تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 12 من 25 الأولىالأولى ... 2345678910111213141516171819202122 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 221 إلى 240 من 490

الموضوع: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

  1. #221
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (221)
    صــ161 إلى صــ 166




    قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
    لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين

    قوله تعالى: قل إن صلاتي يريد: الصلاة المشروعة . والنسك: جمع نسيكة . وفي النسك هاهنا أربعة أقوال .

    أحدها: أنها الذبائح; قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وابن قتيبة . والثاني: الدين ، قاله الحسن . والثالث: العبادة .

    قال الزجاج : النسك كل ما تقرب به إلى الله عز وجل ، إلا أن الغالب عليه أمر الذبح ،

    والرابع: أنه الدين ، والحج ، والذبائح ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

    قوله تعالى: ومحياي ومماتي الجمهور على تحريك ياء " محياي " وتسكين ياء " مماتي " وقرأ نافع: بتسكين ياء " محياي " ونصب ياء " مماتي " ثم للمفسرين في معناه قولان .

    أحدهما: أن معناه: لا يملك حياتي ومماتي إلا الله .

    والثاني: حياتي لله في طاعته ، ومماتي لله في رجوعي إلى جزائه . ومقصود الآية أنه أخبرهم أن أفعالي وأحوالي لله وحده ، لا لغيره كما تشركون أنتم به .

    قوله تعالى: وأنا أول المسلمين قال الحسن ، وقتادة: أول المسلمين من هذه الأمة .
    [ ص: 162 ] قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون

    قوله تعالى: قل أغير الله أبغي ربا سبب نزولها أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ارجع عن هذا الأمر ، ونحن لك الكفلاء بما أصابك من تبعة ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل .

    قوله تعالى: ولا تكسب كل نفس إلا عليها أي: لا يؤخذ سواها بعملها . وقيل: المعنى: إلا عليها عقاب معصيتها ، ولها ثواب طاعتها .

    ولا تزر وازرة وزر أخرى قال الزجاج : لا تؤخذ نفس آثمة بإثم أخرى . والمعنى: لا يؤخذ أحد بذنب غيره . قال أبو سليمان: ولما ادعت كل فرقة من اليهود والنصارى والمشركين أنهم أولى بالله من غيرهم ، عرفهم أنه الحاكم بينهم بقوله: فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ونظيره إن الله يفصل بينهم يوم القيامة [الحج:17]
    وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم

    قوله تعالى: وهو الذي جعلكم خلائف الأرض قال أبو عبيدة: الخلائف: جمع خليفة .

    قال الشماخ: تصيبهم وتخطئني المنايا وأخلف في ربوع عن ربوع

    [ ص: 163 ] وللمفسرين فيمن خلفوه ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهم خلفوا الجن الذين كانوا سكان الأرض; قاله ابن عباس .

    والثاني: أن بعضهم يخلف بعضا; قاله ابن قتيبة .

    والثالث: أن أمة محمد خلفت سائر الأمم ، ذكره الزجاج .

    قوله تعالى: ورفع بعضكم فوق بعض درجات أي: في الرزق ، والعلم ، والشرف ، والقوة ، وغير ذلك ليبلوكم أي: ليختبركم ، فيظهر منكم ما يكون عليه الثواب والعقاب .

    قوله تعالى: إن ربك سريع العقاب فيه قولان .

    أحدهما: أنه سماه سريعا ، لأنه آت ، وكل آت قريب .

    والثاني: أنه إذا شاء العقوبة ، أسرع عقابه .
    [ ص: 164 ]

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    سُورَةُ الْأَعْرَافِ


    فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا

    رَوَى الْعَوْفِيُّ ، وَابْنُ أَبِي طَلْحَةُ ، وَأَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ سُورَةَ (الْأَعْرَافِ) مِنَ الْمَكِّيِّ ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَعَطَاءٍ ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَقَتَادَةَ . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةَ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ ، إِلَّا خَمْسُ آَيَاتٍ; أَوَّلُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كُلُّهَا مَكِّيَّةٌ ، إِلَّا قَوْلَهُ: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الْأَعْرَافِ: 163-172] فَإِنَّهُنَّ مَدَنِيَّاتٌ .

    المص

    فَأَمَّا التَّفْسِيرُ ، فَ قَوْلُهُ تَعَالَى: المص قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) كَلَامًا مُجْمَلًا فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ أَوَائِلَ السُّوَرِ ، فَهُوَ يَعُمُّ هَذِهِ أَيْضًا . فَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْآَيَةِ فَفِيهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ .

    أَحَدُهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأُفَصِّلُ ، رَوَاهُ أَبُو الضُّحَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . [ ص: 165 ] وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

    وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

    وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْأَلِفَ مِفْتَاحٌ اسْمُهُ "اللَّهُ" وَاللَّامَ مِفْتَاحٌ اسْمُهُ "لَطِيفٌ" وَالْمِيمَ مِفْتَاحٌ اسْمُهُ "مَجِيدٌ" وَالصَّادَ مِفْتَاحٌ اسْمُهُ "صَادِقٌ" قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ .

    وَالْخَامِسُ: أَنَّ المص اسْمٌ لَلسُّورَةِ ، قَالَهُ الْحَسَنُ .

    وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآَنِ ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

    وَالسَّابِعُ: أَنَّهَا بَعْضُ كَلِمَةٍ . ثُمَّ فِي تِلْكَ الْكَلِمَةِ قَوْلَانِ .

    أَحَدُهُمَا: الْمُصَوِّرُ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ . وَالثَّانِي: الْمُصَيِّرُ إِلَى كِتَابٍ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .
    كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ

    قَوْلُهُ تَعَالَى: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ قَالَ الْأَخْفَشُ: رُفِعَ الْكِتَابُ بِالِابْتِدَاءِ . وَمَذْهَبُ الْفَرَّاءِ أَنَّ اللَّهَ اكْتَفَى فِي مُفْتَتَحِ السُّوَرِ بِبَعْضِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ عَنْ جَمِيعِهَا ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: "ا ب ت ث" ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا; فَالْمَعْنَى: حُرُوفُ الْمُعْجَمِ: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ . قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ الْكِتَابُ بِإِضْمَارِ: هَذَا الْكِتَابُ . وَفِي الْحَرَجِ قَوْلَانِ .

    أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الشَّكُّ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَقَتَادَةُ ، وَالسُّدِّيُّ ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ .

    وَالثَّانِي: أَنَّهُ الضِّيقُ ، قَالَهُ الْحَسَنُ ، وَالزَّجَّاجُ . وَفِي هَاءِ "مِنْهُ" قَوْلَانِ .

    أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ; فَعَلَى هَذَا ، فِي مَعْنَى الْكَلَامِ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا: لَا يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ بِالْإِبْلَاغِ ، وَلَا تَخَافَنَّ ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ . وَالثَّانِي: لَا تَشُكَّنَّ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . [ ص: 166 ] وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى مُضْمَرٍ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْإِنْذَارُ ، وَهُوَ التَّكْذِيبُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . قَالَ الْفَرَّاءُ: فَمَعْنَى الْآَيَةِ: لَا يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ إِنْ كَذَّبُوكَ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتُنْذِرَ بِهِ مُقَدَّمٌ; وَالْمَعْنَى: أَنْزَلَ إِلَيْكَ لَتُنْذِر بِهِ وَذِكْرَى لَلْمُؤْمِنِينَ ، فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِك حَرَج مِنْهُ . "وَذِكْرَى" يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَنَصْبٍ وَخَفْضٍ; فَأَمَّا النَّصْبُ ، فَعَلَى قَوْلِهِ: أُنْزِلَ إِلَيْكَ لَتُنْذِرَ بِهِ ، وَذِكْرَى لَلْمُؤْمِنِينَ ، أَيْ: وَلِتُذَكِّرَ بِهِ ذِكْرَى ، لِأَنَّ فِي الْإِنْذَارِ مَعْنَى التَّذْكِيرِ . وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنْ يَكُونَ: وَهُوَ ذِكْرَى ، كَقَوْلِكَ: وَهُوَ ذِكْرَى لَلْمُؤْمِنِينَ . فَأَمَّا الْخَفْضُ ، فَعَلَى مَعْنَى: لَتُنْذِرَ ، لِأَنَّ مَعْنَى لَتُنْذِر لِأَنْ تُنْذِرَ; الْمَعْنَى: لِلإِنْذَارِ وَالذِّكْرَى ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #222
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (222)
    صــ167 إلى صــ 172



    اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون

    قوله تعالى: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم إن قيل: كيف خاطبه بالإفراد في الآية الأولى ، ثم جمع بقوله: اتبعوا ؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

    أحدها: أنه لما علم أن الخطاب له ولأمته ، حسن الجمع لذلك المعنى .

    والثاني: أن الخطاب الأول خاص له; والثاني: محمول على الإنذار ، والإنذار في طريق القول ، فكأنه قال: لتقول لهم منذرا: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ذكرهما ابن الأنباري .

    والثالث أن الخطاب الثاني للمشركين ، ذكره جماعة من المفسرين; قال: والذي أنزل إليهم القرآن . وقال الزجاج : الذي أنزل: القرآن وما أتى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه مما أنزل عليه ، لقوله تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه ، [ ص: 167 ] وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر:7] . ولا تتبعوا من دونه أولياء أي لا تتولوا من عدل عن دين الحق; وكل من ارتضى مذهبا فهو ولي أهل المذهب . و قوله تعالى: قليلا ما تذكرون ما: زائدة مؤكدة; والمعنى: قليلا تتذكرون . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم: " تذكرون " مشددة الذال والكاف . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم:" تذكرون" خفيفة الذال مشددة الكاف . قال أبو علي: من قرأ " تذكرون" بالتشديد ، أراد " تتذكرون " فأدغم التاء في الذال; وإدغامها فيها حسن ، لأن التاء مهموسة ، والذال مجهورة; والمجهور أزيد صوتا من المهموس وأقوى; فإدغام الأنقص في الأزيد حسن . وأما حمزة ومن وافقه ، فإنهم حذفوا التاء التي أدغمها هؤلاء ، وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة . وقرأ ابن عامر: " يتذكرون " بياء وتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم; والمعنى: قليلا ما يتذكر هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب .
    وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون

    قوله تعالى: وكم من قرية أهلكناها كم تدل على الكثرة ، و"رب" موضوعة للقلة . قال الزجاج : المعنى: وكم من أهل قرية ، فحذف الأهل ، لأن في الكلام دليلا عليه .

    و قوله تعالى: فجاءها بأسنا محمول على لفظ القرية; والمعنى: فجاءهم بأسنا غفلة وهم غير متوقعين له; إما ليلا وهم نائمون ، أو نهارا وهم قائلون . قال ابن قتيبة: بأسنا: عذابنا . وبياتا: ليلا . وقائلون: من القائلة نصف النهار . فإن قيل: إنما أتاها البأس قبل الإهلاك ، فكيف يقدم الهلاك؟ فعنه ثلاثة أجوبة . [ ص: 168 ] أحدها: أن الهلاك والبأس يقعان معا ، كما تقول: أعطيتني فأحسنت; وليس الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله ، وإنما وقعا معا ، قاله الفراء .

    والثاني: أن الكون مضمر في الآية ، تقديره: أهلكناها ، وكان بأسنا قد جاءها ، فأضمر الكون ، كما أضمر في قوله: واتبعوا ما تتلو الشياطين [البقرة:102] ، أي: ما كانت الشياطين تتلوه . وقوله تعالى: إن يسرق [يوسف:77] أي: إن يكن سرق .

    والثالث: أن في الآية تقديما وتأخيرا ، تقديره: وكم من قرية جاءها بأسنا بياتا ، أو هم قائلون فأهلكناها ، كقوله تعالى: إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران:55] ، أي: رافعك ومتوفيك ، ذكرهما ابن الأنباري .

    قوله تعالى: أو هم قائلون قال الفراء: فيه واو مضمرة; والمعنى: فجاءها بأسنا بياتا ، أو وهم قائلون ، فاستثقلوا نسقا على نسق .
    فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين

    قوله تعالى: فما كان دعواهم قال اللغويون: الدعوى هاهنا بمعنى الدعاء والقول . والمعنى: ما كان قولهم وتداعيهم إذ جاءهم العذاب إلا الاعتراف بالظلم . قال ابن الأنباري: وللدعوى في الكلام موضعان .

    أحدهما: الادعاء . والثاني: القول والدعاء . [ ص: 169 ] قال الشاعر:


    إذا مذلت رجلي دعوتك أشتفي بدعواك من مذل بها فيهون

    فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين . فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين

    قوله تعالى: فلنسألن الذين أرسل إليهم يعني: الأمم يسألون: هل بلغكم الرسل ، وماذا أجبتم؟ ويسأل الرسل: هل بلغتم ، وماذا أجبتم؟ فلنقصن عليهم أي: فلنخبرنهم بما عملوا بعلم منا وما كنا غائبين عن الرسل والأمم . وقال ابن عباس : يوضع الكتاب ، فيتكلم بما كانوا يعملون .
    والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون

    قوله تعالى: والوزن يومئذ الحق أي: العدل . وإنما قال: موازينه لأن "من " في معنى جميع ، يدل عليه قوله: فأولئك وفي معنى يظلمون قولان .

    أحدهما: يجحدون . والثاني: يكفرون .

    قال الفراء: والمراد بموازينه: وزنه . والعرب تقول: هل لك في درهم بميزان درهمك ، ووزن درهمك ، ويقولون: داري بميزان دارك ، ووزن دارك; ويريدن: حذاء دارك . [ ص: 170 ] قال الشاعر:
    قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكم مخاصم ميزانه


    يعني: مثل كلامه ولفظه .

    فصل

    والقول بالميزان مشهور في الحديث ، وظاهر القرآن ينطق به . وأنكرت المعتزلة ذلك ، وقالوا: الأعمال أعراض ، فكيف توزن؟ فالجواب: أن الوزن يرجع إلى الصحائف ، بدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله عز وجل يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الناس يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا ، كل سجل مد البصر ، ثم يقول له: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب . فيقول: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل ، فيقول: لا يا رب; فيقول: بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج له بطاقة فيها ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة; قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" أخرجه أحمد في مسنده" ، والترمذي وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يؤتى بالرجل الطويل الأكول [ ص: 171 ] الشروب ، فلا يزن جناح بعوضة" ، فعلى هذا يوزن الإنسان . قال ابن عباس : توزن الحسنات والسيئات في ميزان ، له لسان وكفتان . فأما المؤمن ، فيؤتى بعمله في أحسن صورة ، فيوضع في كفة الميزان ، فتثقل حسناته على سيئاته ، وأما الكافر ، فيؤتى بعمله في أقبح صورة ، فيوضع في كفة الميزان ، فيخف وزنه . وقال الحسن: للميزان لسان وكفتان . وجاء في الحديث: أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان ، فأراه إياه; فقال: يا إلهي ، من يقدر أن يملأ كفتيه حسنات؟ فقال: يا داود ، إني إذا رضيت عن عبدي ، ملأتها بتمرة . وقال حذيفة: جبريل صاحب الميزان يوم القيامة ، فيقول له ربه: زن بينهم ، ورد من بعضهم على بعض; فيرد على المظلوم من الظالم ما وجد له من حسنة . فإن لم تكن له حسنة ، أخذ من سيئات المظلوم ، فرد على سيئات الظالم ، فيرجع وعليه مثل الجبال .

    فإن قيل: أليس الله يعلم مقادير الأعمال ، فما الحكمة في وزنها؟ فالجواب أن فيه خمسة حكم .

    أحدها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا . والثانية: إظهار علامة السعادة والشقاوة في الأخرى . والثالثة: تعريف العباد ما لهم من خير وشر . والرابعة: إقامة الحجة عليهم . والخامسة: الإعلام بأن الله عادل لا يظلم . ونظير هذا أنه أثبت الأعمال في كتاب ، واستنسخها من غير جواز النسيان عليه .
    [ ص: 172 ] ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون

    قوله تعالى: ولقد مكناكم في الأرض فيه قولان .

    أحدهما: مكناكم إياها . والثاني: سهلنا عليكم التصرف فيها

    وفي المعايش قولان .

    أحدهما: ما تعيشون به من المطاعم والمشارب .

    والثاني: ما تتوصلون به إلى المعايش ، من زراعة ، وعمل ، وكسب . وأكثر القراء على ترك الهمز في "معايش" وقد رواها خارجة عن نافع مهموزة . قال الزجاج : وجميع النحويين البصريين يزعمون أن همزها خطأ ، لأن الهمز إنما يكون في الياء الزائدة ، نحو صحيفة وصحائف; فصحيفة من الصحف; والياء زائدة ، فأما معايش ، فمن العيش; فالياء أصلية .

    قوله تعالى: قليلا ما تشكرون أي: شكركم قليل . وقال ابن عباس : يريد أنكم غير شاكرين .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #223
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (223)
    صــ173 إلى صــ 178




    ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين

    قوله تعالى: ولقد خلقناكم ثم صورناكم فيه ثمانية أقوال .

    أحدها: ولقد خلقناكم في ظهر آدم ثم صورناكم في الأرحام ، رواه عبد الله بن الحارث عن ابن عباس .

    والثاني: ولقد خلقناكم في أصلاب الرجال ، وصورناكم في أرحام النساء ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة . [ ص: 173 ] والثالث: ولقد خلقناكم يعني آدم ، ثم صورناكم يعني ذريته من بعده رواه العوفي عن ابن عباس .

    والرابع: ولقد خلقناكم ، يعني آدم ، ثم صورناكم في ظهره ، قاله مجاهد .

    والخامس: خلقناكم نطفا في أصلاب الرجال ، وترائب النساء ، ثم صورناكم عند اجتماع النطف في الأرحام ، قاله ابن السائب .

    والسادس: خلقناكم في بطون أمهاتكم ، ثم صورناكم فيما بعد الخلق بشق السمع والبصر ، قاله معمر .

    والسابع: خلقناكم يعني آدم خلقناه من تراب ، ثم صورناكم أي: صورناه ، قاله الزجاج ، وابن قتيبة . قال ابن قتيبة: فجعل الخلق لهم إذ كانوا منه; فمن قاله: عني بقوله خلقناكم آدم ، فمعناه: خلقنا أصلكم; ومن قال: صورنا ذريته في ظهره ، أراد إخراجهم يوم الميثاق كهيئة الذر .

    والثامن: ولقد خلقناكم يعني الأرواح ، ثم صورناكم يعني الأجساد ، حكاه القاضي أبو يعلى في "المعتمد" . وفي ثم المذكورة مرتين قولان .

    أحدهما" أنها بمعنى الواو ، قاله الأخفش . والثاني: أنها للترتيب ، قاله الزجاج .
    قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين

    قوله تعالى: ما منعك ألا تسجد ما استفهام ، ومعناها الإنكار . قال الكسائي: "لا" هاهنا زائدة . والمعنى: ما منعك أن تسجد؟ وقال الزجاج : موضع "ما" رفع . والمعنى: أي شيء منعك من السجود؟ و"لا" زائدة [ ص: 174 ] مؤكدة; ومثله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد:29] . قال ابن قتيبة: وقد تزاد "لا" في الكلام . والمعنى: طرحها لإباء في الكلام ، أو جحد ، كهذه الآية . وإنما زاد "لا" لأنه لم يسجد . ومثله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون [الأنعام:109] على قراءة من فتح "أنها" ، فزاد "لا" لأنهم لم يؤمنوا; ومثله: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [الأنبياء: 95] . وقال الفراء: "لا" هاهنا جحد محض ، وليست بزائدة ، والمنع راجع إلى تأويل القول ، والتأويل: من قال لك: لا تسجد; فأحل المنع محل القول ، ودخلت بعده "أن" ليدل على تأويل القول الذي لم يتصرح لفظه . وقال ابن جرير: في الكلام محذوف ، تقديره: ما منعك من السجود ، فأحوجك أن لا تسجد؟ . قال الزجاج : وسؤال الله تعالى لإبليس ما منعك توبيخ له ، وليظهر أنه معاند ، ولذلك لم يتب ، وأتى بشيء في معنى الجواب ، ولفظه غير الجواب ، لأن قوله: أنا خير منه إنما هو جواب ، أيكما خير؟ ولكن المعنى: منعني من السجود فضلي عليه . ومثله قولك للرجل: كيف كنت؟ فيقول: أنا صالح; وإنما الجواب: كنت صالحا ، فيجيب بما يحتاج إليه وزيادة . قال العلماء: وقع الخطأ من إبليس حين قاس مع وجود النص ، وخفي عليه فضل الطين على النار; وفضله من وجوه .

    أحدها أن من طبع النار الطيش والالتهاب والعجلة ، ومن طبع الطين الهدوء والرزانة .

    والثاني: أن الطين سبب الإنبات والإيجاد ، والنار سبب الإعدام والإهلاك .

    والثالث: أن الطين سبب جمع الأشياء ، والنار سبب تفريقها .
    قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين [ ص: 175 ] قوله تعالى: فاهبط منها في هاء الكناية قولان .

    أحدهما: أنها ترجع إلى السماء ، لأنه كان فيها ، قاله الحسن .

    والثاني: إلى الجنة ، قاله السدي .

    قوله تعالى: فما يكون لك أن تتكبر فيها إن قيل: فهل لأحد أن يتكبر في غيرها؟ فالجواب: أن المعنى: ما للمتكبر أن يكون فيها ، وإنما المتكبر في غيرها . وأما الصاغر ، فهو الذليل . والصغار: الذل . قال الزجاج : استكبر إبليس بإبائه السجود ، فأعلمه الله أنه صاغر بذلك .
    قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين

    قوله تعالى: قال أنظرني أي أمهلني وأخرني إلى يوم يبعثون ، فأراد أن يعبر قنطرة الموت; وسأل الخلود ، فلم يجبه إلى ذلك ، وأنظره إلى النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم . وقد بين مدة إمهاله في (الحجر) بقوله: إلى يوم الوقت المعلوم [الحجر:38] . وفي ما سأل الإمهال له قولان .

    أحدهما: الموت . والثاني: العقوبة . فإن قيل: كيف قيل له: إنك من المنظرين وليس أحد أنظر سواه؟ فالجواب: أن الذين تقوم عليهم الساعة منظرون إلى ذلك الوقت بآجالهم ، فهو منهم .
    قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم

    قوله تعالى: فبما أغويتني في معنى هذا الإغواء قولان .

    أحدهما: أنه بمعنى الإضلال ، قاله ابن عباس ، والجمهور .

    والثاني: أنه بمعنى الإهلاك ، ومنه قوله: فسوف يلقون غيا [مريم: 59] ، أي: هلاكا ، ذكره ابن الأنباري . وفي معنى "فبما" قولان . [ ص: 176 ] أحدهما: أنها بمعنى القسم ، أي: فبإغوائك لي .

    والثاني: أنها بمعنى الجزاء ، أي: فبأنك أغويتني ، ولأجل أنك أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم . قال الفراء ، والزجاج: أي على صراطك . ومثله قولهم: ضرب زيد الظهر والبطن . وفي المراد بالصراط هاهنا ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه طريق مكة ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، وسعيد بن جبير; كأن المراد صدهم عن الحج .

    والثاني: أنه الإسلام ، قاله جابر بن عبد الله ، وابن الحنيفة ، ومقاتل .

    والثالث: أنه الحق ، قاله مجاهد .
    ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين

    قوله تعالى: ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فيه سبعة أقوال .

    أحدها: من بين أيديهم أشككهم في آخرتهم ، ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم ، وعن أيمانهم أي: من قبل حسناتهم ، وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم ، قاله ابن عباس .

    والثاني: مثله ، إلا أنهم جعلوا من بين أيديهم الدنيا ، ومن خلفهم الآخرة ، قاله النخعي ، والحكم بن عتيبة .

    والثالث: مثل الثاني ، إلا أنهم جعلوا وعن أيمانهم من قبل الحق أصدهم عنه ، وعن شمائلهم من قبل الباطل أردهم إليه ، قاله مجاهد ، والسدي .

    والرابع: من بين أيديهم من سبيل الحق ومن خلفهم من سبيل [ ص: 177 ] الباطل ، وعن أيمانهم من قبل آخرتهم ، وعن شمائلهم من أمر الدنيا ، قاله أبو صالح .

    والخامس: من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ، ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا يبصرون ، نقل عن مجاهد أيضا .

    والسادس: أن المعنى: لأتصرفن لهم في الإضلال من جميع جهاتهم ، قاله الزجاج ، وأبو سليمان الدمشقي . فعلى هذا ، يكون ذكر هذه الجهات ، للمبالغة في التأكيد .

    والسابع: من بين أيديهم فيما بقي من أعمارهم ، فلا يقدمون فيه على طاعة ، ومن خلفهم فيما مضى من أعمارهم ، فلا يتوبون فيه من معصية ، وعن أيمانهم من قبل الغنى ، فلا ينفقونه في مشكور ، وعن شمائلهم من قبل الفقر ، فلا يمتنعون فيه من محظور ، قاله الماوردي .

    قوله تعالى: ولا تجد أكثرهم شاكرين فيه قولان .

    أحدهما: موحدين ، قاله ابن عباس .

    والثاني: شاكرين لنعمتك ، قاله مقاتل . فإن قيل: من أين علم إبليس ذلك؟ فقد أسلفنا الجواب عنه في سورة (النساء) .
    قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين

    قوله تعالى: قال اخرج منها مذءوما وقرأ الأعمش: " مذوما " بضم الذال [ ص: 178 ] من غير همز . قال الفراء: الذأم: الذم; يقال: ذأمت الرجل ، أذأمه ذأما; وذممته ، أذمه ذما; وذمته ، أذيمه ذيما; ويقال: رجل مذؤوم ، ومذموم ، ومذيم ، بمعنى . قال حسان بن ثابت:


    وأقاموا حتى أبيروا جميعا في مقام وكلهم مذؤوم


    قال ابن قتيبة: المذؤوم: المذموم بأبلغ الذم . والمدحور: المقصى المبعد . وقال الزجاج : معنى المذؤوم كمعنى المذموم ، والمدحور: المبعد من رحمة الله . واللام من "لأملأن": لام القسم; والكلام بمعنى الشرط والجزاء ، كأنه قيل له: من تبعك ، أعذبه ، فدخلت اللام للمبالغة والتوكيد . فلام "لأملأن" هي لام القسم ، ولام لمن تبعك توطئة لها . فأما قوله: منهم فقال ابن الأنباري: الهاء والميم عائدتان على ولد آدم ، لأنه حين قال: ولقد خلقناكم ثم صورناكم [الأعراف: 11] كان مخاطبا لولد آدم ، فرجع إليهم ، فقال: لمن تبعك منهم فجعلهم غائبين ، لأن مخاطبتهم في ذا الموضع توقع لبسا; والعرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة ، ومن الغيبة إلى الخطاب . ومن قال: ولقد خلقناكم ثم صورناكم خطاب لآدم ، قال: أعاد الهاء والميم على ولده ، لأن ذكره يكفي من ذكرهم; والعرب تكتفي بذكر الوالد من ذكر الأولاد إذا انكشف المعنى وزال اللبس . قال الشاعر:


    أرى الخطفي بذ الفرزدق شعره ولكن خيرا من كليب مجاشع


    أراد: أرى ابن الخطفي ، فاكتفى بالخطفي من ابنه .

    قوله تعالى: لأملأن جهنم منكم يعني أولاد آدم المخالفين وقرناءهم من الشياطين .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #224
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (224)
    صــ179 إلى صــ 184




    [ ص: 179 ] فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين

    قوله: تعالى فوسوس لهما الشيطان قيل: إن الوسوسة: إخفاء الصوت . قال ابن فارس: الوسواس: صوت الحلي ، ومنه وسواس الشيطان . و"لهما" بمعنى "إليهما" ليبدي لهما أي: ليظهر لهما (ما ووري عنهما) أي: ستر . وقيل: إن لام "ليبدي" لام العاقبة; وذلك أن عاقبة الوسوسة أدت إلى ظهور عورتهما ، ولم تكن الوسوسة لظهورها .

    قوله تعالى: إلا أن تكونا ملكين قال الأخفش ، والزجاج: معناه: ما نهاكما إلا كراهة أن تكونا ملكين . وقال ابن الأنباري: المعنى: إلا أن لا تكونا ، فاكتفى بـ"أن" من "لا" فأسقطها . فإن قيل: كيف انقاد آدم لإبليس ، مستشرفا إلى أن يكون ملكا ، وقد شاهد الملائكة ساجدة له؟ فعنه جوابان .

    أحدهما: أنه عرف قربهم من الله ، واجتماع أكثرهم حول عرشه ، فاستشرف لذلك ، قاله ابن الأنباري .

    والثاني: أن المعنى: إلا أن تكونا طويلي العمر مع الملائكة أو تكونا من الخالدين لا تموتان أبدا ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وقد روى يعلى بن حكيم عن ابن كثير: أن تكونا ملكين بكسر اللام ، وهي قراءة الزهري .
    وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة [ ص: 180 ] وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون .

    قوله تعالى: وقاسمهما قال الزجاج : حلف لهما ، فدلاهما في المعصية بأن غرهما .

    قال ابن عباس : غرهما باليمين ، وكان آدم لا يظن أن أحدا يحلف بالله كاذبا .

    قوله تعالى: فلما ذاقا الشجرة أي: فلما ذاقا ثمر الشجرة . قال الزجاج : وهذا يدل على أنهما ذاقاها ذواقا ، ولم يبالغا في الأكل . والسوأة كناية عن الفرج ، لا أصل له في تسميته . ومعنى (طفقا) أخذا في الفعل; والأكثر: طفق يطفق; وقد رويت: طفق يطفق ، بكسر الفاء ، ومعنى (يخصفان) يجعلان ورقة على ورقة ، ومنه قيل للذي يرقع النعل: خصاف .

    وفي الآية دليل على أن إظهار السوأة قبيح من لدن آدم; ألا ترى إلى قوله: ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما فإنهما بادرا يستتران لقبح التكشف . وقيل: إنما سميت السوأة سوأة ، لأن كشفها يسوء صاحبها . قال وهب بن منبه: كان لباسهما نورا على فروجهما ، لا يرى أحدهما عورة الآخر; فلما أصابا الخطيئة ، بدت لهما سوءاتهما . وقرأ الحسن: "سوأتهما" على التوحيد; وكذلك قرأ: "يخصفان" بكسر الياء والخاء مع تشديد الصاد . وقرأ الزهري: بضم الياء وفتح الخاء مع تشديد الصاد . وفي الورق قولان .

    أحدهما: ورق التين ، قاله ابن عباس . [ ص: 181 ] والثاني: ورق الموز ، ذكره المفسرون . وما بعد هذا قد سبق تفسيره إلى قوله: قال فيها تحيون يعني الأرض . واختلف القراء في تاء "تخرجون" فقرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو: بضم التاء وفتح الراء هاهنا; وفي الروم: وكذلك تخرجون [الروم:19] . وفي الزخرف: كذلك تخرجون [الزخرف:11] . وفي الجاثية: لا يخرجون منها [الجاثية:35] . وقرأهن حمزة ، والكسائي: بفتح التاء وضم الراء . وفتح ابن عامر التاء في (الأعراف) فقط فأما التي في (الروم) إذا أنتم تخرجون [الروم:25] ، وفي سأل سائل يوم يخرجون [المعارج: 43] فمفتوحتان من غير خلاف .
    يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون قوله تعالى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا سبب نزولها: أن ناسا من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد . وقيل: إنه لما ذكر عري آدم ، من علينا باللباس . وفي معنى أنزلنا عليكم ثلاثة أقوال .

    أحدها: خلقنا لكم . والثاني: ألهمناكم كيفية صنعه . والثالث: أنزلنا المطر الذي هو سبب نبات ما يتخذ لباسا . وأكثر القراء قرؤوا: "وريشا" . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وزر بن حبيش ، وقتادة ، والمفضل ، وأبان عن عاصم: "ورياشا" بألف . قال الفراء: يجوز أن تكون الرياش جميع الريش . ويجوز أن تكون بمعنى الريش كما قالوا: لبس ، ولباس . [ ص: 182 ] قال الشاعر:


    فلما كشفن اللبس عنه مسحنه بأطراف طفل زان غيلا موشما


    قال ابن عباس ، ومجاهد: "الرياش": المال; وقال عطاء: المال والنعيم ، وقال ابن زيد: الريش: الجمال; وقال معبد الجهني: الريش: الرزق; وقال ابن قتيبة: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس . وقال الزجاج : الريش: اللباس وكل ما ستر الإنسان في جسمه ومعيشته . يقال: تريش فلان ، أي: صار له ما يعيش به . أنشد سيبويه:


    رياشي منكم وهواي معكم وإن كانت زيارتكم لماما


    وعلى قول الأكثرين: الريش والرياش بمعنى . قال قطرب: الريش والرياش واحد . وقال سفيان الثوري: الريش: المال ، والرياش: الثياب .

    قوله تعالى: ولباس التقوى قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة: "ولباس التقوى" بالرفع . وقرأ ابن عامر ، ونافع ، والكسائي: بنصب اللباس . قال الزجاج : من نصب اللباس ، عطف به على الريش; ومن رفعه ، فيجوز أن يكون مبتدأ ، ويجوز أن يكون مرفوعا بإضمار: هو; المعنى: وهو لباس التقوى ، أي: وستر العورة لباس المتقين . وللمفسرين في لباس التقوى عشرة أقوال . [ ص: 183 ] أحدها: أنه السمت الحسن ، قاله عثمان بن عفان; ورواه الذيال بن عمرو عن ابن عباس . والثاني: العمل الصالح ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث: الإيمان ، قاله قتادة ، وابن جريج ، والسدي; فعلى هذا ، سمي لباس التقوى ، لأنه يقي العذاب . والرابع: خشية الله تعالى ، قاله عروة بن الزبير . والخامس: الحياء ، قاله معبد الجهني ، وابن الأنباري . والسادس: ستر العورة للصلاة ، قاله ابن زيد . والسابع: أنه الدرع ، وسائر آلات الحرب ، قاله زيد بن علي . والثامن: العفاف ، قاله ابن السائب . والتاسع: أنه ما يتقى به الحر والبرد ، قاله ابن بحر . والعاشر: أن المعنى: ما يلبسه المتقون في الآخرة ، خير مما يلبسه أهل الدنيا ، رواه عثمان بن عطاء عن أبيه .

    قوله تعالى: ذلك خير قاله ابن قتيبة: المعنى: ولباس التقوى خير من الثياب ، لأن الفاجر ، وإن كان حسن الثوب ، فهو بادي العورة; "وذلك" زائدة . قال الشاعر في هذا المعنى:


    إني كأني أرى من لا حياء له ولا أمانة وسط القوم عريانا


    قال ابن الأنباري: ويقال: لباس التقوى ، هو اللباس الأول ، وإنما أعاده لما أخبر عنه بأنه خير من التعري ، إذ كانوا يتعبدون في الجاهلية بالتعري في الطواف .

    قوله تعالى: ذلك من آيات الله قال مقاتل: يعني: الثياب والمال من آيات الله وصنعه ، لكي يذكروا ، فيعتبروا في صنعه .
    يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون [ ص: 184 ] قوله تعالى: يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان قال المفسرون: هذا الخطاب للذين كانوا يطوفون عراة; والمعنى: لا يخدعنكم ولا يضلنكم بغروره فيزين لكم كشف عوراتكم ، كما أخرج أبويكم من الجنة بغروره . وأضيف الإخراج ونزع اللباس إليه ، لأنه السبب . وفي "لباسهما" أربعة أقوال .

    أحدها: أنه النور ، رواه أبو صالح عن ابن عباس; وقد ذكرناه عن ابن منبه .

    والثاني: أنه كان كالظفر; فلما أكلا ، لم يبق عليهما منه إلا الظفر ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، وابن زيد .

    والثالث: أنه التقوى ، قاله مجاهد .

    والرابع: أنه كان من ثياب الجنة ، ذكره القاضي أبو يعلى .

    قوله تعالى: ليريهما سوآتهما أي: ليري كل واحد منهما سوأة صاحبه . إنه يراكم هو وقبيله قال مجاهد: قبيله: الجن والشياطين . قال ابن عباس : جعلهم الله يجرون من بني آدم مجرى الدم ، وصدور بني آدم مساكن لهم ، فهم يرون بني آدم ، وبنو آدم لا يرونهم .

    قوله تعالى: إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون قال الزجاج : سلطناهم عليهم ، يزيدون في غيهم . وقال أبو سليمان: جعلناهم موالين لهم .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #225
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (225)
    صــ185 إلى صــ 190




    وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون

    قوله تعالى: وإذا فعلوا فاحشة فيمن عني بهذه الآية ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهم الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة . والفاحشة: كشف العورة ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وزيد بن أسلم ، والسدي . [ ص: 185 ] والثاني: أنهم الذين جعلوا السائبة والوصيلة والحام وتلك الفاحشة ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس .

    والثالث: أنهم المشركون; والفاحشة: الشرك ، قاله الحسن ، وعطاء . قال الزجاج : فأعلمهم عز وجل أنه لا يأمر بالفحشاء ، لأن حكمته تدل على أنه لا يفعل إلا المستحسن . والقسط: العدل . والعدل: ما استقر في النفوس قبحه؟!
    قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون

    قوله تعالى: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد فيه أربعة أقوال .

    أحدها: إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد ، فصلوا فيه ، ولا يقولن أحدكم: أصلي في مسجدي ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، واختاره ابن قتيبة .

    والثاني: توجهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة ، قاله مجاهد ، والسدي ، وابن زيد .

    والثالث: اجعلوا سجودكم خالصا لله تعالى دون غيره ، قاله الربيع بن أنس .

    والرابع: اقصدوا المسجد في وقت كل صلاة ، أمرا بالجماعة لها ، ذكره الماوردي . وفي قوله: (وادعوه) قولان .

    أحدهما: أنه العبادة . والثاني: الدعاء . وفي قوله: مخلصين له الدين قولان .

    أحدهما: مفردين له العبادة . والثاني: موحدين غير مشركين .

    وفي قوله: كما بدأكم تعودون ثلاثة أقوال .

    أحدها: كما بدأكم سعداء وأشقياء ، كذلك تبعثون ، روى هذا المعنى [ ص: 186 ] علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والقرظي ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء .

    والثاني: كما خلقتم بقدرته ، كذلك يعيدكم ، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وابن زيد ، والزجاج ، وقال: هذا الكلام متصل بقوله: فيها تحيون وفيها تموتون [الأعراف: 25] .

    والثالث: كما بدأكم لا تملكون شيئا ، كذلك تعودون ، ذكره الماوردي .
    فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون

    قوله تعالى: فريقا هدى قال الفراء: نصب الفريق ب "تعودون" وقال ابن الأنباري: نصب "فريقا" "وفريقا" على الحال من الضمير الذي في "تعودون" ، يريد: تعودون كما ابتدأ خلقكم مختلفين ، بعضكم سعداء ، وبعضكم أشقياء .

    قوله تعالى: حق عليهم الضلالة أي: بالكلمة القديمة ، والإرادة السابقة .
    يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين

    قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم سبب نزولها: أن ناسا من الأعراب كانوا يطوفون بالبيت عراة ، الرجال بالنهار ، والنساء بالليل ، وكانت المرأة تعلق على فرجها سيورا ، وتقول:


    اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله


    [ ص: 187 ] فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس . وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: كانوا إذا حجوا ، فأفاضوا من منى ، لا يصلح لأحد منهم في دينه الذي اشترعوا أن يطوف في ثوبيه ، فيلقيهما حتى يقضي طوافه ، فنزلت هذه الآية . وقال الزهري: كانت العرب تطوف بالبيت عراة ، إلا الحمس ، قريش وأحلافها ، فمن جاء من غيرهم ، وضع ثيابه وطاف في ثوبي أحمس ، فإن لم يجد من يعيره من الحمس ، ألقى ثيابه وطاف عريانا ، فإن طاف في ثياب نفسه ، جعلها حراما عليه إذا قضى الطواف ، فلذلك جاءت هذه الآية . وفي هذه الزينة قولان .

    أحدهما: أنها الثياب . ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه ورد في ستر العورة في الطواف ، قاله ابن عباس ، والحسن في جماعة . والثاني: أنه ورد في ستر العورة في الصلاة ، قاله مجاهد ، والزجاج . والثالث: أنه ورد في التزين بأجمل الثياب في الجمع والأعياد ، ذكره الماوردي .

    والثاني: أن المراد بالزينة: المشط ، قاله أبو رزين .

    قوله تعالى: وكلوا واشربوا قال ابن السائب: كان أهل الجاهلية لا يأكلون في أيام حجهم دسما ، ولا ينالون من الطعام إلا قوتا ، تعظيما لحجتهم ، فنزل قوله: وكلوا واشربوا . وفي قوله: ولا تسرفوا أربعة أقوال .

    أحدها: لا تسرفوا بتحريم ما أحل لكم ، قاله ابن عباس .

    والثاني: لا تأكلوا حراما ، فذلك الإسراف ، قاله ابن زيد . [ ص: 188 ] والثالث: لا تشركوا ، فمعنى الإسراف هاهنا: الإشراك ، قاله مقاتل .

    والرابع: لا تأكلوا من الحلال فوق الحاجة ، قاله الزجاج .

    ونقل أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق ، فقال لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء ، فقال علي: قد جمع الله تعالى الطب في نصف آية من كتابنا . قال: ما هي؟ قال: قوله تعالى: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا قال النصراني: ولا يؤثر عن نبيكم شيء من الطب ، فقال: قد جمع رسولنا علم الطب في ألفاظ يسيرة . قال: وما هي؟ قال: "المعدة بيت الداء" والحمية رأس الدواء ، وعودوا كل بدن ما اعتاد" . فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا .

    قال المصنف: هكذا نقلت هذه الحكاية ، إلا أن هذا الحديث المذكور فيها عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يثبت . وقد جاءت عنه في الطب أحاديث قد ذكرتها في كتاب "لقط المنافع في الطب"
    قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون

    قوله تعالى: قل من حرم زينة الله في سبب نزولها ثلاثة أقوال . [ ص: 189 ] أحدها: أن المشركين عيروا المسلمين ، إذ لبسوا الثياب في الطواف ، وأكلوا الطيبات ، فنزلت ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

    والثاني: أنهم كانوا يحرمون أشياء أحلها الله ، من الزروع وغيرها ، فنزلت هذه الآية ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

    والثالث: نزلت في طوافهم بالبيت عراة ، قاله طاوس ، وعطاء . وفي زينة الله قولان .

    أحدهما: أنها ستر العورة; فالمعنى: من حرم أن تلبسوا في طوافكم ما يستركم؟ .

    والثاني: أنها زينة اللباس . وفي الطيبات قولان .

    أحدهما: أنها الحلال . والثاني: المستلذ . ثم في ما عني بها ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنها البحائر ، والسوائب ، والوصائل ، والحوامي التي حرموها ، قاله ابن عباس ، وقتادة .

    والثاني: أنها السمن ، والألبان ، واللحم ، وكانوا حرموه في الإحرام ، قاله ابن زيد . والثالث: الحرث ، والأنعام ، والألبان ، قاله مقاتل .

    قوله تعالى: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة قال ابن الأنباري: "خالصة" نصب على الحال من لام مضمرة ، تقديرها: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة ، وهي لهم في الآخرة خالصة ، فحذفت اللام لوضوح معناها ، كما تحذف العرب أشياء لا يلبس سقوطها .

    قال الشاعر:


    تقول ابنتي لما رأتني شاحبا كأنك يحميك الطعام طبيب تتابع أحداث تخر من إخوتي
    فشيبن رأسي والخطوب تشيب


    [ ص: 190 ] أراد: فقلت لها: الذي اكسبني ما ترين ، تتابع أحداث ، فحذف لانكشاف المعنى . قال المفسرون: إن المشركين شاركوا المؤمنين في الطيبات ، فأكلوا ولبسوا ونكحوا ، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للمؤمنين ، وليس للمشركين فيها شيء . وقيل: خالصة لهم من ضرر أو إثم . وقرأ نافع: "خالصة" بالرفع . قال الزجاج : ورفعها على أنه خبر بعد خبر ، كما تقول: زيد عاقل لبيب; والمعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الدنيا ، خالصة يوم القيامة .

    قوله تعالى: كذلك نفصل الآيات أي: هكذا نبينها .
    قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون

    قوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش قرأ حمزة: (ربي الفواحش) بإسكان الياء . ما ظهر منها وما بطن فيه ستة أقوال .

    أحدها: أن المراد بها الزنا ، ما ظهر منه: علانيته ، وما بطن سره رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير .

    والثاني: أن ما ظهر ، نكاح الأمهات ، وما بطن: الزنا ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال علي بن الحسين .

    والثالث: أن ما ظهر: نكاح الأبناء نساء الآباء ، والجمع بين الأختين ، وأن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها ، وما بطن: الزنا ، روي عن ابن عباس أيضا .

    والرابع: أن ما ظهر: الزنا ، وما بطن: العزل قاله شريح .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #226
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (226)
    صــ191 إلى صــ 196




    والخامس: أن ما ظهر: طواف الجاهلية عراة ، وما بطن: الزنا ، قاله مجاهد ، [ ص: 191 ] والسادس: أنه عام في جميع المعاصي . ثم في "ما ظهر منها وما بطن" قولان .

    أحدهما: أن الظاهر: العلانية ، والباطن: السر ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

    والثاني: أن ما ظهر: أفعال الجوارح ، والباطن: اعتقاد القلوب ، قاله الماوردي . وفي الإثم ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الذنب الذي لا يوجب الحد ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، والفراء ،

    والثاني: المعاصي كلها ، قاله مجاهد .

    والثالث: أنه الخمر ، قاله الحسن ، وعطاء . قال ابن الأنباري: أنشدنا رجل في مجلس ثعلب بحضرته ، وزعم أن أبا عبيدة أنشده:


    نشرب الإثم بالصواع جهارا ونرى المتك بيننا مستعارا


    فقال أبو العباس: لا أعرفه ، ولا أعرف الإثم: الخمر في كلام العرب . وأنشدنا رجل آخر:


    شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول


    قال أبو بكر: وما هذا البيت معروفا أيضا في شعر من يحتج بشعره ، وما رأيت أحدا من أصحاب الغريب أدخل الإثم في أسماء الخمر ، ولا سمتها العرب بذلك في جاهلية ولا إسلام .

    فإن قيل: إن الخمر تدخل تحت الإثم ، فصواب ، لا لأنه اسم لها .

    فإن قيل: كيف فصل الإثم عن الفواحش ، وفي كل الفواحش إثم؟ فالجواب: أن كل فاحشة إثم ، وليس كل إثم فاحشة ، فكان لإثم كل فعل مذموم; والفاحشة: العظيمة . فأما البغي ، فقال الفراء: هو الاستطالة على الناس . [ ص: 192 ] قوله تعالى: وأن تشركوا قال الزجاج : موضع "أن" نصب; فالمعنى: حرم الفواحش ، وحرم الشرك . والسلطان: الحجة .

    قوله تعالى: وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون عام في تحريم القول في الدين من غير يقين .
    ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون .

    قوله تعالى: ولكل أمة أجل سبب نزولها: أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم العذاب ، فأنزلت ، قاله مقاتل . وفي الأجل قولان .

    أحدهما: أنه أجل العذاب . والثاني: أجل الحياة . قال الزجاج : الأجل: الوقت المؤقت . فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة المعنى: ولا أقل من ساعة . وإنما ذكر الساعة ، لأنها أقل أسماء الأوقات .
    يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين

    قوله تعالى: يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم قال الزجاج : أضمر: "فأطيعوهم" وقد سبق معنى "إما" في سورة البقرة (البقرة:38); والباقي ظاهر إلى قوله: ينالهم نصيبهم من الكتاب ففي معناه سبعة أقوال . [ ص: 193 ] أحدها: ما قدر لهم من خير وشر ، رواه مجاهد عن ابن عباس .

    والثاني: نصيبهم من الأعمال ، فيجزون عليها ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

    والثالث: ما كتب عليهم من الضلالة والهدى ، قاله الحسن . وقال مجاهد ، وابن جبير: من السعادة والشقاوة .

    والرابع: ما كتب لهم من الأرزاق والأعمار والأعمال ، قاله الربيع ، والقرظي ، وابن زيد .

    والخامس: ما كتب لهم من العذاب ، قاله عكرمة ، وأبو صالح ، والسدي .

    والسادس: ما أخبر الله تعالى في الكتب كلها: أنه من افترى على الله كذبا ، اسود وجهه ، قاله مقاتل .

    والسابع: ما أخبر في الكتاب من جزائهم ، نحو قوله: فأنذرتكم نارا تلظى [الليل:14] ، قاله الزجاج . فإذن في الكتاب خمسة أقوال .

    أحدها: أنه اللوح المحفوظ . والثاني: كتب الله كلها . والثالث: القرآن . والرابع: كتاب أعمالهم . والخامس: القضاء .

    قوله تعالى: حتى إذا جاءتهم رسلنا فيهم ثلاثة أقوال . /0 أحدها: أنهم أعوان ملك الموت ، قاله النخعي . والثاني: ملك الموت وحده ، قاله مقاتل . والثالث: ملائكة العذاب يوم القيامة .

    وفي قوله: "يتوفونهم" ثلاثة أقوال .

    أحدها: يتوفونهم بالموت ، قاله الأكثرون . والثاني: يتوفونهم بالحشر [ ص: 194 ] إلى النار يوم القيامة ، قاله الحسن . والثالث: يتوفونهم عذابا ، كما تقول: قتلت فلانا بالعذاب ، وإن لم يمت ، قاله الزجاج .

    قوله تعالى: أين ما كنتم تدعون أي: تعبدون من دون الله ، وهذا سؤال تبكيت وتقريع . قال مقاتل: المعنى: فليمنعوكم من النار . قال الزجاج : ومعنى ضلوا عنا بطلوا وذهبوا ، فيعترفون عند موتهم أنهم كانوا كافرين . وقال غيره: ذلك الاعتراف يكون يوم القيامة .
    قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون

    قوله تعالى: قال ادخلوا إن الله تعالى يقول لهم ذلك بواسطة الملائكة ، لأن الله تعالى لا يكلم الكفار يوم القيامة . قال ابن قتيبة: و"في" بمعنى: "مع"

    وفي قوله: قد خلت من قبلكم قولان .

    أحدهما: مضت إلى العذاب .

    والثاني: مضت في الزمان ، يعني كفار الأمم الماضية .

    قوله تعالى: كلما دخلت أمة لعنت أختها وهذه أخوة الدين والملة ، لا أخوة النسب . قال ابن عباس : يلعنون من كان قبلهم . قال مقاتل: كلما دخل أهل ملة ، لعنوا أهل ملتهم ، فيلعن اليهود اليهود ، والنصارى النصارى ، والمشركون المشركين ، والأتباع القادة ، ويقولون: أنتم القيتمونا هذا الملقى حين أطعناكم . وقال الزجاج : إنما تلاعنوا ، لأن بعضهم ضل باتباع بعض . [ ص: 195 ] قوله تعالى: حتى إذا اداركوا قال ابن قتيبة: أي: تداركوا ، فأدغمت التاء في الدال ، وأدخلت الألف ليسلم السكون لما بعدها ، يريد: تتابعوا فيها واجتمعوا .

    قوله تعالى: قالت أخراهم لأولاهم فيه ثلاثة أقوال .

    أحدها: آخر أمة لأول أمة ، قاله ابن عباس . والثاني: آخر أهل الزمان لأوليهم الذين شرعوا له ذلك الدين ، قاله السدي . والثالث: آخرهم دخولا إلى النار ، وهم الأتباع ، لأولهم دخولا ، وهم القادة ، قاله مقاتل .

    قوله تعالى: هؤلاء أضلونا قال ابن عباس : شرعوا لنا أن نتخذ من دونك إلها .

    قوله تعالى: فآتهم عذابا ضعفا قال الزجاج : أي عذابا مضاعفا .

    قوله تعالى: قال لكل ضعف أي: عذاب مضاعف ولكن لا تعلمون .

    قرأ أبو بكر ، والمفضل عن عاصم: "يعلمون" . بالياء قال الزجاج : والمعنى: لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر . وقرأ الباقون: "تعلمون" ، بالتاء ، وفيها وجهان ذكرهما الزجاج .

    أحدهما: لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل فريق من العذاب .

    والثاني: لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ذلك ، وقيل: إنما طلب الأتباع مضاعفة عذاب القادة ، ليكون أحد العذابين على الكفر ، والثاني: على إغرائهم به ، فأجيبوا لكل ضعف أي: كما كان للقادة ذلك ، فلكم عذاب بالكفر ، وعذاب بالاتباع . قوله: فما كان لكم علينا من فضل فيه قولان .

    أحدهما: في الكفر ، نحن وأنتم فيه سواء ، قاله ابن عباس .

    والثاني: في تخفيف العذاب ، قاله مجاهد .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #227
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (227)
    صــ197 إلى صــ 202




    [ ص: 196 ] وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون

    قوله تعالى: بما كنتم تكسبون قال مقاتل: من الشرك والتكذيب .
    إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين

    قوله تعالى: إن الذين كذبوا بآياتنا أي: بحججنا وأعلامنا التي تدل على توحيد الله ونبوة الأنبياء ، وتكبروا عن الإيمان بها لا تفتح لهم أبواب السماء قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر: "تفتح"; بالتاء ، وشددوا التاء الثانية . وقرأ أبو عمرو: "لا تفتح" بالتاء خفيفة . ساكنة الفاء . وقرأ حمزة ، والكسائي: "لا يفتح" بالياء مضمومة خفيفة . وقرأ اليزيدي عن اختياره: "لا تفتح" بتاء مفتوحة أبواب السماء بنصب الباء ، فكأنه أشار إلى أفعالهم . وقرأ الحسن: بياء مفتوحة ، مع نصب الأبواب ، كأنه يشير إلى الله عز وجل . وفي معنى الكلام أربعة أقوال .

    أحدها: لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وهو قول أبي موسى الأشعري ، والسدي في آخرين ، والأحاديث تشهد به .

    والثاني: لا تفتح لأعمالهم ، رواه العوفي عن ابن عباس .

    والثالث: لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم ، رواه عطاء عن ابن عباس .

    والرابع: لا تفتح لأرواحهم ولا لأعمالهم ، قاله ابن جريج ، ومقاتل . [ ص: 197 ] وفي السماء قولان .

    أحدهما: أنها السماء المعروفة ، وهو المشهور .

    والثاني: أن لمعنى: لا تفتح لهم أبواب الجنة ولا يدخلونها ، لأن الجنة في السماء ، ذكره الزجاج .

    قوله تعالى: حتى يلج الجمل في سم الخياط الجمل: هو الحيوان المعروف . فإن قال قائل: كيف خص الجمل دون سائر الدواب ، وفيها ما هو أعظم منه؟ فعنه جوابان .

    أحدهما: أن ضرب المثل بالجمل يحصل المقصود; والمقصود أنهم لا يدخلون الجنة ، كما لا يدخل الجمل في ثقب الإبرة ، ولو ذكر أكبر منه أو أصغر منه ، جاز ، والناس يقولون: فلان لا يساوي درهما ، وهذا لا يغني عنك فتيلا ، وإن كنا نجد أقل من الدرهم والفتيل .

    والثاني: أن الجمل أكبر شأنا عند العرب من سائر الدواب ، فإنهم يقدمونه في القوة على غيره ، لأنه يوقر بحمله فينهض به دون غيره من الدواب ، ولهذا عجبهم من خلق الإبل ، فقال: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت [الغاشية:17] ، فآثر الله ذكره على غيره لهذا المعنى . ذكر الجوابين ابن الأنباري . قال: وقد روى شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قرأ: "حتى يلج الجمل" بضم الجيم وتشديد الميم ، وقال: هو القلس الغليظ .

    قال المصنف: وهي قراءة أبي رزين ، ومجاهد ، وابن محيصن ، وأبي مجلز ، وابن يعمر ، وأبان عن عاصم . قال: وروى مجاهد عن ابن عباس: "حتى يلج الجمل" بضم الجيم وفتح الميم وتخفيفها . [ ص: 198 ] قلت: وهي قراءة قتادة ، وقد رويت عن سعيد بن جبير ، وأنه قرأ: "حتى يلج الجمل" بضم الجيم وتسكين الميم . قلت: وهي قراءة عكرمة .

    قال ابن الأنباري: فالجمل يحتمل أمرين: يجوز أن يكون بمعنى الجمل ، ويجوز أن يكون بمعنى جملة من الجمال ، قيل في جمعها: جمل ، كما يقال حجرة ، وحجر ، وظلمة ، وظلم . وكذلك من قرأ: "الجمل" يسوغ له أن يقول: الجمل ، بمعنى الجمل ، وأن يقول: الجمل ، جمع جملة ، مثل بسرة ، وبسر . وأصحاب هذه القراءات يقولون: الحبل والحبال ، أشبه بالإبرة والخيوط من الجمال . وروى عطاء بن يسار عن ابن عباس أنه قرأ: "الجمل" بضم الجيم والميم ، وبالتخفيف ، وهي قراءة الضحاك ، والجحدري . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء: "الجمل" بفتح الجيم ، وبسكون الميم خفيفة .

    قوله تعالى: في سم الخياط السم في اللغة: الثقب . وفيها ثلاث لغات: فتح السين ، وبها قرأ الأكثرون ، وضمها ، وبه قرأ ابن مسعود ، وأبو رزين ، وقتادة ، وابن محيصن ، وطلحة بن مصرف ، وكسرها ، وبه قرأ أبو عمران الجوني ، وأبو نهيك ، والأصمعي عن نافع . قال ابن القاسم: والخياط: المخيط ، بمنزلة اللحاف والملحف ، والقرام والمقرم . وقد قرأ ابن مسعود ، وأبو رزين ، وأبو مجلز: في "سم المخيط" وقال الزجاج : الخياط: الإبرة ، وسمها: ثقبها . والمعنى: أنهم لا يدخلون الجنة . أبدا قال ابن قتيبة: هذا كما يقال: لا يكون ذلك حتى يشيب الغراب ، ويبيض القار .

    قوله تعالى: وكذلك نجزي المجرمين أي: مثل ذلك نجزي الكافرين أنهم لا يدخلون الجنة .
    [ ص: 199 ] لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون

    قوله تعالى: لهم من جهنم مهاد المهاد الفراش .

    وفي المراد بالغواشي ثلاثة أقوال .

    أحدها: اللحف ، قاله ابن عباس ، والقرظي ، وابن زيد . والثاني: ما يغشاهم من فوقهم من الدخان ، قاله عكرمة . والثالث: غاشية فوق غاشية من النار ، قاله الزجاج . قال ابن عباس : والظالمون هاهنا الكافرون .
    ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون

    قوله تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل . فيمن عني بهذه الآية أربعة أقوال .

    أحدها: أهل بدر . روى الحسن عن علي رضي الله عنه أنه قال: فينا والله أهل بدر نزلت: ونزعنا ما في صدورهم من غل وروى عمرو بن الشريد عن علي أنه قال: إني لأرجو أن أكون أنا ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، من الذين قال الله: ونزعنا ما في صدورهم من غل

    والثاني: أنهم أهل الأحقاد من أهل الجاهلية حين أسلموا . روى كثير النواء عن أبي جعفر قال: نزلت هذه الآية في علي ، وأبي بكر ، وعمر ، قلت لأبي جعفر: فأي غل هو؟ قال: غل الجاهلية ، كان بين بني هاشم وبني تيم وبني عدي في [ ص: 200 ] الجاهلية شيء ، فلما أسلم هؤلاء ، تحابوا ، فأخذت أبا بكر الخاصرة ، فجعل علي يسخن يده ويكمد بها خاصرة أبي بكر ، فنزلت هذه الآية .

    والثالث: أنهم عشرة من الصحابة: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وعبد الله بن مسعود ، قاله أبو صالح .

    والرابع: أنها في صفة أهل الجنة إذا دخلوها . روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه تعالى وسلم أنه قال: "يخلص المؤمنون من النار ، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار ، حتى إذا هذبوا ونقوا ، أذن لهم في دخول الجنة . فوالذي نفسي بيده ، لأحدهم أهدى بمنزلة في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا" . وقال ابن عباس : أول ما يدخل أهل الجنة الجنة ، تعرض لهم عينان ، فيشربون من إحدى العينين ، فيذهب الله ما في قلوبهم من غل وغيره مما كان في الدنيا ، ثم يدخلون إلى العين الأخرى ، فيغتسلون منها ، فتشرق ألوانهم وتصفوا ، وجوههم ، وتجري عليهم نضرة النعيم .

    [ ص: 201 ] فأما النزع ، فهو قلع الشيء من مكانه . والغل: الحقد الكامن في الصدر .

    وقال ابن قتيبة: الغل: الحسد والعداوة .

    قوله تعالى: الحمد لله الذي هدانا لهذا قال الزجاج : معناه: هدانا لما صيرنا إلى هذا . قال ابن عباس : يعنون ما وصلوا إليه من رضوان الله وكرامته . وروى عاصم بن ضمرة عن علي كرم الله وجهه قال: تستقبلهم الولدان كأنهم لؤلؤ منثور ، فيطوفون بهم كإطافتهم بالحميم جاء من الغيبة ، ويبشرونهم بما أعد الله لهم ، ويذهبون إلى أزواجهم فيبشرونهم ، فيستخفهن الفرح ، فيقمن على أسكفة الباب ، فيقلن: أنت رأيته ، أنت رأيته؟ قال: فيجيء إلى منزله فينظر في أساسه ، فإذا صخر من لؤلؤ ، ثم يرفع بصره ، فلولا أن الله ذلله لذهب بصره ، ثم ينظر أسفل من ذلك ، فإذا هو بالسرر الموضونة ، والفرش المرفوعة ، والذرابي المبثوثة ، فعند ذلك قالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله كلهم قرأ "وما كنا" بإثبات الواو ، غير ابن عامر ، فإنه قرأ "ما كنا لنهتدي" بغير واو ، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام . قال أبو علي: وجه الاستغناء عن الواو ، أن القصة ملتبسة بما قبلها ، فأغنى التباسها به عن حرف العطف ، ومثله رابعهم كلبهم [الكهف:22] .

    قوله تعالى: لقد جاءت رسل ربنا بالحق هذا قول أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا . ونودوا أن تلكم الجنة قال الزجاج : إنما قال "تلكم" لأنهم وعدوا بها في الدنيا ، فكأنه قيل لهم: هذه تلكم التي وعدتم بها . وجائز أن يكون هذا قيل لهم حين عاينوها قبل دخولهم إليها . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، "أورثتموها" غير مدغمة . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي "أورتموها" مدغمة ، وكذلك قرؤوا في [الزخرف:72] قال [ ص: 202 ] أبو علي: من ترك الإدغام ، فلتباين مخرج الحرفين ، ومن أدغم فلأن التاء والثاء مهموستان متقاربتان . وفي معنى أورثتموها أربعة أقوال .

    أحدها: ما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار ، فأما الكافر فإنه يرث المؤمن منزله من النار ، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة" فذلك قوله: أورثتموها بما كنتم تعملون . وقال بعضهم: لما سمي الكفار أمواتا بقوله: أموات غير أحياء . [النحل:21] . وسمى المؤمنين أحياء بقوله: لينذر من كان حيا [يس:70] أورث الأحياء الموتى .

    والثاني: أنهم أورثوها عن الأعمال ، لأنها جعلت جزاء لأعمالها ، وثوابا عليها ، إذ هي عواقبها ، حكاه أبو سليمان الدمشقي . .

    والثالث: أن دخول الجنة برحمة الله ، واقتسام الدرجات بالأعمال . فلما كان يفسر نيلها لا عن عوض ، سميت ميراثا . والميراث: ما أخذته عن غير عوض .

    والرابع: أن معنى الميراث هاهنا: أن أمرهم يؤول إليها كما يؤول الميراث إلى الوارث .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #228
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (228)
    صــ203 إلى صــ 208




    ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون

    قوله تعالى: فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا أي: من العذاب؟ وهذا سؤال تقرير وتعيير . قالوا نعم . قرأ الجمهور بفتح العين في سائر القرآن ، وكان الكسائي يكسرها . قال الأخفش: هما لغتان .

    قوله تعالى: فأذن مؤذن بينهم أي: نادى مناد . أن لعنة الله قرأ ابن كثير في رواية قنبل ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، "أن لعنة الله" خفيفة النون ساكنة . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: "أن" بالتشديد ، "لعنة الله" بالنصب . قال الأخفش: "وأن" في قوله: أن تلكم الجنة [الأعراف: 43] وقوله: أن لعنة الله ، وقوله: أن الحمد لله [يونس:10] ، و: أن قد وجدنا ، هي أن الثقيلة خففت .

    قال الشاعر:

    في فتية
    كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل


    [ ص: 204 ] وأنشد أيضا:


    أكاشرة وأعلم أن كلانا على ما ساء صاحبه حريص


    ومعناه: أنه كلانا; وتكون أن قد وجدنا في معنى: أي . قال ابن عباس : والظالمون هاهنا: الكافرون .

    قوله تعالى: الذين يصدون عن سبيل الله أي: أذن المؤذن أن لعنة الله على الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ، وهو الإسلام . ويبغونها عوجا مفسر في [آل عمران:99] . وهم بالآخرة أي: وهم بكون الآخرة كافرون .
    وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون

    قوله تعالى: وبينهما حجاب أي بين الجنة والنار حاجز ، وهو السور الذي ذكره الله تعالى في قوله: فضرب بينهم بسور له باب [الحديد:13] ، فسمي هذا السور بالأعراف لارتفاعه . قال ابن عباس : الأعراف: هو السور الذي بين الجنة والنار ، له عرف كعرف الديك . وقال أبو هريرة: الأعراف: جبال بين الجنة والنار ، فهم على أعرافها ، يعني: على ذراها ، خلقتها كخلقة عرف الديك . قال اللغويون: الأعراف عند العرب: كل ما ارتفع من الأرض وعلا; يقال لكل عال: عرف ، وجمعه: أعراف . [ ص: 205 ] قال الشاعر:


    كل كناز لحمه نياف كالعلم الموفي على الأعراف


    وقال الآخر:


    ورثت بناء آباء كرام علوا بالمجد أعراف البناء


    وفي "أصحاب الأعراف" قولان .

    أحدهما: أنهم من بني آدم ، قاله الجمهور . وزعم مقاتل أنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة . وفي أعمالهم تسعة أقوال .

    أحدها: أنهم قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم ، فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ، ومنعهم من دخول النار قتلهم في سبيل الله ، وهذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم .

    والثاني: أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم تبلغ حسناتهم دخول الجنة ، ولا سيئاتهم دخول النار ، قاله ابن مسعود ، وحذيفة ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، والشعبي ، وقتادة ،

    والثالث: أنهم أولاد الزنا ، رواه صالح مولى التوأمة عن ابن عباس .

    والرابع: أنهم قوم صالحون فقهاء علماء ، قاله الحسن ، ومجاهد; فعلى هذا يكون لبثهم على الأعراف على سبيل النزهة . [ ص: 206 ] والخامس: أنهم قوم رضي عنهم آباؤهم دون أمهاتهم ، أو أمهاتهم دون آبائهم ، رواه عبد الوهاب بن مجاهد عن إبراهيم .

    والسادس: أنهم الذين ماتوا في الفترة ولم يبدلوا دينهم ، قاله عبد العزيز بن يحيى .

    والسابع: أنهم أنبياء حكاه ابن الأنباري .

    والثامن: أنهم أولاد المشركين ، ذكره المنجوفي في تفسيره .

    والتاسع: أنهم قوم عملوا لله لكنهم راؤوا في عملهم ، ذكره بعض العلماء .

    والقول الثاني: أنهم ملائكة ، قاله أبو مجلز ، واعترض عليه ، فقيل: إنهم رجال ، فكيف تقول: ملائكة؟ فقال: إنهم ذكور وليسوا بإناث . وقيل: معنى قوله: وعلى الأعراف رجال أي: على معرفة أهل الجنة من أهل النار ، ذكره الزجاج ، وابن الأنباري . وفيه بعد وخلاف للمفسرين .

    قوله تعالى: يعرفون كلا بسيماهم أي: يعرف أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار . وسيما أهل الجنة: بياض الوجوه ، وسيما أهل النار: سواد الوجوه ، وزرقة العيون . والسيما: العلامة . وإنما عرفوا الناس ، لأنهم على مكان عال يشرفون فيه على أهل الجنة والنار ، ونادوا يعني: أصحاب الأعراف أصحاب الجنة أن سلام عليكم . وفي قوله: لم يدخلوها وهم يطمعون قولان .

    أحدهما: أنه إخبار من الله تعالى لنا أن أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون في دخولها ، قاله الجمهور .

    والثاني: أنه إخبار من الله تعالى لأهل الأعراف إذا رأوا زمرة يذهب بها إلى الجنة أن هؤلاء لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها ، هذا قول السدي .
    وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين [ ص: 207 ] قوله تعالى: وإذا صرفت أبصارهم يعني أصحاب الأعراف . والتلقاء: جهة اللقاء ، وهي جهة المقابلة . وقال أبو عبيدة: تلقاء أصحاب النار ، أي: حيالهم .
    ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون

    قوله تعالى: ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم روى أبو صالح عن ابن عباس قال: ينادون: يا وليد بن المغيرة ، يا أبا جهل بن هشام ، يا عاص بن وائل ، يا أمية بن خلف ، يا أبي بن خلف ، يا سائر رؤساء الكفار ، ما أغنى عنكم جمعكم في الدنيا المال والولد . وما كنتم تستكبرون أي: تتعظمون عن الإيمان .
    أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون

    قوله تعالى: أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة فيه قولان .

    أحدهما: أن أهل النار أقسموا أن أهل الأعراف داخلون النار معنا ، وأن الله لن يدخلهم الجنة ، فيقول الله لأهل النار: أهؤلاء يعني أهل الأعراف الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة رواه وهب بن منبه عن ابن عباس . قال حذيفة: بينا أصحاب الأعراف هنالك ، اطلع عليهم ربهم فقال لهم: "ادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم"

    والثاني: أن أهل الأعراف يرون في الجنة الفقراء والمساكين الذين كان الكفار يستهزؤون بهم ، كسلمان ، وصهيب ، وخباب ، فينادون الكفار: أهؤلاء [ ص: 208 ] الذين أقسمتم وأنتم في الدنيا لا ينالهم الله برحمة قاله ابن السائب . فعلى هذا ينقطع كلام أهل الأعراف عند قوله: برحمة ، ويكون الباقي من خطاب الله لأهل الجنة . وقد ذكر المفسرون في قوله: ادخلوا الجنة ثلاثة أقوال .

    أحدها: أن يكون خطابا من الله لأهل الأعراف ، وقد ذكرناه .

    والثاني:[أن] يكون خطابا من الله لأهل الجنة .

    والثالث: أن يكون خطابا من أهل الأعراف لأهل الجنة ، ذكرهما الزجاج . فعلى هذا الوجه الأخير ، يكون معنى قول أهل الأعراف لأهل الجنة: ادخلوا الجنة : اعلوا إلى القصور المشرفة ، وارتفعوا إلى المنازل المنيفة ، لأنهم قد رأوهم في الجنة . وروى مجاهد عن عبد الله بن الحارث قال: يؤتى بأصحاب الأعراف إلى نهر يقال له: الحياة ، عليه قضبان الذهب مكللة باللؤلؤ فيغمسون فيه ، فيخرجون ، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ، ويقال لهم: تمنوا ما شئتم ، ولكم سبعون ضعفا ، فهم مساكين أهل الجنة .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #229
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (229)
    صــ209 إلى صــ 214




    ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين

    قوله تعالى: ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة قال ابن عباس : لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة ، طمع أهل النار في الفرج بعد اليأس ، فقالوا: يا رب ، إن لنا قرابات من أهل الجنة ، فائذن لنا حتى نراهم ونكلمهم ، فنظروا إليهم وإلى ما هم فيه من النعيم فعرفوهم . ونظر أهل الجنة إلى قرابتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم ، قد اسودت وجوههم وصاروا خلقا آخر . فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم ، وأخبروهم بقراباتهم فينادي الرجل أخاه: يا أخي قد احترقت فأغثني; [ ص: 209 ] فيقول: إن الله حرمهما على الكافرين . قال السدي: عنى بقوله: أو مما رزقكم الله الطعام . قال الزجاج : أعلم الله عز وجل أن ابن آدم غير مستغن عن الطعام والشراب ، وإن كان معذبا .
    الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون

    قوله تعالى: الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا قال ابن عباس : هم المستهزئون . والمعنى: أنهم تلاعبوا بدينهم الذي شرع لهم . وقال أبو روق: دينهم: عيدهم . وقال قتادة: لهوا ولعبا أي: أكلا وشربا . وقال غيره: هو ما زينه الشيطان لهم من تحريم البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، والمكاء ، والتصدية ، ونحو ذلك من خصال الجاهلية .

    قوله تعالى: فاليوم ننساهم قال الزجاج : أي: نتركهم في العذاب كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا . و"ما" نسق على "كما" في موضع جر . والمعنى: وكجحدهم . قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون المعنى: فاليوم نتركهم في النار على علم منا ترك ناس غافل كما استعملوا في الإعراض عن آياتنا وهم ذاكرون ما يستعمله من نسي وغفل .
    ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون

    قوله تعالى: ولقد جئناهم بكتاب يعني القرآن . فصلناه أي: بيناه [ ص: 210 ] بإيضاح الحق من الباطل . وقيل: فصلناه فصولا مرة بتعريف الحلال ، ومرة بتعريف الحرام ، ومرة بالوعد ، ومرة بالوعيد ، ومرة بحديث الأمم .

    وفي قوله: على علم قولان .

    أحدهما: على علم منا بما فصلناه . والثاني: على علم منا بما يصلحكم مما أنزلناه فيه . وقرأ ابن السميفع ، وابن محيصن ، وعاصم ، والجحدري ، ومعاذ القارئ: "فضلناه" بضاد معجمة .
    هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون

    قوله تعالى: هل ينظرون إلا تأويله قال ابن عباس : تصديق ما وعدوا في القرآن . يوم يأتي تأويله وهو يوم القيامة يقول الذين نسوه أي: تركوه "من قبل" في الدنيا قد جاءت رسل ربنا بالحق أي: بالبعث بعد الموت .

    قوله تعالى: أو نرد قال الزجاج : المعنى: أو هل نرد . وقوله: فنعمل منصوب على جواب الفاء للاستفهام .
    إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين [ ص: 211 ] قوله تعالى: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام اختلفوا أي يوم بدأ بالخلق على ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه يوم السبت . روى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت ، وخلق الجبال فيها يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر [من] يوم الجمعة [في] آخر الخلق ، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل وهذا اختيار محمد بن إسحاق . قال ابن الأنباري: وهذا إجماع أهل العلم .

    والثاني: يوم الأحد ، قاله عبد الله بن سلام ، وكعب ، والضحاك ، ومجاهد ، واختاره ابن جرير الطبري ، وبه يقول أهل التوراة .

    والثالث: يوم الاثنين ، قاله ابن إسحاق ، وبهذا يقول أهل الإنجيل . ومعنى قوله: في ستة أيام أي: في مقدار ذلك ، لأن اليوم يعرف بطلوع الشمس وغروبها ، ولم تكن الشمس حينئذ . قال ابن عباس : مقدار كل يوم من تلك الأيام ألف سنة ، وبه قال كعب ، ومجاهد ، والضحاك ، ولا نعلم خلافا في ذلك . ولو قال قائل: إنها كأيام الدنيا ، كان قوله بعيدا من وجهين .

    أحدهما: خلاف الآثار . والثاني: أن الذي يتوهمه المتوهم من الإبطاء في [ ص: 212 ] ستة آلاف سنة ، يتوهمه في ستة أيام عند تصفح قوله: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [يس:82] . فإن قيل: فهلا خلقها في لحظة ، فإنه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة .

    أحدها: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمرا تستعظمه الملائكة ومن يشاهده ، ذكره ابن الأنباري .

    والثاني: أن التثبت في تمهيد ما خلق لآدم وذريته قبل وجوده ، أبلغ في تعظيمه عند الملائكة .

    والثالث: أن التعجيل أبلغ في القدرة ، والتثبيت أبلغ في الحكمة ، فأراد إظهار حكمته في ذلك ، كما يظهر قدرته في قوله: " كن فيكون "

    والرابع: أنه علم عباده التثبت ، فإذا تثبت من لا يزل كان ذو الزلل أول بالتثبت .

    والخامس: أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء ، أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق .

    قوله تعالى: ثم استوى على العرش قال الخليل بن أحمد: العرش: السرير; وكل سرير لملك يسمى عرشا; وقلما يجمع العرش إلا في اضطرار; واعلم أن ذكر العرش مشهور عند العرب في الجاهلية والإسلام . قال أمية بن أبي الصلت:


    مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الناس
    وسوى فوق السماء سريرا شرجعا لا يناله ناظر العي
    ن ترى دونه الملائك صورا


    وقال كعب: إن السماوات في العرش كالقنديل معلق بين السماء والأرض . [ ص: 213 ] وروى إسماعيل بن أبي خالد عن سعد الطائي قال: العرش ياقوتة حمراء . وإجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية . وقد شذ قوم فقالوا: العرش بمعنى الملك . وهذا عدول عن الحقيقة إلى التجوز ، مع مخالفة الأثر; ألم يسمعوا قوله تعالى: وكان عروشه على الماء [هود:7] أتراه كان الملك على الماء؟ وكيف يكون الملك ياقوتة حمراء؟ وبعضهم يقول: استوى بمعنى أستولى; ويحتج بقول الشاعر:


    حتى استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق


    ويقول الشاعر أيضا:
    هما استويا بفضلهما جميعا على عرش الملوك بغير زور


    وهذا منكر عند اللغويين . قال ابن الأعرابي: العرب لا تعرف استوى بمعنى استولى ، ومن قال ذلك فقد أعظم . قالوا: وإنما يقال: استولى فلان على كذا ، إذا كان بعيدا عنه غير متمكن منه ، ثم تمكن منه; والله عز وجل لم يزل مستوليا على الأشياء; والبيتان لا يعرف قائلهما ، كذا قال ابن فارس اللغوي . ولو صحا ، فلا حجة فيهما لما بينا من استيلاء من لم يكن مستوليا . نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة .

    قوله تعالى: يغشي الليل النهار قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: "يغشي" ساكنة الغين خفيفة . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم: "يغشي" مفتوحة الغين مشددة; وكذلك قرؤوا في (الرعد:3) قال الزجاج : المعنى: أن الليل يأتي على النهار فيغطيه; وإنما لم يقل: ويغشي النهار الليل ، لأن في الكلام دليلا عليه; وقد قال فى موضع آخر: يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل [الزمر:5] وقال أبو علي: إنما لم يقل: يغشي [ ص: 214 ] النهار الليل ، لأنه معلوم من فحوى الكلام ، كقوله: سرابيل تقيكم الحر [النحل:81] ، وانتصب الليل والنهار ، لأن كل واحد منهما مفعول به . فأما الحثيث ، فهو السريع .

    قوله تعالى: والشمس والقمر والنجوم مسخرات قرأ الأكثرون: بالنصب فيهن ، وهو على معنى: خلق السماوات والشمس . وقرأ ابن عامر: "والشمس والقمر والنجوم مسخرات" بالرفع فيهن هاهنا وفي [النحل:12] تابعه حفص في قوله تعالى: والنجوم مسخرات في [النحل: 12] فحسب . والرفع على الاستئناف . والمسخرات: المذللات لما يراد منهن من طلوع وأفول وسير على حسب إرادة المدبر لهن .

    قوله تعالى: ألا له الخلق لأنه خلقهم (والأمر) فله أن يأمر بما يشاء . وقيل: الأمر: القضاء .

    قوله تعالى: تبارك الله فيه أربعة أقوال .

    أحدها: تفاعل من البركة ، رواه الضحاك عن ابن عباس; وكذلك قال القتيبي ، والزجاج . وقال أبو مالك: أفتعل من البركة; وقال الحسن: تجيء البركة من قبله . وقال الفراء: تبارك: من البركة; وهو في العربية كقوله: تقدس ربنا .

    والثاني: أن تبارك بمعنى تعالى ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وكذلك قال أبو العباس: تبارك: ارتفع; والمتبارك: المرتفع .

    والثالث: أن المعنى: باسمه يتبرك في كل شيء ، قاله ابن الأنباري .

    والرابع: أن معنى "تبارك" تقدس ، أي: تطهر ذكره ابن الأنباري أيضا .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #230
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (230)
    صــ215 إلى صــ 220



    ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين

    قوله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا التضرع: التذلل والخضوع . والخفية: خلاف العلانية . قال الحسن: كانوا يجتهدون في الدعاء ، ولا تسمع إلا همسا . ومن هذا حديث أبي موسى: "أربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا" . وفي الاعتداء المذكور هاهنا قولان .

    أحدهما: أنه الاعتداء في الدعاء . ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أن يدعو على المؤمنين بالشر ، كالخزي واللعنة ، قاله سعيد بن جبير ، ومقاتل . والثاني: أن يسأل ما لا يستحقه من منازل الأنبياء ، قاله أبو مجلز . والثالث: أنه الجهر في الدعاء ، قاله ابن السائب .

    والثاني: أنه مجاوزة المأمور به ، قاله الزجاج .
    ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين

    قوله تعالى: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها فيه ستة أقوال .

    أحدها: لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان . والثاني: لا تفسدوها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل . والثالث: لا تفسدوها بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة . والرابع: لا تعصوا فيمسك الله المطر ، ويهلك الحرث بمعاصيكم بعد أن أصلحها [ ص: 216 ] بالمطر والخصب . والخامس: لا تفسدوها بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه . والسادس: لا تفسدوها بتكذيب الرسل بعد إصلاحها بالوحي .

    وفي قوله: وادعوه خوفا وطمعا قولان . أحدهما: خوفا من عقابه ، وطمعا في ثوابه . والثاني: خوفا من الرد وطمعا في الإجابة .

    قوله تعالى: إن رحمت الله قريب من المحسنين قال الفراء: رأيت العرب تؤنث القريبة في النسب ، لا يختلفون في ذلك ، فإذا قالوا: دارك منا قريب ، أو فلانة منا قريب ، من القرب والبعد ، ذكروا وأنثوا ، وذلك أنهم جعلوا القريب خلفا من المكان ، كقوله: وما هي من الظالمين ببعيد [هود:83] ، و قوله تعالى: وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا [الأحزاب: 63] ، ولو أنث ذلك لكان صوابا . قال عروة:


    عشية لا عفراء منك قريبة فتدنو ولا عفراء منك بعيد


    وقال الزجاج : إنما قيل: "قريب" لأن الرحمة والغفران والعفو بمعنى واحد ، وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي . وقال الأخفش: جائز أن تكون الرحمة هاهنا في معنى المطر .
    وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء [ ص: 217 ] فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون

    قوله تعالى: وهو الذي يرسل الرياح قرأ أبو عمرو ، ونافع ، وابن عامر ، وعاصم:" الرياح" على الجمع . وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي:" الريح" على التوحيد . وقد يأتي لفظ التوحيد ، ويراد به الكثرة ، كقولهم: كثر الدرهم في أيدي الناس ، ومثله: إن الإنسان لفي خسر [العصر:2] .

    قوله تعالى: نشرا قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، ونافع:" نشرا" بضم النون والشين; أرادوا جمع نشور ، وهي الريح الطيبة الهبوب ، تهب من كل ناحية وجانب . قال أبو عبيدة: النشر: المتفرقة من كل جانب . وقال أبو علي: يحتمل أن تكون النشور بمعنى المنشر ، وبمعنى المنتشر ، وبمعنى الناشر; يقال: أنشر الله الريح ، مثل أحياها ، فنشرت ، أي: حييت . والدليل على أن إنشار الريح إحياؤها قول الفقعسي:


    وهبت له ريح الجنوب وأحييت له ريدة يحيي المياه نسيمها


    ويدل على ذلك أن الريح قد وصفت بالموت .

    قال الشاعر:


    إني لأرجو أن تموت الريح فأقعد اليوم وأستريح


    والريدة والريدانة: الريح . وقرأ ابن عامر ، وعبد الوارث ، والحسن البصري:" نشرا" بالنون مضمومة وسكون الشين ، وهي في معنى" نشرا" . يقال: كتب وكتب ، ورسل ورسل . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، والمفضل [ ص: 218 ] عن عاصم:" نشرا" بفتح النون وسكون الشين . قال الفراء: النشر: الريح الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب . وقال ابن الأنباري: النشر: المنتشرة الواسعة الهبوب . وقال أبو علي: يحتمل النشر أن يكون خلاف الطي ، كأنها كانت بانقطاعها كالمطوية . ويحتمل أن يكون معناها ما قاله أبو عبيدة في النشر: أنها المتفرقة في الوجوه; ويحتمل أن يكون معناها: النشر الذي هو الحياة كقول الشاعر:


    [حتى يقول الناس مما رأوا] يا عجبا للميت الناشر


    قال: وهذا هو الوجه . وقرأ أبو رجاء العطاردي ، وإبراهيم النخعي ، ومسروق ، ومورق العجلي:" نشرا" بفتح النون والشين . قال ابن القاسم: وفي النشر وجهان .

    أحدهما: أن يكون جمعا للنشور ، كما قالوا: عمود وعمد ، وإهاب وأهب .

    والثاني: أن يكون جمعا ، واحده ناشر ، يجري مجرى قوله: غائب وغيب ، وحافد وحفد; وكل القراء نون الكلمة . وكذلك اختلافهم في (الفرقان:48) و(النمل:63) هذه قراءات من قرأ بالنون . وقد قرأ آخرون بالباء; فقرأ عاصم إلا المفضل:" بشرى" بالباء المضمومة وسكون الشين مثل فعلى . قال ابن الأنباري: وهي جمع بشيرة ، وهي التي تبشر بالمطر . والأصل ضم الشين ، إلا أنهم استثقلوا الضمتين . وقرأ ابن خثيم ، وابن جذلم مثله ، إلا أنهما نونا الراء . وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة: بضم الباء والشين ، وهذا على أنها جمع بشيرة . والرحمة هاهنا: المطر; سماه رحمة لأنه كان بالرحمة . و"أقلت" بمعنى حملت . قال الزجاج : السحاب: جمع سحابة . قال ابن فارس: سمي السحاب لانسحابه في الهواء . [ ص: 219 ] قوله تعالى: "ثقالا" أي: الماء . و قوله تعالى: سقناه رد الكناية إلى لفظ السحاب ، ولفظه لفظ واحد . وفي قوله:" لبلد" قولان .

    أحدهما: إلى بلد . والثاني: لإحياء بلد . والميت: الذي لا ينبت فيه ، فهو محتاج إلى المطر . وفي قوله: فأنزلنا به ثلاثة أقوال .

    أحدها: أن الكناية ترجع إلى السحاب . والثاني: إلى المطر ، ذكرهما الزجاج . والثالث: إلى البلد ، ذكره ابن الأنباري . فأما هاء فأخرجنا به فتحتمل الأقوال الثلاثة .

    قوله تعالى: كذلك نخرج الموتى أي: كما أحيينا هذا البلد . وقال مجاهد: نحيي الموتى بالمطر كما أحيينا البلد الميت به . قال ابن عباس : يرسل الله تعالى بين النفختين مطرا كمني الرجال ، فينبت الناس به في قبورهم كما نبتوا في بطون أمهاتهم .

    قوله تعالى: لعلكم تذكرون قال الزجاج : لعل: ترج . وإنما خوطب العباد على ما يرجوه بعضهم من بعض; والمعنى: لعلكم بما بيناه لكم تستدلون على توحيد الله ، وأنه يبعث الموتى .
    والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون

    قوله تعالى: والبلد الطيب يعني الأرض الطيبة التربة ، يخرج نباته وقرأ ابن أبي عبلة:" يخرج" بضم الياء وكسر الراء ، " نباته" بنصب التاء ، والذي خبث لا يخرج كذلك أيضا . وقد روى أبان عن عاصم:" لا يخرج" بضم الياء وكسر الراء . والمراد بالذي خبث: الأرض السبخة .

    قوله تعالى: إلا نكدا قرأ الجمهور: بفتح النون وكسر الكاف . وقرأ [ ص: 220 ] أبو جعفر:" نكدا" بفتح الكاف . وقرأ مجاهد ، وقتادة ، وابن محيصن: "نكدا" بإسكان الكاف . قال أبو عبيدة: قليلا عسيرا في شدة ، وأنشد;


    لا تنجز الوعد إن وعدت وإن أعطيت أعطيت تافها نكدا


    قال المفسرون: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر; فالمؤمن إذا سمع القرآن وعقله انتفع به وبان أثره عليه ، فشبه بالبلد الطيب الذي يمرع ويخصب ويحسن أثر المطر عليه; وعكسه الكافر .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #231
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (231)
    صــ221 إلى صــ 226



    لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون

    قوله تعالى: اعبدوا الله قال مقاتل: وحدوه; وكذلك في سائر القصص بعدها .

    قوله تعالى: ما لكم من إله غيره قرأ الكسائي: "غيره" بالخفض . قال أبو علي: جعل غير صفة ل "إله" على اللفظ .

    قوله تعالى: "أبلغكم" قرأ أبو عمرو: "أبلغكم" ساكنة الباء خفيفة اللام . وقرأ الباقون: "أبلغكم" مفتوحة الباء مشددة اللام .

    قوله تعالى: وأنصح لكم يقال: نصحته ونصحت له ، وشكرته وشكرت له .

    قوله تعالى: وأعلم من الله ما لا تعلمون أي: من مغفرته لمن تاب ، وعقوبته [ ص: 221 ] لمن أصر . وقال مقاتل: أعلم من نزول العذاب ما لا تعلمونه; وذلك أن قوم نوح لم يسمعوا بقوم عذبوا قبلهم .
    أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين

    قوله تعالى: أوعجبتم قال الزجاج : هذه واو العطف ، دخلت عليها ألف الاستفهام ، فبقيت مفتوحة . وفي الذكر قولان . أحدهما: الموعظة . والثاني: البيان .

    وفي قوله: على رجل منكم قولان . أحدهما: أن "على" بمعنى: "مع" ، قاله الفراء . والثاني: أن المعنى: على لسان رجل منكم ، قاله ابن قتيبة .

    قوله تعالى: قوما عمين قال ابن عباس : عميت قلوبهم عن معرفة الله وقدرته وشدة بطشه .
    وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين [ ص: 222 ] قوله تعالى: وإلى عاد المعنى وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا قال الزجاج : وإنما قيل: أخوهم ، لأنه بشر مثلها من ولد أبيهم آدم . ويجوز أن يكون أخاهم لأنه من قومهم . وقال أبو سليمان الدمشقي: وعاد قبيلة من ولد سام بن نوح; وإنما سماه أخاهم ، لأنه كان نسيبا لهم ، وهو وهم من ولد عاد بن عوص بن إرم بن سام .

    قوله تعالى: إنا لنراك في سفاهة قال ابن قتيبة: السفاهة: الجهل . وقال الزجاج : السفاهة خفة الحلم والرأي; يقال: ثوب سفيه إذا كان خفيفا . وإنا لنظنك من الكاذبين فكفروا به ، ظانين ، لا مستيقنين . قال يا قوم ليس بي سفاهة هذا موضع أدب للخلق في حسن المخاطبة ، فإنه دفع ما سبوه به من السفاهة بنفيه فقط .

    قوله تعالى: وأنا لكم ناصح أمين قال الضحاك: أمين على الرسالة . وقال ابن السائب: كنت فيكم أمينا قبل اليوم .

    قوله تعالى: واذكروا إذ جعلكم خلفاء ذكرهم النعمة حيث أهلك من كان قبلهم ، وأسكنهم مساكنهم . وزادكم في الخلق بسطة أي: طولا وقوة . وقال ابن عباس : كان أطولهم مائة ذراع ، وأقصرهم ستين ذراعا . قال الزجاج : وآلاء الله: نعمه; واحدها: إلي قال الشاعر:


    أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحما ولا يخون إلي


    ويجوز أن يكون واحدها "إليا" ، "وإلي" .

    قوله تعالى: فأتنا بما تعدنا أي: من نزول العذاب إن كنت من الصادقين في أن العذاب نازل بنا . وقال عطاء: في نبوتك وإرسالك إلينا .
    [ ص: 223 ] قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين

    قوله تعالى: قال قد وقع أي: وجب عليكم من ربكم رجس وغضب قال ابن عباس : عذاب وسخط . وقال أبو عمرو بن العلاء: الرجز; بالزاي ، والرجس; بالسين: بمعنى واحد ، قلبن السين زايا .

    قوله تعالى: أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم يعني: الأصنام .

    وفي تسميتهم لها قولان . أحدهما: أنهم سموها آلهة . والثاني: أنهم سموها بأسماء مختلفة . والسلطان: الحجة فانتظروا نزول العذاب إني معكم من المنتظرين الذي يأتيكم من العذاب في تكذيبكم إياي .
    وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين

    قوله تعالى: وإلى ثمود قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثمود لقلة مائها . قال ابن فارس: الثمد: الماء القليل الذي لا مادة له . [ ص: 224 ] قوله تعالى: هذه ناقة الله في إضافتها إليه قولان . أحدهما: أن ذلك للتخصيص والتفضيل ، كما يقال: بيت الله . والثاني: لأنها كانت بتكوينه من غير سبب .

    قوله تعالى: لكم آية أي: علامة تدل على قدرة; الله وإنما قال "لكم" لأنهم هم الذين اقترحوها ، وإن كانت آية لهم ولغيرهم .

    وفي وجه كونها آية قولان .

    أحدهما: أنها خرجت من صخرة ملساء ، فتمخضت بها تمخض الحامل ، ثم انفلقت عنها على الصفة التي طلبوها .

    والثاني: أنها كانت تشرب ماء الوادي كله في يوم ، وتسقيهم اللبن مكانه .

    قوله تعالى: فذروها تأكل في أرض الله قال ابن الأنباري: ليس عليكم مؤنتها وعلفها . " وتأكل" مجزوم على جواب الشرط المقدر ، أي: إن تذروها تأكل .

    قوله تعالى: ولا تمسوها بسوء ، أي: لا تصيبوها بعقر .

    قوله تعالى: وبوأكم في الأرض أي: أنزلكم; يقال: تبوأ فلان منزلا: إذا نزله . وبوأته: أنزلته . قال الشاعر:

    وبوئت في صميم معشرها . . . فتم في قومها مبوؤوها

    أي: أنزلت من الكريم في صميم النسب; قاله الزجاج .

    قوله تعالى: تتخذون من سهولها قصورا السهل: ضد الحزن . والقصر: [ ص: 225 ] ما شيد وعلا من المنازل . قال ابن عباس : اتخذوا القصور في سهول الأرض للصيف ، وثقبوا في الجبال للشتاء . قال وهب بن منبه: كان الرجل منهم يبني البنيان ، فتمر عليه مائة سنة ، فيخرب ثم يجدده ، فتمر عليه مائة سنة ، فيخرب ثم يجدده ، فتمر عليه مائة سنة ، فيخرب; فأضجرهم ذلك ، فأخذوا من الجبال بيوتا .
    قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون

    قوله تعالى: قال الملأ الذين استكبروا من قومه وقرأ ابن عامر (وقال الملأ) بزيادة واو; وكذلك هي في مصاحفهم . ومعنى الآية: تكبروا عن عبادة الله . للذين استضعفوا يريد: المساكين . لمن آمن منهم بدل من قوله للذين استضعفوا لأنهم المؤمنون أتعلمون أن صالحا مرسل هذا استفهام إنكار
    فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين .

    قوله تعالى: فعقروا الناقة أي: قتلوها . قال ابن قتيبة: والعقر يكون بمعنى: القتل ، ومنه قوله عليه السلام عند ذكر الشهداء:" من عقر جواده" وقال ابن إسحاق: كمن لها قاتلها في أصل شجرة فرماها بسهم ، فانتظم به عضلة [ ص: 226 ] ساقها ، ثم شد عليها بالسيف فكسر عرقوبها ، ثم نحرها . قال الأزهري: العقر عند العرب: قطع عرقوب البعير ، ثم جعل العقر نحرا ، لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره .

    قوله تعالى: وعتوا قال الزجاج : جاوزوا المقدار في الكفر . قال أبو سليمان: عتوا عن اتباع أمر ربهم .

    قوله تعالى: بما تعدنا أي: من العذاب .

    قوله تعالى: فأخذتهم الرجفة قال الزجاج : الرجفة: الزلزلة الشديدة .

    قوله تعالى: فأصبحوا في دارهم أي: في مدينتهم . فإن قيل: كيف وحد الدار هاهنا وجمعها في موضع آخر ، فقال في ديارهم [هود:67]؟فعنه جوابان ، ذكرهما ابن الأنباري .

    أحدهما: أنه أراد بالدار: المعسكر ، أي: فأصبحوا في معسكرهم . وأراد بقوله: في ديارهم: المنازل التي ينفرد كل واحد منها بمنزل .

    والثاني: أنه أراد بالدار: الديار ، فاكتفى بالواحد من الجميع ، كقول الشاعر:


    كلوا في نصف بطنكم تعيشوا وشواهد هذا كثيرة في هذا الكتاب .


    قوله تعالى: جاثمين قال الفراء: أصبحوا رمادا جاثما . وقال أبو عبيدة: أي: بعضهم على بعض جثوم . والجثوم للناس والطير بمنزلة البروك للإبل .

    وقال ابن قتيبة: الجثوم: البروك على الركب . وقال غيره: كأنهم أصبحوا موتى على هذه الحال . وقال الزجاج : أصبحوا أجساما ملقاة في الأرض كالرماد الجاثم . قال المفسرون: معنى" جاثمين" بعضهم على بعض ، أي: إنهم سقط بعضهم على بعض عند نزول العذاب .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #232
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (232)
    صــ227 إلى صــ 232



    [ ص: 227 ] فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون

    قوله تعالى: فتولى عنهم يقول: انصرف صالح عنهم بعد عقر الناقة ، لأن الله تعالى أوحى إليه أن اخرج من بين أظهرهم ، فإني مهلكهم . وقال قتادة: ذكر لنا أن صالحا أسمع قومه كما أسمع نبيكم قومه ، يعني: بعد موتهم .

    قوله تعالى: أتأتون الفاحشة يعني إتيان الرجال . ما سبقكم بها من أحد قال عمرو بن دينار: ما نزا ذكر على ذكر في الدنيا حتى كان قوم لوط . وقال بعض اللغويين: لوط: مشتق من لطت الحوض: إذا ملسته بالطين . قال الزجاج وهذا غلط ، لأنه اسم أعجمي كإسحاق ، ولا يقال: إنه مشتق من السحق وهو البعد .

    قوله تعالى: إنكم لتأتون الرجال هذا استفهام إنكار . والمسرف: المجاوز ما أمر به . و قوله تعالى: أخرجوهم من قريتكم يعني: لوطا وأتباعه المؤمنين إنهم أناس يتطهرون قال ابن عباس : يتنزهون عن أدبار الرجال وأدبار النساء .
    فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين [ ص: 228 ] قوله تعالى: فأنجيناه وأهله في أهله قولان .

    أحدهما: ابنتاه . والثاني: المؤمنون به . إلا امرأته كانت من الغابرين أي: الباقين في عذاب الله تعالى . قال أبو عبيدة: وإنما قال:" من الغابرين" لأن صفة النساء مع صفة الرجال تذكر إذا أشرك بينهما .

    قوله تعالى: وأمطرنا عليهم مطرا قال ابن عباس : يعني: الحجارة . قال مجاهد: نزل جبريل ، فأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط ، ورفعها ، ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها ، ثم أتبعوا بالحجارة .
    وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين

    قوله تعالى: وإلى مدين قال قتادة: مدين ماء كان عليه قوم شعيب ، وكذلك قال الزجاج ، وقال: لا ينصرف ، لأنه اسم البقعة . وقال مقاتل: مدين: هو ابن إبراهيم الخليل لصلبه . وقال أبو سليمان الدمشقي: مدين: هو ابن مديان بن إبراهيم ، والمعنى: أرسلنا إلى ولد مدين ، فعلى هذا: هو اسم قبيلة . وقال بعضهم: هو اسم للمدينة . فالمعنى: وإلى أهل مدين . قال شيخنا أبو منصور اللغوي: مدين اسم أعجمي . فإن كان عربيا ، فالياء زائدة ، من قولهم: مدن بالمكان: إذا أقام به .

    قوله تعالى: ولا تبخسوا الناس أشياءهم قال الزجاج : البخس: النقص والقلة; يقال: بخست أبخس; بالسين ، وبخصت عينه ، بالصاد لا غير .

    [ ص: 229 ] ولا تفسدوا في الأرض أي: لا تعملوا فيها بالمعاصي بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل ، وإرسال الرسل .

    قوله تعالى: إن كنتم مؤمنين أي: مصدقين بما أخبرتكم عن الله .
    ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين

    قوله تعالى: ولا تقعدوا بكل صراط أي: بكل طريق توعدون من آمن بشعيب بالشر ، وتخوفونهم بالعذاب والقتل . فإن قيل: كيف أفرد الفعل ، وأخلاه من المفعول; فهلا قال: توعدون بكذا؟ فالجواب: أن العرب إذا أخلت هذا الفعل من المفعول ، لم يدل إلا على شر; يقولون: أوعدت فلانا . وكذلك إذا أفردوا: وعدت من مفعول ، لم يدل إلا على الخبر . قال الفراء: يقولون: وعدته خيرا ، وأوعدته شرا; فإذا أسقطوا الخير والشر ، قالوا: وعدته: في الخير ، وأوعدته: في الشر; فإذا جاؤوا بالباء ، قالوا: وعدته والشر . وقال الراجز:


    أوعدني بالسجن والأداهم


    قال المصنف: وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال: إذا أرادوا أن يذكروا ما تهددوا به مع أوعدت ، جاؤوا بالباء ، فقالوا: أوعدته بالضرب ، ولا يقولون: أوعدته الضرب . قال السدي: كانوا عشارين . وقال ابن زيد: كانوا يقطعون الطريق .

    قوله تعالى: وتصدون عن سبيل الله أي: تصرفون عن دين الله من آمن به . وتبغونها عوجا مفسر في (آل عمران:99) [ ص: 230 ] قوله تعالى: واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم قال الزجاج جائز أن يكون المعنى جعلكم أغنياء بعد أن كنتم فقراء وجائز أن يكون كثر عددكم بعد أن كنتم قليلا وجائز أن يكونوا غير ذوي مقدرة وأقدار فكثرهم
    وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين .

    قوله تعالى: وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا أي: إن اختلفتم في رسالتي ، فصرتم فريقين ، مصدقين ومكذبين فاصبروا حتى يحكم الله بيننا بتعذيب المكذبين ، وإنجاء المصدقين وهو خير الحاكمين لأنه العدل الذي لا يجور .

    قوله تعالى: أو لتعودن في ملتنا يعنون ديننا ، وهو الشرك . قال الفراء: جعل في قوله:" لتعودن" لاما كجواب اليمين ، وهو في معنى شرط; ومثله في الكلام: والله لأضربنك أو تقر لي ، فيكون معناه معنى:" إلا" أو معنى:" حتى" . قال أولو كنا كارهين أي: أوتجبروننا على ملتكم إن كرهناها؟ والألف للاستفهام . فإن قيل: كيف قالوا:" لتعودن" وشعيب لم يكن في كفر قط ، فيعود إليه؟ فعنه جوابان .

    أحدهما: أنهم لما جمعوا في الخطاب معه من كان كافرا ، ثم آمن ، خاطبوا شعيبا بخطاب أتباعه ، وغلبوا لفظهم على لفظه ، لكثرتهم ، وانفراده . [ ص: 231 ] والثاني: أن المعنى: لتصيرن إلى ملتنا; فوقع العود على معنى الابتداء ، كما يقال: قد عاد علي من فلان مكروه ، أي: قد لحقني منه ذلك; وإن لم يكن سبق منه مكروه . قال الشاعر:


    فإن تكن الأيام أحسن مرة إلي فقد عادت لهن ذنوب


    وقد شرحنا هذا في قوله: وإلى الله ترجع الأمور في سورة (البقرة:210) ، وقد ذكر معنى الجوابين الزجاج ، وابن الأنباري .
    قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين

    قوله تعالى: قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم وذلك أن القوم كانوا يدعون أن الله أمرهم بما هم عليه ، فلذلك سموه ملة . وما يكون لنا أن نعود فيها أي: في الملة ، إلا أن يشاء الله أي: إلا أن يكون قد سبق في علم الله ومشيئته أن نعود فيها ، وسع ربنا كل شيء علما قال ابن عباس : يعلم ما يكون قبل أن يكون . [ ص: 232 ] قوله تعالى: على الله توكلنا أي: فيما توعدتمونا به ، وفي حراستنا عن الضلال . ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق قال أبو عبيدة: احكم بيننا ، وأنشد:
    ألا أبلغ بني عصم رسولا بأني عن فتاحتكم غني


    قال الفراء: وأهل عمان يسمون القاضي: الفاتح والفتاح . قال الزجاج : وجائز أن يكون المعنى: أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وينكشف; فجائز أن يكونوا سألوا بهذا نزول العذاب بقومهم ليظهر أن الحق معهم .

    قوله تعالى: كأن لم يغنوا فيها فيه أربعة أقوال .

    أحدها: كأن لم يعيشوا في دارهم ، قاله ابن عباس ، والأخفش . قال حاتم طيئ:


    غنينا زمانا بالتصعلك والغنى فكلا سقاناه بكأسيهما الدهر
    فما زادنا بغيا على ذي قرابة غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر


    قال الزجاج : معنى غنينا: عشنا . والتصعلك: الفقر ، والعرب تقول للفقير: الصعلوك

    والثاني: كأن لم يتنعموا فيها ، قاله قتادة .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #233
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (233)
    صــ233 إلى صــ 238



    والثالث: كأن لم يكونوا فيها ، قاله ابن زيد ، ومقاتل . [ ص: 233 ] والرابع: كأن لم ينزلوا فيها ، قاله الزجاج . قال الأصمعي: المغاني: المنازل; يقال: غنينا بمكان كذا ، أي: نزلنا بمكان كذا ، أي: نزلنا به . وقال ابن قتيبة: كأن لم يقيموا فيها ، ومعنى: غنينا بمكان كذا: أقمنا . قال ابن الأنباري: وإنما كرر قوله: الذين كذبوا شعيبا للمبالغة في ذمهم; كما تقول: أخوك الذي أخذ أموالنا ، أخوك الذي شتم أعراضنا .

    قوله تعالى: فتولى عنهم فيه قولان .

    أحدهما: أعرض . والثاني: انصرف . وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي قال قتادة: أسمع شعيب قومه ، وأسمع صالح قومه; كما أسمع نبيكم قومه يوم بدر; يعني أنه خاطبهم بعد الهلاك . فكيف آسى أي: أحزن . وقال ابن إسحاق: أصاب شعيبا على قومه حزن شديد ، ثم عاتب نفسه ، فقال: كيف آسى على قوم كافرين .
    وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون

    قوله تعالى: وما أرسلنا في قرية قال الزجاج : يقال لكل مدينة: قرية ، لاجتماع الناس فيها . وقال غيره: في الآية اختصار ، تقديره: فكذبوه . إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء وقد سبق تفسير البأساء والضراء في (الأنعام:42) ، وتفسير التضرع في هذه السورة [الأعراف: 55] . ومقصود الآية: إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بسنة الله في المكذبين ، وتهديد قريش .
    ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون [ ص: 234 ] ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون

    قوله تعالى: ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة فيه قولان .

    أحدهما: أن السيئة: الشدة; والحسنة: الرخاء ، قاله ابن عباس .

    والثاني: السيئة: الشر; والحسنة: الخير ، قاله مجاهد .

    قوله تعالى: حتى عفوا قال ابن عباس : كثروا ، وكثرت أموالهم . وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فنحن مثلهم يصيبنا ما أصابهم ، يعني: أنهم أرادوا أن هذا دأب الدهر ، وليس بعقوبة . فأخذناهم بغتة أي: فجأة بنزول العذاب وهم لا يشعرون بنزوله ، حتى أهلكهم الله .

    قوله تعالى: لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض قال الزجاج : المعنى: أتاهم الغيث من السماء ، والنبات من الأرض ، وجعل ذلك زاكيا كثيرا .
    أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .

    قوله تعالى: أوأمن أهل القرى قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، ونافع ، أوأمن أهل بإسكان الواو . وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: " أو أمن " بتحريك الواو . وروى ورش عن نافع: " أوامن " يدغم الهمزة ، ويلقي حركتها على الساكن .
    أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون [ ص: 235 ] تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين .

    قوله تعالى: أولم يهد للذين وقرأ يعقوب: " نهد " بالنون ، وكذلك في [طه:128] و[السجدة:26] قال الزجاج : من قرأ بالياء فالمعنى: أو لم يبين الله لهم . ومن قرأ بالنون ، فالمعنى: أو لم نبين . وقوله تعالى: ونطبع ليس بمحمول على "أصبناهم" لأنه لو حمل على "أصبناهم" لكان: ولطبعنا . وإنما المعنى: ونحن نطبع على قلوبهم . ويجوز أن يكون محمولا على الماضي ، ولفظه لفظ المستقبل ، كما قال: أن لو نشاء والمعنى: لو شئنا . وقال ابن الأنباري: يجوز أن يكون معطوفا على: أصبنا ، إذ كان بمعنى نصيب; فوضع الماضي في موضع المستقبل عند وضوح معنى الاستقبال ، كما قال: تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك [الفرقان:10] أي: إن يشأ ، يدل عليه قوله: ويجعل لك قصورا قال الشاعر:


    إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا مني وما سمعوا من صالح دفنوا


    أي: يدفنوا .

    قوله تعالى: فهم لا يسمعون أي: لا يقبلون ، ومنه:" سمع الله لمن حمده" قال الشاعر:


    دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول


    [ ص: 236 ] قوله تعالى: فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل فيه خمسة أقوال .

    أحدها: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بما سبق في علم الله أنهم يكذبون به يوم أقروا به بالميثاق حين أخرجهم من صلب آدم ، هذا قول أبي بن كعب .

    والثاني: فما كانوا ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا به يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من صلب آدم ، فآمنوا كرها حيث أقروا بالألسن ، وأضمروا التكذيب ، قاله ابن عباس ، والسدي .

    والثالث: فما كانوا لو رددناهم إلى الدنيا بعد موتهم ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم ، هذا قول مجاهد .

    والرابع: فما كانوا ليؤمنوا بما كذب به أوائلهم من الأمم الخالية ، بل شاركوهم في التكذيب ، قاله يمان بن رباب .

    والخامس: فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات والعجائب بما كذبوا قبل رؤيتها .
    وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين

    قوله تعالى: وما وجدنا لأكثرهم قال مجاهد: يعني: القرون الماضية . (من عهد) قال أبو عبيدة: أي: وفاء . قال ابن عباس : يريد الوفاء بالعهد الذي عاهدهم حين أخرجهم من صلب آدم . وقال الحسن: العهد هاهنا: ما عهده إليهم مع الأنبياء أن لا يشركوا به شيئا .

    قوله تعالى: وإن وجدنا قال أبو عبيدة: وما وجدنا أكثرهم إلا الفاسقين .
    [ ص: 237 ] ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين

    قوله تعالى: ثم بعثنا من بعدهم يعني: الأنبياء المذكورين .

    قوله تعالى: فظلموا بها قال ابن عباس : فكذبوا بها . وقال غيره: فجحدوا بها .

    قوله تعالى: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق "على" بمعنى الباء . قال الفراء: العرب تجعل الباء في موضع "على"; تقول: رميت بالقوس ، وعلى القوس ، وجئت بحال حسنة ، وعلى حال حسنة . وقال أبو عبيدة:" حقيق" بمعنى: حريص . وقرأ نافع ، وأبان عن عاصم: (حقيق علي) بتشديد الياء وفتحها ، على الإضافة . والمعنى: واجب علي .

    قوله تعالى: قد جئتكم ببينة قال ابن عباس : يعني: العصا . فأرسل معي بني إسرائيل أي: أطلق عنهم; وكان قد استخدمهم في الأعمال الشاقة . فإذا هي ثعبان مبين قال أبو عبيدة: أي: حية ظاهرة . قال الفراء: الثعبان: أعظم الحيات ، وهو الذكر . وكذلك روى الضحاك عن ابن عباس: الثعبان: الحية الذكر .
    [ ص: 238 ] ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون

    قوله تعالى: ونزع يده قال ابن عباس : أدخل يده في جيبه ، ثم أخرجها ، فإذا هي تبرق مثل البرق ، لها شعاع غلب نور الشمس ، فخروا على وجوههم; ثم أدخلها جيبه فصارت كما كانت . قال مجاهد: بيضاء من غير برص .

    قوله تعالى: فماذا تأمرون قال ابن عباس : ما الذي تشيرون به علي؟ وهذا يدل على أنه من قول فرعون ، وأن كلام الملإ انقطع عند قوله: من أرضكم . قال الزجاج : يجوز أن يكون من قول الملإ ، كأنهم خاطبوا فرعون ومن يخصه ، أو خاطبوه وحده; لأنه قد يقال للرئيس: المطاع ماذا ترون؟




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #234
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (234)
    صــ239 إلى صــ 244



    قوله تعالى: أرجئه قرأ ابن كثير "أرجهؤ" مهموز بواو بعد الهاء في اللفظ . وقرأ أبو عمرو مثله ، غير أنه يضم الهاء ضمة ، من غير أن يبلغ بها الواو; وكانا يهمزان: (مرجؤن)[التوبة:106] و(ترجئ)[الأحزاب:51] . [ ص: 239 ] وقرأ قالوا والمسيبي عن نافع "أرجه" بكسر الهاء ، ولا يبلغ بها الياء ، ولا يهمز . وروى عنه ورش: "أرجهي" يصلها بياء ، ولا يهمز بين الجيم والهاء . وكذلك قال إسماعيل بن جعفر عن نافع; وهي قراءة الكسائي . وقرأ حمزة: "أرجه" ساكنة الهاء غير مهموز ، وكذلك قرأ عاصم في غير رواية المفضل ، وقد روى عنه المفضل كسر الهاء من غير إشباع ولا همز ، وهي قراءة أبي جعفر ، وكذلك اختلافهم في سورة (الشعراء:36) . قال ابن قتيبة: أرجه: أخره; وقد يهمز ، يقال: أرجأت الشيء ، وأرجيته . ومنه قوله: ترجي من تشاء منهن [الأحزاب: 51] . قال الفراء: بنو أسد تقول: أرجيت الأمر ، بغير همز ، وكذلك عامة قيس; وبعض بني تميم يقولون: أرجأت الأمر ، بالهمز ، والقراء مولعون بهمزها ، وترك الهمز أجود .

    قوله تعالى: وأرسل في المدائن يعني مدائن مصر ، (حاشرين) أي: من يحشر السحرة إليك ويجمعهم . وقال ابن عباس : هم الشرط .

    قوله تعالى: يأتوك بكل ساحر قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: (ساحر) وفي (يونس:79): (بكل ساحر); وقرأ حمزة ، والكسائي: (سحار) في الموضعين; ولا خلاف في (الشعراء:37) أنها: (سحار) .

    قوله تعالى: إن لنا لأجرا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وحفص عن عاصم: إن لنا لأجرا مكسورة الألف على الخبر ، وفي (الشعراء:41) (آين) ممدودة مفتوحة الألف ، غير أن حفصا روى عن عاصم في (الشعراء:41): (أإن) بهمزتين . وقرأ أبو عمرو: (آين لنا) ممدودة في السورتين . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم: بهمزتين في الموضعين . [ ص: 240 ] قال أبو علي: الاستفهام أشبه بهذا الموضع ، لأنهم لم يقطعوا على أن لهم الأجر ، وإنما استفهموا عنه .

    قوله تعالى: وإنكم لمن المقربين أي: ولكم مع الأجر المنزلة الرفيعة عندي .

    قوله تعالى: سحروا أعين الناس قال أبو عبيدة: عشوا أعين الناس وأخذوها . (واسترهبوهم) أي: خوفوهم . وقال الزجاج : استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس .

    قوله تعالى: فإذا هي تلقف وقرأ عاصم: تلقف ساكنة اللام ، خفيفة القاف هاهنا وفي (طه:69) ، و(الشعراء:45) . وروى البزي ، وابن فليح عن ابن كثير: (تلقف) بتشديد التاء . قال الفراء: يقال: لقفت الشيء ، فأنا ألقفه لقفا ولقفانا; والمعنى: تبتلع .

    قوله تعالى: ما يأفكون أي: يكذبون ، لأنهم زعموا أنها حيات .

    قوله تعالى: فوقع الحق قال ابن عباس : استبان . وبطل ما كانوا يعملون من السحر .

    الإشارة إلى قصتهم

    اختلفوا في عدد السحرة على ثلاثة عشر قولا . أحدها: اثنان وسبعون ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: اثنان وسبعون ألفا ، روي عن ابن عباس أيضا . وبه قال مقاتل . والثالث: سبعون ، روي عن ابن عباس أيضا . والرابع: اثنا عشر ألفا ، قاله كعب . والخامس: سبعون ألفا ، قاله عطاء ، [ ص: 241 ] وكذلك قال وهب في رواية ، ألا أنه قال: فاختار منهم سبعة آلاف . والسادس: سبعمائة . وروى عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب أنه قال: كان عدد السحرة الذين عارضوا موسى سبعين ألفا ، متخيرين من سبعمائة ألف ، ثم إن فرعون اختار من السبعين الألف سبعمائة . والسابع: خمسة وعشرون ألفا ، قاله الحسن . والثامن: تسعمائة ، قاله عكرمة . والتاسع: ثمانون ألفا ، قاله محمد بن المنكدر . والعاشر: بضعة وثلاثون ألفا ، قاله السدي . والحادي عشر: خمسة عشر ألفا ، قاله ابن إسحاق . والثاني عشر: تسعة عشر ألفا ، رواه أبو سليمان الدمشقي . والثالث عشر: أربعمائة ، حكاه الثعلبي . فأما أسماء رؤسائهم ، فقال ابن إسحاق: رؤوس السحرة سانور ، وعاذور ، وحطحط ، ومصفى ، وهم الذين آمنوا ، كذا حكاه ابن ماكولا . ورأيت عن غير ابن إسحاق: سابورا ، وعازورا ، وقال مقاتل: اسم أكبرهم شمعون . قال ابن عباس : ألقوا حبالا غلاظا ، وخشبا طوالا ، فكانت ميلا في ميل ، فألقى موسى عصاه ، فإذا هي أعظم من حبالهم وعصيهم ، قد سدت الأفق ، ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا ، فابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم ، وجعلت تأكل جميع ما قدرت عليه من صخرة أو شجرة ، والناس ينظرون ، وفرعون يضحك تجلدا ، فأقبلت الحية نحو فرعون ، فصاح: يا موسى ، يا موسى ، فأخذها موسى ، وعرفت السحرة أن هذا من السماء ، وليس هذا بسحر ، فخروا سجدا ، وقالوا آمنا برب العالمين فقال فرعون: إياي تمنون؟ فقالوا: رب موسى وهارون ، فأصبحوا سحرة ، وأمسوا شهداء . وقال وهب بن منبه: لما صارت ثعبانا حملت على الناس فانهزموا منها ، فقتل بعضهم بعضا ، فمات منهم خمسة وعشرون ألفا . وقال السدي: لقي موسى أمير السحرة ، فقال: أرأيت إن غلبتك [ ص: 242 ] غدا ، أتؤمن بي ؟فقال الساحر: لآتين غدا بسحر لا يغلبه السحر ، فوالله لئن غلبتني لأومنن بك . فإن قيل: كيف جاز أن يأمرهم موسى بالإلقاء ، وفعل السحر كفر؟ فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها: أن مضمون أمره: إن كنتم محقين فألقوا . والثاني: ألقوا على ما يصح ، لا على ما يفسد ويستحيل ، ذكرهما الماوردي والثالث: إنما أمرهم بالإلقاء لتكون معجزته أظهر ، لأنهم إذا ألقوا ، ألقى عصاه فابتلعت ذلك ، ذكره الواحدي . فإن قيل: كيف قال: وألقي السحرة ساجدين وإنما سجدوا باختيارهم؟ فالجواب أنه لما زالت كل شبهة بما أظهر الله تعالى من أمره ، اضطرهم عظيم ما عاينوا إلى مبادرة السجود ، فصاروا مفعولين في الإلقاء تصحيحا وتعظيما لشأن ما رأوا من الآيات ، ذكره ابن الأنباري . قال ابن عباس : لما آمنت السحرة ، اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل .
    قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين قالوا إنا إلى ربنا منقلبون

    قوله تعالى: آمنتم به قرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو عمرو: "ءآمنتم به" بهمزة ومدة على الاستفهام . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم: "أآمنتم" به فاستفهموا بهمزتين ، الثانية ممدودة . وقرأ حفص عن عاصم: "آمنتم به" على الخبر . وروى ابن الإخريط عن ابن كثير: "قال فرعون وأمنتم به" فقلب همزة الاستفهام واوا ، وجعل الثانية ملينة بين بين . وروى قنبل عن القواس مثل رواية ابن الإخريط ، غير أنه كان يهمز بعد الواو . وقال أبو علي: همز بعد الواو ، [ ص: 243 ] لأن هذه الواو منقلبة عن همزة الاستفهام ، وبعد همزة الاستفهام "أفعلتم" فحققها ولم يخففها .

    قوله تعالى: إن هذا لمكر مكرتموه قال ابن السائب: لصنيع صنعتموه فيما بينكم وبين موسى في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر فتخرجوا منها أهلها (فسوف تعلمون) عاقبة ما صنعتم ، لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف وهو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى . قال ابن عباس : أول من فعل ذلك ، وأول من صلب ، فرعون .
    وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين

    قوله تعالى: وما تنقم منا أي وما تكره منا شيئا ، ولا تطعن علينا إلا لأنا آمنا . ربنا أفرغ علينا صبرا قال مجاهد: على القطع والصلب حتى لا نرجع كفارا وتوفنا مسلمين أي: مخلصين على دين موسى .

    قوله تعالى: أتذر موسى وقومه هذا إغراء من الملإ لفرعون . وفيما أرادوا بالفساد في الأرض قولان . أحدهما: قتل أبناء القبط ، واستحياء نسائهم ، كما فعلوا ببني إسرائيل ، قاله مقاتل . والثاني: دعاؤهم الناس إلى مخالفة فرعون وترك عبادته . [ ص: 244 ] قوله تعالى: ويذرك جمهور القراء على نصب الراء; وقرأ الحسن برفعها . قاله الزجاج : من نصب "ويذرك" نصبه على جواب الاستفهام بالواو; والمعنى: أيكون منك أن تذر موسى وأن يذرك؟ ومن رفعه جعله مستأنفا ، فيكون المعنى: أتذر موسى وقومه ، وهو يذرك وآلهتك؟ والأجود أن يكون معطوفا على "أنذر" فيكون المعنى: أتذر موسى ، وأيذرك موسى؟ أي: أتطلق له هذا؟

    قوله تعالى: وآلهتك قال ابن عباس : كان فرعون قد صنع لقومه أصناما صغارا ، وأمرهم بعبادتها ، وقال أنا ربكم ورب هذه الأصنام ، فذلك قوله: أنا ربكم الأعلى [النازعات:24] . وقال غيره: كان قومه يعبدون تلك الأصنام تقربا إليه . وقال الحسن: كان يعبد تيسا في السر . وقيل: كان يعبد البقر سرا . وقيل: كان يجعل في عنقه شيئا يعبده . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وابن محيصن: "والإهتك" بكسر الهمزة وقصرها وفتح اللام وبألف بعدها . قال الزجاج : المعنى: ويذرك وربوبيتك وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الإلاهة: العبادة; فالمعنى: ويذرك وعبادة الناس إياك . قال ابن قتيبة: من قرأ: "وإلاهتك" أراد: ويذرك والشمس التي تعبد ، وقد كان في العرب قوم يعبدون الشمس ويسمونها آلهة . قال الأعشى:


    فما أذكر الرهبة حتى انقلبت قبيل الآلهة منها قريبا


    يعني الشمس . والرهب: ناقته . يقول: اشتغلت بهذه المرأة عن ناقتي إلى هذا الوقت .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #235
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (235)
    صــ245 إلى صــ 250




    قوله تعالى: سنقتل أبناءهم قرأ أبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: "سنقتل" و"يقتلون أبناءكم" [الأعراف: 141] بالتشديد ، [ ص: 245 ] وخفضهما نافع . وقرأ ابن كثير: "سنقتل" خفيفة ، "ويقتلون" مشددة . وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لعلمه أنه لا يقدر عليه . وإنا فوقهم قاهرون أي: عالون بالملك والسلطان . فشكا بنو إسرائيل إعادة القتل على أبنائهم ، فقال موسى: استعينوا بالله واصبروا على ما يفعل بكم إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وقرأ الحسن ، وهبيرة عن حفص عن عاصم: "يورثها" بالتشديد . فأطعمهم موسى أن يعطيهم الله أرض فرعون وقومه بعد إهلاكهم .

    قوله تعالى: والعاقبة للمتقين فيها قولان . أحدهما: الجنة . والثاني: النصر والظفر .
    قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون

    قوله تعالى: قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا في هذا الأذى ستة أقوال .

    أحدها: أن الأذى الأول والثاني أخذ الجزية ، قاله الحسن .

    والثاني: أن الأول ذبح الأبناء ، والثاني: إدراك فرعون يوم طلبهم ، قاله السدي .

    والثالث: أن الأول أنهم كانوا يسخرون في الأعمال إلى نصف النهار ، ويرسلون في بقيته يكتسبون ، والثاني تسخيرهم جميع النهار بلا طعام ولا شراب ، قاله جويبر . [ ص: 246 ] والرابع: أن الأول تسخيرهم في ضرب اللبن ، وكانوا يعطونهم التبن الذي يخلطونه في الطين; والثاني: أنهم كلفوا ضرب اللبن وجعل التبن عليهم ، قاله ابن السائب .

    والخامس: أن الأول قتل الأبناء ، واستحياء البنات ، والثاني ، تكليف فرعون إياهم ما لا يطيقونه ، قاله مقاتل .

    والسادس: أن الأول استخدامهم وقتل أبنائهم واستحياء نسائهم ، والثاني: إعادة ذلك العذاب .

    وفي قوله: من قبل أن تأتينا قولان .

    أحدهما: تأتينا بالرسالة ، ومن بعد ما جئنا بها ، قاله ابن عباس .

    والثاني: تأتينا بعهد الله أنه سيخلصنا ومن بعد ما جئتنا به ، ذكره الماوردي .

    قوله تعالى: عسى ربكم أن يهلك عدوكم قال الزجاج : عسى: طمع وإشفاق ، إلا أن ما يطمع الله فيه فهو واجب .

    قوله تعالى: ويستخلفكم في الأرض في هذا الاستخلاف قولان .

    أحدهما: أنه استخلاف من فرعون وقومه . والثاني: استخلاف عن الله تعالى ، لأن المؤمنين خلفاء الله في أرضه . وفي الأرض قولان .

    أحدهما: أرض مصر ، قاله ابن عباس . والثاني: أرض الشام ، ذكره الماوردي .

    قوله تعالى: فينظر كيف تعملون قال الزجاج : أي: يراه بوقوعه منكم ، لأنه إنما يجازيهم على ما وقع منهم ، لا على ما علم أنه سيقع .

    قوله تعالى: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين قال أبو عبيدة: مجازه: ابتليناهم بالجدوب . وآل فرعون: أهل دينه وقومه . وقال مقاتل: هم أهل مصر . [ ص: 247 ] قال الفراء: "بالسنين" أي: بالقحط والجدوب عاما بعد عام . وقال الزجاج : السنون في كلام العرب: الجدوب ، يقال: مستهم السنة ، ومعناه: جدب السنة ، وشدة السنة . وإنما أخذهم بالضراء ، لأن أحوال الشدة ، ترق القلوب ، وترغب فيما عند الله وفي الرجوع إليه ، قال قتادة: أما السنون ، فكانت في بواديهم ومواشيهم ، وأما نقص الثمرات ، فكان في أمصارهم وقراهم . وروى الضحاك عن ابن عباس قال: يبس لهم كل شيء ، وذهبت مواشيهم ، حتى يبس نيل مصر ، فاجتمعوا إلى فرعون فقالوا له: إن كنت ربا كما تزعم ، فاملأ لنا نيل مصر ، فقال غدوة يصبحكم الماء ، فلما خرجوا من عنده ، قال: أي شيء صنعت؟ أنا أقدر أن أجيء بالماء في نيل مصر غدوة أصبح ، فيكذبوني؟ فلما كان جوف الليل ، اغتسل ، ثم لبس مدرعة من صوف ، ثم خرج حافيا حتى أتى بطننيل مصر فقام في بطنه ، فقال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر أن تملأ نيل مصر ماء ، فاملأه ، فما علم إلا بخرير الماء لما أراد الله به من الهلكة . قلت: وهذا الحديث بعيد الصحة ، لأن الرجل كان دهريا لا يثبت إلها . ولو صح ، كان إقراره بذلك كإقرار إبليس ، وتبقى مخالفته عنادا .
    فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون

    قوله تعالى: فإذا جاءتهم الحسنة وهي الغيث والخصب وسعة الرزق والسلامة (قالوا لنا هذه) أي: نحن مستحقوها على ما جرى لنا من العادة في سعة الرزق ، ولم يعلموا أنه من الله فيشكروا عليه . وإن تصبهم سيئة وهي القحط والجدب والبلاء يطيروا بموسى ومن معه أي: يتشاءموا بهم . وكانت العرب تزجر [ ص: 248 ] الطير ، فتتشاءم بالبارح ، وهو الذي يأتي من جهة الشمال ، وتتبرك بالسانح ، وهو الذي يأتي من جهة اليمين .

    قوله تعالى: ألا إنما طائرهم عند الله قال أبو عبيدة: "ألا" تنبيه وتوكيد ومجاز . "طائرهم" حظهم ونصيبهم . وقال ابن عباس "ألا إنما طائرهم عند الله" أي: إن الذي أصابهم من الله . وقال الزجاج : المعنى: ألا إن الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في الآخرة ، لا ما ينالهم في الدنيا .
    وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين

    قوله تعالى: وقالوا مهما قال الزجاج : زعم النحويون أن أصل "مهما" ماما ، ولكن أبدل من الألف الأولى الهاء ليختلف اللفظ ، ف "ما" الأولى هي "ما" الجزاء ، و"ما" الثانية هي التي تزاد تأكيدا للجزاء ، ودليل النحويين على ذلك أنه ليس شيء من حروف الجزاء إلا و"ما" تزاد فيه ، قال الله تعالى: فإما تثقفنهم [الأنفال:57] كقولك: إن تثقفنهم ، وقال وإما تعرضن عنهم [الإسراء: 28] . وتكون "ما" الثانية للشرط والجزاء ، والتفسير الأول هو الكلام ، وعليه استعمال الناس . قال ابن الأنباري: فعلى قول من قال: إن معنى "مه" الكف ، يحسن الوقف على "مه" والاختيار أن لا يوقف عليها دون "ما" لأنها في المصحف حرف واحد . وفي الطوفان ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الماء . قال ابن عباس : أرسل عليهم مطر دائم الليل والنهار ثمانية أيام ، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير ، وقتادة ، والضحاك ، وأبو مالك ، ومقاتل ، واختاره الفراء ، وابن قتيبة ، [ ص: 249 ] والثاني: أنه الموت ، روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال مجاهد ، وعطاء ، ووهب بن منبه ، وابن كثير .

    والثالث: أنه الطاعون ، نقل عن مجاهد ، ووهب أيضا . وفي القمل سبعة أقوال .

    أحدها: أنه السوس الذي يقع في الحنطة ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقال به .

    والثاني: أنه الدبى ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعطاء . وقال قتادة: القمل: أولاد الجراد . وقال ابن فارس: الدبى: الجراد إذا تحرك قبل أن تنبت أجنحته .

    والثالث: أنه دواب سود صغار ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير . وقيل: هذه الدواب هي السوس .

    والرابع: أنه الجعلان ، قاله حبيب بن أبي ثابت .

    والخامس: أنه القمل ، ذكره عطاء الخراساني ، وزيد بن أسلم .

    والسادس: أنه البراغيث ، حكاه ابن زيد .

    والسابع: أنه الحمنان ، واحدتها: حمنانة ، وهي ضرب من القردان ، قاله أبو عبيدة . وقرأ الحسن ، وعكرمة ، وابن يعمر: "القمل" برفع القاف وسكون الميم . [ ص: 250 ] وفي الدم قولان . أحدهما: أن ماءهم صار دما ، قاله الجمهور . والثاني: أنه رعاف أصابهم ، قاله زيد بن أسلم .

    الإشارة إلى شرح القصة

    قال ابن عباس : جاءهم الطوفان ، فكان الرجل لا يقدر أن يخرج إلى ضيعته ، حتى خافوا الغرق ، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشفه عنا ، ونؤمن بك ، ونرسل معك بني إسرائيل; فدعا لهم ، فكشفه الله عنهم ، وأنبت لهم شيئا لم ينبته قبل ذلك ، فقالوا: هذا ما كنا نتمنى ، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل ما أنبتت الأرض ، فقالوا: ادع لنا ربك فدعا ، فكشف الله عنهم ، فأحرزوا زروعهم في البيوت ، فأرسل الله عليهم القمل ، فكان الرجل يخرج بطحين عشرة أجربة إلى الرحى ، فلا يرى منها ثلاثة أقفزة ، فسألوه ، فدعا لهم ، فكشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الضفادع ، ولم يكن شيء أشد منها ، كانت تجيء إلى القدور وهي تغلي وتفور ، فتلقي أنفسها فيها ، فتفسد طعامهم وتطفئ نيرانهم ، وكانت الضفادع برية ، فأورثها الله تعالى برد الماء والثرى إلى يوم القيامة ، فسألوه ، فدعا لهم ، فلم يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فجرت أنهارهم وقلبهم دما ، فلم يقدروا على الماء العذب ، وبنو إسرائيل في الماء العذب ، فإذا دخل الرجل منهم يستقي من أنهار بني إسرائيل صار ما دخل فيه دما ، والماء من بين يديه ومن خلفه صاف عذب لا يقدر عليه ، فقال فرعون: أقسم بإلهي يا موسى لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ، ولنرسلن معك بني إسرائيل ، فدعا موسى ، فذهب الدم وعذب ماؤهم ، فقالوا: والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #236
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (236)
    صــ251 إلى صــ 256



    قوله تعالى: آيات مفصلات قال ابن قتيبة: بين الآية والآية فصل . قال المفسرون: كانت الآية تمكث من السبت إلى السبت ، ثم يبقون عقيب رفعها شهرا في عافية ، ثم تأتي الآية الأخرى . قال وهب بن منبه: بين كل آيتين أربعون يوما . وروى عكرمة عن ابن عباس قال: مكث موسى في آل فرعون بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات ، الجراد والقمل والضفادع والدم .

    وفي قوله: "فاستكبروا" قولان . أحدهما: عن الإيمان . والثاني: عن الانزجار .
    ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين

    قوله تعالى: ولما وقع عليهم الرجز أي: نزل بهم العذاب . وفي هذا العذاب قولان .

    أحدهما: أنه طاعون أهلك منهم سبعين ألفا ، قاله ابن عباس: وسعيد بن جبير .

    والثاني: أنه العذاب الذي سلطه الله عليهم من الجراد والقمل وغير ذلك ، قاله ابن زيد . قال الزجاج : "الرجز" العذاب . أو العمل الذي يؤدي إلى العذاب . ومعنى الرجز في العذاب: أنه المقلقل لشدته قلقلة شديدة متتابعة . وأصل الرجز في اللغة: تتابع الحركات ، فمن ذلك قولهم: ناقة رجزاء ، إذا كانت [ ص: 252 ] ترتعد قوائمها عند قيامها . ومنه رجز الشعر ، لأنه أقصر أبيات الشعر ، والانتقال من بيت إلى بيت ، سريع ، نحو قوله:


    يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع


    وزعم الخليل أن الرجز ليس بشعر ، وإنما هو أنصاف أبيات وأثلاث .

    قوله تعالى: بما عهد عندك فيه أربعة أقوال .

    أحدها: أن معناه: بما أوصاك أن تدعوه به . والثاني: بما تقدم به إليك أن تدعوه فيجيبك . والثالث: بما عهد عندك في كشف العذاب عمن آمن . والرابع: أن ذلك منهم على معنى القسم ، كأنهم أقسموا عليه بما عهد عنده أن يدعو لهم .

    قوله تعالى: إلى أجل هم بالغوه أي: إلى وقت غرقهم . إذا هم ينكثون أي: ينقضون العهد .

    قوله تعالى: فانتقمنا منهم قال أبو سليمان الدمشقي: انتصرنا منهم بإحلال نقمتنا بهم ، وتلك النقمة تغريقنا إياهم في اليم . قال ابن قتيبة: اليم: البحر بالسريانية .

    قوله تعالى: وكانوا عنها غافلين فيه قولان .

    أحدهما: عن الآيات ، وغفلتهم: تركهم الاعتبار بها . والثاني: عن النقمة .
    وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون [ ص: 253 ] قوله تعالى: وأورثنا القوم يعني بني إسرائيل . الذين كانوا يستضعفون أي: يستذلون بذبح الأبناء ، واستخدام النساء ، وتسخير الرجال . مشارق الأرض ومغاربها فيه ثلاثة أقوال .

    أحدها: مشارق الشام ومغاربها ، قاله الحسن . والثاني: مشارق أرض الشام ومصر ، والثالث: أنه على إطلاقه في شرق الأرض وغربها .

    قوله تعالى: التي باركنا فيها قال ابن عباس : بالماء والشجر .

    قوله تعالى: وتمت كلمت ربك الحسنى وهي وعد الله لبني إسرائيل بإهلاك عدوهم ، واستخلافهم في الأرض ، وذلك في قوله: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض [القصص:5] ، وقد بينا علة تسمية ذلك كله في (آل عمران:146)

    قوله تعالى: بما صبروا فيه قولان .

    أحدهما: على طاعة الله تعالى . والثاني على أذى فرعون .

    قوله تعالى: ودمرنا أي: (أهلكنا ما كان يصنع فرعون وقومه) من العمارات والمزارع ، والدمار: الهلاك . وما كانوا يعرشون أي: يبنون . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم: "يعرشون" بكسر الراء هاهنا وفي (النحل:68) وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم: بضم الراء فيهما . وقرأ ابن أبي عبلة: "يعرشون" بالتشديد . قال الزجاج : يقال: عرش يعرش ويعرش: إذا بنى .

    قوله تعالى: يعكفون قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، ويعقوب: "يعكفون" بضم الكاف . وقرأ حمزة ، والكسائي ، [ ص: 254 ] والمفضل: بكسر الكاف . وقرأ ابن أبي عبلة: بضم الياء وتشديد الكاف . قال الزجاج : ومعنى يعكفون على أصنام لهم : يواظبون عليها ويلازمونها ، يقال لكل من لزم شيئا وواظب عليه: عكف يعكف ويعكف . قال قتادة: كان أولئك القوم نزولا بالرقة ، وكانوا من لخم . وقال غيره: كانت أصنامهم تماثيل البقر . وهذا إخبار عن عظيم جهلهم حيث توهموا جواز عبادة غير الله بعدما رأوا الآيات .
    إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون

    قوله تعالى: إن هؤلاء متبر ما هم فيه قال ابن قتيبة: مهلك والتبار: الهلاك .
    قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين

    قوله تعالى: قال أغير الله أبغيكم إلها أي: أطلب لكم ، وهذا استفهام إنكار . قال المفسرون ، منهم ابن عباس ، ومجاهد: العالمون هاهنا: عالمو زمانهم .
    وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم

    قوله تعالى: وإذ أنجيناكم قرأ ابن عامر: "وإذا أنجاكم" على لفظ الغائب المفرد .
    وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين [ ص: 255 ] قوله تعالى: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة المعنى: وعدناه انقضاء الثلاثين ليلة . قال ابن عباس : قال موسى لقومه: إن ربي وعدني ثلاثين ليلة ، فلما فصل إلى ربه زاده عشرا ، فكانت فتنتهم في ذلك العشر . فإن قيل: لم زيد هذا العشر؟ فالجواب: أن ابن عباس قال: صام تلك الثلاثين ليلهن ونهارهن ، فلما انسلخ الشهر ، كره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم ، فتناول شيئا من نبات الأرض فمضغه ، فأوحى الله تعالى إليه: لا كلمتك حتى يعود فوك على ما كان عليه ، أما علمت أن رائحة فم الصائم أحب إلي من ريح المسك؟ وأمره بصيام عشرة أيام . وقال أبو العالية: مكث موسى على الطور أربعين ليلة ، فبلغنا أنه لم يحدث حتى هبط منه .

    فإن قيل: ما معنى فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقد علم ذلك عند انضمام العشر إلى الثلاثين؟ .

    فالجواب من وجوه . أحدها: أنه للتأكيد . والثاني: ليدل أن العشر ليال ، لا ساعات . والثالث: لينفي تمام الثلاثين بالعشر أن تكون من جملة الثلاثين ، لأنه يجوز أن يسبق إلى الوهم أنها كانت عشرين ليلة فأتمت بعشر . وقد بينا في سورة (البقرة:51) لماذا كان هذا الوعد .

    قوله تعالى: وأصلح قال ابن عباس : مرهم بالإصلاح . وقال مقاتل: ارفق .
    ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول [ ص: 256 ] المؤمنين قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين قوله تعالى: ولما جاء موسى لميقاتنا قال الزجاج ، أي: للوقت الذي وقتنا له وكلمه ربه أسمعه كلامه ، ولم يكن فيما بينه وبين الله عز وجل فيما سمع أحد . قال رب أرني أنظر إليك أي: أرني نفسك .

    قوله تعالى: قال لن تراني تعلق بهذا نفاة الرؤية وقالوا:"أن" لنفي الأبد ، وذلك غلط ، لأنها قد وردت وليس المراد بها الأبد في قوله: ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم [البقرة:95] ثم أخبر عنهم بتمنيه في النار بقوله: يا مالك ليقض علينا ربك [الزخرف:77] ولأن ابن عباس قال في تفسيرها: لن تراني في الدنيا . وقال غيره: هذا جواب لقول موسى: "أرني" ولم يرد: أرني في الآخرة ، وإنما أراد في الدنيا ، فأجيب عما سأل . وقال بعضهم: لن تراني بسؤالك . وفي هذه الآية دلالة على جواز الرؤية ، لأن موسى مع علمه بالله تعالى ، سألها ، ولو كانت مما يستحيل لما جاز لموسى أن يسألها ، ولا يجوز أن يجهل موسى مثل ذلك ، لأن معرفة الأنبياء بالله ليس فيها نقص ، ولأن الله تعالى لم ينكر عليه المسألة وإنما منعه من الرؤية ، ولو استحالت عليه لقال: "لا أرى" ألا ترى أن نوحا لما قال: إن ابني من أهلي [هود:45] أنكر عليه بقوله: إنه ليس من أهلك [هود:45] . ومما يدل على جواز الرؤية أنه علقها باستقرار الجبل ، وذلك جائز غير مستحيل ، فدل على أنها جائزة ، ألا ترى أن دخول الكفار الجنة لما استحال علقه بمستحيل فقال: حتى يلج الجمل في سم الخياط [الأعراف:40] .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #237
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (237)
    صــ257 إلى صــ 262




    قوله تعالى: فإن استقر مكانه أي: ثبت ولم يتضعضع . [ ص: 257 ] قوله تعالى: فلما تجلى ربه قال الزجاج : ظهر ، وبان . جعله دكا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر:" دكا" منونة مقصورة هاهنا وفي (الكهف:98) وقرأ عاصم: "دكا" ها هنا منونة مقصورة ، وفي دكاء ممدودة غير منونة وقرأ حمزة والكسائي: "دكاء" ممدودة غير منونة في الموضعين . قال أبو عبيدة: "جعله دكا" أي: مندكا ، والدك: المستوي; والمعنى: مستويا مع وجه الأرض ، يقال: ناقة دكاء ، أي: ذاهبة السنام مستو ظهرها . قال ابن قتيبة: كأن سنامها دك ، أي: التصق ، قال: ويقال: إن أصل دككت: دققت ، فأبدلت القاف كافا لتقارب المخرجين . وقال أنس بن مالك في قوله: "جعله دكا" ساخ الجبل . قال ابن عباس : واسم الجبل: زبير وهو أعظم جبل بمدين ، وإن الجبال تطاولت ليتجلى لها ، وتواضع زبير فتجلى له .

    قوله تعالى: وخر موسى صعقا فيه قولان .

    أحدهما: مغشيا عليه ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وابن زيد .

    والثاني: ميتا ، قاله قتادة ، ومقاتل ، والأول أصح ، لقوله: فلما أفاق وذلك لا يقال للميت . وقيل: بقي في غشيته يوما وليلة

    قوله تعالى: سبحانك تبت إليك فيما تاب منه ثلاثة أقوال .

    أحدها: سؤاله الرؤية ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثاني: من الإقدام على المسألة قبل الإذن فيها . والثالث: اعتقاد جواز رؤيته في الدنيا .

    وفي قوله: وأنا أول المؤمنين قولان . [ ص: 258 ] أحدهما: أنك لن ترى في الدنيا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

    والثاني: أول المؤمنين من بني إسرائيل ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

    قوله تعالى: إني اصطفيتك فتح ياء "إني" ابن كثير ، وأبو عمرو . وقرأ ابن كثير ، ونافع: "برسالتي" قال الزجاج : المعنى اتخذتك صفوة على الناس برسالاتي وبكلامي ، ولو كان إنما سمع كلام غير الله لما قال:" برسالاتي وبكلامي" لأن الملائكة تنزل إلى الأنبياء بكلام الله .
    وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين

    قوله تعالى: وكتبنا له في الألواح من كل شيء في ماهية الألواح سبعة أقوال .

    أحدها: أنها زبرجد ، قاله ابن عباس . والثاني: ياقوت ، قاله سعيد بن جبير ، والثالث زمرد أخضر ، قاله مجاهد . والرابع: برد ، قاله أبو العالية .

    والخامس: خشب ، قاله الحسن . والسادس: صخر ، قاله وهب بن منبه . والسابع: زمرد وياقوت ، قاله مقاتل . وفي عددها أربعة أقوال .

    أحدها: سبعة ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني: لوحان ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفراء . قال: وإنما سماها الله تعالى ألواحا ، على مذهب العرب في إيقاع الجمع على التثنية ، كقوله: وكنا لحكمهم شاهدين [الأنبياء:78] يريد داود وسليمان ، وقوله: فقد صغت قلوبكما والثالث: عشرة ، قاله وهب . والرابع: تسعة ، قاله مقاتل .

    وفي قوله: من كل شيء قولان . أحدهما: من كل شيء يحتاج إليه في دينه من الحلال والحرام والواجب وغيره . والثاني: من الحكم والعبر .

    [ ص: 259 ] قوله تعالى: موعظة أي: نهيا عن الجهل . وتفصيلا أي: تبيينا لكل شيء من الأمر والنهي والحدود والأحكام .

    قوله تعالى: فخذها بقوة فيه ثلاثة أقوال .

    أحدها: بجد وحزم ، قاله ابن عباس . والثاني: بطاعة ، قاله أبو العالية . والثالث: بشكر ، قاله جويبر .

    قوله تعالى: وأمر قومك يأخذوا بأحسنها إن قيل: كأن فيها ما ليس بحسن؟ فعنه جوابان .

    أحدهما: أن المعنى: يأخذوا بحسنها ، وكلها حسن ، قاله قطرب . وقال ابن الأنباري: ناب "أحسن" عن "حسن" كما قال الفرزدق:


    إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول


    أي: عزيزة طويلة . وقال غير: "الأحسن" هاهنا صلة ، والمعنى: يأخذوا بها .

    والثاني: أن بعض ما فيها أحسن من بعض . ثم في ذلك خمسة أقوال .

    أحدها: أنهم أمروا فيها بالخير ونهوا عن الشر ، ففعل الخير هو الأحسن .

    والثاني: أنها اشتملت على أشياء حسنة بعضها أحسن من بعض ، كالقصاص والعفو والانتصار والصبر ، فأمروا أن يأخذوا بالأحسن ، ذكر القولين الزجاج .

    فعلى هذا القول ، يكون المعنى أنهم يتبعون العزائم والفضائل ، وعلى الذي قبله ، يكون المعنى: أنهم يتبعون الموصوف بالحسن وهو الطاعة ، ويجتنبون الموصوف بالقبح وهو المعصية .

    والثالث: أحسنها: الفرائض والنوافل ، وأدونها في الحسن: المباح .

    [ ص: 260 ] والرابع: أن يكون للكلمة معنيان أو ثلاثة ، فتصرف إلى الأشبه بالحق .

    والخامس: أن أحسنها: الجمع بين الفرائض والنوافل .

    قوله تعالى: سأريكم دار الفاسقين فيها أربعة أقوال .

    أحدها: أنها جهنم ، قاله الحسن ، ومجاهد . والثاني: أنها دار فرعون وقومه ، وهي مصر ، قاله عطية العوفي . والثالث: أنها منازل من هلك من الجبابرة والعمالقة ، يريهم إياها عند دخولهم الشام ، قاله قتادة . والرابع: أنها مصارع الفاسقين ، قاله السدي . ومعنى الكلام: سأريكم عاقبة من خالف أمري ، وهذا تهديد للمخالف ، وتحذير للموافق .
    سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون

    قوله تعالى: سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق في هذه الآية قولان .

    أحدهما: أنها خاصة لأهل مصر فيما رأوا من الآيات . والثاني: أنها عامة ، وهو أصح . وفي الآيات قولان .

    أحدهما: أنها آيات الكتب المتلوة . ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها: أمنعهم فهمها . والثاني: أمنعهم من الإيمان بها . والثالث: أصرفهم عن الاعتراض عليها بالإبطال . [ ص: 261 ] والثاني: أنها آيات المخلوقات كالسماء والأرض والشمس والقمر وغيرها ، فيكون المعنى: أصرفهم عن التفكر والاعتبار بما خلقت . وفي معنى يتكبرون قولان .

    أحدهما: يتكبرون عن الإيمان واتباع الرسول .

    والثاني: يحقرون الناس ويرون لهم الفضل عليهم .

    قوله تعالى: وإن يروا سبيل الرشد قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم: " سبيل الرشد " بضم الراء خفيفة . وقرأ حمزة ، والكسائي: " سبيل الرشد " بفتح الراء والشين مثقلة .

    قوله تعالى: ذلك بأنهم قال الزجاج : فعل الله بهم ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ، أي: كانوا في تركهم الإيمان بها والتدبر لها بمنزلة الغافلين . ويجوز أن يكون المعنى: وكانوا عن جزائها غافلين .
    واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين

    قوله تعالى: للمقات . من حليهم قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: " من حليهم " بضم الحاء . وقرأ حمزة ، والكسائي: "حليهم" بكسر الحاء . وقرأ يعقوب: بفتحها وسكون اللام وتخفيف الياء . والحلي: جمع حلي ، مثل ثدي وثدي ، وهو اسم لما يتحسن به من الذهب والفضة . قال الزجاج : ومن كسر الحاء من "حليهم" أتبع الحاء كسر اللام . والجسد: هو الذي لا يعقل ولا يميز ، إنما هو بمعنى الجثة فقط . قال ابن الأنباري: ذكر الجسد دلالة على [ ص: 262 ] عدم الروح منه ، وأن شخصه شخص مثال وصورة ، غير منضم إليهما روح ولا نفس . فأما الخوار ، فهو صوت البقرة ، يقال: خارت البقرة تخور ، وجأرت تجأر; وقد نقل عن العرب أنهم يقولون في مثل صوت الإنسان من البهائم رغا البعير وجرجر وهدر وقبقب ، وصهل الفرس وحمحم ، وشهق الحمار ونهق ، وشحج البغل ، وثغت الشاة ويعرت ، وثأجت النعجة ، وبغم الظبي ونزب ، وزأر الأسد ونهت ونأت ، ووعوع الذئب ، ونهم الفيل ، وزقح القرد ، وضبح الثعلب ، وعوى الكلب ونبح ، وماءت السنور ، وصأت الفأرة ، ونغق الغراب معجمة الغين ، وزقأ الديك وسقع ، وصفر النسر ، وهدر الحمام . وهدل ، ونقضت الضفادع ونقت ، وعزفت الجن . قال ابن عباس : كان العجل إذا خار سجدوا ، وإذا سكت رفعوا رؤوسهم . وفي رواية أبي صالح عنه: أنه خار خورة واحدة ولم يتبعها مثلها ، وبهذا قال وهب ، ومقاتل . وكان مجاهد يقول: خواره حفيف الريح فيه; وهذا يدل على أنه لم يكن فيه روح . وقرأ أبو رزين العقيلي ، وأبو مجلز: "له جوار" بجيم مرفوعة .

    قوله تعالى: ألم يروا أنه لا يكلمهم أي: لا يستطيع كلامهم . ولا يهديهم سبيلا أي: لا يبين لهم طريقا إلى حجة . "اتخذوه" يعني اتخذوه إلها . وكانوا ظالمين قال ابن عباس : مشركين .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #238
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (238)
    صــ263 إلى صــ 268



    ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين

    قوله تعالى: ولما سقط في أيديهم أي: ندموا . قال الزجاج : يقال للرجل النادم على ما فعل ، المتحسر على ما فرط: قد سقط في يده ، وأسقط في يده .

    وقرأ ابن السميفع ، وأبو عمران الجوني: "سقط" بفتح السين . قال الزجاج : والمعنى: ولما سقط الندم في أيديهم ، يشبه ما يحصل في القلب وفي النفس بما يرى بالعين . قال المفسرون: هذا الندم منهم إنما كان بعد رجوع موسى .

    قوله تعالى: لئن لم يرحمنا ربنا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم: يرحمنا ربنا ويغفر لنا بالياء والرفع . وقرأ حمزة ، والكسائي: "ترحمنا" " وتغفر لنا " بالتاء "ربنا" بالنصب .

    قوله تعالى: غضبان أسفا في الأسف ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنه الحزين ، قاله ابن عباس ، والحسن ، والسدي . والثاني: الجزع ، قاله مجاهد . والثالث: أنه الشديد الغضب ، قاله ابن قتيبة ، والزجاج . وقال أبو الدرداء: الأسف: منزلة وراء الغضب أشد منه .

    [ ص: 264 ] قوله تعالى: قال أي: لقومه بئسما خلفتموني من بعدي فتح ياء "بعدي" أهل الحجاز ، وأبو عمرو; والمعنى: بئس ما عملتم بعد فراقي من عبادة العجل . أعجلتم أمر ربكم قال الفراء: يقال: عجلت الأمر والشيء: سبقته ، ومنه هذه الآية . وأعجلته: استحثثته . قال ابن عباس : أعجلتم ميعاد ربكم فلم تصبروا له؟! قال الحسن: يعني وعد الأربعين ليلة .

    قوله تعالى: وألقى الألواح التي فيها التوراة . وفي سبب إلقائه إياها قولان .

    أحدهما: أنه الغضب حين رآهم قد عبدوا العجل ، قاله ابن عباس .

    والثاني: أنه لما رأى فضائل غير أمته من أمة محمد صلى الله عليه وسلم اشتد عليه ، فألقاها ، قاله قتادة ، وفيه بعد . قال ابن عباس : لما رمى بالألواح فتحطمت ، رفع منها ستة أسباع ، وبقي سبع .

    قوله تعالى: وأخذ برأس أخيه في ما أخذ به من رأسه ثلاثة أقوال .

    أحدها: لحيته وذؤابته . والثاني: شعر رأسه . والثالث: أذنه . وقيل: إنما فعل به ذلك ، لأنه توهم أنه عصى الله بمقامه بينهم وترك اللحوق به ، وتعريفه ما أحدثوا بعده ليرجع إليهم فيتلافاهم ويردهم إلى الحق ، وذلك قوله: ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني

    قوله تعالى: ابن أم قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم: "قال ابن أم" نصبا . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم: بكسر الميم ، وكذلك في [طه:94] . قال الزجاج : من فتح الميم ، فلكثرة استعمال هذا الاسم ، ومن كسر ، أضافه إلى نفسه بعد أن جعله اسما واحدا ، ومن العرب من يقول: "يا ابن أمي" بإثبات الياء . قال الشاعر: [ ص: 265 ]


    يا ابن أمي ويا شقيق نفسي أنت خليفتي لدهر شديد


    وقال أبو علي: يحتمل أن يريد من فتح: "يا ابن أم" أما ، ويحذف الألف ، ومن كسر: "ابن أمي" فيحذف الياء . فإن قيل: لم قال "يا ابن أم" ولم يقل: "يا ابن أب"؟ فالجواب أن ابن عباس قال: كان أخاه لأبيه وأمه ، وإنما قال له ذلك ليرفقه عليه . قال أبو سليمان الدمشقي: والإنسان عند ذكر الوالدة أرق منه عند ذكر الوالد . وقيل: كان لأمه دون أبيه ، حكاه الثعلبي .

    قوله تعالى: إن القوم يعني عبدة العجل . استضعفوني أي: استذلوني . فلا تشمت بي الأعداء قرأ عبد الله بن عباس ، ومالك بن دينار ، وابن عاصم: " فلا تشمت" بتاء مفتوحة مع فتح الميم ، "الأعداء" بالرفع . وقرأ مجاهد ، وأبو العالية ، والضحاك ، وأبو رجاء: "فلا تشمت" بفتح التاء وكسر الميم ، "الأعداء" بالنصب . وقرأ أبو الجوزاء ، وابن أبي عبلة مثل ذلك ، إلا أنهما رفعا "الأعداء" . ويعني بالأعداء: عبدة العجل . ولا تجعلني في موجدتك وعقوبتك لي مع القوم الظالمين وهم عبدة العجل . فلما تبين له عذر أخيه قال رب اغفر لي

    قوله تعالى: وذلة في الحياة الدنيا فيها قولان .

    أحدهما: أنها الجزية ، قاله ابن عباس . والثاني ما أمروا به من قتل أنفسهم ، قاله الزجاج . فعلى الأول يكون ما أضيف إليهم من الجزية في حق أولادهم ، لأن [ ص: 266 ] أولئك قتلوا ولم يؤدوا جزية . قال عطية: وهذه الآية فيما أصاب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء لتوليهم متخذي العجل ورضاهم به .

    قوله تعالى: وكذلك نجزي المفترين قال ابن عباس : كذلك أعاقب من اتخذ إلها دوني . وقال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلا وهو يجد فوق رأسه ذلة ، وقرأ هذه الآية . وقال سفيان بن عيينة: ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه قال: وهي في كتاب الله تعالى . قالوا: وأين هي؟ قال: أوما سمعتم قوله: إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا قالوا: يا أبا محمد ، هذه لأصحاب العجل خاصة ، قال كلا ، اتل ما بعدها . وكذلك نجزي المفترين فهي لكل مفتر ومبتدع إلى يوم القيامة .
    والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم

    قوله تعالى: والذين عملوا السيئات فيها قولان .

    أحدهما: أنها الشرك . والثاني: الشرك وغيره من الذنوب . ثم تابوا من بعدها يعني السيئات . وفي قوله: وآمنوا قولان .

    أحدهما: آمنوا بالله ، وهو يخرج على قول من قال: هي الشرك .

    والثاني: آمنوا بأن الله تعالى يقبل التوبة . إن ربك من بعدها يعني السيئات .
    ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون

    قوله تعالى: ولما سكت عن موسى الغضب وقرأ ابن عباس ، وأبو عمران [ ص: 267 ] "سكت" بفتح السين وتشديد الكاف وبتاء بعدها "الغضب" بالنصب . وقرأ سعيد بن جبير ، وابن يعمر ، والجحدري "سكت" بضم السين وتشديد الكاف مع كسرها . وقرأ ابن مسعود ، وعكرمة ، وطلحة "سكن" بنون . قال الزجاج "سكت" بمعنى سكن ، يقال: سكت يسكت سكتا: إذا سكن ، وسكت يسكت سكتا وسكوتا: إذا قطع الكلام . قال: وقال بعضهم: المعنى . ولما سكت موسى عن الغضب ، على القلب ، كما قالوا: أدخلت القلنسوة في رأسي . والمعنى: أدخلت رأسي في القلنسوة ، والأولى هو قول أهل العربية .

    قوله تعالى: أخذ الألواح يعني التي كان ألقاها . وفي قوله: وفي نسختها قولان .

    أحدهما: وفيما بقي منها; قاله ابن عباس . والثاني: وفيما نسخ فيهما; قاله ابن قتيبة .

    قوله تعالى: للذين هم لربهم يرهبون فيهم قولان .

    أحدهما: أنه عام في الذين يخافون الله ، وهو معنى قول ابن عباس .

    والثاني: أنهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهو معنى قول قتادة .
    واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين

    قوله تعالى: واختار موسى قومه المعنى: اختار من قومه ، فحذف [ ص: 268 ] "من" تقول العرب: اخترتك القوم ، أي: اخترتك من القوم ، وأنشدوا:


    منا الذي اختير الرجال سماحة وجودا إذا هب الرياح الزعازع


    هذا قول ابن قتيبة ، والفراء ، والزجاج . وفي هذا الميقات أربعة أقوال .

    أحدها: أنه الميقات الذي وقته الله لموسى ليأخذ التوراة ، أمر أن يأتي معه بسبعين ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال نوف البكالي .

    والثاني: أنه ميقات وقته الله تعالى لموسى ، وأمره أن يختار من قومه سبعين رجلا ليدعو ربهم ، فدعوا فقالوا: اللهم أعطنا ما لم تعط أحدا قبلنا ، ولا تعطيه أحدا بعدنا ، فكره الله ذلك ، وأخذتهم الرجفة; رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

    والثالث: أنه ميقات وقته الله لموسى ، لأن بني إسرائيل قالوا له: إن طائفة تزعم أن الله لا يكلمك ، فخذ معك طائفة منا ليسمعوا كلامه فيؤمنوا فتذهب التهمة ، فأوحى الله إليه أن اختر من خيارهم سبعين ، ثم ارتق بهم على الجبل أنت وهارون ، واستخلف يوشع بن نون ، ففعل ذلك; قاله وهب بن منبه .

    والرابع: أنه ميقات وقته الله لموسى ليلقاه في ناس من بني إسرائيل ، فيعتذر إليه من فعل عبدة العجل ، قاله السدي . وقال ابن السائب: كان موسى لا يأتي إلا بإذن منه .

    فأما الرجفة فهي الحركة الشديدة . وفي سبب أخذها إياهم أربعة أقوال .

    أحدها: أنه ادعاؤهم على موسى قتل هارون; قاله علي بن أبي طالب .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #239
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (239)
    صــ269 إلى صــ 274




    [ ص: 269 ] والثاني: اعتداؤهم في الدعاء ، وقد ذكرناه في رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

    والثالث: أنهم لم ينهوا عبدة العجل ولم يرضوا; نقل عن ابن عباس . وقال قتادة ، وابن جريج: لم يأمروهم بالمعروف ، ولم ينهوهم عن المنكر ، ولم يزايلوهم .

    والرابع:" أنهم طلبوا استماع الكلام من الله تعالى ، فلما سمعوه قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة [البقرة:55]; قاله السدي وابن إسحاق .

    قوله تعالى: قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي قال السدي: قام موسى يبكي ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي قال الزجاج : لو شئت أمتهم قبل أن تبتليهم بما أوجب عليهم الرجفة . وقيل: لو شئت أهلكتهم من قبل خروجنا وإياي ، فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتهمونني .

    قوله تعالى: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا قال المبرد: هذا استفهام استعطاف ، أي: لا تهلكنا . وقال ابن الأنباري: هذا استفهام على تأويل الجحد ، أراد: لست تفعل ذلك . و"السفهاء" هاهنا: عبدة العجل . وقال الفراء: ظن موسى أنهم أهلكوا باتخاذ أصحابهم العجل . وإنما أهلكوا بقولهم: أرنا الله جهرة .

    قوله تعالى: إن هي إلا فتنتك فيها قولان .

    أحدهما: أنها الابتلاء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وأبو العالية .

    والثاني: العذاب ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال قتادة .

    قوله تعالى: أنت ولينا أي: ناصرنا وحافظنا .
    [ ص: 270 ] واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون

    قوله تعالى: واكتب لنا أي: حقق لنا وأوجب في هذه الدنيا حسنة وهي الأعمال الصالحة وفي الآخرة المغفرة والجنة إنا هدنا إليك أي: تبنا ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي . وقال ابن قتيبة: ومنه " الذين هادوا " [البقرة:62] كأنهم رجعوا من شيء إلى شيء . وقرأ أبو وجزة السعدي: إنا هدنا بكسر الهاء . قال ابن الأنباري: المعنى: لا تتغير; يقال: هاد يهود ويهيد .

    قوله تعالى: قال عذابي أصيب به من أشاء . وقرأ الحسن البصري ، والأعمش ، وأبو العالية: من أساء بسين غير معجمة مع النصب .

    [ ص: 271 ] قوله تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء في هذا الكلام أربعة أقوال .

    أحدها: أن مخرجه عام ومعناه خاص ، وتأويله: ورحمتي وسعت المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى: فسأكتبها للذين يتقون ، قاله ابن عباس .

    والثاني: أن هذه الرحمة على العموم في الدنيا ، والخصوص في الآخرة; وتأويلها: ورحمتي وسعت كل شيء في الدنيا ، البر والفاجر ، وفي الآخرة وفي الآخرة هي للمتقين خاصة ، قاله الحسن ، وقتادة . فعلى هذا ، معنى الرحمة في الدنيا للكافر أنه يرزق ويدفع عنه ، كقوله في حق قارون: وأحسن كما أحسن الله إليك [القصص:77] .

    والثالث: أن الرحمة التوبة ، فهي على العموم ، قاله ابن زيد .

    والرابع: أن الرحمة تسع كل الخلق ، إلا أن أهل الكفر خارجون منها ، فلو قدر دخولهم فيها لوسعتهم ، قاله ابن الأنباري . قال الزجاج : وسعت كل شيء في الدنيا . فسأكتبها للذين يتقون في الآخرة . قال المفسرون: معنى فسأكتبها فسأوجبها . وفي الذين يتقون قولان .

    أحدهما: أنهم المتقون للشرك ، قاله ابن عباس . والثاني: للمعاصي ، قاله قتادة . وفي قوله: ويؤتون الزكاة قولان . أحدهما: أنها زكاة الأموال ، قاله الجمهور .

    والثاني: أن المراد بها طاعة الله ورسوله ، قاله ابن عباس والحسن ، ذهبا [ ص: 272 ] إلى أنها العمل بما يزكي النفس ويطهرها . وقال ابن عباس ، وقتادة: لما نزلت ورحمتي وسعت كل شيء قال إبليس: أنا من ذلك الشيء ، فنزعها الله من إبليس ، فقال: فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون فقالت اليهود: نحن نتقي ، ونؤتي الزكاة ، ونؤمن بآيات ربنا ، فنزعها الله منهم ، وجعلها لهذه الأمة ، فقال: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي . وقال نوف: قال الله تعالى لموسى: أجعل لكم الأرض طهورا ومسجدا ، وأجعل السكينة معكم في بيوتكم ، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهور قلوبكم ، يقرؤها الرجل منكم ، والمرأة ، والحر ، والعبد ، والصغير ، والكبير ، فأخبر موسى قومه بذلك ، فقالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس والبيع ، ولا أن تكون السكينة إلا في التابوت ، ولا أن نقرأ التوراة إلا نظرا ، فقال الله تعالى: فسأكتبها للذين يتقون إلى قوله: المفلحون وفي هؤلاء المذكورين في قوله: للذين يتقون ويؤتون الزكاة إلى قوله: المفلحون قولان .

    أحدهما: أنهم كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتبعه ، قاله ابن عباس .

    والثاني: أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي ، وقتادة . وفي تسميته بالأمي قولان . أحدهما: لا يكتب . والثاني: لأنه من أم القرى .

    قوله تعالى: الذي يجدونه مكتوبا عندهم أي: يجدون نعته ونبوته .

    قوله تعالى: يأمرهم بالمعروف قال الزجاج : يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون يجدونه مكتوبا عندهم أنه يأمرهم بالمعروف . قال ابن عباس : المعروف: مكارم الأخلاق ، وصلة الأرحام . والمنكر: عبادة الأوثان ، وقطع الأرحام . وقال مقاتل: المعروف: الإيمان ، والمنكر: الشر . وقال غيره: المعروف: الحق ، لأن العقول تعرف صحته ، والمنكر: الباطل ، لأن العقول تنكر صحته .

    [ ص: 273 ] وفي الطيبات أربعة أقوال .

    أحدها: أنها الحلال ، والمعنى: يحل لهم الحلال . والثاني: أنها ما كانت العرب تستطيبه . والثالث: أنها الشحوم المحرمة على بني إسرائيل ، والرابع: ما كانت العرب تحرمه من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام .

    وفي الخبائث ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنها الحرام ، والمعنى: ويحرم عليهم الحرام .

    والثاني: أنها ما كانت العرب تستخبثه ولا تأكله ، كالحيات ، والحشرات .

    والثالث: ما كانوا يستحلونه من الميتة ، والدم ولحم الخنزير .

    قوله تعالى: ويضع عنهم إصرهم قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي صرهم وقرأ ابن عامر آصارهم ممدودة الألف على الجمع . وفي هذا الإصر قولان .

    أحدهما: أنه العهد الذي أخذ الله على بني إسرائيل أن يعملوا بما في التوراة ، قاله ابن عباس .

    والثاني: التشديد الذي كان عليهم من تحريم السبت ، وأكل الشحوم والعروق ، وغير ذلك من الأمور الشاقة ، قاله قتادة . وقال مسروق: لقد كان الرجل من بني إسرائيل يذنب الذنب ، فيصبح وقد كتب على باب بيته: إن كفارته أن تنزع عينيك فينزعهما .

    قوله تعالى: والأغلال التي كانت عليهم قال الزجاج : ذكر الأغلال تمثيل ، ألا ترى أنك تقول: جعلت هذا طوقا في عنقك ، وليس هناك طوق ، [ ص: 274 ] إنما جعلت لزومه كالطوق . والأغلال: أنه كان عليهم أن لا يقبل منهم في القتل دية ، وأن لا يعملوا في السبت ، وأن يقرضوا ما أصاب جلودهم من البول .

    قوله تعالى: فالذين آمنوا به يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وعزروه وروى أبان "وعزروه" بتخفيف الزاي . وفي المعنى قولان .

    أحدهما: نصروه وأعانوه ، قاله مقاتل .

    والثاني: عظموه قاله ابن قتيبة . والنور الذي أنزل معه: القرآن ، سماه نورا ، لأن بيانه في القلوب كبيان النور في العيون . وفي قوله "معه" قولان .

    أحدهما: أنها بمعنى "عليه" .

    والثاني: بمعنى أنزل في زمانه . قال قتادة: أما نصره ، فقد سبقتم إليه ، ولكن خيركم من آمن به واتبع النور الذي أنزل معه .

    قوله تعالى: الذي يؤمن بالله وكلماته في الكلمات قولان .

    أحدهما: أنها القرآن ، قاله ابن عباس . وقال قتادة: كلماته: آياته .

    والثاني: أنها عيسى ابن مريم ، قاله مجاهد ، والسدي .

    ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون

    قوله تعالى: ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق فيه قولان .

    أحدهما: يدعون إلى الحق . والثاني: يعملون به .

    قوله تعالى: وبه يعدلون قال الزجاج : وبالحق يحكمون . وفي المشار إليهم بهذا ثلاثة أقوال .

    أحدها: أنهم قوم وراء الصين لم تبلغهم دعوة الإسلام . قاله ابن عباس ، والسدي . والثاني: أنهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل ابن سلام وأصحابه ، قاله [ ص: 275 ] ابن السائب . والثالث: أنهم الذين تمسكوا بالحق في زمن أنبيائهم ، ذكره الماوردي .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #240
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,522

    افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



    تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
    جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
    الجزء الثالث
    سُورَةُ الْأَعْرَافِ
    الحلقة (240)
    صــ275 إلى صــ 280




    وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون

    قوله تعالى: وقطعناهم يعني قوم موسى ، يقول: فرقناهم "اثنتي عشرة أسباطا" يعني أولاد يعقوب ، وكانوا اثنى عشر ولدا ، فولد كل واحد منهم سبطا . قال الفراء: وإنما قال اثنتي عشرة والسبط ذكر ، لأن بعده "أمما" فذهب بالتأنيث إلى الأمم ، ولو كان اثني عشر لتذكير السبط ، كان جائزا . وقال الزجاج : المعنى: وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة ، "أسباطا" نعت "فرقة" كأنه يقول: جعلناهم أسباطا وفرقناهم أسباطا فيكون "أسباطا" بدلا من اثنتي عشرة وأمما من نعت أسباط . والأسباط في ولد إسحاق بمنزلة القبائل ليفصل بين ولد إسماعيل وبين ولد إسحاق . وقال أبو عبيدة: الأسباط: قبائل بني إسرائيل ، واحدهم: سبط . ويقال: من أي سبط أنت؟ أي: من أي قبيلة وجنس؟

    قوله تعالى: فانبجست منه قال ابن قتيبة: انفجرت; يقال: تبجس الماء ، كما يقال: تفجر; والقصة مذكورة في [سورة البقرة:58-60] .

    [ ص: 276 ] قوله تعالى: نغفر لكم خطاياكم قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي: نغفر لكم خطيئاتكم بالتاء مهموزة على الجمع . وقرأ أبو عمرو نغفر لكم خطاياكم مثل: قضاياكم ، ولا تاء فيها . وقرأ نافع "تغفر" بالتاء مضمومة خطيئاتكم بالهمز وضم التاء ، على الجمع ، وافقه ابن عامر في "تغفر" بالتاء المضمومة ، لكنه قرأ خطيئتكم على التوحيد .
    واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون

    قوله تعالى: واسألهم يعني أسباط اليهود ، وهذا سؤال تقرير وتوبيخ يقررهم على قديم كفرهم ، ومخالفة أسلافهم الأنبياء ، ويخبرهم بما لا يعلم إلا بوحي وفي القرية خمسة أقوال .

    أحدها: أنها أيلة ، رواه مرة عن ابن مسعود ، وأبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والسدي .

    والثاني: أنها مدين ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

    والثالث: أنها ساحل مدين ، روي عن قتادة .

    والرابع: أنها طبرية ، قاله الزهري .

    والخامس: أنها قرية يقال لها: مقنا ، بين مدين وعينونا ، قاله ابن زيد . ومعنى حاضرة البحر مجاورة البحر وبقربه وعلى شاطئه . إذ يعدون قال الزجاج : أي: يظلمون ، يقال: عدا فلان يعدو عدوانا وعداء وعدوا وعدوا إذا ظلم ، وموضع "إذ" نصب; والمعنى: سلهم عن وقت عدوهم في السبت . إذ تأتيهم حيتانهم في موضع نصب أيضا بـ "يعدون" والمعنى: سلهم إذ عدوا [ ص: 277 ] في وقت الإتيان . شرعا أي: شرعا: ظاهرة . كذلك نبلوهم أي: مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم بفسقهم . ويحتمل على بعد أن يكون المعنى ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك ، أي: لا تأتيهم شرعا; ويكون نبلوهم مستأنفا . وقرأ الحسن ، والأعمش ، وأبان ، والمفضل عن عاصم: يسبتون بضم الياء .
    وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون

    قوله تعالى: وإذ قالت أمة منهم قال المفسرون: افترق أهل القرية ثلاث فرق; فرقة صادت وأكلت ، وفرقة نهت وزجرت ، وفرقة أمسكت عن الصيد ، وقالت للفرقة الناهية: لم تعظون قوما الله مهلكهم لاموهم على موعظة قوم يعلمون أنهم غير مقلعين ، فقالت الفرقة الناهية: معذرة إلى ربكم قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي: معذرة رفعا ، أي: موعظتنا إياهم معذرة ، والمعنى أن الأمر بالمعروف واجب علينا ، فعلينا موعظة هؤلاء عذرا إلى الله . وقرأ حفص عن عاصم: معذرة نصبا ، وذلك على معنى نعتذر معذرة . ولعلهم يتقون أي: وجائز أن ينتفعوا بالموعظة فيتركوا المعصية .
    فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم

    قوله تعالى: فلما نسوا ما ذكروا به يعني: تركوا ما وعظوا به أنجينا [ ص: 278 ] الذين ينهون عن السوء وهم الناهون عن المنكر . والذين ظلموا هم المعتدون في السبت .

    قوله تعالى: بعذاب بئيس قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: بئيس على وزن فعيل ، فالهمزة بين الباء والياء . وقرأ نافع: "بيس" بكسر الباء من غير همز . وقرأ ابن عامر كذلك ، إلا أنه همز . وروى خارجة عن نافع: "بيس" بفتح الباء من غير همز ، على وزن "فعل" . وروى أبو بكر عن عاصم: "بيأس" على وزن "فيعل" . وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وأيوب: "بيآس" على وزن "فيعال" . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، ومعاذ القارئ: "بئس" بفتح الباء وكسر الهمزة من غير ياء على وزن "نعس" . وقرأ الضحاك ، وعكرمة: "بيس" بتشديد الياء مثل "قيم" . وقرأ أبو العالية ، وأبو مجلز: "بئس" بفتح الباء والسين وبهمزة مكسورة من غير ياء ولا ألف على وزن "فعل" وقرأ أبو المتوكل ، وأبو رجاء: "بائس" بألف ومدة بعد الباء وبهمزة مكسورة بوزن "فاعل" قال أبو عبيدة: البئيس: الشديد ، وأنشد:


    حنقا علي وما ترى لي فيهم أثرا بئيسا


    وقال الزجاج : يقال: بئس يبأس بأسا ، والعاتي: الشديد الدخول في الفساد ، المتمرد الذي لا يقبل موعظة . وقال ابن جرير: فلما عتوا أي: تمردوا فيما نهوا عنه; وقد ذكرنا في سورة [البقرة:65] قصة مسخهم . وكان الحسن البصري يقول: والله ما لحوم هذه الحيتان بأعظم عند الله من دماء قوم مسلمين .

    قوله تعالى: وإذ تأذن ربك فيه أربعة أقوال .

    [ ص: 279 ] أحدها: أعلم ، قاله الحسن ، وابن قتيبة ، وقال: هو من آذنتك بالأمر .

    وقال ابن الأنباري: تأذن بمعنى آذن; كما يقال: تعلم أن فلانا قائم ، أي: اعلم . وقال أبو سليمان الدمشقي: أي: أعلم أنبياء بني إسرائيل . والثاني: حتم ، قاله عطاء . والثالث: وعد ، قاله قطرب . والرابع: تألى ، قاله الزجاج .

    قوله تعالى: ليبعثن عليهم أي: على اليهود . وقال مجاهد: على اليهود والنصارى بمعاصيهم . من يسومهم أي: يوليهم سوء العذاب . وفي المبعوث عليهم قولان . أحدهما: أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته ، قاله ابن عباس . والثاني: العرب ، كانوا يجبونهم الخراج ، قاله سعيد بن جبير ، قال: ولم يجب الخراج نبي قط إلا موسى ، جباه ثلاث عشرة سنة ، ثم أمسك إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقال السدي: بعث الله عليهم العرب يأخذون منهم الجزية ويقتلونهم . وفي سوء العذاب أربعة أقوال .

    أحدها: أخذ الجزية ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني: المسكنة والجزية ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث: الخراج ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير . والرابع: أنه القتال حتى يسلموا ، أو يعطوا الجزية .
    وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون

    قوله تعالى: وقطعناهم في الأرض أمما قال أبو عبيدة: فرقناهم فرقا . قال ابن عباس : هم اليهود ، ليس من بلد إلا وفيه منهم طائفة . وقال مقاتل: هم بنو إسرائيل . وقيل: معناه شتات أمرهم وافتراق كلمتهم . منهم الصالحون وهم المؤمنون بعيسى ومحمد عليهما السلام . ومنهم دون ذلك وهم الكفار . وقال ابن جرير: إنما كانوا على هذه الصفة قبل أن يبعث عيسى ، وقبل ارتدادهم .

    [ ص: 280 ] قوله تعالى: وبلوناهم أي: اختبرناهم بالحسنات وهي الخير ، والخصب ، والعافية ، والسيئات وهي الجدب ، والشر ، والشدائد; فالحسنات والسيئات تحث على الطاعة ، أما النعم فطلب الازدياد منها ، وخوف زوالها ، والنقم فلكشفها ، والسلامة منها ، لعلهم يرجعون أي: لكي يتوبوا .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •