يذكر ابن هشام عن ابن إسحاق قوله: «.. وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة، مع ما أراد الله بها من كرامته، فلما أخبرها ميسرةُ بما أخبرها به بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له – فيما يزعمون – يا ابن عمّ، إني قد رغبت فيك لقرابتك، وسِطَتِك في قومك وأمانتك وحُسن خُلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة يومئذ أوساط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، كلّ قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر عليه[1].
نسب خديجة رضي الله عنها:
وخديجة ذات شرف رفيع من أعلى نساء قريش نسبا وحسبا، فهي: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العُزّى بن قصُيّ بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر. وأمها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر... من بني لؤي بن غالب بن فهر. فهي في قمة نساء قريش نسبا وحسبا[2]. ولقد لُقّبت «الطاهرة» لشرفها وأخلاقها العالية السامية وفطرتها النقية الطاهرة[3].
الخطبة والزواج والنسل الشريف:
ويذكر ابن هشام أن الهادي البشير صلى الله عليه وسلم ذكر ما قالته خديجة لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب، حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه، فتزوجها... وأصدقها صلى الله عليه وسلم عشرين بكره – أي عشرين أوقية فضة – وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت رضي الله عنها، وقد أنجبت أولاده كلهم عدا إبراهيم، أنجبت له القاسم، وبه كان يُكنّى صلى الله عليه وسلم، والطاهر، والطيب، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة رضي الله عنهم.
فأما القاسم، والطيب، والطاهر فهلكوا في الجاهلية، وأما بناته كلهن فقد أدركن الإسلام، فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم.
وأم إبراهيم هي مارية «القبطية» سُرِّية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أهداها له المقوقس عظيم مصر من حفن من كورة أنصنا[4].
هذا، وقد ذكر الطبري، عن ابن عباس، أن عمها عمرو بن أسد زوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن أبها مات قبل حرب الفجار[5].
بينما ذكر ابن سعد في طبقاته[6] أن التي قامت بدور الخاطبة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين خديجة، هي نفيسة بنت مُنَية أرسلتها خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم لتقوم بذلك. ففي حديث روته أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت مُنّية قالت: كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العُزّى بن قُصّي امرأة حازمة جلدة، شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا، وكلّ قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال، فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع من عيرها من الشام، فقالت: يا محمد ما يمنعك أن تزوّج؟ فقال: «ما بيدي ما أتزوّج به»، قلت: فإن كُفِيتَ ذلك ودُعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: «فما هي»؟ قلت: خديجة، قال: «وكيف لي بذلك؟» قالت: قُلت: عليّ، قال: «فأنا أفعل»، فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا وكذا، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوّجها، فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته، فزوّجه أحدهم، فقال عمرو بن أسد: هذا البُضع لا يُقرع أنفه، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة، وُلدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة[7].
وهذه الرواية هي أصح من السابقة وتتناسب مع مكانة المرأة الشريفة، حيث أنها لا تعرض نفسها بصورة مباشرة على من تريد أن تزوجه، ولكن ترسل إليه من يعبر عن رغبتها بطريق غير مباشر[8].
هذا، وقد ذكر ابن سعد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، وعن عكرمة عن ابن عباس: قالوا: إن عمها عمرو زوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أباها مات قبل الفجار[9] وهذا ما أكده ابن سعد[10].
أولاده صلى الله عليه وسلم:
أنجب الهادي البشير صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها – كما ذكرنا – البنين والبنات، فكلّ أولاده منها – عدا إبراهيم عليه السلام من مارية القبطية – إلا أن الذكور ماتوا جميعا وهم في سن الطفولة، أما الإناث فقد حضرن معه جهاده لنشر الدعوة الإسلامية، وتوفين جميعا في حياته – عدا فاطمة توفيت بعده بستة أشهر رضي الله عنهن جميعا.
وفي رواية عن ابن سعد[11] عن ابن عباس قال: كان أول من وُلد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوّة: القاسم، وبه كان يكنّى، ثم وُلد له زينب، ثم رُقيّة، ثم فاطمة، ثم أم كلثوم[12]، ثم وُلد له في الإسلام عبد الله فُسمّي الطيب، والطاهر، وأمهم جميعا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قُصي..، فكان أول من مات من ولده القاسم، ثم مات عبد الله بمكة، فقال العاص بن وائل السهمي – وهو من كفار مكة – قد انقطع ولده فهو أبتر، فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3].
هذا، وقد مات القاسم وهو ابن سنتين، وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب تقبّل خديجة وأولادها، وكانت رضي الله عنها تعقّ عن كل غلام بشاتين، وعن الجارية بشاة، وكان بين كل ولدين لها سنة، وكانت تسترضع لهم وتُعدّ ذلك قبل ولادتها[13].
---------------------
[1] انظر: السيرة لابن هشام ج1 ص188، 189، وتاريخ الطبري ج2 ص281، والبداية والنهاية لابن كثير ج2 ص699.
[2] السيرة ج1 ص189.
[3] انظر: المصعب الزبيري: نسب قريش ج7 ص230، ج9 ص333، القاهرة، دار المعارف، 1982م، وابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص16، القاهرة، دار المعارف، 1982م، وأيضا ترجمتها في الاستيعاب والإصابة وأسد الغابة. وأمهات المؤمنين «ضمن موسوعة الصحابيات» للمؤلفةص89 – 103.
[4] السيرة ج1 ص190 – 191، الطبري ج2 ص281 – 282، البداية والنهاية ج2 ص199.
[5] الطبري المصدر السابق.
[6] ج1 ص105.
[7] المصدر السابق لابن سعد ج1 ص105.
[8] المؤلفة.
[9] طبقات ابن سعد ج1 ص105.
[10] المصدر السابق ص106.
[11] طبقات ابن سعد ج1 ص106، طبعة بيروت، دار الكتب العلمية ط1، 1410هـ/ 1990م.
[12] من المعروف أن فاطمة رضي الله عنها هي أصغر من أم كلثوم «المؤلفة» راجع ذلك في المراجع الأخرى، وأيضا كتاب «أمهات المؤمنين وبنات الهادي البشير محمد صلى الله عليه وسلم» ضمن موسوعة «صحابيات الهادي البشير محمد صلى الله عليه وسلم» الكتاب الأول، طبعة دار الفكر العربي بالقاهرة، 2002م، الفصل الثالث «ص187 – 217».
[13] طبقات ابن سعد ج1 ص106 – 107.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/141951/#ixzz6XuaPE0KL