تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 6 من 25 الأولىالأولى 12345678910111213141516 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 101 إلى 120 من 490

الموضوع: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

  1. #101
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
    الحلقة (101)
    صــ526 إلى صــ 530


    إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب .

    قوله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض) في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

    أحدها: أن قريشا قالوا لليهود: ما الذي جاءكم به موسى ؟ قالوا: عصاه ويده البيضاء . وقالوا للنصارى: ما الذي جاءكم به عيسى؟ قالوا كان يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: ادع ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ، فنزلت هذه الآية ، رواه ابن جبير عن ابن عباس .

    والثاني: أن أهل مكة سألوه أن يأتيهم بآية ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

    والثالث: أنه لما نزل قوله تعالى: وإلهكم إله واحد [ البقرة: 163 ] . قالت قريش: قد سوى بين آلهتنا ، ائتنا بآية ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو الضحى ، واسمه: مسلم بن صبيح ، فأما تفسير الآية فقد سبق .
    [ ص: 527 ] الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار .

    قوله تعالى: الذين يذكرون الله قياما وقعودا في هذا الذكر ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الذكر في الصلاة ، يصلي قائما ، فإن لم يستطع ، فقاعدا ، فإن لم يستطع ، فعلى جنب ، هذا قول علي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة .

    والثاني: أنه الذكر في الصلاة وغيرها ، وهو قول طائفة من المفسرين .

    والثالث: أنه الخوف ، فالمعنى: يخافون الله قياما في تصرفهم ، وقعودا في دعتهم ، وعلى جنوبهم في منامهم .

    قوله تعالى: (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) قال ابن فارس: التفكر: تردد القلب في الشيء . قال ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكر ، خير من قيام ليلة ، والقلب ساه .

    قوله تعالى: (ربنا) قال الزجاج: معناه: يقولون: (ربنا ما خلقت هذا باطلا) ، أي: خلقته دليلا عليك ، وعلى صدق ما أتت به أنبياؤك . ومعنى (سبحانك): براءة لك من السوء ، وتنزيها لك أن تكون خلقتهما باطلا ، (فقنا عذاب النار) ، فقد صدقنا أن لك جنة ونارا .
    ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار

    [ ص: 528 ] قوله تعالى: (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) قال الزجاج: المخزى في اللغة: المذل المحقور بأمر قد لزمه وبحجة . يقال: أخزيته: أي: ألزمته حجة أذللته معها . وفيمن يتعلق به هذا الخزي قولان .

    أحدهما: أنه يتعلق بمن يدخلها مخلدا ، قاله أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، وابن جبير ، وقتادة ، وابن جريج ، ومقاتل .

    والثاني: أنه يتعلق بكل داخل إليها ، وهذا المعنى مروي عن جابر بن عبد الله ، واختاره ابن جرير الطبري ، وأبو سليمان الدمشقي .

    قوله تعالى: (وما للظالمين من أنصار) قال ابن عباس: وما للمشركين من مانع يمنعهم عذاب الله تعالى .
    ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار .

    قوله تعالى: (ربنا إننا سمعنا مناديا) في المنادي قولان .

    أحدهما: أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس ، وابن جريج ، وابن زيد ، ومقاتل .

    والثاني: أنه القرآن ، قاله محمد بن كعب القرظي ، واختاره ابن جرير الطبري .

    قوله تعالى: (ينادي للإيمان) فيه قولان .

    أحدها: أن معناه ينادي إلى الإيمان ، ومثله: الذي هدانا لهذا [ الأعراف: 43 ] ، بأن ربك أوحى لها [ الزلزلة: 5 ] ، [يريد: هدانا إلى هذا ، وأوحى إليها ] قاله الفراء .

    والثاني: بأنه مقدم ومؤخر: والمعنى: سمعنا مناديا للإيمان ينادي: قاله أبو عبيدة .

    [ ص: 529 ] قوله تعالى: (وكفر عنا سيئاتنا) قال مقاتل: امح عنا خطايانا . وقال غيره: غطها عنا ، وقيل: إنما جمع بين غفران الذنوب ، وتكفير السيئات ، لأن الغفران بمجرد الفضل ، والتكفير بفعل الخير (وتوفنا مع الأبرار) قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي "الأبرار" و"الأشرار" و"ذات قرار" وما كان مثله بين الفتح والكسر ، وقرأ ابن كثير ، وعاصم ، بالفتح ، ومعنى: "مع الأبرار" فيهم ، قال ابن عباس: وهم الأنبياء والصالحون .
    ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد .

    قوله تعالى: (ربنا وآتنا ما وعدتنا) قال ابن عباس: يعنون: الجنة (على رسلك) أي: على ألسنتهم . فإن قيل: ما وجه هذه المسألة والله لا يخلف الميعاد؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

    أحدها: أنه خرج مخرج المسألة ، ومعناه: الخبر ، تقديره: فآمنا ، فاغفر لنا لتؤتينا ما وعدتنا .

    والثاني: أنه سؤال له ، أن يجعلهم ممن آتاه ما وعده ، لا أنهم استحقوا ذلك ، إذ لو كانوا قد قطعوا أنهم من الأبرار ، لكانت تزكية لأنفسهم .

    والثالث: أنه سؤال لتعجيل ما وعدهم من النصر على الأعداء ، لأنه وعدهم نصرا غير مؤقت ، فرغبوا في تعجيله ، ذكر هذه الأجوبة ابن جرير ، وقال: أولى الأقوال بالصواب ، أن هذه صفة المهاجرين ، رغبوا في تعجيل النصر على أعدائهم . فكأنهم قالوا: لا صبر لنا على حلمك عن الأعداء ، فعجل خزيهم ، وظفرنا بهم .
    فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم [ ص: 530 ] وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب .

    قوله تعالى: (فاستجاب لهم ربهم) روي عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله ، لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فنزلت هذه الآية . واستجاب: بمعنى أجاب . والمعنى: أجابهم بأن قال لهم: إني لا أضيع عمل عامل منكم ، ذكرا كان أم أنثى .

    وفي معنى قوله تعالى: (بعضكم من بعض) ثلاثة أقوال .

    أحدها: بعضكم من بعض في الدين ، والنصرة والموالاة .

    والثاني: حكم جميعكم في الثواب واحد ، لأن الذكور من الإناث ، والإناث من الذكور . والثالث: كلكم من آدم وحواء .

    قوله تعالى: (فالذين هاجروا) أي: تركوا الأوطان والأهل والعشائر (وأخرجوا من ديارهم) يعني: المؤمنين الذين أخرجوا من مكة بأذى المشركين ، فهاجروا ، (وقاتلوا المشركين وقتلوا) . قرأ ابن كثير ، وابن عامر: "وقاتلوا وقتلوا" مشددة التاء . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وعاصم : "وقاتلوا وقتلوا" خفيفة . وقرأ حمزة ، والكسائي: "وقتلوا وقاتلوا" . قال أبو علي: تقديم "قتلوا" جائز ، لأن المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولا في المعنى ، مؤخرا في اللفظ .

    قوله تعالى: (ثوابا من عند الله) قال الزجاج: هو مصدر مؤكد لما قبله ، لأن معنى: [ ص: 531 ] (لأدخلنهم جنات): لأثيبنهم .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #102
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
    الحلقة (102)
    صــ531 إلى صــ 534


    لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد .

    قوله تعالى: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

    أحدهما: أنها نزلت في اليهود ، ثم في ذلك قولان .

    أحدهما: أن اليهود كانوا يضربون في الأرض ، فيصيبون الأموال ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

    والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أراد أن يستسلف من بعضهم شعيرا ، فأبى إلا على رهن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أعطاني لأوفيته ، إني لأمين في السماء أمين في الأرض" فنزلت ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

    والقول الثاني: أنها نزلت في مشركي العرب كانوا في رخاء ، فقال بعض المؤمنين: قد أهلكنا الجهد ، وأعداء الله فيما ترون ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول مقاتل . قال [ ص: 532 ] قتادة: والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد غيره . وقال غيره: إنما خاطبه تأديبا ، وتحذيرا ، وإن كان لا يغتر . وفي معنى "تقلبهم" ثلاثة أقوال .

    أحدها: تصرفهم في التجارات ، قاله ابن عباس ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج .

    والثاني: تقلب ليلهم ونهارهم ، وما يجري عليهم من النعم ، قاله عكرمة ، ومقاتل .

    والثالث: تقلبهم غير مأخوذين بذنوبهم ، ذكره بعض المفسرين . قال الزجاج: ذلك الكسب والربح متاع قليل . وقال ابن عباس: منفعة يسيرة في الدنيا . والمهاد: الفراش .
    لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار .

    قوله تعالى: (لكن الذين اتقوا ربهم) قرأ أبو جعفر : "لكن" بالتشديد هاهنا ، وفي (الزمر) قال مقاتل: وحدوا . قال ابن عباس: "النزل" الثواب . قال ابن فارس: "النزل": ما يهيأ للنزيل ، والنزيل: الضيف .
    وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب .

    قوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .

    أحدها: أنها نزلت في النجاشي ، لأنه لما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال قائل: يصلي على هذا العلج النصراني ، وهو في أرضه؟! فنزلت هذه الآية ، هذا قول جابر بن عبد الله ، وابن عباس ، وأنس . وقال الحسن ، وقتادة: فيه وفي أصحابه .

    [ ص: 533 ] . والثاني: أنها نزلت في مؤمني أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

    والثالث: في عبد الله بن سلام ، وأصحابه ، قاله ابن جريج ، وابن زيد ، ومقاتل .

    والرابع: في أربعين من أهل نجران ، وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى ، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، قاله عطاء .

    قوله تعالى: (وما أنزل إليكم) يعني: القرآن ، (وما أنزل إليهم) يعني: كتابهم .

    والخاشع: الذليل . (لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) أي: عرضا من الدنيا كما فعل رؤساء اليهود ، وقد سلف بيان سرعة الحساب .
    يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .

    قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا) قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: نزلت في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، وليس يومئذ غزو يرابط . وفي الذي أمروا بالصبر عليه خمسة أقوال .

    أحدها: البلاء والجهاد ، قاله ابن عباس .

    [ ص: 534 ] الثاني: الدين ، قاله الحسن ، والقرظي ، والزجاج .

    والثالث: المصائب ، روي عن الحسن أيضا . والرابع: الفرائض ، قاله سعيد بن جبير .

    والخامس: طاعة الله ، قاله قتادة . وفي الذي أمروا بمصابرته قولان .

    أحدهما: العدو ، قاله ابن عباس ، والجمهور .

    والثاني: الوعد الذي وعدهم الله: قاله عطاء ، والقرظي . وفيما أمروا بالمرابطة عليه قولان .

    أحدهما: الجهاد للأعداء ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة في آخرين . قال ابن قتيبة: وأصل المرابطة والرباط: أن يربط هؤلاء خيولهم ، وهؤلاء خيولهم في الثغر ، كل يعد لصاحبه .

    والثاني: أنه الصلاة ، أمروا بالمرابطة عليها ، قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقد ذكرنا في (البقرة) معنى "لعل" ومعنى "الفلاح" .

    تم - بعون الله تبارك وتعالى - الجزء الأول من كتاب "زاد المسير في علم التفسير" ويليه الجزء الثاني ، وأوله: تفسير سورة (النساء)





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #103
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (103)
    صــ1 إلى صــ 5

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    4 - سُورَةُ النِّسَاءِ

    يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا

    اختلفوا في نزولها على قولين:

    أحدهما: أنها مكية ، رواه عطية عن ابن عباس ، وهو قول الحسن ، ومجاهد ، وجابر بن زيد ، وقتادة .

    والثاني: أنها مدنية ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وهو قول مقاتل . وقيل: إنها مدنية إلا آية نزلت بمكة في عثمان بن طلحة حين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منه مفاتيح الكعبة، فيسلمها إلى العباس ، وهي قوله: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ذكره الماوردي .

    قوله تعالى: اتقوا ربكم فيه قولان:

    أحدهما: أنه بمعنى: الطاعة ، قاله ابن عباس . والثاني: بمعنى: الخشية . قاله مقاتل . .

    والنفس الواحدة: آدم ، وزوجها حواء ، و"من" في قوله: وخلق منها للتبعيض في قول الجمهور . وقال ابن بحر : منها ، أي: من جنسها .

    واختلفوا أي وقت خلقت له ، على قولين:

    [ ص: 2 ] أحدهما: أنها خلقت بعد دخوله الجنة ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس .

    والثاني: قبل دخوله الجنة ، قاله كعب الأحبار ، ووهب ، وابن إسحاق .

    قال ابن عباس : لما خلق الله آدم ، ألقى عليه النوم ، فخلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى ، فلم تؤذه بشيء ، ولو وجد الأذى ما عطف عليها أبدا ، فلما استيقظ; قيل: يا آدم ما هذه؟ قال: حواء .

    قوله تعالى: وبث منهما قال الفراء: بث: نشر ، ومن العرب من يقول: أبث الله الخلق ، ويقولون: بثثتك ما في نفسي ، وأبثثتك .

    قوله تعالى: الذي تساءلون به قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، والبرجمي ، عن أبي بكر ، عن عاصم . واليزيدي ، وشجاع ، والجعفي ، وعبد الوارث ، عن أبي عمرو: ( تساءلون) بالتشديد . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وكثير من أصحاب أبي عمرو عنه بالتخفيف .

    قال الزجاج : الأصل: تتساءلون ، فمن قرأ بالتشديد . أدغم التاء في السين ، لقرب مكان هذه من هذه ، ومن قرأ بالتخفيف ، حذف التاء الثانية لاجتماع التاءين .

    وفي معنى "تساءلون به" ثلاثة أقوال .

    أحدها: تتعاطفون به ، قاله ابن عباس . والثاني: تتعاقدون ، وتتعاهدون به . قاله الضحاك ، والربيع .

    [ ص: 3 ] والثالث: تطلبون حقوقكم به ، قاله الزجاج .

    فأما قوله: "والأرحام" فالجمهور على نصب الميم على معنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، وفسرها على هذا ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وابن زيد . وقرأ الحسن ، وقتادة ، والأعمش ، وحمزة بخفض الميم على معنى: تساءلون به وبالأرحام ، وفسرها على هذا الحسن ، وعطاء ، والنخعي .

    وقال الزجاج : الخفض في "الأرحام" خطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار الشعر ، وخطأ في الدين; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحلفوا بآبائكم" وذهب إلى نحو هذا الفراء ، وقال ابن الأنباري: إنما أراد حمزة الخبر عن الأمر القديم الذي جرت عادتهم به ، فالمعنى: الذي كنتم تساءلون به وبالأرحام في الجاهلية . قال أبو علي: من جر عطف على الضمير المجرور بالباء ، وهو ضعيف في القياس ، قليل في الاستعمال ، فترك الأخذ به أحسن .

    فأما الرقيب ، فقال: ابن عباس ، ومجاهد: الرقيب الحافظ . وقال الخطابي: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء ، وهو في نعوت الآدميين الموكل بحفظ [ ص: 4 ] الشيء ، المترصد له ، المتحرز عن الغفلة فيه ، يقال منه: رقبت الشيء أرقبه رقبة .
    وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا

    قوله تعالى: وآتوا اليتامى أموالهم سبب نزولها: أن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ ، طلب ماله فمنعه ، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت ، قاله سعيد بن جبير . والخطاب بقوله: "وآتوا" للأولياء والأوصياء . قال الزجاج : وإنما سموا يتامى بعد البلوغ ، بالاسم الذي كان لهم ، وقد كان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يتيم أبي طالب .

    [ ص: 5 ] قوله: ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب قرأ ابن محيصن: "تبدلوا" بتاء واحدة . ثم في معنى الكلام قولان .

    أحدهما: أنه إبدال حقيقة ، ثم فيه قولان .

    أحدهما: أنه أخذ الجيد ، وإعطاء الرديء مكانه ، قاله سعيد بن المسيب ، والضحاك ، والنخعي ، والزهري ، والسدي . قال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ، ويجعل مكانها المهزولة ، ويأخذ الدراهم الجياد ، ويطرح مكانها الزيوف .

    والثاني: أنه الربح على اليتيم ، واليتيم غر لا علم له ، قاله عطاء .

    والقول الثاني: أنه ليس بإبدال حقيقة ، وإنما هو أخذه مستهلكا ، ثم فيه قولان .

    أحدهما: أنهم كانوا لا يورثون النساء والصغار ، وإنما يأخذ الميراث الأكابر من الرجال ، فنصيب الرجل من الميراث طيب ، وما أخذه من حق اليتيم خبيث ، هذا قول ابن زيد .

    والثاني: أنه أكل مال اليتيم بدلا من أكل أموالهم ، قاله الزجاج .

    و"إلى" بمعنى: "مع" والحوب: الإثم . وقرأ الحسن ، وقتادة ، والنخعي ، بفتح الحاء .

    قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: حوب بالضم ، وتميم يقولونه بالفتح .

    قال ابن الأنباري: وقال الفراء: المضموم الاسم ، والمفتوح المصدر . قال ابن قتيبة: وفيه ثلاث لغات: حوب ، وحوب ، وحاب .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #104
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (104)
    صــ6 إلى صــ 10

    وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا

    [ ص: 6 ] قوله تعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى اختلفوا في تنزيلها ، وتأويلها على ستة أقوال .

    أحدها: أن القوم كانوا يتزوجون عددا كثيرا من النساء في الجاهلية ، ولا يتحرجون من ترك العدل بينهن ، وكانوا يتحرجون في شأن اليتامى ، فقيل لهم: بهذه الآية: احذروا من ترك العدل بين النساء ، كما تحذرون من تركه في اليتامى ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل .

    والثاني: أن أولياء اليتامى كانوا يتزوجون النساء بأموال اليتامى ، فلما كثر النساء ، مالوا على أموال اليتامى ، فقصروا على الأربع حفظا لأموال اليتامى .

    وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضا ، وعكرمة .

    والثالث: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في صدقات اليتامى إذا نكحتموهن ، فانكحوا سواهن من الغرائب اللواتي أحل الله لكم ، وهذا المعنى مروي عن عائشة .

    [ ص: 7 ] والرابع: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في نكاحهن ، وحذرتم سوء الصحبة لهن ، وقلة الرغبة فيهن ، فانكحوا غيرهن ، وهذا المعنى مروي عن عائشة أيضا ، والحسن .

    والخامس: أنهم كانوا يتحرجون من ولاية اليتامى ، فأمروا بالتحرج من الزنى أيضا ، وندبوا إلى النكاح الحلال ، وهذا المعنى مروي عن مجاهد .

    والسادس: أنهم تحرجوا من نكاح اليتامى ، كما تحرجوا من أموالهم ، فرخص الله لهم بهذه الآية ، وقصرهم على عدد يمكن العدل فيه ، فكأنه قال: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن ، فانكحوهن ، ولا تزيدوا على أربع لتعدلوا ، فإن خفتم أن لا تعدلوا فيهن ، فواحدة ، وهذا المعنى مروي عن الحسن .

    قال ابن قتيبة: ومعنى قوله: وإن خفتم ، أي: [فإن] علمتم أنكم لا تعدلون ، [بين اليتامى] يقال: أقسط الرجل: إذا عدل ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة" ويقال: قسط الرجل: إذا جار ومنه قول الله" وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وفي معنى العدل في اليتامى قولان .

    أحدهما: في نكاح اليتامى ، والثاني: في أموالهم .

    قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم أي: ما حل لكم .

    قال ابن جرير: وأراد بقوله: "ما طاب لكم" ، الفعل دون أعيان النساء ، ولذلك قال: "ما" ولم يقل: "من" واختلفوا: هل النكاح من اليتامى ، أو من غيرهن؟ على قولين قد سبقا .

    قوله تعالى: مثنى وثلاث ورباع

    [ ص: 8 ] قال الزجاج : هو بدل من "ما طاب لكم" ومعناه: اثنتين اثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا ، وإنما خاطب الله العرب بأفصح اللغات ، وليس من شأن البليغ أن يعبر في العدد عن التسعة باثنتين ، وثلاث ، وأربع ، لأن التسعة قد وضعت لهذا العدد ، فيكون عيا في الكلام .

    وقال ابن الأنباري: هذه الواو معناها التفرق ، وليست جامعة ، فالمعنى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ، وانكحوا ثلاث في غير الحال الأولى ، وانكحوا رباع في غير الحالين .

    وقال القاضي أبو يعلى: الواو هاهنا: لإباحة أي الأعداد شاء ، لا للجمع ، وهذا العدد إنما هو للأحرار ، لا للعبيد ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي .

    وقال مالك: هم كالأحرار . ويدل على قولنا: أنه قال: فانكحوا ، فهذا منصرف إلى من يملك النكاح ، والعبد لا يملك ذلك بنفسه ، وقال في سياقها فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ، والعبد لا ملك له ، فلا يباح له الجمع إلا بين اثنتين .

    [ ص: 9 ] قوله تعالى: فإن خفتم فيه قولان . . أحدهما: علمتم ، والثاني: خشيتم .

    قوله تعالى: ألا تعدلوا قال القاضي أبو يعلى: أراد العدل في القسم بينهن .

    قوله تعالى: فواحدة أي: فانكحوا واحدة ، وقرأ الحسن ، والأعمش ، وحميد: " فواحدة " بالرفع ، المعنى ، فواحدة تقنع .

    قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم يعني: السراري . قال ابن قتيبة: معنى الآية: فكما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى إذا كفلتموهم ، فخافوا [أيضا] أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن ، فقصرهم على أربع ، ليقدروا على العدل ، ثم قال: فإن خفتم أن لا تعدلوا بين هؤلاء الأربع ، فانكحوا واحدة ، واقتصروا على ملك اليمين .

    قوله تعالى: ذلك أدنى أي: أقرب . وفي معنى "تعولوا" ثلاثة أقوال .

    أحدهما: تميلوا ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، وإبراهيم ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء ، وقال أبو مالك ، وأبو عبيد: تجوروا .

    قال ابن قتيبة ، والزجاج: تجوروا وتميلوا بمعنى واحد . واحتكم رجلان من العرب إلى رجل ، فحكم لأحدهما ، فقال: المحكوم عليه: إنك والله تعول علي ، أي: تميل وتجور .

    [ ص: 10 ] والثاني: تضلوا ، قاله مجاهد ، والثالث: تكثر عيالكم ، قال ابن زيد ، ورواه أبو سليمان الدمشقي في "تفسيره" عن الشافعي ، ورده الزجاج : فقال: جميع أهل اللغة يقولون: هذا القول خطأ ، لأن الواحدة يعولها ، وإباحة ملك اليمين أزيد في العيال من أربع .
    وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا

    قوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة اختلفوا فيمن خوطب بهذا على قولين .

    أحدهما: أنهم الأزواج ، وهو قول الجمهور ، واحتجوا بأن الخطاب للناكحين قد تقدم ، وهذا معطوف عليه ، وقال مقاتل: كان الرجل يتزوج بلا مهر ، فيقول: أرثك وترثيني ، فتقول المرأة: نعم ، فنزلت هذه الآية . والثاني: أنه متوجه إلى الأولياء ثم فيه قولان . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #105
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (105)
    صــ11 إلى صــ 15

    وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا

    قوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة اختلفوا فيمن خوطب بهذا على قولين .

    أحدهما: أنهم الأزواج ، وهو قول الجمهور ، واحتجوا بأن الخطاب للناكحين قد تقدم ، وهذا معطوف عليه ، وقال مقاتل: كان الرجل يتزوج بلا مهر ، فيقول: أرثك وترثيني ، فتقول المرأة: نعم ، فنزلت هذه الآية . والثاني: أنه متوجه إلى الأولياء ثم فيه قولان . .

    [ ص: 11 ] أحدهما: أن الرجل كان إذا زوج أيمة جاز صداقها دونها ، فنهوا بهذه الآية ، هذا قول أبي صالح ، واختاره الفراء ، وابن قتيبة .

    والثاني: أن الرجل كان يعطي الرجل أخته ويأخذ أخته مكانها من غير مهر ، فنهوا عن هذا بهذه الآية ، رواه أبو سليمان التيمي عن بعض أشياخه .

    قال ابن قتيبة: والصدقات: المهور ، وأحدها: صدقة . وفي قوله: "نحلة" أربعة أقوال .

    أحدها: أنها بمعنى: الفريضة ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن جريج ، وابن زيد ، ومقاتل . والثاني: أنها الهبة والعطية ، قاله الفراء .

    قال ابن الأنباري: كانت العرب في الجاهلية لا تعطي النساء شيئا من مهورهن ، فلما فرض الله لهن المهر ، كان نحلة من الله ، أي: هبة للنساء ، فرضا على الرجال .

    وقال الزجاج : هو هبة من الله للنساء . قال القاضي أبو يعلى: وقيل: إنما سمي المهر نحلة ، لأن الزوج لا يملك بدله شيئا ، لأن البضع بعد النكاح في ملك المرأة ، ألا ترى أنها لو وطئت بشبهة ، كان المهر لها دون الزوج ، وإنما الذي يستحقه الزوج الاستباحة ، لا الملك .

    وأنها العطية بطيب نفس ، فكأنه قال: لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون ، قاله أبو عبيدة .

    والرابع: أن معنى "النحلة" الديانة ، فتقديره: وآتوهن صدقاتهن ديانة ، يقال: فلان ينتحل كذا ، أي: يدين به ، ذكره الزجاج عن بعض العلماء .

    [ ص: 12 ] قوله تعالى: فإن طبن لكم يعني: النساء المنكوحات . وفي "لكم" قولان .

    أحدهما: أنه يعني: الأزواج .

    والثاني: الأولياء . و"الهاء" في "منه" كناية عن الصداق ، قال الزجاج : و"منه" هاهنا: للجنس ، كقوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان معناه: فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن ، فكأنه قال: كلوا الشيء الذي هو مهر ، فيجوز أن يسأل الرجل المهر كله . و"نفسا": منصوب على التمييز .

    فالمعنى: فإن طابت أنفسهن لكم بذلك ، فكلوه هنيئا مريئا ، وفي الهنيء ثلاثة أقوال . أحدها: أنه ما تؤمن عاقبته . والثاني: ما أعقب نفعا وشفاء .

    والثالث: أنه الذي لا ينغصه شيء . وأما "المريء" فيقال: مرئ الطعام: إذا انهضم ، وحمدت عاقبته .
    ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا

    قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم المراد بالسفهاء خمسة أقوال .

    أحدها: أنهم النساء ، قاله ابن عمر .

    والثاني: النساء والصبيان ، قاله سعيد بن جبير ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة . وعن الحسن ، ومجاهد كالقولين .

    والثالث: الأولاد ، قاله أبو مالك . وهذه الأقوال الثلاثة مروية عن ابن عباس ، وروي عن الحسن ، قال: هم الأولاد الصغار .

    والرابع: اليتامى ، قاله عكرمة ، وسعيد بن جبير في رواية .

    قال الزجاج : ومعنى الآية: ولا تؤتوا السفهاء أموالهم ، بدليل قوله وارزقوهم فيها [ ص: 13 ] وإنما قال: "أموالكم" ذكرا للجنس الذي جعله الله أموالا للناس . وقال غيره: أضافها إلى الولاة ، لأنهم قوامها .

    والخامس: أن القول على إطلاقه ، والمراد به كل سفيه يستحق الحجر عليه ، ذكره ابن جرير ، وأبو سليمان الدمشقي ، وغيرهما ، وهو ظاهر الآية .

    وفي قوله أموالكم قولان . أحدهما: أنه أموال اليتامى . والثاني: أموال السفهاء .

    قوله تعالى: التي جعل الله لكم قياما قرأ الحسن: " اللاتي جعل الله لكم قواما" . وقرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو عمرو: "قياما" بالياء مع الألف هاهنا ، وقرأ نافع ، وابن عامر: "قيما" بغير ألف .

    قال ابن قتيبة: قياما وقواما بمنزلة واحدة ، تقول: هذا قوام أمرك وقيامه ، أي: ما يقوم به [أمرك] . وذكر أبو علي الفارسي أن "قواما" و"قياما" و"قيما" ، بمعنى: القوام الذي يقيم الشأن ، قال: وليس قول من قال: "القيم" هاهنا: جمع: "قيمة" بشيء .

    قوله تعالى: وارزقوهم فيها أي: منها . وفي "القول المعروف" ثلاثة أقوال .

    أحدها: العدة الحسنة ، قال ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، ومقاتل .

    [ ص: 14 ] والثاني: الرد الجميل ، قاله الضحاك . والثالث: الدعاء ، كقولك: عافاك الله ، قاله ابن زيد .
    وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا

    قوله تعالى: وابتلوا اليتامى سبب نزولها: أن رجلا ، يقال له: رفاعة ، مات وترك ولدا صغيرا ، يقال له: ثابت ، فوليه عمه ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله؟ ومتى أدفع إليه ماله؟ فنزلت هذه الآية ، ذكر نحوه مقاتل . والابتلاء: الاختبار . وبماذا يختبرون؟ فيه ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهم يختبرون في عقولهم ، قاله ابن عباس ، والسدي ، وسفيان ، ومقاتل . والثاني: يختبرون في عقولهم ودينهم ، قاله الحسن ، وقتادة . وعن مجاهد كالقولين .

    والثالث: في عقولهم ودينهم ، وحفظهم أموالهم ، ذكره الثعلبي . قال القاضي أبو يعلى: وهذا الابتلاء قبل البلوغ .

    قوله تعالى: حتى إذا بلغوا النكاح قال ابن قتيبة: أي: بلغوا أن ينكحوا النساء فإن آنستم أي: علمتم ، وتبينتم . وأصل: أنست: أبصرت . وفي الرشد أربعة أقوال .

    أحدها: الصلاح في الدين ، وحفظ المال ، قاله ابن عباس ، والحسن .

    [ ص: 15 ] والثاني: الصلاح في العقل ، وحفظ المال ، روي عن ابن عباس والسدي .

    والثالث: أنه العقل ، قاله مجاهد ، والنخعي . والرابع: العقل ، والصلاح في الدين ، روي عن السدي .

    فصل

    واعلم أن الله تعالى علق رفع الحجر عن اليتامى بأمرين; بالبلوغ والرشد ، وأمر الأولياء باختبارهم ، فإذا استبانوا رشدهم ، وجب عليهم تسليم أموالهم إليهم .

    والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء ، ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء; الاحتلام ، واستكمال خمس عشرة سنة ، والإنبات ، وشيئان يختصان بالنساء الحيض والحمل .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #106
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (106)
    صــ16 إلى صــ 20

    قوله تعالى: ولا تأكلوها إسرافا خطاب للأولياء ، قال ابن عباس : لا تأكلوها بغير حق . و"بدارا": تبادرون أكل المال قبل بلوغ الصبي ومن كان غنيا فليستعفف بماله عن مال اليتيم . وفي الأكل بالمعروف أربعة أقوال .

    أحدها: أنه الأخذ على وجه القرض ، وهذا مروي عن عمر ، وابن عباس ، وابن جبير ، وأبي العالية ، وعبيدة ، وأبي وائل ، ومجاهد ، ومقاتل .

    والثاني: الأكل بمقدار الحاجة من غير إسراف ، وهذا مروي عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وعطاء ، والنخعي ، وقتادة ، والسدي .

    والثالث: أنه الأخذ بقدر الأجرة إذا عمل لليتيم عملا ، روي عن ابن عباس ، وعائشة ، وهي رواية أبي طالب ، وابن منصور ، عن أحمد رضي الله عنه .

    والرابع: أنه الأخذ عند الضرورة ، فإن أيسر قضاه ، وإن لم يوسر ، فهو في حل ، وهذا قول الشعبي .

    [ ص: 17 ] فصل

    واختلف العلماء هل هذه الآية محكمة أو منسوخة؟ على قولين .

    أحدهما: محكمة ، وهو قول عمر ، وابن عباس ، والحسن ، والشعبي ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وابن جبير ، والنخعي ، وقتادة في آخرين . وحكمها عندهم أن الغني ليس له أن يأكل من مال اليتيم شيئا ، فأما الفقير الذي لا يجد ما يكفيه ، وتشغله رعاية مال اليتيم عن تحصيل الكفاية ، فله أن يأخذ قدر كفايته بالمعروف من غير إسراف .

    وهل عليه الضمان إذا أيسر؟ فيه قولان . لهم .

    أحدهما: أنه لا ضمان عليه ، بل يكون كالأجرة له على عمله ، وهو قول الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، وقتادة ، وأحمد بن حنبل .

    والثاني: إذا أيسر وجب عليه القضاء ، روي عن عمر وغيره ، وعن ابن عباس أيضا كالقولين .

    والقول الثاني: أنها منسوخة بقوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء: 29] وهذا مروي عن ابن عباس ، ولا يصح .

    قوله تعالى: فأشهدوا عليهم قال القاضي أبو يعلى: هذا على طريق الاحتياط لليتيم ، والولي ، وليس بواجب ، فأما اليتيم ، فإنه إذا كانت عليه بينة ، كان أبعد من أن يدعي عدم القبض ، وأما الولي ، فإن تظهر أمانته ، ويسقط عنه اليمين عند إنكار اليتيم للدفع ، وفي "الحسيب" ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الشهيد ، قاله ابن عباس ، والسدي ، ومقاتل .

    والثاني: أنه الكافي ، من قولك: أحسبني هذا الشيء [أي: كفاني ، والله حسيبي وحسيبك ، أي:كافينا ، أي: يكون حكما بيننا كافيا . [ ص: 18 ] قال الشاعر:


    ونقفي وليد الحي إن كان جائعا ونحسبه إن كان ليس بجائع


    أي: نعطيه ما يكفيه حتى يقول: حسبي] قاله ابن قتيبة والخطابي .

    والثالث: أنه المحاسب ، فيكون في مذهب جليس ، وأكيل ، وشريب ، حكاه ابن قتيبة والخطابي .
    للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا

    قوله تعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون سبب نزولها: أن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك ثلاث بنات وامرأة ، فقام رجلان من بني عمه ، يقال لهما: قتادة ، وعرفطة فأخذا ماله ، ولم يعطيا امرأته ، ولا بناته شيئا ، فجاءت امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له ذلك ، وشكت الفقر ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . وقال قتادة: كانوا لا يورثون النساء ، فنزلت هذه الآية .

    والمراد بالرجال: الذكور ، وبالنساء: الإناث ، صغارا كانوا أو كبارا .

    [ ص: 19 ] و"النصيب": الحظ من الشيء ، وهو مجمل في هذه الآية ، ومقداره معلوم من موضع آخر ، وذلك مثل قوله: وآتوا حقه يوم حصاده [الأنعام: 141] وقوله: خذ من أموالهم صدقة [التوبة: 103] والمفروض: الذي فرضه الله ، وهو آكد من الواجب .
    وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا

    قوله تعالى: وإذا حضر القسمة أولو القربى في هذه القسمة قولان .

    أحدهما: قسمة الميراث بعد موت الموروث ، فعلى هذا يكون الخطاب للوارثين ، وبهذا قال الأكثرون ، منهم ابن عباس ، والحسن ، والزهري .

    والثاني: أنها وصية الميت قبل موته ، فيكون مأمورا بأن يعين لمن لا يرثه شيئا ، روي عن ابن عباس ، وابن زيد . قال المفسرون: والمراد بأولي القربى: الذين لا يرثون ، "فارزقوهم منه" أي: أعطوهم منه ، وقيل: أطعموهم ، وهذا على الاستحباب عند الأكثرين ، وذهب قوم إلى أنه واجب في المال ، فإن كان الورثة كبارا ، تولوا إعطاءهم ، وإن كانوا صغارا ، تولى ذلك عنهم ولي مالهم ، فروي عن عبيدة أنه قسم مال أيتام ، فأمر بشاة ، فاشتريت من مالهم ، وبطعام فصنع ، وقال: لولا هذه الآية لأحببت أن يكون من مالي وكذلك فعل محمد بن سيرين في أيتام وليهم ، وكذلك روي عن مجاهد: أن ما تضمنته هذه الآية واجب .

    وفي "القول المعروف" أربعة أقوال .

    أحدها: أن يقول: لهم الولي حين يعطيهم: خذ بارك الله فيك ، رواه سالم الأفطس ، عن ابن جبير . [ ص: 20 ] والثاني: أن يقول: الولي: إنه مال يتامى ، ومالي فيه شيء ، رواه أبو بشر عن ابن جبير . وفي رواية أخرى عن ابن جبير ، قال: إن كان الميت أوصى لهم بشيء أنفذت لهم وصيتهم ، وإن كان الورثة كبارا رضخوا لهم ، وإن كانوا صغارا ، قال وليهم: إني لست أملك هذا المال ، إنما هو للصغار ، فذلك القول المعروف .

    والثالث: أنه العدة الحسنة ، وهو أن يقول: لهم أولياء الورثة: إن هؤلاء الورثة صغار ، فإذا بلغوا ، أمرناهم أن يعرفوا حقكم ، رواه عطاء بن دينار ، عن ابن جبير .

    والرابع: أنهم يعطون من المال ، ويقال لهم عند قسمة الأرضين والرقيق: بورك فيكم ، وهذا القول المعروف . قال الحسن والنخعي: أدركنا الناس يفعلون هذا .

    فصل

    اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #107
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (107)
    صــ21 إلى صــ 25




    أحدهما: أنها محكمة ، وهو قول أبي موسى الأشعري ، وابن عباس [ ص: 21 ] والحسن ، وأبي العالية ، والشعبي ، وعطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والنخعي ، والزهري ، وقد ذكرنا أن ما تضمنته من الأمر مستحب عند الأكثرين ، وواجب عند بعضهم .

    والقول الثاني: أنها منسوخة نسخها قوله: "يوصيكم الله في أولادكم" رواه مجاهد عن ابن عباس ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة في آخرين .
    وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا

    [ ص: 22 ] قوله تعالى: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا اختلفوا في المخاطب بهذه الآية على ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه خطاب للحاضرين عند الموصي ، وفي معنى الآية: على هذا القول قولان . . أحدهما: وليخش الذين يحضرون موصيا في ماله أن يأمروه بتفريقه فيمن لا يرثه ، فيفرقه ، ويترك ورثته ، كما لو كانوا هم الموصين لسرهم أن يحثهم من حضرهم على حفظ الأموال للأولاد ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل .

    والثاني: على الضد من هذا القول ، وهو أنه نهي لحاضري الموصي أي: يمنعوه من الوصية لأقاربه ، وأن يأمروه بالاقتصار على ولده ، وهذا قول مقسم ، وسليمان التيمي في آخرين .

    والقول الثاني: أنه خطاب لأولياء اليتامى متعلق بقوله: ولا تأكلوها إسرافا وبدارا فمعنى الكلام: أحسنوا فيمن وليتم من اليتامى ، كما تحبون أن يحسن ولاة أولادكم بعدكم ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، وابن السائب .

    والثالث: أنه خطاب للأوصياء أمروا بأداء الوصية على ما رسم الموصي ، وأن تكون الوجوه التي عينها مرعية بالمحافظة كرعي الذرية الضعاف من غير تبديل ، ثم نسخ ذلك بقوله: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه [البقرة: 182] فأمر الوصي بهذه الآية إذا وجد ميلا عن الحق أن يستعمل قضية الشرع ، ويصلح بين الورثة ، ذكره شيخنا علي بن عبيد الله ، وغيره ، في "الناسخ والمنسوخ" فعلى هذا تكون الآية منسوخة ، وعلى ما قبله تكون محكمة .

    [ ص: 23 ] و"الضعاف": جمع ضعيف ، وهم الأولاد الصغار . وقرأ حمزة: "ضعافا" بإمالة العين .

    قال أبو علي: ووجهها: أن ما كان على "فعال" وكان أوله حرفا مستعليا مكسورا ، نحو ضعاف ، وقفاف ، وخفاف; حسنت فيه الإمالة ، لأنه قد يصعد بالحرف المستعلي ، ثم يحدر بالكسر ، فيستحب أن لا يصعد بالتفخيم بعد التصوب بالكسر ، فيجعل الصوت على طريقة واحدة ، وكذلك قرأ حمزة: خافوا عليهم بإمالة الخاء ، والإمالة هاهنا: حسنة ، وإن كانت "الخاء" حرفا مستعليا ، لأنه يطلب الكسرة التي في "خفت" فينحو نحوها بالإمالة . والقول السديد: الصواب .
    إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا

    قوله تعالى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما في سبب نزولها قولان .

    أحدهما ، أن رجلا من غطفان ، يقال له: مرثد بن زيد ، ولي مال ابن أخيه ، فأكله ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل بن حيان .

    والثاني: أن حنظلة بن الشمردل ولي يتيما ، فأكل ماله ، فنزلت هذه الآية ، ذكره بعض المفسرين . وإنما خص الأكل بالذكر ، لأنه معظم المقصود ، وقيل: عبر به عن الأخذ .

    قال سعيد بن جبير: ومعنى الظلم: أن يأخذه بغير حق . وأما ذكر "البطون" فللتوكيد ، كما تقول: نظرت بعيني ، وسمعت بأذني . وفي المراد بأكلهم النار قولان .

    أحدهما: أنهم سيأكلون يوم القيامة نارا ، فسمي الأكل بما يؤول إليه أمرهم ، كقوله: أعصر خمرا [يوسف: 36] قال السدي: يبعث آكل مال اليتيم ظلما ، ولهب [ ص: 24 ] النار يخرج من فيه ، ومن مسامعه ، وأذنيه ، وأنفه ، وعينيه ، يعرفه من رآه يأكل مال اليتيم .

    والثاني: أنه مثل . معناه: يأكلون ما يصيرون به إلى النار ، كقوله: ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه [آل عمران: 143] أي: رأيتم أسبابه .

    قوله تعالى: وسيصلون سعيرا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، "وسيصلون" بفتح الياء ، وقرأ الحسن ، وابن عامر ، بضم الياء ، ووافقهما ابن مقسم ، إلا أنه شدد . والمعنى: سيحرقون بالنار ، ويشوون . والسعير: النار المستعرة ، واستعار النار: توقدها .

    فصل

    وقد توهم قوم لا علم لهم بالتفسير وفقهه ، أن هذه الآية منسوخة ، لأنهم سمعوا أنها لما نزلت ، تحرج القوم عن مخالطة اليتامى ، فنزل قوله: وإن تخالطوهم فإخوانكم [البقرة: 220] وهذا غلط ، وإنما ارتفع عنهم الحرج بشرط قصد الإصلاح ، لا على إباحة الظلم .
    يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين

    [ ص: 25 ] آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما


    قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

    أحدها: أن جابر بن عبد الله مرض فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: كيف أصنع في مالي يا رسول الله ، فنزلت هذه الآية ، رواه البخاري ومسلم .

    والثاني: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنتين لها ، فقالت: يا رسول قتل أبو هاتين معك يوم أحد ، وقد استفاء عمهما مالهما ، فنزلت ، روي عن جابر بن عبد الله أيضا .

    والثالث: أن عبد الرحمن أخا حسان بن ثابت مات ، وترك امرأة ، وخمس بنات ، فأخذ ورثته ماله ، ولم يعطوا امرأته ، ولا بناته شيئا ، فجاءت امرأته ، تشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي ،

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #108
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (108)
    صــ26 إلى صــ 30




    قال الزجاج : ومعنى يوصيكم: يفرض عليكم ، لأن الوصية منه فرض ، وقال غيره: إنما ذكره بلفظ الوصية لأمرين .

    أحدهما: أن الوصية تزيد على الأمر ، فكانت آكد .

    والثاني: أن في الوصية حقا للموصي ، فدل على تأكيد الحال بإضافته إلى حقه . وقرأ الحسن ، وابن أبي عبلة: "يوصيكم" بالتشديد .

    قوله تعالى: للذكر مثل حظ الأنثيين يعني: ، للابن من الميراث مثل حظ الأنثيين ، ثم ذكر نصيب الإناث من الأول ، فقال: فإن كن يعني: البنات (نساء فوق اثنتين وفي قوله: "فوق" قولان .

    أحدهما: أنها زائدة ، كقوله فاضربوا فوق الأعناق [الأنفال: 13]

    والثاني: أنهم بمعنى: الزيادة ، قال القاضي أبو يعلى: إنما نص على ما فوق الاثنتين ، والواحدة ولم ينص على الاثنتين لأنه لما جعل لكل واحدة مع الذكر الثلث ، كان لها مع الأنثى الثلث أولى .

    قوله تعالى: وإن كانت واحدة قرأ الجمهور بالنصب ، وقرأ نافع بالرفع ، على معنى: وإن وقعت ، أو وجدت واحدة .

    قوله تعالى: ولأبويه قال الزجاج : أبواه تثنية أب وأبة ، والأصل في الأم أن يقال لها: أبة ، ولكن استغنى عنها بأم ، والكناية في قوله "لأبويه" عن الميت وإن لم يجر له ذكر .

    وقوله تعالى: فلأمه الثلث أي: إذا لم يخلف غير أبوين ، فثلث ماله لأمه ، والباقي للأب ، وإنما خص الأم بالذكر ، لأنه لو اقتصر على قوله: وورثه أبواه ظن الظان أن المال يكون بينهما نصفين ، فلما خصها بالثلث ، دل على التفضيل .

    [ ص: 27 ] وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر "فلأمه" و في بطون أمهاتكم [الزمر: 6] و في أمها [القصص: 59] وفي أم الكتاب [الزخرف: 4] بالرفع . وقرأ حمزة ، والكسائي كل ذلك بالكسر إذا وصلا ، وحجتهما: أنهما أتبعا الهمزة ما قبلها ، من ياء أو كسرة .

    قوله تعالى: فإن كان له إخوة أي: مع الأبوين ، فإنهم يحجبون الأم عن الثلث ، فيردونها إلى السدس ، واتفقوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة إخوة ، حجبوا ، فإن كانا أخوين ، فهل يحجبانها؟ فيه قولان .

    أحدهما: يحجبانها عن الثلث ، قاله عمر ، وعثمان ، وعلي ، وزيد ، والجمهور .

    والثاني: لا يحجبها إلا ثلاثة ، قاله ابن عباس ، واحتج بقوله: إخوة . والأخوة: اسم جمع ، واختلفوا في أقل الجمع ، فقال: الجمهور: أقله ثلاثة ، وقال قوم: اثنان ، والأول: أصح . وإنما حجب العلماء الأم بأخوين لدليل اتفقوا عليه ، وقد يسمى الاثنان بالجمع ، قال الزجاج : جميع أهل اللغة يقولون: [ ص: 28 ] إن الأخوين جماعة ، وحكى سيبويه أن العرب تقول: وضعا رحالهما ، يريدون: رحلي راحلتيهما .

    قوله تعالى: من بعد وصية أي: هذه السهام إنما تقسم بعد الوصية والدين . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو بكر ، عن عاصم "يوصى بها" بفتح الصاد في الحرفين . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: "يوصي" فيهما بالكسر ، وقرأ حفص ، عن عاصم الأولى بالكسر ، والثانية بالفتح .

    واعلم أن الدين مؤخر في اللفظ ، مقدم في المعنى ، لأن الدين حق عليه ، والوصية حق له ، وهما جميعا مقدمان على حق الورثة إذا كانت الوصية في ثلث المال ، و"أو" لا توجب الترتيب ، إنما تدل على أن أحدهما إن كان ، فالميراث بعده ، وكذلك إن كانا .

    [ ص: 29 ] قوله تعالى: آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فيه قولان .

    أحدهما: أنه النفع في الآخرة ثم فيه قولان .

    أحدهما: أن الوالد إذا كان أرفع درجة من ولده ، رفع إليه ولده ، وكذلك الولد ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

    والثاني: أنه شفاعة بعضهم في بعض ، رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

    والقول الثاني أنه النفع في الدنيا ، قاله مجاهد . ثم في معناه: قولان .

    أحدهما: أن المعنى: لا تدرون هل موت الآباء أقرب ، فينتفع الأبناء بأموالهم ، أو موت الأبناء ، فينتفع الآباء بأموالهم؟ قاله ابن بحر .

    والثاني: أن المعنى: أن الآباء والأبناء يتفاوتون في النفع ، حتى لا يدري أيهم أقرب نفعا ، لأن الأولاد ينتفعون في صغرهم بالآباء ، والآباء ينتفعون في كبرهم بالأبناء ، ذكره القاضي أبو يعلى .

    وقال الزجاج : معنى الكلام: أن الله قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمة . ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم ، فتضعون الأموال على غير حكمة . إن الله كان عليما بما يصلح خلقه ، حكيما فيما فرض .

    وفي معنى "كان" ثلاثة أقوال .

    أحدها: أن معناها: كان عليما بالأشياء قبل خلقها ، حكيما فيما يقدر تدبيره منها ، قاله الحسن .

    والثاني: أن معناها: لم يزل . قال سيبويه: كأن القوم شاهدوا علما وحكمة ، [ ص: 30 ] فقيل: لهم: إن الله كان كذلك ، أي: لم يزل على ما شاهدتم ، ليس ذلك بحادث .

    والثالث: أن لفظة "كان" في الخبر عن الله عز وجل يتساوى ماضيها ومستقبلها ، لأن الأشياء عنده على حال واحدة ، ذكر هذه الأقوال . الزجاج .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #109
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (109)
    صــ31 إلى صــ 35

    ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم

    قوله تعالى: وإن كان رجل يورث كلالة قرأ الحسن: "يورث" بفتح الواو ، وكسر الراء مع التشديد . وفي الكلالة أربعة أقوال .

    أحدها: أنها ما دون الوالد والولد ، قاله أبو بكر الصديق . وقال عمر ابن الخطاب: أتى على حين وأنا لا أعرف ما الكلالة ، فإذا هو: من لم يكن له والدا ولا ولدا ، وهذا قول علي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، [ ص: 31 ] والحسن ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والزهري ، وقتادة ، والفراء ، وذكر الزجاج عن أهل اللغة ، أن "الكلالة": من قولهم: تكلله النسب ، أي: لم يكن الذي يرثه ابنه ، ولا أباه . قال: والكلالة سوى الوالد والولد ، وإنما هو كالإكليل على الرأس . وذكر ابن قتيبة عن أبي عبيدة أنه مصدر تكلله النسب: إذا أحاط به . والابن والأب: طرفان للرجل ، فإذا مات ، ولم يخلفهما ، فقد مات عن ذهاب طرفيه ، فسمي ذهاب الطرفين: كلالة [وكأنها اسم للمصيبة في تكلل النسب مأخوذ منه; نحو هذا قولهم: وجهت الشيء" أخذت وجهه ، وثغرت الرجل: كسرت ثغره]

    والثاني: أن الكلالة: من لا ولد له ، رواه ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب ، وهو قول طاوس .

    والثالث: أن الكلالة: ما عدا الوالد ، قاله الحكم .

    والرابع: أن الكلالة: بنو العم الأباعد ، ذكره ابن فارس ، عن ابن الأعرابي .

    واختلفوا على ما يقع اسم الكلالة على ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه اسم للحي الوارث ، وهذا مذهب أبي بكر الصديق ، وعامة [ ص: 32 ] العلماء الذين قالوا: إن الكلالة من دون الوالد والولد ، فإنهم قالوا: الكلالة: اسم للورثة إذا لم يكن فيهم ولد ولا والد ، قال بعض الأعراب: مالي كثير ، ويرثني كلالة متراخ نسبهم .

    والثاني: أنه اسم للميت ، قاله ابن عباس ، والسدي ، وأبو عبيدة في جماعة . قال القاضي أبو يعلى: الكلالة: اسم للميت ، ولحاله ، وصفته ، ولذلك انتصب .

    والثالث: أنه اسم للميت والحي ، قاله ابن زيد .

    وفيما أخذت منه الكلالة قولان .

    أحدهما: أنه اسم مأخوذ من الإحاطة ، ومنه الإكليل ، لإحاطته بالرأس .

    والثاني: أنه مأخوذ من الكلال ، وهو التعب ، كأنه يصل إلى الميراث من بعد وإعياء . قال الأعشى :
    فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من حفى حتى تزور محمدا
    [ ص: 33 ] قوله: وله أخ أو أخت يعني: من الأم بإجماعهم .

    قوله تعالى: فهم شركاء في الثلث قال قتادة: ذكرهم وأنثاهم فيه سواء .

    قوله تعالى: غير مضار قال الزجاج : غير منصوب على الحال ، والمعنى: يوصي بها غير مضار ، يعني: للورثة .
    تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم

    قوله تعالى: تلك حدود الله قال ابن عباس : يريد ما حد الله من فرائضه في الميراث ومن يطع الله ورسوله في شأن المواريث يدخله جنات قرأ ابن عامر ، ونافع: "ندخله" بالنون في الحرفين جميعا ، والباقون بالياء فيهما .
    ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين

    قوله تعالى: ومن يعص الله فلم يرض بقسمه (يدخله نارا فإن قيل: كيف قطع للعاصي بالخلود؟ فالجواب: أنه إذا رد حكم الله ، وكفر به ، كان كافرا مخلدا في النار .
    واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا

    قوله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة قال الزجاج : "التي" تجمع اللاتي واللواتي .

    قال الشاعر: [ ص: 34 ]


    من اللواتي والتي واللاتي زعمن أني كبرت لداتي


    وتجمع اللاتي بإثبات التاء وحذفها .

    قال الشاعر:


    من اللاتي لم يحججن يبغين حسبة ولكن ليقتلن البريء المغفلا


    والفاحشة: الزنى في قول الجماعة . وفي قوله: فاستشهدوا عليهن قولان .

    أحدهما: أنه خطاب للأزواج .

    والثاني: خطاب للحكام ، فالمعنى: اسمعوا شهادة أربعة منكم ، ذكرهما الماوردي . قال عمر بن الخطاب: إنما جعل الله عز وجل الشهور أربعة سترا ستركم به دون فواحشكم . ومعنى "منكم": من المسلمين .

    قوله تعالى: فأمسكوهن في البيوت قال ابن عباس : كانت المرأة إذا زنت ، حبست في البيت حتى تموت ، فجعل الله لهن سبيلا ، وهو الجلد ، أو الرجم .
    واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما

    قوله تعالى: واللذان قرأ ابن كثير: "واللذان" بتشديد النون ، و"هذان" في (طه) و(الحج) و"هاتين" في (القصص): إحدى ابنتي هاتين و"فذانك" [ ص: 35 ] كله بتشديد النون . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، بتخفيف ذلك كله ، وشدد أبو عمرو "فذانك" وحدها .

    وقوله: واللذان: يعني: الزانيين . وهل هو عام ، أم لا؟ فيه قولان .

    أحدهما: أنه عام في الأبكار والثيب من الرجال والنساء ، قاله الحسن ، وعطاء .

    والثاني: أنه خاص في البكرين إذا زنيا ، قاله أبو صالح ، والسدي ، وابن زيد ، وسفيان . قال القاضي أبو يعلى: والأول أصح ، لأن هذا تخصيص بغير دلالة .

    قوله تعالى: يأتيانها يعني: الفاحشة . قوله: فآذوهما فيه قولان .

    أحدهما: أنه الأذى بالكلام ، والتعيير ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والسدي ، والضحاك ، ومقاتل .

    والثاني: أنه التعيير ، والضرب بالنعال ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس . فإن تابا من الفاحشة وأصلحا العمل فأعرضوا عن أذاهما . وهذا كله كان قبل الحد .

    فصل

    كان حد الزانيين ، فيما تقدم ، الأذى لهما ، والحبس للمرأة خاصة ، فنسخ الحكمان جميعا ، واختلفوا بماذا وقع نسخهما ، فقال: قوم: بحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، الثيب بالثيب جلد مائة ، ورجم بالحجارة ، والبكر بالبكر جلد مائة ، ونفي سنة وهذا على قول من يرى نسخ القرآن بالسنة .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #110
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (110)
    صــ36 إلى صــ 40

    وقال قوم: نسخ بقوله: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" [النور: 2] قالوا: وكان قوله: "واللذان يأتيانها" للبكرين ، فنسخ حكمهما بالجلد ، ونسخ حكم الثيب من النساء بالرجم .

    وقال قوم: يحتمل أن يكون النسخ وقع بقرآن ، ثم رفع رسمه ، وبقي حكمه ، لأن في حديث عبادة "قد جعل الله لهن سبيلا" والظاهر: أنه جعل بوحي لم تستقر تلاوته . قال القاضي أبو يعلى: وهذا وجه صحيح ، يخرج على قول من لم ينسخ القرآن بالسنة . قال: ويمتنع أن يقع النسخ بحديث عبادة ، لأنه من أخبار الآحاد ، والنسخ لا يجوز بذلك .
    إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما

    قوله تعالى: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة قال الحسن: إنما التوبة التي يقبلها الله ، فأما "السوء" ، فهو المعاصي ، سمي سوء لسوء عاقبته . [ ص: 37 ] قوله تعالى: بجهالة قال مجاهد: كل عاص فهو جاهل حين معصيته . وقال الحسن ، وعطاء ، وقتادة ، والسدي في آخرين: إنما سموا جهالا لمعاصيهم ، لا أنهم غير مميزين .

    وقال الزجاج : ليس معنى الآية: أنهم يجهلون أنه سوء ، لأن المسلم لو أتى ما يجهله ، كان كمن لم يوقع سوء ، وإنما يحتمل أمران .

    أحدهما: أنهم عملوه ، وهم يجهلون المكروه فيه .

    والثاني: أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة ، وآثروا العاجل على الآجل ، فسموا جهالا ، لإيثارهم القليل على الراحة الكثيرة ، والعاقبة الدائمة .

    وفي "القريب" ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه التوبة في الصحة ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس ، وبه قال السدي ، وابن السائب .

    والثاني: أنه التوبة قبل معاينة ملك الموت ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وبه قال أبو مجلز .

    والثالث: أنه التوبة قبل الموت ، وبه قال ابن زيد في آخرين .
    [ ص: 38 ] وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما

    قوله تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات في السيئات ثلاثة أقوال .

    أحدها: الشرك ، قاله ابن عباس ، وعكرمة .

    والثاني: أنها النفاق ، قاله أبو العالية ، وسعيد بن جبير .

    والثالث: أنها سيئات المسلمين ، قاله سفيان الثوري ، واحتج بقوله ولا الذين يموتون وهم كفار .

    قوله تعالى: حتى إذا حضر أحدهم الموت في الحضور قولان .

    أحدهما: أنه السوق ، قاله ابن عمر .

    والثاني: أنه معاينة الملائكة لقبض الروح ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وقد روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنه قال: أنزل الله تعالى بعد هذه الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية [النساء: 116] . فحرم المغفرة على من مات مشركا ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته [فلم يؤيسهم من المغفرة] . فعلى هذا تكون منسوخة في حق المؤمنين .
    يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا

    قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها سبب [ ص: 39 ] نزولها: أن الرجل كان إذا مات ، كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاؤوا زوجوها ، وإن شاؤوا لم يزوجوها ، فنزلت هذه الآية . قاله ابن عباس . وقال في رواية أخرى: كانوا في أول الإسلام إذا مات الرجل ، قام أقرب الناس منه ، فيلقي على امرأته ثوبا ، فيرث نكاحها . وقال مجاهد: كان إذا توفي الرجل ، فابنه الأكبر أحق بامرأته ، فينكحها إن شاء ، أو ينكحها من شاء ، وقال أبو أمامة بن سهل ابن حنيف: لم توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته من بعده ، وكان ذلك لهم في الجاهلية ، فنزلت هذه الآية . قال عكرمة: واسم هذه المرأة: كبيشة بنت معن بن عاصم ، وكان هذا في العرب . وقال أبو مجلز: كانت الأنصار تفعله . وقال ابن زيد: كان هذا في أهل المدينة . وقال السدي: إنما كان ذلك للأولياء ما لم تسبق المرأة ، فتذهب إلى أهلها ، فإن ذهبت ، فهي أحق بنفسها .

    وفي معنى قوله: أن ترثوا النساء كرها قولان .

    أحدهما: أن ترثوا نكاح النساء ، وهذا قول الجمهور .

    والثاني: أن ترثوا أموالهن كرها . روى ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال: كان يلقي حميم الميت على الجارية ثوبا ، فإن كانت جميلة تزوجها ، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ، فيرثها .

    [ ص: 40 ] 2 - واختلف القراء في فتح كاف "الكره" وضمتها في أربعة مواضع: هاهنا ، وفي "التوبة" وفي "الأحقاف" في موضعين ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو بفتح الكاف فيهن ، وضمهن حمزة . وقرأ عاصم ، وابن عامر بالفتح في "النساء" و"التوبة" ، وبالضم في "الأحقاف" . وهما لغتان ، قد ذكرناهما في "البقرة" .

    وفيمن خوطب بقوله: "ولا تعضلوهن" ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه خطاب للأزواج ، ثم في العضل الذي نهى عنه ثلاثة أقوال .

    أحدها: أن الرجل كان يكره صحبة امرأته ، ولها عليه مهر ، فيحبسها ، ويضربها لتفتدي ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي .

    والثاني: أن الرجل كان ينكح المرأة الشريفة ، فلعلها لا توافقه ، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ، ويشهد على ذلك ، فإذا خطبت ، فأرضته ، أذن لها ، وإلا عضلها قاله ابن زيد .

    والثالث: أنهم كانوا بعد الطلاق يعضلون ، كما كانت الجاهلية تفعل ، فنهوا عن ذلك ، روي عن ابن زيد أيضا . وقد ذكرنا في "البقرة" أن الرجل كان يطلق المرأة ، ثم يراجعها ، ثم يطلقها كذلك أبدا إلى غير غاية يقصد إضرارها ، حتى نزلت الطلاق مرتان [البقرة: 229] .

    والقول الثاني: أنه خطاب للأولياء ، ثم في ما نهوا عنه ثلاثة أقوال .

    أحدها: أن الرجل كان في الجاهلية إذا كانت له قرابة قريبة ، ألقى عليها ثوبه ، فلم تتزوج أبدا غيره إلا بإذنه ، قاله ابن عباس .

    والثاني: أن اليتيمة كانت تكون عند الرجل فيحبسها حتى تموت ، أو تتزوج بابنه ، قاله مجاهد .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #111
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (111)
    صــ41 إلى صــ 45


    [ ص: 41 ] والثالث: أن الأولياء كانوا يمنعون النساء من التزويج ، ليرثوهن ، روي عن مجاهد أيضا .

    والقول الثالث: أنه خطاب لورثة أزواج النساء الذين قيل: لهم: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها . كان الرجل يرث امرأة قريبة ، فيعضلها حتى تموت ، أو ترد عليه صداقها . هذا قول ابن عباس في آخرين . وعلى هذا يكون الكلام متصلا بالأول ، وعلى الأقوال . التي قبله يكون ذكر العضل منفصلا عن قوله: أن ترثوا النساء .

    وفي الفاحشة قولان . . أحدهما: أنها النشوز على الزوج ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة في جماعة .

    والثاني: الزنى ، قاله الحسن ، وعطاء ، وعكرمة في جماعة . وقد روى معمر عن عطاء الخراساني ، قال: كانت المرأة إذا أصابت فاحشة ، أخذ زوجها ما ساق إليها ، وأخرجها ، فنسخ ذلك بالحد . قال ابن جرير: وهذا القول ليس بصحيح ، لأن الحد حق الله ، والافتداء حق للزوج ، وليس أحدهما: مبطلا للآخر ، [ ص: 42 ] والصحيح: أنها إذا أتت بأي فاحشة كانت ، من زنى الفرج ، أو بذاءة اللسان ، جاز له أن يعضلها ، ويضيق عليها حتى تفتدي . فأما قوله: "مبينة" فقرأ ابن كثير ، وأبو بكر ، عن عاصم: "مبينة" ، و"آيات مبينات" بفتح الياء فيهما جميعا . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص ، عن عاصم: بكسر الياء فيهما ، وقرأ نافع ، أبو عمرو "مبينة" كسرا و"آيات مبينات" فتحا . وقد سبق ذكر "العشرة" .

    قوله تعالى: فعسى أن تكرهوا شيئا قال ابن عباس : ربما رزق الله منهما ولدا ، فجعل الله في ولدها خيرا كثيرا . وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها ، ونبهت على معنيين . أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح ، فرب مكروه عاد محمودا ، ومحمود عاد مذموما .

    والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبا ليس فيه ما يكره ، فليصبر على ما يكره لما يحب . وأنشدوا في هذا المعنى:


    ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب

    ومن يتتبع جاهدا كل عثرة
    يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب .



    [ ص: 43 ] وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا

    قوله تعالى: وإن أردتم استبدال زوج هذا الخطاب للرجال . والزوج: المرأة . وقد سبق ذكر "القنطار" في (آل عمران .

    قوله تعالى: فلا تأخذوا منه شيئا إنما ذلك في حق من وطئها ، أو خلا بها ، وقد بينت ذلك الآية التي بعدها . قال القاضي أبو يعلى: وإنما خص النهي عن أخذ شيء مما أعطى بحال الاستبدال ، وإن كان المنع عاما ، لئلا يظن ظان أنه لما عاد البضع إلى ملكها ، وجب أن يسقط حقها من المهر ، أو يظن ظان أن الثانية أولى بالمهر منها ، لقيامها مقامها .

    وفي البهتان قولان . . أحدهما: أنه الظلم ، قاله ابن عباس ، وابن قتيبة .

    والثاني: الباطل ، قاله الزجاج . ومعنى الكلام: أتأخذونه مباهتين آثمين .
    وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا

    قوله تعالى: وكيف تأخذونه أي: كيف تستجيزون أخذه . وفي "الإفضاء" قولان .

    أحدهما: أنه الجماع ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، ومقاتل ، وابن قتيبة .

    والثاني: الخلوة بها ، وإن لم يغشها ، قاله الفراء .

    وفي المراد بالميثاق هاهنا: ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الذي أخذه الله للنساء على الرجال; الإمساك بمعروف ، أو التسريح بإحسان . هذا قول ابن عباس ، والحسن ، وابن سيرين ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل .

    [ ص: 44 ] والثاني: أنه عقد النكاح ، قاله مجاهد ، وابن زيد .

    والثالث: أنه أمانة الله ، قاله الربيع .
    ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا

    قوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف قال ابن عباس : كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب ، والجمع بين الأختين ، فنزلت هذه الآية . وقال بعض الأنصار: توفي أبو قيس بن الأسلت ، فخطب ابنه قيس امرأته ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تستأذنه ، وقالت: إنما كنت أعده ولدا ، فنزلت هذه الآية .

    قال أبو عمر غلام ثعلب: الذي حصلناه عن ثعلب ، عن الكوفيين ، والمبرد عن البصريين ، أن "النكاح" في أصل اللغة: اسم للجمع بين الشيئين . وقد سموا الوطء نفسه نكاحا من غير عقد .

    قال الأعشى:

    ومنكوحة غير ممهورة

    يعني: المسبية الموطوءة بغير مهر ولا عقد . قال القاضي أبو يعلى: قد يطلق النكاح على العقد ، قال الله تعالى: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن [الأحزاب: 49] وهو حقيقة في الوطء ، مجاز في العقد ، لأنه اسم للجمع ، والجمع: إنما يكون بالوطء ، فسمي العقد نكاحا ، لأنه سبب إليه .

    قوله تعالى: إلا ما قد سلف فيه ستة أقوال .

    أحدها: أنها بمعنى: بعد ما قد سلف ، فإن الله يغفره ، قاله الضحاك ، والمفضل . [ ص: 45 ] وقال الأخفش: المعنى: لا تنكحوا ما نكح آباؤكم ، فإنكم تعذبون به ، إلا ما قد سلف ، فقد وضعه الله عنكم .

    والثاني: أنها بمعنى: سوى ما قد سلف ، قاله الفراء .

    والثالث: أنها بمعنى: لكن ما قد سلف فدعوه ، قاله قطرب . وقال ابن الأنباري: لكن ما قد سلف ، فإنه كان فاحشة .

    والرابع: أن المعنى: ولا تنكحوا كنكاح آبائكم النساء ، أي: كما نكحوا على الوجوه الفاسدة التي لا تجوز في الإسلام إلا ما قد سلف في جاهليتكم ، من نكاح لا يجور ابتداء مثله في الإسلام ، فإنه معفو لكم عنه ، وهذا كقول القائل: لا تفعل ما فعلت ، أي: لا تفعل مثل ما فعلت ، ذكره ابن جرير .

    والخامس: أنها بمعنى: "الواو" فتقديرها: ولا ما قد سلف ، فيكون المعنى: اقطعوا ما أنتم عليه من نكاح الآباء ، ولا تبتدئوا ، قاله بعض أهل المعاني .

    والسادس: أنها للاستثناء ، فتقدير الكلام: لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح [الجائز الذي كان عقده بينهم] إلا ما قد سلف منهم بالزنى ، والسفاح ، فإنهن حلال لكم ، قاله ابن زيد .

    قوله تعالى: "إنه" يعني: النكاح ، و"الفاحشة": ما يفحش ويقبح . و"المقت": أشد البغض . وفي المراد بهذا "المقت" قولان .

    أحدهما: أنه اسم لهذا النكاح ، وكانوا يسمون نكاح امرأة الأب في الجاهلية: مقتا ، ويسمون الولد منه: "المقتي" . فأعلموا أن هذا الذي حرم عليهم [من نكاح امرأة الأب] لم يزل منكرا [في قلوبهم] ممقوتا عندهم . هذا قول الزجاج .

    [ ص: 46 ] والثاني: أنه يوجب مقت الله لفاعله ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

    قوله: وساء سبيلا قال ابن قتيبة: أي: قبح هذا الفعل طريقا .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #112
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (112)
    صــ46 إلى صــ 50



    حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما

    قوله تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم قال الزجاج : الأصل في أمهات: أمات ، ولكن الهاء زيدت مؤكدة ، كما زادوها في: أهرقت الماء ، وإنما أصله: أرقت .

    قوله تعالى: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم إنما سمين أمهات ، لموضع الحرمة .

    واختلفوا: هل يعتبر في الرضاع العدد ، أم لا؟ فنقل حنبل ، عن أحمد: أنه يتعلق التحريم بالرضعة الواحدة ، وهو قول عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وابن عمر ، والحسن ، وطاووس ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، والأوزاعي ، والثوري ، ومالك ، وأبي حنيفة وأصحابه . ونقل محمد بن العباس ، عن أحمد: أنه يتعلق التحريم بثلاث رضعات . ونقل أبو الحارث ، عن أحمد: لا يتعلق بأقل من [ ص: 47 ] خمس رضعات متفرقات ، وهو قول الشافعي .

    قوله تعالى: وأمهات نسائكم أمهات النساء: يحرمن بنفس العقد على البنت ، سواء دخل بالبنت ، أو لم يدخل ، وهذا قول عمر ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، ومسروق ، وعطاء ، وطاووس ، والحسن والجمهور . وقال علي رضي الله عنه في رجل طلق امرأته قبل الدخول: له أن يتزوج أمها وهذا قول مجاهد ، وعكرمة .

    قوله تعالى: وربائبكم الربيبة: بنت امرأة الزوج من غيره ، ومعنى الربيبة: مربوبة ، لأن الرجل يربيها ، وخرج الكلام على الأعم من كون التربية في حجر الرجل ، لا على الشرط . قوله: وحلائل أبنائكم قال الزجاج : الحلائل: الأزواج . وحليلة: بمعنى: محلة ، وهي مشتقة من الحلال . وقال غيره: سميت بذلك ، لأنها [ ص: 48 ] تحل معه أينما كان . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال: الحليل: الزوج ، والحليلة: المرأة ، وسميا بذلك ، إما لأنهما يحلان في موضع واحد ، أو لأن كل واحد منهما يحال صاحبه ، أي: ينازله ، أو لأن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه . قوله: الذين من أصلابكم قال عطاء: إنما ذكر الأصلاب ، لأجل الأدعياء . والكلام في قوله: إلا ما قد سلف على نحو ما تقدم في الآية التي قبلها . وقد زادوا في هذا قولين آخرين . أحدهما: إلا ما قد سلف من أمر يعقوب عليه السلام ، لأنه جمع بين أم يوسف وأختها ، وهذا مروي عن عطاء ، والسدي ، وفيه ضعف لوجهين .

    أحدهما: أن هذا التحريم يتعلق بشريعتنا ، وليس كل الشرائع تتفق ، ولا وجه للعفو عنا فيما فعله غيرنا . والثاني: أنه لو طولب قائل هذا بتصحيح نقله ، لعسر عليه .

    والقول الثاني: أن تكون فائدة هذا الاستثناء أن العقود المتقدمة على الأختين لا تنفسخ ، ويكون للإنسان أن يختار إحداهما ، ومنه حديث فيروز الديلمي قال: أسلمت وعندي أختان ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "طلق إحداهما" ذكره القاضي أبو يعلى .
    [ ص: 49 ] والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما

    قوله: والمحصنات من النساء أما سبب نزولها ، فروى أبو سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، فاستحللناهن .

    وأما خلاف القراء ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة بفتح الصاد في كل القرآن ، وفتح الكسائي الصاد في هذه وحدها ، وقرأ سائر القرآن بالكسر ، و"المحصنات" و"محصنات" . قال ابن قتيبة: والإحصان: أن يحمي الشيء ، ويمنع منه ، فالمحصنات [من النساء]: ذوات الأزواج ، لأن الأزواج أحصنوهن ، ومنعوا منهن . قال الله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم والمحصنات: الحرائر وإن لم يكن متزوجات ، لأن الحرة تحصن وتحصن ، وليست كالأمة ، قال الله تعالى: ومن لم [ ص: 50 ] يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات [ النساء: 25] وقال: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [النساء: 25] يعني: الحرائر ، والمحصنات: العفائف . و قال الله تعالى: والذين يرمون المحصنات [النور: 4] يعني: العفائف . وقال الله تعالى: ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها [التحريم: 12] أي: عفت .

    وفي المراد بالمحصنات هاهنا: ثلاثة أقوال .

    أحدها: ذوات الأزواج ، وهذا قول ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، وابن جبير ، والنخعي ، وابن زيد ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج .

    والثاني: العفائف: فإنهن حرام على الرجال إلا بعقد نكاح ، أو ملك يمين . وهذا قول عمر بن الخطاب ، وأبي العالية ، وعطاء ، وعبيدة ، والسدي .

    والثالث: الحرائر ، فالمعنى: أنهن حرام بعد الأربع اللواتي ذكرن في أول السورة ، روي عن ابن عباس ، وعبيدة .

    فعلى القول الأول في معنى قوله: إلا ما ملكت أيمانكم قولان .

    أحدهما: أن معناه: إلا ما ملكت أيمانكم من السبايا في الحروب ، وعلى هذا تأول الآية علي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن عمر ، وابن عباس ، وكان هؤلاء لا يرون بيع الأمة طلاقا .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #113
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (113)
    صــ51 إلى صــ 55



    والثاني: إلا ما ملكت أيمانكم من الإماء ذوات الأزواج ، بسبي أو غير سبي ، وعلى هذا تأول الآية ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وجابر ، وأنس ، وكان هؤلاء يرون بيع الأمة طلاقا . وقد ذكر ابن جرير ، عن ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والحسن: أنهم قالوا: بيع الأمة طلاقها ، والأول أصح ، [ ص: 51 ] لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة إذ أعتقتها عائشة ، بين المقام مع زوجها الذي زوجها منه سادتها في حال رقها ، وبين فراقه ، ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم عتق عائشة إياها طلاقا ، ولو كان طلاقا لم يكن لتخييره إياها معنى . ويدل على صحة القول الأول ما ذكرناه من سبب نزول الآية .

    وعلى القول الثاني: العفائف حرام إلا بملك ، والملك يكون عقدا ، ويكون ملك يمين .

    وعلى القول الثالث: الحرائر حرام بعد الأربع إلا ما ملكت أيمانكم من الإماء ، فإنهن لم يحصرن بعدد .

    قوله تعالى: كتاب الله عليكم قال الزجاج : هو منصوب على التوكيد ، محمول على المعنى ، لأن معنى "حرمت عليكم أمهاتكم": كتب الله عليكم هذا كتابا ، قال: ويجوز أن ينتصب على جهة الأمر ، ويكون "عليكم" مفسرا له ، فيكون المعنى: الزموا كتاب الله . قال: وأحل لكم ما وراء ذلكم أي: ما بعد هذه الأشياء ، إلا أن السنة ، قد حرمت تزويج المرأة على عمتها ، وتزويجها على خالتها ، وقرأ ابن السميفع ، وأبو عمران: ( كتب الله عليكم ) [ ص: 52 ] بفتح الكاف ، والتاء ، والباء ، من غير ألف ، ورفع الهاء . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: وأحل بفتح الحاء ، وقرأ حمزة ، والكسائي: بضم الألف .

    فصل

    قال شيخنا علي بن عبيد الله: وعامة العلماء ذهبوا إلى أن قوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم تحليل ورد بلفظ العموم ، وأنه عموم دخله التخصيص ، والمخصص له نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها ، أو على خالتها ، وليس هذا على سبيل النسخ . وذهب طائفة إلى أن التحليل المذكور في الآية منسوخ بهذا الحديث .

    قوله تعالى: أن تبتغوا بأموالكم أي: تطلبوا إما بصداق في نكاح ، أو ثمن في ملك "محصنين" قال ابن قتيبة: متزوجين ، وقال الزجاج : عاقدين التزويج ، وقال غيرهما: متعففين غير زانين . والسفاح: الزنى ، قال ابن قتيبة: أصله من سفحت القربة: إذا صببتها ، فسمي الزنى سفاحا ، لأنه [يسافح] يصب النطفة ، وتصب المرأة النطفة . وقال ابن فارس: السفاح: صب الماء بلا عقد ، ولا نكاح ، فهو كالشيء يسفح ضياعا .

    قوله تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فيه قولان .

    [ ص: 53 ] أحدهما: أنه الاستمتاع في النكاح بالمهور ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والجمهور .

    والثاني: أنه الاستمتاع إلى أجل مسمى من غير عقد نكاح . وقد روي عن ابن عباس: أنه كان يفتي بجواز المتعة ، ثم رجع عن ذلك وقد تكلف قوم من مفسري القراء ، فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة ، ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء ، وهذا تكلف لا يحتاج إليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة ، ثم منع منها ، فكان قوله منسوخا بقوله . وأما الآية ، [ ص: 54 ] فإنها لم تتضمن جواز المتعة . لأنه تعالى قال فيها: أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فدل ذلك على النكاح الصحيح . قال الزجاج : ومعنى قوله: فما استمتعتم به منهن فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت ، وهو قوله: محصنين غير مسافحين أي: عاقدين التزويج فآتوهن أجورهن أي: مهورهن . ومن ذهب في الآية إلى غير هذا ، فقد أخطأ ، وجهل اللغة .

    قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة فيه ستة أقوال .

    أحدها: أن معناه: لا جناح عليكم فيما تركته المرأة من صداقها ، ووهبته لزوجها ، هذا مروي عن ابن عباس ، وابن زيد .

    والثاني: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من مقام ، أو فرقة بعد أداء الفريضة ، روي عن ابن عباس أيضا .

    والثالث: ولا جناح عليكم أيها الأزواج إذا أعسرتم بعد الفرض لنسائكم فيما تراضيتم به من أن ينقصنكم أو يبرئنكم ، قاله أبو سليمان التيمي .

    [ ص: 55 ] والرابع: لا جناح عليكم إذا انقضى أجل المتعة أن يزدنكم في الأجل ، وتزيدونهن في الأجر من غير استبراء ، قاله السدي ، وهو يعود إلى قصة المتعة .

    والخامس: لا جناح عليكم أن تهب المرأة للرجل مهرها ، أو يهب هو للتي لم يدخل بها نصف المهر الذي لا يجب عليه . قاله الزجاج .

    والسادس: أنه عام في الزيادة ، والنقصان ، والتأخير ، والإبراء ، قاله القاضي أبو يعلى .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #114
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (114)
    صــ56 إلى صــ 60


    ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم

    قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا "الطول": الغنى والسعة في قول الجماعة . و"المحصنات": الحرائر ، قال الزجاج : والمعنى: من لم يقدر على مهر [ ص: 56 ] الحرة ، يقال: قد طال فلان طولا على فلان ، أي: كان له فضل عليه في القدرة .

    والمراد بالفتيات هاهنا: المملوكات ، يقال للأمة: فتاة ، وللعبد: فتى ، وقد سمي بهذا الاسم من ليس بمملوك . قرأت على شيخنا الإمام أبي منصور اللغوي قال: المتفتية: الفتاة والمراهقة ، ويقال للجارية الحدثة: فتاة ، وللغلام: فتى . قال القتيبي: وليس الفتى بمعنى: الشاب والحدث ، إنما هو بمعنى: الكامل الجزل من الرجال .

    فأما ذكر الأيمان ، فشرط في إباحتهن ، ولا يجوز نكاح الأمة الكتابية ، هذا قول الجمهور ، وقال أبو حنيفة: يجوز .

    قوله تعالى: والله أعلم بإيمانكم قال الزجاج : معناه: اعملوا على ظاهركم في الإيمان ، فإنكم متعبدون بما ظهر من بعضكم لبعض . قال: وفي قوله: بعضكم من بعض وجهان . [ ص: 57 ] أحدهما: أنه أراد النسب ، أي: كلكم ولد آدم . ويجوز أن يكون معناه: دينكم واحد ، لأنه ذكر هاهنا: المؤمنات . وإنما قيل لهم: ذلك ، لأن العرب كانت تطعن في الأنساب ، وتفخر بالأحساب ، وتسمي ابن الأمة: الهجين ، فأعلم الله عز وجل أن أمر العبيد وغيرهم مستو في باب الإيمان ، وإنما كره التزويج بالأمة ، وحرم إذا وجد إلى الحرة سبيلا ، لأن ولد الأمة من الحر يصيرون رقيقا ، ولأن الأمة ممتهنة في عشرة الرجال ، وذلك يشق على الزوج .

    قال ابن الأنباري: ومعنى الآية: كلكم بنو آدم ، فلا يتداخلكم شموخ وأنفة من تزوج الإماء عند الضرورة .

    وقال ابن جرير: في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات [المؤمنات] ، فلينكح بعضكم من بعض ، أي: لينكح هذا فتاة هذا .

    قوله تعالى: فانكحوهن يعني: الإماء (بإذن أهلهن ، أي: سادتهن . و"الأجور": المهور .

    وفي قوله بالمعروف قولان .

    أحدهما: أنه مقدم في المعنى ، فتقديره: انكحوهن بإذن أهلهن بالمعروف ، أي: بالنكاح الصحيح وآتوهن أجورهن .

    والثاني: أن المعنى: وآتوهن أجورهن بالمعروف ، كمهور أمثالهن . قال ابن عباس : "محصنات": عفائف غير زوان ولا متخذات أخدان يعني: أخلاء كان الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنى ، ويستحلون ما خفي . وقال في رواية أخرى: "المسافحات": المعلنات بالزنى . و"المتخذات أخدانا": ذات الخليل [ ص: 58 ] الواحد . وقال غيره: كانت المرأة تتخذ صديقا تزني معه ، ولا تزني مع غيره .

    قوله تعالى: فإذا أحصن قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "أحصن" مضمومة الألف . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، والمفضل عن عاصم: بفتح الألف ، والصاد . قال ابن جرير: من قرأ بالفتح ، أراد: أسلمن ، فصرن ممنوعات الفروج عن الحرام بالإسلام ، ومن قرأ بالضم ، أراد: فإذا تزوجن ، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج .

    فأما "الفاحشة" ، فهي الزنى ، و"المحصنات": الحرائر ، و"العذاب": الحد . قال القاضي أبو يعلى: وليس الإسلام والتزويج شرطا في إيجاب الحد على الأمة ، بل يجب وإن عدما ، وإنما شرط الإحصان في الحد ، لئلا يتوهم متوهم أن عليها نصف ما على الحرة إذا لم تكن محصنة ، وعليها مثل ما على الحرة إذا كانت محصنة .

    قوله تعالى: ذلك الإشارة إلى إباحة تزويج الإماء ، وفي "العنت" خمسة أقوال . أحدها: أنه الزنى ، قاله ابن عباس ، والشعبي ، وابن جبير ، ومجاهد ، والضحاك ، وابن زيد ، ومقاتل ، وابن قتيبة .

    والثاني: أنه الهلاك ، ذكره أبو عبيدة ، والزجاج . والثالث: لقاء المشقة في محبة الأمة ، حكاه الزجاج . والرابع: أن العنت هاهنا: الإثم . والخامس: أنه العقوبة التي تعنته ، وهي الحد ، ذكرهما ابن جرير الطبري .

    قال القاضي أبو يعلى: وهذه الآية تدل على إباحة نكاح الإماء المؤمنات بشرطين: أحدهما: عدم طول الحرة .

    [ ص: 59 ] والثاني: خوف الزنى ، وهذا قول ابن عباس ، والشعبي ، وابن جبير ، ومسروق ، ومكحول ، وأحمد ، ومالك ، والشافعي . وقد روي عن علي ، والحسن ، وابن المسيب ، ومجاهد ، والزهري ، قالوا: ينكح الأمة ، وإن كان موسرا ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .

    قوله تعالى: وأن تصبروا خير لكم قال ابن عباس : والجماعة: عن نكاح الإماء ، وإنما ندب إلى الصبر عنه ، لاسترقاق الأولاد .
    يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم

    قوله تعالى: يريد الله ليبين لكم اللام بمعنى: "أن" وهذا مذهب جماعة من أهل العربية ، واختاره ابن جرير ، ومثله وأمرت لأعدل بينكم [الشورى: 15] ، وأمرنا لنسلم [الأنعام: 71] ، يريدون ليطفئوا [الصف: 8] .

    والبيان من الله تعالى بالنص تارة ، وبدلالة النص أخرى . قال الزجاج : و"السنن": الطرق ، فالمعنى: يدلكم على طاعته ، كما دل الأنبياء وتابعيهم . وقال غيره: معنى الكلام: يريد الله ليبين لكم سنن من قبلكم من أهل الحق والباطل ، لتجتنبوا الباطل وتجيبوا الحق ، ويهديكم إلى الحق .
    والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما

    قوله تعالى: والله يريد أن يتوب عليكم قال الزجاج : يريد أن يدلكم على ما يكون سببا لتوبتكم .

    [ ص: 60 ] وفي الذين اتبعوا الشهوات أربعة أقوال .

    أحدها: أنهم الزناة ، قاله مجاهد ، ومقاتل ، والثاني: اليهود والنصارى ، قاله السدي . والثالث: أنهم اليهود خاصة ، ذكره ابن جرير . والرابع: أهل الباطل ، قاله ابن زيد .

    قوله تعالى: أن تميلوا ميلا عظيما أي: عن الحق بالمعصية .
    يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا

    قوله تعالى: يريد الله أن يخفف عنكم التخفيف: تسهيل التكليف ، أو إزالة بعضه . قال ابن جرير: والمعنى: يريد أن ييسر لكم بإذنه في نكاح الفتيات المؤمنات لمن لم يستطع طولا لحرة . وفي المراد بضعف الإنسان ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الضعف في أصل الخلقة . قال الحسن: هو أنه خلق من ماء مهين . والثاني: أنه قلة الصبر عن النساء ، قاله طاوس ، ومقاتل . والثالث: أنه ضعف العزم عن قهر الهوى ، وهذا قول الزجاج ، وابن كيسان .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #115
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (115)
    صــ61 إلى صــ 65



    يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما

    قوله تعالى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الباطل: ما لا يحل في الشرع .

    قوله تعالى: إلا أن تكون تجارة قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "تجارة" بالرفع . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم بالنصب ، وقد بينا العلة في آخر "البقرة" .

    قوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم فيه خمسة أقوال .

    [ ص: 61 ] أحدها: أنه على ظاهره ، وأن الله حرم على العبد قتل نفسه ، وهذا الظاهر .

    والثاني: أن معناه: لا يقتل بعضكم بعضا ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل ، وابن قتيبة .

    والثالث: أن المعنى: لا تكلفوا أنفسكم عملا ربما أدى إلى قتلها وإن كان فرضا ، وعلى هذا تأولها عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل حيث صلى بأصحابه جنبا في ليلة باردة ، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال له: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال: يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة ، وأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فذكرت قوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    [ ص: 62 ] والرابع: أن المعنى: لا تغفلوا عن حظ أنفسكم ، فمن غفل عن حظها ، فكأنما قتلها ، هذا قول الفضيل بن عياض . والخامس: لا تقتلوها بارتكاب المعاصي .
    ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا

    قوله تعالى: ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما في المشار إليه ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه قتل النفس ، قاله ابن عباس ، وعطاء . والثاني: أنه عائد إلى كل ما نهى الله عنه من أول السورة إلى هاهنا ، روي عن ابن عباس أيضا ، والثالث: قتل النفس ، وأكل الأموال بالباطل ، قاله مقاتل . .
    إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما

    قوله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه اجتناب الشيء: تركه جانبا . وفي الكبائر أحد عشر قولا .

    أحدها: أنها سبع ، فروى البخاري ، ومسلم في "الصحيحين" من حديث [ ص: 63 ] أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" .

    وقد روي هذا الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الكبائر سبع ، الإشراك بالله أولهن ، وقتل النفس بغير حقها ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم بدارا أن يكبروا ، والفرار من الزحف ، ورمي المحصنات ، وانقلاب إلى أعرابية بعد هجرة" .

    وروي عن علي رضي الله عنه قال: هي سبع ، فعد هذه .

    [ ص: 64 ] وروي عن عطاء أنه قال: هي سبع ، وعد هذه ، إلا أنه ذكر مكان الإشراك والتعرب شهادة الزور وعقوق الوالدين .

    والثاني: أنها تسع ، روى عبيد بن عمير ، عن أبيه ، وكان من الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل ما الكبائر؟ فقال: "تسع ، أعظمهن الإشراك بالله ، وقتل نفس المؤمن بغير حق ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ، والسحر ، وأكل الربا ، وقذف المحصنة ، وعقوق الوالدين المسلمين ، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا" .

    والثالث: أنها أربع: روى البخاري ، ومسلم في "الصحيحين" من حديث عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الكبائر: الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس" .

    [ ص: 65 ] وروى أنس بن مالك قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر ، أو سئل عنها ، فقال: "الشرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين" وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور ، أو شهادة الزور" . وروي عن ابن مسعود أنه قال: الكبائر أربع: الإشراك بالله ، والأمن لمكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، والإياس من روح الله . وعن عكرمة نحوه .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #116
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (116)
    صــ66 إلى صــ 70


    والرابع: أنها ثلاث ، فروى عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، -وكان متكئا فاحتفز- قال: والزور" . وروى البخاري ، ومسلم في "الصحيحين" من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله ، فقال: الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، -وكان متكئا فجلس- فقال: وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت . وأخرجا في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أكبر؟ قال: "أن تجعل لله تعالى ندا وهو خلقك" . قلت: ثم أي؟ قال: "ثم أن تقتل ولدك مخافة أن [ ص: 66 ] يطعم معك" . قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك" .

    والخامس: أنها مذكورة من أول السورة إلى هذه الآية ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس .

    والسادس: أنها إحدى عشرة: الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، وقتل النفس ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والفرار من الزحف ، وقذف المحصنات ، وشهادة الزور ، والسحر ، والخيانة" . روي عن ابن مسعود أيضا .

    والسابع: أنها كل ذنب يختمه الله بنار ، أو غضب ، أو لعنة ، أو عذاب ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

    والثامن: أنها كل ما أوجب الله عليه النار في الآخرة ، والحد في الدنيا ، روى هذا المعنى أبو صالح ، عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .

    والتاسع: أنها كل ما عصي الله به ، روي عن ابن عباس ، وعبيدة ، وهو قول ضعيف .

    والعاشر: أنها كل ذنب أوعد الله عليه النار ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضحاك في رواية ، والزجاج .

    والحادي عشر: أنها ثمان ، الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل المؤمن ، وقذف المحصنة ، والزنا ، وأكل مال اليتيم ، وقول الزور ، واقتطاع الرجل بيمينه وعهده ثمنا قليلا . رواه محرز عن الحسن البصري .

    [ ص: 67 ] قوله تعالى: نكفر عنكم سيئاتكم روى المفضل ، عن عاصم: "يكفر" "ويدخلكم" بالياء فيهما ، وقرأ الباقون بالنون فيهما ، وقرأ نافع ، وأبان ، عن عاصم ، والكسائي ، عن أبي بكر ، عن عاصم: "مدخلا" بفتح الميم هاهنا ، وفي (الحج وضم الباقون "الميم" ، ولم يختلفوا في ضم "ميم" مدخل صدق و مخرج صدق [الإسراء: 80] قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون "المدخل" مصدرا ، [ ص: 68 ] ويجوز أن يكون مكانا ، سواء فتح ، أو ضم . قال السدي: السيئات هاهنا: هي الصغائر . والمدخل الكريم: الجنة . قال ابن قتيبة: والكريم: بمعنى: الشريف
    ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما

    قوله تعالى: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

    أحدها: أن أم سلمة قالت: يا رسول الله: يغزو الرجال ، ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ، فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد .

    والثاني: أن النساء قلن: وددن أن الله جعل لنا الغزو ، فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال ، فنزلت هذه الآية ، قاله عكرمة .

    والثالث: أنه لما نزل للذكر مثل حظ الأنثيين قال الرجال: إنا لنرجو [ ص: 69 ] أن نفضل على النساء بحسناتنا ، كما فضلنا عليهن في الميراث ، وقال النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال ، كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم ، فنزلت هذه الآية ، قاله قتادة ، والسدي .

    وفي معنى هذا التمني قولان . . أحدهما: أن يتمنى الرجل مال غيره ، قاله ابن عباس ، وعطاء . والثاني: أن يتمنى النساء أن يكن رجالا . وقد روي عن أم سلمة أنها قالت: يا ليتنا كنا رجالا ، فنزلت هذه الآية .

    وللتمني وجوه .

    أحدها: أن يتمنى الإنسان أن يحصل له مال غيره ، ويزول عن الغير ، فهذا الحسد .

    والثاني: أن يتمنى مثل ما لغيره ، ولا يحب زواله عن الغير ، فهذا هو الغبطة وربما لم يكن نيل ذلك مصلحة في حق المتمني . قال الحسن: لا تمن مال فلان ، ولا مال فلان ، وما يدريك لعل هلاكه في ذلك المال؟ .

    والثالث: أن تتمنى المرأة أن تكون رجلا ، ونحو هذا مما لا يقع ، فليعلم العبد أن الله أعلم بالمصالح ، فليرض بقضاء الله ، ولتكن أمانيه الزيادة من عمل الآخرة .

    [ ص: 70 ] قوله تعالى: للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن فيه قولان .

    أحدهما: أن المراد بهذا الاكتساب ، الميراث ، وهو قول ابن عباس ، وعكرمة .

    والثاني: أنه الثواب والعقاب . فالمعنى: أن المرأة تثاب كثواب الرجل ، وتأثم كإثمه ، هذا قول قتادة ، وابن السائب ، ومقاتل . واحتج على صحته أبو سليمان الدمشقي بأن الميراث لا يحصل بالاكتساب ، وبأن الآية نزلت لأجل التمني والفضل .

    قوله تعالى: واسألوا الله من فضله قرأ ابن كثير ، والكسائي ، وأبان ، وخلف في اختياره (وسلوا الله (فسل الذين (فسل بني إسرائيل (وسل من أرسلنا وما كان مثله من الأمر المواجه به ، وقبله "واو" أو "فاء" فهو غير مهموز عندهم . وكذلك نقل عن أبي جعفر ، وشيبة . وقرأ الباقون بالهمز في ذلك كله ، ولم يختلفوا في قوله: وليسألوا ما أنفقوا [الممتحنة: 10] أنه مهموز .

    وفي المراد بالفضل قولان . أحدهما: أن الفضل: الطاعة ، قاله سعيد ابن جبير ، ومجاهد ، والسدي . والثاني: أنه الرزق ، قاله ابن السائب ، فيكون المعنى: سلوا الله ما تتمنوه من النعم ، ولا تتمنوا مال غيركم .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #117
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (117)
    صــ71 إلى صــ 75


    ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا

    [ ص: 71 ] قوله تعالى: ولكل جعلنا موالي الموالي: الأولياء ، وهم الورثة من العصبة وغيرهم . ومعنى الآية: لكل إنسان موالي يرثون ما ترك . وارتفاع الوالدين والأقربين على معنيين من الإعراب .

    أحدهما: أن يكون الرفع على خبر الابتداء ، والتقدير: وهم الوالدان والأقربون ، ويكون تمام الكلام قوله مما ترك .

    والثاني: أن يكون رفعا على أنه الفاعل الترك للمال ، فيكون الوالدان ، هم المولى .

    قوله تعالى: والذين عقدت أيمانكم قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "عاقدت" بالألف ، وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، "عقدت" بلا ألف . قال أبو علي: من قرأ بالألف ، فالتقدير: والذين عاقدتهم أيمانكم ، ومن حذف الألف ، فالمعنى: عقدت حلفهم أيمانكم ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وفيهم ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهم أهل الحلف ، كان الرجل يحالف الرجل ، فأيهما مات ورثه الآخر ، فنسخ ذلك بقوله: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وروى عنه عطية قال: كان الرجل يلحق الرجل [ ص: 72 ] في الجاهلية ، فيكون تابعه ، فإذا مات الرجل ، صار لأهله الميراث ، وبقي تابعه بغير شيء ، فأنزل الله ( والذين عاقدت أيمانكم ) فأعطي من ميراثه ، ثم نزل من بعد ذلك وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض وممن قال هم الحلفاء: سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة .

    والثاني: أنهم الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم المهاجرون والأنصار ، كان المهاجرون يورثون الأنصار دون ذوي رحمهم للأخوة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم . رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وبه قال ابن زيد .

    والثالث: :أنهم الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية ، هذا قول سعيد ابن المسيب . فأما أرباب القول الأول ، فقالوا: نسخ حكم الحلفاء الذين كانوا يتعاقدون على النصرة والميراث بآخر (الأنفال ، وإليه ذهب ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وقتادة ، والثوري ، والأوزاعي ، ومالك ، وأحمد ، والشافعي .

    وقال أبو حنيفة وأصحابه: هذا الحكم باق غير أنه جعل ذوي الأرحام أولى من موالي المعاقدة . وذهب قوم إلى أن المراد: فآتوهم نصيبهم من النصر والنصيحة من غير ميراث ، وهذا مروي عن ابن عباس ، ومجاهد . وذهب قوم آخرون إلى أن المعاقدة: إنما كانت في الجاهلية على النصرة لا غير ، والإسلام لم يغير ذلك ، وإنما قرره ، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما حلف كان في الجاهلية ، فإن الإسلام لم يزده [ ص: 73 ] إلا شدة" . أراد: النصر والعون . وهذا قول سعيد بن جبير ، وهو يدل على أن الآية محكمة .
    الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا

    قوله تعالى: الرجال قوامون على النساء سبب نزولها: أن رجلا لطم زوجته لطمة فاستعدت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس . وذكر المفسرون أنه سعد بن الربيع الأنصاري . قال ابن [ ص: 74 ] عباس: "قوامون" أي: مسلطون على تأديب النساء في الحق . وروى هشام بن محمد ، عن أبيه في قوله: الرجال قوامون على النساء قال: إذا كانوا رجالا ، وأنشد


    أكل امرئ تحسبين امرءا ونارا توقد بالليل نارا


    قوله تعالى: بما فضل الله بعضهم على بعض يعني: الرجال على النساء ، وفضل الرجل على المرأة بزيادة العقل ، وتوفير الحظ في الميراث ، والغنيمة ، والجمعة ، والجماعات ، والخلافة ، والإمارة ، والجهاد ، وجعل الطلاق إليه إلى غير ذلك .

    قوله تعالى: وبما أنفقوا من أموالهم قال ابن عباس : يعني: المهر والنفقة عليهن .

    وفي "الصالحات" قولان . أحدهما: المحسنات إلى أزواجهن ، قاله ابن عباس . والثاني: العاملات بالخير ، قاله ابن مبارك . قال ابن عباس . و"القانتات" المطيعات لله في أزواجهن ، والحافظات للغيب ، أي: لغيب أزواجهن . وقال عطاء ، [ ص: 75 ] وقتادة: يحفظن ما غاب عنه الأزواج من الأموال ، وما يجب عليهن من صيانة أنفسهن لهم .

    قوله تعالى: بما حفظ الله قرأ الجمهور برفع اسم "الله" وفي معنى الكلام على قراءتهم ثلاثة أقوال .

    أحدها: بحفظ الله إياهن ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، ومقاتل . وروى ابن المبارك ، عن سفيان ، قال: بحفظ الله إياها أن جعلها كذلك .

    والثاني: بما حفظ الله لهن مهورهن ، وإيجاب نفقتهن ، قاله الزجاج .

    والثالث: أن معناه: حافظات للغيب بالشيء الذي يحفظ به أمر الله ، حكاه الزجاج . وقرأ أبو جعفر بنصب اسم الله . والمعنى: بحفظهن الله في طاعته .

    قوله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن في الخوف قولان .

    أحدهما: أنه بمعنى: العلم ، قاله ابن عباس . والثاني: بمعنى: الظن لما يبدو من دلائل النشوز ، قاله الفراء ، وأنشد


    وما خفت يا سلام أنك عائبي


    قال ابن قتيبة: والنشوز" بغض المرأة للزوج ، يقال: نشزت المرأة على زوجها ، ونشصت: إذا فركته ، ولم تطمئن عنده ، وأصل النشوز: الانزعاج . قال الزجاج : أصله من النشز ، وهو المكان المرتفع من الأرض .

    قوله تعالى: فعظوهن قال الخليل : الوعظ: التذكير بالخير فيما يرق له القلب .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #118
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (118)
    صــ76 إلى صــ 80


    [ ص: 76 ] قال الحسن: يعظها بلسانه ، فإن أبت وإلا هجرها . واختلفوا في المراد بالهجر في المضجع على أربعة أقوال .

    أحدها: أنه ترك الجماع ، رواه سعيد بن جبير ، وابن أبي طلحة ، والعوفي ، عن ابن عباس ، وبه قال ابن جبير ، ومقاتل .

    والثاني: أنه ترك الكلام ، لا ترك الجماع ، رواه أبو الضحى ، عن ابن عباس ، وخصيف ، عن عكرمة ، وبه قال السدي ، والثوري .

    والثالث: أنه قول الهجر من الكلام في المضاجع ، روي عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة . فيكون المعنى: قولوا لهن في المضاجع هجرا من القول .

    والرابع: أنه هجر فراشها ، ومضاجعتها . روي عن الحسن ، والشعبي ، ومجاهد ، والنخعي ، ومقسم ، وقتادة . قال ابن عباس : اهجرها في المضجع ، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح . وقال جماعة من أهل العلم: الآية على الترتيب ، فالوعظ عند خوف النشوز ، والهجر عند ظهور النشوز ، والضرب عند تكرره ، واللجاج فيه . ولا يجوز الضرب عند ابتداء النشوز . قال القاضي أبو يعلى: وعلى هذا مذهب أحمد . وقال الشافعي: يجوز ضربها في ابتداء النشوز .

    قوله تعالى: فإن أطعنكم قال ابن عباس : يعني: في المضجع فلا تبغوا عليهن سبيلا أي: فلا تتجن عليها العلل . وقال سفيان بن عيينة: لا تكلفها الحب ، لأن قلبها ليس في يدها . وقال ابن جرير: المعنى: فلا تلتمسوا سبيلا إلى ما لا يحل لكم من أبدانهن وأموالهن بالعلل ، وذلك أن تقول لها وهي مطيعة لك: لست لي محبة ، فتضربها ، أو تؤذيها .

    [ ص: 77 ] قوله تعالى: إن الله كان عليا كبيرا قال أبو سليمان الدمشقي: لا تبغوا على أزواجكم ، فهو ينتصر لهن منكم . وقال الخطابي: الكبير: الموصوف بالجلال ، وكبر الشأن ، يصغر دون جلاله كل كبير . ويقال: هو الذي كبر عن شبه المخلوقين .
    وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا

    قوله تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما في الخوف قولان . أحدهما: أنه الحذر من وجود ما لا يتيقن وجوده ، قاله الزجاج .

    والثاني: أنه العلم ، قاله أبو سليمان الدمشقي . قال الزجاج : والشقاق: العداوة ، واشتقاقه من المتشاقين ، كل صنف منهم في شق . و"الحكم" :هو القيم بما يسند إليه ، وفي المأمور بإنفاذ الحكمين قولان . أحدهما: أنه السلطان إذا ترافعا إليه ، قاله سعيد بن جبير ، والضحاك . والثاني: الزوجان ، قاله السدي .

    قوله تعالى: إن يريدا إصلاحا قال ابن عباس : يعني: الحكمين ، وفي قوله: يوفق الله بينهما قولان . أحدهما: أنه راجع إلى الحكمين . قاله ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، والسدي ، والجمهور . والثاني: أنه راجع إلى الزوجين ، ذكره بعض المفسرين .

    فصل

    والحكمان وكيلان للزوجين ، ويعتبر رضى الزوجين فيما يحكمان به ، هذا [ ص: 78 ] قول أحمد ، وأبي حنيفة ، وأصحابه . وقال مالك ، والشافعي: لا يفتقر حكم الحكمين إلى رضى الزوجين .
    واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا

    [ ص: 79 ] قوله تعالى: واعبدوا الله قال ابن عباس : وحدوه .

    قوله تعالى: وبالوالدين إحسانا قال الفراء: أغراهم بالإحسان إلى الوالدين .

    قوله تعالى: والجار ذي القربى فيه قولان .

    أحدهما: أنه الجار الذي بينك وبينه قرابة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد ، ومقاتل في آخرين .

    والثاني: أنه الجار المسلم ، قاله نوف الشامي . فيكون المعنى: ذي القربى منكم بالإسلام .

    قوله تعالى: والجار الجنب روى المفضل ، عن عاصم: والجار الجنب بفتح الجيم ، وإسكان النون . قال أبو علي: المعنى: والجار ذي الجنب ، فحذف المضاف ، وفي الجار الجنب ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الغريب الذي ليس بينك وبينه قرابة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، والضحاك ، وابن زيد ، ومقاتل في آخرين .

    والثاني: أنه جارك عن يمينك ، وعن شمالك ، وبين يديك ، وخلفك ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

    والثالث: أنه اليهودي والنصراني ، قاله نوف الشامي [ ص: 80 ] وفي الصاحب بالجنب ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الزوجة ، قاله علي ، وابن مسعود ، والحسن ، وإبراهيم النخعي ، وابن أبي ليلى .

    والثاني: أنه الرفيق في السفر ، قاله ابن عباس في رواية مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن قتيبة ، وعن سعيد بن جبير كالقولين .

    والثالث: أنه الرفيق ، رواه ابن جريج عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة .

    قال ابن زيد: هو الذي يلصق بك رجاء خيرك ، وقال مقاتل: هو رفيقك حضرا وسفرا ، وفي ابن السبيل أقوال . قد ذكرناها في (البقرة .

    قوله تعالى: وما ملكت أيمانكم يعني: المملوكين . وقال بعضهم: يدخل فيه الحيوان البهيم . قال ابن عباس : والمحتال: البطر في مشيته ، والفخور: المفتخر على الناس بكبره . وقال مجاهد: هو الذي يعد ما أعطى ، ولا يشكر الله ، [ ص: 81 ] وقال ابن قتيبة: المختال: ذو الخيلاء والكبر . وقال الزجاج : المختال: الصلف التياه الجهول . وإنما ذكر الاختيال هاهنا ، لأن المختال يأنف من ذوي قراباته ، ومن جيرانه إذا كانوا فقراء .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #119
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (119)
    صــ81 إلى صــ 85


    الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا

    قوله تعالى: الذين يبخلون ذكر المفسرون أنها نزلت في اليهود ، فأما سبب نزولها فقال ابن عباس : كان كردم بن زيد ، [حليف كعب بن الأشرف] وأسامة بن حبيب ، ونافع بن أبي نافع ، وبحري بن عمرو ، وحيي ابن أخطب ، ورفاعة بن زيد بن التابوت ، يأتون رجالا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يخالطونهم ، وينتصحون لهم ، فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم ، فإنا نخشى عليكم الفقر [في ذهابها] ولا تسارعوا [ ص: 82 ] في النفقة ، فإنكم لا تدرون ما يكون ، فنزلت هذه الآية . وفي الذي بخلوا به وأمروا الناس بالبخل به قولان . أحدهما: أنه المال ، قاله ابن عباس ، وابن زيد .

    والثاني: أنه إظهار صفة النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والسدي .

    قوله تعالى: ويأمرون الناس بالبخل قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: بالبخل خفيفا . وقرأ حمزة ، والكسائي: بالبخل محركا ، وكذلك في سورة (الحديد وفي الذين آتاهم الله من فضله قولان .

    أحدهما: أنهم اليهود ، أوتوا علم نعت محمد صلى الله عليه وسلم فكتموه ، هذا قول الجمهور .

    والثاني: أنهم أرباب الأموال بخلوا بها ، وكتموا الغنى ، ذكره الماوردي . في آخرين .

    قوله تعالى: وأعتدنا قال الزجاج : معناه: جعلنا ذلك عتادا لهم ، أي: مثبتا لهم .
    والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا

    قوله تعالى: والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس اختلفوا فيمن نزلت [ ص: 83 ] على ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم اليهود ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، ومقاتل .

    والثاني: أنهم المنافقون ، قاله السدي ، والزجاج ، وأبو سليمان الدمشقي . والثالث: مشركو مكة أنفقوا على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره الثعلبي .

    والقرين: الصاحب المؤالف ، وهو فعيل من الاقتران بين الشيئين . وفي معنى مقارنة الشيطان قولان . أحدها: مصاحبته في الفعل . والثاني: مصاحبته في النار .
    وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما

    قوله تعالى: وماذا عليهم المعنى: وأي شيء على هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ، ولا يؤمنون بالله ، لو آمنوا! . وفي الإنفاق المذكور هاهنا: قولان . أحدهما: أنه الصدقة ، قاله ابن عباس . والثاني: الزكاة ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وفي قوله: وكان الله بهم عليما تهديد لهم على سوء مقاصدهم .
    إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما

    قوله تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة قد شرحنا الظلم فيما سلف ، وهو مستحيل على الله عز وجل ، لأن قوما قالوا: الظلم: تصرف فيما لا يملك ، والكل ملكه ، وقال آخرون: هو وضع الشيء في غير موضعه ، وحكمته لا تقتضي فعلا لا فائدة تحته . ومثقال الشيء: زنة الشيء . قال ابن قتيبة: يقال: هذا على مثقال هذا ، أي: على وزنه . قال الزجاج : وهو مفعال من الثقل .

    وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: يظن الناس أن المثقال وزن [ ص: 84 ] دينار لا غير ، وليس كما يظنون . مثقال كل شيء: وزنه ، وكل وزن يسمى مثقالا ، وإن كان وزن ألف . قال الله تعالى: وإن كان مثقال حبة من خردل [الأنبياء: 47] قال أبو حاتم: سألت الأصمعي عن صنجة مثقال الميزان ، فقال: فارسي ، ولا أدري كيف أقول ، ولكني أقول: مثقال ، فإذا قلت للرجل: ناولني مثقالا ، فأعطاك صنجة ألف ، أو صنجة حبة ، كان ممتثلا .

    وفي المراد بالذرة خمسة أقوال . أحدها: أنه رأس نملة حمراء ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني: ذرة يسيرة من التراب ، رواه يزيد بن الأصم ، عن ابن عباس . والثالث: أصغر النمل ، قاله ابن قتيبة ، وابن فارس . والرابع: الخردلة . والخامس: الواحدة من الهباء الظاهر في ضوء الشمس إذا طلعت من ثقب ، ذكرهما الثعلبي . واعلم أن ذكر الذرة ضرب مثل بما يعقل ، والمقصود أنه لا يظلم قليلا ولا كثيرا .

    قوله تعالى: وإن تك حسنة قرأ ابن كثير ، ونافع: حسنة بالرفع . وقرأ الباقون بالنصب . قال الزجاج : من رفع ، فالمعنى: وإن تحدث حسنة ، ومن نصب ، فالمعنى: وإن تك فعلته حسنة .

    قوله تعالى: يضاعفها قرأ ابن عامر ، وابن كثير: يضعفها بالتشديد من غير ألف . وقرأ الباقون: يضاعفها بألف مع كسر العين . قال ابن قتيبة: يضاعفها بالألف: يعطي مثلها مرات ، ويضعفها بغير ألف: يعطي مثلها مرة . [ ص: 85 ] قوله تعالى: من لدنه أي: من قبله . والأجر العظيم: الجنة .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #120
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثانى
    سُورَةُ النِّسَاءِ
    الحلقة (120)
    صــ86 إلى صــ 90



    فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا

    قوله تعالى: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد قال الزجاج : معنى الآية: فكيف يكون حال هؤلاء يوم القيامة ، فحذف الحال ، لأن في الكلام دليلا عليه . ولفظ "كيف" لفظ الاستفهام ، ومعناها: التوبيخ . والشهيد: نبي الأمة . وبماذا يشهد فيه أربعة أقوال .

    [ ص: 86 ] أحدها: بأنه قد بلغ أمته . قاله ابن مسعود ، وابن جريج ، والسدي ، ومقاتل .

    والثاني: بإيمانهم ، قاله أبو العالية . والثالث: بأعمالهم ، قاله مجاهد ، وقتادة .

    والرابع: يشهد لهم وعليهم ، قاله الزجاج .

    قوله تعالى: وجئنا بك يعني: نبينا صلى الله عليه وسلم . وفي هؤلاء ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم جميع أمته ، ثم فيه قولان . أحدهما: أنه يشهد عليهم . والثاني: يشهد لهم فتكون "على" بمعنى: اللام . والقول الثاني: أنهم الكفار يشهد عليهم بتبليغ الرسالة ، قاله مقاتل . . والثالث: اليهود والنصارى ، ذكره الماوردي .
    يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا

    قوله تعالى: لو تسوى بهم الأرض قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو: لو تسوى ، بضم التاء ، وتخفيف السين . والمعنى: ودوا لو جعلوا ترابا ، فكانوا هم والأرض سواء ، هذا قول الفراء في آخرين . قال أبو هريرة: إذا حشر الله الخلائق ، قال للبهائم ، والدواب ، والطير: كوني ترابا . فعندها يقول: الكافر: يا ليتني كنت ترابا .

    [ ص: 87 ] وقرأ نافع ، وابن عامر: لو تسوى ، بفتح التاء ، وتشديد السين ، والمعنى: لو تتسوى ، فأدغمت التاء في السين ، لقربها منها . قال أبو علي: وفي هذه القراءة اتساع ، لأن الفعل مسند إلى الأرض ، وليس المراد: ودوا لو صارت الأرض مثلهم ، وإنما المعنى: ودوا لو يتسوون بها . ثم في المعنى للمفسرين قولان .

    أحدهما: أن معناه: ودوا لو تخرقت بهم الأرض ، فساحوا فيها ، قاله قتادة ، وأبو عبيدة ، ومقاتل .

    والثاني: أن معناه: ودوا أنهم لم يبعثوا ، لأن الأرض كانت مستوية بهم قبل خروجهم ، منها قاله ابن كيسان ، وذكر نحوه الزجاج . وقرأ حمزة ، والكسائي: لو تسوى ، بفتح التاء ، وتخفيف السين والواو مشددة ممالة ، وهي بمعنى: تتسوى ، فحذف التاء التي أدغمها نافع ، وابن عامر . فأما معنى القراءتين فواحد .

    قوله تعالى: ولا يكتمون الله حديثا في الحديث قولان . أحدهما: أنه قولهم: ما كنا مشركين ، هذا قول الجمهور . والثاني: أنه أمر النبي صلى الله عليه وسلم وصفته ونعته ، قاله عطاء: فعلى الأول يتعلق الكتمان بالآخرة ، وعلى الثاني يتعلق بما كان في الدنيا ، فيكون المعنى: ودوا أنهم لم يكتموا ذلك .

    وفي معنى الآية: ستة أقوال . أحدها: ودوا إذا فضحتهم جوارحهم أنهم لم يكتموا الله شركهم ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس .

    والثاني: أنهم لما شهدت عليهم جوارحهم لم يكتموا الله حديثا بعد ذلك ، روي عن ابن عباس أيضا .

    والثالث: أنهم في موطن لا يكتمونه حديثا ، وفي موطن يكتمون ، ويقولون: ما كنا مشركين ، قاله الحسن . [ ص: 88 ] والرابع: أن قوله ولا يكتمون الله حديثا كلام مستأنف لا يتعلق بقوله: لو تسوى بهم الأرض ، هذا قول الفراء ، والزجاج . ومعنى: لا يكتمون الله حديثا: لا يقدرون على كتمانه ، لأنه ظاهر عند الله .

    والخامس: أن المعنى: ودوا لو سويت بهم الأرض ، وأنهم لم يكتموا الله حديثا .

    والسادس: أنهم لم يعتقدوا قولهم: ما كنا مشركين كذبا ، وإنما اعتقدوا أن عبادة الأصنام طاعة ، ذكر القولين ابن الأنباري .

    وقال القاضي أبو يعلى: أخبروا بما توهموا ، إذ كانوا يظنون أنهم ليسوا بمشركين ، وذلك لا يخرجهم عن أن يكونوا قد كذبوا .
    يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا

    [ ص: 89 ] قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى روى أبو عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما ، فدعانا ، وسقانا من الخمر ، فأخذت [الخمر] منا ، وحضرت الصلاة ، فقدموني ، فقرأت ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، ونحن نعبد ما تعبدون ) فنزلت هذه الآية . وفي رواية أخرى ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي رضي الله عنه أن الذي قدموه ، وخلط في هذه السورة ، عبد الرحمن بن عوف .

    وفي معنى قوله: لا تقربوا الصلاة قولان . أحدهما: لا تتعرضوا بالسكر في أوقات الصلاة . والثاني: لا تدخلوا في الصلاة في حال السكر ، والأول أصح ، لأن السكران لا يعقل ما يخاطب به . وفي معنى: وأنتم سكارى قولان .

    أحدهما: من الخمر ، قاله الجمهور . والثاني: من النوم ، قاله الضحاك ، وفيه بعد . وهذه الآية اقتضت إباحة السكر في غير أوقات الصلاة ، ثم نسخت بتحريم الخمر . [ ص: 90 ] قوله تعالى: ولا جنبا قال ابن قتيبة: الجنابة: البعد ، قال الزجاج : يقال: رجل جنب ، ورجلان جنب ، ورجال جنب ، كما يقال: رجل رضى ، وقوم رضى ، وفي تسمية الجنب بهذا الاسم قولان . أحدهما: لمجانبة مائه محله ، والثاني: لما يلزمه من اجتناب الصلاة ، وقراءة القرآن ، ومس المصحف ، ودخول المسجد .

    قوله تعالى: إلا عابري سبيل فيه قولان .

    أحدهما: أن المعنى: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا أن تكونوا مسافرين غير واجدين للماء فتيمموا ، وتصلوا . وهذا المعنى مروي عن علي رضي الله عنه ، ومجاهد ، والحكم ، وقتادة ، وابن زيد ، ومقاتل ، والفراء ، والزجاج .

    والثاني: لا تقربوا مواضع الصلاة وهي المساجد وأنتم جنب إلا مجتازين ، ولا تقعدوا . وهذا المعنى مروي عن ابن مسعود ، وأنس بن مالك ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة ، وعطاء الخراساني ، والزهري ، وعمرو بن دينار ، وأبي الضحى ، وأحمد ، والشافعي ، وابن قتيبة ، وعن ابن عباس ، وسعيد بن [ ص: 91 ] جبير ، كالقولين ، فعلى القول الأول: "عابر السبيل": المسافر ، و"قربان الصلاة": فعلها ، وعلى الثاني: "عابر السبيل": المجتاز في المسجد ، و"قربان الصلاة": دخول المسجد الذي تفعل فيه الصلاة .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •