![](https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg)
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (326)
صــــــــــ 333 الى صـــــــــــ 339
الحجة في هذا؟ قيل السنة، فإن قال وأين السنة؟ قلنا إذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وفي العين خمسون» ، فإن أصاب الصحيح عين الأعور أصاب عينا أو عينين، فإن قال عينا قلنا فإنما جعل رسول الله في العين خمسين فمن جعل فيها أكثر من الخمسين فقد خالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قال فهل من حجة أكثر من هذا قلنا لا أكثر من السنة هي الغاية وما دونها تبع لها، فإن قال ففيها زيادة؟ قيل نعم موجود في السنة إذا كان في العين خمسون وفي العينين مائة فإذا كانتا إذا فقئتا معا كانت فيهما مائة فما بالهما إذا فقئتا معا يكون في كل واحدة منهما خمسون وإذا فقئت إحداهما بعد ذهاب الأخرى كانت فيها مائة أزاد تفرق الجناية في عقلها أو خالف تفريق الجناية بينهما أورأيت لو أن رجلا أقطع اليد والرجلين قطعت يده الباقية أليس إن جعلنا فيه خمسين فقد جعلناها في جميع ما في بطشه ووافقنا السنة ولم نزد على الجاني غير جنايته وإن جعلنا فيها مائة من الإبل كنا قد جعلنا عليه ما لم يجن وخالفنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليد.
والله سبحانه أعلم.
[باب ما لا يجب فيه أرش معلوم]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - في العين القائمة إذا فقئت وفي اليد الشلاء إذا قطعت وفي كل نافذة في عضو من الأعضاء أنه ليس في شيء من ذلك أرش معلوم وفي ذلك كله حكومة عدل أخبرني أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في العين القائمة واليد الشلاء والرجل العرجاء واللسان الأخرس وذكر الخصي حكومة عدل وقال بعض أهل المدينة بمثل قول أبي حنيفة منهم مالك بن أنس قال نرى في ذلك الاجتهاد وقال بعضهم في العين القائمة إذا فقئت مائة دينار وكل نافذة من عضو من الأعضاء ثلث دية ذلك العضو (قال الشافعي) : وفي ذكر الخصي الدية، وكذلك ذكر الرجل تقطع أنثياه ويبقى ذكره تاما كما هو، فإن قال قائل ما الحجة؟ قيل أرأيت الذكر إذا كانت فيه دية أبخبر لازم هي، فإن قال نعم قيل ففي الخبر اللازم أنه ذكر غير خصي، فإن قال لا قيل فلم خالفتم الخبر؟ ، فإن قال لأنه لا يحبل قيل أفرأيت الصبي يقطع ذكره أو الشيخ الذي قد انقطع عنه أمر النساء أو المخلوق خلقا ضعيفا لا يتحرك، فإن زعم أن في هذه الدية فقد جعلوها فيما لا يحبل ولا يجامع به وذكر الخصي يجامع به أشد ما كان الجماع قط ولا أعلم في الذكر نفسه منفعة إلا مجرى البول والجماع وهما قائمان وجماعه أشد من جماع غير الخصي فأمر الولد شيء ليس من الذكر إنما هو بمني يخرج من الصلب قال الله عز وجل {يخرج من بين الصلب والترائب} [الطارق: 7] ويخرج فيكون ولا يكون ومن أعجب قول أبي حنيفة أنه زعم إن قطع أولا ثم قطعت الأنثيان بعد ففي الذكر الدية وفي الأنثيين الدية وإن قطعت الأنثيان قبل
، ثم قطع الذكر ففي الأنثيين الدية وفي الذكر حكومة عدل، فإن قالوا فإنما أبطلنا الدية في الذكر إذا ذهب الأنثيان لأن أداته التي يحبل بها الأنثيان فهل في الأنثيين منفعة أو جمال غير أنهما أداة للذكر، فإن قالوا لا.
قيل لهم أرأيتم الذكر إذا استؤصل فعلمنا أنه لا يبقى منه شيء يصل إلى فرج امرأة فتحبل به لم زعمتم أن في الأنثيين الدية إذ الأنثيان إذا كانتا أداة الذكر أولى أن لا يكون فيهما دية لأنه لا منفعة فيهما ولا جمال إلا أن تكونا أداة للذكر وقد ذهب الذكر والذكر فيه منفعة بالجماع فأبطلتم فيه الدية وفيه منفعة وهو الذي له الأداة وأثبتموها في الأنثيين اللتين لا منفعة فيهما وإنما هما أداة لغيرهما وقد بطلتا بأن ذهب الشيء الذي هما أداة له والذكر لا يبطل بذهاب أداته لأنه يجامع به وتنال منه، فإن قالوا فإنما جعلناها على الأسماء
والأنثيان قائمتان قيل فهكذا الذكر قائم وهكذا احتججنا نحن وأنتم في التسوية بين الأصابع والشفتين والعينين وكل ما لزمه الاسم ولم نلتفت إلى منافعهما كذا كان ينبغي لكم أن تقفوا في الذكر وهكذا قلنا وأنتم اليد اليمنى الباطشة الكاتبة الرفيقة كاليد اليسرى الضعيفة التي لا تبطش ولا تكتب فأما العين القائمة فإن مالكا أخبرنا عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين القائمة بمائة دينار وأصل ما تذهبون إليه زعمتم أن لا تخالفوا الواحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلو قلتم في العين القائمة إذا فقئت مائة دينار كنتم وافقتم زيد بن ثابت إذ لم نعلم أحدا خالفه فإذا قلتم قد يحتمل قول زيد بن ثابت أن يكون اجتهد فيها فرأى الاجتهاد فيها قدر خمسها قيل فقد يحتمل ذلك ويحتمل أن يكون حكم به فأما كل نافذة في عضو فلا أعلم أحدا قال هذا أكثر من سعيد بن المسيب وجراح البدن مخالفة جراح الرأس فيها حكومة، فإن قال قائل فما الحجة في أن جراح البدن مخالفة جراح الرأس؟ قيل قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الموضحة بخمس من الإبل وكان الذي أحفظ عن بعض من أحفظ عنه ممن لقيت أن الموضحة إنما تكون في الوجه والرأس والوجه رأس كله لأنه إذا قطع قطعا معا وإن كان يتفرق في الوضوء وكأن الرأس إذا ذهب ذهب الوجه فلو قست الموضحة في الضلع على الموضحة في الرأس قضيت بنصف عشر بعير لأني أقضي في الضلع إذا كسر ببعير وذلك أني أقضي في الرأس إذا كسر ولم يكن مأموما بعشر من الإبل فيدخل على أحد إن قال هذا القول أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الموضحة بخمس من الإبل، فإن زعم أن الموضحة في البدن داخلة في الموضحة التي قضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الاسم يجمعهما دخل عليه أن يخالف ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قاس الموضحة في الجسد أو يخالف القياس فيقول قولا محالا فيجعل في الموضحة في الضلع خمسا من الإبل والضلع نفسه لو كسر لم يكن فيه إلا بعير وفي اليد الشلاء ولسان الأخرس حكومة (قال الربيع) حفظي عن الشافعي أن في كل ما دون الموضحة من الجراح وفي الضلع والترقوة حكومة.
[باب دية الأضراس]
قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - في كل ضرس خمس من الإبل مقدم الفم ومؤخره سواء وقال بعض أهل المدينة مثل قول أبي حنيفة منهم مالك بن أنس وقال بعضهم في كل ضرس بعير وروى بعضهم أن سعيدا قال لو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء.
أخبرنا محمد بن أبان بن صالح القرشي عن حماد عن النخعي في الأسنان في كل سن نصف العشر مقدم الفم ومؤخره سواء.
أخبرنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن مروان بن الحكم أرسله إلى ابن عباس يسأله ما في الضرس فقال ابن عباس إن فيه خمسا من الإبل قال فردني مروان إلى ابن عباس فقال أفتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال ابن عباس لولا أنك لا تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء.
أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن شريح قال الأسنان عقلها سواء في كل سن نصف عشر الدية.
وأخبرنا بكير بن عامر عن الشعبي أنه قال الأسنان كلها سواء في كل سن نصف عشر الدية (قال الشافعي) : وفي الأضراس خمس خمس والأضراس أسنان، فإن قال قائل ما الحجة فيما قلت؟ قيل له قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «وفي السن خمس من الإبل» فكانت الضرس سنا في فم لا تخرج من اسم السن، فإن قيل فقد تسمى باسم دون السن قيل، وكذلك الثنيتان يميزان من
الرباعيتين والرباعيتان تميزان من الثنيتين، فإن كنت إنما تفرق بينها بالتمييز فاجعل أي هذا شئت سنا واحكم في غيره أقل أو أكثر منه، فإن قال لا، هي عظام بادية الجمال والمنفعة مجتمعة مخلوقة في الفم قيل وهكذا الأضراس وهكذا الأصابع مجتمعة في كف متباينة الأسماء من إبهام ومسبحة ووسطى وبنصر وخنصر
، ثم استوى بينها من قبل جماع الأصابع مع تباين منفعتها والضرس أنفع في المأكول من الثنيتين، والثنيتان أنفع في إمساك اللسان من الضرس فأما ما ذهب إليه محمد بن الحسن فلو لم تكن فيه حجة غير قول شريح وإبراهيم والشعبي لم يكونوا عنده حجة فأما ما روي عن ابن عباس فلو ذهب غيره إلى أن عمر يخالفه هل كانت عليه حجة بتقليد ابن عباس إلا وعليه له بتقليد عمر حجة.
[باب جراح العبد]
قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - كل شيء يصاب به العبد من يد أو رجل أو عين أو موضحة أو منقلة أو مأمومة أو غير ذلك فهو من قيمته على مقدار ذلك من الحر في كل قليل أو كثير له أرش معلوم من الحر السن والموضحة وما سوى ذلك ففي موضحته أرشها نصف عشر قيمته وفي يده نصف قيمته، وكذلك عينه وفي المأمومة والجائفة ثلث قيمته وفي منقلته عشر ونصف عشر قيمته وقال أهل المدينة في موضحة العبد نصف عشر ثمنه وفي منقلته عشر ونصف العشر من ثمنه ومأمومته وجائفته في كل واحد منهما ثلث ثمنه فوافقوا أبا حنيفة في هذه الخصال الأربع وقالوا فيما سوى ذلك ما نقص من ثمنه قال محمد بن الحسن كيف جاز لأهل المدينة أن يتحكموا في هذا فيختاروا هذه الخصال الأربع من بين الخصال؟ أرأيت لو أن أهل البصرة قالوا فنحن نزيد خصلتين أخريين وقال أهل الشام فإنا نزيد ثلاث خصال أخر ما الذي يرد به عليهم فينبغي أن ينصف الناس ولا يتحكم فيقول قولوا بقولي ما قلت من شيء إلا أن يأتي أهل المدينة فيما قالوا من هذا بأثر فتنقاد له وليس عندهم في هذا أثر يفرقون به بين هذه الأشياء فلو كان عندهم جاءونا به فما سمعنا من آثارهم فإذا لم يكن هذا فينبغي الإنصاف فإما أن يكون هذا على ما قال أبو حنيفة في الأشياء كلها وإما أن تكون الأشياء كلها شيئا واحدا فيكون في ذلك كله من هذه الخصال أو غيرها ما نقص من العبد من قيمته (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه (قال الشافعي) : وبقول ابن المسيب نقول فقال لي بعض من يخالفني فيه نقول يقوم العبد سلعة فما نقصت جراحته من ثمنه كان في جراحته كما نقول ذلك في المتاع أرأيت إذ كنت تزعم أن عقل العبد في ثمنه بالغا ما بلغ فلم لم تقل هكذا في البعير يقتل والمتاع يهلك؟ قلت قلته من قبل ما يلزمك مثله زعمت أن دية المرأة نصف دية الرجل وأن جراحها بقدر ديتها كجراح الرجل في قدر ديته وقلت لغيره ممن يخالفنا من أصحابنا أنت تزعم أن دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة ثم تزعم أن جراحهم في دياتهم كجراح الحر في ديته فلما كنا نحن وأنتم نقول دية العبد ثمنه خبرا لم يكن يجوز أن يقال في جراحه إلا هكذا لأنا لم نبطل الجراح باختلاف الديات.
قال فهل يجامع البعير والمتاع في رقبته بثمنه؟ قلنا نعم ديته ثمنه وهي قيمته وهكذا الحر يجامع البرذون فيكون ثمنه مثل دية الحر ولكنه في البرذون قيمته.
، فإن قال ما فرق بينهما؟ ولم قسته على الحر دون الدابة قلنا بما لا تخالفنا فيه مما يدل عليه كتاب الله قضى الله في النفس تقتل خطأ بدية مسلمة إلى
أهل المقتول وتحرير رقبة وقضى بمثل ذلك في المعاهد فجعلنا نحن وأنت في المسلم والذمي رقبتين والديتان مختلفتان وكل دية.
، وكذلك جعلنا نحن وأنت في المرأة والرجل رقبتين وديتاهما مختلفتان.
، فإن زعمت أن العبد إذا قتل كان على قاتله رقبة مؤمنة يعتقها فإنما جعل الله تعالى الرقبة في القتل حيث ذكر الله الدية وإنما الرقبة في النفس مع القيمة والمتاع قيمة لا رقبة معها أورأيت لو لم يكن عليه من الدلالة ما وصفت وجهلنا هذا أو عمينا عنه فكان يجامع البعير في أن فيه قيمة وفي المتاع قيمة ويجامع الأحرار في أن فيه كفارة وفي أن العبد إذا قتل العبد كان بينهما قصاص وإذا جرحه كان بينهما قصاص عندنا وفي أن عليه ما على الحر في بعض الحدود وأن عليه الفرائض من الصوم والصلاة والكف عن المحارم ألم يكن الواجب على العالمين إذا كان آدميا أن يقيسوه على الآدميين ولا يقيسوه على البهائم ولا على المتاع وأصل ما يذهب إليه أهل العلم بالقياس أن يقولوا لو كان شيء له أصلان وآخر لا أصل فيه فأشبه الذي لا أصل فيه أحد الأصلين في معنيين والآخر في معنى كان الذي أشبهه في معنيين أولى أن يقاس عليه من الذي أشبهه في معنى واحد فهو آدمي مجامع للآدميين فيما وصفت وليس من البهائم ولا المتاع الذي لا فرض عليه بسبيل (قال الشافعي) : وهذه الحجة على أصحابنا وعلى من يخالفنا من أصحاب أبي حنيفة - رحمه الله - في بعض هذا وليس من شيء يدخل عليهم في أصل قولهم إلا الجراح ويلزمهم أكثر منه لأنهم يقصون العبد من الحر في النفس أما من قال من أصحابنا موضحته ومأمومته ومنقلته وجائفته في ثمنه كجراح الحر في ديته فهذا لا معنى لقوله ولقد خرج فيه من جميع أقاويل بني آدم من القياس والمعقول وإنه ليلزمه ما قال محمد وأكثر منه وإنه خالف ما روي عن ابن شهاب عن سعيد بن شهاب عن سعيد بن المسيب فإنه روي عنه ما وصفنا من أن عقل العبد في ثمنه وروي عن غيره ولا نراه أراد إلا المدنيين أنهم قالوا يقوم سلعة فلا هو قومه سلعة ولا هو جعل عقله في ثمنه فخرج من قول المتفقين والمختلفين.
[باب القصاص بين المماليك]
قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا قصاص بين المماليك فيما بينهم إلا في النفس وقال أهل المدينة القصاص بين المماليك كهيئته بين الأحرار نفس الأمة بنفس العبد وجرحها كجرحه.
وقال أبو حنيفة إذا قتل عبد عبدا متعمدا فلمولى العبد المقتول القصاص وليس له غير ذلك إلا أن يعفو، فإن عفا رجع العبد القاتل إلى مولاه ولا سبيل لمولى العبد المقتول عليه.
وقال أهل المدينة مولى العبد المقتول بالخيار، فإن شاء قتل وإن شاء أخذ العقل، فإن أخذ العقل أخذ قيمة عبده وإن شاء رب العبد القاتل أعطى ثمن المقتول وإن شاء أسلم عبده فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد القاتل أن يقتله وذلك كله في القصاص بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل.
قال محمد بن الحسن إذا قتل العبد العبد عمدا وجب عليه القصاص ينبغي لمن قال هذا الوجه أن يقول في الحر يقتل الحر عمدا أن ولي المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية.
أرأيتم إذا أراد أن يأخذ الدية فقال القاتل اقتل أو دع ليس لك غير ذلك فأبى ولي المقتول أن يقتل أله أن يأخذ الدية؟ أورأيت لو أن رجلا حرا قطع يد رجل حر عمدا فقال المقطوعة يده آخذ دية العبد فقال القاطع اقطع أو دع
أكان يجبر القاطع على أن يعطيه دية اليد ليس هذا بشيء وليس له إلا القصاص إما أن يأخذ وإما أن يعفو قال الله عز وجل في كتابه {أن النفس بالنفس والعين بالعين} [المائدة: 45] .
(قرأ الربيع) إلى {والجروح قصاص} [المائدة: 45] فما أستطيع فيه القصاص فليس فيه إلا القصاص كما قال الله عز وجل وليس فيه دية ولا مال وما كان من خطأ فعليه ما سمى الله في الخطأ من الدية المسلمة إلى أهله فمن حكم بغير هذا فهو مدع فعليه البينة في نفس العبد وغير ذلك فمن وجب له القصاص في عبد أو حر لم يكن له أن يصرفه إلى عقل ومن وجب له عقل فليس له أن يصرفه إلى قود في حر ولا مملوك فمن فرق بين المملوك في هذا وبين الحر فليأت عليه بالبرهان من كتاب الله عز وجل الناطق ومن السنة المعروفة (قال الشافعي) : قال الله تعالى {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] إلى {لعلكم تتقون} [البقرة: 179] وقال الشافعي فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول كان في أهل الإنجيل إذا قتلوا العقل ولم يكن فيهم قصاص وكان في أهل التوراة القصاص ولم يكن فيهم دية فحكم الله عز وجل في هذه الأمة بأن في العمد الدية إن شاء الولي أو القصاص إن شاء فأنزل الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] إلى قوله {لعلكم تتقون} [البقرة: 179] (قال الشافعي) : وذلك والله أعلم بين في التنزيل مستغنى به عن التأويل وقد ذكر عن ابن عباس بعضه ولم أحفظ عنه بعضه فقال والله أعلم في كتاب الله عز وجل إنه أنزل فيما فيه القصاص وكان بينا أن ذلك إلى ولي الدم لأن العفو إنما هو لمن له القود وكان بينا أن قول الله عز وجل {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} [البقرة: 178] أن يعفو ولي الدم القصاص ويأخذ المال لأنه لو كان ولي الدم إذا عفا القصاص لم يبق له غيره لم يكن له إذا ذهب حقه ولم تكن دية يأخذها شيء يتبعه بمعروف ولا يؤدى إليه بإحسان.
وقال الله عز وجل {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} [البقرة: 178] فكان بينا أنه تخفيف القتل بأخذ المال.
وقال {ولكم في القصاص حياة} [البقرة: 179] أن يمتنع بها من القتل فلم يكن المال إذا كان الولي في حال يسقط عنه القود إذا أراد.
قال وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في تفسير هذه الآية شبيها بما وصفت في أحد المعنيين ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل معناه أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا العقل وإن أحبوا فلهم القود» أخبرنا الثقة عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله أو مثل معناه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : الكتاب والسنة معا يدلان دلالة لا إشكال فيها أن لولي الدم أن يقتص أو يعفو القتل ويأخذ المال، أي ذلك شاء أن يفعل فعل ليس إلى القاتل من ذلك شيء وإذا كان هذا في النفس كان فيما دون النفس من الجراح هكذا وكان ذلك للرجل في عبده فإذا قتل عبد رجل فسيده بالخيار بين أن يقتل أو يكون له قيمة عبده المقتول في عنق العبد القاتل، فإن أداها سيد العبد القاتل متطوعا فليس لسيد العبد إلا ذلك إذا عفا القصاص وإن أبى سيد العبد القاتل أن يؤديها لم يجبر عليها وبيع العبد القاتل، فإن كان ثمنه أقل من قيمة العبد المقتول أو ثمنه فليس لسيد العبد المقتول إلا ذلك وإن كان فيه فضل رد على سيد العبد القاتل.
قال وإذا بان الفضل في العبد القاتل خير سيد العبد بين أن يباع بعضه حتى يوفى هذا ثمنه ويبقى هذا على ما بقي من ملكه أو يباع كله فيرد عليه فضله وأحسبه سيختار بيعه كله لأن ذلك أكثر لثمنه.
وكل نفسين أبدا قتلت إحداهما بالأخرى جعلت القصاص بينهما فيما دون النفس لأني إذا جعلت القصاص في النفس التي هي أكثر كان جميع
البدن فأنا مضطر إلى أن أقيد في الأقل من البدن إلا أن يكون فيه خبر يلزم يخالف هذا ولا خبر فيه يلزم يخالف هذا والكتاب يدل على هذا وذلك أن الله عز وجل حين ذكر القصاص جملة قال {النفس بالنفس والعين بالعين} [المائدة: 45] إلى {والجروح قصاص} [المائدة: 45] وقد احتج بهذا محمد بن الحسن على أصحابنا وهو حجة عليه وذلك أنه يقال له إن كان العبد ممن دخل في هذه الآية فلم يفرق الله بين القصاص في الجروح والنفس وإن كان غير داخل في هذه الآية فاجعل العبدين بمنزلة البعيرين لا يقتص أحدهما من الآخر فأما ما أدخل محمد بن الحسن على من أدخل عليه من أصحابنا من أنهم جعلوا لسيد العبد الخيار في أن يقتل أو يأخذ ثمن عبده ولم يجعلوا ذلك في الأحرار ولا فرق بين العبيد والأحرار فكما قال يدخل عليه منه ما أدخل غير أنهم قد أصابوا في العبد الكتاب والسنة وإن كانوا قد غفلوا عنهما في الأحرار وهو غفل عنه فيهما جميعا واحتج محمد بن الحسن بأن الله تبارك وتعالى ذكر في العمد القصاص وفي الخطأ الدية
، ثم زعم أن من جعل في العمد الدية فقد خالف حكم الله، فإن كان هذا كما ذكر كان ممن قد دخل في خلاف حكم الله من قبل أنه إذا كان زعم من حكم الله أن لا يكون في عمد مال فإنما أنزله بمنزلة الحدود التي يقذف بها المرء فلا يكون عليه مال بقذفه إنما يكون عليه عقوبة في بدنه فيلزمه فيما لا يقيد منه من العمد أن يبطله ولا يجعل فيه مالا، فإن قال إنما أجعل فيه المال إذا لم أستطع فيه القود قلنا فمن استثنى لك هذا؟ إن كان أصل حكم الله كما وصفت في العمد والخطأ وقد يكون الدم بين مائة فيعفو أحدهم أو يصالح فيجعل محمد الدية للباقين بقدر حقوقهم منها فقد جعل أيضا في العمد الذي يستطاع فيه القصاص مالا رضيه أولياء الدم أو لم يرضوه، فإن قال فإنما جعلنا فيه مالا حين دخله العفو فكان يلزمه على أصل قوله واحد من قولين أن يجعله كالرجلين قذف أبوهما فأيهما قام بالحد فله الحد ولو عفا الآخر لم يكن له عفو ويزعم أنه إذا كان الأحرار يعفون بشركهم في الدم فحقن الدم بعفو أحدهم لم يكن للآخرين مال لأنه لم يكن لهم مال إنما وجب لهم ضربة سيف فلا تتحول مالا، فإن قال فأنت تقول مثل هذا معي قلت أجل على ما وصفت من حكم الله عز وجل وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - على خلاف ما قلت أنت كله وذلك للآثار.
[باب دية أهل الذمة]
أخبرنا الربيع: قال أخبرنا الشافعي قال: قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - ودية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم وعلى من قتله من المسلمين القود وقال أهل المدينة دية اليهودي والنصراني إذا قتل أحدهما نصف دية الحر المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقال أهل المدينة لا يقتل مؤمن بكافر قال محمد بن الحسن: قد روى أهل المدينة أن «رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل مسلما بكافر وقال أنا أحق من أوفى بذمته» قال محمد أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني أن «رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أنا أحق من أوفى بذمته، ثم أمر به فقتل» فكان يقول بهذا القول فقيههم ربيعة بن أبي عبد الرحمن وقد قاله أهل المدينة إذا قتله قتل غيلة وفرق بين قتل الغيلة وقتل غير الغيلة وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه أمر أن يقتل رجل من المسلمين بقتل رجل نصراني غيلة من أهل الحيرة فقتله به وقد بلغنا
عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول إذا قتل المسلم النصراني قتل به فأما ما قالوا في الدية فقول الله عز وجل أصدق القول ذكر الله الدية في كتابه فقال {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} [النساء: 92]
، ثم ذكر أهل الميثاق فقال {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: 92] فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة ولم يقل في أهل الميثاق نصف الدية كما قال أهل المدينة وأهل الميثاق ليسوا مسلمين فجعل في كل واحد منهما دية مسلمة إلى أهله والأحاديث في ذلك كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشهورة معروفة أنه جعل دية الكافر مثل دية المسلم وروى ذلك أفقههم وأعلمهم في زمانه وأعلمهم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن شهاب الزهري فذكر أن دية المعاهد في عهد أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - مثل دية الحر المسلم فلما كان معاوية جعلها مثل نصف دية الحر المسلم فإن الزهري كان أعلمهم في زمانه بالأحاديث فكيف رغبوا عما رواه أفقههم إلى قول معاوية.
أخبرنا ابن المبارك عن معمر بن راشد قال حدثني من شهد قتل رجل بذمي بكتاب عمر بن عبد العزيز: أخبرنا قيس بن الربيع عن أبان بن تغلب عن الحسن بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم عن أبي الجنوب الأسدي قال أتى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة قال فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء أخوه فقال قد عفوت عنه قال فلعلهم هددوك أو فرقوك؟ قال لا ولكن قتله لا يرد علي أخي وعوضوني فرضيت قال أنت أعلم من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا.
أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال دية المعاهد دية الحر المسلم.
حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن رجلا من بني بكر بن وائل قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا فدفع الرجل إلى ولي المقتول إلى رجل يقال له حنين من أهل الحيرة فقتله فكتب عمر بعد ذلك إن كان الرجل لم يقتل فلا تقتلوه فرأوا أن عمر أراد أن يرضيهم من الدية.
أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل رجلا من أنباط الشام فرفع إلى عثمان بن عفان فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهوه عن قتله قال فجعل ديته ألف دينار.
أخبرنا محمد بن يزيد قال أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن ابن المسيب قال دية كل معاهد في عهده ألف دينار.
وأخبرنا ابن عبد الله عن المغيرة عن إبراهيم أنه قال دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء.
أخبرنا خالد عن مطرف عن الشعبي مثله إلا أنه لم يذكر المجوسي (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : لا يقتل مؤمن بكافر ودية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثمانمائة درهم وقد خالفنا في هذا غير واحد من بعض الناس وغيرهم وسألني بعضهم وسألته وسأحكي ما حضرني منه إن شاء الله تعالى فقال ما حجتك في أن لا يقتل مؤمن بكافر؟ فقلت ما لا ينبغي لأحد دفعه مما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين.
ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضا، ثم الأخبار عمن بعده فقالوا وأين ما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين من الأحكام؟ فأما الثواب والعقاب فما لا أسأل عنه ولكن أسأل عن أحكام الدنيا فقيل له يحضر المؤمن والكافر قتال الكفار فنعطي نحن وأنت المؤمن السهم ونمنعه الكافر وإن كان أعظم غناء منه ونأخذ ما أخذنا من مسلم بأمر الله صدقة يطهره الله بها ويزكيه ويؤخذ ذلك من الكفار صغارا قال الله تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29] فوجدت الكفار في حكم الله
، ثم حكم رسوله في موضع العبودية للمسلمين صنفا متى قدر عليهم تعبدوا وتؤخذ منهم أموالهم لا يقبل منهم غير ذلك وصنفا يصنع