد تدخل الغاية فيها تارة ، وقد لا تدخل ، فلما كان الحدث يقينا ، لم يرتفع إلا بيقين مثله ، وهو غسل المرفقين . فأما الرأس فنقل عن أحمد وجوب مسح جميعه ، وهو قول مالك ، وروي عنه: يجب مسح أكثره ، وروي عن أبي حنيفة روايتان .

    إحداهما: أنه يتقدر بربع الرأس . والثانية: بمقدار ثلاث أصابع .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #163
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (163)
    صــ301 إلى صــ 306

    قوله تعالى: وأرجلكم إلى الكعبين قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم: بكسر اللام عطفا على مسح الرأس ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب: بفتح اللام عطفا على الغسل ، فيكون من المقدم والمؤخر . قال الزجاج : الرجل من أصل الفخذ إلى القدم ، فلما حد الكعبين ، علم أن الغسل ينتهي إليهما ، ويدل على وجوب الغسل التحديد بالكعبين ، كما جاء في تحديد اليد "إلى المرافق" ولم يجئ في شيء من المسح تحديد . ويجوز أن يراد الغسل على قراءة الخفض ، لأن التحديد بالكعبين يدل على الغسل ، فينسق بالغسل على المسح . قال الشاعر:


    يا ليت بعلك قد غدا متقلدا سيفا ورمحا


    والمعنى: وحاملا رمحا . وقال الآخر:

    علفتها تبنا وماء باردا

    والمعنى: وسقيتها ماء باردا . وقال أبو الحسن الأخفش: يجوز الجر على الإتباع ، والمعنى: الغسل ، [ ص: 302 ] نحو قولهم: جحر ضب خرب . وقال ابن الأنباري: لما تأخرت الأرجل بعد الرؤوس ، نسقت عليها للقرب والجوار ، وهي في المعنى نسق على الوجوه ، كقولهم: جحر ضب خرب ، ويجوز أن تكون منسوقة عليها ، لأن العرب تسمي الغسل مسحا ، لأن الغسل لا يكون إلا بمسح . وقال أبو علي: من جر فحجته أنه وجد في الكلام عاملين: أحدهما: الغسل ، والآخر: الباء الجارة ، ووجه العاملين إذا اجتمعا: أن يحمل الكلام على الأقرب منهما دون الأبعد ، وهو "الباء" هاهنا ، وقد قامت الدلالة على أن المراد بالمسح: الغسل من وجهين .

    أحدهما: أن أبا زيد قال: المسح خفيف الغسل ، قالوا: تمسحت للصلاة ، وقال أبو عبيدة: فطفق مسحا بالسوق ، أي: ضربا ، فكأن المسح بالآية غسل خفيف . فإن قيل: فالمستحب التكرار ثلاثا؟ قيل: إنما جاءت الآية بالمفروض دون المسنون .

    والوجه الثاني: أن التحديد والتوقيت إنما جاء في المغسول دون الممسوح ، فلما وقع التحديد مع المسح ، علم أنه في حكم الغسل لموافقته الغسل في التحديد ، وحجة من نصب أنه حمل ذلك على الغسل لاجتماع فقهاء الأمصار على الغسل . [ ص: 303 ] قوله تعالى: إلى الكعبين "إلى" بمعنى: "مع" والكعبان: العظمان الناتئان من جانبي القدم . [ ص: 304 ] قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا أي: فتطهروا ، فأدغمت التاء في الطاء ، لأنهما من مكان واحد ، واجتلبت الهمزة توصلا إلى النطق بالساكن ، وقد بين الله عز وجل طهارة الجنب في سورة (النساء) بقوله: حتى تغتسلوا [النساء: 43] وقد ذكرنا هناك الكلام في تمام الآية إلى قوله: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ، و "الحرج": الضيق ، فجعل الله الدين واسعا حين رخص في التيمم .

    قوله تعالى: ولكن يريد ليطهركم أي: يريد أن يطهركم . قال مقاتل: من الأحداث والجنابة ، وقال غيره: من الذنوب والخطايا ، لأن الوضوء يكفر الذنوب .

    قوله تعالى: وليتم نعمته عليكم في الذي يتم به النعمة أربعة أقوال .

    أحدها: بغفران الذنوب . قال محمد بن كعب القرظي: حدثني عبد الله بن دارة ، عن حمران قال: مررت على عثمان بفخارة من ماء فدعا بها فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قال لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة أو مرتين أو ثلاثا ما حدثتكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما توضأ عبد فأحسن الوضوء ، ثم قام إلى الصلاة ، إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى" . قال محمد بن كعب: وكنت إذا سمعت الحديث التمسته في القرآن ، فالتمست هذا فوجدته [ ص: 305 ] في قوله تعالى: إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك [الفتح: 1 ، 2] فعلمت أن الله لم يتم النعمة عليه حتى غفر له ذنوبه ، ثم قرأت الآية التي في (المائدة): إذا قمتم إلى الصلاة إلى قوله: وليتم نعمته عليكم فعلمت أنه لم يتم النعمة عليهم حتى غفر لهم .

    والثاني: بالهداية إلى الإيمان ، وإكمال الدين ، وهذا قول ابن زيد . [ ص: 306 ] والثالث: بالرخصة في التيمم ، قاله مقاتل ، وأبو سليمان .

    والرابع: ببيان الشرائع ، ذكره بعض المفسرين .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #164
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (164)
    صــ306 إلى صــ 310

    واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور

    قوله تعالى: واذكروا نعمة الله عليكم يعني: النعم كلها . وفي هذا حث على الشكر . وفي الميثاق أربعة أقوال .

    أحدها: أنه إقرار كل مؤمن بما آمن به . قال ابن عباس : لما أنزل الله الكتاب ، وبعث الرسول ، فقالوا: آمنا ، ذكرهم ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم ، وأمرهم بالوفاء .

    والثاني: أنه الميثاق الذي أخذه من بني آدم حين أخرجهم من ظهره ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وابن زيد .

    والثالث: أنه ما وثق على المؤمنين على لسان نبيه عليه السلام من الأمر بالوفاء بما أقروا به من الإيمان . روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

    والرابع: أنه الميثاق الذي أخذ من الصحابة على السمع والطاعة في بيعة العقبة ، وبيعة الرضوان ، ذكره بعض المفسرين . [ ص: 307 ] قوله تعالى: واتقوا الله قال مقاتل: اتقوه في نقض الميثاق إن الله عليم بذات الصدور أي: بما فيها من إيمان وشك .
    يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون

    قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنها نزلت من أجل كفار قريش أيضا ، وقد تقدم ذكرهم في قوله: ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام روى نحو هذا أبو صالح ، عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

    والثاني: أن قريشا بعثت رجلا ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأطلع الله نبيه على ذلك ، ونزلت هذه الآية ، والتي بعدها ، هذا قول الحسن .

    والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى يهود بني النضير يستعينهم في دية ، فهموا بقتله ، فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد ، وقتادة . ومعنى الآية: كونوا قوامين لله بالحق ، ولا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل (اعدلوا) في الولي والعدو (هو أقرب للتقوى) أي: إلى التقوى . والمعنى: أقرب إلى أن تكونوا متقين ، وقيل: هو أقرب إلى اتقاء النار .
    وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم [ ص: 308 ] قوله تعالى: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة في معناها قولان .

    أحدهما: أن المعنى وعدهم الله أن يغفر لهم ويأجرهم ، فاكتفى بما ذكر عن هذا المعنى .

    والثاني: أن المعنى وعدهم ، فقال: لهم مغفرة . وقد بينا في (البقرة) معنى "الجحيم" .
    يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون

    قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم في سبب نزولها أربعة أقوال .

    أحدها: أن رجلا من محارب قال لقومه: ألا أقتل لكم محمدا؟ فقالوا: وكيف تقتله؟ فقال: أفتك به ، فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيفه في حجره ، فأخذه ، وجعل يهزه ، ويهم به ، فيكبته الله ، ثم قال: يا محمد ما تخافني؟ قال: لا ، قال: لا تخافني وفي يدي السيف؟! قال: يمنعني الله منك ، فأغمد السيف ، فنزلت هذه الآية ، رواه الحسن البصري عن جابر بن عبد الله . وفي بعض الألفاظ: فسقط السيف من يده . وفي لفظ آخر: فما قال له النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، ولا عاقبه . واسم هذا الرجل: غورث بن الحارث من محارب خصفة .

    والثاني: أن اليهود عزموا على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكفاه الله شرهم .

    [ ص: 309 ] قال ابن عباس : صنعوا له طعاما ، فأوحي إليه بشأنهم ، فلم يأت . وقال مجاهد ، وعكرمة: خرج إليهم يستعينهم في دية ، فقالوا: اجلس حتى نعطيك ، فجلس هو وأصحابه ، فخلا بعضهم ببعض ، وقالوا: لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن ، فمن يظهر على هذا البيت ، فيطرح عليه صخرة؟ فقال: عمرو بن جحاش: أنا ، فجاء إلى رحى عظيمة ليطرحها عليه ، فأمسك الله يده ، وجاء جبريل ، فأخبره ، وخرج ، ونزلت هذه الآية .

    والثالث: أن بني ثعلبة ، وبني محارب أرادوا أن يفتكوا بالنبي وأصحابه ، وهم ببطن نخلة في غزاة رسول الله صلى الله عليه وسلم السابعة ، فقالوا: إن لهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم ، فإذا سجدوا وقعنا بهم ، فأطلع الله نبيه على ذلك ، [ ص: 310 ] وأنزل صلاة الخوف ، ونزلت هذه الآية ، هذا قول قتادة .

    والرابع: أنها نزلت في حق اليهود حين ظاهروا المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا قول ابن زيد .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #165
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (165)
    صــ311 إلى صــ 315

    ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل

    قوله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل قال أبو العالية: أخذ الله ميثاقهم أن يخلصوا له العبادة ، ولا يعبدوا غيره . وقال مقاتل: أن يعملوا بما في التوراة . وفي معنى النقيب ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الضمين ، قاله الحسن ، ومعناه: أنه ضمين ليعرف أحوال من تحت يده ، ولا يجوز أن يكون ضمينا عنهم بالوفاء ، لأن ذلك لا يصح ضمانه . وقال ابن قتيبة: هو الكفيل على القوم . والنقابة شبيهة بالعرافة .

    والثاني: أنه الشاهد ، قاله قتادة . وقال ابن فارس: النقيب: شاهد القوم وضمينهم .

    [ ص: 311 ] والثالث: الأمين ، قاله الربيع بن أنس ، واليزيدي ، وهذه الأقوال تتقارب . قال الزجاج : النقيب في اللغة ، كالأمين والكفيل ، يقال: نقب الرجل على القوم ينقب: إذا صار نقيبا عليهم ، وصناعته النقابة ، وكذلك عرف عليهم: إذا صار عريفا ، ويقال لأول ما يبدو من الجرب: النقبة ، ويجمع النقب والنقب . قال الشاعر:


    متبذلا تبدو محاسنه يضع الهناء مواضع النقب


    ويقال: في فلان مناقب جميلة ، وكل الباب معناه: التأثير الذي له عمق ودخول ، ومن ذلك نقبت الحائط ، أي: بلغت في النقب آخره ، والنقبة من الجرب: داء شديد الدخول . وإنما قيل: نقيب ، لأنه يعلم دخيلة أمر القوم ، ويعرف مناقبهم ، وهو الطريق إلى معرفة أمورهم . ونقل أن الله تعالى أمر موسى وقومه بالسير إلى الأرض المقدسة ، وكان يسكنها الجبارون ، فقال تعالى يا موسى اخرج إليها [ ص: 312 ] وجاهد من فيها من العدو ، وخذ من قومك اثني عشر نقيبا ، من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به ، فاختاروا النقباء .

    وفيما بعثوا له قولان .

    أحدهما: أن موسى بعثهم إلى بيت المقدس ، ليأتوه بخبر الجبارين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي .

    والثاني: أنهم بعثوا ضمناء على قومهم بالوفاء بميثاقهم ، قاله الحسن ، وابن إسحاق . وفي نبوتهم قولان . أصحهما: أنهم ليسوا بأنبياء .

    قوله تعالى: وقال الله في الكلام محذوف . تقديره: وقال الله لهم .

    وفي المقول لهم قولان .

    أحدهما: أنهم بنو إسرائيل ، قاله الجمهور .

    والثاني: أنهم النقباء ، قاله الربيع ، ومقاتل . ومعنى: "إني معكم" أي: بالعون والنصرة . وفي معنى: "وعزرتموهم" قولان .

    أحدهما: أنه الإعانة والنصر ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي .

    والثاني: أنه التعظيم والتوقير ، قاله عطاء ، واليزيدي ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة .

    قوله تعالى: وأقرضتم الله قرضا حسنا في هذا الإقراض قولان .

    أحدهما: أنه الزكاة الواجبة . والثاني: صدقة التطوع . وقد شرحنا في (البقرة) معنى القرض الحسن .

    قوله تعالى: فمن كفر بعد ذلك منكم يشير إلى: الميثاق (فقد ضل سواء السبيل) أي: أخطأ قصد الطريق .
    [ ص: 312 ] فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين

    قوله تعالى: فبما نقضهم في الكلام محذوف ، تقديره: فنقضوا ، فبنقضهم لعناهم . وفي المراد بهذه اللعنة ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنها التعذيب بالجزية ، قاله ابن عباس . والثاني: التعذيب بالمسخ ، قاله الحسن ، ومقاتل والثالث: الإبعاد من الرحمة ، قاله عطاء ، والزجاج .

    قوله تعالى: وجعلنا قلوبهم قاسية قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "قاسية" بالألف ، يقال: قست ، فهي قاسية ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، والمفضل عن عاصم: "قسية" بغير ألف مع تشديد الياء ، لأنه قد يجيء فاعل وفعيل ، مثل شاهد وشهيد ، وعالم وعليم ، و "القسوة": خلاف اللين والرقة . وقد ذكرنا هذا في (البقرة) . وفي تحريفهم الكلم ثلاثة أقوال .

    أحدها: تغيير حدود التوراة ، قاله ابن عباس . والثاني: تغيير صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مقاتل . والثالث: تفسيره على غير ما أنزل ، قاله الزجاج .

    قوله تعالى: عن مواضعه مبين في سورة (النساء)

    قوله تعالى: ونسوا حظا مما ذكروا به "النسيان" هاهنا: الترك عن عمد . و "الحظ": النصيب . قال مجاهد: نسوا كتاب الله الذي أنزل عليهم . وقال غيره: تركوا نصيبهم من الميثاق المأخوذ عليهم . وفي معنى (ذكروا به) قولان .

    أحدهما: أمروا . والثاني: أوصوا .

    [ ص: 314 ] قوله تعالى: ولا تزال تطلع على خائنة منهم وقرأ الأعمش: "على خيانة منهم "قال ابن قتيبة: الخائنة: الخيانة . ويجوز أن تكون صفة للخائن ، كما يقال: رجل طاغية ، وراوية للحديث . قال ابن عباس : وذلك مثل نقض قريظة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخروج كعب بن الأشرف إلى أهل مكة للتحريض على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا قليلا منهم) لم ينقضوا العهد ، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه . وقيل: بل القليل ممن لم يؤمن .

    قوله تعالى: فاعف عنهم واصفح واختلفوا في نسخها على قولين

    أحدهما: أنها منسوخة ، قاله الجمهور . واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنها آية السيف . والثاني: قوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله [التوبة: 29] والثالث: قوله: وإما تخافن من قوم خيانة [الأنفال: 58]

    والثاني: أنها نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد ، فغدروا ، وأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأظهره الله عليهم ، ثم أنزل الله هذه الآية . ولم تنسخ .

    قال ابن جرير: يجوز أن يعفى عنهم في غدرة فعلوها ، ما لم ينصبوا حربا ، ولم يمتنعوا من أداء الجزية والإقرار بالصغار ، فلا يتوجه النسخ .
    [ ص: 315 ] ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون

    قوله تعالى: ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم قال الحسن: إنما قال: قالوا إنا نصارى ، ولم يقل: من النصارى ، ليدل على أنهم ليسوا على منهاج النصارى حقيقة ، وهم الذين اتبعوا المسيح . وقال قتادة: كانوا بقرية ، يقال لها: ناصرة ، فسموا بهذا الاسم . قال مقاتل: أخذ عليهم الميثاق ، كما أخذ على أهل التوراة أن يؤمنوا بمحمد ، فتركوا ما أمروا به .

    قوله تعالى: فأغرينا بينهم قال النضر: هيجنا ، وقال المؤرج: حرشنا بعضهم على بعض . وقال الزجاج : ألصقنا بهم ذلك ، يقال: غريت بالرجل غرى مقصورا: إذا لصقت به ، هذا قول الأصمعي . وقال غير الأصمعي: غريت به غراء ممدود ، وهذا الغراء الذي يغرى به إنما يلصق به الأشياء ، ومعنى أغرينا بينهم العداوة والبغضاء: أنهم صاروا فرقا يكفر بعضهم بعضا . وفي الهاء والميم من قوله "بينهم" قولان .

    أحدهما: أنها ترجع إلى اليهود والنصارى ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والسدي .

    والثاني: أنها ترجع إلى النصارى خاصة ، قاله الربيع . وقال الزجاج : هم النصارى ، منهم النسطورية ، واليعقوبية ، والملكية ، وكل فرقة منهم تعادي الأخرى . وفي تمام الآية وعيد شديد لهم .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #166
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (166)
    صــ316 إلى صــ 320

    يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين

    قوله تعالى: يا أهل الكتاب فيهم قولان .

    أحدهما: أنهم اليهود . والثاني: اليهود والنصارى . والرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

    قوله تعالى: يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب قال ابن عباس : أخفوا آية الرجم وأمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته (ويعفو عن كثير) يتجاوز ، فلا يخبرهم بكتمانه . فإن قيل: كيف كان له أن يمسك عن حق كتموه فلا يبينه؟ فعنه جوابان .

    أحدهما: أنه كان متلقيا ما يؤمر به ، فإذا أمر بإظهار شيء من أمرهم ، أظهره ، وأخذهم به ، وإلا سكت .

    والثاني: أن عقد الذمة إنما كان على أن يقروا على دينهم ، فلما كتموا كثيرا مما أمروا به ، واتخذوا غيره دينا ، أظهر عليهم ما كتموه من صفته وعلامة نبوته ، لتتحقق معجزته عندهم ، واحتكموا إليه في الرجم ، فأظهر ما كتموا مما يوافق شريعته ، وسكت عن أشياء ليتحقق إقرارهم على دينهم .

    قوله تعالى: قد جاءكم من الله نور قال قتادة: يعني بالنور: النبي محمدا صلى الله عليه وسلم .

    وقال غيره: هو الإسلام ، فأما الكتاب المبين ، فهو القرآن .
    يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم [ ص: 317 ] قوله تعالى: يهدي به الله يعني: بالكتاب . ورضوانه: ما رضيه الله تعالى .

    و "السبل": جمع سبيل ، قال ابن عباس : سبل السلام: دين الإسلام . وقال السدي: "السلام": هو الله ، و "سبله": دينه الذي شرعه . قال الزجاج : وجائز أن يكون "سبل السلام" طريق السلامة التي من سلكها سلم في دينه ، وجائز أن يكون "السلام" اسم الله عز وجل ، فيكون المعنى: طرق الله عز وجل .

    قوله تعالى: ويخرجهم من الظلمات قال ابن عباس : يعني: الكفر (إلى النور) يعني: الإيمان (بإذنه) أي: بأمره (ويهديهم إلى صراط مستقيم) وهو الإسلام . وقال الحسن: طريق الحق .
    لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير

    قوله تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قال ابن عباس : هؤلاء نصارى أهل نجران ، وذلك أنهم اتخذوه إلها قل فمن يملك من الله شيئا أي: فمن يقدر أن يدفع من عذابه شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم أي: فلو كان إلها كما تزعمون لقدر أن يرد أمر الله إذا جاءه بإهلاكه أو إهلاك أمه ، ولما نزل أمر الله بأمه ، لم يقدر أن يدفع عنها . وفي قوله: يخلق ما يشاء رد عليهم حيث قالوا للنبي: فهات مثله من غير أب .

    فإن قيل: فلم قال: ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ولم يقل: وما بينهن؟ فالجواب: أن المعنى: وما بين هذين النوعين من الأشياء ، قاله ابن جرير .
    [ ص: 318 ] وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير

    قوله تعالى: وقالت اليهود والنصارى قال مقاتل: هم يهود المدينة ، ونصارى نجران . وقال السدي: قالوا: إن الله تعالى أوحى إلى إسرائيل: إن ولدك بكري من الولد ، فأدخلهم النار فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم ، وتأكل خطاياهم ، ثم ينادي مناد: أخرجوا كل مختون من بني إسرائيل . وقيل: إنهم لما قالوا: المسيح ابن الله ، كان معنى قولهم: (نحن أبناء الله) أي: منا ابن الله . وفي قوله: (قل فلم يعذبكم بذنوبكم) إبطال لدعواهم ، لأن الأب لا يعذب ولده ، والحبيب لا يعذب حبيبه وهم يقولون: إن الله يعذبنا أربعين يوما بالنار .

    [ ص: 319 ] وقيل: معنى الكلام: فلم عذب منكم من مسخه قردة وخنازير؟ وهم أصحاب السبت والمائدة .

    قوله تعالى: بل أنتم بشر ممن خلق أي: أنتم كسائر بني آدم تجازون بالإحسان والإساءة . قال عطاء: يغفر لمن يشاء ، وهم الموحدون ، ويعذب من يشاء ، وهم المشركون .
    يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير

    قوله تعالى: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا سبب نزولها: أن معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة ، وعقبة بن وهب قالوا: يا معشر اليهود اتقوا الله ، والله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه ، وتصفونه بصفته .

    فقال: وهب بن يهوذا ، ورافع: ما قلنا هذا لكم ، وما أنزل الله بعد موسى من كتاب ، ولا أرسل رسولا بشيرا ولا نذيرا [بعده] ، فنزلت هذه الآية ،
    قاله ابن عباس .

    فأما "الفترة" فأصلها السكون ، يقال: فتر الشيء يفتر فتورا: إذا سكنت حدته ، وانقطع عما كان عليه ، والطرف الفاتر: الذي ليس بحديد . والفتور: الضعف . وفي مدة الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام أربعة أقوال .

    [ ص: 320 ] أحدها: أنه كان بين عيسى ومحمد عليهم السلام ستمائة سنة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال سلمان الفارسي ، ومقاتل .

    والثاني: خمسمائة سنة وستون سنة ، قاله قتادة .

    والثالث: أربع مائة وبضع وثلاثون سنة ، قاله الضحاك .

    والرابع: خمسمائة سنة وأربعون سنة ، قاله ابن السائب . وقال أبو صالح عن ابن عباس: (على فترة من الرسل) أي: انقطاع منهم ، قال: وكان بين ميلاد عيسى ، وميلاد محمد صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وتسعة وتسعون سنة ، وهي فترة . وكان بعد عيسى أربعة من الرسل ، فذلك قوله: إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث [يس: 14] . قال: والرابع لا أدري من هو . وكان بين تلك السنين مائة سنة ، وأربع وثلاثون نبوة وسائرها فترة . قال أبو سليمان الدمشقي: والرابع -والله أعلم- خالد بن سنان الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "نبي ضيعه قومه" .

    [ ص: 321 ] قوله تعالى: أن تقولوا قال الفراء: كي لا تقولوا: [ما جاءنا من بشير] مثل قوله: يبين الله لكم أن تضلوا [النساء: 176] وقال غيره: لئلا تقولوا ، وقيل: كراهة أن تقولوا .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #167
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (167)
    صــ321 إلى صــ 325

    وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين

    قوله تعالى: إذ جعل فيكم أنبياء فيهم قولان .

    أحدهما: أنهم السبعون الذين اختارهم موسى ، وانطلقوا معه إلى الجبل ، جعلهم الله أنبياء بعد موسى ، وهارون ، وهذا قول ابن السائب ، ومقاتل .

    والثاني: أنهم الأنبياء الذين أرسلوا من بني إسرائيل بعد موسى ، ذكره الماوردي . وبماذا جعلهم ملوكا؟ فيه ثمانية أقوال .

    أحدها: بالمن والسلوى والحجر . والثاني: بأن جعل للرجل منهم زوجة وخادما . والثالث: بالزوجة والخادم والبيت ، رويت هذه الثلاثة عن ابن عباس ، وهذا الثالث اختيار الحسن ، ومجاهد . والرابع: بالخادم والبيت ، قاله عكرمة . والخامس: بتمليكهم الخدم ، وكانوا أول من تملك الخدم ، ومن اتخذ [ ص: 322 ] خادما فهو ملك ، قاله قتادة . والسادس: بكونهم أحرارا يملك الإنسان منهم نفسه وأهله وماله ، قاله السدي . والسابع: بالمنازل الواسعة ، فيها المياه الجارية ، قاله الضحاك . والثامن: بأن جعل لهم الملك والسلطان ، ذكره الماوردي .

    قوله تعالى: وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين اختلفوا فيمن خوطب بهذا على قولين .

    أحدهما: أنهم قوم موسى ، وهذا مذهب ابن عباس ، ومجاهد . قال ابن عباس : ويعني بالعالمين: الذين هم بين ظهرانيهم . وفي الذي آتاهم ثلاثة أقوال .

    أحدها: المن والسلوى والحجر والغمام ، رواه مجاهد عن ابن عباس وقال به .

    والثاني: أنه الدار والخادم والزوجة ، رواه عطاء عن ابن عباس . قال ابن جرير: ما أوتي أحد من النعم في زمان قوم موسى ما أوتوا .

    والثالث: كثرة الأنبياء فيهم ، ذكره الماوردي .

    والثاني: أن الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا مذهب سعيد بن جبير ، وأبي مالك .
    يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين [ ص: 323 ] قوله تعالى: يا قوم ادخلوا وقرأ ابن محيصن: يا قوم ، بضم الميم ، وكذلك يا قوم اذكروا نعمة يا قوم اعبدوا [الأعراف: 59] وفي معنى "المقدسة" قولان .

    أحدهما: المطهرة ، قاله ابن عباس ، والزجاج . قال: وقيل: للسطل: القدس ، لأنه يتطهر منه ، وسمي بيت المقدس ، لأنه يتطهر فيه من الذنوب . وقيل: سماها مقدسة ، لأنها طهرت من الشرك ، وجعلت مسكنا للأنبياء والمؤمنين .

    والثاني: أن المقدسة: المباركة ، قاله مجاهد .

    وفي المراد بتلك الأرض أربعة أقوال .

    أحدها: أنها أريحا ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال السدي ، وابن زيد . قال السدي: أريحا: هي أرض بيت المقدس . وروي عن الضحاك أنه قال: المراد بهذه الأرض إيلياء وبيت المقدس ، قال ابن قتيبة: وقرأت في مناجاة موسى أنه قال: اللهم إنك اخترت من الأنعام الضائنة ، ومن الطير الحمامة ، ومن البيوت بكة وإيلياء ، ومن إيلياء بيت المقدس . فهذا يدل على أن إيلياء الأرض التي فيها بيت المقدس . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي أن إيلياء بيت المقدس ، وهو معرب . قال الفرزدق:



    وبيتان بيت الله نحن ولاته وبيت بأعلى إيلياء مشرف


    والقول الثاني: أنها الطور وما حوله ، رواه مجاهد عن ابن عباس وقال به .

    والثالث: أنها دمشق وفلسطين وبعض الأردن ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

    والرابع: أنها الشام كلها ، قاله قتادة [ ص: 324 ] وفي قوله تعالى: التي كتب الله لكم ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه بمعنى: أمركم وفرض عليكم دخولها ، قاله ابن عباس ، والسدي .

    والثاني: أنه بمعنى: وهبها الله لكم ، قاله محمد بن إسحاق . وقال ابن قتيبة: جعلها لكم .

    والثالث: كتب في اللوح المحفوظ أنها مساكنكم .

    فإن قيل: كيف قال: فإنها محرمة عليهم ، وقد كتبها لهم؟ فعنه جوابان .

    أحدهما: أنه إنما جعلها لهم بشرط الطاعة ، فلما عصوا حرمها عليهم .

    والثاني: أنه كتبها لبني إسرائيل ، وإليهم صارت ، ولم يعن موسى أن الله كتبها للذين أمروا بدخولها بأعيانهم . قال ابن جرير: ويجوز أن يكون الكلام خرج مخرج العموم ، وأريد به الخصوص ، فتكون مكتوبة لبعضهم ، وقد دخلها يوشع ، وكالب .

    قوله تعالى: ولا ترتدوا على أدباركم فيه قولان .

    أحدهما: لا ترجعوا عن أمر الله إلى معصيته . والثاني: لا ترجعوا إلى الشرك به .
    قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون

    قوله تعالى: إن فيها قوما جبارين قال الزجاج : الجبار من الآدميين: الذي يجبر الناس على ما يريد ، يقال: جبار: بين الجبرية ، والجبرية بكسر الجيم والباء ، والجبروة والجبورة والتجبار والجبروت .

    وفي معنى وصفه هؤلاء بالجبارين ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهم كانوا ذوي قوة ، قاله ابن عباس . والثاني: أنهم كانوا عظام الخلق والأجسام ، قاله قتادة . والثالث: أنهم كانوا قتالين ، قاله مقاتل .

    [ ص: 325 ] الإشارة إلى القصة

    قال ابن عباس : لما نزل موسى وقومه بمدينة الجبارين ، بعث اثني عشر رجلا ، ليأتوه بخبرهم ، فلقيهم رجل من الجبارين ، فجعلهم في كسائه ، فأتى بهم المدينة ، ونادى في قومه ، فاجتمعوا ، فقالوا لهم: من أين أنتم؟ فقالوا: نحن قوم موسى بعثنا لنأتيه بخبركم ، فأعطوهم حبة من عنب توقر الرجل ، وقالوا لهم: قولوا لموسى وقومه: اقدروا قدر فاكههم ، فلما رجعوا ، قالوا: يا موسى إن فيها قوما جبارين ، وقال السدي: كان الذي لقيهم ، يقال له: عاج ، يعني: عوج بن عناق ، فأخذ الاثني عشر ، فجعلهم في حجرته وعلى رأسه حزمة حطب ، وانطلق بهم إلى امرأته ، فقال: انظري إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا ، فطرحهم بين يديها ، وقال: ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته: لا ، بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا . فلما خرجوا قالوا: يا قوم إن أخبرتم بني إسرائيل بخبر القوم ، ارتدوا عن نبي الله ، فأخذوا الميثاق بينهم على كتمان ذلك ، فنكث عشرة ، وكتم رجلان . وقال مجاهد: لما رأى النقباء الجبارين وجدوهم يدخل في كم أحدهم اثنان منهم ، ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أو أربعة ، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أو أربعة ، فرجع النقباء كلهم ينهى سبطه عن قتالهم ، إلا يوشع ، وابن يوقنا .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #168
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (168)
    صــ326 إلى صــ 330

    قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين

    قوله تعالى: قال رجلان من الذين يخافون في الرجلين ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهما يوشع بن نون . وكالب بن يوقنة ، قاله ابن عباس . وقال مجاهد: ابن يوقنا ، وهما من النقباء .

    والثاني: أنهما كانا من الجبارين فأسلما ، روي عن ابن عباس .

    والثالث: أنهما كانا في مدينة الجبارين ، وهما على دين موسى ، قاله الضحاك . وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو رجاء ، وأيوب: "يخافون" بضم الياء ، على معنى أنهما كانا من العدو ، فخرجا مؤمنين .

    وفي معنى "خوفهم" ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهم خافوا الله وحده . والثاني: خافوا الجبارين ، ولم يمنعهم خوفهم قول الحق . والثالث: يخاف منهم ، على قراءة ابن جبير .

    وفيما أنعم به عليهما أربعة أقوال .

    أحدها: الإسلام ، قاله ابن عباس . والثاني: الصلاح والفضل واليقين ، قاله عطاء . والثالث: الهدى ، قاله الضحاك . والرابع: الخوف ، ذكره ابن جرير ، عن بعض السلف .

    قوله تعالى: ادخلوا عليهم الباب قال ابن عباس : قال الرجلان: ادخلوا عليهم باب القرية ، فإنهم قد ملئوا منا رعبا وفرقا .
    [ ص: 327 ] قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون

    قوله تعالى: فاذهب أنت وربك فقاتلا قال ابن زيد: قالوا له: انظر كما صنع ربك بفرعون وقومه ، فليصنع بهؤلاء . وقال مقاتل: فاذهب أنت وسل ربك النصر . وقال غيرهما: اذهب أنت وليعنك ربك . قال ابن مسعود: لقد شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين ، فقال: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك ، ومن بين يديك ومن خلفك . فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرق لذلك وجهه وسر به . وقال أنس: استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم خرج إلى بدر ، فأشار عليه أبو بكر ، ثم استشارهم ، فأشار عليه عمر فسكت ، فقال رجل من الأنصار: إنما يريدكم ، فقالوا: يا رسول الله! لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن والله لو ضربت أكبادها حتى تبلغ برك الغماد لكنا معك .
    [ ص: 328 ] قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين

    قوله تعالى: لا أملك إلا نفسي وأخي فيه قولان .

    أحدهما: لا أملك إلا نفسي ، وأخي لا يملك إلا نفسه .

    والثاني: لا أملك إلا نفسي وإلا أخي ، أي: وأملك طاعة أخي ، لأن أخاه إذا أطاعه فهو كالملك له ، وهذا على وجه المجاز ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما نفعني [مال] قط ما نفعني مال أبي بكر" فبكى أبو بكر ، و قال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله . يعني: أني متصرف حيث صرفتني ، وأمرك جائز في مالي .

    قوله تعالى: فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال ابن عباس : اقض بيننا وبينهم . وقال أبو عبيدة: باعد ، وافصل ، وميز . وفي المراد بالفاسقين ثلاثة أقوال .

    [ ص: 329 ] أحدها: العاصون ، قاله ابن عباس . والثاني: الكاذبون ، قاله ابن زيد .

    والثالث: الكافرون ، قاله أبو عبيدة ، قال السدي: غضب موسى حين قالوا له: اذهب أنت وربك ، فدعا عليهم ، وكانت عجلة من موسى عجلها .
    قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين

    قوله تعالى: فإنها محرمة عليهم الإشارة إلى الأرض المقدسة . ومعنى تحريمها عليهم: منعهم منها . فأما نصب "الأربعين" فقال الفراء: هو منصوب بالتحريم ، وجائز أن يكون منصوبا بـ "يتيهون" . وقال الزجاج : لا يجوز أن ينتصب بالتحريم ، لأن التفسير جاء أنها محرمة عليهم أبدا . قلت: وقد اختلف المفسرون في ذلك ، فذهب الأكثرون ، منهم عكرمة ، وقتادة ، إلى ما قال الزجاج ، وأنها حرمت عليهم أبدا . قال عكرمة: فإنها محرمة عليهم أبدا يتيهون في الأرض أربعين سنة ، وذهب قوم ، منهم الربيع بن أنس ، إلى أنها حرمت عليهم أربعين سنة ، ثم أمروا بالسير إليها ، وهذا اختيار ابن جرير . قال: إنما نصبت بالتحريم ، والتحريم كان عاما في حق الكل ، ولم يدخلها في هذه المدة منهم أحد ، فلما انقضت ، أذن لمن بقي منهم بالدخول مع ذراريهم . قال أبو عبيدة: ومعنى: يتيهون: يحورون ويضلون .

    [ ص: 330 ] الإشارة إلى قصتهم

    قال ابن عباس : حرم الله على الذين عصوا دخول بيت المقدس ، فلبثوا في تيههم أربعين سنة ، وماتوا في التيه ، ومات موسى وهارون ، ولم يدخل بيت المقدس إلا يوشع وكالب بأبناء القوم ، وناهض يوشع بمن بقي معه مدينة الجبارين فافتتحها . وقال مجاهد: تاهوا أربعين سنة يصبحون حيث أمسوا ، ويمسون حيث أصبحوا ، وقال السدي: لما ضرب الله عليهم التيه ، ندم موسى على دعائه عليهم ، وقالوا له: ما صنعت بنا ، أين الطعام؟ فأنزل الله المن . قالوا: فأين الشراب؟ فأمر موسى أن يضرب بعصاه الحجر . قالوا: فأين الظل؟ فظلل عليهم الغمام . قالوا: فأين اللباس؟ وكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ، ولا يتخرق لهم ثوب ، وقبض موسى ولم يبق أحد ممن أبى دخول قرية الجبارين إلا مات ، ولم يشهد الفتح . وفيه قول آخر أنه لما مضت الأربعون خرج موسى ببني إسرائيل من التيه ، وقال لهم: ( ادخلوا هذه القرية ، فكلوا منها حيث شئتم رغدا ، وادخلوا الباب سجدا ، وقولوا حطة . . . )إلى آخر القصة . وهذا قول الربيع بن أنس ، وعبدالرحمن بن زيد . قال ابن جرير الطبري ، وأبو سليمان الدمشقي: وهذا الصحيح ، وأن موسى هو الذي فتح مدينة الجبارين مع الصالحين من بني إسرائيل ، لأن أهل السيرة أجمعوا على أن موسى هو قاتل عوج ، وكان عوج ملكهم ، وكان بلعم ابن باعوراء فيمن سباه موسى وقتله ، ولم يدخل مع موسى من قدمائهم غير يوشع وكالب ، وإنما حرمت على الذين لم يطيعوا . وفي مسافة أرض التيه قولان .

    أحدهما: تسعة فراسخ ، قاله ابن عباس . قال مقاتل: هذا عرضها ، وطولها ثلاثون فرسخا . والثاني: ستة فراسخ في طول اثني عشر فرسخا ، حكاه مقاتل أيضا .

    [ ص: 331 ] قوله تعالى: فلا تأس على القوم الفاسقين قال الزجاج : لا تحزن على قوم شأنهم المعاصي ، ومخالفة الرسل . وقال ابن قتيبة: يقال أسيت على كذا ، أي: حزنت ، فأنا آسي أسى .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #169
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (169)
    صــ331 إلى صــ 335

    واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين

    قوله تعالى: واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق النبأ: الخبر . وفي ابني آدم قولان .

    أحدهما: أنهما ابناه لصلبه ، وهما قابيل وهابيل ، قاله ابن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .

    والثاني: أنهما أخوان من بني إسرائيل ، ولم يكونا ابني آدم لصلبه ، هذا قول الحسن ، والعلماء على الأول ، وهو أصح ، لقوله: ليريه كيف يواري سوءة أخيه [المائدة: 31] ولو كان من بني إسرائيل ، لكان قد عرف الدفن ، ولأن [ ص: 332 ] النبي صلى الله عليه وسلم قال عنه: "إنه أول من سن القتل" . وقوله تعالى: (بالحق) أي: كما كان . و "القربان": فعلان من القرب ، وقد ذكرناه في (آل عمران) .

    وفي السبب الذي قربا لأجله قولان .

    أحدهما: أن آدم عليه السلام كان قد نهي أن ينكح المرأة أخاها الذي هو توأمها ، وأجيز له أن ينكحها غيره من إخوتها ، وكان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى ، فولدت له ابنة وسيمة ، وأخرى دميمة ، فقال أخو الدميمة لأخي الوسيمة: أنكحني أختك ، وأنكحك أختى ، فقال أخو الوسيمة: أنا أحق بأختي ، وكان أخو الوسيمة صاحب حرث ، وأخو الدميمة صاحب غنم ، فقال: هلم فلنقرب قربانا ، فأينا تقبل قربانه فهو أحق بها ، فجاء صاحب الغنم بكبش أبيض أعين أقرن ، وجاء صاحب الحرث بصبرة من طعام ، فتقبل الكبش ، فخزنه الله في الجنة أربعين خريفا ، فهو الذي ذبحه إبراهيم ، فقتله صاحب الحرث ، [ ص: 333 ] فولد آدم كلهم من ذلك الكافر ، رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .

    والثاني: أنهما قرباه من غير سبب . روى العوفي ، عن ابن عباس: أن ابني آدم كانا قاعدين يوما ، فقالا: لو قربنا قربانا ، فجاء صاحب الغنم بخير غنمه وأسمنها ، وجاء الآخر ببعض زرعه ، فنزلت النار ، فأكلت الشاة ، وتركت الزرع ، فقال لأخيه: أتمشي في الناس وقد علموا أن قربانك تقبل ، وأنك خير مني لأقتلنك . واختلفوا هل قابيل وأخته ولدا قبل هابيل وأخته ، أم بعدهما؟ على قولين ، وهل كان قابيل كافرا أو فاسقا غير كافر؟ فيه قولان .

    وفي سبب قبول قربان هابيل قولان .

    أحدهما: أنه كان أتقى لله من قابيل . والثاني: أنه تقرب بخيار ماله ، و تقرب قابيل بشر ماله . وهل كان قربانهما بأمر آدم ، أم من قبل أنفسهما؟ فيه قولان .

    أحدهما: أنه كان وآدم قد ذهب إلى زيارة البيت . والثاني: أن آدم أمرهما بذلك . وهل قتل هابيل بعد تزويج أخت قابيل ، أم لا؟ فيه قولان .

    أحدهما: أنه قتله قبل ذلك لئلا يصل إليها . والثاني: أنه قتله بعد نكاحها .

    قوله تعالى: قال لأقتلنك وروى زيد عن يعقوب: "لأقتلنك" بسكون النون وتخفيفها . والقائل: هو الذي لم يتقبل منه . قال الفراء: إنما حذف ذكره ، [ ص: 334 ] لأن المعنى يدل عليه ، ومثل ذلك في الكلام أن تقول: إذا رأيت الظالم والمظلوم أعنت ، وإذا اجتمع السفيه والحليم حمد ، وإنما كان ذلك ، لأن المعنى لا يشكل ، فلو قلت: مر بي رجل وامرأة ، فأعنت ، وأنت تريد أحدهما ، لم يجز ، لأنه ليس هناك علامة تدل على مرادك . وفي المراد بالمتقين قولان .

    أحدهما: أنهم الذين يتقون المعاصي ، قاله ابن عباس .

    والثاني: أنهم الذين يتقون الشرك ، قاله الضحاك .
    لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين

    قوله تعالى: ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك فيه قولان .

    أحدهما: ما أنا بمنتصر لنفسي ، قاله ابن عباس . والثاني: ما كنت لأبتدئك ، قاله عكرمة . وفي سبب امتناعه من دفعه عنه قولان .

    أحدهما: أنه منعه التحرج مع قدرته على الدفع وجوازه له ، قاله ابن عمر ، وابن عباس .

    [ ص: 335 ] والثاني: أن دفع الإنسان عن نفسه لم يكن في ذلك الوقت جائزا ، قاله الحسن ، ومجاهد . وقال ابن جرير: ليس في الآية دليل على أن المقتول علم عزم القاتل على قتله ، ثم ترك الدفع عن نفسه ، وقد ذكر أنه قتله غيلة ، فلا يدعى ما ليس في الآية إلا بدليل .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #170
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (170)
    صــ336 إلى صــ 340

    إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين

    قوله تعالى: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فيه قولان .

    أحدهما: إني أريد أن ترجع بإثم قتلي وإثمك الذي في عنقك ، هذا قول ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك .

    والثاني: أن تبوء بإثمي في خطاياي ، وإثمك في قتلك لي ، وهو مروي عن مجاهد أيضا . قال ابن جرير: والصحيح عن مجاهد القول الأول . وقد روى [ ص: 336 ] البخاري ، ومسلم في "صحيحيهما" من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل" فإن قيل: كيف أراد هابيل وهو من المؤمنين أن يبوء قابيل بالإثم وهو معصية ، والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

    أحدها: أنه ما أراد لأخيه الخطيئة ، وإنما أراد: إن قتلتني أردت أن تبوء بالإثم ، وإلى هذا المعنى ذهب الزجاج .

    والثاني: أن في الكلام محذوفا ، تقديره: إني أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك ، فحذف "لا" كقوله: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم [لقمان: 10] أي: أن لا تميد بكم ، ومنه قول امرئ القيس:


    فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي


    أراد: لا أبرح . وهذا مذهب ثعلب .

    [ ص: 337 ] والثالث: أن المعنى: أريد زوال أن تبوء بإثمي وإثمك ، وبطلان أن تبوء بإثمي وإثمك ، فحذف ذلك ، وقامت "أن" مقامه ، كقوله: وأشربوا في قلوبهم العجل [البقرة: 93] أي: حب العجل ، ذكره والذي قبله ابن الأنباري .

    قوله تعالى: وذلك جزاء الظالمين الإشارة إلى مصاحبة النار .
    فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين

    قوله تعالى: فطوعت له نفسه فيه خمسة أقوال .

    أحدها: تابعته على قتل أخيه ، قاله ابن عباس . والثاني: شجعته ، قاله مجاهد . والثالث: زينت له ، قاله قتادة . والرابع: رخصت له ، قاله أبو الحسن الأخفش . والخامس: أن "طوعت" فعلت من "الطوع" والعرب تقول: طاع لهذه الظبية أصول هذا الشجر ، وطاع له كذا ، أي: أتاه طوعا ، حكاه الزجاج عن المبرد . وقال ابن قتيبة: شايعته وانقادت له ، يقال: لساني لا يطوع بكذا ، أي: لا ينقاد . وهذه المعاني تتقارب .

    وفي كيفية قتله ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه رماه بالحجارة حتى قتله ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

    والثاني: ضرب رأسه بصخرة وهو نائم ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، والسدي عن أشياخه .

    والثالث: رضخ رأسه بين حجرين . قال ابن جريج: لم يدر كيف يقتله ، [ ص: 338 ] فتمثل له إبليس ، وأخذ طائرا فوضع رأسه على حجر ، ثم شدخه بحجر آخر ، ففعل به هكذا ، وكان لـ "هابيل" يومئذ عشرون سنة . وفي موضع مصرعه ثلاثة أقوال .

    أحدها: على جبل ثور ، قاله ابن عباس . والثاني: بالبصرة ، قاله جعفر الصادق . والثالث: عند عقبة حراء ، حكاه ابن جرير الطبري .

    وفي قوله: فأصبح من الخاسرين ثلاثة أقوال .

    أحدها: من الخاسرين الدنيا والآخرة ، فخسرانه الدنيا: أنه أسخط والديه ، وبقي بلا أخ ، وخسرانه الآخرة: أنه أسخط ربه ، وصار إلى النار ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه أصبح من الخاسرين الحسنات ، قاله الزجاج .

    والثالث: من الخاسرين أنفسهم بإهلاكهم إياها ، قاله القاضي أبو يعلى .
    فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين

    قوله تعالى: فبعث الله غرابا يبحث قال ابن عباس : حمله على عاتقه ، فكان إذا مشى تخط يداه ورجلاه في الأرض ، وإذا قعد وضعه إلى جنبه حتى رأى غرابين اقتتلا ، فقتل أحدهم الآخر ، ثم بحث له الأرض حتى واراه بعد أن حمله سنين . وقال مجاهد: حمله على عاتقه مائة سنة . وقال عطية: حمله حتى أروح . وقال مقاتل: حمله ثلاثة أيام . وفي المراد بسوأة أخيه قولان .

    أحدهما: عورة أخيه . والثاني: جيفة أخيه .

    [ ص: 339 ] قوله تعالى: فأصبح من النادمين فإن قيل: أليس الندم توبة ، فلم لم يقبل منه؟ فعنه أربعة أجوبة .

    أحدها: أنه يجوز أن لا يكون الندم توبة لمن تقدمنا ، ويكون توبة لهذه الأمة ، لأنها خصت بخصائص لم تشارك فيها ، قاله الحسن بن الفضل .

    والثاني: أنه ندم على حمله لا على قتله . والثالث: أنه ندم إذ لم يواره حين قتله . والرابع: أنه ندم على فوات أخيه ، لا على ركوب الذنب . وفي هذه القصة تحذير من الحسد ، لأنه الذي أهلك قابيل .

    من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون

    قوله تعالى: من أجل ذلك قال الضحاك: من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلما . وقال أبو عبيدة: من جناية ذلك ، ومن جري ذلك . قال الشاعر:

    [ ص: 340 ]
    وأهل خباء صالح ذات بينهم قد احتربوا في عاجل أنا آجله


    أي: جانيه وجار ذلك عليهم . وقال قوم: الكلام متعلق بما قبله ، والمعنى: فأصبح من النادمين من أجل ذلك . فعلى هذا يحسن الوقف هاهنا ، وعلى الأول لا يحسن الوقف . والأول أصح . و "كتبنا" بمعنى: فرضنا . ومعنى (قتل نفسا بغير نفس) أي: قتلها ظلما ولم تقتل نفسا . (أو فساد في الأرض) "فساد" منسوق على "نفس" ، المعنى: أو بغير فساد تستحق به القتل . وقيل: أراد: بالفساد هاهنا: الشرك . وفي معنى قوله: (فكأنما قتل الناس جميعا) خمسة أقوال .

    أحدها: أن عليه إثم من قتل الناس جميعا ، قاله الحسن ، والزجاج .

    والثاني: أنه يصلى النار بقتل المسلم ، كما لو قتل الناس جميعا ، قاله مجاهد ، وعطاء . وقال ابن قتيبة: يعذب كما يعذب قاتل الناس جميعا .

    والثالث: أنه يجب عليه من القصاص مثل ما لو قتل الناس جميعا ، قاله ابن زيد .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #171
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (171)
    صــ341 إلى صــ 345


    والرابع: أن معنى الكلام: ينبغي لجميع الناس أن يعينوا ولي المقتول حتى يقيدوه منه ، كما لو قتل أولياءهم جميعا ، ذكره القاضي أبو يعلى . [ ص: 341 ] والخامس: أن المعنى: من قتل نبيا أو إماما عادلا ، فكأنما قتل الناس جميعا ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والقول بالعموم أصح . فإن قيل: إذا كان إثم قاتل الواحد كإثم من قتل الناس جميعا ، دل هذا على أنه لا إثم عليه في قتل من يقتله بعد قتل الواحد إلى أن يفنى الناس؟ فالجواب: أن المقدار الذي يستحقه قاتل الناس جميعا ، معلوم عند الله محدود ، فالذي يقتل الواحد يلزمه ذلك الإثم المعلوم ، والذي يقتل الاثنين يلزمه مثلاه ، وكلما زاد قتلا زاده الله إثما ، ومثل هذا قوله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام: 160] فالحسنة معلوم عند الله مقدار ثوابها ، فعاملها يعطى بمثل ذلك عشر مرات . وهذا الجواب عن سؤال سائل إن قال: إذا كان من أحيا نفسا فله ثواب من أحيا الناس ، فما ثواب من أحيا الناس كلهم؟ هذا كله منقول عن المفسرين . والذي أراه أن التشبيه بالشيء تقريب منه ، لأنه لا يجوز أن يكون إثم قاتل شخصين كإثم قاتل شخص ، وإنما وقع التشبيه بـ"كأنما" ، لأن جميع الخلائق من شخص واحد ، فالمقتول يتصور منه نشر عدد الخلق كلهم .

    [ ص: 342 ] وفي قوله: (ومن أحياها) خمسة أقوال .

    أحدها: استنقذها من هلكة ، روي عن ابن مسعود ، ومجاهد . قال الحسن: من أحياها من غرق أو حرق أو هلاك . وفي رواية عكرمة عن ابن عباس: من شد عضد نبي أو إمام عادل ، فكأنما أحيا الناس جميعا .

    والثاني: ترك قتل النفس المحرمة ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية .

    والثالث: أن يعفو أولياء المقتول عن القصاص ، قاله الحسن ، وابن زيد ، وابن قتيبة .

    والرابع: أن يزجر عن قتلها وينهى .

    والخامس: أن يعين الولي على استيفاء القصاص ، لأن في القصاص حياة ، ذكرهما القاضي أبو يعلى . وفي قوله (فكأنما أحيا الناس) جميعا قولان .

    أحدهما: فله أجر من أحيا الناس جميعا ، قاله الحسن ، وابن قتيبة .

    والثاني: فعلى جميع الناس شكره ، كما لو أحياهم ، ذكره الماوردي .

    قوله تعالى: ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات يعني: بني إسرائيل الذين جرى ذكرهم .
    إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم [ ص: 343 ] من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم

    قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله في سبب نزولها: أربعة أقوال .

    أحدها: أنها نزلت في ناس من عرينة قدموا المدينة ، فاجتووها ، فبعثهم رسول الله في إبل الصدقة ، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا ، فصحوا ، وارتدوا عن الإسلام ، وقتلوا الراعي ، واستاقوا الإبل ، فأرسل رسول الله في آثارهم ، فجيء بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وسمر أعينهم ، وألقاهم بالحرة حتى ماتوا ، ونزلت هذه الآية ، رواه قتادة عن أنس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والسدي .

    والثاني: أن قوما من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق ، فنقضوا العهد ، وأفسدوا في الأرض . فخير الله رسوله بهذه الآية: إن شاء أن يقتلهم ، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف . رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .

    [ ص: 344 ] والثالث: أن أصحاب أبي بردة الأسلمي قطعوا الطريق على قوم جاؤوا يريدون الإسلام فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال ابن السائب: كان أبو بردة ، واسمه هلال بن عويمر ، وادع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن أتاه من المسلمين لم يهج ، ومن مر بهلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهج ، فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من قوم هلال ، فنهدوا إليهم ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم ، ولم يكن هلال حاضرا ، فنزلت هذه الآية .

    والرابع: أنها نزلت في المشركين ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن . واعلم أن ذكر "المحاربة" لله عز وجل في الآية مجاز .

    [ ص: 345 ] وفي معناها للعلماء قولان .

    أحدهما: أنه سماهم محاربين له تشبيها بالمحاربين حقيقة ، لأن المخالف محارب ، وإن لم يحارب ، فيكون المعنى: يخالفون الله ورسوله بالمعاصي .

    والثاني: أن المراد: يحاربون أولياء الله ، وأولياء رسوله . وقال سعيد بن جبير: أراد بالمحاربة لله ورسوله ، الكفر بعد الإسلام . وقال مقاتل: أراد بها الشرك . فأما "الفساد" فهو القتل والجراح وأخذ الأموال ، وإخافة السبيل .

    قوله تعالى: أن يقتلوا أو يصلبوا اختلف العلماء هل هذه العقوبة على الترتيب ، أم على التخيير؟ فمذهب أحمد رضي الله عنه أنها على الترتيب ، وأنهم إذا قتلوا ، وأخذوا المال ، أو قتلوا ولم يأخذوا ، قتلوا وصلبوا ، وإن أخذوا المال ، ولم يقتلوا ، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإن لم يأخذوا المال ، نفوا . قال ابن الأنباري: فعلى هذا تكون "أو" مبعضة ، فالمعنى: بعضهم يفعل به كذا ، وبعضهم كذا ، ومثله قوله: كونوا هودا أو نصارى [البقرة: 135]

    المعنى قال بعضهم هذا ، وقال بعضهم هذا . وهذا القول اختيار أكثر اللغويين .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #172
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (172)
    صــ346 إلى صــ 350

    وقال الشافعي: إذا قتلوا وأخذوا المال ، قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال ، قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا ، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف . وقال مالك: الإمام مخير في إقامة أي الحدود شاء ، سواء قتلوا أو لم يقتلوا ، أخذوا المال أو لم يأخذوا ، والصلب بعد القتل . وقال أبو حنيفة ، [ ص: 346 ] ومالك: يصلب ويبعج برمح حتى يموت . واختلفوا في مقدار زمان الصلب ، فعندنا أنه يصلب بمقدار ما يشتهر صلبه . واختلف أصحاب الشافعي ، فقال بعضهم: ثلاثة أيام ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وقال بعضهم: يترك حتى يسيل صديده . قال أبو عبيدة: ومعنى "من خلاف" أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، يخالف بين قطعهما . فأما "النفي" فأصله الطرد والإبعاد .

    وفي صفة نفيهم أربعة أقوال .

    أحدها: إبعادهم من بلاد الإسلام إلى دار الحرب ، قاله أنس بن مالك ، والحسن ، وقتادة ، وهذا إنما يكون في حق المحارب المشرك ، فأما المسلم فلا ينبغي أن يضطر إلى ذلك .

    والثاني: أن يطلبوا لتقام عليهم الحدود ، فيبعدوا ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

    والثالث: إخراجهم من مدينتهم إلى مدينة أخرى ، قاله سعيد بن جبير .

    وقال مالك: ينفى إلى بلد غير بلده ، فيحبس هناك .

    والرابع: أنه الحبس ، قاله أبو حنيفة وأصحابه . وقال أصحابنا: صفة النفي: أن يشرد ولا يترك يأوي في بلد ، فكلما حصل في بلد نفي إلى بلد غيره .

    وفي "الخزي" قولان .

    أحدهما: أنه العقاب . والثاني: الفضيحة .

    وهل يثبت لهم حكم المحاربين في المصر ، أم لا؟ ظاهر كلام أصحابنا أنه لا يثبت لهم ذلك في المصر وهو قول أبي حنيفة . وقال الشافعي ، [ ص: 347 ] وأبو يوسف: المصر والصحاري سواء ، ويعتبر في المال المأخوذ قدر نصاب ، كما يعتبر في حق السارق ، خلافا لمالك .
    إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم

    قوله تعالى: إلا الذين تابوا قال أكثر المفسرين: هذا الاستثناء في المحاربين المشركين إذا تابوا من شركهم وحربهم وفسادهم ، وآمنوا قبل القدرة عليهم ، فلا سبيل عليهم فيما أصابوا من مال أو دم ، وهذا لا خلاف فيه . فأما المحاربون المسلمون ، فاختلفوا فيهم ، ومذهب أصحابنا: أن حدود الله تسقط عنهم من انحتام القتل والصلب والقطع والنفي . فأما حقوق الآدميين من الجراح والأموال ، فلا تسقطها التوبة ، وهذا قول الشافعي .

    يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم

    قوله تعالى: وابتغوا إليه الوسيلة في الوسيلة قولان . [ ص: 348 ] أحدهما: أنها القربة ، قاله ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، والفراء . وقال قتادة: تقربوا إليه بما يرضيه . قال أبو عبيدة: يقال: توسلت إليه ، أي: تقربت إليه . وأنشد:


    إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل


    والثاني: المحبة ، يقول: تحببوا إلى الله ، هذا قول ابن زيد .
    والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم

    قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما قال ابن السائب: نزلت في طعمة بن أبيرق ، وقد مضت قصته في سورة (النساء) . و "السارق": إنما سمي سارقا ، لأنه يأخذ الشيء في خفاء ، واسترق السمع: إذا تسمع مستخفيا . قال المبرد: والسارق هاهنا: مرفوع بالابتداء ، لأنه ليس القصد منه واحدا بعينه ، وإنما هو ، [ ص: 349 ] كقولك: من سرق فاقطع يده . وقال ابن الأنباري: وإنما دخلت الفاء ، لأن في الكلام معنى الشرط ، تقديره: من سرق فاقطعوا يده . قال الفراء: وإنما قال: (فاقطعوا أيديهما) لأن كل شيء موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا ، جمع ، تقول: قد هشمت رؤوسهما ، وملأت [ظهورهما] وبطونهما [ضربا] ومثله فقد صغت قلوبكما [التحريم: 4] وإنما اختير الجمع على التثنية ، لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين اثنين في الإنسان: اليدين ، والرجلين ، والعينين ، فلما جرى أكثره على هذا ، ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية ، وقد يجوز تثنيتهما . قال أبو ذؤيب:


    فتخالسا نفسيهما بنوافذ كنوافذ العبط التي لا ترقع


    [ ص: 350 ] فصل

    وهذه الآية اقتضت وجوب القطع على كل سارق ، وبينت السنة أن المراد به السارق لنصاب من حرز مثله ، كما قال تعالى: فاقتلوا المشركين [التوبة: 5] ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء ، والصبيان ، وأهل الصوامع . واختلف في مقدار النصاب ، فمذهب أصحابنا: أن للسرقة نصابين: أحدهما: من الذهب ربع دينار ، ومن الورق ثلاثة دراهم ، أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #173
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (173)
    صــ351 إلى صــ 355


    [ ص: 351 ] وهو قول مالك . وقال أبو حنيفة: لا يقطع حتى تبلغ السرقة عشرة دراهم . وقال الشافعي: الاعتبار في ذلك بربع دينار ، وغيره مقوم به ، فلو سرق درهمين قيمتهما ربع دينار ، قطع ، فإن سرق نصابا من التبر ، فعليه القطع . وقال أبو حنيفة: لا يقطع حتى يبلغ ذلك نصابا مضروبا ، فإن سرق منديلا لا يساوي نصابا ، في طرفه دينار ، وهو لا يعلم ، لا يقطع . وقال الشافعي: يقطع . فإن سرق ستارة الكعبة ، قطع ، خلافا لأبي حنيفة . فإن سرق صبيا صغيرا حرا ، لم يقطع ، وإن كان على الصغير حلي . وقال مالك: يقطع بكل حال . وإذا اشترك جماعة في سرقة نصاب ، قطعوا ، وبه قال مالك ، إلا أنه اشترط أن يكون المسروق ثقيلا يحتاج إلى معاونة بعضهم لبعض في إخراجه . وقال أبو حنيفة ، والشافعي: لا قطع [ ص: 352 ] عليه بحال ويجب القطع على جاحد العارية عندنا ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والليث بن سعد ، خلافا لأكثر الفقهاء .

    [ ص: 353 ] فصل

    فأما الحرز ، فهو ما جعل للسكنى ، وحفظ الأموال ، كالدور والمضارب والخيم التي يسكنها الناس ، ويحفظون أمتعتهم بها ، فكل ذلك حرز ، وإن لم يكن فيه حافظ ولا عنده ، وسواء سرق من ذلك وهو مفتوح الباب ، أو لا باب له إلا أنه محجر بالبناء . فأما ما كان في غير بناء ولا خيمة ، فإنه ليس في حرز إلا أن يكون عنده من يحفظه . ونقل الميموني عن أحمد: إذا كان المكان مشتركا في الدخول إليه ، كالحمام والخيمة لم يقطع السارق منه ، ولم يعتبر الحافظ . ونقل عنه ابن منصور: لا يقطع سارق الحمام إلا أن يكون على المتاع أجير حافظ . فأما النباش ، فقال أحمد في رواية أبي طالب: يقطع ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وابن أبي ليلى . وقال الثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة: لا يقطع .

    [ ص: 354 ] فصل

    فأما موضع قطع السارق ، فمن مفصل الكف ، ومن مفصل الرجل . فأما اليد اليسرى والرجل اليمنى ، فروي عن أحمد: لا تقطع ، وهو قول أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وأبي حنيفة ، وروي عنه: أنها تقطع ، وبه قال مالك ، والشافعي . ولا يثبت القطع إلا بإقراره مرتين ، وبه قال ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو يوسف . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي: يثبت بمرة . ويجتمع القطع والغرم موسرا كان أو معسرا . وقال أبو حنيفة: لا يجتمعان ، فإن كانت العين باقية أخذها ربها ، وإن كانت مستهلكة ، فلا ضمان . وقال مالك: يضمنها إن كان موسرا ، ولا شيء عليه إن كان معسرا .

    قوله تعالى: نكالا من الله قد ذكرنا "النكال" في (البقرة)

    قوله تعالى: والله عزيز حكيم قال سعيد بن جبير: شديد في انتقامه ، حكيم إذ حكم بالقطع . قال الأصمعي: قرأت هذه الآية ، وإلى جنبي أعرابي ، فقلت: والله غفور رحيم ، سهوا ، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله . قال: أعد فأعدت: والله غفور رحيم ، فقال: ليس هذا كلام الله ، فتنبهت ، فقلت: والله عزيز حكيم . فقال: أصبت ، هذا كلام الله . فقلت له: أتقرأ القرآن؟ قال: لا . قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال: يا هذا عز فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لما قطع .
    [ ص: 355 ] فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير

    قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه سبب نزولها: أن امرأة كانت قد سرقت ، فقالت: يا رسول الله هل لي من توبة؟ فنزلت هذه الآية . قاله عبد الله ابن عمرو . وقال سعيد بن جبير: فمن تاب من بعد ظلمه ، أي: سرقته ، وأصلح العمل ، فإن الله يتجاوز عنه ، إن الله غفور لما كان منه قبل التوبة ، رحيم لمن تاب .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #174
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (174)
    صــ356 إلى صــ 360


    يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن [ ص: 356 ] الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم

    قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال . أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بيهودي وقد حمموه وجلدوه ، فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم ، فدعا رجلا من علمائهم ، فقال: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا نترك الشريف ، ونقيمه على الوضيع ، فقلنا: تعالوا نجمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم والجلد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" فأمر به فرجم ، ونزلت هذه الآية ، رواه البراء بن عازب .

    [ ص: 357 ] والثاني: أنها نزلت في ابن صوريا آمن ثم كفر ، وهذا المعنى مروي عن أبي هريرة .

    والثالث: أنها نزلت في يهودي قتل يهوديا ، ثم قال: سلوا محمدا فإن كان بعث بالدية ، اختصمنا إليه ، وإن كان بعث بالقتل ، لم نأته ، قاله الشعبي .

    والرابع: أنها نزلت في المنافقين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

    والخامس: أن رجلا من الأنصار أشارت إليه قريظة يوم حصارهم على ماذا ننزل؟ فأشار إليهم: أنه الذبح ، قاله السدي . قال مقاتل: هو أبو لبابة بن عبد المنذر ، قالت له قريظة: أتنزل على حكم سعد ، فأشار بيده: أنه الذبح ، وكان حليفا لهم . قال أبو لبابة: فعلمت أني قد خنت الله ورسوله ، فنزلت هذه الآية . ومعنى الكلام: لا يحزنك مسارعة الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم وهم المنافقون ، ومن الذين هادوا وهم اليهود .

    (سماعون للكذب) قال سيبويه: هو مرفوع بالابتداء . قال أبو الحسن الأخفش: ويجوز أن يكون رفعه على معنى: ومن الذين هادوا سماعون للكذب . وفي معناه: أربعة أقوال .

    أحدها: سماعون منك ليكذبوا عليك . والثاني: سماعون للكذب ، أي: قائلون له . والثالث: سماعون للكذب الذي بدلوه في توراتهم . والرابع: سماعون للكذب ، أي: قابلون له ، ومنه: "سمع الله لمن حمده" أي: قبل .

    [ ص: 358 ] وفي قوله (سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) قولان .

    أحدهما: يسمعون لأولئك ، فهم عيون لهم .

    والثاني: سماعون من قوم آخرين ، وهم رؤساؤهم المبدلون التوراة .

    وفي السماعين للكذب ، وللقوم الآخرين قولان .

    أحدهما: أن "السماعين للكذب" يهود المدينة ، والقوم الآخرون [الذين لم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم] يهود فدك . والثاني: بالعكس من هذا .

    وفي تحريفهم الكلم خمسة أقوال .

    أحدها: أنه تغيير حدود الله في التوراة ، وذلك أنهم غيروا الرجم ، قاله ابن عباس ، والجمهور .

    والثاني: تغيير ما يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب عليه ، قاله الحسن .

    والثالث: إخفاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم . والرابع: إسقاط القود بعد استحقاقه .

    والخامس: سوء التأويل ، وقال ابن جرير: المعنى يحرفون حكم الكلم ، فحذف ذكر الحكم لمعرفة السامعين بذلك .

    قوله تعالى: من بعد مواضعه قال الزجاج : أي: من بعد أن وضعه الله مواضعه ، فأحل حلاله ، وحرم حرامه .

    قوله تعالى: يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه في القائلين لهذا قولان .

    أحدهما: أنهم اليهود ، وذلك أن رجلا وامرأة من أشرافهم زنيا ، فكان حدهما الرجم ، فكرهت اليهود رجمهما ، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن قضائه في الزانيين إذا أحصنا ، وقالوا: إن أفتاكم بالجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فلا تعملوا به ، هذا قول الجمهور . [ ص: 359 ] والثاني: أنهم المنافقون . قال قتادة: وذلك أن بني النضير كانوا لا يعطون قريظة القود إذا قتلوا منهم ، وإنما يعطونهم الدية ، فإذا قتلت قريظة من النضير لم يرضوا إلا بالقود تعززا عليهم ، فقتل بنو النضير رجلا من قريظة عمدا ، فأرادوا رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل من المنافقين: إن قتيلكم قتيل عمد ، ومتى ترفعوا ذلك إلى محمد خشيت عليكم القود ، فإن قبلت منكم الدية فأعطوا ، وإلا فكونوا منه على حذر . وفي معنى "فاحذروا" ثلاثة أقوال .

    أحدها: فاحذروا أن تعملوا بقوله الشديد . والثاني: فاحذروا أن تطلعوه على ما في التوراة فيأخذكم بالعمل به . والثالث: فاحذروا أن تسألوه بعدها .

    قوله تعالى: ومن يرد الله فتنته في "الفتنة" ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنها بمعنى: الضلالة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثاني: العذاب ، قاله الحسن ، وقتادة . والثالث: الفضيحة ، ذكره الزجاج .

    قوله تعالى: فلن تملك له من الله شيئا أي: لا تغني عنه ، ولا تقدر على استنقاذه . وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم من حزنه على مسارعتهم في الكفر .

    قوله تعالى: لم يرد الله أن يطهر قلوبهم قال السدي: يعني المنافقين واليهود ، لم يرد أن يطهر قلوبهم من دنس الكفر ، ووسخ الشرك بطهارة الإيمان والإسلام .

    قوله تعالى: لهم في الدنيا خزي أما خزي المنافقين ، فبهتك سترهم وإطلاع النبي على كفرهم ، وخزي اليهود بفضيحتهم في إظهار كذبهم إذ كتموا الرجم ، وبأخذ الجزية منهم . قال مقاتل: وخزي قريظة بقتلهم وسبيهم ، وخزي النضير بإجلائهم .
    [ ص: 360 ] سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين

    قوله تعالى: سماعون للكذب قال الحسن يعني حكام اليهود يسمعون الكذب ممن يكذب عندهم في دعواه ، ويأتيهم برشوة فيأخذونها . وقال أبو سليمان: هم اليهود يسمعون الكذب ، وهو قول بعضهم لبعض: محمد كاذب ، وليس بنبي ، وليس في التوراة رجم ، وهم يعلمون كذبهم .

    قوله تعالى: أكالون للسحت قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي ، وأبو جعفر: "السحت" مضمومة الحاء مثقلة . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة: "السحت" ساكنة الحاء خفيفة . وروى خارجة بن مصعب ، عن نافع: أكالون للسحت بفتح السين وجزم الحاء . قال أبو علي: السحت والسحت لغتان . وهما اسمان للشيء المسحوت ، وليسا بالمصدر ، فأما من فتح السين ، فهو مصدر سحت ، فأوقع اسم المصدر على المسحوت ، كما أوقع الضرب على المضروب في قولهم: هذا الدرهم ضرب الأمير . وفي المراد بالسحت ثلاثة أقوال .

    أحدها: الرشوة في الحكم . والثاني: الرشوة في الدين ، والقولان عن ابن مسعود . والثالث: أنه كل كسب لا يحل ، قاله الأخفش .

    قوله تعالى: فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم فيمن أريد بهذا الكلام قولان .

    أحدهما: اليهوديان اللذان زنيا ، قاله الحسن ، ومجاهد ، والسدي .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #175
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (175)
    صــ361 إلى صــ 365


    والثاني: رجلان من قريظة والنضير قتل أحدهما الآخر ، قاله قتادة . وقال [ ص: 361 ] ابن زيد: كان حيي بن أخطب قد جعل للنضيري ديتين ، والقرظي دية ، لأنه كان من النضير ، فقالت قريظة: لا نرضى بحكم حيي ، ونتحاكم إلى محمد ، فقال الله تعالى: لنبيه فإن جاؤوك فاحكم بينهم الآية .

    فصل

    اختلف علماء التفسير في هذه الآية على قولين .

    أحدهما: أنها منسوخة ، وذلك أن أهل الكتاب كانوا إذا ترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيرا ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم ، ثم نسخ ذلك بقوله: وأن احكم بينهم بما أنزل الله فلزمه الحكم ، وزال التخيير ، وهذا مروي عن ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي .

    والثاني: أنها محكمة ، وأن الإمام ونوابه في الحكم مخيرون إذا ترافعوا إليهم ، إن شاؤوا حكموا بينهم ، وإن شاؤوا أعرضوا عنهم ، وهذا مروي عن الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وبه قال أحمد بن حنبل ، وهو الصحيح ، لأنه [ ص: 362 ] لا تنافي بين الآيتين ، لأن إحداهما: خيرت بين الحكم وتركه . والثانية: بينت كيفية الحكم إذا كان .
    وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين

    قوله تعالى: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة قال المفسرون: هذا تعجيب من الله عز وجل لنبيه من تحكيم اليهود إياه بعد علمهم بما في التوراة من حكم ما تحاكموا إليه فيه ، وتقريع لليهود إذ يتحاكمون إلى من يجحدون نبوته ، ويتركون حكم التوراة التي يعتقدون صحتها .

    قوله تعالى: فيها حكم الله فيه قولان .

    أحدهما: حكم الله بالرجم ، وفيه تحاكموا ، قاله الحسن .

    والثاني: حكمه بالقود ، وفيه تحاكموا ، قاله قتادة .

    قوله تعالى: ثم يتولون من بعد ذلك فيه قولان .

    أحدهما: من بعد حكم الله في التوراة . والثاني: من بعد تحكيمك .

    قوله تعالى: وما أولئك بالمؤمنين قولان .

    أحدهما: ليسوا بمؤمنين لتحريفهم التوراة . والثاني: ليسوا بمؤمنين أن حكمك من عند الله لجحدهم نبوتك .
    [ ص: 363 ] إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون

    قوله تعالى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور قال المفسرون: سبب نزول هذه الآية: استفتاء اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الزانيين ، وقد سبق . و "الهدى": البيان . فالتوراة مبينة صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومبينة ما تحاكموا فيه إليه . و "النور": الضياء الكاشف للشبهات ، والموضح للمشكلات .

    وفي النبيين الذين أسلموا ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهم الأنبياء من لدن موسى إلى عيسى ، قاله الأكثرون .

    فعلى هذا القول في معنى "أسلموا" أربعة أقوال .

    أحدها: سلموا لحكم الله ، ورضوا بقضائه . والثاني: انقادوا لحكم الله ، فلم يكتموه كما كتم هؤلاء . والثالث: أسلموا أنفسهم إلى الله عز وجل . والرابع: أسلموا لما في التوراة ودانوا بها ، لأنه قد كان فيهم من لم يعمل بكل ما فيها كعيسى عليه السلام . قال ابن الأنباري: وفي "المسلم" قولان .

    أحدهما: أنه سمي بذلك لاستسلامه وانقياده لربه . والثاني: لإخلاصه لربه ، من قوله: ورجلا سلما لرجل [الزمر: 29] أي: خالصا له .

    [ ص: 364 ] والثاني: أن المراد بالنبيين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن ، والسدي . وذلك حين حكم على اليهود بالرجم ، وذكره بلفظ الجمع كقوله: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله [النساء: 54]

    وفي الذي حكم به منها قولان . أحدهما: الرجم والقود . والثاني: الحكم بسائرها ما لم يرد في شرعه ما يخالف . والثالث: النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ، قاله عكرمة .

    قوله تعالى: للذين هادوا قال ابن عباس : تابوا من الكفر . قال الحسن: هم اليهود . قال الزجاج : ويجوز أن يكون في الآية تقديم وتأخير على معنى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا . فأما "الربانيون" فقد سبق ذكرهم في (آل عمران) . وأما "الأحبار" فهم العلماء واحدهم حبر وحبر ، والجمع أحبار وحبور . وقال الفراء: أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد الأحبار: حبر بكسر الحاء . وفي اشتقاق هذا الاسم ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه من الحبار وهو الأثر الحسن ، قاله الخليل . والثاني: أنه من الحبر الذي يكتب به ، قاله الكسائي . والثالث: أنه من الحبر الذي هو الجمال والبهاء . وفي الحديث "يخرج رجل من النار قد ذهب حبره وسبره" أي: جماله وبهاؤه . فالعالم بهي بجمال العلم ، وهذا قول قطرب .

    وهل بين الربانيين والأحبار فرق أم لا؟ فيه قولان .

    أحدهما: لا فرق ، والكل علماء ، هذا قول الأكثرين ، منهم ابن قتيبة ، والزجاج . وقد روي عن مجاهد أنه قال: الربانيون: الفقهاء العلماء ، وهم فوق الأحبار . وقال السدي: الربانيون العلماء ، والأحبار القراء . وقال ابن زيد: [ ص: 365 ] "الربانيون": الولاة ، و "الأحبار": العلماء ، وقيل: الربانيون: علماء النصارى ، والأحبار: علماء اليهود .

    قوله تعالى: بما استحفظوا من كتاب الله قال ابن عباس : بما استودعوا من كتاب الله وهو التوراة . وفي معنى الكلام قولان .

    أحدهما: يحكمون بحكم ما استحفظوا . والثاني: العلماء بما استحفظوا . قال ابن جرير: "الباء" في قوله: (بما استحفظوا) من صلة الأحبار .

    وفي قوله: (وكانوا عليه شهداء) قولان .

    أحدهما: وكانوا على ما في التوراة من الرجم شهداء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

    والثاني: وكانوا شهداء لمحمد عليه السلام بما قاله أنه حق . رواه العوفي عن ابن عباس .

    قوله تعالى: فلا تخشوا الناس واخشون قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، وابن عامر ، والكسائي: "واخشون" بغير ياء في الوصل والوقف . وقرأ أبو عمرو: بياء في الوصل وبغير ياء في الوقف ، وكلاهما حسن . وقد أشرنا إلى هذا في (آل عمران) ثم في المخاطبين بهذا قولان .

    أحدهما: أنهم رؤساء اليهود ، قيل لهم: فلا تخشوا الناس في إظهار صفة محمد ، والعمل بالرجم ، واخشوني في كتمان ذلك ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس . قال مقاتل: الخطاب ليهود المدينة ، قيل لهم: لا تخشوا يهود خيبر أن تخبروهم بالرجم ، ونعت محمد ، واخشوني في كتمانه .

    والثاني: أنهم المسلمون ، قيل لهم: لا تخشوا الناس ، كما خشيت اليهود الناس ، فلم يقولوا الحق ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #176
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (176)
    صــ366 إلى صــ 370


    [ ص: 366 ] قوله تعالى: ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا في المراد بالآيات قولان .

    أحدهما: أنها صفة محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن .

    والثاني: الأحكام والفرائض . والثمن القليل مذكور في (البقرة) .

    فأما قوله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقوله تعالى بعدها: فأولئك هم الظالمون فأولئك هم الفاسقون . فاختلف العلماء فيمن نزلت على خمسة أقوال .

    أحدها: أنها نزلت في اليهود خاصة ، رواه عبيد بن عبد الله عن ابن عباس ، وبه قال قتادة . والثاني: أنها نزلت في المسلمين ، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا المعنى . والثالث: أنها عامة في اليهود ، وفي هذه الأمة ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، والنخعي ، والسدي . والرابع: أنها نزلت في اليهود والنصارى ، قاله أبو مجلز . والخامس: أن الأولى في المسلمين ، والثانية في اليهود ، والثالثة في النصارى ، قاله الشعبي .

    وفي المراد بالكفر المذكور في الآية الأولى قولان .

    أحدهما: أنه الكفر بالله تعالى . والثاني: أنه الكفر بذلك الحكم ، وليس بكفر ينقل عن الملة .

    وفصل الخطاب: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا له ، وهو يعلم أن الله أنزله ، كما فعلت اليهود ، فهو كافر ، ومن لم يحكم به ميلا إلى الهوى من غير جحود ، فهو ظالم وفاسق . وقد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: [ ص: 367 ] من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم به فهو فاسق وظالم .
    وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون

    قوله تعالى: وكتبنا أي: فرضنا (عليهم) أي: على اليهود (فيها) أي: في التوراة . قال ابن عباس : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، فما بالهم يخالفون ، فيقتلون النفسين بالنفس ، ويفقؤون العينين بالعين؟ وكان على بني إسرائيل القصاص أو العفو ، وليس بينهم دية في نفس ولا جرح ، فخفف الله عن أمة محمد بالدية .

    قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر: النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، ينصبون ذلك كله ويرفعون "والجروح" وكان نافع ، وعاصم ، وحمزة ينصبون ذلك كله ، وكان الكسائي يقرأ: "أن النفس بالنفس" نصبا ، ويرفع ما بعد ذلك . قال أبو علي: وحجته [ ص: 368 ] أن الواو لعطف الجمل ، لا للاشتراك في العامل ، ويجوز أن يكون حمل الكلام على المعنى ، لأن معنى: وكتبنا عليهم: قلنا لهم: النفس بالنفس ، فحمل العين على هذا ، وهذه حجة من رفع الجروح . ويجوز أن يكون مستأنفا ، لا أنه مما كتب على القوم ، وإنما هو ابتداء إيجاب . قال القاضي أبو يعلى: وقوله: العين بالعين ، ليس المراد قلع العين بالعين ، لتعذر استيفاء المماثلة ، لأنا لا نقف على الحد الذي يجب قلعه ، وإنما يجب فيما ذهب ضوؤها وهي قائمة ، وصفة ذلك أن تشد عين القالع ، وتحمى مرآة ، فتقدم من العين التي فيها القصاص حتى يذهب ضوؤها . وأما الأنف فإذا قطع المارن ، وهو مالان منه ، وتركت قصبته ، ففيه القصاص ، وأما إذا قطع من أصله ، فلا قصاص فيه ، لأنه لا يمكن استيفاء القصاص ، كما لو قطع يده من نصف الساعد . وقال أبو يوسف ، ومحمد: فيه القصاص إذا استوعب . وأما الأذن ، فيجب القصاص إذا استوعبت ، وعرف المقدار . وليس في عظم قصاص إلا في السن ، فإن قلعت قلع مثلها ، وإن كسر بعضها ، برد بمقدار ذلك . وقوله: والجروح قصاص يقتضي إيجاب القصاص في سائر الجراحات التي يمكن استيفاء المثل فيها .

    قوله تعالى: فمن تصدق به يشير إلى القصاص .

    فهو كفارة له في هاء "له" قولان .

    أحدهما: أنها إشارة إلى المجروح ، فإذا تصدق بالقصاص كفر من ذنوبه ، وهو قول ابن مسعود ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، والحسن ، والشعبي .

    [ ص: 369 ] والثاني: إشارة إلى الجارح إذا عفا عنه المجروح ، كفر عنه ما جنى ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، ومقاتل ، وهو محمول على أن الجاني تاب من جنايته ، لأنه إذا كان مصرا فعقوبة الإصرار باقية .
    وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين

    قوله تعالى: وقفينا على آثارهم أي: وأتبعنا على آثار النبيين الذين أسلموا (بعيسى) فجعلناه يقفو آثارهم (مصدقا) أي: بعثناه مصدقا (لما بين يديه) وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا ليس هذا تكرارا للأول ، لأن الأول لعيسى ، والثاني للإنجيل ، لأن عيسى كان يدعو إلى التصديق بالتوراة ، والإنجيل أنزل وفيه ذكر التصديق بالتوراة .
    وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون

    قوله تعالى: وليحكم أهل الإنجيل قرأ الأكثرون: بجزم اللام على معنى الأمر ، تقديره: وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه . وقرأ الأعمش ، وحمزة: بكسر اللام ، وفتح الميم على معنى "كي" فكأنه قال: وآتيناه الإنجيل لكي يحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه .
    وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من [ ص: 370 ] الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون

    قوله تعالى: وأنزلنا إليك الكتاب يعني: القرآن (بالحق) أي: بالصدق مصدقا لما بين يديه من الكتاب قال ابن عباس : يريد كل كتاب أنزله الله تعالى . وفي "المهيمن" أربعة أقوال .

    أحدها: أنه المؤيمن رواه التميمي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وعطاء ، والضحاك . وقال المبرد: "مهيمن" في معنى: "مؤيمن" إلا أن الهاء بدل من الهمزة ، كما قالوا: أرقت الماء ، وهرقت ، وإياك وهياك .

    وأرباب هذا القول يقولون: المعنى: أن القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب إلا أن ابن أبي نجيح روى عن مجاهد: ومهيمنا عليه . قال: محمد مؤتمن على القرآن . فعلى قوله ، في الكلام محذوف ، كأنه قال: وجعلناك يا محمد مهيمنا عليه ، فتكون هاء "عليه" راجعة إلى القرآن . وعلى غير قول مجاهد ترجع إلى الكتب المتقدمة .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #177
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (177)
    صــ371 إلى صــ 375

    [ ص: 371 ] والثاني: أنه الشاهد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل .

    والثالث: أنه المصدق على ما أخبر عن الكتب ، وهذا قول ابن زيد ، وهو قريب من القول الأول .

    والرابع: أنه الرقيب الحافظ ، قاله الخليل .

    قوله تعالى: فاحكم بينهم يشير إلى اليهود بما أنزل الله إليك في القرآن ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق قال أبو سليمان: المعنى: فترجع عما جاءك . قال ابن عباس : لا تأخذ بأهوائهم في جلد المحصن .

    [ ص: 371 ] قوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا قال مجاهد: الشرعة: السنة ، والمنهاج: الطريق . وقال ابن قتيبة: الشرعة والشريعة واحد . والمنهاج: الطريق الواضح . فإن قيل: كيف نسق "المنهاج" على "الشرعة" وكلاهما بمعنى واحد؟ فعنه جوابان .

    أحدهما: أن بينهما فرقا من وجهين: أحدهما: أن "الشرعة" ابتداء الطريق ، والمنهاج: الطريق المستمر ، قاله المبرد . والثاني: أن "الشرعة" الطريق الذي ربما كان واضحا ، وربما كان غير واضح . والمنهاج: الطريق الذي لا يكون إلا واضحا ، ذكره ابن الأنباري . فلما وقع الاختلاف بين الشرعة والمنهاج ، حسن نسق أحدهما على الآخر .

    والثاني: أن الشرعة والمنهاج بمعنى واحد . وإنما نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين . قال الحطيئة:


    ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد


    فنسق البعد على النأي لماخالفه في اللفظ ، وإن كان موافقا له في المعنى ، ذكره ابن الأنباري . وأجاب عنه أرباب القول الأول ، فقالوا: "النأي": كل ما قل بعده أو كثر كأنه المفارقة ، والبعد إنما يستعمل فيما كثرت مسافة مفارقته .

    وللمفسرين في معنى الكلام قولان .

    أحدهما: لكل ملة جعلنا شرعة ومنهاجا ، فلأهل التوراة شريعة ، ولأهل [ ص: 373 ] الإنجيل شريعة ، ولأهل القرآن شريعة ، هذا قول الأكثرين . قال قتادة: الخطاب للأمم الثلاث: أمة موسى ، وعيسى ، وأمة محمد ، فللتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللفرقان شريعة يحل الله فيها ما يشاء ، ويحرم ما [يشاء] بلاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، [ولكن] الدين الواحد الذي لا يقبل غيره ، التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به الرسل .

    والثاني: أن المعنى: لكل من دخل في دين محمد جعلنا القرآن شرعة ومنهاجا ، هذا قول مجاهد .

    قوله تعالى: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة فيه قولان .

    أحدهما: لجمعكم على الحق .

    والثاني: لجعلكم على ملة واحدة ولكن ليبلوكم أي: ليختبركم في ما آتاكم من الكتب ، وبين لكم من الملل . فإن قيل: إذا كان المعني بقوله: لكل جعلنا [ ص: 374 ] منكم شرعة :نبينا محمدا مع سائر الأنبياء قبله ، فمن المخاطب بقوله: ليبلوكم ؟ فالجواب: أنه خطاب لنبينا ، والمراد به سائر الأنبياء والأمم . قال ابن جرير: والعرب من شأنها إذا خاطبت غائبا ، فأرادت الخبر عنه أن تغلب المخاطب ، فتخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب .

    قوله تعالى: فاستبقوا الخيرات قال ابن عباس ، والضحاك: هو خطاب لأمة محمد عليه السلام . قال مقاتل: و "الخيرات": الأعمال الصالحة . إلى الله مرجعكم في الآخرة فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون من الدين . قال ابن جرير: قد بين ذلك في الدنيا بالأدلة والحجج ، وغدا يبينه بالمجازاة .
    وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون

    قوله تعالى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله سبب نزولها: أن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسيد ، وعبد الله بن صوريا ، وشأس بن قيس ، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلنا نفتنه عن دينه ، فأتوه ، فقالوا: يا محمد ، قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم ، وأنا إن تبعناك ، اتبعك اليهود ، وإن بيننا وبين قوم خصومة ، فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس . وذكر مقاتل أن [ ص: 375 ] جماعة من بني النضير قالوا له: هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا أهل قريظة في أمر الدماء كما كنا عليه من قبل ، ونبايعك؟ فنزلت هذه الآية . قال القاضي أبو يعلى: وليس هذه الآية تكرارا لما تقدم ، وإنما نزلتا في شيئين مختلفين ، أحدهما: في شأن الرجم ، والآخر: في التسوية في الديات حتى تحاكموا إليه في الأمرين .

    قوله تعالى: واحذرهم أن يفتنوك أي: يصرفوك عن بعض ما أنزل الله إليك وفيه قولان .

    أحدهما: أنه الرجم ، قاله ابن عباس . والثاني: شأن القصاص والدماء ، قاله مقاتل .

    قوله تعالى: فإن تولوا فيه قولان .

    أحدهما: عن حكمك . والثاني: عن الإيمان ، فاعلم أن إعراضهم من أجل أن الله يريد أن يعذبهم ببعض ذنوبهم . وفي ذكر البعض قولان .

    أحدهما: أنه على حقيقته ، وإنما يصيبهم ببعض ما يستحقونه .

    والثاني: أن المراد به الكل ، كما يذكر لفظ الواحد ، ويراد به الجماعة ، كقوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء [الطلاق: 1] والمراد: جميع المسلمين . وقال الحسن: أراد ما عجله من إجلاء بني النضير وقتل بني قريظة .

    قوله تعالى: وإن كثيرا من الناس لفاسقون قال المفسرون: أراد اليهود .

    وفي المراد بالفسق هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: الكفر ، قاله ابن عباس . والثاني: الكذب ، قاله ابن زيد . والثالث: المعاصي ، قاله مقاتل .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #178
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (178)
    صــ376 إلى صــ 380

    أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون

    [ ص: 376 ] قوله تعالى: أفحكم الجاهلية يبغون قرأ الجمهور "يبغون" بالياء ، لأن قبله غيبة ، وهي قوله: وإن كثيرا من الناس لفاسقون وقرأ ابن عامر: "تبغون" بالتاء ، على معنى: قل لهم . وسبب نزولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم بالرجم على اليهوديين تعلق بنو قريظة ببني النضير ، وقالوا: يا محمد هؤلاء إخواننا ، أبونا واحد ، وديننا واحد ، إذا قتلوا منا قتيلا أعطونا سبعين وسقا من تمر ، وإن قتلنا منهم واحدا أخذوا منا أربعين ومائة وسق ، وإن قتلنا منهم رجلا قتلوا به رجلين ، وإن قتلنا امرأة قتلوا بها رجلا ، فاقض بيننا بالعدل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لبني النضير على بني قريظة فضل في عقل ولا دم" فقال بنو النضير: والله لا نرضى بقضائك ، ولا نطيع أمرك ، ولنأخذن بأمرنا الأول ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال الزجاج : ومعنى الآية: أتطلب اليهود حكما لم يأمر الله به ، وهم أهل كتاب الله ، كما تفعل الجاهلية؟! .

    قوله تعالى: ومن أحسن من الله حكما قال ابن عباس : ومن أعدل؟! .

    وفي قوله: لقوم يوقنون قولان .

    أحدهما: يوقنون بالقرآن ، قاله ابن عباس . والثاني: يوقنون بالله ، قاله مقاتل . وقال الزجاج : من أيقن تبين عدل الله في حكمه .
    [ ص: 377 ] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين

    قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء في سبب نزولها ثلاثة أقوال . .

    أحدها: أنها نزلت في أبي لبابة حين قال لبني قريظة إذ رضوا بحكم سعد: إنه الذبح ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وهو قول عكرمة .

    والثاني: أن عبادة بن الصامت قال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود ، وإني أبرأ إلى الله من ولاية يهود ، فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ، ولا أبرأ إلى الله من ولاية يهود ، فنزلت هذه الآية ، قاله عطية العوفي .

    والثالث: أنه لما كانت وقعة أحد خافت طائفة من الناس أن يدال عليهم الكفار ، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألحق بفلان اليهودي ، فآخذ منه أمانا ، [ ص: 378 ] أو أتهود معه ، فنزلت هذه الآية ، قاله السدي ، ومقاتل . قال الزجاج : لا تتولوهم في الدين . وقال غيره: لا تستنصروا بهم ، ولا تستعينوا ، (بعضهم أولياء بعض) في العون والنصرة .

    قوله تعالى: ومن يتولهم منكم فإنه منهم فيه قولان .

    أحدهما: من يتولهم في الدين ، فإنه منهم في الكفر .

    والثاني: من يتولهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر .
    فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين

    قوله تعالى: فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم قال المفسرون: نزلت في المنافقين ، ثم لهم في ذلك قولان .

    أحدهما: أن اليهود والنصارى كانوا يميرون المنافقين ويقرضونهم فيوادونهم ، فلما نزلت لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء قال المنافقون: كيف نقطع مودة قوم إن أصابتنا سنة وسعوا علينا ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وممن قال: نزلت في المنافقين ، ولم يعين: مجاهد ، وقتادة .

    والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن أبي ، قاله عطية العوفي .

    وفي المراد بالمرض قولان .

    أحدهما: أنه الشك ، قاله مقاتل . والثاني: النفاق ، قاله الزجاج .

    [ ص: 379 ] وفي قوله: يسارعون فيهم ثلاثة أقوال .

    أحدها: يسارعون في موالاتهم ومناصحتهم ، قاله مجاهد ، وقتادة .

    والثاني: في رضاهم ، قاله ابن قتيبة . والثالث: في معاونتهم على المسلمين ، قاله الزجاج . وفي المراد "بالدائرة" قولان .

    أحدهما: الجدب والمجاعة ، قاله ابن عباس . قال ابن قتيبة: نخشى أن يدور علينا الدهر بمكروه ، يعنون الجدب ، فلا يبايعونا ، و [نمتار فيهم] فلا يميرونا .

    والثاني: انقلاب الدولة لليهود على المسلمين ، قاله مقاتل .

    وفي المراد بالفتح أربعة أقوال .

    أحدها: فتح مكة ، قاله ابن عباس ، والسدي . والثاني: فتح قرى اليهود ، قاله الضحاك . والثالث: نصر النبي صلى الله عليه وسلم على من خالفه ، قاله قتادة ، والزجاج .

    والرابع: الفرج ، قاله ابن قتيبة . وفي الأمر أربعة أقوال .

    أحدها: إجلاء بني النضير وأخذ أموالهم ، وقتل قريظة ، وسبي ذراريهم ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . والثاني: الجزية ، قاله السدي . والثالث: الخصب ، قاله ابن قتيبة . والرابع: أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بإظهار أمر المنافقين وقتلهم ، قاله الزجاج . وفيما أسروا قولان .

    أحدهما: موالاتهم . والثاني: قولهم لعل محمدا لا ينصر .
    ويقول: الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين

    قوله تعالى: ويقول الذين آمنوا قرأ أبو عمرو ، بنصب اللام على معنى: وعسى أن يقول . ورفعه الباقون ، فجعلوا الكلام مستأنفا . وقرأ ابن كثير ، [ ص: 380 ] ونافع ، وابن عامر يقول: بغير واو ، مع رفع اللام ، وكذلك في مصاحف أهل مكة والمدينة . قال المفسرون: لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ، اشتد ذلك على المنافقين ، وجعلوا يتأسفون على فراقهم ، وجعل المنافق يقول لقريبه المؤمن إذا رآه جادا في معاداة اليهود: أهذا جزاؤهم منك ، طال والله ما أشبعوا بطنك؟ فلما قتلت قريظة ، لم يطق أحد من المنافقين ستر ما في نفسه ، فجعلوا يقولون: أربعمئة حصدوا في ليلة ، فلما رأى المؤمنون ما قد ظهر من المنافقين ، قالوا: (أهؤلاء) يعنون المنافقين (الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم) قال ابن عباس : أغلظوا في الأيمان . وقال مقاتل: جهد أيمانهم: القسم بالله . وقال الزجاج : اجتهدوا في المبالغة في اليمين (إنهم لمعكم) على عدوكم (حبطت أعمالهم) بنفاقهم .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #179
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (179)
    صــ381 إلى صــ 385

    يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم

    قوله تعالى: من يرتد منكم عن دينه قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي: يرتد ، بإدغام الدال الأولى في الأخرى ، وقرأ نافع ، وابن عامر: يرتدد ، بدالين . قال الزجاج : "يرتدد" هو الأصل ، لأن الثاني إذا سكن من المضاعف ، ظهر التضعيف . فأما "يرتد" فأدغمت الدال الأولى في الثانية ، وحركت الثانية بالفتح ، لالتقاء الساكنين . قال الحسن: علم الله أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم عليه السلام ، فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه . وفي المراد بهؤلاء القوم ستة أقوال . [ ص: 381 ] أحدها: أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ، قاله علي بن أبي طالب ، والحسن عليهما السلام ، وقتادة ، والضحاك ، وابن جريج . قال أنس بن مالك: كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة ، وقالوا: أهل القبلة ، فتقلد أبو بكر سيفه ، وخرج وحده ، فلم يجدوا بدا من الخروج على أثره .

    والثاني: أبو بكر ، وعمر ، روي عن الحسن أيضا .

    والثالث: أنهم قوم أبي موسى الأشعري ، روى عياض الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قوم هذا" يعني: أبا موسى .

    والرابع: أنهم أهل اليمن ، رواه الضحاك ، عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

    والخامس: أنهم الأنصار ، قاله السدي .

    والسادس: المهاجرون والأنصار ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . قال ابن جرير: وقد أنجز الله ما وعد فأتى بقوم في زمن عمر كانوا أحسن موقعا في الإسلام ممن ارتد .

    قوله تعالى: أذلة على المؤمنين قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أهل [ ص: 382 ] رقة على أهل دينهم ، أهل غلظة على من خالفهم في دينهم . وقال الزجاج : معنى "أذلة": جانبهم لين على المؤمنين ، لا أنهم أذلاء .

    يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم لأن المنافقين يراقبون الكفار ، ويظاهرونهم ، ويخافون لومهم ، فأعلم الله عز وجل أن الصحيح الإيمان لا يخاف في الله لومة لائم ، ثم أعلم أن ذلك لا يكون إلا بتوفيقه ، فقال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يعني: محبتهم لله ، ولين جانبهم للمسلمين ، وشدتهم على الكافرين .
    إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون

    قوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .

    أحدها: أن عبد الله بن سلام وأصحابه جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن قوما قد أظهروا لنا العداوة ، ولا نستطيع أن نجالس أصحابك لبعد المنازل ، [ ص: 383 ] فنزلت هذه الآية ، فقالوا: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين ، وأذن بلال بالصلاة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا مسكين يسأل الناس ، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أعطاك أحد شيئا"؟ قال: نعم . قال: "ماذا"؟ قال: خاتم فضة . قال: "من أعطاكه"؟ قال: ذاك القائم ، فإذا هو علي بن أبي طالب ، أعطانيه وهو راكع ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

    وقال مجاهد: نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدق وهو راكع .

    والثاني: أن عبادة بن الصامت لما تبرأ من حلفائه اليهود نزلت هذه الآية في حقه ، رواه العوفي عن ابن عباس .

    والثالث: أنها نزلت في أبي بكر الصديق ، قاله عكرمة .

    والرابع: أنها نزلت فيمن مضى من المسلمين ومن بقي منهم ، قاله الحسن .

    قوله تعالى: ويؤتون الزكاة وهم راكعون فيه قولان .

    أحدهما: أنهم فعلوا ذلك في ركوعهم ، وهو تصدق علي عليه السلام بخاتمه في ركوعه . والثاني: أن من شأنهم إيتاء الزكاة وفعل الركوع .

    [ ص: 384 ] وفي المراد بالركوع ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه نفس الركوع على ما روى أبو صالح عن ابن عباس . وقيل: إن الآية نزلت وهم في الركوع . والثاني: أنه صلاة التطوع بالليل والنهار ، وإنما أفرد الركوع بالذكر تشريفا له ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا .

    والثالث: أنه الخضوع والخشوع ، وأنشدوا:


    لا تذل الفقير علك أن تر كع يوما والدهر قد رفعه


    ذكره الماوردي . فأما "حزب الله" فقال الحسن: هم جند الله . وقال أبو عبيدة: أنصار الله . ثم فيه قولان .

    أحدهما: أنهم المهاجرون والأنصار ، قاله ابن عباس .

    والثاني: الأنصار ، ذكره أبو سليمان .
    [ ص: 385 ] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين

    قوله تعالى: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا سبب نزولها: أن رفاعة بن زيد بن التابوت ، وسويد بن الحارث كانا قد أظهرا الإسلام ، ثم نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . فأما اتخاذهم الدين هزوا ولعبا ، فهو إظهارهم الإسلام ، وإخفاؤهم الكفر ، وتلاعبهم بالدين . والذين أوتوا الكتاب: اليهود والنصارى ، والكفار: عبدة الأوثان . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحمزة: "والكفار" بالنصب على معنى: لا تتخذوا الكفار أولياء . وقرأ أبو عمرو ، والكسائي: "والكفار" خفضا ، لقرب الكلام من العامل الجار ، وأمال أبو عمرو الألف . واتقوا الله أن تولوهم .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #180
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ الْمَائِدَةِ
    الحلقة (180)
    صــ386 إلى صــ 390

    وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون


    قوله تعالى: وإذا ناديتم إلى الصلاة في سبب نزولها قولان .

    أحدهما: أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نادى إلى الصلاة ، وقام المسلمون [ ص: 386 ] إليها ، قالت اليهود: قاموا لا قاموا ، صلوا لا صلوا ، على سبيل الاستهزاء والضحك ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السائب .

    والثاني: أن الكفار لما سمعوا الأذان حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على ذلك ، وقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية ، فإن كنت تدعي النبوة ، فقد خالفت في هذا الأذان الأنبياء قبلك ، فما أقبح هذا الصوت ، وأسمج هذا الأمر ، فنزلت هذه الآية ، ذكره بعض المفسرين . وقال السدي: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن محمدا رسول الله ، قال: حرق الكاذب ، فدخلت خادمه ذات ليلة بنار وهو نائم ، وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله .

    والمناداة: هي الأذان ، واتخاذهم إياها هزوا: تضاحكهم وتغامزهم ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ما لهم في إجابة الصلاة ، وما عليهم في استهزائهم بها .
    قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون

    قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا سبب نزولها: أن نفرا من اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل ، فذكر جميع الأنبياء ، فلما ذكر عيسى ، جحدوا نبوته ، وقالوا: والله ما نعلم دينا شرا من دينكم ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، قاله ابن عباس . وقرأ الحسن ، والأعمش: "تنقمون" بفتح القاف . قال الزجاج : يقال: نقمت على الرجل أنقم ، ونقمت [ ص: 387 ] عليه أنقم ، والأول أجود . ومعنى "نقمت": بالغت في كراهة الشيء ، والمعنى: هل تكرهون منا إلا إيماننا ، وفسقكم ، لأنكم علمتم أننا على حق ، وأنكم فسقتم .
    قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل

    قوله تعالى: هل أنبئكم بشر من ذلك قال المفسرون: سبب نزولها: قول اليهود للمؤمنين: والله ما علمنا أهل دين أقل حظا منكم في الدنيا والآخرة ، ولا دينا شرا من دينكم . وفي قوله: بشر من ذلك قولان .

    أحدهما: بشر من المؤمنين ، قاله ابن عباس .

    والثاني: بشر مما نقمتم من إيماننا ، قاله الزجاج . فأما "المثوبة": فهي الثواب . قال الزجاج : وموضع "من" في قوله: من لعنه الله إن شئت كان رفعا ، وإن شئت كان خفضا ، فمن خفض جعله بدلا من "شر" فيكون المعنى: أنبئكم بمن لعنه الله؟ ومن رفع فبإضمار "هو" كأن قائلا قال: من ذلك؟ فقيل: هو من لعنه الله . قال أبو صالح عن ابن عباس: من لعنه الله بالجزية ، وغضب عليه بعبادة العجل ، فهم شر مثوبة عند الله . وروي عن ابن عباس أن المسخين من أصحاب السبت: مسخ شبابهم قردة ، ومشايخهم خنازير . وقال غيره: القردة: أصحاب السبت ، والخنازير: كفار مائدة عيسى . وكان ابن قتيبة يقول: أنا أظن أن هذه القردة ، والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت . قال: واستدللت بقوله تعالى: وجعل منهم القردة والخنازير فدخول الألف واللام يدل على المعرفة ، وعلى أنها القردة التي تعاين ، ولو كان أراد شيئا انقرض ومضى ، لقال: وجعل [ ص: 388 ] منهم قردة وخنازير ، إلا أن يصح حديث أم حبيبة في "المسوخ" فيكون كما قال عليه السلام . قلت: أنا . وحديث أم حبيبة في "الصحيح" انفرد بإخراجه مسلم ، وهو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله ، القردة والخنازير هي مما مسخ؟ فقال النبي عليه السلام: "[إن الله] لم يمسخ قوما أو يهلك قوما ، فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة ، وإن القردة والخنازير قد كانت قبل ذلك" وقد ذكرنا في سورة (البقرة) عن ابن عباس زيادة بيان ذلك ، فلا يلتفت إلى ظن ابن قتيبة .

    قوله تعالى: وعبد الطاغوت فيها عشرون قراءة . قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، ونافع ، والكسائي: "وعبد" بفتح العين والباء والدال ، ونصب تاء "الطاغوت" وفيها وجهان .

    أحدهما: أن المعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت .

    والثاني: أن المعنى: من لعنه الله وعبد الطاغوت . وقرأ حمزة: "وعبد الطاغوت" بفتح العين والدال ، وضم الباء ، وخفض تاء الطاغوت . قال ثعلب: ليس لها وجه إلا أن يجمع فعل على فعل . وقال الزجاج : وجهها أن الاسم بني على "فعل" كما تقول علم زيد ، ورجل حذر ، أي: مبالغ في الحذر . فالمعنى: جعل منهم خدمة الطاغوت ومن بلغ في طاعة الطاغوت الغاية . وقرأ ابن مسعود ، [ ص: 389 ] وأبي بن كعب: "وعبدوا" بفتح العين والباء ، ورفع الدال على الجمع "الطاغوت" بالنصب . وقرأ ابن عباس ، وابن أبي عبلة: "وعبد" بفتح العين والباء والدال ، إلا أنهما كسرا تاء "الطاغوت" . قال الفراء: أرادا "عبدة" فحذفا الهاء . وقرأ أنس بن مالك: "وعبيد" بفتح العين والدال وبياء بعد الباء وخفض تاء "الطاغوت" . وقرأ أيوب ، والأعمش: "وعبد" برفع العين ونصب الباء والدال مع تشديد الباء ، وكسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو هريرة ، وأبو رجاء ، وابن السميفع: "وعابد" بألف ، مكسورة الباء ، مفتوحة الدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو العالية ، ويحيى بن وثاب: "وعبد" برفع العين والباء ، وفتح الدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . قال الزجاج : هو جمع عبيد وعبد ، مثل رغيف ورغف ، وسرير وسرر ، والمعنى: وجعل منهم عبيد الطاغوت . وقرأ أبو عمران الجوني ، ومورق العجلي ، والنخعي: "وعبد" برفع العين وكسر الباء مخففة ، وفتح الدال مع ضم تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وعكرمة: "وعبد" بفتح العين والدال ، وتشديد الباء ، مع نصب تاء "الطاغوت" . وقرأ الحسن ، وأبو مجلز ، وأبو نهيك: "وعبد" بفتح العين والدال ، وسكون الباء خفيفة مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ قتادة ، وهذيل ابن شرحبيل: "وعبدة" بفتح العين والباء والدال وتاء في اللفظ منصوبة بعد الدال "الطواغيت" بألف وواو وياء بعد الغين على الجمع . وقرأ الضحاك ، وعمرو بن [ ص: 390 ] دينار: "وعبد" برفع العين وفتح الباء والدال ، مع تخفيف الباء ، وكسر تاء "الطاغوت" .

    وقرأ سعيد بن جبير ، والشعبي: "وعبدة" مثل حمزة ، إلا أنهما رفعا تاء "الطاغوت" .

    وقرأ يحيى بن يعمر ، والجحدري: "وعبد" بفتح العين ورفع الباء والدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو الأشهب العطاردي: "وعبد" برفع العين وتسكين الباء ونصب الدال ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ أبو السماك: "وعبدة" بفتح العين والباء والدال وتاء في اللفظ بعد الدال مرفوعة ، مع كسر تاء "الطاغوت" . وقرأ معاذ القارئ: "وعابد" مثل قراءة أبي هريرة ، إلا أنه ضم الدال . وقرأ أبو حيوة: "وعباد" بتشديد الباء وبألف بعدها مع رفع العين ، وفتح الدال . وقرأ ابن حذلم ، وعمرو بن فائد: "وعباد" مثل أبي حيوة ، إلا أن العين مفتوحة ، والدال مضمومة . وقد سبق ذكر "الطاغوت" في سورة (البقرة)

    وفي المراد به هاهنا قولان . أحدهما: الأصنام . والثاني: الشيطان .

    قوله تعالى: أولئك شر مكانا أي: هؤلاء الذين وصفناهم شر مكانا من المؤمنين ، ولا شر في مكان المؤمنين ، ولكن الكلام مبني على كلام الخصم ، حين قالوا للمؤمنين: لا نعرف شرا منكم ، فقيل: من كان بهذه الصفة فهو شر منهم .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •