غيرة أخت زوجتي أفسدت حياتنا
أجاب عنها : سعد العثمان

السؤال:
السَّلام عليكم، لدي مشكلة، وهي أنَّني أنا أكبر إخواني، وأنا الوحيد سعودي وموظَّف، وحالتي الماديَّة ميسورة -ولله الحمد والمنَّة- لديَّ أربعة إخوة، أنا كفيلهم، وبمنزلة الوالد لهم، أحبُّهم كثيراً، أساعدهم بمالي، وزوجتي راضية، ولا تتدخل لأنِّي موفِّر لها ولأولادي العيش الكريم، لكن! أحد إخواني متزوِّج أخت زوجتي، وهي أكبر من زوجتي، وأقلُّ جمالاً من زوجتي أيضاً. وعندما بنيت بيتاً، تشاورت مع زوجتي لعمل شقَّتين لأخويَّ الذين يصغرونني مباشرة، وأحدهما المتزوِّج أخت زوجتي، كنت أنا وزوجتي نعاملهم بكلِّ حسن نيَّة، ونشاركهما في الهدايا، واستقبال أهل زوجتي، ونقوم أنا وزوجتي بكلِّ تكاليف الضِّيافة ولو كانا هما اللَّذين دعَوا أرحامنا لزيارتنا، وكنَّا نضغط على ظروفنا لنتواجد، ونفتح شقَّتنا لأنَّها واسعة، ونتحمَّل كلَّ تكاليف المناسبة، ولكن! تطوَّر الأمر إلى نقل كلامٍ وقصص غير صحيحة عنَّا، حتَّى أخذت أمُّ زوجتي وأهلها انطباعاً غير صحيح عنَّا, اكتشفت أنَّ أخت زوجتي (زوجة أخي) عندها من الغيرة والحسد عليَّ وعلى زوجتي الشَّيء الكثير.
فكيف أعالج الأمر، والأمور تزداد سوءاً، وبفضل الله، زوجتي تحاول معي في السَّيطرة على عدم حدوث مشاكل ظاهرة، وتتجنَّب كلَّ ما يسبِّب الخلاف. المشكلة لها أكثر من ثمان سنوات، ونتمنَّى الآن لو ينقلوا بعيداً، لأنَّ العلاقة كانت ممتازة عندما كانوا ساكنين بعيداً عنَّا، ونحن عندما قرَّرنا أن يشاركونا السَّكن، نيَّتنا إعانتهم على عدم دفع إيجار، ولم نأخذ ريالاً واحداً، ونسأل الله الأجر والإخلاص.







الجواب:
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
ألخِّصُ لك -أخي الفاضل- جواب استشارتك في النِّقاط الآتية:
أولاً: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يجعلنا أهلاًّ لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
ثانياً: تذكُر أخي أنَّك أكبر إخوتك سنَّاً، وأحسنهم وضعاً مادِّيَّاً، وأنَّك تحبُّهم وتعاملهم معاملة الوالد لولده، وتؤازرك في ذلك زوجتك الصَّالحة التي تعينك على برِّهم وصلة رحمهم، حتَّى بلغ حبُّك لأخوين الضَّعيفين الفقيرين أن بنيت لهما شقَّتين بجوارك ليسكنا فيهما مجَّاناً، ولكن! بسبب قرب زوجة أخيك التي هي أخت زوجتك، وفيها مرض الغيرة والحسد، قامت بفعلٍ سيءٍ أدَّى إلى أن يأخذ أهل زوجتك عنك وعن زوجتك انطباعاً سيئاً، مع أنَّك تكرم الجميع وتحسن للجميع، وتقوم بإكرام أرحامك من طرف زوجتك، في كلِّ مرَّة يقدمون لزيارتكم، مع كون الدَّاعي لهم هو أخوك وزوجته، وتذكر أنَّه لما كان أخوك " عديلك " وزوجته بعيدين عنكما كانت العلاقة طيِّبة بينكما، وتتمنَّى لو ابتعدا عنكما في السَّكن، خاصَّة وكون المشكلة لها ثمانية أعوام، لا تقلق -أخي الفاضل- كلُّ مشكلة ولها حلٌّ، ولست الوحيد الذي تعاني من نكران الجميل والمعروف، ومن المعاملة السَّيئة من أقرب النَّاس إليك، أمَا قال الأوَّل: وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة على النَّفس من وقع الحسام المهنَّد


ثالثاً: ( بالصَّبْر الظَّفَر ).
عن أبي هُريرة -رضي اللهُ عنهُ- أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! إنَّ لي قرابة أصلهم ويقطعُوني، وأحسن إليهم ويُسيئون إليَّ، وأحلمُ عنهم ويجهلون عليَّ! فقال : (لئن كُنتَ كما قلتَ، فكأنَّما تُسفُّهم الملَّ، ولا يزالُ معك من الله تعالى ظهيرٌ عليهم ما دُمتَ على ذلك) رواه مسلم.
انظر أخي قول المصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام: ( ولا يزال معك من الله تعالى ظهير ما دم على ذلك ) فأقول لك أخي المبارك: اصبر وصابر واحتسب، والله يناصرك ويؤيِّدك ويؤازرك، والأجر على قدر المشقَّة والتَّعب، وستكون -بعون الله- الفائز والمنتصر في الدُّنيا والآخرة.


رابعاً: ( أمسك عليك زوجك ).
زوجتك زوجة صالحة، وهي كنز من كنوز الدُّنيا، فحافظ عليها أشدَّ المحافظة، فالمرأة التي تُعين زوجها على طاعة الله والخير، وصلة الأرحام، وتربية الأولاد تربية صالحة، هذه المرأة مكانها أن توضع على الرَّأس والعين، وحاوِّل من خلال زوجتك أن تتَّفق مع أختها " زوجة أخيك " على نقاط معيَّنة يسيران عليها، في طريقة التَّعامل مع الأطراف كلِّها، وحثَّهما على فتح صفحة جديدة مع الجميع، وأن ننس الماضي، ولا نذكره أبداً، وأن يبدأن حياتهما من جديد، فنحن أبناء اليوم.


خامساً: ( مَنْ خدم يُخدم ).
خدمتك ومعاونتك ومساعداتك لإخوتك الأربعة عزٌّ وفخرٌ ومجد لك، واحمد الله أن جعل في يدك المال لتنفق منه عليهم، وهيَّأ لك الفرصة لخدمتهم وتقبُّلهم لهذه الخدمة، والمال ميَّال، والحياة دول، فقدِّم اليوم لتحصد غداً، وبادر في فعل الخير ولا تسوِّف، وثق ثقة تامَّة ستجد حبَّة الخردل موجودة عند المحصي جلَّ جلاله، ومن خدم في الخير قيَّض الله له من يخدمه، ومن فعل الخير لا يُعدم جوازيه.
سادساً: ( أنفِق ينفِق الله عليك ).
أهل المعروف في الدُّنيا هم أهل المعروف في الآخرة، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لبلال رضي الله عنه، عندما وجده يدَّخر تمراً: (أَنْفِقْ بِلالُ وَلا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلالاً ) فما تقوم به أخي من إنفاق على أرحامك من جهة زوجتك، من إكرام وهدايا وطلاقة وجه، لا تندم عليه، ولا تحسب بأنَّه خسارة عليك، بل هذا هو الرِّبح بعينه، فالبيت الذي تطؤه أقدام الأرحام مرحوم، وكلُّ فلس تنفقه على أرحامك مخلوف، ولا تندمنَّ على فعل خير فعلته، مهما كانت المعوِّقات والمثبِّطات، فإذا لم يقدِّر النَّاس عملك وفعلك، يكفيك الله يشكر فعلك، ويجزيك ويأجرك ويثيبك.


سابعاً: ( تعامل مع الله ).
إذا أردت أن يهون عليك مصابك بنكران جميلك، وبقلب ظهر المجنِّ من طرف حبيبك وقريبك، فما عليك إلا أن تتعامل مع الله لا معه، وردِّد دائماً في نفسك، وخاصَّة عند حدوث موقف ما منه: خذ بيد أخيك إلى الجنَّة، فإن أبى فانج بنفسك من النَّار، إلهي! ماذا وجد من فقدك ؟ وماذا فقد من وجدك؟ إلهي! إذا كنت معي، فمن عليَّ ؟ وإذا كنت عليَّ، فمن معي ؟. هذه العبارات مجرَّبة إذا ردَّدتها تجلو عنك الهمَّ والغمَّ، ونكران المعروف والجميل.
ثامناً: ابذل قصارى جهدك أن يكون أخوك جارك، ففي ذلك فوائد جمَّة دينيَّة ودنيويَّة، واستعن في صلاح أمر أخيك وزوجته بكلِّ مَنْ تجد فيه تأثير عليهما، من الوالد، والوالدة، والإخوة، والأخوات، والأقارب، والمشايخ، والعلماء، وأهل زوجتك، فإن وصلت إلى طريق مسدود، ووجدَّت الرَّاجح هو بعده عنك، واستئجاره لمنزل بعيد عنك أريح وأفضل، فاستخر الله، وشاوِّر أخاك بينك وبينه، واشرح له بكلِّ هدوء وسكينة وتؤدة وجهة نظرك، قل لأخيك: إنَّك تحبُّه حبَّاً جمَّاً، ولحبِّك له، وحرصك على بقاء الحبِّ بينكما، وبقاء المودَّة والألفة، أرى أن تختصَّ ببيت منفصل عنَّا، ترتاح ونرتاح من الحساسيَّات والمشاكل، وأرجوك أن تتقبَّل منِّي أن أقوم بدفع إيجار الشُّقَّة الجديدة لك، وحبَّذا لو أجَّرت شقَّته لرجل صالح، وأخذت قيمة إيجار الشُّقَّة، وأكرمت أخاك بدفع أجرة الشُّقَّة الجديدة منها، إذا توافقتما على خروجه بدون عتب ولا غضب، وحاوِّل أن تستأجر له شقَّة في نفس الحيِّ قريبة نوعاً ما من بيتك، فتكونوا منفصلين متَّصلين، فالله تعالى يقول في حقِّ الزَّوجين المتخاصمين: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾النسا : 130.


تاسعاً: ( الدُّعاء هو العبادة ).
ادع الله، وتخيَّر أوقات الإجابة، وتضرَّع إلى الله بهذا الدُّعاء، قل: اللهمَّ يا أرحم الرَّاحمين! يا أرحم الرَّاحمين! يا أرحم الرَّاحمين! يا رجاء السَّائلين! يا أمان الخائفين! يا منَّان! يا رحيم! يا رحمن! يا حيُّ! يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! برحمتك أستغيث، ورحمتك أرجو، أصلح لي شأني كلَّه، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا أقلَّ من ذلك، اللهمَّ أصلح أمري مع أهلي، وولدي، وإخوتي، وقرابتي، وأرحامي، والنَّاس أجمعين.