تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 13 الأولىالأولى 123456789101112 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 250

الموضوع: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الصلاة
    الحلقة (41)
    صــــــــــ 276 الى صـــــــــــ280

    [كَيْفَة التَّكْبِيرُ فِي الْعِيد]
    كَيْفَ التَّكْبِيرُ؟
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
    وَالتَّكْبِيرُ كَمَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " فَيَبْدَأُ الْإِمَامُ فَيَقُولُ: " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ " حَتَّى يَقُولَهَا ثَلَاثًا، وَإِنْ زَادَ تَكْبِيرًا فَحَسَنٌ،
    وَإِنْ زَادَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدَّيْنَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " فَحَسَنٌ وَمَا زَادَ مَعَ هَذَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَحْبَبْتُهُ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ نَسْقًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ بَدَأَ بِشَيْءٍ مِنْ الذِّكْرِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّكْبِيرِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
    [كِتَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]
    أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ سُلَيْمَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ اللَّهُ: تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ - فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 37 - 38] ، وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} [البقرة: 164] إلَى قَوْلِهِ " يَعْقِلُونَ " مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْآيَاتِ فِي كِتَابِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا سُجُودًا إلَّا مَعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَأَمَرَ بِأَنْ لَا يُسْجَدَ لَهُمَا، وَأَمَرَ بِأَنْ يُسْجَدَ لَهُ فَاحْتَمَلَ أَمْرُهُ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِأَنْ يَأْمُرَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ حَادِثٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَهَى عَنْ السُّجُودِ لَهُمَا كَمَا نَهَى عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ يُصَلَّى لِلَّهِ
    عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يُؤْمَرَ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا بِالصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ بِهَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ صَلَاةً، وَالصَّلَاةُ فِي كُلِّ حَالٍ طَاعَةٌ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَغِبْطَةٌ لِمَنْ صَلَّاهَا
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَيُصَلِّي عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ غَيْرِهِمَا أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَالَ نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ،
    وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ:
    إنَّ الشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ،
    وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاك قَدْ تَنَاوَلْتَ فِي مَقَامِك هَذَا شَيْئًا ثُمَّ رَأَيْنَاك كَأَنَّك تَكَعْكَعْت فَقَالَ:
    إنِّي رَأَيْتَ أَوْ أُرِيتَ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا،
    وَرَأَيْت أَوْ أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا وَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ فَقَالُوا:
    لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ؟
    قَالَ:
    يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَةَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْك خَيْرًا قَطُّ»
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    فَذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ خَطَبَ بَعْدَهَا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ لِلسُّنَّةِ، وَالْخُطْبَةِ لِلْفَرْضِ فَقَدَّمَ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَأَخَّرَ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَكَذَلِكَ صَنَعَ فِي الْعِيدَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ، وَذُكِرَ أَنَّهُ أَمَرَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِالْفَزَعِ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَكَانَ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي فَزِعَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ التَّذْكِيرُ فَوَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى - وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15]
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    فَكَانَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِفَايَةٌ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ بِمَا أَمَرَ بِهِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَاَلَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ فِعْلُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ ثُمَّ ذَكَرَ سُفْيَانُ مَا يُوَافِقُ هَذَا
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِلَى الصَّلَاةِ»
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ)

    فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا فِيهِمَا مَعًا بِالصَّلَاةِ
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ الْقَمَرَ انْكَسَفَ،
    وَابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ ثُمَّ رَكِبَ فَخَطَبَنَا فَقَالَ:
    إنَّمَا صَلَّيْتُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَالَ،
    وَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهُمَا كَاسِفًا فَلْيَكُنْ فَزَعُكُمْ إلَى اللَّهِ»
    .
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ)
    أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَصَفَتْ صَلَاتَهُ.
    رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَانِ»
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سُهَيْلٍ نَافِعٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    وَرُوِيَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ حَرْفًا» ، وَفِي قَوْلٍ بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مَا قَرَأَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْ بِغَيْرِهِ.
    [وَقْتُ كُسُوفُ الشَّمْسِ]
    ، وَقْتُ كُسُوفُ الشَّمْسِ
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
    فَمَتَى كَسَفَتْ الشَّمْسُ نِصْفَ النَّهَارِ أَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْكُسُوفِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالصَّلَاةِ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ فَلَا وَقْتَ يَحْرُمُ فِيهِ صَلَاةٌ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَا يَحْرُمُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ وَلَا الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَلَا الصَّلَاةِ لِلطَّوَافِ وَلَا الصَّلَاةِ يُؤَكِّدُهَا الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَلْزَمَهَا فَيَشْتَغِلَ عَنْهَا أَوْ يَنْسَاهَا.
    (قَالَ) :
    وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقَدَرَ الْمُصَلِّي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ ثُمَّ يَخْطُبَ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ.
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ بَدَأَ بِصَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَخَفَّفَ فِيهَا فَقَرَأَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، وَمَا أَشْبَهَهَا ثُمَّ خَطَبَ فِي الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ الْكُسُوفَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَجَمَعَ فِيهَا الْكَلَامَ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْكُسُوفِ وَالْجُمُعَةِ، وَنَوَى بِهَا الْجُمُعَةَ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ.
    (قَالَ)
    :
    وَإِنْ كَانَ أَخَّرَ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ كَأَخَفَّ مَا تَكُونُ صَلَاتُهُ لَمْ يُدْرِكْ أَنْ يَخْطُبَ يَجْمَعُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ بَدَأَ بِالْجُمُعَةِ فَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا، وَالشَّمْسُ كَاسِفَةٌ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا، وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَتَتَامَّ تَجَلِّيهَا حَتَّى تَعُودَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْكُسُوفِ لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ وَلَمْ يَقْضِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي وَقْتٍ فَإِذَا ذَهَبَ الْوَقْتُ لَمْ يَعْمَلْ (قَالَ) : وَهَكَذَا يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَكْتُوبَةٍ اجْتَمَعَتْ وَالْكُسُوفُ فَخِيفَ فَوْتُهَا يَبْدَأُ بِالْمَكْتُوبَة ِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْفَوْتَ بَدَأَ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ ثُمَّ الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّهُ لَا وَقْتَ فِي الْخُطْبَةِ.
    (قَالَ)
    :
    وَإِنْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَعِيدٌ وَاسْتِسْقَاءٌ وَجِنَازَةٌ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَضَرَ الْإِمَامُ أَمَرَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهَا وَبَدَأَ بِالْكُسُوفِ فَإِنْ فَرَغَتْ الْجِنَازَةُ صَلَّى عَلَيْهَا أَوْ تَرَكَهَا ثُمَّ صَلَّى الْعِيدَ، وَأَخَّرَ الِاسْتِسْقَاءَ إلَى يَوْمِ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (قَالَ) : وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْعِيدِ صَلَّى، وَخَفَّفَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ ثُمَّ خَطَبَ لِلْعِيدِ وَالْكُسُوفِ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ.
    (قَالَ)
    :
    وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِمَكَّةَ عِنْدَ رَوَاحِ الْإِمَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِمِنًى " صَلَّوْا الْكُسُوفَ،
    وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ:
    بِمِنًى "
    صَلَّاهَا بِمَكَّةَ.
    (قَالَ)
    :
    وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِعَرَفَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ قَدَّمَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمَا بَدَأَ بِهِمَا ثُمَّ صَلَّى الْكُسُوفَ، وَلَمْ يَدَعْهُ لِلْمَوْقِفِ، وَخَفَّفَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُطْبَةِ
    (قَالَ) :
    وَهَكَذَا يَصْنَعُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ.
    (قَالَ)
    :
    وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ بِالْمَوْقِفِ صَلَّى الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَدَعَا، وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِالْمُزْدَلِفَ ةِ أَوْ بَعْدَهُ صَلَّى الْكُسُوفَ، وَخَطَبَ وَلَوْ حَبَسَهُ ذَلِكَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُخَفِّفُ لِئَلَّا يَحْبِسَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ قَدَرَ.
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ)
    :
    إذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ يَخَافُ أَبَدًا فَوْتَ أَحَدِهِمَا، وَلَا يَخَافُ فَوْتَ الْآخَرِ بَدَأَ بِاَلَّذِي يَخَافُ فَوْتَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الَّذِي لَا يَخَافُ فَوْتَهُ.
    (قَالَ) :
    وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ وَقْتَ صَلَاةِ الْقِيَامِ بَدَأَ بِصَلَاةِ الْخُسُوفِ، وَكَذَلِكَ يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ صَلَاةُ انْفِرَادٍ فَيَبْدَأُ بِهِ قَبْلَهُمَا وَلَوْ فَاتَا.
    (قَالَ)
    :
    وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ، وَلَمْ يُصَلُّوا حَتَّى تَغِيبَ كَاسِفَةً أَوْ مُتَجَلِّيَةً لَمْ يُصَلُّوا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَسَفَ الْقَمَرُ فَلَمْ يُصَلُّوا حَتَّى تَجَلَّى أَوْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ لَمْ يُصَلُّوا، وَإِنْ صَلَّوْا الصُّبْحَ، وَقَدْ غَابَ الْقَمَرُ خَاسِفًا صَلَّوْا لِخُسُوفِ الْقَمَرِ بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ، وَيُخَفِّفُونَ الصَّلَاةَ لِخُسُوفِ الْقَمَرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ وَقَبْلَ الشَّمْسِ فَلَمْ يَفْرُغُوا مِنْهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَتَمُّوهَا.
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ)
    :
    ، وَيَخْطُبُ بَعْدَ تَجَلِّي الشَّمْسِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ بَعْدَ تَجَلِّي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَإِذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ حَدَثَ خَوْفٌ صَلَّى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْخُسُوفِ صَلَاةَ خَوْفٍ كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ صَلَاةَ خَوْفٍ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخُسُوفِ، وَصَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ إيمَاءً حَيْثُ تَوَجَّهَ رَاكِبًا، وَمَاشِيًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ تَكَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَا يَضُرُّهُ.
    (قَالَ) :
    وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَضَرٍ فَغَشِيَ أَهْلَ الْبَلَدِ عَدُوٌّ مَضَوْا إلَى الْعَدُوِّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَا يُمْكِنُهُمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ صَلَّوْهَا صَلَاةَ خَوْفٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ صَلَّوْهَا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ طَالِبِينَ وَمَطْلُوبِينَ لَا يَخْتَلِفُ.
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ)
    :
    وَمَتَى غَفَلَ عَنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ حَتَّى تَجَلَّى الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ صَلَاتُهَا، وَلَا قَضَاؤُهَا.
    (قَالَ)
    :
    فَإِنْ غَفَلُوا عَنْهَا حَتَّى تَنْكَسِفَ كُلُّهَا ثُمَّ يَنْجَلِيَ بَعْضُهَا صَلَّوْا صَلَاةَ كُسُوفٍ مُتَمَكِّنِينَ إذَا لَمْ يَكُونُوا خَائِفِينَ، وَلَا مُتَفَاوِتِينَ، وَإِنْ انْجَلَتْ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْهَا، وَهِيَ كَاسِفَةٌ حَتَّى تَعُودَ بِحَالِهَا قَبْلَ أَنْ تَكْسِفَ.
    (قَالَ)
    :
    وَإِنْ انْكَسَفَتْ فَجَلَّلَهَا سَحَابٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ حَائِلٌ مَا كَانَ فَظَنُّوا أَنَّهَا تَجَلَّتْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْكُسُوفِ إذَا عَلِمُوا أَنَّهَا قَدْ كَسَفَتْ فَهِيَ عَلَى الْكُسُوفِ حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا بِتَجَلِّيهَا، وَلَوْ تَجَلَّى بَعْضُهَا فَرَأَوْهُ صَافِيًا لَمْ يَدَعُوا الصَّلَاةَ لِأَنَّهُمْ مُسْتَيْقِنُونَ بِالْكُسُوفِ، وَلَا يَدْرُونَ انْجَلَى الْمَغِيبُ مِنْهَا أَمْ لَمْ يَنْجَلِ، وَقَدْ يَكُونُ الْكُسُوفُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَتَنْكَسِفُ كُلُّهَا فَيَتَجَلَّى بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يَتَجَلَّى الْبَاقِي بَعْدَهُ.
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ)
    :
    وَلَوْ طَلَعَتْ فِي طَخَافٍ أَوْ غَيَانَةٍ أَوْ غَمَامَةٍ فَتَوَهَّمُوهَا كَاسِفَةً لَمْ يُصَلُّوهَا حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا كُسُوفَهَا.
    (قَالَ)
    :
    وَإِذَا تَوَجَّهَ الْإِمَامُ لِيُصَلِّيَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْكُسُوفَ، وَإِنْ كَبَّرَ ثُمَّ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ أَتَمَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِكَمَالِهَا.
    (قَالَ)
    :
    وَإِنْ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَأَكْمَلَهَا ثُمَّ انْصَرَفَ، وَالشَّمْسُ كَاسِفَةٌ يَزِيدُ كُسُوفُهَا أَوْ لَا يَزِيدُ لَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ، وَخَطَبَ النَّاسَ لِأَنَّا لَا نَحْفَظُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي كُسُوفٍ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ كَصَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْهَرْ فِيهَا كَمَا يَجْهَرُ فِي صَلَاةِ الْأَعْيَادِ، وَأَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ لِأَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَقَدْ سَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ
    [الْخُطْبَةُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]ِ
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
    وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ نَهَارًا خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ فِي الْأُولَى حِينَ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ الْأُولَى جَلَسَ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الثَّانِيَةَ فَإِذَا فَرَغَ نَزَلَ
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    وَيَجْعَلُهَا كَالْخُطَبِ يَبْدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَضِّ النَّاسِ عَلَى الْخَيْرِ، وَأَمْرِهِمْ بِالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَخْطُبُ فِي مَوْضِعِ مُصَلَّاهُ، وَيُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَا حَيْثُ يُصَلِّي الْأَعْيَادَ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ، وَصَلَّى فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ بِالْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ خَطَبَ رَاكِبًا، وَفَصَلَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِسَكْتَةٍ كَالسَّكْتَةِ إذَا خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْمَعَ الْإِمَامَ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْكُسُوفِ، وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَا ءِ، وَيُنْصِتُ لَهَا، وَإِنْ انْصَرَفَ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ لَهَا أَوْ تَكَلَّمَ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ عَلَى غَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ) :
    وَأُحِبُّ لِلْقَوْمِ بِالْبَادِيَةِ وَالسَّفَرِ، وَحَيْثُ لَا يَجْمَعُ فِيهِ الصَّلَاةَ أَنْ يَخْطُبَ بِهِمْ أَحَدُهُمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ إذَا صَلَّوْا الْكُسُوفَ
    (قَالَ) :
    وَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ النِّسَاءِ أَنْ يَخْطُبْنَ إذَا لَمْ يَكُنَّ مَعَ رِجَالٍ.
    [الْأَذَانُ لِلْكُسُوفِ]ِ
    (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) :
    وَلَا أَذَانَ لِكُسُوفٍ وَلَا لِعِيدٍ وَلَا لِصَلَاةٍ غَيْرِ مَكْتُوبَةٍ، وَإِنْ أَمَرَ الْإِمَامُ مَنْ يَصِيحُ " الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ " أَحْبَبْت ذَلِكَ لَهُ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنْ يَقُولَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الصلاة
    الحلقة (42)
    صــــــــــ 281 الى صـــــــــــ285


    [قدر صلاة الكسوف]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    وأحب أن يقوم الإمام في صلاة الكسوف فيكبر ثم يفتتح كما يفتتح المكتوبة ثم يقرأ في القيام الأول بعد الافتتاح بسورة البقرة إن كان يحفظها أو قدرها من القرآن إن كان لا يحفظها ثم يركع فيطيل، ويجعل ركوعه قدر مائة آية من سورة البقرة ثم يرفع، ويقول سمع الله لمن حمده ربنا، ولك الحمد، ثم يقرأ بأم القرآن وقدر مائتي آية من البقرة ثم يركع بقدر ثلثي ركوعه الأول ثم يرفع، ويسجد ثم يقوم في الركعة الثانية فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة وخمسين آية من البقرة ثم يركع بقدر سبعين آية من البقرة ثم يرفع فيقرأ بأم القرآن، وقدر مائة آية من البقرة ثم يركع بقدر قراءة خمسين آية من البقرة ثم يرفع ويسجد
    (قال الشافعي)
    :
    وإن جاوز هذا في بعض وقصر عنه في بعض أو جاوزه في كل أو قصر عنه في كل إذا قرأ أم القرآن في مبتدأ الركعة، وعند رفعه رأسه من الركعة قبل الركعة الثانية في كل ركعة أجزأه.
    (قال الشافعي) :
    وإن ترك أم القرآن في ركعة من صلاة الكسوف في القيام الأول أو القيام الثاني لم يعتد بتلك الركعة، وصلى ركعة أخرى، وسجد سجدتي السهو كما إذا ترك أم القرآن في ركعة واحدة من صلاة المكتوبة لم يعتد بها كأنه قرأ بأم القرآن عند افتتاح الصلاة ثم ركع فرفع فلم يقرأ بأم القرآن حتى رفع ثم يعود لأم القرآن فيقرؤها ثم يركع، وإن ترك أم القرآن حتى يسجد ألغى السجود، وعاد إلى القيام حتى يركع بعد أم القرآن.
    (قال) :
    ، ولا يجزئ أن يؤم في صلاة الكسوف إلا من يجزئ أن يؤم في الصلاة المكتوبة فإن أم أمي قراء لم تجزئ صلاتهم عنهم، وإن قرءوا معه إذا كانوا يأتمون به
    (قال) :
    وإن أمهم قارئ أجزأت صلاته عنهم، وإذا قلت لا تجزئ عنهم أعادوا بإمام ما كانت الشمس كاسفة، وإن تجلت لم يعيدوا، وإن امتنعوا كلهم من الإعادة إلا واحدا أمرت الواحد أن يعيد، فإن كان معه غيره أمرتهما أن يجمعا.
    [صلاة المنفردين في صلاة الكسوف]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عمرو أو صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم لكسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين.
    (قال الشافعي)
    :
    ولا أحسب ابن عباس صلى صلاة الكسوف إلا أن الوالي تركها لعل الشمس تكون كاسفة بعد العصر فلم يصل فصلى ابن عباس أو لعل الوالي كان غائبا أو امتنع من الصلاة
    (قال) :
    فهكذا أحب لكل من كان حاضرا إماما أن يصلي إذا ترك الإمام صلاة الكسوف أن يصلي علانية إن لم يخف وسرا إن خاف الوالي في أي ساعة كسفت الشمس، وأحسب من روى عنه أن الشمس كسفت بعد العصر، وهو بمكة تركها في زمان بني أمية اتقاء لهم فأما أيوب بن موسى فيذهب إلى أن لا صلاة بعد العصر لطواف ولا غيره، والسنة تدل على ما وصفت من أن يصلي بعد العصر لطواف، والصلاة المؤكدة تنسى، ويشتغل عنها، ولا يجوز ترك صلاة الكسوف عندي لمسافر ولا مقيم، ولا لأحد جاز له أن يصلي بحال فيصليها كل من وصفت بإمام تقدمه، ومنفردا إن لم يجد إماما ويصليها كما وصفت صلاة الإمام ركعتين، في كل ركعة ركعتين، وكذلك خسوف القمر
    (قال) :
    وإن خطب الرجل الذي، وصفت فذكرهم لم أكره.
    (قال) :
    وإن كسفت الشمس ورجل مع نساء فيهن ذوات محرم منه صلى بهن، وإن لم يكن فيهن ذوات محرم منه كرهت ذلك له، وإن صلى بهن فلا بأس إن شاء الله تعالى فإن كن اللاتي يصلين نساء فليس من شأن النساء الخطبة، ولكن لو ذكرتهن إحداهن كان حسنا.
    (قال) :
    وإذا صلى الرجل وحده صلاة الكسوف ثم أدركها مع الإمام صلاها كما يصنع في المكتوبة، وكذلك المرأة فلا أكره لمن لا هيئة لها بارعة من النساء، ولا للعجوز، ولا للصبية شهود صلاة الكسوف مع الإمام بل أحبها لهن، وأحب إلي لذوات الهيئة أن يصلينها في بيوتهن.
    [الصلاة في غير كسوف الشمس والقمر]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    ولا آمر بصلاة جماعة في زلزلة، ولا ظلمة، ولا لصواعق، ولا ريح ولا غير ذلك من الآيات، وآمر بالصلاة منفردين كما يصلون منفردين سائر الصلوات.
    [كتاب الاستسقاء]
    متى يستسقي الإمام، وهل يسأل الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره؟
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس قال:
    «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
    فقال: يا رسول الله هلكت المواشي، وتقطعت السبل فادع الله فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمطرنا من جمعة إلى جمعة قال فجاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبيل، وهلكت المواشي فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    فقال:
    اللهم على رءوس الجبال والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر فانجابت عن المدينة انجياب الثوب»
    (قال الشافعي) :
    فإذا كان جدب أو قلة ماء في نهر أو عين أو بئر في حاضر أو باد من المسلمين لم أحب للإمام أن يتخلف عن أن يعمل عمل الاستسقاء، وإن تخلف عن ذلك لم تكن عليه كفارة ولا قضاء، وقد أساء في تخلفه عنه، وترك سنة فيه، وإن لم تكن واجبة، وموضع فضل،
    فإن قال قائل:
    فكيف لا يكون واجبا عليه أن يعمل عمل الاستسقاء من صلاة وخطبة؟ قيل لا فرض من الصلاة إلا خمس صلوات، وفي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن جدبا كان ولم يعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوله عمل الاستسقاء، وقد عمله بعد مدة منه فاستسقى،
    وبذلك قلت:
    لا يدع الإمام الاستسقاء، وإن لم يفعل الإمام لم أر للناس ترك الاستسقاء لأن المواشي لا تهلك إلا وقد تقدمها جدب دائم، وأما الدعاء بالاستسقاء فما لا أحب تركه إذا كان الجدب، وإن لم يكن ثم صلاة ولا خطبة، وإن استسقى فلم تمطر الناس أحببت أن يعود ثم يعود حتى يمطروا، وليس استحبابي لعودته الثانية بعد الأولى، ولا الثالثة بعد الثانية كاستحبابي للأولى، وإنما أجزت له العود بعد الأولى أن الصلاة والجماعة في الأولى فرض وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استسقى سقي أولا فإذا سقوا أولا لم يعد الإمام، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم عن سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -
    قالت:
    «أصاب الناس سنة شديدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    فمر بهم يهودي فقال: أما والله لو شاء صاحبكم لمطرتم ما شئتم، ولكنه لا يحب ذلك فأخبر الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    بقول اليهودي قال: أوقد قال ذلك؟
    فقالوا:
    نعم قال إني لأستنصر بالسنة على أهل نجد، وإني لأرى السحابة خارجة من العين فأكرهها موعدكم يوم كذا أستسقي لكم»
    فلما كان ذلك اليوم غدا الناس فما تفرق الناس حتى مطروا ما شاءوا فما أقلعت السماء جمعة، وإذا خاف الناس غرقا من سيل أو نهر دعوا الله بكف الضرر عنهم كما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بكف الضرر عن البيوت أن تهدمت، وكذلك يدعو بكف الضرر من المطر عن المنازل، وأن يجعل حيث ينفع، ولا يضر البيوت من الشجر والجبال والصحاري إذا دعا بكف الضرر، ولم آمر بصلاة جماعة، وأمرت الإمام، والعامة يدعون في خطبة الجمعة، وبعد الصلوات، ويدعو في كل نازلة نزلت بأحد من المسلمين، وإذا كانت ناحية مخصبة، وأخرى مجدبة فحسن أن يستسقي إمام الناحية المخصبة لأهل الناحية المجدبة ولجماعة المسلمين، ويسأل الله الزيادة لمن أخصب مع استسقائه لمن أجدب فإن ما عند الله واسع، ولا أحضه على الاستسقاء لمن ليس بين ظهرانيه كما أحضه على الاستسقاء لمن هو بين ظهرانيه ممن قاربه، ويكتب إلى الذي يقوم بأمر المجدبين أن يستسقي لهم أو أقرب الأئمة بهم، فإن لم يفعل أحببت أن يستسقي لهم رجل من بين ظهرانيهم.من يستسقي بصلاة
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وكل إمام صلى الجمعة، وصلى العيدين استسقى، وصلى الخسوف، ولا يصلي الجمعة إلا حيث تجب لأنها ظهر فإذا صليت جمعة قصرت منها ركعتان، ويجوز أن يستسقي وأستحب أن يصلي العيدين والخسوف حيث لا يجمع من بادية وقرية صغيرة، ويفعله مسافرون في البدو لأنها ليست بإحالة شيء من فرض وهي سنة ونافلة خير، ولا أحب تركه بحال، وإن كان أمري به، واستحبابه حيث لا يجمع ليس هو كاستحبابه حيث يجمع، وليس كأمري به من يجمع من الأئمة والناس، وإنما أمرت به كما وصفت لأنها سنة، ولم ينه عنه أحد يلزم أمره، وإذا استسقى الجماعة بالبادية فعلوا ما يفعلونه في الأمصار من صلاة أو خطبة، وإذا خلت الأمصار من الولاة قدموا أحدهم للجمعة والعيدين، والخسوف، والاستسقاء كما قد «قدم الناس أبا بكر، وعبد الرحمن بن عوف للصلاة مكتوبة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلح بين بني عمر بن عوف، وعبد الرحمن في غزوة تبوك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذهب لحاجته ثم غبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بما صنعوا من تقديم عبد الرحمن بن عوف» فإذا أجاز هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المكتوبة غير الجمعة كانت الجمعة مكتوبة، وكان هذا في غير المكتوبة مما ذكرت أجوز.
    [الاستسقاء بغير الصلاة]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    ويستسقي الإمام بغير صلاة مثل أن يستسقي بصلاة وبعد خطبته وصلاته، وخلف صلاته، وقد رأيت من يقيم مؤذنا فيأمره بعد صلاة الصبح والمغرب أن يستسقي، ويحض الناس على الدعاء فما كرهت من صنع ذلك.
    [الأذان لغير المكتوبة]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    ، ولا أذان، ولا إقامة إلا للمكتوبة، فأما الخسوف، والعيدان والاستسقاء، وجميع صلاة النافلة فبغير أذان ولا إقامة.
    [كيف يبتدئ الاستسقاء]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    وبلغنا عن بعض الأئمة أنه كان إذا أراد أن يستسقي أمر الناس فصاموا ثلاثة أيام متتابعة، وتقربوا إلى الله عز وجل بما استطاعوا من خير ثم خرج في اليوم الرابع فاستسقى بهم، وأنا أحب ذلك لهم، وآمرهم أن يخرجوا في اليوم الرابع صياما من غير أن أوجب ذلك عليهم، ولا على إمامهم، ولا أرى بأسا أن يأمرهم بالخروج، ويخرج قبل أن يتقدم إليهم في الصوم، وأولى ما يتقربون إلى الله أداء ما يلزمهم من مظلمة في دم أو مال أو عوض ثم صلح المشاجر، والمهاجر ثم يتطوعون بصدقة، وصلاة، وذكر، وغيره من البر، وأحب كلما أراد الإمام العودة إلى الاستسقاء أن يأمر الناس أن يصوموا قبل عودته إليه ثلاثا
    [الهيئة للاستسقاء]
    للعيدين.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة، والعيدين بأحسن هيئة» ، وروي أنه «خرج في الاستسقاء متواضعا» وأحسب الذي رواه قال متبذلا فأحب في العيدين أن يخرج بأحسن ما يجد من الثياب وأطيب الطيب، ويخرج في الاستسقاء متنظفا بالماء، وما يقطع تغير الرائحة من سواك وغيره، وفي ثياب تواضع، ويكون مشيه وجلوسه وكلامه كلام تواضع واستكانة، وما أحببت للإمام في الحالات من هذا أحببته للناس كافة وما لبس الناس، والإمام مما يحل لهم الصلاة فيه أجزأه وإياهم.
    [خروج النساء والصبيان في الاستسقاء]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وأحب أن يخرج الصبيان ويتنظفوا للاستسقاء، وكبار النساء، ومن لا هيئة له منهن، ولا أحب خروج ذوات الهيئة ولا آمر بإخراج البهائم، وأكره إخراج من خالف الإسلام للاستسقاء مع المسلمين في موضع مستسقى المسلمين، وغيره، وآمر بمنعهم من ذلك فإن خرجوا متميزين على حدة لم نمنعهم ذلك، ونساؤهم فيما أكره من هذا كرجالهم، ولو تميز نساؤهم، لم أكره من مخرجهم ما أكره من مخرج بالغيهم، ولو ترك سادات العبيد المسلمين العبيد يخرجون كان أحب إلي، وليس يلزمهم تركهم، والإماء مثل الحرائر، وأحب إلي لو ترك عجائزهن، ومن لا هيئة له منهن يخرج، ولا أحب ذلك في ذوات الهيئة منهن، ولا يجب على ساداتهن تركهن يخرجن.
    [المطر قبل الاستسقاء]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وإذا تهيأ الإمام للخروج فمطر الناس مطرا قليلا أو كثيرا، أحببت أن يمضي، والناس على الخروج فيشكروا الله على سقياه، ويسألوا الله زيادته، وعموم خلقه بالغيث، وأن لا يتخلفوا فإن فعلوا فلا كفارة، ولا قضاء عليهم، فإن كانوا يمطرون في الوقت الذي يريد الخروج بهم فيه استسقى بهم في المسجد أو أخر ذلك إلى أن يقلع المطر، ولو نذر الإمام أن يستسقي ثم سقى الناس، وجب عليه أن يخرج فيوفي نذره، وإن لم يفعل فعليه قضاؤه، وليس عليه أن يخرج بالناس لأنه لا يملكهم، ولا له أن يلزمهم أن يستسقوا في غير جدب، وكذلك لو نذر رجل أن يخرج يستسقي كان عليه أن يخرج للنذر بنفسه فإن نذر أن يخرج بالناس كان عليه أن يخرج بنفسه، ولم يكن عليه أن يخرج بالناس لأنه لا يملكهم، ولا نذر فيما لا يملك ابن آدم، وأحب أن يخرج بمن أطاعه منهم من ولده وغيرهم، فإن كان في نذره أن يخطب فيخطب، ويذكر الله تعالى ويدعو جالسا إن شاء لأنه ليس في قيامه إذا لم يكن واليا، ولا معه جماعة بالذكر طاعة، وإن نذر أن يخطب على منبر فليخطب جالسا، وليس عليه أن يخطب على منبر لأنه لا طاعة في ركوبه لمنبر ولا بعير ولا بناء، إنما أمر بهذا الإمام ليسمع الناس فإن كان إماما، ومعه ناس لم يف نذره إلا بالخطبة قائما لأن الطاعة إذا كان معه ناس فيها أن يخطب قائما فإذا فعل هذا كله فوقف على منبر أو جدار أو قائما أجزأه من نذره، ولو نذر أن يخرج فليستسق أحببت له أن يستسقي في المسجد ويجزئه لو استسقى في بيته.
    [أين يصلي للاستسقاء]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    ويصلي الإمام حيث يصلي العيد في أوسع ما يجد على الناس، وحيث استسقى أجزأه إن شاء الله تعالى.
    [الوقت الذي يخرج فيه الإمام للاستسقاء وما يخطب عليه]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    ويخرج الإمام للاستسقاء في الوقت الذي يصل فيه إلى موضع مصلاه، وقد برزت الشمس فيبتدئ فيصلي فإذا فرغ خطب، ويخطب على منبر يخرجه إن شاء، وإن شاء خطب راكبا أو على جدار أو شيء يرفع له أو على الأرض، كل ذلك جائز له.
    [كيف صلاة الاستسقاء]
    (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
    أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو أنه سمع عباد بن تميم يقول سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى فاستسقى، وحول رداءه حين استقبل القبلة»
    (قال الشافعي) :
    أخبرني من لا أتهم عن جعفر بن محمد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون بالقراءة في الاستسقاء، ويصلون قبل الخطبة، ويكبرون في الاستسقاء سبعا وخمسا» ، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - مثله
    (قال الشافعي) :
    أخبرني سعد بن إسحاق عن صالح عن ابن المسيب عن عثمان بن عفان أنه كبر في الاستسقاء سبعا وخمسا أخبرني إبراهيم بن محمد قال أخبرني أبو الحويرث عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه أنه سأل ابن عباس عن التكبير في صلاة الاستسقاء فقال مثل التكبير في صلاة العيدين سبع وخمس، أخبرنا ابن عيينة قال أخبرني عبد الله بن أبي بكر قال سمعت عباد بن تميم يخبر عن عمه عبد الله بن زيد قال «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى يستسقي فاستقبل القبلة، وحول رداءه، وصلى ركعتين» أخبرنا إبراهيم بن محمد قال حدثني هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه عن ابن عباس مثله، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني صالح بن محمد بن زائدة عن عمر بن عبد العزيز أنه كبر في الاستسقاء سبعا وخمسا وكبر في العيدين مثل ذلك أخبرنا إبراهيم قال حدثني عمرو بن يحيى بن عمارة أن أبا بكر بن عمرو بن حزم أشار على محمد بن هشام أن يكبر في الاستسقاء سبعا، وخمسا
    (قال الشافعي) :
    فبهذا كله نأخذ فنأمر الإمام يكبر في الاستسقاء سبعا وخمسا قبل القراءة، ويرفع يديه عند كل تكبيرة من السبع، والخمس ويجهر بالقراءة، ويصلي ركعتين لا يخالف صلاة العيد بشيء، ونأمره أن يقرأ فيها ما يقرأ في صلاة العيدين فإذا خافت بالقراءة في صلاة الاستسقاء فلا إعادة عليه، وإن ترك التكبير فكذلك، ولا سجود للسهو عليه، وإن ترك التكبير حتى يفتتح القراءة في ركعة لم يكبر بعد افتتاحه القراءة، وكذلك إن كبر بعض التكبير ثم افتتح بالقراءة لم يقض التكبير في تلك الركعة، وكبر في الأخرى تكبيرها، ولم يقض ما ترك من تكبير الأولى فإن صنع في الأخرى كذلك صنع هكذا يكبر قبل أن يقرأ، ولا يكبر بعدما يقرأ في الركعة التي افتتح فيها القراءة
    (قال الشافعي)
    :
    وهكذا هذا في صلاة العيدين لا يختلف، وما قرأ به مع أم القرآن في كل ركعة أجزأه، وإن اقتصر على أم القرآن في كل ركعة أجزأته، وإن صلى ركعتين قرأ في إحداهما بأم القرآن، ولم يقرأ في الأخرى بأم القرآن فإنما صلى ركعة فيضيف إليها أخرى، ويسجد للسهو، ولا يعتد هو، ولا من خلفه بركعة لم يقرأ فيها، وإن صلى ركعتين لم يقرأ في واحدة منهما بأم القرآن أعادهما خطب أم لم يخطب فإن لم يعدهما حتى ينصرف أحببت له إعادتهما من الغد أو يومه إن لم يكن الناس تفرقوا، وإذا أعادهما أعاد الخطبة بعدهما، وإن كان هذا في صلاة العيد أعادهما من يومه ما بينه، وبين أن تزول الشمس فإذا زالت لم يعدهما لأن صلاة العيد في وقت فإذا مضى لم تصل، وكل يوم وقت لصلاة الاستسقاء، ولذلك يعيدهما في الاستسقاء بعد الظهر، وقبل العصر. .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الصلاة
    الحلقة (43)
    صــــــــــ 286 الى صـــــــــــ290

    [الطهارة لصلاة الاستسقاء]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    ولا يصلي حاضر، ولا مسافر صلاة الاستسقاء ولا عيد، ولا جنازة، ولا يسجد للشكر، ولا سجود القرآن، ولا يمس مصحفا إلا طاهرا الطهارة التي تجزيه للصلاة المكتوبة لأن كلا صلاة، ولا يحل مس مصحف إلا بطهارة، وسواء خاف فوت شيء من هذه الصلوات أو لم يخفه يكون ذلك سواء في المكتوبات. .
    [الخطبة في الاستسقاء]
    كيف الخطبة في الاستسقاء؟
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    ويخطب الإمام في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة العيدين يكبر الله فيهما، ويحمده ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكثر فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه، ويقول كثيرا {استغفروا ربكم إنه كان غفارا - يرسل السماء عليكم مدرارا} [نوح: 10 - 11] .
    [الدعاء في خطبة الاستسقاء]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    ويقول " اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك فقد دعوناك كما أمرتنا فأجبنا كما وعدتنا اللهم إن كنت أوجبت إجابتك لأهل طاعتك، وكنا قد قارفنا ما خالفنا فيه الذين محضوا طاعتك فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا، وإجابتنا في سقيانا، وسعة رزقنا "، ويدعو بما شاء بعد للدنيا والآخرة ويكون أكثر دعائه الاستغفار يبدأ به دعاءه ويفصل به بين كلامه، ويختم به، ويكون أكثر كلامه حتى ينقطع الكلام، ويحض الناس على التوبة، والطاعة، والتقرب إلى الله عز وجل
    (قال الشافعي) :
    وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا في الاستسقاء رفع يديه» أخبرنا إبراهيم بن محمد عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
    كان إذا استسقى قال:
    اللهم أمطرنا»
    ، أخبرنا إبراهيم قال حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
    كان يقول عند المطر:
    اللهم سقيا رحمة، ولا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق اللهم على الظراب، ومنابت الشجر اللهم حوالينا، ولا علينا» ،
    (قال) :
    وروى سالم بن عبد الله عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا عاما طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد، والبهائم، والخلق من اللأواء، والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد، والجوع، والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا»
    (قال الشافعي) :
    وأحب أن يدعو الإمام بهذا، ولا وقت في الدعاء، ولا يجاوزه، أخبرنا إبراهيم عن المطلب بن السائب عن ابن المسيب قال استسقى عمر، وكان أكثر دعائه الاستغفار.
    (قال الشافعي)
    :
    وإن خطب خطبة واحدة لم يجلس فيها، ولم يكن عليه إعادة، وأحب أن يجلس حين يرقى المنبر أو موضعه الذي يخطب فيه ثم يخطب ثم يجلس فيخطب.
    [تحويل الإمام الرداء في صلاة الاستسقاء]
    تحويل الإمام الرداء
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    ويبدأ فيخطب الخطبة الأولى ثم يجلس ثم يقوم فيخطب بعض الخطبة الآخرة فيستقبل الناس في الخطبتين ثم يحول وجهه إلى القبلة، ويحول رداءه ويحول الناس أرديتهم معه فيدعو سرا في نفسه، ويدعو الناس معه ثم يقبل على الناس بوجهه فيحضهم، ويأمرهم بخير، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ويقرأ آية أو أكثر من القرآن،
    ويقول:
    أستغفر الله لي ولكم ثم ينزل، وإن استقبل القبلة في الخطبة الأولى لم يكن عليه أن يعود لذلك في الخطبة الثانية، وأحب لمن حضر الاستسقاء استماع الخطبة والإنصات، ولا يجب ذلك وجوبه في الجمعة.كيف تحويل الإمام رداءه في الخطبة.
    (قال الشافعي)
    : - رحمه الله تعالى -
    أخبرنا الدراوردي عن عمارة بن غزية عن عباد بن تميم قال «استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه خميصة له سوداء فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه»
    (قال الشافعي) :
    وبهذا أقول فنأمر الإمام أن ينكس رداءه فيجعل أعلاه أسفله، ويزيد مع تنكيسه فيجعل شقه الذي على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر، والذي على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن فيكون قد جاء بما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نكسه، وبما فعل من تحويل الأيمن على الأيسر إذا خف له رداؤه فإن ثقل فعل ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تحويل ما على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر، وما على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن، ويصنع الناس في ذلك ما صنع الإمام فإن تركه منهم تارك أو الإمام أو كلهم كرهت تركه لمن تركه، ولا كفارة، ولا إعادة عليه، ولا يحول رداءه إذا انصرف من مكانه الذي يخطب فيه، وإذا حولوا أرديتهم أقروها محولة كما هي حتى ينزعوها متى نزعوها، وإن اقتصر رجل على تحويل ردائه، ولم ينكسه أجزأه إن شاء الله تعالى لسعة ذلك، وكذلك لو اقتصر على نكسه، ولم يحول إلا نكسا، رجوت أن يجزيه
    [كراهية الاستمطار بالأنواء]
    (قال الشافعي)
    : - رحمه الله تعالى -
    أخبرنا عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني قال:
    «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم؟
    قالوا الله ورسوله أعلم قال:
    قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا، وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب»

    (قال الشافعي)
    : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بأبي هو وأمي " هو عربي واسع اللسان يحتمل قوله هذا معاني، وإنما مطر بين ظهراني قوم أكثرهم مشركون لأن هذا في غزوة الحديبية، وأرى معنى قوله، والله أعلم أن من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك إيمان بالله لأنه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطي إلا الله عز وجل وأما من قال مطرنا بنوء كذا، وكذا على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى أنه أمطره نوء كذا فذلك كفر كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن النوء وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه، ولا لغيره شيئا، ولا يمطر،
    ولا يصنع شيئا فأما من قال:
    مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا بوقت كذا فإنما ذلك كقوله مطرنا في شهر كذا، ولا يكون هذا كفرا، وغيره من الكلام أحب إلي منه (قال الشافعي) : أحب أن يقول مطرنا في وقت كذا، وقد روي عن عمر أنه قال يوم الجمعة،
    وهو على المنبر:
    كم بقي من نوء الثريا؟ فقام العباس فقال لم يبق منه شيء إلا العواء فدعا، ودعا الناس حتى نزل عن المنبر فمطر مطرا حيي الناس منه،
    وقول عمر هذا يبين ما وصفت لأنه إنما أراد:
    كم بقي من وقت الثرياء؟ ليعرفهم بأن الله عز وجل قدر الأمطار في أوقات فيما جربوا كما علموا أنه قدر الحر والبرد بما جربوا في أوقات، وبلغني أن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أصبح، وقد مطر الناس قال مطرنا بنوء الفتح ثم قرأ {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} [فاطر: 2] ، وبلغني أن عمر بن الخطاب أوجف بشيخ من بني تميم غدا متكئا على عكازه،
    وقد مطر الناس فقال:
    أجاد ما أقرى المجدح البارحة، فأنكر عمر قوله " أجاد ما أقرى المجدح " لإضافة المطر إلى المجدح.البروز للمطر
    (قال الشافعي)
    : - رحمه الله تعالى -
    بلغنا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتمطر في أول مطرة حتى يصيب جسده» ،
    وروي عن ابن عباس أن السماء أمطرت فقال لغلامه:
    أخرج فراشي، ورحلي يصيبه المطر فقال أبو الجوزاء لابن عباس: لم تفعل هذا يرحمك الله؟ فقال أما تقرأ كتاب الله {ونزلنا من السماء ماء مباركا} [ق: 9] فأحب أن تصيب البركة فراشي ورحلي، أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة عن ابن المسيب أنه رآه في المسجد، ومطرت السماء، وهو في السقاية فخرج إلى رحبة المسجد ثم كشف عن ظهره للمطر حتى أصابه ثم رجع إلى مجلسه [ما يقال عند السيل]السيل
    (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -
    ، أخبرني من لا أتهم عن يزيد بن عبد الله بن الهاد «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سال السيل يقول اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر منه، ونحمد الله عليه»
    (قال الشافعي) :
    أخبرني من لا أتهم عن إسحاق بن عبد الله أن عمر كان إذا سال السيل ذهب بأصحابه إليه، وقال ما كان ليجيء من مجيئه أحد إلا تمسحنا به.
    [طلب الإجابة في الدعاء]
    (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -:
    أخبرني من لا أتهم قال حدثني عبد العزيز بن عمر من مكحول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة ونزول الغيث»
    (قال الشافعي) :
    وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة.
    [القول في الإنصات عند رؤية السحاب والريح]
    (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -:
    أخبرني من لا أتهم قال حدثني خالد بن رباح عن المطلب بن حنطب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا برقت السماء أو رعدت عرف ذلك في وجهه فإذا أمطرت سري عنه»
    (قال الشافعي) :
    أخبرني من لا أتهم قال: قال المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أبصرنا شيئا في السماء يعني السحاب ترك عمله، واستقبل القبلة قال اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه فإن كشفه الله حمد الله تعالى، وإن مطرت قال: اللهم سقيا نافعا»
    (قال الشافعي)
    :
    وأخبرني من لا أتهم قال حدثني أبو حازم عن ابن المسيب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع حس الرعد عرف ذلك في وجهه فإذا أمطرت سري عنه فسئل عن ذلك فقال إني لا أدري بما أرسلت أبعذاب أم برحمة»
    (قال الشافعي)
    :
    أخبرني من لا أتهم قال حدثنا العلاء بن راشد عن عكرمة عن ابن عباس قال «ما هبت ريح إلا جثا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه، وقال اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابا اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» قال قال ابن عباس في كتاب الله عز وجل {إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا} [القمر: 19] ، و {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} [الذاريات: 41] وقال {وأرسلنا الرياح لواقح} [الحجر: 22] {يرسل الرياح مبشرات} [الروم: 46] .
    (قال الشافعي)
    :
    أخبرني من لا أتهم قال أخبرنا صفوان بن سليم قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تسبوا الريح، وعوذوا بالله من شرها»
    (قال الشافعي) :
    ولا ينبغي لأحد أن يسب الريح فإنها خلق الله عز وجل مطيع وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء
    (قال الشافعي) :
    أخبرنا محمد بن عباس قال «شكا رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الفقر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلك تسب الريح؟» أخبرنا الثقة عن الزهري عن ثابت بن قيس عن أبي هريرة قال أخذت الناس ريح بطريق مكة، وعمر حاج فاشتدت فقال عمر - رضي الله عنه - لمن حوله: " ما بلغكم في الريح؟ " فلم يرجعوا إليه شيئا فبلغني الذي سأل عنه عمر من أمر الريح فاستحثثت راحلتي حتى أدركت عمر،
    وكنت في مؤخر الناس فقلت يا أمير المؤمنين: أخبرت أنك سألت عن الريح، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب فلا تسبوها، واسألوا الله من خيرها وعوذوا بالله من شرها» أخبرنا سفيان بن عيينة قال قلت لابن طاووس: ما كان أبوك يقول إذا سمع الرعد؟
    قال كان يقول:
    سبحان من سبحت له
    (قال الشافعي) :
    كأنه يذهب إلى قول الله عز وجل {ويسبح الرعد بحمده} [الرعد: 13] .
    [الإشارة إلى المطر]
    (قال الشافعي)
    : - رحمه الله تعالى -:
    أخبرنا من لا أتهم قال حدثنا سليمان بن عبد الله عن عروة بن الزبير قال " إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يشير إليه، وليصف، ولينعت "
    (قال الشافعي) :
    ولم تزل العرب تكره الإشارة إليه في الرعد،
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة أن مجاهدا كان يقول:
    الرعد ملك، والبرق أجنحة الملك يسقن السحاب
    (قال الشافعي) :
    ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن، أخبرنا الثقة عن مجاهد أنه قال ما سمعت بأحد ذهب البرق ببصره كأنه ذهب إلى قول الله عز وجل {يكاد البرق يخطف أبصارهم} [البقرة: 20]
    (قال)
    :
    وبلغني عن مجاهد أنه قال، وقد سمعت من تصيبه الصواعق كأنه ذهب إلى قول الله عز وجل {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} [الرعد: 13] ،
    وسمعت من يقول:
    الصواعق ربما قتلت وأحرقت.كثرة المطر وقلته
    (قال الشافعي) : - رحمه الله تعالى -:
    أخبرنا إبراهيم عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «ما من ساعة من ليل، ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء»
    (قال الشافعي)
    أخبرنا من لا أتهم عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه «أن الناس مطروا ذات ليلة فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - غدا عليهم فقال ما على الأرض بقعة إلا، وقد مطرت هذه الليلة»
    (قال الشافعي) :
    أخبرنا من لا أتهم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس السنة بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا ثم تمطروا، ولا تنبت الأرض شيئا» .أي الأرض أمطر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم قال أخبرني إسحاق بن عبد الله عن الأسود عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «المدينة بين عيني السماء عين بالشام، وعين باليمن، وهي أقل الأرض مطرا»
    (قال الشافعي) :
    أخبرني من لا أتهم قال أخبرني يزيد أو نوفل بن عبد الملك الهاشمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اسكت أقل الأرض مطرا،
    وهي بين عيني السماء يعني المدينة:
    عين بالشام، وعين باليمن»
    أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرني من لا أتهم.
    قال أخبرني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: يوشك أن تمطر المدينة مطرا لا يكن أهلها البيوت، ولا يكنهم إلا مظال الشعر.
    (قال الشافعي)
    :
    أخبرني من لا أتهم عن صفوان بن سليم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «يصيب المدينة مطر لا يكن أهلها بيت من مدر»
    (قال الشافعي)
    :
    أخبرنا من لا أتهم قال أخبرني محمد بن زيد بن مهاجر عن صالح بن عبد الله بن الزبير أن كعبا قال له،
    وهو يعمل وتدا بمكة:
    اشدد، وأوثق فإنا نجد في الكتب أن السيول ستعظم في آخر الزمان،
    أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال: جاء مكة مرة سيل طبق ما بين الجبلين.
    (قال الشافعي)

    وأخبرني من لا أتهم قال أخبرني موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: يوشك المدينة أن يصيبها مطر أربعين ليلة لا يكن أهلها بيت من مدر.أي الريح يكون بها المطر. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم قال أخبرني عبد الله بن عبيدة عن محمد بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نصرت بالصبا، وكانت عذابا على من كان قبلي»
    (قال الشافعي)
    وبلغني أن قتادة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ما هبت جنوب قط إلا أسالت واديا»
    (قال الشافعي) :
    يعني أن الله خلقها تهب نشرا بين يدي رحمته من المطر،
    أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرنا سليمان عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال:

    إن الله تبارك وتعالى يرسل الرياح فتحمل الماء من السماء ثم تمر في السحاب حتى تدر كما تدر اللقحة ثم تمطر. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي.
    قال أخبرنا من لا أتهم قال:
    حدثني إسحاق بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
    قال:
    «إذا أنشئت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها»


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الصلاة
    الحلقة (44)
    صــــــــــ 291 الى صـــــــــــ300

    [الحكم في تارك الصلاة]

    أخبرنا الربيع قال قال الشافعي - رحمه الله تعالى -: من ترك الصلاة المكتوبة ممن دخل في الإسلام قيل له لم لا تصلي؟ فإن ذكر نسيانا قلنا فصل إذا ذكرت، وإن ذكر مرضا قلنا فصل كيف أطقت قائما أو قاعدا أو مضطجعا أو موميا فإن قال أنا أطيق الصلاة، وأحسنها، ولكن لا أصلي وإن كانت علي فرضا قيل له الصلاة عليك شيء لا يعمله عنك غيرك، ولا تكون إلا بعملك فإن صليت، وإلا استتبناك فإن تبت، وإلا قتلناك فإن الصلاة أعظم من الزكاة، والحجة فيها ما وصفت من أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال " لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه لا تفرقوا بين ما جمع الله.
    (قال الشافعي)
    :
    يذهب فيما أرى، والله تعالى أعلم إلى قول الله تبارك وتعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] : وأخبر أبو بكر أنه إنما يقاتلهم على الصلاة والزكاة، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتلوا من منع الزكاة إذ كانت فريضة من فرائض الله جل ثناؤه، ونصب دونها أهلها فلم يقدر على أخذها منهم طائعين، ولم يكونوا مقهورين عليها فتؤخذ منهم كما تقام عليهم الحدود كارهين وتؤخذ أموالهم لمن وجبت له بزكاة أو دين كارهين أو غير كارهين فاستحلوا قتالهم والقتال سبب القتل فلما كانت الصلاة، وإن كان تاركها في أيدينا غير ممتنع منا فإنا لا نقدر على أخذ الصلاة منه لأنها ليست بشيء يؤخذ من يديه مثل اللقطة، والخراج، والمال.قلنا إن صليت، وإلا قتلناك كما يفكر فنقول إن قبلت الإيمان، وإلا قتلناك إذ كان الإيمان لا يكون إلا بقولك، وكانت الصلاة، والإيمان مخالفين معا ما في يديك، وما نأخذ من مالك لأنا نقدر على أخذ الحق منك في ذلك، وإن كرهت فإن شهد عليه شهود أنه ترك الصلاة سئل عما قالوا فإن قال كذبوا، وقد يمكنه أن يصلي حيث لا يعلمون صدق، وإن قال نسيت صدق وكذلك لو شهدوا أنه صلى جالسا،
    وهو صحيح فإن قال: أنا مريض أو تطوعت صدق
    (قال الشافعي) :
    وقد قيل يستتاب تارك الصلاة ثلاثا، وذلك إن شاء الله تعالى حسن فإن صلى في الثلاث، وإلا قتل، وقد خالفنا بعض الناس فيمن ترك الصلاة إذا أمر بها،
    وقال:
    لا أصليها فقال: لا يقتل،
    وقال بعضهم:
    أضربه وأحبسه، وقال بعضهم أحبسه، ولا أضربه، وقال بعضهم لا أضربه، ولا أحبسه، وهو أمين على صلاته
    (قال الشافعي) :
    فقلت لمن يقول لا أقتله: أرأيت الرجل تحكم عليه بحكم برأيك وهو من أهل الفقه فيقول قد أخطأت الحكم، ووالله لا أسلم ما حكمت به لمن حكمت له قال فإن قدرت على أخذه منه أخذته منه، ولم ألتفت إلى قوله، وإن لم أقدر،
    ونصب دونه قاتلته حتى آخذه أو أقتله فقلت له:
    وحجتك أن أبا بكر قاتل من منع الزكاة، وقتل منهم،
    قال:
    نعم،
    قلت: فإن قال لك: الزكاة فرض من الله لا يسع جهله، وحكمك رأي منك يجوز لغيرك عندك، وعند غيرك أن يحكم بخلافه فكيف تقتلني على ما لست على ثقة من أنك أصبت فيه كما تقتل من منع فرض الله عز وجل في الزكاة الذي لا شك فيه؟
    قال:
    لأنه حق عندي وعلي جبرك عليه.
    (قلت) :
    قال لك، ومن قال لك إن عليك جبري عليه؟ قال: إنما وضع الحكام ليجبروا على ما رأوا
    (قلت)
    :
    فإن قال لك: علي ما حكموا به من حكم الله أو السنة أو ما لا اختلاف فيه؟
    قال:
    قد يحكمون بما فيه الاختلاف
    (قلت) :
    فإن قال: فهل سمعت بأحد منهم قاتل على رد رأيه فتقتدي به؟ فقال: وأنا لم أجد هذا فإني إذا كان لي الحكم فامتنع منه قاتلته عليه
    (قلت) :
    ومن قال لك هذا؟
    (وقلت) :
    أرأيت لو قال لك قائل: من ارتد عن الإسلام إذا عرضته عليه فقال قد عرفته
    ، ولا أقول به أحبسه وأضربه حتى يقول به قال: ليس ذلك له لأنه قد بدل دينه،
    ولا يقبل منه إلا أن يقول به قلت:
    أفتعدو الصلاة إذ كانت من دينه،
    وكانت لا تكون إلا به كما لا يكون القول بالإيمان إلا به أن يقتل على تركها أو يكون أمينا فيها كما قال بعض أصحابك: فلا نحبسه، ولا نضربه؟ قال لا يكون أمينا عليها إذا ظهر لي أنه لا يصليها، وهي حق عليه قلت أفتقتله برأيك في الامتناع من حكمك برأيك، وتدع قتله في الامتناع من الصلاة التي هي أبين ما افترض الله عز وجل عليه بعد توحيد الله وشهادة أن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإيمان بما جاء به من الله تبارك وتعالى
    [الحكم في الساحر والساحرة]
    أخبرنا الربيع قال قال الشافعي - رحمه الله تعالى - قال الله تبارك وتعالى {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} [البقرة: 102] .
    (قال الشافعي) :
    أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال يا عائشة أما علمت أن الله أفتاني في أمر استفتيته فيه، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء،
    ولا يأتيهن أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي:
    ما بال الرجل؟
    قال:
    مطبوب، قال ومن طبه، قال لبيد بن أعصم،
    قال:
    وفيم؟
    قال:
    في جف طلعة ذكر في مشط ومشاقة تحت رعونة أو رعوفة في بئر ذروان قال فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هذه التي أريتها كأن رءوس نخلها رءوس الشياطين، وكأن ماءها نقاعة الحناء قال فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    فأخرج قالت عائشة:
    فقلت يا رسول الله فهلا قال سفيان تعني تنشرت قالت فقال أما الله عز وجل فقد شفاني، وأكره أن أثير على الناس منه شرا»
    قال ولبيد بن أعصم من بني زريق حليف اليهود
    (قال الشافعي)
    :
    أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول كتب عمر " أن اقتلوا كل ساحر وساحرة " فقتلنا ثلاث سواحر.
    (قال الشافعي)
    :
    وأخبرنا أن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلت جارية لها سحرتها.
    (قال الشافعي)
    :
    والسحر اسم جامع لمعان مختلفة فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه فإن تاب، وإلا قتل، وأخذ ماله فيئا، وإن كان ما يسحر به كلاما لا يكون كفرا وكان غير معروف، ولم يضر به أحدا نهي عنه فإن عاد عزر، وإن كان يعلم أنه يضر به أحدا من غير قتل فعمد أن يعمله عزر، وإن كان يعمل عملا إذا عمله قتل المعمول به وقال عمدت قتله قتل به قودا إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته حالة في ماله،
    وإن قال:
    إنما أعمل بهذا لأقتل فيخطئ القتل ويصيب، وقد مات مما عملت به ففيه الدية، ولا قود، وإن قال قد سحرته سحرا مرض منه، ولم يمت منه أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل، وكانت لهم الدية، ولا قود لهم مال الساحر، ولا يغنم إلا في أن يكون السحر كفرا مصرحا، وأمر عمر أن يقتل السحار عندنا، والله تعالى أعلم إن كان السحر كما وصفنا شركا، وكذلك أمر حفصة، وأما بيع عائشة الجارية، ولم تأمر بقتلها فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها لأن لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها إن لم تتب أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها إن شاء الله تعالى، وحديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد هذه المعاني عندنا، والله تعالى أعلم.
    (قال الشافعي) :
    حقن الله الدماء، ومنع الأموال إلا بحقها بالإيمان بالله، وبرسوله أو عهد من المؤمنين بالله ورسوله لأهل الكتاب، وأباح دماء البالغين من الرجال بالامتناع من الإيمان إذا لم يكن لهم عهد قال الله تبارك وتعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} [التوبة: 5] إلى {غفور رحيم} [التوبة: 5]
    (قال الشافعي) :
    أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
    قال:
    «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»
    (قال الشافعي) :
    والذي أراد الله عز وجل أن يقتلوا حتى يتوبوا، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، أهل الأوثان من العرب، وغيرهم الذين لا كتاب لهم،
    فإن قال قائل:
    ما دل على ذلك؟ قيل له قال الله عز وجل {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29]
    (قال الشافعي) :
    فمن لم يزل على الشرك مقيما لم يحول عنه إلى الإسلام فالقتل على الرجال دون النساء منهم.
    [المرتد عن الإسلام]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    ومن انتقل عن الشرك إلى إيمان ثم انتقل عن الإيمان إلى الشرك من بالغي الرجال والنساء استتيب فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل قال الله عز وجل {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} [البقرة: 217] إلى {هم فيها خالدون} [البقرة: 39]
    (قال الشافعي)
    :
    أخبرنا الثقة من أصحابنا عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان بن عفان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس»
    (قال الشافعي)
    :
    أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن أبي تميمة عن عكرمة قال: لما بلغ ابن عباس أن عليا - رضي الله تعالى عنه -
    حرق المرتدين أو الزنادقة قال:
    لو كنت أنا لم أحرقهم، ولقتلتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من بدل دينه فاقتلوه» ولم أحرقهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله»
    (قال الشافعي) :
    أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال «من غير دينه فاضربوا عنقه»
    (قال الشافعي) : حديث يحيى بن سعيد ثابت، ولم أر أهل الحديث يثبتون الحديثين بعد حديث زيد لأنه منقطع، ولا الحديث قبله
    (قال) :
    ومعنى حديث عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كفر بعد إيمان» ، ومعنى، " من بدل قتل " معنى يدل على أن من بدل دينه دين الحق، وهو الإسلام لا من بدل غير الإسلام وذلك أن من خرج من غير دين الإسلام إلى غيره من الأديان فإنما خرج من باطل إلى باطل، ولا يقتل على الخروج من الباطل إنما يقتل على الخروج من الحق لأنه لم يكن على الدين الذي أوجب الله عز وجل عليه الجنة وعلى خلافه النار إنما كان على دين له النار إن أقام عليه قال الله جل ثناؤه {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] ، وقال الله عز وجل {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} [آل عمران: 85] إلى قوله {من الخاسرين} [البقرة: 64] وقال {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} [البقرة: 132] إلى قوله {مسلمون} [البقرة: 132]
    (قال الشافعي) :
    وإذا قتل المرتد أو المرتدة فأموالهما فيء لا يرثها مسلم ولا ذمي، وسواء ما كسبا من أموالهما في الردة أو ملكا قبلها، ولا يسبى للمرتدين ذرية امتنع المرتدون في دارهم أو لم يمتنعوا أو لحقوا في الردة بدار الحرب أو أقاموا بدار الإسلام لأن حرمة الإسلام قد ثبتت للذرية بحكم الإسلام في الدين والحرية، ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم، ويوارثون، ويصلى عليهم، ومن بلغ منهم الحنث أمر بالإسلام فإن أسلم، وإلا قتل، ولو ارتد المعاهدون فامتنعوا أو هربوا إلى دار الكفار، وعندنا ذراري لهم ولدوا من أهل عهد لم نسبهم، وقلنا لهم إذا بلغوا ذلك - إن شئتم فلكم العهد، وإلا نبذنا إليكم فاخرجوا من بلاد الإسلام فأنتم حرب -، ومن ولد من المرتدين من المسلمين، والذميين في الردة لم يسب لأن آباءهم لا يسبون، ولا يؤخذ من ماله شيء ما كان حيا فإن مات على الردة أو قتل جعلنا ماله فيئا، وإن رجع إلى الإسلام فماله له، وإذا ارتد رجل عن الإسلام أو امرأة استتيب أيهما ارتد، فظاهر الخبر فيه أن يستتاب مكانه فإن تاب، وإلا قتل، وقد يحتمل الخبر أن يستتاب مدة من المدد،
    أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري فسأله عن الناس فأخبره ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر؟
    فقال:
    نعم رجل كفر بعد إسلامه قال: فما فعلتم به؟
    قال:
    قربناه فضربنا عنقه،
    فقال عمر:
    " فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب، ويراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني "
    (قال الشافعي) :
    وفي حبسه ثلاثا قولان: أحدهما أن يقال ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
    أنه قال:
    «يحل الدم بثلاث كفر بعد إيمان» ، وهذا قد كفر بعد إيمانه، وبدل دينه دين الحق، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
    فيه بأناة مؤقتة تتبع فإن قال قائل إن الله جل ثناؤه أجل بعض من قضى بعذابه أن يتمتع في داره ثلاثة أيام فإن نزول نقمة الله بمن عصماه مخالف لما يجب على الأئمة أن يقوموا به من حق الله فإن قال قائل:
    ما دل على ذلك؟ قيل: دل عليه ما قضى الله تبارك وتعالى من إمهاله لمن كفر به، وعصاه، وقيل: أسلناه مددا طالت، وقصرت، ومن أخذه بعضهم بعذاب معجل، وإمهاله بعضهم إلى عذاب الآخرة الذي هو أخزى فأمضى قضاءه على ما أراد لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه فما وجب من حقوقه فالمتأنى به ثلاثا ليتوب بعد ثلاث كهيئته قبلها إما لا ينقطع منه الطمع ما عاش لأنه يئس من توبته ثم يتوب، وإما أن يكون إغرامه يقطع الطمع منه فذلك يكون في مجلس، وهذا قول يصح والله تعالى أعلم،
    ومن قال:
    لا يتأنى به من زعم أن الحديث الذي روي عن عمر لو حبستموه ثلاثا، ليس بثابت لأنه لا يعلمه متصلا، وإن كان ثابتا كأن لم يجعل على من قتله قبل ثلاث شيئا، والقول الثاني أنه يحبس ثلاثا، ومن قال به احتج بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر به،
    وأنه قد يجب الحد فيتأنى به الإمام بعض الأناة فلا يعاب عليه قال الربيع قال الشافعي في موضع آخر: لا يقتل حتى يجوز كل وقت صلاة فيقال له: قم فصل فإن لم يصل قتل
    (قال الشافعي) :
    اختلف أصحابنا في المرتد فقال منهم قائل: من ولد على الفطرة ثم ارتد إلى دين يظهره أو لا يظهره لم يستتب وقتل، وقال بعضهم سواء من ولد على الفطرة، ومن أسلم لم يولد عليها فأيهما ارتد فكانت ردته إلى يهودية أو نصرانية أو دين يظهره استتيب فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل، وإن كانت ردته إلى دين لا يظهره مثل الزندقة وما أشبهها قتل، ولم ينظر إلى توبته، وقال بعضهم سواء من ولد على الفطرة، ومن لم يولد عليها إذا فأيهما ارتد استتيب، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب قتل
    (قال الشافعي) :
    وبهذا أقول فإن قال قائل: لم اخترته؟
    قيل له: لأن الذي أبحت به دم المرتد ما أباح الله به دماء المشركين ثم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «كفر بعد إيمان» فلا يعدو قوله أن يكون كلمة الكفر توجب دمه كما يوجبه الزنا بعد الإحصان فقتل بما أوجب دمه من كلمة الكفر إلى أي كفر رجع، ومولودا على الفطرة كان أو غير مولود، أو يكون إنما يوجب دمه كفر ثبت عنه إذا سئل النقلة عنه امتنع، وهذا أولى المعنيين به عندنا لأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قتل مرتدا رجع عن الإسلام وأبو بكر قتل المرتدين وعمر قتل طليحة، وعيينة بن بدر، وغيرهما
    (قال الشافعي)
    :
    والقولان اللذان تركت ليسا بواحد من هذين القولين اللذين لا وجه لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرهما، وإنما كلف العباد الحكم على الظاهر من القول والفعل، وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه، وقد قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون - اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} [المنافقون: 1 - 2] إلى قوله {فطبع على قلوبهم} [المنافقون: 3]
    (قال) :
    وقد قيل في قول الله عز وجل {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1] ما هم بمخلصين، وفي قول الله آمنوا ثم كفروا ثم أظهروا الرجوع عنه قال الله تبارك اسمه {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} [التوبة: 74] فحقن بما أظهروا من الحلف ما قالوا كلمة الكفر دماءهم بما أظهروا
    (قال)
    :
    وقول الله جل ثناؤه {اتخذوا أيمانهم جنة} [المنافقون: 2] يدل على أن إظهار الإيمان جنة من القتل، والله ولي السرائر
    (قال الشافعي) :
    أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن «المقداد أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله قلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» قال الربيع معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إن شاء الله تعالى «فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» ، يعني أنه بمنزلتك حرام الدم، وأنت إن قتلته بمنزلته كنت مباح الدم قبل أن يقول الذي قال "
    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الصلاة
    الحلقة (45)
    صــــــــــ 291 الى صـــــــــــ300

    (قال الشافعي) :
    وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين دلالة على أمور منها، لا يقتل من أظهر التوبة من كفر بعد إيمان، ومنها أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية، ولا نصرانية، ولا مجوسية، ولا دين يظهرونه إنما أظهروا الإسلام، وأسروا الكفر فأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر على أحكام المسلمين فناكحوا المسلمين ووارثوهم وأسهم لمن شهد الحرب منهم، وتركوا في مساجد المسلمين
    (قال الشافعي) :
    ولا رجع عن الإيمان أبدا أشد ولا أبين كفرا ممن أخبر الله عز وجل عن كفره بعد إيمانه فإن قال قائل أخبر الله عز وجل عن أسرارهم، ولعله لم يعلمه الآدميون فمنهم من شهد عليه بالكفر بعد الإيمان، ومنهم من أقر بعد الشهادة، ومنهم من أقر بغير شهادة، ومنهم من أنكر بعد الشهادة، وأخبر الله عز وجل عنهم بقول ظاهر فقال عز وجل {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} [الأحزاب: 12] فكلهم إذا قال ما قال، وثبت على قوله أو جحد أو أقر،
    وأظهر الإسلام ترك بإظهار الإسلام فلم يقتل فإن قال قائل:
    فإن الله عز وجل قال {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} [التوبة: 84] إلى قوله {فاسقون} [التوبة: 84] فإن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخالفة صلاة المسلمين سواه لأنا نرجو أن لا يصلي على أحد إلا صلى الله عليه ورحمه، وقد قضى الله {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} [النساء: 145] ، وقال جل ثناؤه {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80] فإن قال قائل: ما دل على الفرق بين صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نهي عنهم، وصلاة المسلمين غيره، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى عن الصلاة عليهم بنهي الله له ولم ينه الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عنها، ولا عن مواريثهم فإن قال قائل فإن ترك قتلهم جعل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة فذلك يدخل عليه فيما سواه من الأحكام فيقال فيمن ترك - عليه السلام - قتله أو قتله جعل هذا له خاصة وليس هذا لأحد إلا بأن تأتي دلالة على أن أمرا جعل خاصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا فما صنع عام، على الناس الاقتداء به في مثله إلا ما بين هو أنه خاص أو كانت عليه دلالة بخبر
    (قال الشافعي)
    :
    وقد عاشروا أبا بكر وعمر وعثمان أئمة الهدى، وهم يعرفون بعضهم فلم يقتلوا منهم أحدا، ولم يمنعوه حكم الإسلام في الظاهر إذ كانوا يظهرون الإسلام، وكان عمر يمر بحذيفة بن اليمان إذا مات ميت فإن أشار عليه أن اجلس جلس، واستدل على أنه منافق ولم يمنع من الصلاة عليه مسلما، وإنما يجلس عمر عن الصلاة عليه لأن الجلوس عن الصلاة عليه مباح له في غير المنافق إذا كان لهم من يصلي عليهم سواه، وقد يرتد الرجل إلى النصرانية ثم يظهر التوبة منها وقد يمكن فيه أن يكون مقيما عليه لأنه قد يجوز له ذلك عنده بغير مجامعة النصارى ولا غشيان الكنائس، فليس في ردته إلى دين لا يظهره إذا أظهر التوبة شيء يمكن بأن يقول قائل لا أجد دلالة على توبته بغير قوله إلا، وهو يدخل في النصرانية، وكل دين يظهره ويمكن فيه قبل أن يظهر ردته أن يكون مشتملا على الردة فإن قال قائل لم أكلف هذا إنما كلفت ما ظهر، والله ولي ما غاب فأقبل القول بالإيمان إذا قاله ظاهرا وأنسبه إليه، وأعمل به إذا عمل فهذا واحد في كل أحد سواء لا يختلف، ولا يجوز أن يفرق بينه إلا بحجة إلا أن يفرق الله ورسوله بينه، ولم نعلم لله حكما، ولا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - يفرق بينه، وأحكام الله ورسوله تدل على أن ليس لأحد أن يحكم على أحد إلا بظاهر، والظاهر ما أقر به أو ما قامت به بينة تثبت عليه، فالحجة فيما وصفنا من المنافقين وفي «الرجل الذي استفتى فيه المقداد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قطع يده على الشرك، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فهلا كشفت عن قلبه؟» يعني أنه لم يكن لك إلا ظاهره، وفي «قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المتلاعنين إن جاءت به أحمر كأنه وحرة فلا أراه إلا قد كذب عليها، وإن جاءت به أديعج جعدا فلا أراه إلا قد صدق فجاءت به على النعت المكروه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أمره لبين لولا ما حكم الله» وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ به فإني إنما أقطع له قطعة من النار»
    (قال الشافعي) :
    ففي كل هذا دلالة بينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقض إلا بالظاهر فالحكام بعده أولى أن لا يقضوا إلا على الظاهر، ولا يعلم السرائر إلا الله عز وجل والظنون محرم على الناس، ومن حكم بالظن لم يكن ذلك له والله تعالى أعلم
    (قال الشافعي) :
    وإذا ارتد الرجل أو المرأة عن الإسلام فهرب، ولحق بدار الحرب أو غيرها، وله نساء وأمهات أولاد، ومكاتبون ومدبرون، ومماليك، وأموال ماشية، وأرضون وديون له عليه أمر القاضي نساءه أن يعتددن، وأنفق عليهن من ماله، وإن جاء تائبا، وهن في عدتهن فهو على النكاح، وإن لم يأت تائبا حتى تمضي عدتهن فقد انفسخن منه، وينكحن من شئن، ووقف أمهات الأولاد فمتى جاء تائبا فهن في ملكه، وينفق عليهن من ماله فإن مات أو قتل عتقن، وكان مكاتبوه على كتابتهم تؤخذ نجومهم فإن عجزوا رجعوا رقيقا، ونظر فيمن بقي من رقيقه فإن كان حبسهم أزيد في ماله حبسهم أو من كان منهم يزيد في ماله بخراج أو بصناعة أو كفاية لضيعة، وإن كان حبسهم ينقص من ماله أو حبس بعضهم باع من كان حبسه منهم ناقصا لماله وهكذا يصنع في ماشيته، وأرضه، ودوره، ورقيقه ويقتضي دينه، ويقضي عنه ما حل من دين عليه فإن رجع تائبا سلم إليه ما وقف من ماله وإن مات أو قتل على ردته كان ما بقي من ماله فيئا.
    (قال الشافعي)
    :
    وإن جنى في ردته جناية لها أرش أخذ من ماله، وإن جني عليه فالجناية هدر لأن دمه مباح فما دون دمه أولى أن يباح من دمه.
    (قال)
    :
    وإن أعتق في ردته أحدا من رقيقه فالعتق موقوف ويستغل العبد، ويوقف عليه فإن مات فهو رقيق، وغلته مع عنقه فيء، وإن رجع تائبا فهو حر، وله ما غل بعد العتق
    (قال)
    :
    وإن أقر في ردته بشيء من ماله فهو كما وصفت في العتق، وكذلك لو تصدق
    (قال) :
    وإن، وهب فلا تجوز الهبة لأنها لا تجوز إلا مقبوضة
    (قال الشافعي) :
    فإن قال قائل: ما الفرق بينه وبين المحجور عليه في ماله يعتق فيبطل عتقه ويتصدق فتبطل صدقته، ولا يلزمه ذلك إذا خرج من الولاية؟ الفرق بينهما أن الله تبارك وتعالى يقول {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6] فكان قضاء الله عز وجل أن تحبس عنهم أموالهم حتى يبلغوا ويؤنس منهم رشد فكانت في ذلك دلالة على أن لا أمر لهم، وأنها محبوسة برحمة الله لصلاحهم في حياتهم، ولم يسلطوا على إتلافها فيما لا يلزمهم ولا يصلح معايشهم فبطل ما أتلفوا في هذا الوجه لأنه لا يلزمهم عتق ولا صدقة، ولم يحبس مال المرتد بنظر ماله ولا بأنه له وإن كان مشركا، ولو كان يجوز أن يترك على شركه لجاز أمره في ماله، لأنا لا نلي على المشركين أموالهم فأجزنا عليه ما صنع فيه إن رجع إلى الإسلام، وإن لم يرجع حتى يموت أو يقتل كان لنا بموته قبل أن يرجع ما في أيدينا من ماله فيئا، فإن قيل أو ليس ماله على حاله؟
    قيل: بل ماله على شرط.
    [الخلاف في المرتد]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    قال بعض الناس إذا ارتدت المرأة عن الإسلام حبست ولم تقتل،
    فقلت لمن يقول هذا القول:
    أخبرا قلته أم قياسا؟
    قال: بل خبرا عن ابن عباس، وكان من أحسن أهل العلم من أهل ناحيته قولا فيه قلت الذي قال هذا خطاء ومنهم من أبطله بأكثر
    (قال الشافعي) :
    وقلت: له قد حدث بعض محدثيكم عن أبي بكر الصديق أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فما كان لنا أن نحتج به إذ كان ضعيفا عند أهل العلم بالحديث
    (قال)
    :
    فإني أقوله قياسا على السنة
    (قلت)
    :
    فاذكره قال «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والولدان من أهل دار الحرب» فإذا كان النساء لا يقتلن في دار الحرب كان النساء اللاتي ثبت لهن حرمة الإسلام أولى أن لا يقتلن
    (قال الشافعي)
    :
    فقلت له أويشبه حكم دار الحرب الحكم في دار الإسلام
    (قال) :
    وما الفرق بينه؟ قلت أنت تفرق بينه
    (قال) :
    وأين؟ قلت: أرأيت الكبير الفاني،
    والراهب الأجير أيقتل من هؤلاء أحد في دار الحرب قال:
    لا
    (قلت) :
    فإن ارتد رجل فترهب أو ارتد أجيرا نقتله قال: نعم
    (قلت) :
    ولم؟ ، وهؤلاء قد ثبت لهم حرمة الإسلام، وصاروا كفارا فلم لا تحقن دماءهم؟ (قال) : لأن قتل هؤلاء كالحد ليس لي تعطيله
    (قلت)
    :
    أرأيت ما حكمت به حكم الحد أنسقطه عن المرأة؟ أرأيت القتل والقطع، والرجم، والجلد أتجد بين المرأة والرجل من المسلمين فيه فرقا؟ قال: لا
    (قلت)
    فكيف لم تقتلها بالحد في الردة
    (قال الشافعي) :
    وقلت له أرأيت المرأة من دار الحرب أتغنم مالها، وتسبيها، وتسترقها قال نعم
    (قلت) :
    فتصنع هذا بالمرتدة في دار الإسلام؟ قال: لا، قال فقلت له: فكيف جاز لك أن تقيس بالشيء ما لا يشبهه في الوجهين
    (قال الشافعي)
    :
    وقال بعض الناس، وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فقتل أو مات على ردته أو لحق بدار الحرب قسمنا ميراثه بين ورثته من المسلمين، وقضينا كل دين عليه إلى أجل وأعتقنا أمهات أولاده، ومدبريه فإن رجع إلى الإسلام لم نرد من الحكم شيئا إلا أن نجد من ماله شيئا في يدي أحد من ورثته فيردون عليه لأنه ماله، ومن أتلف من ورثته شيئا مما قضينا له به ميراثا لم يضمنه
    (قال الشافعي) :
    فقلت لأعلى من قال هذا القول عندهم: أصول العلم عندك أربعة أصول أوجبها وأولاها أن يؤخذ به فلا يترك كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا أعلمك إلا قد جردت خلافهما، ثم القياس، والمعقول عندك الذي يؤخذ به بعد هذين الإجماع فقد خالفت القياس والمعقول، وقلت في هذا قولا متناقضا
    (قال)
    :
    فأوجدني ما وصفت قلت له قال الله: تبارك وتعالى {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} [النساء: 176] مع ما ذكر من آي المواريث ألا ترى أن الله عز وجل إنما ملك الأحياء بالمواريث ما كان الموتى يملكون إذا كانوا أحياء؟ قال: بلى (قلت) :
    والأحياء خلاف الموتى؟ قال: نعم
    (قلت) :
    أفرأيت المرتد ببعض ثغورنا يلحق بمسلحة لأهل الحرب يراها فيكون قائما بقتالنا أو مترهبا أو معتزلا لا تعرف حياته فكيف حكمت عليه حكم الموتى وهو حي؟ بخبر قلته أم قياسا
    (قال)
    :
    ما قلته خبرا
    (قلت)
    :
    وكيف عبت أن حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في امرأة المفقود تربص أربع سنين ثم تعتد،
    ولم يحكما في ماله فقلت:

    سبحان الله يجوز أن يحكم عليه بشيء من حكم الموتى، وإن كان الأغلب أنه ميت لأنه قد يكون غير ميت، ولا يحكم عليه إلا بيقين، وحكمت أنت عليه في ساعة من نهار حكم الموتى في كل شيء برأيك ثم قلت فيه قولا متناقضا
    (قال)
    :
    فقال ألا تراني لو أخذته فقتلته
    (قلت)
    :
    وقد تأخذه فلا تقتله بأخذه مبرسما أو أخرس فلا تقتله حتى يفيق فتستتيبه قال نعم
    (قال)
    :
    وقلت له أرأيت لو كنت إذا أخذته قتلته أكان ذلك يوجب عليه حكم الموتى، وأنت لم تأخذه ولم تقتله، وقد تأخذه، ولا تقتله بأن يتوب بعدما تأخذه، وقبل تغير حاله بالخرس؟
    (قال)
    :
    فإني أقول إذا ارتد، ولحق بدار الحرب فحكمه حكم ميت
    (قال)
    :
    فقلت له أفيجوز أن يقال ميت يحيا بغير خبر؟ فإن جاز هذا لك جاز لغيرك مثله ثم كان لأهل الجهل أن يتكلموا في الحلال والحرام
    (قال) :
    وما ذلك لهم
    (قلت) :
    ولم؟
    (قال) :
    لأن على أهل العلم أن يقولوا من كتاب أو سنة أو أمر مجمع عليه أو أثر أو قياس أو معقول، ولا يقولون بما يعرف الناس غيره إلا أن يفرق بين ذلك كتاب أو سنة أو إجماع أو أثر، ولا يجوز في القياس أن يخالف
    (قلت) :
    هذا سنة؟
    قال:
    نعم
    (قلت) :
    فقد قلت بخلاف الكتاب، والقياس، والمعقول
    (قال)
    :
    فأين خالفت القياس؟
    (قلت) :
    أرأيت حين زعمت أن عليك إذا ارتد، ولحق بدار الحرب أن تحكم عليه حكم الموتى، وأنك لا ترد الحكم إذا جاء لأنك إذا حكمت به لزمك إن جاءت سنة فتركته لم تحكم عليه في ماله عشر سنين حتى جاء تائبا ثم طلب منك من كنت تحكم في ماله حكم الموتى أن تسلم ذلك إليه، وقال قد لزمك أن تعطينا هذا بعد عشر سنين؟
    قال:
    ولا أعطيهم ذلك، وهو أحق بماله (قلت) : له فإن قالوا إن كان هذا لزمك فلا يحل لك إلا أن تعطيناه، وإن كان لم يلزمك إلا بموته فقد أعطيتناه في حال لا يحل لك، ولا لنا ما أعطيتنا منه
    (قال الشافعي) :
    وقلت له أرأيت إذ زعمت أنك إذا حكمت عليه بحكم الموتى فهل يعدو الحكم فيه أن يكون نافذا لا يرد أو موقوفا عليه يرد إذا جاء
    (قال) :
    ما أقول بهذا التحديد
    (قلت) :
    أفتفرق بينه بخبر يلزم فنتبعه؟
    (قال) :
    لا فقلت إذا كان خلاف القياس، والمعقول، وتقول بغير خبر أيجوز؟
    قال:
    إنما فرق أصحابكم بغير خبر
    (قلت)

    أفرأيت ذلك ممن فعله منهم صوابا؟ قال: ل
    ا (قلت) :
    أو رأيت أيضا قولك إذا كان عليه دين إلى ثلاثين سنة فلحق بدار الحرب فقضيت صاحب الدين دينه، وهو مائة ألف دينار، وأعتقت أمهات أولاده، ومدبريه، وقسمت ميراثه بين بنيه فأصاب كل واحد منهما ألف دينار فأتلف أحدهما نصيبه،
    والآخر بعينه ثم جاء مسلما من يومه أو غده فقال:
    اردد علي ما لي فهو هذا، وهؤلاء أمهات أولادي، ومدبري بأعيانهم، وهذا صاحب ديني يقول لك: هذا ماله في يدي لم أغيره، وهذان ابناي مالي في يد أحدهما أو قد صادني الآخر فأتلف مالي
    (قال) :
    أقول له: قد مضى الحكم، ولا يرد غير أني أعطيك المال الذي في يد ابنك الذي لم يتلفه فقلت له فقال لك ولم تعطينيه دون مالي
    (قال) :
    لأنه مالك بعينه فقلت له: فمدبروه وأمهات أولاده، ودينه المؤجل ماله بعينه فأعطه إياه (قال) : لا أعطيه إياه لأن الحكم قد مضى به
    (قلت) :
    ومضى ما أعطيت ابنه قال نعم
    (قلت)
    :
    فحكمت حكما، واحدا فإن كان الحق إمضاءه فأمضه كله، وإن كان الحق رده فرده كله (قال) : أرد ما وجدته بعينه
    (قلت) :
    له فاردد إليه دينه المؤجل بعينه ومدبريه،
    وأمهات أولاده قال:

    أرد عين ما وجدت في يد وارثه (قلت) : له أفترى هذا جوابا؟ فما زاد على أن قال فأين السنة؟
    (قال الشافعي) :
    فقلت له أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يرث المسلم الكافر»
    (قال الشافعي)
    :
    أخبرنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله
    (قلت)
    أفيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما؟ قال بل كافر، وبذلك أقتله
    (قلت) :
    أفما تبين لك السنة أن المسلم لا يرث الكافر قال فإنا قد روينا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه ورث مرتدا قتله وورثته من المسلمين.
    (قال)
    : فقلت أنا أسمعك وغيرك تزعمون أن ما روي عن علي من توريثه المرتد خطأ وأن الحفاظ لا يروونه في الحديث
    (قال) :
    فقد رواه ثقة، وإنما قلنا خطأ بالاستدلال، وذلك ظن
    (قال) :
    فقلت له: روى الثقفي، وهو ثقة عن جعفر بن محمد عن أبيه رحمهما الله تعالى عن جابر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» فقلت فلم يذكر جابرا الحفاظ فهذا يدل على أنه غلط أفرأيت لو احتججنا عليك بمثل حجتك فقلنا: هذا ظن والثقفي ثقة، وأن صنع غيره أوشك قال فإذا لا تنصف
    (قلت) :
    وكذلك لم تنصف أنت حين أخبرتني أن الحفاظ رووا هذا الحديث عن علي - رضي الله تعالى عنه - ليس فيه توريث ماله،
    وقلت: هذا غلط ثم احتججت به، فقال لو كان ثابتا، قلت فأصل ما نذهب إليه نحن وأنت وأهل العلم أن ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثبت عن غيره خلافه ولو كثروا لم يكن فيه حجة؟
    قال:
    أجل ولكني أقول: قد يحتمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر» الذي لم يسلم قط
    (قال الشافعي) :
    فقلت له: أفتقول هذا بدلالة في الحديث؟
    قال:
    لا، ولكن عليا - رضي الله تعالى عنه - أعلم به فقلت أيروي علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث فنقول لا يدع شيئا رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا وقد عرف معناه فيوجه على ما قلت؟
    (قال) :
    ما علمته رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم
    - (قلت) :
    أفيمكن فيه أن لا يكون سمعه؟ قال: نعم
    (قال الشافعي) :
    فقلت له: أفترى لك في هذا حجة؟
    قال:

    لا يشبه أن يكون يخفى مثل هذا عن علي - رضي الله تعالى عنه -
    فقلت:

    وقد وجدتك تخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى في بروع بنت واشق بمثل صداق نسائها، وكانت نكحت على غير صداق فقضى بخلافه، وقد سمعته وقال مثل قول علي ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس فقلت: لا حجة لأحد ولا في قوله مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت له: فإن قال لك قائل قد يمكن أن يكون إنما قال هذا زيد وابن عمر وابن عباس لأنهم علموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم أن زوج بروع فرض لها بعد عقدة النكاح فحفظ معقل أن عقدة النكاح بعد فريضة،
    وعلم هؤلاء أن الفريضة قد كانت بعد الدخول:

    قال. ليس في حديث معقل، وهؤلاء لم يرووه فيكونون قالوه برواية. وإنما قالوا عندنا بالرأي حتى يدعوا فيه رواية.
    (قال الشافعي)
    :
    فقلت لم لا يكون ما رويت عن علي في المرتد هكذا؟
    (قال)
    :
    وقلت له معاذ بن جبل يورث المسلم من الكافر ومعاوية وابن المسيب ومحمد بن علي وغيرهم، ويقول بعضهم: نرثهم ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم، ولا تحل لهم نساؤنا، أفرأيت إن قال لك قائل: فمعاذ بن جبل من أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد يحتمل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر» من أهل الأوثان، لأن أكثر حكمه كان عليهم، وليس يحل نساؤهم، ولكن المسلم يرث الكافر من أهل الكتاب كما يحل له نكاح المرأة منهم، قال: ليس ذلك له والحديث يحتمل كثيرا مما حمل، وليس معاذ حجة، وإن قال قولا واحتمله الحديث لأنه لم يرو الحديث
    (قلت)
    :
    فنقول لك ومعاذ يجهل هذا، ويرويه أسامة بن زيد؟
    قال:
    نعم. قد يجهل السنة المتقدم الصحبة ويعرفها قليل الصحبة (قال الشافعي) : فقلت له كيف لم تقل هذا في المرتد؟
    (قال الشافعي) :
    فقطع الكلام: وقال، ولم قلت يكون مال المرتد فيئا؟
    (قلت)
    :
    بأن الله تبارك وتعالى حرم دم المؤمن وماله إلا بواحدة ألزمه إياها، وأباح دم الكافر وماله إلا بأن يؤدي الجزية أو يستأمن إلى مدة، فكان الذي يباح به دم البالغ من المشركين هو الذي يباح به ماله، وكان المال تبعا للذي هو أعظم من المال، فلما خرج المرتد من الإسلام صار في معنى من أبيح دمه بالكفر لا بغيره وكان ماله تبعا لدمه، ويباح بالذي أبيح به من دمه، ولا يكون أن تنحل عنه عقدة الإسلام فيباح دمه ويمنع ماله
    (قال الشافعي)
    :
    فقال: فإن كنت شبهته بأهل دار الحرب فقد جمعت بينهم في شيء، وفرقته في آخر
    (قلت) :
    وما ذاك؟ قال: أنت لا تغنم ماله حتى يموت أو تقتله، وقد يغنم مال الحربي قبل أن يموت وتقتله
    (قال الشافعي) :
    فقلت له: الحكم في أهل دار الحرب حكمان: فأما من بلغته الدعوة فأغير عليه بغير دعوة آخذ ماله وإن لم أقتله، وأما من لم تبلغه الدعوة فلا أغير عليه حتى أدعوه، ولا أغنم من ماله شيئا حتى أدعوه فيمتنع فيحل دمه وماله، فلما كان القول في المرتد أن يدعى لم يغنم ماله حتى يدعى، فإذا امتنع قتل، وغنم ماله.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الجنائز
    الحلقة (46)
    صــــــــــ 301 الى صـــــــــــ305

    [كتاب الجنائز]
    [باب ما جاء في غسل الميت]
    كتاب الجنائز باب ما جاء في غسل الميت أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال مالك بن أنس: ليس لغسل الميت حد ينتهي لا يجزئ دونه، ولا يجاوز، ولكن يغسل فينقى وأخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهن في غسل بنته اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور»
    (قال الشافعي) :
    وعاب بعض الناس هذا القول على مالك،
    وقال:
    سبحان الله كيف لم يعرف أهل المدينة غسل الميت، والأحاديث فيه كثيرة؟ ثم ذكر أحاديث عن إبراهيم، وابن سيرين فرأى مالك معانيها على إنقاء الميت لأن روايتهم جاءت عن رجال غير واحد في عدد الغسل، وما يغسل به،
    فقال: غسل فلان فلانا بكذا وكذا: وقال: غسل فلان بكذا وكذا ثم ورأينا، والله أعلم ذلك على قدر ما يحضرهم مما يغسل به الميت وعلى قدر إنقائه لاختلاف الموتى في ذلك اختلاف الحالات، وما يمكن الغاسلين ويتعذر عليهم فقال مالك قولا مجملا " يغسل فينقى " وكذلك روي الوضوء مرة واثنتين وثلاثا وروي الغسل مجملا.وذلك كله يرجع إلى الإنقاء وإذا أنقي الميت بماء قراح أو ماء عد أجزأه ذلك من غسله كما ننزل ونقول معهم في الحي، وقد روي فيه صفة غسله
    (قال الشافعي) :
    ولكن أحب إلي أن يغسل ثلاثا بماء عد لا يقصر عن ثلاث لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اغسلنها ثلاثا» ، وإن لم ينقه ثلاثا أو خمسا؟ قلنا يزيدون حتى ينقوها، وإن أنقوا في أقل من ثلاث أجزأه، ولا نرى أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو على معنى الإنقاء إذ قال وترا ثلاثا أو خمسا ولم يوقت أخبرنا بعض أصحابنا عن ابن جريج عن أبي جعفر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسل ثلاثا» ،
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن عطاء قال:
    يجزئ في غسل الميت مرة فقال عمر بن عبد العزيز ليس فيه شيء مؤقت، وكذلك بلغنا عن ثعلبة بن أبي مالك
    (قال الشافعي) :
    والذي أحب من غسل الميت أن يوضع على سرير الموتى، ويغسل في قميص أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسل في قميص»
    (قال) :
    فإن لم يغسل في قميص ألقيت على عورته خرقة لطيفة تواريها، ويستر بثوب، ويدخل بيتا لا يراه إلا من يلي غسله ويعين عليه، ثم يصب رجل الماء إذا وضع الذي يلي غسله على يده خرقة لطيفة فيشدها ثم يبتدئ بسفلته ينقيها كما يستنجي الحي ثم ينظف يده ثم يدخل التي يلي بها سفله فإن كان يغسله واحد أبدل الخرقة التي يلي بها سفلته، وأخذ خرقة أخرى نقية فشدها على يده ثم صب الماء عليها، وعلى الميت ثم أدخلها في فيه بين شفتيه، ولا يفغر فاه فيمرها على أسنانه بالماء، ويدخل أطراف أصابعه في منخريه بشيء من ماء فينقي شيئا إن كان هنالك ثم يوضئه وضوءه للصلاة ثم يغسل رأسه ولحيته بالسدر فإن كان ملبدا فلا بأس أن يسرح بأسنان مشط مفرجة، ولا ينتف شعره ثم يغسل شقه الأيمن ما دون رأسه إلى أن يغسل قدمه اليمنى، ويحركه حتى يغسل ظهره كما يغسل بطنه ثم يتحول إلى شقه الأيسر فيصنع به مثل ذلك، ويقلبه على أحد شقيه إلى الآخر كل غسله حتى لا يبقى منه موضع إلا أتى عليه بالماء والسدر ثم يصنع به ذلك ثلاثا أو خمسا ثم يمر عليه الماء القراح قد ألقي فيه الكافور، وكذلك في كل غسله حتى ينقيه ويمسح بطنه مسحا رقيقا، والماء يصب عليه ليكون أخفى لشيء إن خرج منه.
    (قال)
    :
    وغسل المرأة شبيه بما وصفت من غسل الرجل
    (قال الشافعي) :
    وقال بعض الناس يغسل الأول بماء قراح، ولا يعرف زعم الكافور في الماء،
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن أم عطية الأنصارية قالت:
    «دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفيت ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور»
    (قال الشافعي) :
    وإن كانت امرأة ضفروا شعر رأسها كله ناصيتها وقرنيها ثلاث قرون ثم ألقيت خلفها
    (قال الشافعي) :
    وأنكر هذا علينا بعض الناس فقال يسدل شعرها من بين ثدييها، وإنما نتبع في هذه الآثار،
    ولو قال قائل:
    تمشط برأيه ما كان إلا كقول هذا المنكر علينا، أخبرنا الثقة من أصحابنا عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الأنصارية - رضي الله عنها - قالت ضفرنا شعر بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناصيتها وقرنيها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها
    (قال الشافعي) :
    ونأمر بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن غسلت، وكفنت ابنته، وبحديثها يحتج الذي عاب على مالك قوله ليس في غسل الميت شيء يوقت ثم يخالفه في غير هذا الموضع.
    (قال)
    :
    وخالفنا في ذلك فقال لا يسرح رأس الميت، ولا لحيته، وإنما يكره من تسريحه أن ينتف شعره فأما التسريح الرفيق فهو أخف من الغسل بالسدر، وهو تنظيف وتمشية له
    (قال) :
    ويتبع ما بين أظفاره بعود لين يخلل ما تحت أظفار الميت من وسخ وفي ظاهر أذنيه وسماخه
    (قال)
    :
    والمهنى يحلقون فإن كان بأحد منهم وسخ متلبد رأيت أن يغسل بالأشنان، ويتابع دلكه لينقى الوسخ
    (قال الشافعي) :
    ومن أصحابنا من قال: لا أرى أن يحلق بعد الموت شعر، ولا يجز له ظفر ومنهم من لم ير بذلك بأسا، وإذا حنط الميت وضع الكافور على مساجده والحنوط في رأسه ولحيته
    (قال) :
    وإن وضع فيهما وفي سائر جسده كافور فلا بأس إن شاء الله
    (قال) :
    ويوضع الحنوط، والكافور على الكرسف ثم يوضع على منخريه وفيه وأذنيه ودبره، وإن كان له جراح نافذة وضع عليها
    (قال)
    :
    فإن كان يخاف من ميتته أو ميته أن يأتي عند التحريك إذا حملا شيئا لعلة من العلل استحببت أن يشد على سفليهما معا بقدر ما يراه يمسك شيئا إن أتى من ثوب صفيق فإن خف فلبد صفيق
    (قال) :
    ويجب أن يكون في البيت الذي فيه الميت تبخير لا ينقطع حتى يفرغ من غسله ليواري ريحا إن كانت متغيرة، ولا يتبع بنار إلى القبر.
    (قال) :
    وأحب إلي إن رأى من المسلم شيئا أن لا حدث به فإن المسلم حقيق أن يستر ما يكره من المسلم، وأحب إلي أن لا يغسل الميت إلا أمين على غسله
    (قال) :
    وأولى الناس بغسله أولاهم بالصلاة عليه وإن ولي ذلك غيره فلا بأس، وأحب أن يغض الذي يصب على الميت بصره عن الميت فإن عجز عن غسله واحد أعانه عليه غيره
    (قال)

    : ثم إذا فرغ من غسل الميت جفف في ثوب حتى يذهب ما عليه من الرطوبة ثم أدرج في أكفانه
    (قال) :
    وأحب لمن غسل الميت أن يغتسل، وليس بالواجب عندي، والله أعلم، وقد جاءت أحاديث في ترك الغسل منها «لا تنجسوا موتاكم» ، ولا بأس أن يغسل المسلم إذا قرابته من المشركين، ويتبع جنائزه، ويدفنه ولكن لا يصلي عليه، وذلك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عليا - رضي الله عنه - بغسل أبي طالب» ولا بأس أن يعزى المسلم إذا مات قال الربيع: إذا مات أبوه كافرا.
    [باب في كم يكفن الميت]
    أخبرنا الربيع قال:
    قال الشافعي - رحمه الله تعالى -، ويكفن الميت في ثلاثة أثواب بيض، وكذلك بلغنا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن، ولا أحب أن يقمص، ولا يعمم» أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص، ولا عمامة»
    (قال الشافعي) :
    وما كفن فيه الميت أجزأه إن شاء الله، وإنما قلنا هذا «لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن يوم أحد بعض القتلى بنمرة» واحدة فدل ذلك على أن ليس فيه لا ينبغي أن نقصر عنه، وعلى أنه يجزئ ما وارى العورة.
    (قال)
    :
    فإن قمص أو عمم فلا بأس إن شاء الله ولا أحب أن يجاوز بالميت خمسة أثواب فيكون سرفا
    (قال) :
    وإذا كفن ميت في ثلاثة أثواب أجمرت بالعود حتى يعبق بها المجمر ثم يبسط أحسنها وأوسعها أولها، ويدر عليه شيء من الحنوط ثم بسط عليه الذي يليه في السعة ثم ذر عليه من حنوط ثم بسط عليه الذي يليه ثم ذر عليه شيء من حنوط ثم وضع الميت عليه مستلقيا، وحنط كما وصفت لك ووضع عليه القطن كما وصفته لك ثم يثني عليه صنفة الثوب الذي يليه على شقه الأيمن ثم يثني عليه صنفته الأخرى على شقه الأيسر كما يشتمل الإنسان بالساج
    (يعني الطيلسان)
    حتى توازيها صنفة الثوب التي ثنيت أولا بقدر سعة الثوب ثم يصنع بالأثواب الثلاثة كذلك
    (قال) :
    ويترك فضل من الثياب عند رأسه أكثر من عند رجليه ما يغطيهما ثم يعطف فضل الثياب من عند الرأس والرجلين فإن خشي أن تنحل عقدت الثياب، فإذا وضع في اللحد حلت عقده كلها
    (قال)
    :
    وإن كفن في قميص جعل القميص دون الثياب والثياب فوقه، وإن عمم جعلت العمامة دون الثياب، والثياب فوقها، وليس في ذلك ضيق إن شاء الله تعالى
    (قال) :
    وإن لم يكن إلا ثوب واحد أجزأ، وإن ضاق وقصر غطي به الرأس والعورة، ووضع على الرجلين شيء، وكذلك فعل يوم أحد ببعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (
    قال الشافعي)
    :
    فإن ضاق عن الرأس، والعورة غطيت به العورة.
    (قال) :
    وإن مات ميت في سفينة في البحر صنع به هكذا فإن قدروا على دفنه، وإلا أحببت أن يجعلوه بين لوحين، ويربطوهما بحبل ليحملاه إلى أن ينبذه البحر بالساحل فلعل المسلمين أن يجدوه فيواروه، وهي أحب إلي من طرحه للحيتان يأكلوه، فإن لم يفعلوا وألقوه في البحر رجوت أن يسعهم
    (قال)
    :
    والمرأة يصنع بها في الغسل والحنوط ما وصفت، وتخالف الرجل في الكفن إذا كان موجودا فتلبس الدرع، وتؤزر وتعمم، وتلف، ويشد ثوب على صدرها بجميع ثيابها
    (قال)
    :
    وأحب إلي أن يجعل الإزار دون الدرع لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابنته بذلك، والسقط يغسل، ويكفن، ويصلى عليه إن استهل، وإن لم يستهل غسل، وكفن، ودفن
    (قال) :
    والخرقة التي توازي لفافة تكفيه
    (قال) :
    ، والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام مثل الموتى في الكفن، والغسل، والصلاة، والذين قتلوا في المعركة يكفنون بثيابهم التي قتلوا فيها إن شاء أولياؤهم والوالي لهم وتنزع عنهم خفاف كانت وفراء، وإن شاء نزع جميع ثيابهم وكفنهم في غيرها، فإن قال قائل فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «زملوهم بكلومهم ودمائهم» فالكلوم والدماء غير الثياب ولو كفن بعضهم في الثياب لم يكن هذا مضيفا وإن كفن بعض في غير الثياب التي قتل فيها وقد «كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض شهداء أحد بنمرة كان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه فجعل على رجليه شيئا من شجر» ، وقد كان في الحرب لا يشك أن قد كانت عليه ثياب.
    (قال الشافعي)
    :
    وكفن الميت، وحنوطه، ومؤنته حتى يدفن من رأس ماله ليس لغرمائه ولا لوارثه منع ذلك فإن تشاحوا فيه فثلاثة أثواب إن كان وسطا لا موسرا ولا مقلا، ومن الحنوط بالمعروف لا سرفا ولا تقصيرا، ولو لم يكن حنوط ولا كافور في شيء من ذلك رجوت أن يجزئ.
    [باب ما يفعل بالشهيد]
    ، وليس في التراجم.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وإذا قتل المشركون المسلمين في المعترك لم تغسل القتلى، ولم يصل عليهم ودفنوا بكلومهم ودمائهم، وكفنهم أهلوهم فيما شاءوا كما يكفن غيرهم إن شاءوا في ثيابهم التي تشبه الأكفان وتلك القمص والأزر والأردية، والعمائم لا غيرها، وإن شاءوا سلبوها وكفنوهم في غيرها كما يصنع بالموتى من غيرهم، وتنزع عنهم ثيابهم التي ماتوا فيها ألا ترى أن بعض شهداء أحد كفن في نمرة، وقد كان لا يشك إن شاء الله تعالى عليهم السلاح، والثياب،
    وقال بعض الناس: يكفنون في الثياب التي قتلوا فيها إلا فراء أو حشوا أو لبدا
    (قال) :
    ولم يبلغنا أن أحدا كفن في جلد ولا فرو ولا حشو، وإن كان الحشو ثوبا كله فلو كفن به لم أر به بأسا لأنه من لبوس عامة الناس فأما الجلد فليس يعلم من لباس الناس،
    وقال بعض الناس: يصلى عليهم ولا يغسلون، واحتج بأن الشعبي روى أن حمزة صلي عليه سبعين صلاة، وكان يؤتى بتسعة من القتلى حمزة عاشرهم ويصلى عليهم ثم يرفعون وحمزة مكانه ثم يؤتى بآخرين فيصلى عليهم وحمزة مكانه حتى صلي عليه سبعين صلاة.
    (قال) :
    وشهداء أحد اثنان وسبعون شهيدا فإذا كان قد صلي عليهم عشرة عشرة في قول الشعبي فالصلاة لا تكون أكثر من سبع صلوات أو ثمان فنجعله على أكثرها على أنه صلي على اثنين صلاة، وعلى حمزة صلاة فهذه تسع صلوات فمن أين جاءت سبعون صلاة؟ وإن كان عنى سبعين تكبيرة فنحن وهم نزعم أن التكبير على الجنائز أربع فهي إذا كانت تسع صلوات ست وثلاثون تكبيرة فمن أين جاءت أربع وثلاثون؟ فينبغي لمن روى هذا الحديث أن يستحيي على نفسه، وقد كان ينبغي له أن يعارض بهذه الأحاديث كلها عينان فقد جاءت من وجوه متواترة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل عليهم، وقال «زملوهم بكلومهم» ،
    ولو قال قائل: يغسلون ولا يصلى عليهم ما كانت الحجة عليه إلا أن يقال له تركت بعض الحديث، وأخذت ببعض
    (قال) :
    ولعل ترك الغسل، والصلاة على من قتله جماعة المشركين إرادة أن يلقوا الله عز وجل بكلومهم لما جاء فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن ريح الكلم ريح المسك، واللون لون الدم» ، واستغنوا بكرامة الله عز وجل لهم عن الصلاة لهم مع التخفيف على من بقي من المسلمين لما يكون فيمن قاتل بالزحف من المشركين من الجراح، وخوف عودة العدو، ورجاء طلبهم، وهمهم بأهليهم، وهم أهلهم بهم.
    (قال) :
    وكان مما يدل على هذا أن رؤساء المسلمين غسلوا عمر، وصلوا عليه، وهو شهيد، ولكنه إنما صار إلى الشهادة في غير حرب، وغسلوا المبطون، والحريق، والغريق، وصاحب الهدم، وكلهم شهداء، وذلك أنه ليس فيمن معهم من الأحياء معنى أهل الحرب فأما من قتل في المعركة، وكذلك عندي لو عاش مدة ينقطع فيها الحرب، ويكون الأمان، وإن لم يطعم، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن، وصلي عليه
    (قال الشافعي) :
    وإن قتل صغير في معركة أو امرأة صنع بهما ما يصنع بالشهداء، ولم يغسلا، ولم يصل عليهما، ومن قتل في المعترك بسلاح أو غيره أو وطء دابة أو غير ذلك مما يكون به الحتف فحاله حال من قتل بالسلاح،
    وخالفنا في الصبي بعض الناس فقال:
    ليس كالشهيد، وقال قولنا بعض الصحابة، وقال الصغير شهيد، ولا ذنب له فهو أفضل من الكبير أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض أصحابنا عن ليث بن سعد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قتلى أحد، ولم يغسلهم» ، أخبرنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قتلى أحد، ولم يغسلهم» أخبرنا سفيان عن الزهري، وثبته معمر عن ابن أبي الصغير «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشرف على قتلى أحد فقال شهدت على هؤلاء فزملوهم بدمائهم، وكلومهم»


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الجنائز
    الحلقة (47)
    صــــــــــ 306 الى صـــــــــــ310

    [باب المقتول الذي يغسل ويصلى عليه ومن لم يوجد]
    ، وليس في التراجم.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    ومن قتله مشرك منفردا أو جماعة في حرب من أهل البغي أو غيرهم أو قتل بقصاص غسل إن قدر على ذلك، وصلي عليه لأن معناه غير معنى من قتله المشركون، ومعنى من قتله مشرك منفردا ثم هرب غير معنى من قتل في زحف المشركين لأن المشركين لا يؤمن أن يعودوا، ولعلهم أن يطلبوا واحدا منهم فيهرب، وتؤمن عودته، وأهل البغي منا ولا يشبهون المشركين ألا ترى أنه ليس لنا اتباعهم كما يكون لنا اتباع المشركين؟ ،
    وقال بعض الناس: من قتل مظلوما في غير المصر لغير سلاح فيغسل فقيل له: إن كنت قلت هذا بأثر عقلناه قال: ما فيه أثر،
    قلنا: فما العلة التي فرقت فيها بين هؤلاء إن أردت اسم الشهادة فعمر شهيد قتل في المصر وغسل، وصلي عليه، وقد نجد اسم الشهادة يقع عندنا وعندك على القتل في المصر بغير سلاح والغريق والمبطون وصاحب الهدم في المصر وغيره، ولا نفرق بين ذلك ونحن وأنت نصلي عليهم، ونغسلهم، وإن كان الظلم به اعتللت فقد تركت من قتل في المصر مظلوما بغير سلاح من أن تصيره إلى حد الشهداء، ولعله أن يكون أعظمهم أجرا لأن القتل بغير سلاح أشد منه،
    وإذا كان أشد منه كان أعظم أجرا وقال بعض الناس أيضا:
    إذا أغار أهل البغي فقتلوا فالرجال والنساء والولدان كالشهداء لا يغسلون وخالفه بعض أصحابه فقال: الولدان أطهر، وأحق بالشهادة
    (قال الشافعي)
    : وكل هؤلاء يغسل، ويصلى عليه لأن الغسل والصلاة سنة في بني آدم لا يخرج منها إلا من تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم الذين قتلهم المشركون الجماعة خاصة في المعركة.
    (قال الشافعي)
    : من أكله سبع أو قتله أهل البغي أو اللصوص أو لم يعلم من قتله غسل وصلي عليه، فإن لم يوجد إلا بعض جسده صلي على ما وجد منه، وغسل ذلك العضو،
    وبلغنا عن أبي عبيدة أنه صلى على رءوس قال بعض أصحابنا عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان:
    إن أبا عبيدة صلى على رءوس، وبلغنا أن طائرا ألقى يدا بمكة في وقعة الجمل فعرفوها بالخاتم فغسلوها، وصلوا عليها،
    قال بعض الناس:
    يصلى على البدن الذي فيه القسامة، ولا يصلى على رأس، ولا يد
    (قال الشافعي) : وإن كان لا قسامة فيه عنده ولم يوجد في أرض أحد فكيف نصلي عليه؟ وما للقسامة، والصلاة، والغسل؟ ، وإذا جاز أن يصلى على بعض جسده دون بعض فالقليل من يديه والكثير في ذلك لهم سواء، ولا يصلى على الرأس، والرأس موضع السمع، والبصر واللسان، وقوام البدن، ويصلى على البدن بلا رأس. الصلاة سنة المسلمين، وحرمة قليل البدن لأنه كان فيه الروح حرمة كثيرة في الصلاة
    [باب اختلاط موتى المسلمين بموتى الكفار]
    ليس في التراجم.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    وإذا غرق الرجال أو أصابهم هدم أو حريق وفيهم مشركون كانوا أكثر أو أقل من المسلمين صلى عليهم، وينوي بالصلاة المسلمين دون المشركين،
    وقال بعض الناس:
    إذا كان المسلمون أكثر صلى عليهم، ونوى بالصلاة المسلمين دون المشركين، وإن كان المشركون أكثر لم يصل على واحد منهم
    (قال الشافعي) : لئن جازت الصلاة على مائة مسلم فيهم مشرك بالنية لتجوزن على مائة مشرك فيهم مسلم، وما هو إلا أن يكونوا إذا خالطهم مشرك لا يعرف فقد حرمت الصلاة عليهم وإن الصلاة تحرم على المشركين فلا يصلى عليهم، أو تكون الصلاة واجبة على المسلمين، وإن خالطهم مشرك نوى المسلم بالصلاة، ووسع ذلك المصلي، وإن لم يسع الصلاة في ذلك مكان المشركين كانوا أكثر أو أقل
    (قال الشافعي) : وما نحتاج في هذا القول إلى أن نبين خطأه بغيره، فإن الخطأ فيه لبين، وما ينبغي أن يشكل على أحد له علم.
    [باب حمل الجنازة]
    وليس في التراجم.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    ويستحب للذي يحمل الجنازة أن يضع السرير على كاهله بين العمودين المقدمين ويحمل بالجوانب الأربع،
    وقال قائل:
    لا تحمل بين العمود هذا عندنا مستنكر فلم يرض أن جهل ما كان ينبغي له أن يعلمه حتى عاب قول من قال بفعله هذا، وقد روي عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم فعلوا ذلك أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال رأيت سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف قائما بين العمودين المقدمين، واضعا السرير على كاهله، وأخبرنا بعض أصحابنا عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أنه رأى ابن عمر في جنازة رافع بن خديج قائما بين قائمتي السرير،
    أخبرنا الثقة عن إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه عيسى بن طلحة قال:
    رأيت عثمان بن عفان يحمل بين عمودي سرير أمه،
    فلم يفارقه حتى وضعه أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن ثابت عن أبيه قال:
    رأيت أبا هريرة يحمل بين عمودي سرير سعد بن أبي وقاص أخبرنا بعض أصحابنا عن شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال: رأيت ابن الزبير يحمل بين عمودي سرير المسور بن مخرمة
    (قال الشافعي) :
    فزعم الذي عاب هذا علينا أنه مستنكر لا نعلمه إلا قال برأيه، وهؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛، وما سكتنا عنه من الأحاديث أكثر مما ذكرنا
    [باب ما يفعل بالمحرم إذا مات]
    وليس في التراجم.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    إذا مات المحرم غسل بماء وسدر، وكفن في ثيابه التي أحرم فيها أو غيرها ليس فيها قميص، ولا عمامة، ولا يعقد عليه ثوب كما لا يعقد الحي المحرم، ولا يمس بطيب، ويخمر وجهه، ولا يخمر رأسه ويصلى عليه، ويدفن،
    وقال بعض الناس:
    إذا مات كفن كما يكفن غير المحرم، وليس ميت إحرام، واحتج بقول عبد الله بن عمر ولعل عبد الله بن عمر لم يسمع الحديث بل لا أشك إن شاء الله، ولو سمعه ما خالفه، وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولنا كما قلنا وبلغنا عن عثمان بن عفان مثله، وما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    فليس لأحد خلافه إذا بلغه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال:
    سمعت سعيد بن جبير يقول سمعت ابن عباس يقول: «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فخر رجل عن بعيره فوقص فمات فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه» قال سفيان، وأزاد إبراهيم بن أبي بحرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
    قال:
    «وخمروا وجهه ولا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عثمان بن عفان صنع نحو ذلك.
    [باب الصلاة على الجنازة والتكبير فيها]
    ، وما يفعل بعد كل تكبيرة، وليس في التراجم
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    إذا صلى الرجل على الجنازة كبر أربعا، وتلك السنة، ورويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات» . أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف أخبره «أن مسكينة مرضت فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -
    بمرضها قال:
    وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعود المرضى، ويسأل عنهم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ماتت فآذنوني بها فخرج بجنازتها ليلا فكرهوا أن يوقظوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    أخبر بالذي كان من شأنها فقال ألم آمركم أن تؤذنوني بها فقالوا:
    يا رسول الله كرهنا أن نوقظك ليلا فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات»

    (قال الشافعي)
    :
    فلذلك نقول يكبر أربعا على الجنائز، يقرأ في الأولى بأم القرآن، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو للميت.
    وقال بعض الناس:
    لا يقرأ في الصلاة على الجنازة.
    (قال الشافعي)
    :
    إنا صلينا على الجنازة، وعلمنا كيف سنة الصلاة فيها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا وجدنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    سنة اتبعناها أرأيت لو قال قائل:
    أزيد في التكبير على ما قلتم لأنها ليست بفرض أو لا أكبر وأدعو للميت هل كانت لنا عليه حجة إلا أن نقول قد خالفت السنة؟ وكذلك الحجة على من قال لا يقرأ إلا أن يكون رجل لم تبلغه السنة فيها، أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر على الميت أربعا، وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى» أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعد عن أبيه عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: «صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فيها بفاتحة الكتاب فلما سلم سألته عن ذلك فقال سنة، وحق» ، أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال «: سمعت ابن عباس يجهر بفاتحة الكتاب على الجنازة،
    وقال:
    إنما فعلت لتعلموا أنها سنة»
    ، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن «السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه» ، أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال حدثني محمد الفهري عن الضحاك بن قيس أنه قال مثل قول أبي أمامة
    (قال الشافعي) :
    والناس يقتدون بإمامهم يصنعون ما يصنع.
    (قال الشافعي)
    :
    وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقولان السنة إلا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شاء الله
    (قال الشافعي)
    :
    أخبرنا بعض أصحابنا عن ليث بن سعد عن الزهري عن أبي أمامة قال: السنة أن يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب
    (قال الشافعي)
    :
    وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقولون بالسنة، والحق إلا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شاء الله تعالى، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن موسى بن وردان عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى على الجنازة، وبلغنا ذلك عن أبي بكر الصديق وسهل بن حنيف وغيرهما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
    (قال الشافعي)
    :
    ولا بأس أن يصلى على الميت بالنية فقد «فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنجاشي صلى عليه بالنية» ،
    وقال بعض الناس:
    لا يصلى عليه بالنية، وهذا خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يحل لأحد خلافها وما نعلمه روى في ذلك شيئا إلا ما قال برأيه
    (قال) :
    ولا بأس أن يصلى على القبر بعدما يدفن الميت بل نستحبه،
    وقال بعض الناس:
    لا يصلى على القبر، وهذا أيضا خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يحل لأحد علمها خلافها قد «صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر البراء بن معرور، وعلى قبر غيره» ،
    أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
    أخبرنا مالك عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر امرأة، وكبر أربعا» .
    (قال الشافعي) :
    ، وصلت عائشة على قبر أخيها، وصلى ابن عمر على قبر أخيه عاصم بن عمر.
    (قال الشافعي)
    :
    ويرفع المصلي يديه كلما كبر على الجنازة في كل تكبيرة للأثر والقياس على السنة في الصلاة، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في كل تكبيرة كبرها في الصلاة، وهو قائم، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن عمر عن عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة
    (قال الشافعي)
    :
    وبلغني عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير مثل ذلك، وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا،
    وقال بعض الناس:
    لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى،
    وقال:
    ويسلم تسليمة يسمع من يليه، وإن شاء تسليمتين أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يسلم في الصلاة على الجنازة
    (قال الشافعي) :
    ، ويصلي على الجنازة قياما مستقبلي القبلة، ولو صلوا جلوسا من غير عذر أو ركبانا أعادوا، وإن صلوا بغير طهارة أعادوا، وإن دفنوه بغير صلاة، ولا غسل أو لغير القبلة فلا بأس عندي أن يماط عنه التراب، ويحول فيوجه للقبلة،
    وقيل:
    يخرج ويغسل، ويصلى عليه ما لم يتغير فإن دفن وقد غسل، ولم يصل عليه لم أحب إخراجه وصلي عليه في القبر.
    (قال الشافعي) :
    وأحب إذا كبر على الجنازة أن يقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ثم يكبر ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ثم يخلص الدعاء للميت، وليس في الدعاء شيء مؤقت، وأحب أن يقول " اللهم عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك، ورسولك وأنت أعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وارفع درجته، وقه عذاب القبر، وكل هول يوم القيامة، وابعثه من الآمنين، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، وبلغه بمغفرتك، وطولك درجات المحسنين اللهم فارق من كان يحب من سعة الدنيا، والأهل، وغيرهم إلى ظلمة القبر وضيقه، وانقطع عمله، وقد جئناك شفعاء له ورجونا له رحمتك، وأنت أرأف به اللهم ارحمه بفضل رحمتك فإنه فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه "
    (قال الشافعي) :
    سمعنا من أصحابنا من يقول المشي أمام الجنازة أفضل من المشي خلفها، ولم أسمع أحدا عندنا يخالف في ذلك،
    وقال بعض الناس:
    المشي خلفها أفضل، واحتج بأن عمر إنما قدم الناس لتضايق الطريق حتى كأنا لم نحتج بغير ما روينا عن عمر في هذا الموضع، واحتج بأن عليا - رضي الله عنه -
    قال:
    المشي خلفه أفضل، واحتج بأن الجنازة متبوعة، وليست بتابعة،
    وقال:
    التفكر في أمرها إذا كان خلفها أكثر.
    (قال الشافعي) : والقول في أن المشي أمام الجنازة أفضل مشى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمامها، وقد علموا أن العامة تقتدي بهم، وتفعل فعلهم، ولم يكونوا مع تعليمه العامة نعلمهم يدعون موضع الفضل في اتباع الجنازة، ولم نكن نحن نعرف موضع الفضل إلا بفعلهم فإذا فعلوا شيئا وتتابعوا عليه كان ذلك موضع الفضل فيه والحجة فيه من مشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثبت من أن يحتاج معها إلى غيرها، وإن كان في اجتماع أئمة الهدى بعده الحجة، ولم يمشوا في مشيهم لتضايق الطريق إنما كانت المدينة أو عامتها فضاء حتى عمرت بعد فأين تضايق الطريق فيها، ولسنا نعرف عن علي - رضي الله عنه - خلاف فعل أصحابه؟ ، وقال قائل هذا الجنازة متبوعة فلم نر من مشى أمامها إلا لاتباعها فإذا مشى لحاجته فليس بتابع للجنازة، ولا يشك عند أحد أن من كان أمامها هو معها،
    ولو قال قائل:
    الجنازة متبوعة فرأى هذا كلاما ضعيفا لأن الجنازة إنما هي تنقل لا تتبع أحدا، وإنما يتبع بها، وينقلها الرجال، ولا تكون هي تابعة، ولا زائلة إلا أن يزال بها ليس للجنازة عمل إنما العمل لمن تبعها ولمن معها،
    ولو شاء محتج أن يقول:
    أفضل ما في الجنازة حملها، والحامل إنما يكون أمامها ثم يحملها لكان مذهبا، والفكر للمتقدم والمتخلف سواء، ولعمري لمن يمشي من أمامها الفكر فيها، وإنما خرج من أهله يتبعها إن هذه لمن الغفلة، ولا يؤمن عليه إذا كان هكذا أن يمشي، وهو خلفها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة» أخبرنا مسلم بن خالد وغيره عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يمشون أمام الجنازة» أخبرنا مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة عن عبد الله بن الهدير أنه أخبره أنه رأى عمر بن الخطاب يقدم الناس أمام زينب بنت جحش أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد مولى السائب قال رأيت ابن عمر وعبيد بن عمير يمشيان أمام الجنازة فتقدما فجلسا يتحدثان فلما جازت بهما الجنازة قاما.
    (قال الشافعي) :
    وبحديث ابن عمر، وغيره أخذنا في أنه لا بأس أن يتقدم فيجلس قبل أن لا يؤتى بالجنازة، ولا ينتظر أن يأذن له أهلها في الجلوس، وينصرف أيضا بلا إذن، وأحب إلي لو استتم ذلك كله
    (قال الشافعي)
    :
    أحب حمل الجنازة من أين حملها، ووجه حملها أن يضع ياسرة السرير المقدمة على عاتقه الأيمن ثم ياسرته المؤخرة ثم يامنة السرير المقدمة على عاتقه الأيسر ثم يامنته المؤخرة، وإذا كان الناس مع الجنازة كثيرين ثم أتى على مياسره مرة أحببت له أن يكون أكثر حمله بين العمودين، وكيفما يحمل فحسن وحمل الرجل والمرأة سواء، ولا يحمل النساء الميت، ولا الميتة، وإن ثقلت الميتة فقد رأيت من يحمل عمدا حتى يكون من يحملها على ستة وثمانية على السرير، وعلى اللوح إن لم يوجد السرير، وعلى المحمل، وما حمل عليه أجزأ، وإن كان في موضع عجلة أو بعض حاجة تتعذر فخيف عليه التغير قبل أن يهيأ له ما يحمل عليه حمل على الأيدي والرقاب، ومشي بالجنازة أسرع سجية مشي الناس لا الإسراع الذي يشق على ضعفة من يتبعها إلا أن يخاف تغيرها أو انبجاسها فيعجلونها ما قدروا، ولا أحب لأحد من أهل الجنازة الإبطاء في شيء من حالاتها من غسل أو وقوف عند القبر فإن هذا مشقة على من يتبع الجنازة:.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الجنائز
    الحلقة (48)
    صــــــــــ 311 الى صـــــــــــ315

    [باب الخلاف في إدخال الميت القبر]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    وسل الميت سلا من قبل رأسه وقال بعض الناس: يدخل معترضا من قبل القبلة، وروى حماد عن إبراهيم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدخل من قبل القبلة معترضا» أخبرني الثقات من أصحابنا أن قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على يمين الداخل من البيت لاصق بالجدار، والجدار الذي للحد لجنبه قبلة البيت، وأن لحده تحت الجدار فكيف يدخل معترضا، واللحد لاصق بالجدار لا يقف عليه شيء، ولا يمكن إلا أن يسل سلا أو يدخل من خلاف القبلة؟ ، وأمور الموتى، وإدخالهم من الأمور المشهورة عندنا لكثرة الموت، وحضور الأئمة، وأهل الثقة، وهو من الأمور العامة التي يستغنى فيها عن الحديث، ويكون الحديث فيها كالتكليف بعموم معرفة الناس لها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمهاجرون، والأنصار بين أظهرنا ينقل العامة عن العامة لا يختلفون في ذلك أن الميت يسل سلا، ثم جاءنا آت من غير بلدنا يعلمنا كيف ندخل الميت ثم لم يعلم حتى روى عن حماد عن إبراهيم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدخل معترضا» ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وغيره عن ابن جريج عن عمران بن موسى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سل من قبل رأسه والناس بعد ذلك» ،
    أخبرنا الثقة عن عمرو بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: «سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل رأسه» ، وأخبرنا عن أصحابنا عن أبي الزناد وربيعة، وابن الضر لا اختلاف بينهم في ذلك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سل من قبل رأسه وأبو بكر وعمر»
    (قال الشافعي) :
    ويسطح القبر، وكذلك بلغنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه سطح قبر إبراهيم ابنه، ووضع عليه حصى من حصى الروضة» ، وأخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رش على قبر إبراهيم ابنه، ووضع عليه حصباء» ، والحصباء لا تثبت إلا على قبر مسطح،
    وقال بعض الناس:
    يسنم القبر، ومقبرة المهاجرين، والأنصار عندنا مسطح قبورها، ويشخص من الأرض نحو من شبر، ويجعل عليها البطحاء مرة ومرة تطين، ولا أحسب هذا من الأمور التي ينبغي أن ينقل فيها أحد علينا،
    وقد بلغني عن القاسم بن محمد قال:
    رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر مسطحة.
    (قال)
    :
    ويغسل الرجل امرأته إذا ماتت، والمرأة زوجها إذا مات،
    وقال بعض الناس:
    تغسل المرأة زوجها، ولا يغسلها،
    فقيل له:
    لم فرقت بينهما؟
    قال:
    أوصى أبو بكر أن تغسله أسماء،
    فقلت:
    وأوصت فاطمة أن يغسلها علي - رضي الله عنهما -،
    قال:
    وإنما قلت: أن تغسله هي لأنها في عدة منه،
    قلنا:
    إن كانت الحجة الأثر عن أبي بكر فلو لم يرو عن طلحة - رضي الله عنه - ولا ابن عباس، ولا غيرهما في ذلك شيء كانت الحجة عليك بأن قد علمنا أنه لا يحل لها منه إلا ما حل له منها،
    قال:
    ألا ترى أن له أن ينكح إذا ماتت أربع نسوة سواها وينكح أختها؟
    فقيل له:
    العدة والنكاح ليسا من الغسل في شيء،
    أرأيت قولك:
    ينكح أختها أو أربعا سواها أنها فارقت حكم الحياة،
    وصارت كأنها ليست زوجة أو لم تكن زوجة قط قيل:
    نعم،
    قيل:
    فهو إذا مات زوج أو كأنه لم يكن زوجا قال: بل ليس بزوج قد انقطع حكم الحياة عنه كما انقطع عنها غير أن عليها منه عدة قلنا: العدة جعلت عليها بسبب ليس هذا، ألا ترى أنها تعتد ولا يعتد، وأنها تتوفى فينكح أربعا؟ ويتوفى فلا تنكح دخل بها أو لم يدخل بها حتى تعتد أربعة أشهر وعشرا شيء جعله الله تعالى عليها دونه، وإن كل واحد من الزوجين، فيما يحل له ويحرم عليه من صاحب، سواء. أرأيت لو طلقها ثلاثا أليست عليها منه عدة؟
    قال:
    بلى
    (قلت) :
    فكذلك لو بانت بإيلاء أو لعان؟
    قال:
    بلى،
    قيل: فإن بانت منه ثم مات، وهي في عدة الطلاق أتغسله؟
    قال:
    لا.
    (قلت)
    :
    ولم قد زعمت أن غسلها إياه دون غسله إياها إنما هو بالعدة، وهذه تعتد؟ (قال) : ليست له بامرأة (قلت) : فما ينفعك حجتك بالعدة كالعبث.
    كان ينبغي أن تقول:
    تغسله إذ زعمت أن العدة تحل لها منه ما يحرم عليها فلا يحرم عليها غسله،
    قيل:
    أفيحل لها في العدة منه، وهما حيان أن تنظر إلى فرجه وتمسكه كما كان يحل لها قبل الطلاق؟
    قال:
    لا،
    قيل:
    وهي منه في عدة
    (قال) :
    ولا تحل العدة ههنا شيئا، ولا تحرمه إنما تحله عقدة النكاح فإذا زال بأن لا يكون له عليها فيه رجعة فهي منه فيما يحل له ويحرم كما تعد النساء.
    قيل: وكذلك هو منها؟
    قال:
    نعم،
    قيل:
    فلو قال: هذا غيركم ضعفتموه؛ وهي لا تعدو، وهو لا يعدو إذا ماتت أن يكون عقد النكاح زائلا بلا زوال للطلاق فلا يحل له غسلها، ولا لها غسله أو يكون ثابتا فيحل لكل واحد منهما من صاحبه ما يحل للآخر أو نكون مقلدين لسلفنا في هذا، فقد أمر أبو بكر وسط المهاجرين والأنصار أن تغسله أسماء، وهو فيما يحل له ويحرم عليه أعلم وأتقى لله، وذلك دليل على أنه كان إذا رأى لها أن تغسله إذا مات كان له أن يغسلها إذا ماتت لأن العقد الذي حلت له به هو العقد الذي به حل لها، ألا ترى أن الفرج كان حراما قبل العقد فلما انعقد حل حتى تنفسخ العقدة فلكل واحد من الزوجين فيما يحل لكل واحد منهما من صاحبه ما للآخر لا يكون للواحد منهما في العقد شيء ليس لصاحبه، ولا إذا انفسخت لم يكن له عليها الرجعة في شيء لا يحل لصاحبه، ولا إذا مات شيء لا يحل لصاحبه فهما في هذه الحالات سواء،
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت:
    «لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نساؤه» " أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمارة عن أم محمد بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب عن جدتها أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله أوصتها أن تغسلها إذا كانت هي، وعلي فغسلتها هي، وعلي - رضي الله عنهما -.
    [باب العمل في الجنائز]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال:
    حق على الناس غسل الميت، والصلاة عليه، ودفنه لا يسع عامتهم تركه، وإذا قام بذلك منهم من فيه كفاية له أجزأ إن شاء الله تعالى وهو كالجهاد عليهم حق أن لا يدعوه، وإذا ابتدر منهم من يكفي الناحية التي يكون بها الجهاد أجزأ عنهم والفضل لأهل الولاية بذلك على أهل التخلف عنه
    (قال الشافعي) :
    وإنما ترك عمر عندنا، والله أعلم عقوبة من مر بالمرأة التي دفنها أظنه كليبا، لأن المار المنفرد قد كان يتكل على غيره ممن يقوم مقامه فيه، وأما أهل رفقة منفردين في طريق غير مأهولة لو تركوا ميتا منهم، وهو عليهم أن يواروه فإنه ينبغي للإمام أن يعاقبهم لاستخفافهم بما يجب عليهم من حوائجهم في الإسلام، وكذلك كل ما وجب على الناس فضيعوه فعلى السلطان أخذه منهم، وعقوبتهم فيه بما يرى غير متجاوز القصد في ذلك
    (قال)
    :
    وأحب إذا مات الميت أن لا يعجل أهله غسله لأنه قد يغشى عليه فيخيل إليهم أنه قد مات حتى يروا علامات الموت المعروفة فيه، وهو أن تسترخي قدماه، ولا تنتصبان، وأن تنفرج زندا يديه، والعلامات التي يعرفون بها الموت، فإذا رأوها عجلوا غسله، ودفنه فإن تعجيله تأدية الحق إليه، ولا ينتظر بدفن الميت غائب من كان الغائب، وإذا مات الميت غمض، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن قبيصة نصر بن ذؤيب كان يحدث «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغمض أبا سلمة» .
    (قال الشافعي)
    :
    ويطبق فوه وإن خيف استرخاء لحييه شد بعصابة
    (قال) :
    ورأيت من يلين مفاصله، ويبسطها لتلين، ولا تجسو ورأيت الناس يضعون الحديدة، السيف أو غيره، على بطن الميت، والشيء من الطين المبلول كأنهم يذودون أن تربو بطنه فما صنعوا من ذلك مما رجوا، وعرفوا أن فيه دفع مكروه رجوت أن لا يكون به بأس إن شاء الله تعالى، ولم أر من شأن الناس أن يضعوا الزاووق يعني الزئبق في أذنه، وأنفه، ولا أن يضعوا المرتك يعني المرداسنج على مفاصله وذلك شيء تفعله الأعاجم يريدون به البقاء للميت، وقد يجعلونه في الصندوق ويفضون به إلى الكافور، ولست أحب هذا، ولا شيئا منه، ولكن يصنع به كما يصنع بأهل الإسلام ثم يغسل، والكفن، والحنوط، والدفن، فإنه صائر إلى الله عز وجل، والكرامة له برحمة الله تعالى، والعمل الصالح
    (قال)
    :
    وبلغني أنه «قيل لسعد بن أبي وقاص: نتخذ لك شيئا كأنه الصندوق من الخشب،
    فقال:
    اصنعوا بي ما صنعتم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصبوا علي اللبن، وأهيلوا علي التراب»
    [باب الصلاة على الميت]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    إذا حضر الولي الميت أحببت أن لا يصلى عليه إلا بأمر وليه لأن هذا من الأمور الخاصة التي أرى الولي أحق بها من الوالي، والله تعالى أعلم،
    وقد قال بعض من له علم:
    الوالي أحق.وإذا حضر الصلاة عليه أهل القرابة فأحقهم به الأب، والجد من قبل الأب ثم الولد، وولد الولد ثم الأخ للأب، والأم ثم الأخ للأب ثم أقرب الناس من قبل الأب، وليس من قبل الأم لأنه إنما الولاية للعصبة فإذا استوى الولاة في القرابة، وتشاحوا، وكل ذي حق فأحبهم إلي أسنهم، إلا أن تكون حاله ليست محمودة فكان أفضلهم، وأفقههم أحب إلي، فإن تقاربوا فأسنهم فإن استووا وقلما يكون ذلك فلم يصطلحوا أقرع بينهم، فأيهم خرج سهمه، ولي الصلاة عليه
    (قال) :
    والحر من الولاة أحق بالصلاة عليه من المملوك، ولا بأس بصلاة المملوك على الجنازة، وإذا حضر رجل ولي أو غير ولي مع نسوة بعلا رجلا ميتا أو امرأة فهو أحق بالصلاة عليها من النساء إذا عقل الصلاة، وإن لم يبلغ مملوكا كان أو حرا فإن لم يكن يعقل الصلاة صلين على الميت صفا منفردات، وإن أمتهن إحداهن، وقامت وسطهن لم أر بذلك بأسا، فقد «صلى الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرادا لا يؤمهم أحد» وذلك لعظم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنافسهم في أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه واحد وصلوا عليه مرة بعد مرة، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الموتى، والأمر المعمول به إلى اليوم أن يصلى عليهم بإمام، ولو صلي عليهم أفرادا أجزأهم الصلاة عليهم إن شاء الله تعالى، وأحب أن تكون الصلاة على الميت صلاة واحدة هكذا رأيت صلاة الناس لا يجلس بعد الفراغ منها لصلاة من فاتته الصلاة عليه، ولو جاء، ولي له، ولا يخاف على الميت التغير فصلى عليه رجوت أن لا يكون بذلك بأس إن شاء الله تعالى.
    (قال)
    :
    وإن أحدث الإمام انصرف فتوضأ، وكبر من خلفه ما بقي من التكبير فرادى لا يؤمهم أحد، ولو كان في موضع وضوئه قريبا فانتظروه فبنى على التكبير رجوت أن لا يكون بذلك بأس، ولا يصلي على الجنازة في مصر إلا طاهرا.
    (قال)
    :
    ولو سبق رجل ببعض التكبير لم ينتظر بالميت حتى يقضي تكبيره ولا ينتظر المسبوق الإمام أن يكبر ثانية ولكنه يفتتح لنفسه،
    وقال بعض الناس:
    إذا خاف الرجل في المصر فوت الجنازة تيمم وصلى، وهذا لا يجيز التيمم في المصر لصلاة نافلة، ولا مكتوبة إلا لمريض زعم، وهذا غير مريض، ولا تعدو الصلاة على الجنازة أن تكون كالصلوات لا تصلى إلا بطهارة الوضوء، وليس التيمم في المصر للصحيح المطيق بطهارة أو تكون كالذكر فيصلي عليها إن شاء غير طاهر، خاف الفوت أو لم يخف، كما يذكر غير طاهر
    [باب اجتماع الجنائز]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    لو اجتمعت جنائز رجال، ونساء، وصبيان، وخناثى، جعل الرجال مما يلي الإمام، وقدم إلى الإمام أفضلهم ثم الصبيان يلونهم ثم الخناثى يلونهم ثم النساء خلفهم مما يلي القبلة وإن تشاح ولاة الجنائز، وكن مختلفات صلى ولي الجنازة التي سبقت ثم إن شاء ولي سواها من الجنائز استغنى بتلك الصلاة، وإن شاء أعاد الصلاة على جنازته، وإن تشاحوا في موضع الجنائز فالسابق أحق إذا كانوا رجالا، فإن كن رجالا، ونساء وضع الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة، ولم ينظر في ذلك إلى السبق لأن موضعهن هكذا، وكذلك الخنثى، ولكن إن سبق، ولي الصبي لم يكن عليه أن يزيل الصبي من موضعه، ووضع ولي الرجل الرجل خلفه إن شاء أو يذهب به إلى موضع غيره، فإن افتتح المصلي على الجنازة الصلاة فكبر واحدة أو اثنتين ثم أتي بجنازة أخرى وضعت حتى يفرغ من الصلاة على الجنازة التي كانت قبلها لأنه افتتح الصلاة ينوي بها غير هذه الجنازة المؤخرة.
    (قال) :
    ولو صلى الإمام على الجنازة غير متوضئ، ومن خلفه متوضئون أجزأت صلاتهم، وإن كان كلهم غير متوضئين أعادوا، وإن كان فيهم ثلاثة فصاعدا متوضئون أجزأت، وإن سبق بعض الأولياء بالصلاة على الجنازة ثم جاء ولي غيره أحببت أن لا توضع للصلاة ثانية، وإن فعل فلا بأس إن شاء الله تعالى.
    (قال)
    :
    ولو سقط لرجل شيء له قيمة في قبر فدفن، كان له أن يكشف عنه حتى يأخذ ما سقط
    [باب الدفن]
    أخبرنا الربيع قال
    (قال الشافعي) :
    وإن مات ميت بمكة أو المدينة أحببت أن يدفن في مقابرهما، وكذلك إن مات ببلد قد ذكر في مقبرته خبر أحببت أن يدفن في مقابرها فإن كانت ببلد لم يذكر ذلك فيها فأحب أن يدفن في المقابر لحرمة المقابر، والدواعي لها وأنه مع الجماعة أشبه من أن لا يتغوط، ولا يبال على قبره، ولا ينبش، وحيثما دفن الميت فحسن إن شاء الله تعالى، وأحب أن يعمق للميت قدر بسطة، وما أعمق له، وووري أجزأ وإنما أحببت ذلك أن لا تناله السباع، ولا يقرب على أحد إن أراد نبشه، ولا يظهر له ريح ويدفن في موضع الضرورة من الضيق والعجلة الميتان، والثلاثة في القبر إذا كانوا، ويكون الذي للقبلة منهم أفضلهم، وأسنهم، ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال، وإن كانت ضرورة، ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل أمامها، وهي خلفه، ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب، وأحب إحكام القبر ولا وقت فيمن يدخل القبر فإن كانوا وترا أحب إلي، وإن كانوا ممن يضبطون الميت بلا مشقة أحب إلي، وسل الميت من قبل رأسه وذلك أن يوضع رأس سريره عند رجل القبر ثم يسل سلا، ويستر القبر بثوب نظيف حتى يسوى على الميت لحده، وستر المرأة إذا دخلت قبرها أوكد من ستر الرجل، وتسل المرأة كما يسل الرجل، وإن ولي إخراجها من نعشها، وحل عقد من الثياب إن كان عليها، وتعاهدها النساء فحسن، وإن وليها الرجل فلا بأس فإن كان فيهم ذو محرم كان أحب إلي، وإن لم يكن فيهم ذو محرم فذو قرابة وولاء، وإن لم يكن فالمسلمون ولاتها، وهذا موضع ضرورة، ودونها الثياب، وقد صارت ميتة، وانقطع عنها حكم الحياة
    (قال) :
    وتوضع الموتى في قبورهم على جنوبهم اليمنى، وترفع رءوسهم بحجر أو لبنة، ويسندون لئلا ينكبوا، ولا يستلقوا، وإن كان بأرض شديدة لحد لهم، ثم نصب على لحودهم اللبن نصبا ثم يتبع فروج اللبن بكسار اللبن، والطين حتى يحكم ثم أهيل التراب عليها، وإن كانوا ببلد رقيقة شق لهم شق ثم بنيت لحودهم بحجارة أو لبن ثم سقفت لحودهم عليهم بالحجارة أو الخشب لأن اللبن لا يضبطها فإن سقفت تتبعت فروجها حتى تنظم
    (قال) :
    ورأيتهم عندنا يضعون على السقف الإذخر ثم يضعون عليه التراب مثريا ثم يهيلون التراب بعد ذلك إهالة
    (قال الشافعي)
    :
    هذا الوجه الأثر الذي يجب أن يعمل به، ولا يترك، وكيفما ووري الميت أجزأ إن شاء الله تعالى ويحثو من على شفير القبر بيديه معا التراب ثلاث حثيات أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه - رضي الله عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعا»
    (قال الشافعي) :
    وأحب تعجيل دفن الميت إذا بان موته فإذا أشكل أحببت الأناة حتى يتبين موته، وإن كان الميت غريقا أحببت التأني به بقدر ما يولى من حفره، وإن كان مصعوقا أحببت أن يستأنى به حتى يخاف تغيره، وإن بلغ ذلك يومين أو ثلاثة لأنه بلغني أن الرجل يصعق فيذهب عقله ثم يفيق بعد اليومين، وما أشبه ذلك وكذلك لو كان فزعا من حرب أو سبع أو فزعا غير ذلك أو كان مترديا من جبل، وإذا مات الميت فلا تخفى علامات الموت به إن شاء الله تعالى فإن خفيت على البعض لم تخف على الكل وإذا كانت الطواعين أو موت الفجأة، واستبان الموت فلم يضبطه أهل البيت إلا أن يقدموا بعض الموتى فقدموا الوالدين من الرجال والنساء ثم قدموا بعد من رأوا، فإن كان امرأتان لرجل أقرع بينهما أيتهما تقدم وإذا خيف التغيير على بعض الموتى قدم من كان يخاف عليه التغيير لا من لا يخاف التغيير عليه، ويقدم الكبار على الصغار إذا لم يخف التغيير على من تخلف، وإذا كان الضرورة دفن الاثنان، والثلاثة في قبر، وقدم إلى القبلة أفضلهم، وأقرؤهم ثم جعل بينه وبين الذي بينه وبين الذي يليه حاجز من تراب فإن كانوا رجالا ونساء وصبيانا جعل الرجل الذي يلي القبلة ثم الصبي ثم المرأة وراءه وأحب إلي لو لم تدفن المرأة مع الرجال، وإنما رخصت في أن يدفن الرجلان في قبر بالسنة، لم أسمع أحدا من أهل العلم إلا يتحدث «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلى أحد اثنان في قبر واحد، وقد قيل ثلاثة» .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الجنائز
    الحلقة (49)
    صــــــــــ 316 الى صـــــــــــ320

    [باب ما يكون بعد الدفن]
    أخبرنا الربيع قال
    (قال الشافعي) :
    وقد بلغني عن بعض من مضى أنه أمر أن يقعد عند قبره إذا دفن بقدر ما تجزر جزور
    (قال) :
    وهذا أحسن، ولم أر الناس عندنا يصنعونه أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع لأن أدفن في غيره أحب إلي إنما هو واحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أكون في جواره وإما صالح فلا أحب أن ينبش في عظامه، أخبرنا مالك أنه بلغه عن عائشة أنها قالت «كسر عظم الميت ككسر عظم الحي»
    (قال الشافعي) :
    تعني في المأثم، وإن أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره وليس بأن يكون فيه تراب من غيره بأس إذا إذا زيد فيه تراب من غيره ارتفع جدا، وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه وأحب أن لا يبنى، ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء، وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة
    (قال الراوي) :
    عن طاوس: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تبنى القبور أو تجصص»
    (قال الشافعي) :
    وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك فإن كانت القبور في الأرض يملكها الموتى في حياتهم أو ورثتهم بعدهم لم يهدم شيء أن يبنى منها وإنما يهدم إن هدم ما لا يملكه أحد فهدمه لئلا يحجر على الناس موضع القبر فلا يدفن فيه أحد فيضيق ذلك بالناس
    (قال الشافعي) :
    وإن تشاح الناس ممن يحفر للموتى في موضع من المقبرة، وهي غير ملك لأحد حفر الذي يسبق حيث شاء وإن جاءوا مما أقرع الوالي بينهم وإذا دفن الميت فليس لأحد حفر قبره حتى يأتي عليه مدة يعلم أهل ذلك البلد أن ذلك قد ذهب، وذلك يختلف بالبلدان فيكون في السنة وأكثر فإن عجل أحد بحفر قبره فوجد ميتا أو بعضه أعيد عليه التراب، وإن خرج من عظامه شيء أعيد في القبر.
    (قال)
    :
    وإذا كانت أرض لرجل فأذن بأن يقبر فيها ثم أراد أخذها فله أخذ ما لم يقبر فيه، وليس له أخذ ما قبر فيه منها، وإن قبر قوم في أرض لرجل بلا إذنه فأراد تحويلهم عنها أو بناءها أو زرعها أو حفرها آبارا، كرهت ذلك له، وإن شح فهو أحق بحقه، وأحب لو ترك الموتى حتى يبلوا.
    (قال) :
    وأكره وطء القبر، والجلوس، والاتكاء عليه إلا أن لا يجد الرجل السبيل إلى قبر ميته إلا بأن يطأه فذلك موضع ضرورة فأرجو حينئذ أن يسعه إن شاء الله تعالى وقال بعض أصحابنا: لا بأس بالجلوس عليه، وإنما نهي عن الجلوس عليه للتغوط
    (قال الشافعي) :
    وليس هذا عندنا كما قال، وإن كان نهى عنه المذهب فقد نهي عنه، وقد نهي عنه مطلقا لغير المذهب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبيه عن جده قال تبعت جنازة مع أبي هريرة فلما كان دون القبور جلس أبو هريرة ثم قال " لأن أجلس على جمرة فتحرق ردائي ثم قميصي ثم إزاري ثم تفضي إلى جلدي أحب إلي من أن أجلس على قبر امرئ مسلم ".
    (قال) :
    وأكره أن يبنى على القبر مسجد، وأن يسوى أو يصلى عليه، وهو غير مسوى أو يصلى إليه
    (قال) :
    وإن صلى إليه أجزأه، وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قاتل الله اليهود، والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب»
    (قال)
    :
    وأكره هذا للسنة، والآثار، وأنه كره والله تعالى أعلم أن يعظم أحد من المسلمين يعني يتخذ قبره مسجدا، ولم تؤمن في ذلك الفتنة، والضلال على من يأتي بعد فكره والله أعلم لئلا يوطأ فكره، والله أعلم لأن مستودع الموتى من الأرض ليس بأنظف الأرض، وغيره من الأرض أنظف
    [باب القول عند دفن الميت]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال:
    وإذا وضع الميت في قبر قال من يضعه " بسم الله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وأحب أن يقول " اللهم أسلمه إليك الأشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه وفارق من كان يحب قربه، وخرج من سعة الدار والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك، وأنت خير منزول به إن عاقبته عاقبته بذنبه، وإن عفوت فأنت أهل العفو اللهم أنت غني عن عذابه، وهو فقير إلى رحمتك اللهم اشكر حسنته، وتجاوز عن سيئته، وشفع جماعتنا فيه واغفر ذنبه، وافسح له في قبره، وأعذه من عذاب القبر، وأدخل عليه الأمان، والروح في قبره "، ولا بأس بزيارة القبور أخبرنا مالك عن ربيعة يعني ابن أبي عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «، ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هجرا»
    (قال الشافعي)
    :
    ولكن لا يقال عندها هجر من القول، وذلك مثل الدعاء بالويل، والثبور والنياحة فأما إذا زرت تستغفر للميت ويرق قلبك، وتذكر أمر الآخرة فهذا مما لا أكرهه، ولا أحب المبيت في القبور للوحشة على البائت، وقد رأيت الناس عندنا يقاربون من ذوي القرابات في الدفن، وأنا أحب ذلك، وأجعل الوالد أقرب إلى القبلة من الولد إذا أمكن ذلك، وكيفما دفن أجزأ إن شاء الله، وليس في التعزية شيء مؤقت يقال لا يعدى إلى غيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال «لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا، وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب»
    (قال الشافعي) :
    قد عزى قوم من الصالحين بتعزية مختلفة فأحب أن يقول قائل هذا القول، ويترحم على الميت، ويدعو لمن خلفه
    (قال) :
    ، والتعزية من حين موت الميت أن المنزل، والمسجد وطريق القبور، وبعد الدفن، ومتى عزى فحسن فإذا شهد الجنازة أحببت أن تؤخر التعزية إلى أن يدفن الميت إلا أن يرى جزعا من المصاب فيعزيه عند جزعه، ويعزي الصغير والكبير، والمرأة إلا أن تكون امرأة شابة ولا أحب مخاطبتها إلا لذي محرم، وأحب لجيران الميت أو ذي قرابته أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت، وليلته طعاما يشبعهم فإن ذلك سنة، وذكر كريم، وهو من فعل أهل الخير قبلنا، وبعدنا لأنه لما «جاء نعي جعفر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجعلوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن جعفر عن أبيه عبد الله بن جعفر قال «جاء نعي جعفر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اجعلوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم أمر يشغلهم أو ما يشغلهم» شك سفيان
    (قال الشافعي) :
    وأحب لقيم أهل الميت عند المصيبة أن يتعاهد أضعفهم عن احتمالها بالتعزية بما يظن من الكلام والفعل أنه يسليه، ويكف من حزنه، وأحب لولي الميت الابتداء بأولى من قضاء دينه فإن كان ذلك يستأخر سأل غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه، وأرضاهم منه بأي وجه كان، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة أظنه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»
    (قال) :
    وأحب إن أوصى بشيء أن يعجل الصدقة عنه، ويجعل ذلك في أقاربه وجيرانه، وسبيل الخير، وأحب مسح رأس اليتيم ودهنه، وإكرامه، وأن لا ينهر، ولا يقهر فإن الله عز وجل قد أوصى به
    [باب القيام للجنازة]
    أخبرنا الربيع قال
    (قال الشافعي)
    :
    ولا يقوم للجنازة من شهدها، والقيام لها منسوخ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمر بن سعد بن معاذ عن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم في الجنائز ثم جلس بعد» أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة بهذا الإسناد أو شبيها بهذا، وقال «قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بالقيام ثم جلس، وأمر بالجلوس»
    (قال الشافعي) :
    ويصلي على الجنائز أي ساعة شاء من ليل أو نهار وكذلك يدفن في أي ساعة شاء من ليل أو نهار وقد «دفنت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسكينة ليلا فلم ينكر» ، ودفن أبو بكر الصديق ليلا، ودفن المسلمون بعد ليلا،
    وقال بعض أصحابنا:
    لا يصلى عليها مع اصفرار الشمس، ولا مع طلوعها حتى تبرز،
    واحتج في ذلك بأن ابن عمر قال لأهل جنازة وضعوها على باب المسجد بعد الصبح:
    " إما إن تصلوا عليها الآن وإما أن تدعوها حتى ترتفع الشمس "
    (قال) :
    وابن عمر يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يتحرى أحدكم بصلاته طلوع الشمس، ولا غروبها» ، وقد يكون ابن عمر سمع هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، ولم يسمع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فرأى هذا حمله على كل صلاة، ولم ير النهي إلا فيما سمع
    (قال) :
    وقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما دل على أن نهيه عن الصلاة في هذه الساعات إنما يعني به صلاة النافلة فأما كل صلاة كرهت فلا، وأثبتنا ذلك في كتاب الصلاة، ولو كان على كل صلاة، وكانت الصلاة على الجنائز صلاة لا تحل إلا في وقت صلاة ما صلي على ميت العصر، ولا الصبح، وقد يجوز أن يكون ابن عمر أراد بذلك أن لا يجلس من تبع الجنازة،
    ولا يتفرق من أهل المسجد حتى يكثر المصلي عليها فإن أصحابنا يتحرون بالجنائز انصراف الناس من الصلاة لكثرة المصلين فيقول:
    صلوا مع كثرة الناس أو أخروا إلى أن يأتي المصلون للضحى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة من أهل المدينة بإسناد لا أحفظه أنه صلى على عقيل بن أبي طالب، والشمس مصفرة قبل المغيب قليلا ولم ينتظر به مغيب الشمس.
    (قال الشافعي)
    :
    وأكره النياحة على الميت بعد موته، وأن تندبه النائحة على الانفراد لكن يعزى بما أمر الله عز وجل من الصبر، والاسترجاع، وأكره المأتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر
    (قتل) :
    وأرخص في البكاء بلا أن يتأثر، ولا أن يعلن إلا خبرا، ولا يدعون بحرب قبل الموت فإذا مات أمسكن.أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث بن عتيك أخبره عن عبد الله بن عتيك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية قالوا، وما الوجوب يا رسول الله قال إذا مات»
    [غسل الميت]
    أخبرنا الربيع بن سليمان قال:
    لم أسمع هذا الكتاب من الشافعي وإنما أقرؤه على المعرفة
    (قال الشافعي)
    :
    أول ما يبدأ به من يحضر الميت من أوليائه أن يتولى أرفقهم به إغماض عينيه بأسهل ما يقدر عليه، وأن يشد تحت لحييه عصابة عريضة، وتربط من فوق رأسه كي لا يسترخي لحيه الأسفل فينفتح فوه ثم يجسو بعد الموت، ولا ينطبق، ويرد يديه حتى يلصقهما بعضديه ثم يبسطهما ثم يردهما ثم يبسطهما مرات ليبقى لينهما فلا يجسو، وهما إذا لينا عند خروج الروح تباقى لينهما إلى وقت دفنه ففكتا، وهما لينتان، ويلين كذلك أصابعه، ويرد رجليه من باطن حتى يلصقهما ببطون فخذيه كما وصفت فيما يصنع في يديه ويضع على بطنه شيئا من طين أو لبنة أو حديدة، سيف أو غيره، فإن بعض أهل التجربة يزعمون أن ذلك يمنع بطنه أن تربو، ويخرج من تحته الوطء كله، ويفضي به إلى لوح إن قدر عليه أو سرير ألواح مستو فإن بعض أهل التجربة يزعم أنه يسرع انتفاخه على الوطء، ويسلب ثيابا إن كانت عليه، ويسجي ثوبا يغطي به جميع جسده، ويجعل من تحت رجله ورأسه وجنبيه لئلا ينكشف فإذا أحضروا له غسله، وكفنه، وفرغوا من جهازه فإن كان على يديه، وفي عانته شعر فمن الناس من كره أخذه عنه، ومنهم من أرخص فيه، فمن أرخص فيه لم ير بأسا أن يحلقه بالنورة أو يجزه بالجلم، ويأخذ من شاربيه، ويقلم من أظفاره، ويصنع به بعد الموت ما كان فطرة في الحياة، ولا يأخذ من شعر رأسه ولا لحيته شيئا لأن ذلك إنما يؤخذ زينة أو نسكا، وما وصفت مما يؤخذ فطرة فإن نوره أنقاه من نورة، وإن لم ينوره اتخذ قبل ذلك عيدانا طوالا من شجر لين لا يجرح ثم استخرج جميع ما تحت أظفار يديه، ورجليه من الوسخ ثم أفضى به إلى مغتسله مستورا، وإن غسله في قميص فهو أحب إلي، وأن يكون القميص سخيفا رقيقا أحب إلي، وإن ضاق ذلك عليه كان أقل ما يستره به ما يواري ما بين سرته إلى ركبته لأن هذا هو العورة من الرجل في الحياة، ويستر البيت الذي يغسله فيه بستر ولا يشركه في النظر إلى الميت إلا من لا غنى له عنه ممن يمسكه أو يقلبه أو يصب عليه، ويغضون كلهم، وهو عنه الطرف، وإلا فيما لا يجزيه فيه إلا النظر إليه ليعرف ما يغسل منه، وما بلغ الغسل، وما يحتاج إليه من الزيادة في الغسل، ويجعل السرير الذي يغسله عليه كالمنحدر قليلا، وينفذ موضع مائه الذي يغسله به من البيت فإنه أحرز له أن ينضح فيه شيء انصب عليه، ولو انتضح لم يضره إن شاء الله تعالى، ولكن هذا أطيب للنفس ويتخذ إناءين إناء يغرف به من الماء المجموع لغسله، وإناء يصب فيه ذلك الإناء ثم يصب الإناء الثاني عليه ليكون إناء الماء غير قريب من الصب على الميت، ويغسله بالماء غير.
    السخن لا يعجبني أن يغسل بالماء المسخن، ولو غسل به أجزأه إن شاء الله تعالى فإن كان عليه وسخ، وكان ببلد بارد أو كانت به علة لا يبلغ الماء غير المسخن أن ينقي جسده غاية الإنقاء، ولو لصق بجسده ما لا يخرجه إلا الدهن دهن ثم غسل حتى يتنظف، وكذلك إن طلي بنورة، ولا يفضي غاسل الميت بيده إلى شيء من عورته ولو توقى سائر جسده كان أحب إلي، ويعد خرقتين نظيفتين قبل غسله فيلف على يده إحداهما ثم يغسل بها أعلى جسده، وأسفله فإذا أفضى إلى ما بين رجليه، ومذاكيره فغسل ذلك ألقاها فغسلت، ولف الأخرى، وكلما عاد على المذاكير، وما بين الأليتين ألقى الخرقة التي على يده، وأخذ الأخرى المغسولة لئلا يعود بما مر على المذاكير، وبما بين الأليتين على سائر جسده إن شاء الله
    [باب عدة غسل الميت]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    أقل ما يجزئ من غسل الميت الإنقاء كما يكون أقل ما يجزئ في الجنابة، وأقل ما أحب أن يغسل ثلاثا فإن لم يبلغ بإنقائه ما يريد الغاسل فخمس فإن لم يبلغ ما يحب فسبع، ولا يغسله بشيء من الماء إلا ألقى فيه كافورا للسنة، وإن لم يفعل كرهته، ورجوت أن يجزئه، ولست أعرف أن يلقى في الماء ورق سدر، ولا طيب غير كافور، ولا يغره، ولكن يترك ماء على وجهه، ويلقي فيه الكافور



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الجنائز
    الحلقة (50)
    صــــــــــ 321 الى صـــــــــــ325

    [ما يبدأ به في غسل الميت]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    يلقى الميت على ظهره ثم يبدأ غاسله فيوضئه وضوءه للصلاة ويجلسه إجلاسا رفيقا ويمر يده على بطنه إمرارا رفيقا بليغا ليخرج شيئا إن كان فيه ثم فإن خرج شيء ألقاه، وألقى الخرقة عن يده، ووضأه ثم غسل رأسه ولحيته بالسدر حتى ينقيهما ويسرحهما تسريحا رفيقا ثم يغسله من صفحة عنقه اليمنى صبا إلى قدمه اليمنى، وغسل في ذلك شق صدره، وجنبه، وفخذه، وساقه الأيمن كله يحركه له محرك ليتغلغل الماء ما بين فخذيه، ويمر يده فيما بينهما، وليأخذ الماء فيغسل يامنة ظهره ثم يعود على شقه الأيسر فيصنع به ذلك ثم يحرف على جنبه الأيسر فيغسل ناتئة ظهره، وقفاه وفخذه، وساقه إلى قدمه، وهو يراه ممكنا ثم يحرف على جنبه الأيمن حتى يصنع بياسرة قفاه، وظهره، وجميع بدنه، وأليتيه، وفخذيه وساقه، وقدمه مثل ذلك، وأي شق حرفه إليه لم يحرفه حتى يغسل ما تحته، وما يليه ليحرفه على موضع نقي نظيف، ويصنع هذا في كل غسلة حتى يأتي على جميع غسله، وإن كان على بدنه، وسخ نحي إلى إمكان غسله بأشنان ثم ماء قراح، وإن غسله بسدر أو أشنان أو غيره لم نحسب شيئا خالطه من هذا شيء يعلو فيه غسلا، ولكن إذا صب عليه الماء حتى يذهب هذا أمر عليه بعده الماء القراح بما وصفت، وكان غسله بالماء، وكان هذا تنظيفا لا يعد غسل طهارة، والماء ليس فيه كافور كالماء فيه شيء من الكافور، ولا يغير الماء عن سجية خلقته، ولا يعلو فيه منه إلا ريحه، والماء بحاله فكثرة الكافور في الماء لا تضر، ولا تمنعه أن يكون طهارة يتوضأ به الحي، ولا يتوضأ الحي بسدر مضروب بماء لأن السدر لا يطهر، ويتعهد بمسح بطن الميت في كل غسلة، ويقعد عند آخر كل غسلة فإذا فرغ من آخر غسلة غسلها تعهدت يداه، ورجلاه، وردتا لئلا تجسوا ثم مدتا فألصقتا بجنبه، وصف بين قدميه وألصق أحد كعبيه بالآخر، وضم إحدى فخذيه إلى الأخرى فإن خرج من الميت بعد الفراغ من غسله شيء أنقي، واعتدت غسلة واحدة ثم يستخف في ثوب فإذا جف صير في أكفانه.
    [عدد كفن الميت]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    أحب عدد كفن الميت إلى ثلاثة أثواب بيض ريطات، ليس فيها قميص ولا عمامة فمن كفن فيها بدئ بالتي يريدون أن تكون أعلاها فبسطت أولا ثم بسطت الأخرى فوقها ثم الثالثة فوقهما ثم حمل الميت فوضع فوق العليا ثم أخذ القطن منزوع الحب فجعل فيه الحنوط والكافور، وألقي على الميت ما يستره ثم أدخل بين أليتيه إدخالا بليغا وأكثر ليرد شيئا إن جاء منه عند تحريكه إذا حمل فإن خيف أن يأتي شيء لعلة كانت به أو حدثت يرد بها أدخلوا بينه وبين كفنه لبدا ثم شدوه عليه كما يشد التبان الواسع فيمنع شيئا إن جاء منه من أن يظهر أو ثوبا صفيقا أقرب الثياب شبها باللبد، وأمنعها لما يأتي منه إن شاء الله تعالى، وشدوه عليه خياطة، وإن لم يخافوا ذلك فلفوا مكان ذلك ثوبا لا يضرهم، وإن تركوه رجوت أن يجزئهم والاحتياط بعمله أحب إلي ثم يؤخذ الكرسف فيوضع عليه الكافور فيوضع على فيه ومنخريه وعينيه، وموضع سجوده فإن كانت به جراح نافد وضع عليها، ويحنط رأسه، ولحيته، ولو ذر الكافور على جميع جسده وثوبه الذي يدرج فيه أحببت ذلك، ويوضع الميت من الكفن الموضع الذي يبقى من عند رجليه منه أقل ما بقي من عند رأسه ثم تؤخذ صنفة الثوب اليمنى فترد على شق الرجل الأيسر ثم تؤخذ صنفته اليسرى فترد على شق الرجل الأيمن حتى يغطي بها صنفته الأولى ثم يصنع بالثوب الذي يليه مثل ذلك ثم بالثوب الأعلى مثل ذلك، وأحب أن يذر بين أضعافها حنوط والكافور ثم يجمع ما عند رأسه من الثياب جمع العمامة ثم يرد على وجهه حتى يؤتى به صدره، وما عند رجليه كذلك حتى يؤتى به على ظهر رجليه إلى حيث بلغ، فإن خافوا انتشار الثياب من الطرفين عقدوها كي لا تنتشر فإن أدخلوه القبر لم يدعوا عليه عقدة إلا حلوها، ولا خياطة إلا فتقوها، وأضجعوه على جنبه الأيمن، ورفعوا رأسه بلبنة، وأسندوه لئلا يستلقي على ظهره، وأدنوه في اللحد من مقدمه كي لا ينقلب على، وجهه فإن كان ببلد شديد التراب أحببت أن يلحد له، وينصب اللبن على قبره ثم تسد فرج اللبن ثم يهال التراب عليه، وإن كان ببلد رقيق ضرح له والضرح أن تشق الأرض ثم تبنى ثم يوضع فيه الميت كما وصفت ثم سقف بألواح ثم سدت فرج الألواح ثم ألقي على الألواح والفرج إذخر وشجر ما كان، فيمسك التراب أن ينتخل على الميت فوضع مكتلا مكتلا لئلا يتزايل الشجر عن مواضعه ثم أهيل عليه التراب، والإهالة عليه أن يطرح من على شفير القبر التراب بيديه جميعا عليه، ويهال بالمساحي، ولا نحب أن يزداد في القبر أكثر من ترابه ليس لأنه يحرم ذلك، ولكن لئلا يرتفع جدا، ويشخص القبر عن وجه الأرض نحو من شبر، ويسطح، ويوضع عليه حصباء وتسد أرجاؤه بلبن أو بناء، ويرش على القبر ويوضع عند رأسه صخرة أو علامة ما كانت فإذا فرغ من القبر فذلك أكمل ما يكون من اتباع الجنازة فلينصرف من شاء، والمرأة في غسلها وتعاهد ما يخرج منها مثل الرجل، وينبغي أن يتفقد منها أكثر ما يتفقد من الرجل، وإن كان بها بطن أو كانت نفساء أو بها علة احتيط فخيط عليها لبد ليمنع ما يأتي منها إن جاء، والمشي بالجنازة الإسراع، وهو فوق سجية المشي فإن كانت بالميت علة يخاف لها أن تجيء منه شيئا أحببت أن يرفق بالمشي وأن يدارى لئلا يأتي منه أذى، وإذا غسلت المرأة، ضفر شعرها ثلاثة قرون فألقين خلفها، وأحب لو قرئ عند القبر، ودعي للميت وليس في ذلك دعاء مؤقت، وأحب تعزية أهل الميت، وجاء الأثر في تعزيتهم، وأن يخص بالتعزية كبارهم، وصغارهم العاجزون عن احتمال المصيبة، وأن يجعل لهم أهل رحمهم وجيرانهم طعاما لشغلهم بمصيبتهم عن صنعة الطعام.العلل في الميت.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    وإذا كان الميت مصعوقا أو ميتا غما أو محمولا عليه عذاب أو حريقا أو غريقا أو به علة قد توارت بمثل الموت استؤني بدفنه، وتعوهد حتى يستيقن موته لا وقت غير ذلك، ولو كان يوما أو يومين أو ثلاثة ما لم يبن به الموت أو يخاف أثره ثم غسل ودفن، وإذا استيقن موته عجل غسله ودفنه، وللموت علامات منها امتداد جلدة الولد مستقبله " قال الربيع " يعني خصاه فإنها تفاض عند الموت، وافتراج زندي يديه، واسترخاء القدمين حتى لا ينتصبان، وميلان الأنف، وعلامات سوى هذه، فإذا رئيت دلت على الموت.
    [من يدخل قبر الرجل]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    لا يضر الرجل من دخل قبره من الرجال ولا يدخل النساء قبر رجل، ولا امرأة إلا أن لا يوجد غيرهن، وأحب أن يكونوا وترا في القبر ثلاثة أو خمسة أو سبعة، ولا يضرهم أن يكونوا شفعا، ويدخله من يطيقه، وأحبهم أن يدخل قبره أفقههم ثم أقربهم به رحما ثم يدخل قبر المرأة من العدد مثل من يدخل قبر الرجل، ولا تدخله امرأة إلا أن لا يوجد غيرها، ولا بأس أن يليها النساء لتخليص شيء إن كن يلينه، وحل عقد عنها، وإن وليها الرجال في ذلك كله فلا بأس إن شاء الله تعالى ولا أحب أن يليها إلا زوج أو ذو محرم إلا أن يوجد، وإن لم يوجدوا أحببت أن يليها رقيق إن كانوا لها فإن لم يكونوا فخصيان فإن لم يكن لها رقيق فذو محرم أو ولاء فإن لم يكونوا فمن وليها من المسلمين، ولا بأس إن شاء الله تعالى وتغسل المرأة زوجها، والرجل امرأته إن شاء وتغسلها ذات محرم منها أحب إلي فإن لم تكن فامرأة من المسلمين، ويدخل المرأة قبرها إذا لم يكن معها من قرابتها أحد الصالحين الذين لو احتاجت إليهم في حياتها لجاز لهم أن ينظروا إليها ويشهدوا عليها
    [باب التكبير على الجنائز]

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    ويكبر على الجنائز أربعا، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، ويسلم عن يمينه وشماله عند الفراغ، ويقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو لجملة المؤمنين والمؤمنات ثم يخلص الدعاء للميت ومما يستحب في الدعاء أن يقول " اللهم عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه أحبائه فيها إلى ظلمة القبر، وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به اللهم نزل بك، وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم فإن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، وبلغه برحمتك رضاك، وقه فتنة القبر وعذابه، وافسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين "، وإذا أدخل قبره أن يقال " اللهم أسلمه إليك الأهل والإخوان ورجع عنه كل من صحبه، وصحبه عمله، اللهم فزد في حسنته واشكره واحطط سيئته، واغفر له واجمع له برحمتك الأمن من عذابك، واكفه كل هول دون الجنة اللهم واخلفه في تركته في الغابرين، وارفعه في عليين، وعد عليه بفضل رحمتك يا أرحم الراحمين "
    [باب الحكم فيمن دخل في صلاة أو صوم هل له قطع ما دخل فيه]
    قبل تمامه؟ وليس في التراجم أخبرنا الربيع قال
    (قال الشافعي) :
    من دخل في صوم واجب عليه من شهر رمضان أو قضاء أو صوم نذر أو كفارة من وجه من الوجوه أو صلى مكتوبة في وقتها أو قضاها أو صلاة نذرها أو صلاة طواف، لم يكن له أن يخرج من صوم، ولا صلاة ما كان مطيقا للصوم والصلاة على طهارة في الصلاة، وإن خرج من واحد منهما بلا عذر مما وصفت أو ما أشبهه عامدا، كان مفسدا آثما عندنا، والله تعالى أعلم، وكان عليه إذا خرج منه الإعادة لما خرج منه بكماله فإن خرج منه بعذر من سهو أو انتقاض وضوء أو غير ذلك من العذر كان عليه أن يعود فيقضي ما ترك من الصوم والصلاة بكماله لا يحل له غيره طال تركه له أو قصر، وأصل هذا إذا لم يكن للمرء ترك صلاة، ولا صوم قبل أن يدخل فيه، وكان عليه أن يعود فيقضي ما ترك بكماله فخرج منه قبل إكماله عاد، ودخل فيه فأكمله لأنه إذا لم يكمله بعد دخوله فيه فهو بحالة لأنه قد وجب عليه فلم يأت به كما وجب عليه، وإنما تكمل صلاة المصلي الصلاة الواجبة، وصوم الصائم الواجب عليه إذا قدم فيه مع دخوله في الصلاة نية يدخل بها في الصلاة فلو كبر لا ينوي واجبا من الصلاة أو دخل في الصوم لا ينوي، واجبا لم تجزه صلاته ولا صيامه من الواجب عليه منهما، وما قلت في هذا داخل في دلالة سنة أو أثر لا أعلم أهل العلم اختلفوا فيه
    (قال الشافعي) :
    ومن تطوع بصلاة أو طواف أو صيام أحببت له أن لا يخرج من شيء منه حتى يأتي به كاملا إلا من أمر يعذر به كما يعذر في خروجه من الواجب عليه بالسهو أو العجز عن طاقته أو انتقاض وضوء في الصلاة أو ما أشبهه، فإن خرج بعذر أو غير عذر فلو عاد له فكمله كان أحب إلي، وليس بواجب عندي أن يعود له،
    والله تعالى أعلم فإن قال قائل:
    ولم لا يعود لما دخل فيه من التطوع من صوم وصلاة وطواف إذا خرج منه كما يعود لما وجب عليه؟ قيل له إن شاء الله تعالى لاختلاف الواجب من ذلك والنافلة،
    فإن قال قائل:
    فأين الخلاف بينهما؟
    قيل له إن شاء الله تعالى: لا اختلاف مختلفان قبل الدخول فيهما،
    وبعده فإن قال قائل:
    ما وجد في اختلافهما؟
    قيل له:
    أرأيت الواجب عليه أكان له تركه قبل أن يدخل فيه؟
    فإن قال:
    لا قيل: أفرأيت النافلة، أكان له تركها قبل أن يدخل فيها؟
    فإن قال:
    نعم،
    قيل:
    أفتراهما متباينتين قبل الدخول؟
    فإن قال:
    نعم،
    قيل:
    أفرأيت الواجب عليه من صوم وصلاة لا يجزئه أن يدخل فيه لا ينوي الصلاة التي وجبت بعينها والصوم الذي وجب عليه بعينه؟ فإن قال: لا ولو فعل لم يجزه من واحد منهما قيل له: أفيجوز له أن يدخل في صلاة نافلة، وصوم لا ينوي نافلة بعينها، ولا فرضا أفتكون نافلة؟
    فإن قال:
    نعم قيل له: وهل يجوز له وهو مطيق على القيام في الصلاة أن يصلي قاعدا أو مضطجعا، وفي السفر راكبا أين توجهت به دابته يومئ إيماء؟
    فإن قال:
    نعم قيل له: وهل يجوز له هذا في المكتوبة؟
    فإن قال:
    لا،
    قيل:
    أفتراهما مفترقتين بين الافتراق قبل الدخول فيهما، ومع الدخول، وبعد الدخول عندنا وعندك استدلالا بالسنة، وما لم أعلم من أهل العلم مخالفا فيه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الأول -كتاب الجنائز
    الحلقة (51)
    صــــــــــ 326 الى صـــــــــــ330


    باب الخلاف فيه.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    فخالفنا بعض الناس، وآخر في هذا فكلمت بعض الناس، وكلمني ببعض ما حكيت في صدر هذه المسألة، وأتيت على معانيه وأجابني بجمل ما قلت غير أني لا أدري لعلي أوضحتها حين كتبتها بأكثر من اللفظ الذي كان مني حين كلمته فلم أحب أن أحكي إلا ما قلت على وجهه، وإن كنت لم أحك إلا معنى ما قلت له بل تحريت أن يكون أقل ما قلت له، وأن آتي على ما قال، ثم كلمني فيها هو وغيره ممن ينسب إلى العلم من أصحابه مما سأحكي إن شاء الله تعالى ما قالوا،
    وقلت:
    فقال لي: قد علمت أن فقهاء المكيين، وغير واحد من فقهاء المدنيين يقولون ما قلت لا يخالفونك فيه،
    وقد وافقنا في قولنا بعض المدنيين فخالفك مرة وخالفنا في شيء منه فقلت:
    لا أعرفه بعينه فاذكر قولك والحجة فيه ذكر من لا يحتج إلا بما يرى مثله حجة ولا تذكر مما يوافق قولك قول من لا يرى قوله حجة بحال: قال: أفعل،
    ثم قال:
    أخبرني ابن جريج عن ابن شهاب أو أخبرنا ثقة عن ابن جريج عن ابن شهاب «أن عائشة، وحفصة أصبحتا صائمتين فأهدي لهما شيء فذكرتا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال صوما يوما مكانه» فقلت: هل عندك حجة من رواية أو أثر لازم غير هذا؟ قال: ما يحضرني الآن شيء غيره،
    وهذا الذي كنا نبني عليه من الأخبار في هذا قال:
    فقلت له: هل تقبل مني أن أحدثك مرسلا كثيرا عن ابن شهاب، وابن المنكدر، ونظرائهما ومن هو أسن منهما عمرو بن دينار وعطاء، وابن المسيب، وعروة؟
    قال:
    لا.
    قلت:
    فكيف قبلت عن ابن شهاب مرسلا في شيء ولا تقبله عنه، ولا عن مثله، ولا أكبر منه في شيء غيره؟
    قال فقال:
    فلعله لم يحمله إلا عن ثقة.
    قلت:
    وهكذا يقول لك من أخذ بمرسله في غير هذا، ومرسل من هو أكبر فيقول كلما غاب عني مما يمكن فيه أن يحمله عن ثقة أو عن مجهول لم تقم علي به حجة حتى أعرف من حمله عنه بالثقة فأقبله أو أجهله فلا أقبله،
    قلت:
    ولم؟ إلا أنك إنما أنزلته بمنزلة الشهادات، ولا تأمن أن يشهد لك شاهدان على ما لم يريا، ولم يسميا من شهدا على شهادته؟ قال: أجل،
    وهكذا نقول في الحديث كله قال:
    فقلت له: وقد كلمني في حديث ابن شهاب كلام من كأنه لم يعلم فيه، ومن حديث ابن شهاب هذا عند ابن شهاب، وفيه شيء يخالفه، ولم نعرف ثقة ثبتا يخالفه،
    وهو أولى أن تصير إليه منه في حديث ابن شهاب قال:
    فكان ذاهبا عند ابن شهاب؟
    قلت: نعم،
    أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال:
    الحديث الذي رويت عن حفصة، وعائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن جريج: فقلت له أسمعته من عروة بن الزبير؟
    قال: لا، إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان أو رجل من جلساء عبد الملك بن مروان
    (قال الشافعي) :
    فقلت له: أفرأيت لو كنت ترى الحجة تقوم بالحديث المرسل ثم علمت أن ابن شهاب قال في الحديث ما حكيت لك أتقبله؟ قال: لا هذا يوهنه بأن يخبر أنه قبله عن رجل لا يسميه ولو عرفه لسماه أو وثقه
    (قال الشافعي) :
    فقال: أفليس يقبح أن يدخل رجل في صلاته ثم يخرج منها قبل أن يصلي ركعتين، وفي صوم فيخرج منه قبل أن يتم صوم يوم أو في طواف فيخرج منه قبل أن يكمل سبعا؟
    فقلت له: وقد صرت إذ لم تجد حجة فيما كنت تحتج به إلى أن تكلم كلام أهل الهالة قال: الذي قلت أحسن. قلت: أتقول أن يكمل الرجل ما دخل فيه؟
    قال: نعم.
    قلت:
    وأحسن منه أن يزيد على أضعافه؟
    قال:
    أجل. قلت أفتوجبه عليه؟
    قال:
    لا قلت له: أفرأيت رجلا قويا نشيطا فارغا لا يصوم يوما واحدا تطوعا أو لا يطوف سبعا أو لا يصلي ركعة هو أقبح فعلا أم من طاف فلم يكمل طوافا حتى قطعه من عذر فلم يبن أو صنع ذلك في صوم أو صلاة؟ قال الذي امتنع من أن يدخل من ذلك سيئ،
    قلت: أفتأمره إذا كان فعله أقبح أن يصلي، ويصوم ويطوف تطوعا أمرا توجبه عليه؟
    قال:
    لا.
    قلت:
    فليس قولك أحسن،
    وأقبح من موضع الحجة بسبيل ههنا إنما هو موضع اختيار قال:
    نعم فلم يدخل الاختيار في موضع الحجة،
    وقد أجزنا له قبل أن نقول هذا ما اخترت له وأكثر فقلنا:
    ما نحب أن يطيق رجل صوما فيأتي عليه شهر لا يصوم بعضه، ولا صلاة فيأتي عليه ليل، ولا نهار إلا تطوع في كل واحد منهما بعدد كثير من الصلاة، وما يزيد في ذلك أحد شيئا إلا كان خيرا له، ولا ينقص منه أحد إلا والحظ له في ترك النقص،
    ولكن لا يجوز لعالم أن يقول لرجل:
    هذا معيب، وهذا مستخف، والاستخفاف، والعيب بالنية، والفعل وقد يكون الفعل والترك ممن لا يستخف، فقال فيما قلت من الرجل يخرج من التطوع في الصلاة أو الصوم أو الطواف فلا يجب عليه قضاؤه خبر يلزم أو قياس يعرف؟ قلت: نعم.قال: فاذكر بعض ما يحضرك منها قلنا: أخبرنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن «عائشة أم المؤمنين قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    فقلت إنا خبأنا لك حيسا:
    فقال أما إني كنت أريد الصوم، ولكن قربيه»

    (قال الشافعي) :
    فقال قد قيل: إنه يصوم يوما مكانه
    (قال الشافعي)
    :
    فقلت له: ليس فيما حفظت عن سفيان في الحديث، وأنا أسألك. قال.
    فسل:
    قلت أرأيت من دخل في صوم واجب عليه من كفارة أو غيرها له أن يفطر ويقضي يوما مكانه؟
    قال: لا.
    قلت:
    أفرأيت إن كان من دخل في التطوع عندك بالصوم كمن وجب عليه أيجوز أن تقول من غير ضرورة ثم يقضي؟ قال: لا. قلت: ولو كان هذا في الحديث وكان على معنى ما ذهبت إليه كنت قد خالفته؟
    قال:
    فلو كان في الحديث أيحتمل معنى غير أنه واجب عليه أن يقضيه؟
    قلت:
    نعم.
    يحتمل إن شاء تطوع يوما مكانه قال:
    وأياما أفتجد في شيء روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ما وصفت؟
    قلت:
    نعم أخبرنا سفيان عن ابن أبي لبيد قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة فبينما هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر،
    قال أبو سلمة:
    فذهبت معه إلى عائشة،
    وبعث ابن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا فأتى عائشة فسألها عن ذلك فقالت له:
    اذهب فسل أم سلمة، فذهبت معه إلى أم سلمة فسألها «فقالت أم سلمة: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما قالت أم سلمة فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال:
    إني كنت أصلي ركعتين قبل الظهر، وأنه قدم علي وفد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان»

    (قال الشافعي) :
    وثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل» ، وإنما أراد والله تعالى أعلم المداومة على عمل كان يعمله فلما شغل عنه عمله في أقرب الأوقات منه ليس أن ركعتين قبل العصر واجبتان، ولا بعدها، وإنما هما نافلة، وقال عمر بن الخطاب " من فاته شيء من صلاة الليل فليصله إذا زالت الشمس فإنه قيام الليل " ليس أنه يوجب قيام الليل ولا قضاءه، ولكن يقول من أراد تحرى فصلى فليفعل، أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر «أن عمر نذر أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يعتكف في الإسلام» ، وهو على هذا المعنى، والله تعالى أعلم أنه إنما أمره إن أراد أن يسبق باعتكاف اعتكف، ولم يمنعه أنه نذره في الجاهلية أخبرنا الدراوردي، وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه - رضي الله تعالى عنهما - عن جابر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام في سفره إلى مكة عام الفتح في شهر رمضان،
    وأمر الناس أن يفطروا فقيل له:
    إن الناس صاموا حين صمت فدعا بإناء فيه ماء فوضعه على يده، وأمر من بين يديه أن يحبسوا فلما حبسوا، ولحقه من وراءه رفع الإناء إلى فيه فشرب وفي حديثهما أو حديث أحدهما، وذلك بعد العصر»
    أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال «خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة حتى إذا كان بكراع الغميم، وهو صائم ثم رفع إناء فيه ماء فوضعه على يده، وهو على الرحل فحبس من بين يديه، وأدركه من وراءه ثم شرب، والناس ينظرون»
    (قال الشافعي) :
    فقال هذا في شهر رمضان قلت: فذلك أوكد للحجة عليك أنه إذا كان له أن يفطر في السفر في شهر رمضان لا علة غيره برخصة الله، وكان له أن يصوم إن شاء فيجزى عنه من أفطر قبل أن يستكمله دل هذا على معنى قولي من أنه لما كان له قبل الدخول في الصوم أن لا يدخل فيه كان بالدخول فيه في تلك الحال غير واجب عليه بكل حال، وكان له إذا دخل فيه أن يخرج منه بكل حال كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    فالتطوع بكل وجه أولى أن يكون هكذا من الفرض الذي له تركه في ذلك الوقت إلى أن يقضيه في غيره قال:
    فتقول بهذا؟
    قلت:
    نعم، أقوله اتباعا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36] قال لي: فقد ذكر لي أنك تحفظ في هذا أثرا عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    فقلت له: الذي جئتك به أقطع للعذر وأولى أن تتبعه من الأثر قال فاذكر الأثر قلت: فإن ذكرته بما ثبت بمثله عن واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تأت بشيء يخالفه ثابت عن واحد منهم تعلم أن فيما قلنا الحجة، وفي خلافه الخطأ؟
    قال:
    فاذكره.
    قلت:
    أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يفطر الإنسان في صيام التطوع، ويضرب لذلك أمثالا، رجل قد طاف سبعا، ولم يوفه فله ما احتسب أو صلى ركعة، ولم يصل أخرى فله أجر ما احتسب، أخبرنا مسلم، وعبد المجيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا مسلم،
    وعبد المجيد عن ابن جريج عن الزبير عن جابر أنه كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن أبي الدرداء أنه كان يأتي أهله حين ينتصف النهار أو قبله فيقول:
    هل من غداء؟ فيجده أو لا يجده
    فيقول: لأصومن هذا اليوم فيصومه، وإن كان مفطرا، وبلغ ذلك الحين، وهو مفطر.
    قال ابن جريج:
    أخبرنا عطاء، وبلغنا أنه كان يفعل ذلك حين يصبح مفطرا حتى الضحى أو بعده، ولعله أن يكون وجد غداء أو لم يجده
    (قال الشافعي) :
    في قوله يصبح مفطرا يعني يصبح لم ينو صوما، ولم يطعم شيئا
    (قال الشافعي) :
    وهذا لا يجزئ في صوم واجب حتى ينوي صومه قبل الفجر،
    أخبرنا الثقات من أصحابنا عن جرير بن عبد المجيد عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال:
    دخل عمر بن الخطاب المسجد فصلى ركعة ثم خرج فسئل عن ذلك فقال: إنما هو تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص أخبرنا غير واحد من أهل العلم بإسناد لا يحضرني ذكره فيما يثبت مثله عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - مثل معنى ما روي عن عمر لا يخالفه أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال حدثني من رأى أبا ذر يكثر الركوع،
    والسجود فقيل له:
    أيها الشيخ تدري على شفع تنصرف أم على وتر؟
    قال:
    لكن الله يدري أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي تميم المنذري عن مطرف قال: أتيت بيت المقدس فإذا أنا بشيخ يكثر الركوع،
    والسجود فلما انصرف قلت:
    إنك شيخ وإنك لا تدري على شفع انصرفت أم على وتر فقال: إنك قد كفيت حفظه وإني لأرجو أني لا أسجد سجدة إلا رفعني الله بها درجة أو كتب لي بها حسنة أو جمع لي كلتيهما، قال عبد الوهاب الشيخ الذي صلى، وقال المقالة أبو ذر
    (قال الشافعي) :
    قول أبي ذر " لكن الله يدري "، وقوله " قد كفيت حفظه " يعني علم الله به، ويتوسع، وإن لم يعلم هو، والله أعلم وهذا لا يتسع في الفرض إلا أن ينصرف على عدد لا يزيد فيه، ولا ينقص منه شيئا، وقد توسع أبو ذر فيه في التطوع
    (قال الشافعي)
    :
    وقلت مذهبك فيما يظهر اتباع الواحد في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يخالفه غيره من روايتك، ورواية أصحابك الثابتة عندهم ما وصف عن علي وعمر وأبي ذر من الرواية التي لا يدفع عالم أنها غاية في الثبت روينا عن ابن عباس ونحن وأنت نثبت روايتنا عن جابر بن عبد الله ويروي عن أبي ذر عدد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يوافق ما قلنا فلو لم يكن في هذا دلالة من سنة لم يكن فيه إلا الآثار، وأيا كان لم يك على أصل مذهبك أن نقول قولنا فيه وأنت تروي عن عمر إذا أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر، ونقول ولو تصادقا أنه لم يمسها، وجب المهر والعدة اتباعا لقول عمر فترد على من خالفه وقد خالفه ابن عباس وشريح وتأول حجة لقول الله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] ، ولقوله {فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: 49] قالوا إنما أوجب الله المهر،
    والعدة في الطلاق بالمسيس فقلت:
    لا تنازع عمر، ولا تتأول معه بل تتبعه،
    ونتبع ابن عباس في قوله:
    «من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما» ، وفي قوله " ما الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطعام أن يباع حتى يقبض ثم يقول برأيه،
    ولا أحسب كل شيء إلا مثله فقلت: لا يجوز أن يباع شيء اشتري متى يقبض اتباعا لابن عباس، وتروي ذلك حجة على من خالفك إذا كان معك قول ابن عباس وتروي عن علي - رضي الله عنه - في امرأة المفقود خلاف عمر، وتحتج به عليه، وترى لك فيه حجة على من خالفك ثم تدع عمر وعليا وابن عباس وجابرا وأبا ذر، وعددا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متفقة أقاويلهم، وأفعالهم، وتخالفهم على أقاويلهم بالقياس ثم تخطئ القياس أرأيت لا يمكن أحدا في قول، واحد منهم أن يدخل عليك قياسا صحيحا، ومعهم دلائل السنة التي ليس لأحد خلافها؟
    (قال) :
    أفتكون صلاة ركعة واحدة؟
    (قلت) :
    مسألتك مع ما وصفت من الأخبار جهالة أو تجاهل فإن زعمت أن لنا، ولك أن نكون متكلمين سنة أو أثرا عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد سألت في موضع مسألة وإن زعمت أن أقاويلهم غاية ينتهى إليها لا تجاوز، وإن لم يكن معها سنة لم يكن لمسألتك موضع
    (قال) :
    أفرأيت إن كنعت عن القول في الصيام، والطواف، وكلمتك في الصلاة وزعمت أني لا أقيس شريعة بشريعة، ولا يكون ذلك لك فلما لم أجد في الصوم حديثا يثبت يخالف ما ذهبت إليه، ولا في الطواف، وكنعت عن الكلام فيهما قلت، ورجعت إلى إجازة أن يخرج من صوم التطوع، والطواف؟ فقال بل أقف فيه قلت أفتقبل من غيرك الوقوف عند الحجة؟ قال: لعلي سأجد حجة فيما قلت: قلت: فإن قال لك غيرك فلعلي سأجد الحجة عليك فلا أقبل منك أيكون ذلك له، وفائدة وقوفك، والخبر الذي يلزم مثله عندك ثابت بخلاف قولك فإن قال فإن قلت لك في الصلاة إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «صلاة الليل، والنهار مثنى مثنى يسلم بين كل ركعتين» قلت: فأنت تخالف هذا فتقول: صلاة النهار أربع، وصلاة الليل مثنى قال بحديث قلت فهو إذن يخالف هذا الحديث فأيهما الثابت؟ قال فاقتصر على صلاة الليل، وأنت تعرف الحديث ليلا، وتثبته؟
    قلت:
    نعم. وليست لك حجة فيه إن لم تكن عليك قال،
    وكيف قلت:
    إنما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تكون صلاة الليل مثنى لمن أراد صلاة تجاوز مثنى فأمر بأن يسلم بين كل ركعتين لئلا تشتبه بصلاة الفريضة لا أنه حرام أن يصلي أقل من مثنى، ولا أكثر قال، وأين أجاز أن يصلي أقل من مثنى؟ قلت في قوله «فإذا خشي الصبح صلى واحدة يوتر بها ما قد صلى» فقد صلى ركعة واحدة منفردة، وجعلها صلاة، وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بخمس ركعات لا يسلم، ولا يجلس إلا في أخراهن» ، وروى ابن عباس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من الركعة والركعتين» ، وأخبر أن وجه الصلاة في التطوع أن تكون مثنى، ولم يحرم أن تجاوز مثنى، ولا تقصر عنه قال فإن قلت بل حرم أن لا يصلي إلا مثنى،
    قلت:
    فأنت إذن تخالف إن زعمت أن الوتر واحدة، وإن زعمت أنه ثلاث لا يفصل بسلام بينهن أو أكثر فليس واحدة ولا ثلاث مثنى، قال: فقال بعض من حضره من أصحابه ليس الذي ذهب إليه من هذا بحجة عليك عنده فما زال الناس يأمرون بأن يصلوا مثنى، ولا يحرمون دون مثنى فإذا جاز أن يصلي غير مثنى قلت: فلم أحتج به
    (قال الشافعي)
    :
    قلت له: نحن وأنت مجمعون على إنما يجب للرجل إذا قرأ السجدة طاهرا أن يسجد، وأنت توجبها عليه أفسجدة لا قراءة فيها أقل أم ركعة؟ قال: هذا سنة وأثر قلت له، ولا يدخل على السنة ولا الأثر؟
    قال:
    لا.
    قلت:
    فلم أدخلته علينا في السنة والأثر؟ وإذا كانت سجدة تكون صلاة، ولم تبطلها بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الليل " مثنى لأنه لم يبلغ بها أن يجاوز بها مثنى فيقصر بها على مثنى فكيف عبث أن نقول أقل من مثنى، وأكثر من سجدة صلاة؟ قال: فإن قلت: السجود واجب قلنا فذلك أوكد للحجة عليك أن يحب من الصلاة سجدة بلا قراءة، ولا ركوع ثم تعيب أن يجوز أكثر منها قلت له سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجدة شكر لله عز وجل
    (قال الشافعي) :
    أخبرنا بذلك الدراوردي وسجد أبو بكر شكرا لله تبارك وتعالى حين جاءه قتل مسيلمة،، وسجد عمر حين جاءه فتح مصر شكرا لله جل اسمه فإذا جاز أن يتطوع لله بسجدة فكيف كرهت أن يتطوع بأكثر منها؟ وقلت له ولو أن رجلا ذهب في قول الله تبارك وتعالى في المزمل حين خفف قيام الليل ونصفه قال {فاقرءوا ما تيسر منه} [المزمل: 20] يعني صلوا ما تيسر أن يكون جعل ذلك إليهم فيما قد وضع عنهم فرضه بلا توقيت كان أقرب إلى أن يشبه أن يكون هذا له حجة، والله تعالى أعلم منك،
    وقد أوتر عثمان بن عفان وسعد وغيرهما بركعة في الليل لم يزيدوا عليها بعد المكتوبة أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال:
    أخبرني عتبة بن محمد بن الحارث أن كريبا مولى ابن عباس أخبره أنه رأى معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها فأخبر ابن عباس فقال: أصاب أي بنى ليس أحد منا أعلم من معاوية هي واحدة أو خمس أو سبع إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن زيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن التيمي عن صلاة طلحة قال إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان قال قلت لأغلبن الليلة على المقام فقمت فإذا برجل يزحمني متقنعا فنظرت فإذا عثمان قال فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن حتى إذا قلت هذه هوادي الفجر فأوتر بركعة لم يصل غيرها
    (قال الشافعي) :
    فقال فما حجتك على صاحبك الذي خالف مذهبك؟ قلت له: حجتي عليك حجتي عليه،
    ولو سكت عن جميع ما احتججت به عليك سكات من لم يعرفه كنت محجوجا على لسان نفسك قال:
    وأين؟
    قلت: هل تعدو النافلة من الصلاة والطواف من الصيام كما قلت من أنها لما لم يجب على الرجل الدخول فيها فدخل فيها فقطعها أن لا يكون عليه بدلها إذا لم يكن أصلها مما يلزمه تأديته أو تكون غير واجبة عليه فإذا دخل فيها، وجبت بدخوله فيها فلزمه تمامها؟
    قال:
    ما تعدو واحدا من هذين، قلت: فقوله خارج من هذين؟
    قال:
    وكيف؟
    قلت:
    يزعم أن من قطع صلاة أو صياما أو طوافا من غير عذر يلزمه أن يقضيه كما يلزمه قضاء المفروض عليه من هذا كله ومن قطع من عذر لم يلزمه أن يقضيه، وهو يزعم في المفروض عليه أنه يلزمه إذا قطعه من علة أن يقضيه كما يلزمه إذا قطعه من غير عذر، قال: ليس لقائل هذا حجة يحتاج عالم معه إلى مناظراته، وقد كنت أعلم أنه يوافقنا منه في شيء، ويخالفنا في شيء لم أعرفه حتى ذكره قلت فهكذا قوله قال فلعل عنده فيه أثرا،
    قلنا:
    فيوهم أن عنده أثرا ولا يذكره، وأنت تراه يذكر من الآثار ما لا يوافق قوله لا ترى أنت له فيه حجة، ولا أثرا
    (قال الشافعي) :
    فقال فبقيت لنا عليك حجة، وهي أنك تركت فيهما بعض الأصل الذي ذهبت إليه
    (قال الشافعي) :
    فقلت، وما هي؟
    قال:
    أنت تقول من تطوع بحج أو عمرة فدخل فيهما لم يكن له الخروج منهما، وهما نافلة فما فرق بين الحج، والعمرة، وغيرهما من صلاة، وطواف، وصوم؟
    قلت:
    الفرق الذي لا أعلمك ولا أحدا يخالف فيه قال فما هو؟
    قلت أفرأيت من أفسد صلاته أو صومه أو طوافه أيمضي في واحد منها أو يستأنفها قال:
    بل يستأنفها قلت، ولو مضى في صلاة فاسدة أو صوم أو طواف لم يجزه، وكان عاصيا، ولو فسدت طهارته، ومضى مصليا أو طائفا لم يجز؟
    قال:
    نعم.
    قلت:
    يؤمر بالخروج منها؟
    قال:
    نعم قلت: أفرأيت إذا فسد حجه وعمرته أيقال له: اخرج منهما فإنه لا يجوز له أن يمضي في واحد منهما وهو فاسد؟
    قال:
    لا،
    وقلت:
    ويقال له اعمل للحج والعمرة، وقد فسدا كما تعمله صحيحا لا تدع من عمله شيئا للفساد، واحجج قابلا، واعتمر وافتد،
    قال:
    نعم،
    قلت:
    أفتراهما يشبهان شيئا مما وصفت؟ والله أعلم



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الثانى -كتاب الزكاة
    الحلقة (52)
    صــــــــــ 1 الى صــــــــــ 5



    [كتاب الزكاة]
    [باب العدد الذي إذا بلغته الإبل كان فيها صدقة]
    بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الزكاة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس المطلبي الشافعي - رحمه الله -
    قال قال الله عز وجل:
    {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة: 5]
    (قال الشافعي) :
    فأبان الله عز وجل أنه فرض عليهم أن يعبدوه مخلصين له الدين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وقال الله عز وجل: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم - يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} [التوبة: 34 - 35]وقال عز ذكره {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} [آل عمران: 180]
    (قال الشافعي)
    :
    فأبان الله عز وجل في هاتين الآيتين فرض الزكاة؛ لأنه إنما عاقب على منع ما أوجب، وأبان أن في الذهب، والفضة الزكاة
    (قال الشافعي)
    :
    قول الله عز وجل: {ولا ينفقونها في سبيل الله} [التوبة: 34] يعني والله تعالى أعلم في سبيله الذي فرض من الزكاة وغيرها
    (قال الشافعي) :
    وأما دفن المال فضرب من إحرازه، وإذا حل إحرازه بشيء حل بالدفن وغيره، وقد جاءت السنة بما يدل على ذلك ثم لا أعلم فيه مخالفا ثم الآثار.
    أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين سمعا أبا وائل يخبر عن عبد الله بن مسعود يقول:
    سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    يقول:
    «ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه، وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه ثم قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} [آل عمران: 180] » أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه كان يقول «من كان له مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه يقول: أنا كنزك» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال: كل مال يؤدي زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونا وكل مال لا يؤدي زكاته فهو كنز، وإن لم يكن مدفونا وقال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103]
    (قال الشافعي) :
    وإنما أمره أن يأخذ منهم ما أوجب عليهم وذكر الله تبارك وتعالى الزكاة في غير موضع من كتابه سوى ما وصفت منها
    (قال)
    :
    فأبان الله عز وجل فرض الزكاة في كتابه ثم أبان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - في أي المال الزكاة فأبان في المال الذي فيه الزكاة أن منه ما تسقط عنه الزكاة، ومنه ما تثبت عليه، وأن من الأموال ما لا زكاة فيه
    (قال)
    :
    وكان فيما أبان من هذا مع غيره إبانة الموضع الذي وضع الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من دينه وكتابه، والدليل على أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما لله عز وجل فيه حكم والدليل على ما أراد الله تبارك وتعالى بحكمه أخاصا أراد أم عاما وكم قدر ما أراد منه، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الموضع من كتاب الله عز وجل ودينه في موضع كان كذلك في كل موضع وسنته لا تكون إلا بالإبانة عن الله تبارك وتعالى واتباع أمره.باب العدد الذي إذا بلغته الإبل كان فيها صدقة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    قال: «ليس فيما دون خمس ذود صدقة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال حدثنا عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    قال:
    «ليس فيما دون خمس ذود صدقة»
    (قال الشافعي) :
    أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله
    (قال الشافعي) :
    وبهذا نأخذ ولا أعلم فيه مخالفا لقيته ولا أعلم ثقة يرويه إلا عن أبي سعيد الخدري.، فإذا أثبتوا حديثا واحدا مرة وجب عليهم أن يثبتوه أخرى
    (قال الشافعي) :
    وبين في السنة أن ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، وأن في الخمس صدقة. باب كيف فرض الصدقة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر عن المثنى بن أنس أو ابن فلان ابن أنس " الشافعي يشك «عن أنس بن مالك قال: هذه الصدقة ثم تركت الغنم وغيرها وكرهها الناس بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين التي أمر الله تعالى بها فمن سئلها على وجهها من المؤمنين فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه في أربع وعشرين من الإبل فما دونها، الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين من الإبل ففيها ابنة مخاض أنثى، فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإن زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وأن بين أسنان الإبل في فريضة الصدقة من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسر عليه أو عشرين درهما، فإذا بلغت عليه الحقة وليس عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وأخبرني عدد ثقات كلهم عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل معنى هذا لا يخالفه إلا أني لا أحفظ فيه ألا يعطي شاتين أو عشرين درهما، ولا أحفظ إن استيسر عليه.
    (قال الشافعي)
    :
    وأحسب في حديث حماد عن أنس أنه قال دفع إلى أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - كتاب الصدقة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر هذا المعنى كما وصفت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قال لي ابن طاوس " عند أبي كتاب من العقول نزل به الوحي وما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العقول أو الصدقة فإنما نزل به الوحي "
    (قال الشافعي) :
    وذلك إن شاء الله تعالى كما روى ابن طاوس وبين في قول أنس
    (قال) :
    وحديث أنس حديث ثابت من جهة حماد بن سلمة وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبه نأخذ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع «عن عبد الله بن عمر أن هذا كتاب الصدقات فيه في كل أربع وعشرين من الإبل فدونها من الغنم في كل خمس شاة، وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون، وفيما فوق ذلك إلى ستين حقة طروقة الجمل، وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة، وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبون، وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الجمل فما زاد على ذلك ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى أن تبلغ عشرين ومائة شاة، وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان، وفيما فوق ذلك إلى ثلثمائة ثلاث شياه فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة ولا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا إلا ما شاء المصدق ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وفي الرقة ربع العشر إذا بلغت رقة أحدهم خمس أواق»هذه نسخة كتاب عمر بن الخطاب التي كان يأخذ عليها
    (قال الشافعي) :
    وبهذا كله نأخذ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقة من أهل العلم عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا أدري أدخل ابن عمر بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر في حديث سفيان أم لا " في صدقة الإبل مثل هذا المعنى لا يخالفه ولا أعلمه بل لا أشك إن شاء الله تعالى إلا أنه حدث بجميع الحديث في صدقة الغنم، والخلطاء، والرقة وهكذا إلا أني لا أحفظ إلا الإبل في حديثه
    (قال الشافعي)
    :
    فإذا قيل في سائمة الغنم هكذا فيشبه والله تعالى أعلم أن لا يكون في الغنم غير السائمة شيء؛ لأن كلما قيل في شيء بصفة، والشيء يجمع صفتين يؤخذ من صفة كذا ففيه دليل على أن لا يؤخذ من غير تلك الصفة من صفتيه
    (قال الشافعي)
    :
    بهذا قلنا لا يتبين أن يؤخذ من الغنم غير السائمة صدقة الغنم، وإذا كان هذا هكذا في الإبل، والبقر؛ لأنها الماشية التي تجب فيها الصدقة دون ما سواها
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كان للرجل أربعة من الإبل فلا يكون فيها زكاة حتى تبلغ خمسا، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة ثم لا زكاة في الزيادة على خمس حتى تبلغ عشرا، فإذا بلغت ففيها شاتان، فإذا زادت على عشر فلا زكاة في الزيادة حتى تكمل خمس عشرة، فإذا كملتها ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت فلا زكاة في الزيادة حتى تبلغ عشرين، فإذا بلغتها ففيها أربع شياه، فإذا زادت فلا زكاة في الزيادة حتى تبلغ خمسا وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين سقطت الغنم فلم يكن في الإبل غنم بحال وكانت فيها بنت مخاض، فإن لم يكن فيها بنت مخاض ففيها ابن لبون ذكر، فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تكمل ستا وثلاثين، فإذا أكملتها ففيها بنت لبون، فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تكمل ستا وأربعين، فإذا كملتها ففيها حقة طروقة الفحل.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الثانى -كتاب الزكاة
    الحلقة (53)
    صــــــــــ 6 الى صـــــــــــ10

    فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تكمل إحدى وستين، فإذا كملتها ففيها جذعة، فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تبلغ ستا وسبعين، فإذا بلغتها ففيها بنتا لبون، فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تبلغ إحدى وتسعين، فإذا بلغتها ففيها حقتان طروقتا الفحل، فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين، فإذا بلغتها سقط الفرض الثاني واستقبل بها فرض ثالث فعدت كلها فكان في كل أربعين منها بنت لبون، وفي كل خمسين حقة
    (قال الشافعي) :
    وإبانة ذلك أن تكون الإبل مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث بنات لبون، فإذا زادت فليس في زيادتها شيء حتى تكمل مائة وثلاثين، فإذا كملتها ففيها حقة وبنتا لبون، فإذا زادت فليس في زيادتها شيء حتى تكمل مائة وأربعين، فإذا كملها ففيها حقتان وبنت لبون، فإذا زادت فليس في زيادتها شيء حتى تكمل مائة وخمسين، فإذا كملتها ففيها ثلاث حقاق ثم ليس في زيادتها شيء حتى تكمل مائة وستين، فإذا كملتها ففيها أربع بنات لبون، فإذا زادت فليس في زيادتها شيء حتى تبلغ مائة وسبعينفإذا بلغتها ففيها حقة وثلاث بنات لبون، فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تبلغ مائة وثمانين، فإذا بلغتها ففيها حقتان وابنتا لبون، فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تبلغ مائة وتسعين، فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تبلغ مائتين، فإذا بلغتها فعلى المصدق أن يسأل، فإن كانت أربع حقاق منها خيرا من خمس بنات لبون أخذها، وإن كانت خمس بنات لبون خيرا أخذها لا يحل له غير ذلك ولا أراه يحل لرب المال غيره، فإن أخذ من رب المال الصنف الأدنى كان حقا عليه أن يخرج فضل ما بين ما أخذ منه وترك له فيعطيه أهل السهمان
    (قال الشافعي)
    :
    ثم هكذا كل ما اجتمع فيه الفرض في أربعمائة وغيرها أخذ المصدق الأفضل لأهل السهمان وأعطى ذلك رب المال، فإن ترك له أخرج رب المال فضله
    (قال الشافعي)
    :
    وإن استوت قيم أربع حقاق وخمس بنات لبون كان للمصدق أن يأخذ من أي الصنفين شاء؛ لأنه ليس هنالك فضل يدعه لرب المال
    (قال الشافعي) :
    وإن وجد المصدق أحد الصنفين ولم يجد الآخر أخذ الصنف الذي وجد ولم يأخذ الآخر كأن وجد أربع حقاق ولم يجد خمس بنات لبون فيأخذ الحقاق، فإن وجد خمس بنات لبون ولم يجد الحقاق فيأخذ بنات اللبون؛ لأنه ليس هنالك فرض ولا فضل يدعه
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كانت الإبل مائتين فوجد أربع بنات لبون وأربع حقاق فرأى أربع بنات لبون يقاربن الحقاق ولم يشك في أن لو كانت معهن واحدة منهن في أنها أفضل من الحقاق لم يكن له أن يأخذ إلا الحقاق ولم يكن له أن يكلفه ما ليس في إبله، وهو يجد فريضته في إبله.
    (قال)
    :
    ولو كانت بنات لبون كما وصفت وهنالك حق فأراد أخذها وحقا أو أخذها وبنت مخاض؛ لأنها دون بنت لبون، وكان مع بنات اللبون خيرا للمساكين لم يكن ذلك له؛ لأنه حينئذ يصير إلى فراق الفريضة
    (قال)
    :
    ولو كانت الحقاق مراضا أو ذوات نقص أو عيب لم يكن له أن يأخذ إلا بنات لبون إذا كانت صحاحا
    (قال)
    :
    ولو كان الصنفان اللذان هما الفرض معا ناقصين وسائر الإبل صحاحا قيل له: إن أعطيت من أحد الصنفين صحاحا من حيث شئت قبلناه، وإن لم تفعل أخذنا منك السن التي هي أعلى ورددنا عليك، أو السن التي هي أسفل وأخذنا منك
    (قال الشافعي) :
    وإن كانت الإبل معيبة كلها أو بعضها معيبة إلا الأقل من عدد الصدقة كأن الصدقة خمس أو أربع،
    والصحيح ثلاث أو اثنتان قيل له:
    نأخذ منك الصحيح الذي عندك وعليك ما يبقى من الصحيح صحيحا مثله، فإن جئت به وإلا أخذنا منك الصحيح الأعلى ورددنا عليك، أو الصحيح الأسفل وأخذنا منك، ولا نأخذ منك مريضا، وفي الإبل عدد صحيح.
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كانت الإبل خمسا وعشرين فلم يكن فيها بنت مخاض أخذ منها ابن لبون ذكر، فإن لم يكن فيها فالخيار لرب المال يأتي بأيهما شاء وأيهما جاء به فهو فريضة، فإن جاء بهما معا لم يكن للمصدق أن يأخذ إلا ابنة مخاض؛ لأنها الفرض الأول الذي لا فرض غيره، وهي موجودة.
    [باب عيب الإبل ونقصها]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال:
    وإن كانت الإبل معيبة كلها بجرب أو هيام أو مرض أو عوار أو عيب ما كان أخذ المصدق واحدة منها ولم يكلفه صحيحة من غيرها
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وليس للمصدق إذا كانت الإبل معيبة كلها أن ينخفض ولا يرتفع عن الفرض ويرد أو يأخذ نظرا للمساكين إنما يكون له الارتفاع أو الانخفاض إذا لم تكن السن موجودة أو كانت السن موجودة معيبة، وفي المال سواها سالم من العيب
    (قال)
    :
    وله أن يأخذ غير المعيب من السن التي وجبت له وليس لرب المال أن يبدله شرا منها
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت الإبل معيبة كانت فريضتها الغنم فكانت الشاة التي تجب فيها أكثر ثمنا من بعير منها قيل له: إن أعطيتها قبلت، وإن لم تعطها فلك الخيار في أن تعطي بعيرا متطوعا مكانها أو تعطيها، فإن أبى الخيار جبر على أخذ الشاة ومتى جبر فلم يعط الشاة حتى يختار أن يعطي البعير قبل منه
    (قال)
    :
    وإذا كان بعض الإبل مباينا لبعض فأعطى أنقصها أو أدناها أو أعلاها قبل منه، وليس كالإبل فريضتها منها فيها النقص
    (قال الشافعي)
    :
    وسواء كان النقص قديما أو حدث بعدما عد الإبل وقبل ينقص منها أو من الغنم ثم نقص ما قبض أو هلك في يده أو نقصت إبل رب المال أو هلكت في يده لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء
    (قال الشافعي) :
    وإن عد الساعي الإبل فلم يقبض من ربها الزكاة حتى تلفت أو تلف بعضها ولم يفرط، فإن كان في الباقي شيء أخذه وإلا فلا شيء له
    (قال الشافعي) :
    وإن كانت لرجل إبل فعدها الساعي وقال رب المال: " لي إبل غائبة " فأخذ منه صدقة الغائبة، والحاضرة ثم أخذ منه ساعي بلد إبله الغائبة صدقة فعلى المصدق الذي أخذ منه صدقة الغائبة أن يرد عليه قدر صدقة الغائبة من صدقة غيره مثل ما أخذ منه إذا كان قد قسم صدقته إلا أن يشاء رب الماشية أن يدع حقه.
    [باب إذا لم توجد السن]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال:
    حفظنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في أسنان الإبل التي فريضتها بنت لبون فصاعدا» : إذا لم يجد المصدق السن التي وجبت له وأخذ السن التي دونها أخذ من رب المال شاتين أو عشرين درهما، وإن أخذ السن التي فوقها رد على رب المال شاتين أو عشرين درهما "
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    وعلى المصدق إذا لم يجد السن التي وجبت له ووجد السن التي هي أعلى منها أو أسفل أن لا يأخذ لأهل السهمان إلا الخير لهم وكذلك على رب المال أن يعطيه الخير لهم، فإن لم يقبل المصدق الخير لهم كان على رب المال أن يخرج فضل ما بين ما أخذ المصدق وبين الخير لهم ثم يعطيه أهل السهمان
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا وجد العليا ولم يجد السفلى أو السفلى ولم يجد العليا فلا خيار له ويأخذ من التي وجد وليس له غير ذلك
    (قال الشافعي) :
    وإذا وجد أحد السنين ذات عوار أو هما معا ذاتي عوار وتحتهما أو فوقهما من الإبل سالم من العوار ولم يجد السن العليا ولا السفلى فليس له أن يأخذ ذلك من ذوات العوار، وفي الإبل صحيحة وله أن يأخذ على النظر للمساكين على ما وصفت فكلما ارتفع سنا أعطى رب المال شاتين أو عشرين درهما، وإذا ارتفع إلى السن التي فوق السن التي تلي ما وجب له فقد ارتفع سنين أعطى رب المال أربع شياه أو أربعين درهما ثم إن ارتفع منه سنا ثالثا زاد شاتين فأعطاه ست شياه أو ستين درهما وهكذا إذا انخفض أخذ منه في سن ما انخفض إليها شاتين أو عشرين درهما لا يختلف ولا ينظر في ذلك إلى أن تكون قيمة ما بين السنين أكثر أو أقل مما جاءت به السنة أن يأخذه
    (قال الشافعي)
    :
    ولا يحل للساعي أن يعطيه عشرين درهما، والشاتان أقل نقدا على المساكين من العشرين الدراهم ولا الشاتين، والعشرون الدراهم أقل نقدا على المساكين منهما
    (قال الشافعي) :
    وإذا كان المصدق يلي صدقة دراهم وإبل وغنم فهكذا، وإن لم يكن يصدق إلا ماشية باع منها فيرد على المأخوذ منه عشرين درهما إذا كان ذلك النظر للمساكين
    (قال الشافعي)
    :
    ويبيع على النظر للمساكين من أي أصناف الماشية أخذ
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كان يصدق إبلا لا أثمان لها للونها أو عيب بها فلم يجد السن التي وجبت في المال ووجد السن التي أسفل منها فكان إذا أخذها وشاتين أو عشرين درهما كانت الشاتان أو العشرون درهما خيرا من بعير منها، خير رب المال بين أن يتطوع له بالسن التي هي أعلى مما وجبت عليه أو يعطيه المصدق الذي هو خير للمساكين
    (قال الشافعي) :
    وإذا أخذ من رب المال الفضل بين السنين أعطى رب المال أيهما شاء إن شاء شاتين، وإن شاء عشرين درهما وليس للوالي أن يمتنع؛ لأن في الحديث «شاتين، إن تيسرتا أو عشرين درهما» ، فإذا تيسرت الشاتان، وفيهما وفاء أعطاهما إلا أن يشاء عشرين درهما
    (قال الشافعي)
    :
    والاحتياط لرب المال أن يعطي الأكثر للمساكين من شاتين أو عشرين درهما
    (قال الشافعي) :
    وإذا كانت إبل لرجل فيها صدقة منها فلم يكن فيها السن التي وجبت فيها فقال رب الإبل آتى بها قبلت منه إذا جاء بها من أمثل إبله أو خيرا منها، وإن جاء بها من إبل الأم منها لا لم يكن للمصدق أن يقبلها وكان له أن يرتفع في إبل ويرد عليه أو ينخفض ويأخذ منه.
    (قال الشافعي)
    :
    والإبل في هذا مخالفة للبقر، والغنم إذا لم يجد السن من البقر، والغنم كلفها ربها إلا أن يتطوع له بأعلى منها، وإذا وجد ذلك السن منها معيبة، وفي ماشيته صحيح، فليس له أن يرتفع ويرد، ولا ينخفض ويأخذ من البقر ولا الغنم بحال.
    [باب الشاة تؤخذ في الإبل]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال:
    وإذا كانت لرجل إبل فريضتها الغنم وله غنم أخذ من غنمه مما يجوز أن يكون أضحية، فإن كانت غنمه معزى فثنية، وإن كانت ضأنا فجذعة، ولا يؤخذ منه أعلى منها ولا دونها إلا أن يتطوع رب المال بأعلى فيقبل منه
    (قال الشافعي)
    :
    وإن كانت غنمه ذوات عوار أو مراضا أو لا غنم له فالخيار فيها إليه يدفع إليه أي شاة أجزأت أضحية من ضأن أو معزى ولا أنظر إلى الأغلب بالبلد؛ لأنه إنما جاء أن عليه شاة، فإذا أخذتها في السن الذي يجزئ في صدقة الغنم فليس لي أكثر منها
    (قال الشافعي)
    :
    وهكذا إن كانت ضأنا أو معزى أو ضأنا فأراد أن يعطي ماعزة أو معزى فأراد أن يعطي ضأنة قبلتها منه؛ لأنه إنما سميت عليه شاة، فإذا جاء بها قبلتها منه
    (قال الشافعي) :
    ويأخذ إبله بالعدد ما كانت إبله لئاما أو كراما لا يختلف ذلك وأي شاة من شاء بلده تجزئ أضحية قبلت منه، وإن جاء بها من غير شاء بلده ومثل شاء بلده أو خير قبلت، وإن جاء بها دونها لم تقبل.ولو كانت له إبل كرام وجبت فيها فريضة منها فأراد أن يعطينا من إبل له ولغيره تلك السن، وهي أدنى من إبله لم يكن لنا أخذها منه ولم تجز عنه أن يعطينا إياها كما لو كانت له إبل لئام وله إبل كرام ببلد غير بلده أو ببلده إبل كرام لم نأخذ منه صدقة اللئام من إبل بلده ولا إبله التي ببلد غير بلده وأخذنا من كل واحدة منهما بقدر ما فيها
    (قال الشافعي) :
    وإذا وجبت لنا عليه جذعة لم يكن للمصدق أن يأخذها منه ماخضا إلا أن يتطوع،
    فإذا ضرب الفحل السن التي وجبت فلم يدر أحالت أو لقحت قيل له:
    لا نأخذها منك أو تأتي بغيرها من تلك السن إن شئت أو نأخذ السفلى وترد علينا أو العليا ونرد عليك.
    [باب صدقة البقر]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس «أن معاذ بن جبل أتي بوقص البقر فقال لم يأمرني فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء»
    (قال الشافعي) :
    والوقص ما لم يبلغ الفريضة
    (قال الشافعي) :
    ويشبه أن يكون معاذ إنما أخذ الصدقة بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    وقد روي أنه أتي بما دون ثلاثين فقال: لم أسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها شيئا، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن حميد بن قيس عن طاوس اليماني «أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا، ومن أربعين بقرة مسنة،
    وأتى بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال:
    لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقدم معاذ بن جبل»

    (قال الشافعي) :
    وطاوس عالم بأمر معاذ، وإن كان لم يلقه على كثرة من لقي ممن أدرك معاذا من أهل اليمن فيما علمت، وقد روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذا أن يأخذ من ثلاثين تبيعا، ومن أربعين مسنة»
    (قال الشافعي)
    :
    وأخبرني غير واحد من أهل اليمن عن عدد مضوا منهم أن معاذا أخذ منهم صدقة البقر على ما روى طاوس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا بعض أهل العلم، والأمانة عن يحيى بن سعيد عن نعيم بن سلامة «أن عمر بن عبد العزيز دعا بصحيفة فزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب بها إلى معاذ بن جبل، فإذا فيها في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة»
    (قال الشافعي) :
    وهو ما لا أعلم فيه بين أحد لقيته من أهل العلم خلافا، وبه نأخذ.
    [باب تفريع صدقة البقر]

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    ليس في البقر شيء حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغتها ففيها تبيع، فإذا زادت فليس في الزيادة شيء حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة
    (قال الشافعي) :
    ثم ليس في الزيادة شيء حتى تبلغ ستين، فإذا بلغتها ففيها تبيعان ثم ليس في الزيادة شيء حتى تبلغ سبعين، فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيع ثم ليس في الزيادة شيء حتى تبلغ ثمانين، فإذا بلغتها ففيها مسنتان ثم ليس في الزيادة شيء حتى تبلغ تسعين، فإذا بلغتها ففيها ثلاثة أتبعة ثم ليس في الزيادة شيء حتى تبلغ مائة، فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيعان ثم ليس في الزيادة شيء حتى تبلغ مائة وعشرةفإذا بلغتها ففيها مسنتان وتبيع ثم ليس في الزيادة شيء حتى تبلغ مائة وعشرين، فإذا بلغتها جعل للمصدق أن يأخذ الخير للمساكين أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات كما قلت في الإبل، وإذا وجد أحد السنين ولم يجد الآخر أخذ الصدقة من السن التي وجد كما قلت في الإبل لا يختلف إذا اجتمعت له سنان فيهما فرض، ثم هكذا صدقة البقر حتى تناهى إلى ما تناهت إليه
    [باب صدقة الغنم]
    (قال الشافعي) :
    ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدقة الغنم معنى ما أذكر إن شاء الله تعالى، وهو أن ليس في الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين، فإذا كانت أربعين ففيها شاة ثم ليس في زيادتها شيء حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين، فإذا بلغتها ففيها شاتان ثم ليس في زيادتها شيء حتى تبلغ مائتي شاة وشاة، فإذا بلغتها ففيها ثلاث شياه ثم ليس في زيادتها شيء حتى تبلغ أربعمائة شاة، فإذا كملتها ففيها أربع شياه ثم يسقط فرضها الأول، فإذا بلغت هذا فتعد ففي كل مائة شاة ولا شيء في الزيادة حتى تكمل مائة أخرى ثم تكون فيها شاة وتعد الغنم ولا تفرق ولا يخير رب الماشية وللساعي أن يختار السن التي وجبت له من خير الغنم إذا كانت الغنم واحدة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الثانى -كتاب الزكاة
    الحلقة (54)
    صــــــــــ 11 الى صـــــــــــ15

    [باب السن التي تؤخذ في الغنم]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا بشر بن عاصم عن أبيه أن عمر استعمل أبا سفيان بن عبد الله على الطائف ومخاليفها فخرج مصدقا فاعتد عليهم بالغذى ولم يأخذه منهم فقالوا له: إن كنت معتدا علينا بالغذى فخذه منا فأمسك حتى لقي عمر فقال: " اعلم أنهم يزعمون أنا نظلمهم أنا نعتد عليهم بالغذى ولا نأخذه منهم " فقال له عمر: فاعتد عليهم بالغذى حتى بالسخلة يروح بها الراعي على يده وقل لهم: لا آخذ منكم الربى ولا الماخض ولا ذات الدر ولا الشاة الأكولة ولا فحل الغنم وخذ العناق، والجذعة، والثنية فذلك عدل بين غذاء المال وخياره.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وبهذا نقول أن تؤخذ الجذعة، والثنية، وهو في معنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ الصدقة من الجعرور ولا معي الفأرة.
    وإن كان معقولا أنه أخذ من وسط التمر فيقول:
    تؤخذ الصدقة من وسط الغنم فتجزي الشاة التي تجوز أضحية
    (قال الشافعي) :
    وهو - والله أعلم - معقول إذا قيل فيها شاة فما أجزأ أضحية أجزأ فيما أطلق اسم شاة.
    [باب الغنم إذا اختلفت]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    فإذا اختلفت غنم الرجل وكانت فيها أجناس بعضها أرفع من بعض أخذ المصدق من وسط أجناسها لا من أعلاها ولا من أسفلها، وإن كانت واحدة أخذ خير ما يجب له
    (قال الشافعي)
    :
    وإن كان خير الغنم أكثرها أو وسطها أكثر فسواء والله أعلم يأخذ من الأوساط من الغنم،
    فإن لم يجد في الأوساط السن التي وجبت له قال لرب الغنم:
    إن تطوعت بأعلى منها أخذتها، وإن لم تتطوع كلفتك أن تأتي بمثل شاة وسط ولم آخذ من الأدنى، والوسط فيؤخذ مما وصفت من ثنية وجذعة، وإنما منعني أن آخذ أعلى منها إذا كانت الغنم كلها أعلى منها «؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    قال لمعاذ بن جبل حين بعثه مصدقا:
    إياك وكرائم أموالهم»
    وكرائم الأموال فيما هو أعلى من كل ما يجوز أضحية
    (قال الشافعي) :
    وإن كانت الغنم ضأنا ومعزى سواء فقد قيل: يأخذ المصدق من أيهما شاء، وإن كانت إحداهما أكثر أخذ من الأكثر
    (قال الشافعي) :
    والقياس أن يأخذ من كل بقدر حصته ولا يشبه هذا التمر؛ لأن الضأن بين التمييز من المعزى وليس كذلك التمر (قال الشافعي) : وهكذا البقر لا تخالف الغنم إذا كانت جواميس وعرابا ودربانية
    (قال الشافعي) :
    فإذا كانت الإبل بختا وعرابا، ومن أجناس مختلفة فكانت صدقتها الغنم فلا تختلف، وإن كانت صدقتها منها فمن قال يأخذ بالأكثر من أصنافها أخذ من الأكثر، فإن لم يجد في الأكثر السن التي تجب له كلفها رب الماشية ولم ينخفض ولم يرتفع ويرد إلا أن ينخفض في الأكثر منها أو يرتفع فيرد، فأما في غير الصنف الذي هو أكثر فلا
    (قال الشافعي)
    :
    ومن قال يأخذ في كل بقدره أخذها بقيم فكأنه كانت له ابنة مخاض، والإبل عشر مهرية تسوى مائة وعشرا أرحبية تسوى خمسين وخمس نجدية تسوى خمسين فيأخذ بنت مخاض أو ابن لبون ذكرا بقيمة خمسي مهرية وخمسي أرحبية وخمسي واحدة نجدية إلا أن تطيب نفس رب المال فيعطيه من الخير منها بلا قيمة
    (قال الشافعي) :
    فإذا كان في بعض الإبل أو البقر أو الغنم المختلفة عيب أخذ المصدق من الصنف الذي لا عيب فيه؛ لأنه ليس له عيب
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كانت لرجل غنم غائبة عن الساعي فزعم أنها دون الغنم التي تحصر به وسأل الساعي أن يأخذ من الأكثر أو من التي هي دون الأكثر أو من كل بقدره فعلى الساعي تصديقه إذا صدقه على عددها صدقه على انخفاضها وارتفاعها وهكذا إذا كانت البقر عرابا ودربانية وجواميس، والغنم مختلفة هكذا أخذت صدقتها كما وصفت بقدرها، وقيمة المأخوذ منها من قدر عدد كل صنف منها ويضم البخت إلى العراب، والجواميس إلى البقر، والضأن إلى المعز.
    [باب الزيادة في الماشية]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وإذا كانت لرجل أربعون شاة كلها فوق الثنية جبر المصدق رب الماشية على أن يأتيه بثنية إن كانت معزى أو جذعة إن كانت ضأنا إلا أن يتطوع فيعطي شاة منها فيقبلها لأنها أفضل؛ لأنه إذا كلف ما يجب عليه من غير غنمه فقد ترك فضلا في غنمه (قال الشافعي) : وهكذا إن كانت الغنم التي وجبت فيها الزكاة مخاضا كلها أو لبنا أو متابيع؛ لأن كل هذا ليس له لفضله على ما يجب لهوكذلك إن كانت تيوسا لفضل التيوس
    (قال الشافعي)
    :
    وكذلك إن كانت كل الغنم التي وجبت له فيها الزكاة أكولة كلف السن التي وجبت عليه إلا أن يتطوع فيعطي مما في يديه ومتى تطوع فأعطى مما في يديه فوق السن التي وجبت عليه غير ذات نقص قبلت منه، فإن أعطاه منها ذات نقص، وفيها صحيح لم يقبل منه
    (قال الشافعي) :
    فإن أعطى ذات نقص أكثر قيمة من سن وجبت عليه لم يقبل ذات نقص إذا لم تجز ضحية وقبلت إذا جاز ضحية إلا أن يكون تيسا فلا يقبل بحال؛ لأنه ليس في فرض الغنم ذكور
    (قال الشافعي) :
    وهكذا هذا في البقر لا يختلف إلا في خصلة فإنه إذا وجب عليه مسنة، والبقر ثيران فأعطى ثورا أجزأ عنه إذا كان خيرا من تبيع إذا كان مكان تبيع، فإذا كان فرضها من الإناث فلا يقبل مكانها ذكرا،
    قال الربيع:
    أظن مكان مسنة تبيع، وهذا خطأ من الكاتب؛ لأن آخر الكلام يدل على أنه تبيع
    (قال الشافعي) :
    فأما الإبل فتخالف الغنم، والبقر في هذا المعنى بأن المصدق يأخذ السن الأعلى ويرد أو السفلى ويأخذ ولا رد في غنم ولا بقر، وإذا أعطى ذكرا بقيمة أنثى لم يؤخذ منه ويؤخذ منه أنثى إذا وجبت أنثى وذكر إذا وجب ذكر إذا كان ذلك في ماشيته التي هي أعلى مما يجوز في الصدقة ولا يؤخذ ذكر مكان أنثى إلا أن تكون ماشيته كلها ذكورا فيعطى منها ومتى تطوع فأعطى مما في يده فوق السن التي وجبت غير ذات نقص قبلت منه
    [النقص في الماشية]
    قال الشافعي إذا كانت أربعون شاة فحال عليها الحول فما نتجت بعد الحول لم يعد على ربه كان قبل أن يأتي المصدق أو بعده
    (قال)
    :
    ويعد على رب المال ما نتجت قبل الحول، ولو بطرفة عين عددته على رب الماشية
    (قال الشافعي) :
    ولا يصدق الماشية حتى تكون في أول الحول وآخره أربعين شاة
    (قال الشافعي)
    :
    ولا أنظر إلى قدوم المصدق، وإنما أنظر إلى الحول من يوم يملك رب الماشية الماشية، والقول قول رب الماشية، فإذا خرج المصدق في المحرم وحول الماشية صفر أو ربيع الأول أو رجب أو قبله أو بعده لم يأخذ من رب الماشية شيء حتى يكون حولها إلا أن يتطوع رب الماشية بالأداء عنها
    (قال الشافعي)
    :
    وهذا بين أن المصدق ليس مما تجب به الصدقة بسبيل، وأن الصدقة إنما تجب لحولها
    (قال الشافعي)
    :
    ويوكل به المصدق من يقبض منه الصدقة في حولها، فإن لم يفعل فعلى رب الماشية أن يؤدي صدقته لحولها
    (قال الشافعي) :
    فإذا كان لرجل أربعون من الغنم فحال عليها حول فولدت بعد الحول ثم ماتت الأمهات ولم يمكنه أن يؤدي صدقتها فلا صدقة عليه في أولادها، وإن كثروا حتى يحول على أولادها الحول، وأولادها كالفائدة فيها إذا حال عليها الحول قبل أن تلدها، وإنما تعد عليه أولادها إذا كان الولاد قبل الحول
    (قال الشافعي) :
    وإذا كانت الولادة قبل الحول ثم موتت الأمهات، فإن كان الأولاد أربعين ففيها الصدقة، وإن لم تكن أربعين فلا صدقة فيها؛ لأن الحول حال، وهي مما لا تجب فيه الصدقة لو كانت الأمهات أنفسها
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت لرجل غنم لا يجب في مثلها الصدقة فتناتجت قبل الحول فحال الحول، وهي أربعون لم يكن فيها صدقة ولا صدقة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم تمت أربعين ويحول عليه الحول، وهي أربعون أو أكثر
    (قال) :
    وهكذا لو أفاد غنما فضمها إلى غنم لا تجب فيها الصدقة لم يجب عليه فيها الصدقة حتى يحول عليها الحول من يوم أفاد الأربعين
    (قال الشافعي) :
    ولا يعد بالسخل على رب الماشية إلا بأن يكون السخل قبل الحول، ويكون أصل الغنم أربعين فصاعدا، فأما إذا كانت أقل من أربعين، ولم تكن الغنم مما فيه الصدقة ولا يعد بالسخل حتى يتم بالسخل أربعين ثم يستقبل بها حولا من يوم تمت أربعين
    (قال الشافعي)
    :
    فإذا كانت لرجل أربعون شاة فحال عليها الحول فأمكنه أن يصدقها ولم يفعل حتى هلكت كلها أو بعضها فعليه شاة، ولو لم يمكنه أن يصدقها حتى ماتت منها شاة فلا زكاة في الباقي؛ لأنه أقل من أربعين شاة، فإذا كانت الغنم أربعين شاة فنتجت أربعين قبل الحول ثم ماتت أمهاتها وجاء المصدق، وهي أربعون جديا أو بهمة وبين جدي وبهمة أو كان هذا في إبل هكذا فجاء المصدق، وهي فصال، أو في بقر فجاء المصدق، وهي عجول أخذ من كل صنف من هذا واحدا منه، فإن كان في غذاء الغنم إناث وذكور أخذ أنثى، وإن لم يكن إلا واحدة، وإن كان في غذاء البقر ذكور وإناث أخذ ذكرا، وإن لم يكن إلا واحدا إذا كانت ثلاثين، وإن كانت أربعين أخذ أنثى، وإن لم يكن إلا واحدة، وإن كان في غذاء الإبل إناث وذكور أخذ أنثى، ولو لم يكن إلا واحدة.
    فإن كانت كلها إناثا أخذ من الإبل أنثى وقال لرب المال:
    إن شئت فائت بذكر مثل أحدها، وإن شئت أديت أنثى، وأنت متطوع بالفضل إن كان فيها تبيع
    (قال)
    :
    فإن قال قائل فكيف لم تبطل عنه الصدقة إذا لم تكن في ماشيته السن التي وجبت فيها الصدقة،
    أو كيف لم تكلفه السن التي تجب في الصدقة إذا عددت عليه بالصغار عدل بالكبار قيل له: إن شاء الله تعالى لا يجوز عندي واحد من القولين لا يجوز أن أبطل عنه الصدقة وحكم الصغار حكم الأمهات في العدد إذا كن مع الأمهات يجب فيهن الصدقة،
    وأما أخذي منه سنا هي أكبر مما في غنمه فأبعد أن يجوز ولا يجوز عندي والله أعلم من قبل أني إذا قيل لي:
    دع الربي، والماخض وذات الدر وفحل الغنم، واخفض عن هذا وخذ الجذعة،
    والثنية فقد عقلنا أنه قيل لي:
    دع خيرا مما تأخذ منه إذا كان فيما عنده خير منه ودونه وخذ من ماشية أدنى مما تدع وخذ العدل بين الصغير، والكبير، وهو الجذعة، والثنية، فإذا كانت عنده أربعون بهمة تسوى عشرين درهما فكلفته شاة تسوى عشرين درهما فلم آخذ عدلا من ماله بل أخذت قيمة ماله كله،
    وإنما قيل لي: خذ ما يشبه أن يكون ربع عشر ماله إذا كان أربعين.
    فإن قال: فقد أمرت إذا كانت الثنية موجودة أن تأخذها ونهيت عما هو أصغر منها؟
    قيل:
    نعم وأمرت أن لا آخذ الجعرور ولا مصران الفأرة، فإذا كان تمر الرجل كله جعرورا ومصران فأرة، أخذت منها ولم أكلفه ما كنت آخذ منه، ولو كان في تمره ما هو خير منه، وإنما أخذت الثنية إذا وجدتها في البهم أن الصدقة قد وجبت فيها بالحول على أمهاتها غير أن أمهاتها يموتن فلا صدقة في ميت فهو يخالف ها هنا الجعرور، ولو كان لرجل جعرور ونخل بردي أخذت الجعرور من الجعرور وعشر البردي من البردي
    (قال الشافعي) :
    فإن قال قائل كيف تأخذ من خمس وعشرين من الإبل أحد سنين؟
    قلت:
    العدد فيما يؤخذ منهما واحد، وإنما الفضل بين الأخذ منهما في سن أعلى من سن، فإذا لم يوجد أحد السنين، ووجد السن الآخر أخذ من السن الذي وجد، وهكذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن عمر نحو من هذا، ولا يؤخذ ما لا يوجد في المال ولا فضل في المال عنه.
    وإنما صدقته فيه لا يكلف غيره إلا أن يكون في ماله فضل فيحبسه عن المصدق فيقال:
    ائت بالسن التي عليك إلا أن تعطي متطوعا مما في يدك كما قيل لنا: خذوا من، أوسط التمر ولا تأخذوا جعرورا، فإذا لم نجد إلا جعرورا أخذنا منه ولم ننقص من الكيل، ولكنا نقصنا من جودة ما نأخذ إذا لم نجد الجيد، فكذلك نقصنا من السن إذا لم نجدها ولم ننقص من العدد
    [باب الفضل في الماشية]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال:
    وإذا كان لرجل أربعون من الغنم كلها فوق السن التي تؤخذ، أو مخاضا كلها، أو متبعة، أو كانت كلها أكولة، أو تيوسا قيل لصاحبها عليك فيها ثنية، أو جذعة، فإن جئت بها قبلت منك، وإن أعطيت منها واحدة قبل منك، وأنت متطوع بالفضل فيها، وهكذا هذا في البقر، وإذا تركنا لك الفضل في مالك فلا بد أن تعطينا الذي عليك، وهكذا هذا في البقر، فأما الإبل، فإذا أخذنا سنا أعلى رددنا عليك، وإن أعطيتنا السن التي لنا لم نأخذ غيرها إن شاء الله تعالى، وإذا أعطيتنا تيسا من الغنم، أو ذكرا من البقر في عدد فريضته أنثى، وفيها أنثى لم نقبل؛ لأن الذكور غير الإناث.
    [باب صدقة الخلطاء]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال جاء الحديث «لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية»
    (قال الشافعي) :
    والذي لا أشك فيه أن الخليطين الشريكان لم يقسما الماشية، وتراجعهما بالسوية أن يكونا خليطين في الإبل فيها الغنم توجد الإبل في يد أحدهما فتؤخذ في صدقتها فيرجع على شريكه بالسوية
    (قال الشافعي) :
    وقد يكون الخليطان لرجلين يتخالطان بماشيتهما، وإن عرف كل واحد منهما ماشيته، ولا يكونان خليطين حتى يروحا ويسرحا ويسقيا معا، وتكون فحولهما مختلطة، فإذا كانا هكذا صدقا صدقة الواحد بكل حال
    (قال الشافعي) :
    وإن تفرقا في مراح، أو سقي، أو فحول فليسا خليطين ويصدقان صدقة الاثنين
    (قال الشافعي) :
    ولا يكونان خليطين حتى يحول عليهما حول من يوم اختلطا، فإذا حال عليهما حول من يوم اختلطا زكيا زكاة الواحد، وإن لم يحل عليهما حول زكيا زكاة الاثنين، وإن اختلطا حولا ثم افترقا قبل أن يأتي المصدق، والحول زكيا زكاة المفترقين
    (قال)
    :
    وهكذا إذا كانا شريكين
    (قال الشافعي)
    :
    ولا أعلم مخالفا في أن ثلاثة خلطاء لو كانت لهم مائة وعشرون شاة أخذت منهم شاة واحدة فصدقوا صدقة الواحد ولا ينظر إلى عددهم ولا حصة كل واحد منهم
    (قال الشافعي) :
    وإذا قالوا هذا فنقصوا المساكين شاتين من مال الخلطاء الثلاثة الذين لو فرق مالهم كان فيه ثلاث شياه لم يجز إلا أن يقولوا لو كانت أربعون شاة بين ثلاثة وأكثر كان عليهم فيها صدقة؛ لأنهم صدقوا الخلطاء صدقة الواحد
    (قال الشافعي) :
    وبهذا أقول فيصدق الخلطاء صدقة الواحد في الماشية كلها الإبل، والبقر، والغنم وكذلك الخلطاء في الزرع، والحائط أرأيت لو أن حائطا صدقته مجزأة على مائة إنسان ليس فيه إلا عشرة أوسق أما كانت فيها الصدقة؟ وإن كانت حصة كل واحد منهم من تمره لا تبلغ خمسة أوسق
    (قال الشافعي)
    :
    في هذا صدقة، وفي كل شرك صدقة إذا بلغت جملته خمسة أوسق بكل حال
    (قال الشافعي)
    :
    وما قلت في الخلطاء معنى الحديث نفسه ثم قول عطاء بن أبي رباح وغيره من أهل العلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال سألت عطاء عن النفر يكون لهم أربعون شاة قال عليهم شاة
    (قال الشافعي)
    :
    فإن قال قائل فقد قيل في الحديث «لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة» قيل: فهذا يدل على ما قلنا لا يفرق بين ثلاثة في عشرين ومائة خشية إذا جمع بينهم أن يكون فيها شاة؛ لأنها إذا فرقت ففيها ثلاث شياه ولا يجمع بين متفرق، ورجل له مائة شاة وآخر له مائة شاة وشاة، فإذا تركا على افتراقهما كانت فيها شاتان، وإذا اجتمعت كانت فيها ثلاث ورجلان لهما أربعون شاة، وإذا افترقت فلا شيء فيها، وإذا اجتمعت ففيها شاة فالخشية خشية الوالي أن تقل الصدقة وخشية أخرى، وهي خشية رب المال أن تكثر الصدقة وليس واحد منهما أولى باسم الخشية من الآخر فأمر أن نقر كلا على حاله، وإن كان مجتمعا صدق مجتمعا، وإن كان متفرقا صدق متفرقا
    (قال الشافعي) :
    وأما قول وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية لجماعة أن يكون للرجلين مائة شاة وتكون غنم كل واحد منهما معروفة فتؤخذ الشاة من غنم أحدهما فيرجع المأخوذ منه الشاة على خليطه بنصف قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه وغنمه إذا كان عدد غنمهما واحدا.فإن كانت الشاة مأخوذة من غنم رجل له ثلث الغنم ولشريكه ثلثاها رجع المأخوذ منه الشاة على شريكه بثلثي قيمة الشاة المأخوذة عن غنمه وغنم شريكه؛ لأن ثلثيها أخذ عن غنم شريكه فغرم حصة ما أخذ عن غنمه
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت في غنمهما معا ثلاث شياه فأخذت الثلاث من غنم واحد له ثلث الغنم رجع على خليطه بثلثي قيمة الثلاث الشياه المأخوذة عن غنمها ولا يرجع عليه بقيمة شاتين منها، وذلك أن الشياه الثلاث أخذت معا فثلثاها عن خليطه وثلثها عنه مختلطة لا مقسومة
    (قال الشافعي) :
    ولا يصدق صدق الخلطاء أحد إلا أن يكون الخليطان مسلمين معا، فأما إن خالط نصراني مسلما صدق المسلم صدقة المنفرد؛ لأنه إنما يصدق الرجلان كما يصدق الواحد إذا كانا معا ممن عليه الصدقة، فأما إذا كان أحدهما ممن لا صدقة عليه فلا
    (قال الشافعي) :
    وهكذا إن خالط مكاتب حرا؛ لأنه لا صدقة في مال مكاتب
    (قال الشافعي) :
    وإذا كانا خليطين عليهما صدقة فالقول فيهما كما وصفت
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت غنمهما سواء وكانت فيهما عليهما شاتان فأخذت من غنم كل واحد منهما شاة وكانت قيمة الشاتين المأخوذتين متقاربة لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء؛ لأنه لم يؤخذ منه إلا ما عليه في غنمه لو كانت على الانفراد، ولو كانت لأحدهما ثلث الغنم، والآخر ثلثاها فأخذت من غنم أحدهما شاة، ومن غنم الآخر شاة رجع الذي له ثلث على شريكه بقيمة ثلث الشاة التي أخذت من غنمه؛ لأن ثلثها مأخوذ عن غنم صاحبه وثلثها مأخوذ عن غنم نفسه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الثانى -كتاب الزكاة
    الحلقة (55)
    صــــــــــ 16 الى صـــــــــــ23

    (قال الشافعي) :
    وإذا أخذت من غنم أحدهما شاة وغنمهما سواء في العدد فتداعيا في قيمة الشاة فالقول قول الذي يؤخذ منه نصف قيمة الشاة وعلى رب الشاة البينة، فإن أقام رب الشاة البينة على أن قيمتها عشرة رجع بخمسة، وإن لم يقم بينة فقال شريكه: قيمتها خمسة حلف ورجع عليه بدرهمين ونصف
    (قال الشافعي) :
    ولو ظلمهما الساعي فأخذ من غنم أحدهما عن غنمه وغنم الآخر شاة ربى، أو ماخضا، أو ذات در، أو تيسا، أو شاتين، وإنما عليهما شاة فأراد المأخوذ منه الشاة الرجوع على خليطه بنصف قيمة ما أخذ من غنمه عن غنمهما لم يكن له أن يرجع عليه إلا بقيمة نصف ما وجب عليهما إن كانت ثنية، أو جذعة لا يزيد على ذلك وكذلك لو لم يكن عليهما شاة فأخذ من غنم أحدهما شاة لم يرجع على خليطه بشيء؛ لأنه أخذها بظلم إنما يرجع عليه بالحق الذي وجب عليه، وكذلك لو وجبت عليهما شاة فأخذ بقيمتها دراهم، أو دنانير لم يرجع عليه إلا بقيمة نصف الشاة التي وجبت عليهما
    (قال الشافعي) :
    وكذلك لو وجبت عليهما شاة فتطوع فأعطاه أكبر من السن التي وجبت عليه لم يرجع إلا بنصف قيمة السن التي وجبت عليه، وإذا تطوع بفضل، أو ظلمه لم يرجع به.
    (قال الشافعي)
    :
    وهذه المسائل كلها إذا كانت غنم كل واحد منهما تعرف بعينها، فأما إذا كانا شريكين في جميع الغنم سواء لا فرق بين غنمهما فأخذ منهما ظلم كثير، أو قليل لا يتراجعان في شيء من الظلمة؛ لأن الظلمة دخلت عليهما معا
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كان الرجلان خليطين فافترقا قبل الحول زكيا على الافتراق، فإن افترقا بعد الحول زكيا على الاجتماع، وإذا وجدا متفرقين فالقول قولهما في الوقت الذي افترقا فيه
    (قال الشافعي) :
    فإذا كانت لرجل غنم تجب الزكاة في مثلها فأقامت في يديه شهرا ثم باع نصفها مشاعا من رجل، أو ملكه إياها ملكا يصح أي ملك كان، ثم حال الحول على هذه الغنم أخذت الزكاة من نصيب المالك الأول بحوله ولم تؤخذ من نصيب المالك الثاني إلا بحوله، وإنما يصدقان معا إذا كان حولهما معا، وإذا كانت أربعين أخذت من نصيب الأول نصف شاة، فإذا حال الحول الثاني أخذت منه نصف شاة، وإن كانت في يد رجل غنم تجب فيها الزكاة فخالطه رجل بغنم تجب فيها الزكاة فكان ذلك بتبايع بينهما استقبل كل رجل منهما الحول بما ملك على صاحبه من يوم ملكه وزكى ما لم يخرج عن ملكه بحوله، وإن لم يكونا تبايعا ولكنهما اختلطا زكيت ماشية كل واحد منهما على حولها ولم يزكيا زكاة الخليطين في العام الذي اختلطا فيه، فإذا كان قابل وهما خليطان كما هما زكيا زكاة الخليطين؛ لأنهما قد حال عليهما الحول من يوم اختلطا، وإن كانت ماشيتهما حول أحدهما في المحرم وحول الآخر في صفر أخذت منهما نصف شاة في المحرم ونصف شاة في صفر يكون المصدق شريكا بنصف شاة ويعطيها أهل السهمان ويكونان شركا فيهما.
    [باب الرجل إذا مات وقد وجبت في ماله زكاة]
    (قال الشافعي) : - رحمه الله -:

    وإذا مات الرجل، وقد وجبت في ماله زكاة وعليه دين، وقد أوصى بوصايا أخذت الزكاة من ماله قبل الدين، والميراث، والوصايا، وإن مات قبل أن تجب الزكاة فيها ثم حال حولها قبل أن تقسم أخذت منها الزكاة؛ لأنها لم تقسم، ولو أوصى منها بغنم بعينها أخذ فيما بقي منها الصدقة ولم يؤخذ من الغنم التي أوصى بها بعينها أخذت منها في قول من لا يأخذ الصدقة من الخليطين إذا عرفا غنمهما وأخذت في قول من يأخذ الصدقة منهما، وإن عرفا أموالهما.
    [باب ما يعد به على رب الماشية]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم عن أبيه أن عمر استعمل أبا سفيان بن عبد الله على الطائف ومخاليفها فخرج مصدقا فاعتد عليهم بالغذاء ولم يأخذه منهم فقالوا له:
    إن كنت معتدا علينا بالغذاء فخذه منا فأمسك حتى لقي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: إنهم يزعمون أنا نظلمهم نعتد عليهم بالغذاء ولا نأخذه منهم فقال له عمر: اعتد عليهم بالغذاء حتى بالسخلة يروح بها الراعي على يده وقل لهم: لا آخذ منكم الربي ولا الماخض ولا ذات الدر ولا الشاة الأكولة ولا فحل الغنم وخذ العناق، والجذعة، والثنية فذلك عدل بين غذاء المال وخياره.
    (قال الشافعي)
    :
    جملة جماع ما أحفظ عن عدد لقيت وأقول به أن الرجل لا يكون عليه في ماشيته صدقة حتى يملك أربعين شاة في أول السنة وآخرها ويحول عليها حول في يده، فإن كانت أقل من أربعين شاة في أول الحول ثم نتجت فصارت أربعين لم يجب عليه فيها صدقة حتى يحول عليه فيها حول من يوم صارت أربعين، وكذلك لو كانت أقل من أربعين شاة ثم أفاد إليها تمام أربعين لم يكن فيها زكاة حتى يحول عليها حول من يوم تمت في ملكه أربعين، وأن نتاجها إذا لم يجب فيها الصدقة كالفائدة، فإذا حال عليها حول، وهي مما تجب فيها الصدقة فنتاجها كأصل ما وجبت فيه الصدقة منها
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا حال عليها الحول، وهي أربعون وأكثر فجاءها المصدق عدها عليه بنتاجها كله إذا كان نتاجها قبل الحول وأخذ السن التي تجب له من الغنم
    (قال الشافعي)
    :
    وكلما أفاد الرجل من الماشية صدق الفائدة بحولها ولا يضمها إلى ماشية له وجبت فيها الزكاة فيزكيها بحول ماشيته ولكن يزكي كل واحدة منها بحولها، وكذلك كل فائدة من ذهب وربح في ذهب، أو ورق لا يضم منه شيء إلى غيره ولا يكون حول شيء منه إلا حول نفسه، وكذلك كل نتاج لماشية لا يجب في مثلها الصدقة فأما نتاج الماشية التي يجب في مثلها الصدقة فتصدق بحول أمهاتها إذا كان النتاج قبل الحول، فإذا كان بعد الحول لم تعد؛ لأن الحول قد مضى ووجبت فيها الصدقة.
    [باب السن التي تؤخذ من الغنم]
    (قال الشافعي) : - رحمه الله -:

    أخبرنا إبراهيم بن محمد عن إسماعيل بن أمية عن عمرو بن أبي سفيان عن رجل سماه ابن مسعر إن شاء الله تعالى «عن مسعر أخي بني عدي: قال جاءني رجلان فقالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثنا نصدق أموال الناس فأخرجت لهما شاة ماخضا أفضل ما وجدت فرداها علي وقالا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى فأعطيتهما شاة من وسط الغنم فأخذاها»
    (قال الشافعي) :
    إذا وجد المصدق عند الرجل الغنم فعدها عليه فزعم أن بعضها وديعة عنده، أو أنه استرعاها، أو أنها ضوال، أو أن بعضها فائدة لم يحل عليها الحول، أو أن كلها فائدة لم يحل عليها حول الصدقة لم يأخذ منها شيئا، فإن خاف كذبه أحلفه بالله عز وجل ثم قبل منه، وإن شهد عليه شاهدان أن له مائة شاة من أول السنة وآخرها لم تقبل شهادة الشاهدين حتى يشهدا أنها هذه الغنم بأعيانها، فإذا فعلا أخذ منه الصدقة، وإن لم يثبتا على هذا، أو قالا: منها شيء نعرفه بعينه، ومنها شيء لا نعرفه، فإذا كان ما يعرفانه مما تجب فيه الصدقة أخذ منه الصدقة، وإن كان مما لا تجب فيه الصدقة لم يأخذ منه الصدقة؛ لأنه قد يكون له غنم بعينها ثم يفيد أخرى ولا يحول على التي أفاد الحول حتى يأتي المصدق ولا يجب عليه فيها الصدقة (قال) : فإن قطعا الشهادة على مائة بعينها فقال: قد بعتها ثم اشتريتها صدق ولم تؤخذ صدقتها حتى يحول عليها حول من يوم اشتراها الشراء الآخر
    (قال الشافعي) :
    وهكذا الإبل، والبقر
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا غل الرجل صدقته ثم ظهر عليه أخذت منه الصدقة ولم نزد على ذلك
    (قال الشافعي) :
    ولا يثبت أهل العلم بالحديث أن تؤخذ الصدقة وشطرا بل الغال لصدقته، ولو ثبت قلنا به، وإن كان الوالي عدلا يضع الصدقة مواضعها فله عقوبته إلا أن يدعي الجهالة فيكف عن عقوبته، وإن كان لا يضعها مواضعها لم يكن له أن يعزره.
    [باب الوقت الذي تجب فيه الصدقة]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال:
    أخذ الصدقة كل عام سنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    (قال محمد بن إدريس الشافعي) :
    وهذا مما لا اختلاف فيه علمته في كل صدقة ماشية وغيرها ليست مما تخرج الأرض أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول أخبرنا مالك عن ابن عقبة عن القاسم بن محمد قال لم يكن أبو بكر يأخذ في مال زكاة حتى يحول عليه الحول.
    (أخبرنا)
    الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمر بن حسين عن عائشة بنت قدامة عن أبيها قال: كنت إذا جئت عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - أقبض منه عطائي سألني: " هل عندك من مال وجبت فيه الزكاة؟ ، فإن قلت نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال، وإن قلت: لا دفع إلى عطائي " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال: أول من أخذ من الأعطية زكاة معاوية
    (قال الشافعي) :
    العطاء فائدة فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول (قال) : وإنما هو مال يؤخذ من الفيء من المشركين فيدفع إلى المسلمين فإنما يملكونه يوم يدفع إليهم
    (قال الشافعي)
    :
    كل مال لرجل وجبت فيه الزكاة فإنما تجب فيه عليه بأن يحول عليه في يد مالكه حول إلا ما أنبتت الأرض فإن الزكاة تجب فيه حين يخرج من الأرض ويصلح وكذلك ما خرج من الأرض من المعادن وما وجد في الأرض من الركاز
    (قال) :
    فيجب على الوالي أن يبعث المصدقين قبل الحول فيوافون أهل الصدقة مع حلول الحول فيأخذون منهم صدقاتهم
    (قال)
    :
    وأحب أن يكون أخذها في المحرم، وكذلك رأيت السعاة يأخذونها عندما كان المحرم في صيف، أو شتاء ولا يجوز إلا أن يكون لها شهر معلوم ولأنا لو أدرنا بأشهرها مع الصيف جعلنا وقتها بغير الأهلة التي جعلها الله تبارك وتعالى مواقيت
    (قال)
    :
    ولا يجوز أن تكون الصدقة تجب إلا بالحول دون المصدق ويأخذها المصدق إذا حال عليها الحول
    (قال الشافعي)
    :
    وإن كانت الماشية مما تجب فيه الصدقة فنتجت قبل الحول حسب نتاجها معها، وكذلك إن نتجت قبل مضي الحول بطرفة حسب نتاجها معها وعد عليهم الساعي بالنتاج، فإذا حال الحول ولم تنقص العدة قبض الصدقة
    (قال الشافعي) :
    ولا يبين لي أن يجب عليهم أن يعد عليهم المصدق بما نتج بعد الحول وقبل قدومه، أو معه إذا كان قدومه بعد الحول، وإن تطوع بها رب المال بأن يمد عليه فهو أحب إلي له، ولا أرى أن يجبر على ذلك، وإن حال الحول على رب الماشية، وماشيته مما تجب فيه الصدقة فتأخر عنه الساعي فلم يأخذها، فعليه أن يخرج صدقتها، فإن لم يفعل، وهو ممكن له فهو ضامن لما فيها من الصدقة حتى يؤديه
    (قال الشافعي) :
    وكذلك إن ذبح منها شيئا، أو وهبه، أو باعه فعليه أن يعد عليه به حتى تؤخذ منه الصدقة على عددها يوم يحول عليها حولها
    (قال الشافعي) :
    وكذلك إن باعها بعدما يحول عليها الحول وقبل قدوم الساعي، أو بعده وقبل أن يأخذها منه كانت عليه فيها الصدقة
    (قال) :
    وهكذا لو عدها الساعي ثم موتت، وقد أقامت بعد الحول ما يمكن الساعي أن يقبضها فيه فترك قبضه إياها، وقد أمكن رب الماشية أن يضعها مواضعها، فإذا اجتمع ما وصفت من الحول، وأن يمكن الساعي قبضها مكانه، ويمكن رب الماشية وضعها مكانها فلم يفعل ربها ولا الساعي فهلكت فهي من ضمان رب الماشية وعليه صدقتها كما يكون ذلك فيما حال عليه الحول من ناض ماله وأمكنه أن يضعه موضعه فلم يفعل حتى هلك منه فعليه فيه الزكاة
    (قال الشافعي) :
    ولا يجوز عندي إلا هذا القول؛ لأن السنة أن الصدقة تجب بالحول وليس للمصدق معنى إلا أن يلي قبضها فينبغي ما وصفت من أن يحضرها حتى يقبضها مع رأس السنة، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن أبا بكر وعمر لم يكونا يأخذان الصدقة مثناة ولكن يبعثان عليها في الجدب، والخصب، والسمن، والعجف؛ لأن أخذها في كل عام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة
    (قال الشافعي) :
    ولا اختلاف بين أحد علمته في أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الزكاة تجب في الماشية وغيرها من المال إلا ما أخرجت الأرض من الحول، ومن قال: تكون الصدقة بالمصدق، والحول، خالف السنة وجعل مع الحول غير الصدقة ولزمه إن استأخر المصدق سنة، أو سنتين أن لا تجب الصدقة على رب المال حتى يقدم، فإذا قدم أخذها مرة واحدة لا مرارا
    (قال)
    :
    وإذا كانت لرجل أربعون شاة فلم يصدقها حتى مر بها أعوام ولم تزد شيئا فعليه فيها شاة، وإن زادت شاة فعليه فيها شاتان، وإن زادت ثلاث شياه فعليه فيها أربع شياه إذا مرت بها أربع سنين؛ لأن كل شاة فضل عما تجب فيه الصدقة ثم تبقى أربعون ففيها شاة
    (قال الشافعي) :
    وأحب إلي لو كانت أربعون لا تزيد أن يؤدي في كل سنة شاة؛ لأنه لم ينقص عن أربعين، وقد حالت عليها أحوال هي في كلها أربعون
    (قال الشافعي)
    :
    ولو كانت عنده أربعون شاة فحال عليها حول فلم يصدقها ثم حال عليها حول ثان، وقد ولدت واحدا ثم مات الواحد وحال عليها حول ثالث، وهي أربعون ففيها شاتان شاة في أنها أربعون وشاة؛ لأنها زادت على أربعين ثم ماتت الشاة الزائدة بعدما وجبت فيها الصدقة للزيادة فضمها ولم يؤدها، وقد أمكنه أداؤها
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت لرجل أربعون شاة فضلت في أول السنة ثم وجدها في آخرها قبل الحول، أو بعده كانت عليه زكاتها، وكذلك لو ضلت أحوالا، وهي خمسون شاة أدى في كل عام منها شاة؛ لأنها كانت في ملكه، وكذلك لو غصبها ثم أخذها أدى في كل عام منها شاة
    (قال) :
    وهذا هكذا في البقر، والإبل التي فريضتها منها، وفي الإبل التي فريضتها من الغنم قولان أحدهما أنها هكذا؛ لأن الشاة التي فيها في رقابها يباع منها بعير فيؤخذ منها إن لم يأت بها ربها، وهذا أشبه القولين، والثاني أن في كل خمس من الإبل حال عليها ثلاثة أحوال ثلاث شياه في كل حول شاة
    (قال)
    :
    وإن كانت لرجل خمس وعشرون من الإبل فحال عليها في يده ثلاثة أحوال أدى بنت مخاض للسنة الأولى ثم أربع شياه للسنة الثانية ثم أربع شياه للسنة الثالثة، ولو كانت إبله إحدى وتسعين مضى لها ثلاث سنين أدى للسنة الأولى حقتين وللسنة الثانية ابنتي لبون وللسنة الثالثة ابني لبون
    (قال) :
    ولو كانت له مائتا شاة وشاة فحال عليها ثلاثة أحوال كانت فيها لأول سنة ثلاث شياه ولكل واحدة من السنتين الآخرتين شاتان
    (قال)
    :
    ولو كان ترك الصدقة عاما ثم أفاد غنما وترك صدقتها وصدقة الأولى عاما آخر صدق الغنم الأولى لحولين، والغنم الفائدة لحول؛ لأنه إنما وجبت عليه صدقتها عاما واحدا.
    [باب الغنم تختلط بغيرها]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: ولو كانت لرجل غنم فنزتها ظباء فولدت لم تعد الأولاد مع أمهاتها بحال، ولو كثر أولادها حتى تكون مائة وأكثر لم يكن فيها زكاة؛ لأنه لا زكاة في الظباء، وكذلك لو كانت له ظباء فنزتها تيوس فولدت لم يؤخذ منها صدقة، وهذا خلط ظباء وغنم، فإن قيل فكيف أبطلت حق الغنم فيها؟ قيل إنما قيل في الغنم الزكاة ولا يقع على هذه اسم الغنم مطلقا، وكما أسهمت للفرس في القتال ولا أسهم للبغل كان أبوه فرسا، أو أمه
    (قال) :
    وهكذا إن نزا ثور وحشي بقرة إنسية، أو ثور إنسي بقرة وحشية فلا يجوز شيء من هذا أضحية ولا يكون للمحرم أن يذبحه
    (قال الشافعي)
    :
    ولو نزا كبش ماعزة، أو تيس ضائنة فنتجت كان في نتاجها الصدقة؛ لأنها غنم كلها وهكذا لو نزا جاموس بقرة، أو ثور جاموسة، أو بختي عربية، أو عربي بختية كانت الصدقات في نتاجها كلها؛ لأنها بقر كلها، ألا ترى أنا نصدق البخت مع العراب وأصناف الإبل كلها، وهي مختلفة الخلق ونصدق الجواميس مع البقر والدربانية. مع العراب وأصناف البقر كلها وهي مختلفة، والضأن ينتج المعز وأصناف المعز، والضأن كلها؛ لأن كلها غنم وبقر وإبل
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت لرجل أربعون شاة فضلت منها شاة قبل الحول لم يأخذ المصدق منها شيئا، فإذا وجدها فعليه أن يؤدي شاة يوم يجدها، فإن وجدها بعد الحول بشهر، أو أكثر، وقد ماتت غنمه كلها، أو بعضها، أو باعها فعليه أن يؤدي الشاة التي وجد إلا أن يرغب فيها ويؤدي السن الذي وجب عليه فيجزئ عنه؛ لأنه قد أحاط حين وجدها أنه كانت عليه شاة.
    [باب افتراق الماشية]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال:
    وإذا كانت لرجل ببلد أربعون شاة وببلد غيره أربعون شاة، أو ببلد عشرون شاة وببلد غيره عشرون شاة دفع إلى كل واحد من المصدقين قيمة ما يجب عليه من شاة يقسمها مع ما يقسم، ولا أحب أن يدفع في أحد البلدين شاة ويترك البلد الآخر لأني أحب أن تقسم صدقة المال حيث المال قال) وإذا كانت له أربعون شاة ببلد فقال الساعي: آخذ منها شاة فأعلمه أنه إنما عليه فيها نصف شاة فعلى الساعي أن يصدقه، وإن اتهمه أحلفه وقبل قوله ولا يزيده على أن يحلفه بالله تعالى، ولو أدى شاة في أحد البلدين كرهت ذلك له ولم أر عليه في البلد الآخر إعادة نصف شاة وعلى صاحب البلد الآخر أن يصدقه بقوله ولا يأخذ منه، وإن اتهمه أحلفه بالله تعالى
    (قال) :
    ولو كانت له ببلد مائة شاة وشاة وببلد آخر مائة شاة كان عليه فيها ثلاث شياه في كل بلد شاة ونصف إلا زيادة فضل حسب الشاة على المائة كما وصفت في نصفي الشاتين بحساب
    (قال الشافعي)
    :
    ولو دفع الثلاث الشياه إلى عامل أحد البلدين ثم أثبت عنده أن ماشيته الغائبة قد تلفت قبل الحول كان على الساعي أن يرد عليه شاتين؛ لأنه إنما وجبت عليه شاة
    (قال) :
    وسواء كان إحدى غنمه بالمشرق، والأخرى بالمغرب في طاعة خليفة واحد، أو طاعة واليين متفرقين إنما تجب عليه الصدقة بنفسه في ملكه لا بواليه ولا بقرب البلد ولا بعده
    (قال) :
    وهكذا الطعام وغيره إذا افترق
    (قال)
    :
    ولو أن رجلا له ماشية فارتد عن الإسلام ولم يقتل ولم يتب حتى حال الحول على ماشيته وقفت ماشيته، فإن تاب أخذ صدقتها، وإن مات، أو قتل على الردة كانت فيئا تخمس فيكون خمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها لأهل الفيء
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت بين رجلين أربعون شاة، ولأحدهما في بلد آخر أربعون شاة أخذ المصدق من الشريكين شاة، ثلاثة أرباعها على صاحب الأربعين الغائبة وربعها على الذي له عشرون لا غنم له غيرها لأني أضم كل مال رجل إلى ماله حيث كان، ثم آخذه في صدقته
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت لرجل أربعون شاة في بلد وأربعون في بلد غيره فلما مضت له ستة أشهر باع نصف الأربعين مشاعا من رجل فلم يقاسمه حتى حال الحول على غنمه، وذلك بمضي ستة أشهر من يوم باع غنمه أخذت منه شاة كلها عليه؛ لأن حوله قد حال، وعليه شاة تامة لو هلكت ماشية شريكه، فإذا حال حول شريكه بمضي ستة أشهر أخرى آخذ من شريكه نصف شاة بخلطه ولا أرده على المأخوذ منه الشاة لاختلاف حوليهما، وإن ضممت ماشيتهما فيما اشتركا فيه
    (قال)
    :
    ولو كان لرجل غنمان يجب عليه في كل واحدة منهما الزكاة وهما مختلفا الحولين ضممتهما معا وأخذت من كل واحدة منهما بقدر حولها بالغا ما بلغ.
    [باب أين تؤخذ الماشية]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    على المصدق أن يأخذ الماشية على مياه أهل الماشية وليس عليه إذا كان لرجل ماءان تخلية إلى أيهما شاء رب الماشية وعلى رب الماشية أن يوردها الماء لتؤخذ صدقتها عليه، وليس للمصدق أن يحبس الماشية على الماء على ماشية غيرها ليفتدي ربها من حبسه بزيادة
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا جازت الماشية على الماء فعلى المصدق أن يأخذها في بيوت أهلها وأفنيتهم وليس عليه أن يتبعها راعيه
    (قال) :
    ولو كلفهم المجامع التي يوردونها إذا كان الظمأ، ما كان ذلك ظلما والله تعالى أعلم
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا انتووا أخذ الصدقة منهم حيث انتووا على مياه مواضعهم التي انتووا إليها وحيث انتووا دارهم
    (قال الشافعي) :
    وإذا عظمت المؤنة وقلت الصدقة كان للمصدق أن يبعث من تخف مؤنته إلى أهل الصدقة حيث كانوا فيأخذ صدقاتهم.
    [باب كيف تعد الماشية]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    تضطر الغنم إلى حظار إلى جدار، أو جبل، أو شيء قائم حتى يضيق طريقها ثم تزجر فتسرب، والطريق لا تحتمل إلا شاة، أو اثنتين ويعد العاد في يده شيء يشير به ثم يأخذ الصدقة على ذلك العدد فإنه ليس عدد أحصى وأوخى من هذا العدد، ولو ادعى رب الماشية أنه أخطأ عليه أعيد له العدد، وكذلك إن ظن الساعي أن عاده أخطأ العدد.
    [باب تعجيل الصدقة]

    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسلف من رجل بكرا فجاءته إبل من الصدقة فأمرني أن أقضيه إياه»
    (قال الشافعي) :
    ويجوز للوالي إذا رأى الخلة في أهل الصدقة أن يستسلف لهم من صدقات أهل الأموال إذا طابوا بها نفسا ولا يجبر رب مال على أن يخرج صدقته قبل محلها إلا أن يتطوع
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا استسلف الوالي من رجل شيئا من الصدقة، أو مال لرجل غير صدقة القوم الذين تقسم صدقاتهم على من استسلف فله أن يقضي من سهمان أهل الصدقات مثل ما أخذ لهم
    (قال الشافعي)
    :
    فإن استسلف لهم فهلك السلف منه قبل أن يدفعه إليهم، وقد فرط، أو لم يفرط فهو ضامن لهم في ماله وليس كوالي اليتيم الذي يأخذ له فيما لا صلاح له إلا به؛ لأن أهل السهمان قد يكونون أهل رشد مثله وأرشد، ولا يكونون أهل رشد، ويكون لهم ولاة دونه
    (قال الشافعي)
    :
    وإنما جاز أن يستسلف لهم؛ لأنه تعجيل حق لهم قبل وجوبه وتعجيل الحق زيادة لهم بكل حال
    (قال) :
    ويجوز له أن يستسلف لبعضهم دون بعض ثم يقضيه من حق من استسلف له دون حق غيره
    (قال)
    :
    فإن استسلف، وال لرجل، أو اثنين من أهل الصدقة بعيرا، أو اثنين فدفع ذلك إليهما فأتلفاه وماتا قبل الحول فله أن يأخذ مثل ما استسلف لهما من أموالهما لأهل السهمان؛ لأنهما لما لم يبلغا الحول علمنا أنه لا حق لهما في صدقة حلت في حول لم يبلغاه، ولو ماتا بعد الحول وقبل أخذ الصدقة كانا قد استوجبا الصدقة بالحول، وإن أبطأ بها عنهما
    (قال الشافعي) :
    ولو ماتا معدمين ضمن الوالي ما استسلف لهما في ماله
    (قال) :
    ولو لم يموتا ولكنهما أيسرا قبل الحول، فإن كان يسرهما بما دفع إليهما من الصدقة فإنما أخذا حقهما وبورك لهما فلا يؤخذ منهما شيء، وإن كان يسرهما من غير ما أخذا من الصدقة قبل الحول أخذ منهما ما أخذا من الصدقة؛ لأن العلم قد أحاط أن الحول لم يأت إلا وهما من غير أهل الصدقة، فعلمنا أنه أعطاهما ما ليس لهما ولم يؤخذ منهما نماؤه؛ لأنهما ملكاه فحدث النماء في ملكهما، وإن نقص ما أعطيا من الصدقة أخذه ربه ناقصا وأعطى أهل السهمان تاما، ولا ضمان على المعطى؛ لأنه أعطيه مملكا له
    (قال) :
    ولو قال قائل: ليس لهم أخذه منه وعلى رب المال إن كان أعطاه غرمه، أو على المصدق إن كان أعطاه كان يجد مذهبا، والقول الأول الأصح والله أعلم؛ لأنه أعطيه مملكا له على معنى فلم يكن من أهله، وإن ماتا قبل الحول، وقد أيسرا ضمن الوالي ما استسلف لهما
    (قال)
    :
    وسواء في هذا كله أي أصناف الصدقة استسلف
    (قال) :
    ولو لم يكن الوالي استسلف من الصدقة شيئا ولكن رب المال تطوع وله مائتا درهم، أو أربعون شاة قبل الحول فأدى زكاة ماله ثم هلك ماله قبل الحول ووجد عين ماله عند من أعطاهم إياها من أهل السهمان لم يكن له الرجوع على من أعطاه إياها؛ لأنه أعطاه من ماله متطوعا بغير ثواب ومضى عطاؤه بالقبض
    (قال الشافعي)
    :
    ولو أعطاها رجلا فلم يحل عليه الحول حتى مات المعطي وفي يدي رب المال مال فيه الزكاة أدى زكاة ماله ولم يرجع على مال الميت لتطوعه بإعطائه إياه، وإن حال الحول ولا شيء في يده تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه، وما أعطى كما تصدق به، أو أنفقه
    (قال الشافعي) :
    ولو لم يحل الحول حتى أيسر الذي أعطاه زكاة ماله من غير ماله، فإن كان في يده مال تجب فيه الزكاة أدى زكاته؛ لأنا علمنا أنه أعطاه من لا يستوجبه يوم تحل الزكاة؛ لأن عليه يوم تحل أن يعطيها قوما بصفة، فإذا حال الحول والذي عجله إياها ممن لا يدخل في تلك الصفة لم تجزئ عنه من الزكاة، وهذا يعطيها قوما بصفة، فإذا حال الحول والذي عجله إياها ممن لا يدخل في تلك الصفة لم تجزئ عنه من الزكاة، وهذا مخالف للرجل يكون له الحق بعينه فيعجله إياه، وإذا حال الحول، وهو موسر بما أعطاه لا بغيره أجزأ عنه من زكاته
    (قال)
    :
    ولو مات الذي عجل زكاة ماله قام ورثته فيما عجل من زكاة ماله مقامه فأجزأ عما ورثوا من ماله من الزكاة ما أجزأ عنه ولم يجز عنهم ما لم يجز عنه
    (قال)
    :
    ولو أن رجلا لم يكن له مال تجب فيه الزكاة فأخرج خمسة دراهم فقال: إن أفدت مائتي درهم فهذه زكاتها، أو شاة فقال إن: أفدت أربعين شاة فهذه صدقتها ودفعها إلى أهلها ثم أفاد مائتي درهم، أو أربعين شاة وحال عليها الحول لم يجز عنه ما أخرج من الدراهم، والغنم؛ لأنه دفعها بلا سبب مال تجب فيه الزكاة فيكون قد عجل شيئا عليه إن حال عليه فيه حول فيجزي عنه ما أعطاه منه
    (قال الشافعي) :
    وهكذا لو تصدق بكفارة يمين قبل أن يحلف فقال: إن حنثت في يمين فهذه كفارتها فحنث لم تجز عنه من الكفارة؛ لأنه لم يكن حلف، ولو حلف ثم كفر للحنث ثم حنث أجزأ عنه من الكفارة، فإن قال قائل: من أين قلت هذا؟ قلت: قال الله عز وجل {فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} [الأحزاب: 28] فبدأ بالمتاع قبل السراح، وفي كتاب الكفارات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير منه»
    (قال) :
    وقد روي عن عدد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يحلفون فيكفرون قبل أن يحنثوا
    (قال)
    :
    وقد يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ندري أيثبت، أم لا؟ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تسلف صدقة مال العباس قبل أن تحل، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين، أو ثلاثة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الثانى -كتاب الزكاة
    الحلقة (56)
    صــــــــــ 24 الى صـــــــــــ30


    [باب النية في إخراج الزكاة]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    لما كان في الصدقة فرض وتطوع لم يجز والله تعالى أعلم أن تجزي عن رجل زكاة يتولى قسمها إلا بنية أنه فرض، وإذا نوى به الفرض وكان لرجل أربعمائة درهم فأدى خمسة دراهم ينوي بها الزكاة عنها كلها، أو بعضها، أو ينوي بها مما وجب عليه فيها أجزأت عنه؛ لأنه قد نوى بها نية زكاة
    (قال الشافعي)
    :
    ولو أدى خمسة دراهم لا يحضره فيها نية زكاة ثم نوى بعد أدائها أنها مما تجب عليه لم تجز عنه من شيء من الزكاة؛ لأنه أداها بلا نية فرض عليه
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت له أربعمائة درهم فأدى دينارا عن الأربعمائة درهم قيمته عشرة دراهم، أو أكثر لم يجز عنه؛ لأنه غير ما وجب عليه، وكذلك ما وجب عليه من صنف فأدى غيره بقيمته لم يجز عنه وكان الأول له تطوعا
    (قال الشافعي)
    :
    ولو أخرج عشرة دراهم فقال: إن كان مالي الغائب سالما فهذه العشرة من زكاته، أو نافلة، وإن لم يكن سالما فهي نافلة فكان ماله الغائب سالما لم تجزئ عنه؛ لأنه لم يقصد بالنية فيها قصد فرض خالصا إنما جعلها مشتركة بين الفرض، والنافلة (قال) : وكذلك لو قال: هذه العشرة دراهم عن مالي الغائب، أو نافلة
    (قال الشافعي) :
    ولو قال: هذه العشرة الدراهم عن مالي الغائب أجزأت عنه إن كان ماله سالما وكانت له نافلة إن كان ماله عاطبا قبل أن تجب عليه فيه الزكاة
    (قال) :
    ولو كان قال: هذه العشرة عن مالي الغائب إن كان سالما، وإن لم يكن سالما فهي نافلة أجزأت عنه وأعطاه إياها عن الغائب ينويه هكذا، وإن لم يقله؛ لأنه إذا لم يكن عليه في ماله الغائب زكاة فما أخرج نافلة له
    (قال الشافعي)
    :
    ولو أخرج رجل عن مائتي درهم غائبة عنه، أو حاضرة عنده خمسة دراهم فهلكت الغائبة، فإن كان عجل الخمسة عن الحاضرة قبل حولها، أو أخطأ حولها فرأى أنه قد تم فأخرجها عنها ثم علم أنه لم يتم حولها فهلكت الحاضرة، أو الغائبة قبل أن تجب فيها الزكاة فأراد أن يجعل هذه الخمسة دراهم له عن مائتين له أخريين لم يكن له ذلك؛ لأنه قصد بالنية في أدائها قصد مال له بعينه فلا يكون له أن يصرف النية فيه بعد أن يدفع الدراهم إلى أهلها
    (قال الشافعي)
    :
    ولو لم يكن دفع الدراهم إلى أهلها وأخرجها ليقسمها فهلك ماله كان له حبس الدراهم ويصرفها إلى أن يؤديها عن الدراهم غيرها فتجزي عنه؛ لأنها لم تقبض منه
    (قال الشافعي)
    :
    ولو كان دفع هذه الدراهم إلى والي الصدقة متطوعا بدفعها فأنفذها والي الصدقة فهي تطوع عنه وليس له الرجوع بها على والي الصدقة إذا أنفذها ولا أن يجعلها بعد أن نفذت عن غيرها
    (قال الشافعي) :
    ولو لم ينفذها حتى هلك ماله قبل أن تجب عليه فيه الزكاة كان على والي الصدقة ردها إليه وأجزأه هو أن يجعلها عن غيرها
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا أخرج رجل خمسة دراهم فقال هذه من زكاة مالي قبل محل الزكاة، أو بعده فكان له مال تجب فيه الخمسة أجزأ عنه، وإن لم يكن له مال تجب فيه الخمسة فهي نافلة، ولو كان له ذهب فأدى ربع عشره ورقا، أو ورق فأدى عنه ذهبا لم يجزه ولم يجزه أن يؤدي عنه إلا ما وجب عليه
    (قال)
    :
    وإن كان له عشرون دينارا فأدى عنها نصف دينار دراهم بقيمته لا يجزي عنه أن يؤدي إلا ذهبا
    (قال الشافعي)
    :
    وكذلك كل صنف فيه الصدقة بعينه لا يجزيه أن يؤدي عنه إلا ما وجب عليه بعينه لا البدل عنه إذا كان موجودا ما يؤدي عنه
    (قال الشافعي) :
    وإنما قلت لا تجزي الزكاة إلا بنية؛ لأن له أن يعطي ماله فرضا ونافلة فلم يجز أن يكون ما أعطى فرضا إلا بنية، وسواء نوى في نفسه، أو تكلم بأن ما أعطى فرض
    (قال الشافعي)
    :
    وإنما منعني أن أجعل النية في الزكاة كنية الصلاة لافتراق الزكاة، والصلاة في بعض حالهما ألا ترى أنه يجزي أنه يؤدي الزكاة قبل وقتها ويجزيه أن يأخذها الوالي منه بلا طيب نفسه فتجزي عنه، وهذا لا يجزي في الصلاة(قال الشافعي) : وإذا أخذ الوالي من رجل زكاة بلا نية من الرجل في دفعها إليه، أو بنية طائعا كان الرجل، أو كارها ولا نية للوالي الآخذ لها في أخذها من صاحب الزكاة، أو له نية فهي تجزي عنه كما يجزي في القسم لها أن يقسمها عنه وليه، أو السلطان ولا يقسمها بنفسه كما يؤدي العمل عن بدنه بنفسه
    (قال الشافعي) :
    وأحب إلي أن يتولى الرجل قسمتها عن نفسه فيكون على يقين من أدائها
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا أفاد الرجل ماشية فلم يحل عليها حول حتى جاءه الساعي فتطوع بأن يعطيه صدقتها كان للساعي قبولها منه، وإذا قال: خذها لتحبسها إذا حال الحول جاز ذلك له
    (قال الشافعي) :
    فإن أخذ الساعي أن يحبسها إذا وحال الحول فقسمها ثم موتت ماشيته قبل الحول فعليه رد ما أخذ منه، فإن ولي غيره فعليه رد ما أخذ منه الساعي من سهمان أهل الصدقة التي قبضها الساعي منه
    (قال الشافعي) :
    وإن دفعها رب المال إليه ولم يعلمه أن الحول لم يحل عليها فقسمها الساعي ثم موتت غنم الدافع لم يكن له أن يرجع على الساعي بشيء وكان متطوعا بما دفع
    (قال) :
    وإذا تطوع الرجل قبل الحول بأن يؤدي صدقة ماشيته فأخذت وهي مائتان فيها شاتان فحال عليها الحول، وقد زادت شاة أخذت منها شاة ثالثة ولا يسقط عنه تقديمه الشاتين الحق عليه في الشاة الثالثة؛ لأن الحق إنما يجب عليه بعد الحول كما لو أخذت منها شاتان فحال عليه الحول وليس فيها إلا شاة ردت عليه شاة.
    [باب ما يسقط الصدقة عن الماشية]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «في سائمة الغنم كذا» ، فإذا كان هذا يثبت فلا زكاة في غير السائمة من الماشية
    (قال الشافعي) :
    ويروى عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ليس في الإبل، والبقر العوامل صدقة
    (قال الشافعي)
    :
    ومثلها الغنم تعلف
    (قال الشافعي)
    :
    ولا يبين لي أن في شيء من الماشية صدقة حتى تكون سائمة والسائمة الراعية
    (قال) :
    وذلك أن يجمع فيها أمران أن يكون لها مؤنة العلف ويكون لها نماء الرعي فأما إن علفت فالعلف مؤنة تحيط بكل فضل لها، أو تزيد، أو تقارب
    (قال الشافعي) :
    وقد كانت النواضح على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم خلفائه فلم أعلم أحدا يروي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ منها صدقة ولا أحدا من خلفائه ولا أشك إن شاء الله تعالى أن قد كان يكون للرجل الخمس وأكثر، وفي الحديث الذي ذكرت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - «في سائمة الغنم كذا» ، وهذا يشبه أن يكون يدل على أن الصدقة في السائمة دون غيرها من الغنم
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كانت لرجل نواضح، أو بقر حرث، أو إبل حمولة، فلا يتبين لي أن فيها الزكاة، وإن بطلت كثيرا من السنة ورعت فيها؛ لأنها غير السائمة، والسائمة ما كان راعيا دهره
    (قال الشافعي)
    :
    وإن كانت العوامل ترعى مرة وتركب أخرى، أو زمانا وتركب في غيره فلم ينضح عليها، أو كانت غنما هكذا تعلف في حين وترعى في آخر فلا يبين لي أن يكون في شيء من هذه صدقة ولا آخذها من مالكها، وإن كانت لي أديت عنها الصدقة إن شاء الله تعالى واخترت لمن هي له أن يفعل.
    [باب المبادلة بالماشية]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وإذا كانت لرجل ماشية من إبل فبادل بها إلى بقر، أو إبل بصنف من هذا صنفا غيره، أو بادل معزى ببقر، أو إبلا ببقر، أو باعها بمال عرض، أو نقد فكل هذا سواء، فإن كانت مبادلته بها قبل الحول فلا زكاة عليه في الأولى ولا الثانية حتى يحول على الثانية الحول من يوم ملكها، وكذلك إن بادل بالتي ملك آخر قبل الحول إلى ماشية أخرى لم يكن عليه فيها زكاة، وأكره هذا له إن كان فرارا من الصدقة ولا يوجب الفرار الصدقة إنما يوجبها الحول، والملك
    (قال الشافعي)
    :
    وإن بادل بها بعد أن يحول عليها الحول، أو باعها ففي التي حال عليها الحول الصدقة؛ لأنها مال قد حال عليها الحول وسواء كان ذلك قبل قدوم المصدق، أو بعده
    (قال الشافعي) :
    وإذا بادل بها، أو باعها بعد الحول ففيها الصدقة، وفي عقد بيعها قولان، أحدهما أن مبتاعها بالخيار بين أن يرد البيع؛ لأن ما أخذ منها من الصدقة نقص مما بيع، أو يجيز البيع، ومن قال بهذا القول قال: وإن أعطى رب المال البائع المصدق ما وجب فيها من ماشية غيرها فلا خيار للمبتاع ولا المبادل؛ لأنه لم ينقص من البيع شيء
    (قال) :
    والقول الثاني أن البيع فاسد؛ لأنه باع ما يملك وما لا يملك، فلا نجيزه إلا أن يجددا فيها بيعا مستأنفا
    (قال الشافعي) :
    ولو أن رجلا بادل بغنم له قبل أن يحول عليها الحول إلى غنم، أو غيرها فحال حولها في يد المبادل الآخر بها ثم ظهر منها على عيب بعد الحول الأول الذي قبل المبادلة فكان رده إياها قبل الحول، أو بعده سواء ولا زكاة فيها على مالكها الآخر بالبدل؛ لأنه لم يحل عليها حول من يوم ملكها ولا على المالك الأول؛ لأنه بادل بها قبل الحول فخرجت من ملكه ثم رجعت إليه بالعيب فيستأنف بها حولا من يوم ملكها بخيار المبادل بها الذي ردها بالعيب
    (قال الشافعي)
    :
    ولو بادل بها قبل الحول وقبضها المشتري لها بالبدل، أو النقد فأقامت في يده حولا، أو لم يقبضها فأقامت في ملكه حولا ثم أراد ردها بالعيب لم يكن ذلك له؛ لأنها قد وجبت عليه فيها صدقة منها، وهي في ملكه فلا يكون له أن يردها ناقصة عما أخذها عليه ويكون له أن يرجع بالعيب من أصل الثمن
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت المسألة بحالها فأقاله فيها ربها الأول، وهو يعلم أن الزكاة وجبت فيها أخذت الزكاة من ربها الثاني الذي حال عليها في يده حول
    (قال الشافعي)
    :
    ولو بادل رجل بأربعين شاة ولم يحل عليها حول في يده إلى أربعين شاة لم يحل عليها حول في يد صاحبه مبادلة صحيحة لم يكن على واحد منهما فيها صدقة حتى يحول على كل واحد منهما حول، وهي في يده
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت المسألة بحالها وكانت المبادلة فاسدة كان كل واحد منهما مالكا غنمه التي بادل بها وعلى كل واحد منهما فيها الصدقة؛ لأنها لم تخرج من ملكه بالمبادلة الفاسدة ولا البيع الفاسد
    (قال الشافعي) :
    ولو باع رجل ماشيته قبل الحول، أو بادل بها على أن البائع بالخيار وقبضها المشتري فحال عليها حول البائع في يد المشتري، أو لم يبعها حتى حال عليها حول في يده ثم اختار البائع رد البيع كانت عليه فيها صدقة؛ لأنها لم تخرج من ملكه قبل الحول، ولو اختار إمضاء البيع بعد حولها وجبت أيضا عليه فيها صدقة؛ لأنها لم تخرج من ملكه إلا بعد الحول.
    [باب الرجل يصدق امرأة]

    (قال الشافعي)
    :
    ولو أصدق رجل امرأة أربعين شاة بغير أعيانها، أو قال: أربعين شاة في غنمي هذه ولم يشر إليها بأعيانها ولم يقبضها إياها فالصدقة عليه وليس لها من ماشيته في الوجهين أما الأولى فعليه أربعون شاة بصفة، وأما الثانية فعليه مهر مثلها، ولو أصدقها إياها بأعيانها فأقبضها إياها، أو لم يقبضها إياها فأي ذلك كان فلا زكاة عليه فبها
    (قال) :
    وإذا حال عليها حول، وهي في ملكها قبضتها، أو لم تقبضها فأدت زكاتها ثم طلقها رجع عليها بنصف الغنم ونصف قيمة الشاة التي أخذت منه، وإن لم تؤدها، وقد حال عليها الحول في يدها أخذت منها الشاة التي وجبت فيها ورجع عليها بنصف الغنم ونصف قيمة الشاة التي أخرجت من زكاتها، ولو أدت عنها شاة من غيرها رجع عليها بنصفها سواء؛ لأنه لم يؤخذ منها شيء في يدها إذا كانت الغنم بحالها يوم قبضتها منه، أو أصدقها إياه لم تزد ولم تنقص
    (قال الشافعي)
    :
    ولو وجبت عليها فيها شاة فلم تخرجها حتى أدت نصفها إليه حين طلقها أخرجت من النصف الذي في يدها شاة، فإن كانت استهلكت ما في يدها منها أخذ من النصف الذي في يد زوجها ورجع عليها بقيمتها
    (قال الشافعي) :
    وهكذا لو كانت امرأته التي نكح بهذه الغنم بأعيانها أمة، أو مدبرة؛ لأن سيدها مالك ما ملكت، ولو كانت مكاتبة، أو ذمية لم يكن عليها فيها صدقة
    (قال) :
    وهكذا هذا في البقر، والإبل التي فريضتها منها، فأما الإبل التي فريضتها من الغنم فتخالفها فيما وصفت، وفي أن يصدقها خمسا من الإبل ولا يكون عندها شاة ولا ما تشتري شاة فيباع منها بعير فيؤخذ من ثمنه شاة ويرجع عليها ببعيرين ونصف إذا طلقها قبل الدخول
    (قال) :
    وهكذا الدراهم يبيعها بدراهم، أو دنانير، والدنانير يبيعها بدنانير، أو دراهم لا يختلف، لا زكاة في البيعين فيهما حتى يحول عليه حول من يوم ملكه.
    [باب رهن الماشية]
    (أخبرنا)
    الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: وإذا كانت لرجل غنم فحال عليها حول فلم يخرج صدقتها حتى رهنها أخذت منها الصدقة وكان ما بقي بعد الصدقة رهنا، وكذلك الإبل، والغنم التي فريضتها منها، وإن كان المرتهن باع الراهن على أن يرهنه هذه الماشية التي وجبت فيها الزكاة كان له فسخ البيع؛ لأنه رهنه شيئا قد وجب لغيره بعضه فكان كمن رهن شيئا له وشيئا ليس له، وكذلك لو أخرج عنها الشاة من غيرها كان للبائع الخيار، وكان كمن باع شيئا له وشيئا ليس له ثم هلك الذي ليس له فللبائع الخيار بكل حال؛ لأن عقد الرهن كان رهنا لا يملك
    (قال الشافعي)
    :
    ولو كانت المسألة بحالها فرهنها بعد الحول ووجب عليه في إبل له أربع شياه أخذت من الغنم صدقة المغنم ولم يؤخذ منها صدقة الإبل وبيع من الإبل فاشترى منها صدقتها
    (قال الشافعي)
    :
    ولو كان عليه في الغنم شيء من صدقتها عامين، أو ثلاثة، وهي فيها أخذت منها صدقة ما مضى وكان ما بقي رهنا
    (قال)
    :
    ولو كانت له غنم غيرها وجبت فيها زكاة فلم يؤدها حتى استهلك الغنم لم يؤخذ من غنمه المرهونة زكاة الغنم غيرها وأخذ بأن يخرج زكاة الغنم غيرها من ماله، فإن لم يوجد له مال وفلس فيباع الغنم الرهن، فإن كان منها فضل بعد حق المرتهن أخذت زكاة الغنم غيرها منه، وإن لم يفضل منها فضل كان دينا عليه متى أيسر أداه وصاحب الرهن أحق برهنه.(قال الشافعي) : ولو كان الرهن فاسدا في جميع السائل كان كمال له لم يخرج من يده لا يخالفه في أن يؤخذ منه الصدقة التي فيه، وفي غيره فيأخذ غرماؤه مع المرتهن
    (قال الشافعي)
    :
    ولو رهن رجل إبلا فريضتها الغنم قد حلت فيها الزكاة ولم يؤدها، فإن كان له مال أخذت منه زكاتها، وإن لم يكن له مال غيرها فرهنها بعدما حلت الصدقة فيها فلم يؤدها أخذت الصدقة منها، وإن كان رهنها قبل أن تحل فيها الصدقة ثم حلت فيها الصدقة فلم يوجد له مال ففيها قولان، أحدهما أن يكون مفلسا وتباع الإبل فيأخذ صاحب الرهن حقه، فإن فضل منها فضل أخذت منه الصدقة وإلا كان دينا عليه متى أيسر أداه وغرماؤه يحاصون أهل الصدقة من بعد ما يقضي المرتهن رهنه، والثاني أن نفس الإبل مرتهنة من الأصل بما فيها من الصدقة فمتى حلت فيها الصدقة بيعت فيها على مالكها ومرتهنها فكان لمرتهنها الفضل عن الصدقة فيها. وبهذا أقول
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا رهنت الماشية فنتجت فالنتاج خارج من الرهن ولا يباع ما خض منها حتى تضع إلا أن يشاء ربها الراهن، فإذا وضعت بيعت الأم في الرهن دون الولد.
    [باب الدين في الماشية]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وإذا كانت لرجل ماشية فاستأجر عليها أجيرا في مصلحتها بسن موصوفة، أو ببعير منها لم يسمه فحال عليها حول ولم يدفع منها في إجارتها شيء ففيها الصدقة، وكذلك إن كان عليه دين أخذت الصدقة وقضي دينه منها ومما بقي من ماله، ولو استأجر رجل رجلا ببعير منها، أو أبعرة منها بأعيانها فالأبعرة للمستأجر، فإن أخرجها منه فكانت فيها زكاة زكاها، وإن لم يخرجها منه فهي إبله، وهو خليط بها يصدق مع رب المال الذي فيها، وفي الحرث، والورق، والذهب سواء، وكذلك الصدقة فيها كلها سواء.
    [باب أن لا زكاة في الخيل]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وابن عيينة كلاهما عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة»
    (أخبرنا)
    الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن مكحول عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله
    (أخبرنا)
    الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن عراك بن مالك عن أبي هريرة مثله موقوفا
    (أخبرنا)
    الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار قال: سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال: " وهل في الخيل صدقة؟ ".
    (قال الشافعي)
    :
    فلا زكاة في خيل بنفسها ولا في شيء في الماشية عدا الإبل، والبقر، والغنم بدلالة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا صدقة في الخيل فإنا لم نعلمه - صلى الله عليه وسلم - أخذ الصدقة في شيء من الماشية غير الإبل، والبقر، والغنم
    (قال الشافعي) :
    فإذا اشترى شيئا من هذه الماشية، أو غيرها مما لا زكاة فيه للتجارة كانت فيه الزكاة بنية التجارة، والشراء لها، لا بأنه نفسه مما تجب فيه الزكاة.
    [باب من تجب عليه الصدقة]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    وتجب الصدقة على كل مالك تام الملك من الأحرار، وإن كان صبيا، أو معتوها، أو امرأة لا افتراق في ذلك بينهم كما يجب في مال كل واحد ما لزم ماله بوجه من الوجوه جناية، أو ميراث منه، أو نفقة على والديه، أو ولد زمن محتاج وسواء كان في الماشية، والزرع، والناض، والتجارة وزكاة الفطر لا يختلف
    (قال)
    :
    وإذا كانت لعبد ماشية وجبت فيها الصدقة؛ لأنها ملك لمولاه وضمت إلى ملك مولاه حيث كان ملك مولاه وهكذا غنم المدبر وأم الولد؛ لأن مال كل واحد منهم ملك لمولاه وسواء كان العبد كافرا، أو مسلما؛ لأنه مملوك للسيد.
    (قال الشافعي) :
    فأما مال المكاتب من ماشية وغيرها فيشبه أن يكون لا زكاة فيه؛ لأنه خارج من ملك مولاه ما كان مكاتبا لما يملكه مولاه إلا أن يعجزه، وإن ملك المكاتب غير تام عليه ألا ترى أنه غير جائز فيه هبته ولا أجبره على النفقة على من أجبر الحر على النفقة عليه من الولد، والوالد، وإذا عتق المكاتب فماله كمال استفاده من ساعته إذا حال عليه الحول من يوم عتق صدقه، وكذلك إذا عجز فماله كمال استفاده سيده من متاعه إذا حال عليه حول صدقه؛ لأنه حينئذ تم ملك كل واحد منهما عليه.
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كان لرجل مال تجب فيه الزكاة فارتد عن الإسلام وهرب، أو جن، أو عته، أو حبس ليستتاب، أو يقتل فحال الحول على ماله من يوم ملكه ففيها قولان: أحدهما أن فيها الزكاة؛ لأن ماله لا يعدو أن يموت على ردته فيكون للمسلمين، وما كان لهم ففيه الزكاة، أو يرجع إلى الإسلام فيكون له فلا تسقط الردة عنه شيئا وجب عليه، والقول الثاني أن لا يؤخذ منها زكاة حتى ينظر، فإن أسلم تملك ماله وأخذت زكاته؛ لأنه لم يكن سقط عنه الفرض، وإن لم يؤجر عليها، وإن قتل على ردته لم يكن في المال زكاة؛ لأنه مال مشرك مغنوم، فإذا صار لإنسان منه شيء فهو كالفائدة ويستقبل به حولا ثم يزكيه، ولو أقام في ردته زمانا كان كما وصفت، إن رجع إلى الإسلام أخذت منه صدقة ماله وليس كالذمي الممنوع المال بالحرية ولا المحارب ولا المشرك غير الذمي الذي لم تجب في ماله زكاة قط، ألا ترى أنا نأمره بالإسلام، فإن امتنع قتلناه، وأنا نحكم عليه في حقوق الناس بأن نلزمه، فإن قال: فهو لا يؤجر على الزكاة، قيل ولا يؤجر عليها ولا غيرها من حقوق الناس التي تلزمه ويحبط أجر عمله فيما أدى منها قبل أن يرتد، وكذلك لا يؤجر على أن يؤخذ الدين منه فهو يؤخذ.
    [باب الزكاة في أموال اليتامى]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال:
    الناس عبيد الله جل وعز فملكهم ما شاء أن يملكهم وفرض عليهم فيما ملكهم ما شاء {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23] . فكان فيما آتاهم أكثر مما جعل عليهم فيه،وكل أنعم فيه عليهم جل ثناؤه، فكان فيما فرض عليهم فيما ملكهم زكاة أبان أن في أموالهم حقا لغيرهم في وقت على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - فكان حلالا لهم ملك المال وحراما عليهم حبس الزكاة؛ لأنه ملكها غيرهم في وقت كما ملكهم أموالهم دون غيرهم فكان بينا فيما وصفت، وفي قول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم} [التوبة: 103] أن كل مالك تام الملك من حر له مال فيه زكاة سواء في أن عليه فرض الزكاة بالغا كان، أو صحيحا، أو معتوها، أو صبيا؛ لأن كلا مالك ما يملك صاحبه، وكذلك يجب في ملكه ما يجب في ملك صاحبه وكان مستغنيا بما وصفت من أن على الصبي، والمعتوه الزكاة عن الأحاديث كما يلزم الصبي، والمعتوه نفقة من تلزم الصحيح البالغ نفقته ويكون في أموالهما جنايتهما على أموال الناس كما يكون في مال البالغ العاقل، وكل هذا حق لغيرهم في أموالهم فكذلك الزكاة والله أعلم، وسواء كل مال اليتيم من ناض وماشية وزرع وغيره، فما وجب على الكبير البالغ فيه الزكاة وجب على الصغير فيه الزكاة، والمعتوه وكل حر مسلم، وسواء في ذلك الذكر، والأنثى أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ابتغوا في مال اليتيم، أو في أموال اليتامى حتى لا تذهبها، أو لا تستهلكها الصدقة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن معمر عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب قال لرجل: إن عندنا مال يتيم قد أسرعت فيه الزكاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تليني أنا وأخوين لي يتيمين في حجرها، فكانت تخرج من أموالنا الزكاة. باب زكاة مال اليتيم الثاني أخبرنا الربيع قال
    (قال الشافعي) :
    الزكاة في مال اليتيم كما في مال البالغ؛ لأن الله عز وجل يقول: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103] فلم يخص مالا دون مال وقال بعض الناس إذا كانت ليتيم ذهب، أو ورق فلا زكاة فيها واحتج بأن الله يقول: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] وذهب إلى أن فرض الزكاة إنما هو على من وجبت عليه الصلاة وقال: كيف يكون على يتيم صغير فرض الزكاة، والصلاة عنه ساقطة، وكذلك أكثر الفرائض؟ ألا ترى أنه يزني ويشرب الخمر فلا يحد ويكفر فلا يقتل؟ واحتجوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رفع القلم عن ثلاثة» ثم ذكر «، والصبي حتى يبلغ» .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الثانى -كتاب الزكاة
    الحلقة (57)
    صــــــــــ 30 الى صـــــــــــ37

    (قال الشافعي) : - رحمه الله -

    لبعض من يقول هذا القول:
    إن كان ما احتججت على ما احتججت فأنت تارك مواضع الحجة؛
    قال: وأين قلت زعمت أن الماشية، والزرع إذا كانا ليتيم كانت فيهما الزكاة؟ فإن زعمت أن لا زكاة في مال فقد أخذتها في بعض ماله ولعله الأكثر من ماله وظلمته فأخذت ما ليس عليه في ماله، وإن كان داخلا في الإرث؛
    لأن في ماله الزكاة فقد تركت زكاة ذهبه وورقه أرأيت لو جاز لأحد أن يفرق بين هذا فقال:
    آخذ الزكاة من ذهبه وورقه ولا آخذها من ماشيته وزرعه، هل كانت الحجة عليه إلا أن يقال لا يعدو أن يكون داخلا في معنى الآية؛ لأنه حر مسلم فتكون الزكاة في جميع ماله، أو يكون خارجا منها بأنه غير بالغ فلا يكون في شيء من ماله الزكاة؟ أو رأيت إذ زعمت أن على وليه أن يخرج عنه زكاة الفطر فكيف أخرجته مرة من زكاة وأدخلته في أخرى؟ أو رأيت إذ زعمت أنه لا فرض للصلاة عليه فذهبت إلى أن الفرائض تثبت معا وتزول معا، وأن المخاطبين بالفرائض هم البالغون، وأن الفرائض كلها من وجه واحد يثبت بعضها بثبوت بعض ويزول بعضها بزوال بعض حتى فرض الله عز ذكره على المعتدة من الوفاة أربعة أشهر وعشرا ثم زعمت أن الصغيرة داخلة في معنى فرض العدة، وهي رضيع غير مدخول بها، أو رأيت إذ فرض الله عز وجل على القاتل الدية فسنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العاقلة بجناية القاتل خطأ كيف زعمت أن الصبي إذا قتل إنسانا كانت فيه دية وكيف زعمت أن الصبي في كل ما جنى على عبد وحر من جناية لها أرش، أو أفسد له من متاع، أو استهلك له من مال فهو مضمون عليه في ماله كما يكون مضمونا على الكبير وجنايته على عاقلته، أليس قد زعمت أنه داخل في معنى فرائض خارج من فرائض غيرها؟ أو رأيت إذ زعمت أن الصلاة، والزكاة إذا كانتا مفروضتين فإنما تثبت إحداهما بالأخرى أفرأيت إن كان لا مال له أليس بخارج من فرض الزكاة؟ ، فإذا خرج من فرض الزكاة أيكون خارجا من فرض الصلاة؟ أو رأيت إن كان ذا مال فيسافر أفليس له أن ينقص من عدد الحضر؟ أفيكون له أن ينقص من عدد الزكاة بقدر ما نقص من الصلاة؟ أرأيت لو أغمي عليه سنة أليس تكون الصلاة عنه مرفوعة أفتكون الزكاة عنه مرفوعة من تلك السنة؟ أو رأيت لو كانت امرأة تحيض عشرا وتطهر خمسة عشر وتحيض عشرا أليس تكون الصلاة عنها مرفوعة في أيام حيضها؟ وأما الزكاة عليها في الحول أفيرفع عنها في الأيام التي حاضتها أن تحسب عليها في عدد أيام السنة؟ فإن زعمت أن هذا ليس هكذا فقد زعمت أن الصلاة تثبت حيث تسقط الزكاة، وأن يكون قياسا على غيره، أو رأيت المكاتب أليس الصلاة عليه ثابتة، والزكاة عليه عندك زائلة؟ فقد زعمت أن من البالغين الأحرار وغير الأحرار، والصغار من يثبت عليه بعض الفرض دون بعض؟
    قال:
    فإنا روينا عن النخعي وسعيد بن جبير وسمى نفرا من التابعين أنهم قالوا: ليس في مال اليتيم زكاة فقيل له: لو لم تكن لنا حجة بشيء مما ذكرنا ولا بغيره مما لعلنا سنذكره إلا ما رويت كنت محجوجا به قال: وأين قلت زعمت أن التابعين لو قالوا كان لك خلافهم برأيك فكيف جعلتهم حجة لا تعدو أن يكون ما قلت من ذلك كما قلت فتخطئ باحتجاجك بمن لا حجة لك في قوله، أو يكون في قولهم حجة فتخطئ بقولك لا حجة فيه، وخلافهم إياك كثير في غير هذا الموضع،
    فإذا قيل لك:
    لم خالفتهم؟ قلت إنما الحجة في كتاب، أو سنة، أو أثر عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قول عامة المسلمين لم يختلفوا فيه، أو قياس داخل في معنى بعض هذا ثم أنت تخالف بعض ما رويت عن هؤلاء.
    هؤلاء يقولون فيما رويت:
    ليس في مال اليتيم زكاة، وأنت تجعل في الأكثر من مال اليتيم زكاة؟ قال فقد روينا عن ابن مسعود أنه قال أخص مال اليتيم،
    فإذا بلغ فأعلمه بما مر عليه من السنين قلنا:
    وهذه حجة عليك لو لم يكن لنا حجة غير هذا، هذا لو كان ثابتا عن ابن مسعود كان ابن مسعود أمر والي اليتيم أن لا يؤدي عنه زكاة حتى يكون هو ينوي أداءها عن نفسه؛ لأنه لا يأمر بإحصاء ما مر عليه من السنين وعدد ماله إلا ليؤدي عن نفسه ما وجب عليه من الزكاة مع أنك تزعم أن هذا ليس بثابت عن ابن مسعود من وجهين، أحدهما أنه منقطع، وأن الذي رواه ليس بحافظ، ولو لم يكن لنا حجة بما أوجدناك إلا أن أصل مذهبنا ومذهبك من أنا لا نخالف الواحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يخالفه غيره منهم كانت لنا بهذا حجة عليك، وأنتم تروون عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه ولي بني أبي رافع أيتاما فكان يؤدي الزكاة عن أموالهم ونحن نرويه عنه، وعن عمر بن الخطاب وعائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - وغير هؤلاء مع أن أكثر الناس قبلنا يقولون به، وقد رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجه منقطع أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    قال:
    «ابتغوا في مال اليتيم لا تستهلكه الصدقة، أو لا تذهبه الصدقة» ، أو قال «في أموال اليتامى لا تأكلها، أو لا تذهبها الزكاة، أو الصدقة» شك الشافعي رحمة الله عليه بها جميعا أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال " ابتغوا في أموال اليتامى لا تستهلكها الزكاة " أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزكي مال اليتيم أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد وعبد الكريم بن أبي المخارق كلهم يخبر عن القاسم بن محمد قال: كانت عائشة - رضي الله عنها - تزكي أموالنا، وإنه ليتجر بها في البحرين أخبرنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة أن عليا - رضي الله عنه - كانت عنده أموال بني أبي رافع فكان يزكيها كل عام.(قال الشافعي) : وبهذه الأحاديث نأخذ وبالاستدلال بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    قال:
    «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس ذود صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة» فدل قوله - صلى الله عليه وسلم - على أن خمس ذود وخمس أواق وخمسة أوسق إذا كان واحد منها لحر مسلم ففيه الصدقة في المال نفسه، لا في المالك؛ لأن المالك لو أعوز منها لم يكن عليه صدقة.
    [باب العدد الذي إذا بلغه التمر وجبت فيه الصدقة]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
    قال:
    «ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال سمعت عمرو بن يحيى المازني يقول أخبرني أبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» .
    (قال الشافعي) : - رحمه الله -
    وبهذا نأخذ، وليس يروى من وجه يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا عن أبي سعيد الخدري، فإذا كان قول أكثر أهل العلم به، وإنما هو خبر واحد فقد وجب عليهم قبول خبر واحد يمثله حيث كان.
    (قال الشافعي)
    :
    فليس في التمر زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق، فإذا بلغ خمسة، أوسق ففيه الزكاة.
    (قال الشافعي) :
    والوسق ستون صاعا بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - فذلك ثلثمائة صاع بصاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصاع أربعة أمداد بمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي
    (قال الشافعي) :
    والخليطان في النخل اللذان لم يقسما كالشريكين في الماشية يصدقان صدقة الواحد فما وجبت فيه على الواحد صدقة وجبت على الجماعة إذا كانوا شركاء في أصل النخل، وكذلك إذا كانوا شركاء في أصل الزرع.
    (قال الشافعي)
    :
    وكذلك إذا كانت أرض صدقة موقوفة على جماعة فبلغت ثمرتها خمسة أوسق أخذت منها الصدقة، وإذا ورث القوم النخل، أو ملكوها أي ملك كان ولم يقتسموها حتى أثمرت فبلغت ثمرتها خمسة أوسق أخذت منها الصدقة، فإن اقتسموها بعدما حل بيع ثمرتها في وقت الخرص قسما صحيحا فلم يصر في نصيب واحد منهم خمسة أوسق، وفي جماعتها خمسة أوسق فعليهم الصدقة؛ لأن أول وجوب الصدقة كان وهم شركاء فلا تسقط الصدقة بفرقها بعد أول وجوبها، وإذا اقتسموها قبل أن يحل بيع الثمرة فلا زكاة على واحد منهم حتى تبلغ حصته خمسة أوسق.
    (قال الشافعي)
    :
    وإن تجاذبوها بغير قطع وبغير قسم لأصل النخل بتراض منهم معا، فهم شركاء بعد فيصدقون صدقة الواحد؛ لأن هذه قسمة لا تجوز.
    (قال الشافعي) :
    وإن كانت صدقة موقوفة فاقتسموها فالقسم فيها باطل؛ لأنهم لا يملكون رقبتها وتصدق الثمرة صدقة المالك الواحد، فإذا بلغت خمسة أوسق وجبت فيها الصدقة.وإذا كانت لرجل نخل بأرض وأخرى بغيرها بعدت، أو قربت فأثمرتا في سنة واحدة ضمت إحدى الثمرتين إلى الأخرى، فإذا بلغتا معا خمسة أوسق أخذت منها الصدقة
    (قال الشافعي)
    :
    ولو كانت بينه وبين رجل نخل فجاءت بأربعة أوسق وكانت له نخل أخرى جاءت بثلاثة أوسق أدى الصدقة عن نخليه معا؛ لأن له خمسة أوسق ولم يؤد شريكه الصدقة عن نخله؛ لأنه ليس له ولشريكه خمسة أوسق في شيء مما هما فيه شريكان، وهكذا هذا في الماشية، والزرع
    (قال الشافعي) :
    وثمرة السنة تختلف فتثمر النخل وتجد بتهامة، وهي بنجد بسر وبلح فيضم بعض ذلك إلى بعض؛ لأنه ثمرة واحدة، فإذا أثمرت النخل في سنة ثم أثمرت في قابل لم يضم إحدى الثمرتين إلى الأخرى.وهكذا القول في الزرع كله مستأخره ومتقدمه فإنه يتقدم ببلاد الحر ويستأخر ببلاد البرد، وإذا كان لرجل زرع بالبلدين معا ضم بعضه إلى بعض، فإذا بلغ خمسة أوسق وجبت فيه الصدقة
    (قال الشافعي) :
    وإذا زرع رجل في سنة زرعا فلم يخرج منه خمسة أوسق وله زرع آخر، وهما إذا ضما معا كانت فيهما خمسة أوسق، فإن كان زرعهما وحصادهما معا في سنة واحدة فهما كالزرع الواحد، والثمرة الواحدة، وإن كان بذر أحدهما يتقدم عن السنة، أو حصاد الأخر يستأخر عن السنة فهما زرعان مختلفان لا يضم واحد منهما إلى الآخر
    (قال الشافعي)
    :
    وهكذا إذا كان لرجل نخل مختلف، أو واحد يحمل في وقت واحد حملين، أو سنة حملين فهما مختلفان
    (قال الشافعي) ::
    وإذا كان النخل مختلف الثمرة، ضم بعضه إلى بعض، سواء في ذلك دقله وبرديه، والوسط منه وتؤخذ الصدقة من الوسط منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال لا يخرج في الصدقة الجعرور ولا معى الفأرة ولا عذق ابن حبيق، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زياد بن سعد عن الزهري.
    (قال الشافعي)
    :
    وهذا تمر رديء جدا ويترك لصاحب الحائط جيد التمر من البردي الكبيس وغيره ويؤخذ من وسط التمر.
    (قال الشافعي) :
    وهذا مثل الغنم إذا اختلفت يترك منها ما فوق الثنية، والجذعة لرب المال ويترك عليه ما دونها وتؤخذ الجذعة، والثنية؛ لأنهما وسط، وذلك أن الأغلب من الغنم أنها تكون أسنانا كما الأغلب من التمر أن يكون ألوانا، فإن كان لرجل تمر واحد بردي كله أخذ من البردي.وإن كان جعرورا كله أخذ من الجعرور، وكذلك إن كانت له غنم صغار كلها أخذها منها
    (قال الشافعي) :
    وإن كان له نخل بردي صنفين، صنف بردي، وصنف لون، أخذ من كل واحد من الصنفين بقدر ما فيه، وإنما يؤخذ الوسط إذا اختلف التمر وكثر اختلافه، وهو يخالف الماشية في هذا الموضع، وكذلك إن كان أصنافا أحصى كل صنف منها حتى لا يشك فيه وعرض رب المال أن يعطي كل صنف ما يلزمه أخذ منه.
    [باب كيف تؤخذ زكاة النخل والعنب]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن نافع عن ابن صالح التمار عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في زكاة الكرم يخرص كما تخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن نافع عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث على الناس من يخرص كرومهم وثمارهم» .
    (قال الشافعي) : - رحمه الله -:
    وبهذا نأخذ في كل ثمرة يكون لها زبيب، وثمار الحجاز فيما علمت كلها تكون تمرا، أو زبيبا إلا أن يكون شيئا لا أعرفه.
    (قال الشافعي) :
    وأحسب أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخرص النخل، والعنب لشيئين أحدهما أن ليس لأهله منع الصدقة منه، وأنهم مالكون تسعة أعشاره وعشره لأهل السهمان
    (قال)
    :
    وكثير من منفعة أهله به إنما يكون إذا كان رطبا وعنبا؛ لأنه أغلى ثمنا منه تمرا، أو زبيبا، ولو منعوه رطبا، أو عنبا ليؤخذ عشره أضر بهم، ولو ترك خرصه ضيع حق أهل السهمان منه فإنه يؤخذ ولا يحصى فخرص والله تعالى أعلم وخلى بينهم وبينه للرفق بهم، والاحتياط لأهل السهمان.
    (قال الشافعي)
    :
    والخرص إذا حل البيع، وذلك حين يرى في الحائط الحمرة، والصفرة، وكذلك حين يتموه العنب ويوجد فيه ما يؤكل منه ويأتي الخارص النخلة فيطوف بها حتى يرى كل ما فيها ثم يقول خرصها رطبا كذا وينقص إذا صار تمرا كذا يقيسها على كيلها تمرا ويصنع ذلك بجميع الحائط ثم يحمل مكيلته تمرا وهكذا يصنع بالعنب ثم يخلي بين أهله وبينه، فإذا صار زبيبا وتمرا أخذ العشر على ما خرصه تمرا وزبيبا من التمر، والزبيب
    (قال الشافعي) :
    فإن ذكر أهله أنه أصابته جائحة أذهبت منه شيئا، أو أذهبته كله صدقوا فيما ذكروا منه، وإن اتهموا حلفوا، وإن قالوا: قد أخذنا منه شيئا وذهب شيء لا يعرف قدره قيل ادعوا فيما ذهب ما شئتم واتقوا الله ولا تدعوا إلا ما أحطتم به علما واحلفوا ثم يأخذ العشر منهم مما بقي إن كان فيه عشر، وإن لم يكن فيما بقي في أيديهم واستهلكوا عشره لم يؤخذ منهم منه شيء، وإن: قال هلك منه شيء لا أعرفه قيل له: إن ادعيت شيئا وحلفت عليه طرحنا عنك من عشره بقدره، وإن لم تدع شيئا تعرفه أخذنا منك العشر على ما خرصنا عليك
    (قال الشافعي) :
    فإن قال قد أحصيت مكيلة ما أخذت فكانت مكيلة ما أخذت كذا وما بقي كذا، وهذا خطأ في الخرص صدق على ما قال وأخذ منه؛ لأنها زكاة، وهو فيها أمين
    (قال الشافعي) :
    فإن قال قد سرق مني شيء لا أعرفه لم يضمن ما سرق وأخذت الصدقة منه مما أخذ وبقي إذا عرف ما أخذ وما بقي
    (قال الشافعي) :
    وإن قال قد سرق بعد ما صيرته إلى الجرين، فإن سرق بعدما يبس وأمكنه أن يؤدي إلى الوالي، أو إلى أهل السهمان فقد فرط، وهو له ضامن، وإن سرق بعدما صار تمرا يابسا ولم يمكنه دفعه إلى الوالي، أو يقسمه، وقد أمكنه دفعه إلى أهل السهمان فهو له ضامن؛ لأنه مفرط، فإن جف التمر ولم يمكنه دفعه إلى أهل السهمان ولا إلى الوالي لم يضمن منه شيئا وأخذت منه الصدقة مما استهلك هو وبقي في يده إن كانت فيه صدقة
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا وجد بعض أهل السهمان ولم يجد بعضا فلم يدفعه إليهم ولا إلى الوالي ضمن بقدر ما استحق من وجد من أهل السهمان منه ولم يضمن حق من لم يجد من أهل السهمان
    (قال الشافعي) :
    وإن استهلكه كله رطبا، أو بسرا بعد الخرص ضمن مكيلة خرصه تمرا مثل وسط تمره، وإن اختلف هو، والوالي فقال: وسط تمري كذا، فإن جاء الوالي ببينة أخذ منه على ما شهدت به البينة، وإن لم يكن عليه بينة أخذ منه على ما قال رب المال مع يمينه، وأقل ما يجوز عليه في هذا شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين.
    (قال الشافعي) :
    وليس للوالي أن يحلف مع شاهده ولا لأحد من أهل السهمان أن يحلف؛ لأنه ليس بمالك شيئا مما يحلف عنه دون غيره
    (قال الشافعي)
    :
    وإن أصاب حائطه عطش فعلم أنه إن ترك الثمرة فيه أضرت بالنخل، وإن قطعها بعدما يخرص بطل عليه كثير من ثمنها كان له قطعها ويؤخذ عشرها مقطوعة فيقسم على أهل السهمان، فإن لم يدفع عشرها إلى الوالي ولا إلى السهمان ضمن قيمته مقطوعا إن لم يكن له مثل
    (قال الشافعي)
    :
    وما قطع من ثمر نخله قبل أن يحل بيعه لم يكن عليه فيه عشر وأكره ذلك له إلا أن يكون قطع شيئا يأكله، أو يطعمه فلا بأس، وكذلك أكره له من قطع الطلع إلا ما أكل، أو أطعم، أو قطعه تخفيفا عن النخل ليحسن حملها، فأما ما قطع من طلع الفحول التي لا تكون تمرا فلا أكرهه
    (قال الشافعي) :
    وإن صير التمر في الجرين لمستحقه فرش عليه ماء، أو أحدث فيه شيئا فتلف بذلك الشيء، أو نقص فهو ضامن له؛ لأنه الجاني عليه، وإن لم يحدث منه إلا ما يعلم به صلاحه فهلك لم يضمنه(قال الشافعي) : وإذا وضع التمر حيث كان يضعه في جرينه، أو بيته، أو داره فسرق قبل أن يجف لم يضمن، وإن وضعه في طريق، أو موضع ليس بحرز لمثله فهلك ضمن عشره
    (قال الشافعي)
    :
    وما أكل من التمر بعد أن يصير في الجرين ضمن عشره، وكذلك ما أطعم منه
    (قال الشافعي) :
    ، وإذا كان النخل يكون تمرا فباعه مالكه رطبا كله، أو أطعمه كله، أو أكله كرهت ذلك له وضمن عشره تمرا مثل وسطه.
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كان لا يكون تمرا بحال أحببت أن يعلم ذلك الوالي، وأن يأمر الوالي من يبيع معه عشره رطبا، فإن لم يفعل خرصه عليه ثم صدق ربما بما بلغ رطبه وأخذ عشر رطب نخله ثمنا، فإن أكله كله، أو استهلكه كله أخذ منه قيمة عشر رطبه ذهبا، أو ورقا
    (قال الشافعي)
    :
    وإن استهلك من رطبه شيئا وبقي منه شيء فقال خذ العشر مما بقي، فإن كان ثمن ما استهلك أكثر من ثمن ما بقي أخذ عشر ثمن ما استهلك وعشر ما بقي، وكذلك لو كان أقل ثمنا، أو مثله فلم يعطه رب المال إلا الثمن كان عليه أخذ ثمن العشر.(قال الشافعي) : وإن كان النظر للمساكين أخذ العشر مما بقي من الرطب وفعل ذلك رب المال، أخذه المصدق كما يأخذ لهم كل فضل تطوع به رب المال
    (قال الشافعي)
    :
    وإن كان لرجل نخلان نخل يكون تمرا ونخل لا يكون تمرا أخذ صدقة الذي يكون تمرا تمرا، وصدقة الذي لا يكون تمرا كما وصفت
    (قال الشافعي) :
    وإن عرض رب المال ثمن التمر على المصدق لم يكن له أن يأخذه بحال كان نظرا لأهل السهمان، أو غير نظر ولا يحل بيع الصدقة.
    (قال الشافعي) :
    فإن استهلكه وأعوزه أن يجد تمرا بحال جاز أن يأخذ قيمته منه لأهل السهمان، وهذا كرجل كان في يده لرجل طعام فاستهلكه فعليه مثله، فإن لم يوجد فقيمته بالجناية بالاستهلاك؛ لأن هذا ليس بيعا من البيوع لا يجوز حتى يقبض(قال الشافعي) : وإن كان يخرج نخل رجل بلحا فقطعه قبل أن ترى فيه الحمرة، أو قطعه طلعا خوف العطش كرهت ذلك له ولا عشر عليه فيه ولا يكون عليه العشر حتى يقطعه بعدما يحل بيعه
    (قال)
    :
    وكل ما قلت في النخل فكان في العنب، فهو مثل النخل لا يختلفان
    (قال الشافعي) :
    وإن كانت لرجل نخل فيها خمسة أوسق وعنب ليس فيه خمسة أوسق أخذت الصدقة من النخل ولم تؤخذ من العنب ولا يضم صنف إلى غيره، والعنب غير النخل، والنخل كله واحد فيضم رديئه إلى جيده، وكذلك العنب كله واحد يضم رديئه إلى جيده.
    [باب صدقة الغراس]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ليهود خيبر حين افتتح خيبر أقركم على ما أقركم الله تعالى على أن التمر بيننا وبينكم قال فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم ثم يقول: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبين يهود خيبر» .
    (قال الشافعي)
    :
    وعبد الله بن رواحة كان يخرص نخلا ملكها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللناس ولا شك أن قد رضوا به إن شاء الله تعالى ثم يخيرهم بعدما يعلمهم الخرص بين أن يضمنوا له نصف ما خرص تمرا ويسلم لهم النخل بما فيه، أو يضمن لهم مثل ذلك التمر ويسلموا له النخل بما فيه، والعاملون يشتهون أن يكونوا ممن يجوز أمرهم على أنفسهم، والمدعوون إلى هذا المالكون يجوز أمرهم على أنفسهم، فإذا خرص الواحد على العامل وخير جاز له الخرص
    (قال)
    :
    ومن تؤخذ منه صدقة النخل، والعنب خلط، فمنهم البالغ الجائز الأمر وغير الجائز الأمر من الصبي، والسفيه، والمعتوه، والغائب، ومن يؤخذ له الخرص من أهل السهمان وأكثر من أهل الأموال، فإن بعث عليهم خارص واحد فمن كان بالغا جائز الأمر في ماله فخيره الخارص بعد الخرص فاختار ماله جاز عليه كما كان ابن رواحة يصنع، وكذلك إن لم يخيرهم فرضوا، فأما الغائب لا وكيل له، والسفيه فليس يخير ولا يرضى فأحب أن لا يبعث على العشر خارص واحد بحال ويبعث اثنان فيكونان كالمقومين في غير الخرص.
    (قال الشافعي)
    :
    وبعثة عبد الله بن رواحة وحده حديث منقطع، وقد يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مع عبد الله غيره، وقد يجوز أن يكون بعث مع عبد الله غيره، وإن لم يذكر، وذكر عبد الله بن رواحة بأن يكون المقدم، وفي كل أحب أن يكون خارصان، أو أكثر في المعاملة، والعشر، وقد قيل يجوز خارص واحد كما يجوز حاكم واحد، فإذا غاب عنا قدر ما بلغ التمر جاز أخذ العشر الخرص، وإنما يغيب ما أخذ منه بما يؤكل منه رطبا ويستهلك يابسا بغير إحصاء
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا ذكر أهله أنهم أحصوا جميع ما فيه وكان في الخرص عليهم أكثر قبل منهم مع أيمانهم، فإن قالوا: كان في الخرص نقص عما عليهم أخذ منهم ما أقروا به من الزيادة في تمرهم، وهو يخالف القيمة في هذا الموضع؛ لأنه لا سوق له يعرف بها يوم الخرص كما يكون للسلعة سوق يوم التقويم، وقد يتلف فيبطل عنهم فيما تلف الصدقة إذا كان التلف بغير إتلافهم، ويتلف بالسرق من حيث لا يعلمون وضيعة النخل بالعطش وغيره
    (قال الشافعي) ::
    ولا يؤخذ من شيء من الشجر غير النخل، والعنب فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ الصدقة منهما فكانا قوتا، وكذلك لا يؤخذ من الكرسف ولا أعلمها تجب في الزيتون؛ لأنه أدم لا مأكول بنفسه وسواء الجوز فيها، واللوز وغيره مما يكون أدما، أو ييبس ويدخر؛ لأن كل هذا فاكهة لا أنه كان بالحجاز قوتا لأحد علمناه.
    (قال الشافعي)
    :
    ولا يخرص زرع؛ لأنه لا يبين للخارص وقته، والحائل دونه، وأنه لم يختبر فيه من الصواب ما اختبر في النخل، والعنب، وأن الخبر فيهما خاص وليس غيرهما في معناهما لما وصفت.
    [باب صدقة الزرع]
    (قال الشافعي) : - رحمه الله -:
    ما جمع أن يزرعه الآدميون وييبس ويدخر ويقتات مأكولا خبزا، أو سويقا، أو طبيخا ففيه الصدقة.
    (قال الشافعي)
    :
    ويروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخذ الصدقة من الحنطة، والشعير، والذرة
    (قال الشافعي) :
    وهكذا كل ما وصفت يزرعه الآدميون ويقتاتونه فيؤخذ من العلس وهو حنطة، والدخن، والسلت، والقطنية كلها حمصها وعدسها وفولها ودخنها؛ لأن كل هذا يؤكل خبزا وسويقا وطبيخا ويزرعه الآدميون ولا يتبين لي أن يؤخذ من الفث، وإن كان قوتا؛ لأنه ليس مما ينبت الآدميون ولا من حب الحنظل، وإن اقتيت؛ لأنه أبعد في هذا المعنى من الفث، وكذلك لا يؤخذ من حب شجرة برية كما لا يؤخذ من بقر الوحش ولا من الظباء صدقة
    (قال الشافعي)
    :
    ولا يؤخذ في شيء من الثفاء ولا الأسبيوش؛ لأن الأكثر من هذا أنه ينبت للدواء ولا مما في معناه من حبوب الأدوية ولا من حبوب البقل؛ لأنها كالفاكهة، وكذلك القثاء، والبطيخ وحبه لا زكاة فيه؛ لأنه كالفاكهة ولا يؤخذ من حب العصفر ولا بزر الفجل ولا بزر بقل ولا سمسم.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الثانى -كتاب الزكاة
    الحلقة (58)
    صــــــــــ 38 الى صـــــــــــ44

    [باب تفريع زكاة الحنطة]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال:
    وإذا بلغ صنف من الحبوب التي فيها الصدقة خمسة أوسق ففيه الصدقة، والقول في كل صنف منه جمع جيدا ورديئا أن يعد بالجيد مع الرديء كما يعد بذلك في التمر، غير أن اختلافه لا يشبه اختلاف التمر؛ لأنه إنما يكون صنفين، أو ثلاثة فيؤخذ من كل صنف منه بقدره، والتمر يكون خمسين جنسا، أو نحوها، أو أكثر، والحنطة صنفان صنف حنطة تداس حتى يبقى حبها مكشوفا لا حائل دونه من كمام ولا قمع، فتلك إن بلغت خمسة أوسق ففيها الصدقة، وصنف علس إذا ديست بقيت حبتان في كمام واحد لا يطرح عنها الكمام إلا إذا أراد أهلها استعمالها ويذكر أهلها أن طرح الكمام عنها يضر بها فإنها لا تبقى بقاء الصنف الآخر من الحنطة.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    وإذا طرح عنها الكمام بهرس، أو طرح في رحى خفيفة ظهرت فكانت حبا كالحنطة الأخرى ولا يظهرها الدراس كما يظهر الأخرى وذكر من جربها أنها إذا كان عليها الكمام الباقي بعد الدرس ثم ألقى ذلك الكمام عنها صارت على النصف مما كيلت أولا فيخير مالكها بين أن يلقي الكمام وتكال عليه، فإذا بلغت خمسة أوسق أخذت منها الصدقة وبين أن تكال بكمامها، فإذا بلغت عشرة أوسق أخذت منها صدقتها؛ لأنها حينئذ خمسة. فأيهما اختار لم يحمل على غيره فيضر ذلك به
    (قال الشافعي)
    :
    فإن سأل أن تؤخذ منه في سنبلها لم يكن له ذلك، وإن سأل أهل الحنطة غير العلس أن يؤخذ منهم في سنبله لم يكن ذلك لهم كما نجيز بيع الجوز في قشره، والذي يبقى عليه حرز له؛ لأنه لو نزع منه عجل فساده إذا ألقي عنه ولا نجيزه فوق القشر إلا على الذي فوق القشر الذي دونه
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كانت لرجل حنطة غير علس وحنطة علس ضم إحداهما إلى الأخرى على ما وصفت الحنطة بكيلتها، والعلس في أكمامها بنصف كيلة، فإن كانت الحنطة التي هي غير علس ثلاثة أوسق، والعلس وسقان فلا صدقة فيها؛ لأنها حينئذ أربعة أوسق ونصف، وإن كانت أربعة ففيها صدقة؛ لأنها حينئذ خمسة أوسق، الحنطة ثلاث، والعلس الذي هو أربعة في أكمامه اثنان.
    [باب صدقة الحبوب غير الحنطة]
    (قال الشافعي) : - رحمه الله -:
    ولا يؤخذ من زرع فيه زكاة غير العلس صدقة حتى يطرح عنه كمامه ويكال ثم تؤخذ منه الصدقة إذا بلغ خمسة أوسق فتؤخذ من الشعير ولا يضم شعير إلى حنطة ولا سلت إلى حنطة ولا شعير ولا أرز إلى دخن ولا ذرة.
    (قال الشافعي)
    :
    والذرة ذرتان ذرة بطيس لا كمام عليه ولا قمع بيضاء وذرة عليها شيء أحمر كالحلقة، أو الثفروق إلا أنه أرق وكقشرة الحنطة دقيق لا ينقص لها كيلا ولا يخرج إلا مطحونا وقلما يخرج بالهرس فكلاهما يكال ولا يطرح لكيله شيء كما يطرح لأطراف الشعير الحديدة ولا قمع التمرة، وإن كان مباينا للتمرة، وهذا لا يباين الحبة؛ لأنه متصل بنفس الخلقة وكما لا يطرح لنخالة الشعير ولا الحنطة شيء
    (قال الشافعي)
    ::
    ولا يضم الدخن إلى الجلبان ولا الحمص إلى العدس ولا الفول إلى غيره ولا حبة عرفت باسم منفرد دون صاحبها وخلافها بائن في الخلقة، والطعم، والثمر إلى غيرها ويضم كل صنف من هذا أكبر إلى ما هو أصغر منه وكل صنف استطال إلى ما تدحرج منه.
    (قال الشافعي)
    ::
    ولا أعلم في الترمس صدقة ولا أعلمه يؤكل إلا دواء، أو تفكها لا قوتا ولا صدقة في بصل ولا ثوم؛ لأن هذا لا يؤكل إلا أبزارا، أو أدما.
    (قال الشافعي)
    :
    فإن قيل فاسم القطنية يجمع الحمص، والعدس، قيل: نعم، قد يفرق لها أسماء ينفرد كل واحد منها باسم دون صاحبه، وقد يجمع اسم الحبوب معها الحنطة، والذرة، فلا يضم بجماع اسم الحبوب ولا يجمع إليها، ويجتمع التمر، والزبيب في الحلاوة، وأن يخرصا ثم لا يضم أحدهما على الآخرفإن قيل: فقد أخذ عمر العشر من النبط في القطنية، قيل: وقد أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - من التمر، والزبيب وما أنبتت الأرض مما فيه زكاة العشر وكان اجتماعه في أن فيه العشر غير دال على جمع بعضه إلى بعض، وقد أخذ عمر من النبط من الزبيب، والقطنية العشر فيضم الزبيب إلى القطنية
    (قال الشافعي) ::
    ولا يؤخذ زكاة شيء مما أخرجت الأرض مما ييبس حتى ييبس ويدرس كما وصفت وييبس تمره وزبيبه وينتهي يبسه، فإن أخذ الزكاة منه رطبا كرهته له وكان عليه رده، أو رد قيمته إن لم يوجد مثله وأخذه يابسا لا أجيز بيع بعضه ببعض رطبا لاختلاف نقصانه، وأنه حينئذ مجهول.
    (قال الشافعي) :
    والعشر مقاسمة كالبيع، فإن أخذه رطبا فيبس في يده كمال يبقى في يدي صاحبه، فإن كان استوفى فذلك له، وإن كان ما في يده أزيد من العشر رد الزيادة، وإن كان أنقص أخذ النقصان، وإن جهل صاحبه ما في يده واستهلكه فالقول قول صاحبه ويرد هذا ما في يده إن كان رطبا حتى ييبس
    (قال) :
    وهكذا إن أخذ الحنطة في أكمامها
    (قال الشافعي) :
    وإن أخذه رطبا ففسد في يدي المصدق فالمصدق ضامن لمثله لصاحبه، أو قيمته إن لم يوجد له مثل ويرجع عليه بأن يأخذ عشره منه يابسا
    (قال الشافعي) :
    ولو أخذه رطبا من عنب لا يصير زبيبا، أو رطبا لا يصير تمرا كرهته وأمرته برده لما وصفت من أنه لا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا، فإن استهلكه ضمن مثله، أو قيمته وترادا الفضل منه وكان شريكا في العنب ببيعه ويعطي أهل السهمان ثمنه، وإن كان لا يتزبب فلو قسمه عنبا موازنة وأخذ عشره وأعطى أهل السهمان، كرهته ولم يكن عليه غرم.
    [باب الوقت الذي تؤخذ فيه الصدقة مما أخرجت الأرض]
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    إذا بلغ ما أخرجت الأرض ما يكون فيه الزكاة أخذت صدقته ولم ينتظر بها حول لقول الله عز وجل {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141] ولم يجعل له وقتا إلا الحصاد واحتمل قول الله عز وجل {يوم حصاده} [الأنعام: 141] إذا صلح بعد الحصاد واحتمل يوم يحصد، وإن لم يصلح، فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن تؤخذ بعدما يجف لا يوم يحصد النخل، والعنب، والأخذ منهما زبيبا وتمرا فكان كذلك كل ما يصلح بجفوف ودرس مما فيه الزكاة مما أخرجت الأرض، وهكذا زكاة ما أخرج من الأرض من معدن لا يؤخذ حتى يصلح فيصير ذهبا، أو فضة ويؤخذ يوم يصلح
    (قال الشافعي) ::
    وزكاة الركاز يوم يؤخذ؛ لأنه صالح بحاله لا يحتاج إلى إصلاح وكله مما أخرجت الأرض.
    [باب الزرع في أوقات]
    الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم تستخلف في كثير من المواضع فتحصد أخرى فهذا كله كحصدة واحدة يضم بعضه إلى بعض؛ لأنه زرع واحد، وإن استأخرت حصدته الآخرة.
    (قال الشافعي)
    :
    وهكذا إذا بذرت ووقت البذار بذر اليوم وبذر بعد شهر؛ لأن هذا كله وقت واحد للزرع وتلاحق الزرع فيه متقارب
    (قال) :
    وإذا بذر ذرة بطيسا وحمراء ومجنونة وهم في أوقات فأدرك بعضها قبل بعض ضم الأول المدرك إلى الذي يليه والذي يليه إلى المبذور بعد هذه، فإذا بلغ كله خمسة أوسق وجبت فيه الصدقة
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كان حائطا فيه عنب، أو رطب فبلغ بعضه قبل بعض في عام واحد، وإن كان بين ما يجف ويقطف منه أولا وآخر الشهر وأكثر وأقل ضم بعضه إلى بعض وهذه ثمرة واحدة؛ لأن ما تخرج الأرض كله يدرك هذا ويبذر هذا(قال) : وإذا كانت لرجل نخلات يطلعن فيكون فيهن الرطب، والبسر، والبلح، والطلع في وقت واحد فيجد الرطب ثم يدرك البسر، فيجد ثم يدرك البلح فيجد ثم يدرك الطلع فيجد. ضم هذا كله وحسب على صاحبه كما يحسب إطلاعة واحدة في جدة واحدة؛ لأنه ثمر نخله في وقت واحد
    (قال الشافعي) :
    وإذا كان لرجل حائط بنجد وآخر بالشعف وآخر بتهامة فجد التهامي ثم الشعفي ثم النجدي فهذه ثمرة عام واحد يضم بعضها إلى بعض، وإن كان بينهما الشهر، والشهران
    (قال الشافعي) :
    وبعض أهل اليم يزرعون في السنة مرتين في الخريف ووقت يقال له الشباط، فإن كان قوم يزرعون هذا الزرع، أو يزرعون في السنة ثلاث مرات في أوقات مختلفة من خريف وربيع وحميم، أو صيف فزرعوا في هذا حنطة، أو أرزا، أو حبا، فإن كان من صنف واحد ففيه أقاويل منها أن الزرع إذا كان في سنة واحدة فأدرك بعضه فيها وبعضه في غيرها ضم بعضه إلى بعض، ومنها أنه يضم منه ما أدرك منه في سنة واحدة وما أدرك في السنة الثانية ضم إلى ما أدرك من سنته التي أدرك فيها، ومنها أنه إذا زرع في أزمان مختلفة كما وصفت لم يضم بعضه إلى بعض
    (قال الشافعي) :
    وأما ما زرع في خريف، أو بكر شيء منه وتأخر شيء منه فالخريف ثلاثة أشهر فيضم بعضه إلى بعض، وكذلك ما زرع في الربيع في أول شهوره وآخرها، وكذلك الصيف إن زرع فيه
    (قال) :
    ولا يضم زرع سنة إلى زرع سنة غيرها ولا ثمرة سنة إلى ثمرة سنة غيرها، وإن اختلف المصدق ورب الزرع، وفي يده زرع فقال هذا زرع سنة واحدة وقال رب الزرع بل سنتين فالقول قول رب الزرع مع يمينه، وإن اتهم، وعلى المصدق البينة، فإن أقام البينة ضم بعضه إلى بعض، وهذا هكذا في كل ما فيه صدقة. باب قدر الصدقة فيما أخرجت الأرض(قال الشافعي) : - رحمه الله -: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال قولا معناه «ما سقي بنضح، أو غرب ففيه نصف العشر وما سقي بغيره من عين، أو سماء ففيه العشر» .
    (قال الشافعي)
    :
    وبلغني أن هذا الحديث يوصل من حديث ابن أبي ذباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم أعلم مخالفا. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: صدقة الثمار، والزروع ما كان نخلا، أو كرما، أو زرعا، أو شعيرا، أو سلتا، فما كان منه بعلا، أو يسقى بنهر، أو يسقى بالعين، أو عثريا بالمطر، ففيه العشر، في كل عشرة واحد وما كان منه يسقى بالنضح ففيه نصف العشر في كل عشرين واحد.
    (قال الشافعي) :
    فبهذا نأخذ، فكل ما سقته الأنهار، أو السيول، أو البحار، أو السماء، أو زرع عثريا مما فيه الصدقة ففيه العشر، وكل ما يزرع برشاء من تحت الأرض المسقية يصب فوقها ففيه نصف العشر، وذلك أن يسقى من بئر، أو نهر، أو نجل بدلو ينزع، أو بغرب ببعير، أو بقرة أو غيرها، أو بزرنوق، أو محالة، أو دولاب
    (قال)
    :
    فكل ما سقي هكذا ففيه نصف العشر
    (قال) :
    فإن سقي شيء من هذا بنهر، أو سيل، أو ما يكون فيه العشر فلم يكتف حتى سقي بالغرب فالقياس فيه أن ننظر إلى ما عاش بالسقيتين، فإن كان عاش بهما نصفين كان فيه ثلاثة أرباع العشر، وإن كان عاش بالسيل أكثر زيد فيه بقدر ذلك، وإن كان عاش بالغرب أكثر نقض بقدر ذلك
    (قال)
    :
    وقد قيل ينظر أيهما عاش به أكثر فتكون صدقته به، فإن عاش بالسيل أكثر فتكون صدقته العشر، أو عاش بالغرب أكثر فتكون صدقته نصف العشر.
    (قال الشافعي)
    :
    وإن كان فيه خبر فالخبر أولى به وإلا فالقياس ما وصفت، والقول قول رب الزرع مع يمينه، وعلى المصدق البينة إن خالف ربه.
    (قال الشافعي) :
    وأخذ العشر أن يكال لرب المال تسعة ويأخذ المصدق العاشر وهكذا أخذ نصف العشر يكال لرب المال تسعة عشر ويأخذ المصدق تمام العشرين
    (قال) :
    فما زاد على عشرة مما لا يبلغها أخذ منه بحساب وسواء ما زاد مما قل، أو كثر إذا وجبت فيه الصدقة ففي الزيادة على العشرة صدقتها
    (قال) :
    ويكال لرب المال ووالي الصدقة كيلا واحدا لا يلتف منه شيء على المكيال ولا يدق ولا يزلزل المكيال ويوضع على المكيال فما أمسك رأسه أفرغ به، وإن بلغ ما يؤخذ نصف عشره خمسة أوسق أخذت منه الصدقة كما تؤخذ الصدقة فيما يؤخذ عشره
    (قال)
    :
    وإن حثى التمر في قرب، أو جلال، أو جرار، أو قوارير فدعا رب التمر والي الصدقة إلى أن يأخذ الصدقة منه عددا، أو وزنا لم يكن ذلك له وكان عليه أن يأخذ مكيله على الخرص
    (قال)
    :
    وكذلك لو أغفل الخرص فوجد في يديه تمرا أخذه كيلا وصدق رب المال على ما بلغ كيله وما مضى منه رطبا أخذه على التصديق له، أو خرصه فأخذه على الخرص
    (قال الشافعي) :
    وهكذا لو دعاه إلى أن يأخذ منه حنطة، أو شيئا من الحبوب جزافا، أو معادة في غرائر، أو أوعية، أو وزنا لم يكن ذلك له وكان عليه أن يستوفي ذلك منه
    (قال الشافعي) :
    وإذا أغفل الوالي الخرص، قبل قول صاحب التمر مع يمينه.
    [باب الصدقة في الزعفران والورس]
    (قال الشافعي) :
    ليس في الزعفران ولا الورس صدقة؛ لأن كثيرا من الأموال لا صدقة فيها، وإنما أخذنا الصدقة خبرا، أو بما في معنى الخبر، والزعفران، والورس طيب لا قوت، ولا زكاة في واحد منهما، والله تعالى أعلم كما لا يكون في عنبر ولا مسك ولا غيره من الطيب زكاة
    (قال)
    :
    وكذلك لا خمس في لؤلؤة ولا زكاة في شيء يلقيه البحر من حليته، ولا يؤخذ من صيده.
    [باب أن لا زكاة في العسل]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن أبيه «عن سعد بن أبي ذباب قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت ثم قلت: يا رسول الله اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم قال: ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستعلمني عليهم، ثم استعلمني أبو بكر ثم عمر، قال: وكان سعد من أهل السراة، قال فكلمت قومي في العسل فقلت لهم: زكوه فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى فقالوا: كم ترى؟ قال فقلت: العشر فأخذت منهم العشر فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته بما كان، قال: فقبضه عمر فباعه ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين» ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي، وهو بمنى " أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة.
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
    :
    وسعد بن أبي ذباب يحكي ما يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بأخذ الصدقة من العسل، وأنه شيء رآه فتطوع له به أهله.
    (قال الشافعي)
    :
    لا صدقة في العسل ولا في الخيل، فإن تطوع أهلهما بشيء قبل منهم وجعل في صدقات المسلمين، وقد قبل عمر بن الخطاب من أهل الشام أن تطوعوا بالصدقة عن الخيل، وكذلك الصدقة عن كل شيء تقبل ممن تطوع بها.
    [باب صدقة الورق]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن يحيى المازني قال أخبرني أبي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» .
    (قال الشافعي) :
    وبهذا نأخذ، فإذا بلغ الورق خمس أواق، وذلك مائتا درهم بدراهم الإسلام وكل عشرة دراهم من دراهم الإسلام وزن سبعة مثاقيل من ذهب بمثقال الإسلام ففي الورق الصدقة.
    (قال الشافعي) :
    وسواء كان الورق دراهم جيادا مصفاة غاية سعرها عشرة بدينار، أو ورقا تبرا، ثمن عشرين منه دينار، ولا أنظر إلى قيمته من غيره؛ لأن الزكاة فيه نفسه كما لا أنظر إلى ذلك في الماشية ولا الزرع وأضم كل جيد من صنف إلى رديء من صنفه
    (قال الشافعي) :
    وإن كانت لرجل مائتا درهم تنقص حبة، أو أقل وتجوز جواز الوازنة، أو لها فضل على الوازنة غيرها فلا زكاة فيها كما لو كانت له أربع من الإبل تسوى ألف دينار لم يكن فيها شاة، وفي خمس من الإبل لا تسوى عشرة دنانير شاة وكما لو كانت له أربعة أوسق بردي خير قيمته من مائة وسق لون لم يكن فيها زكاة
    (قال) :
    ومن قال بغير هذا فقد خالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأوجب الزكاة في أقل من خمس أواق، وقد طرحها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقل من خمس أواق
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كانت لرجل ورق رديئة وورق جيدة أخذ من كل واحد منهما بقدر الزكاة التي وجبت عليه من الجيد بقدره، ومن الرديء بقدره
    (قال) :
    وإن كانت له ورق محمول عليها نحاس، أو غش أمرت بتصفيتها وأخذت زكاتها إذا صفت إذا بلغت ما تجب فيه الزكاة، وإذا تطوع فأدى عنها ورقا غير محمول عليه الغش دونها قبل منه وأكره له الورق المغشوش لئلا يغر به أحدا، أو يموت فيغر به وارثه أحدا (قال الشافعي) ويضم الورق التبر إلى الدراهم المضروبة
    (قال)
    :
    وإذا كانت لرجل فضة قد خلطها بذهب كان عليه أن يدخلها النار حتى يميز بينهما فيخرج الصدقة من كل واحد منهما، وإن أخرج الصدقة من كل واحد منهما على قدر ما أحاط به فلا بأس، وكذلك إن لم يحط علمه فاحتاط حتى يستيقن أن قد أخرج من كل واحد منهما ما فيه، أو أكثر فلا بأس
    (قال) :
    وإن ولى أخذ ذلك منه الوالي لم يكن له قبول هذا منه إلا أن يحلف على شيء يحيط به فيقبله منه، فأما ما غاب علمه عنه فلا يقبل ذلك منه فيه حتى يقول له أهل العلم لا يكون فيه أكثر مما قال، وإن لم يقولوا له لم يحلف على إحاطة أدائه عليه فأخذ من كل واحد منهما الصدقة بقدر ما فيه
    (قال الشافعي)
    :
    وإن كانت له فضة ملطوخة على لجام، أو مموه بها سقفه فكانت تميز فتكون شيئا إن جمعت بالنار فعليه إخراج الصدقة عنها، وإن لم تكن تميز ولا تكون شيئا فهي مستهلكة فلا شيء عليه فيها
    (قال الشافعي) :
    وإن كانت لرجل أقل من خمس أواقي فضة حاضرة وما يتم خمس أواقي فضة دينا، أو غائبة في تجارة أحصى الحاضرة وانتظر الدين، فإذا اقتضاه وقوم العرض الذي في تجارة فبلغ ذلك كله ما يؤدى فيه الزكاة أداها
    (قال الشافعي)
    :
    وزكاة الورق، والذهب ربع عشره لا يزاد عليه ولا ينقص منه.
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا بلغ الورق، والذهب ما تجب فيه الزكاة أخذ ربع عشره وما زاد على أقل ما تجب فيه الزكاة أخذ ربع عشره، ولو كانت الزيادة قيراطا أخذ ربع عشره.
    [باب زكاة الذهب]
    (أخبرنا)
    الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: ولا أعلم اختلافا في أن ليس في الذهب صدقة حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغت عشرين مثقالا ففيها الزكاة.
    (قال الشافعي) : - رحمه الله -:
    والقول في أنها إنما تؤخذ منها الزكاة بوزن كان الذهب جيدا، أو رديئا، أو دنانير، أو إناء، أو تبرا، كهو في الورق، وأن الدنانير إذا نقصت عن عشرين مثقالا حبة، أو أقل من حبة، وإن كانت تجوز كما تجوز الوازنة، أو كان لها فضل على الوازنة لم يؤخذ منها زكاة؛ لأن الزكاة بوزن، وفيما خلط به الذهب وغاب منها وحضر كالقول في الورق لا يختلف في شيء منه.
    (قال الشافعي) :
    وإذا كانت لرجل عشرون مثقالا من ذهب إلا قيراطا، أو خمس أواقي فضة إلا قيراطا لم يكن في واحد منهما زكاة ولا يجمع الذهب إلى الورق ولا الورق إلى الذهب ولا صنف مما فيه الصدقة إلى صنف
    (قال) :
    وإذا لم يجمع التمر إلى الزبيب وهما يخرصان ويعشران وهما حلوان معا وأشد تقاربا في الثمر، والخلقة من الذهب إلى الورق فكيف يجوز لأحد أن يغلظ بأن يجمع الذهب إلى الفضة ولا يشتبهان في لون ولا ثمن ويجل الفضل في أحدهما على الآخر فكيف يجوز أن يجمعا؟ من جمع بينهما فقد خالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنه قال «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة» فأخذ هذا في أقل من خمس أواق، فإن قال: قد ضممت إليها غيرها قيل: فضم إليها ثلاثين شاة، أو أقل من ثلاثين بقرة، فإن قال: لا أضمها، وإن كانت مما فيه الصدقة؛ لأنها ليست من جنسها فكذلك الذهب ليس من جنس الفضة ولا يكون على رجل زكاة في ذهب حتى يكون عشرين دينارا في أول الحول وآخره، فإن نقصت من عشرين قبل الحول بيوم ثم تمت عشرين لم يكن فيها زكاة حتى يستقبل بها حول من يوم تتم
    (قال) :
    وإذا اتجر رجل في الذهب فأصاب ذهبا فضلا لم يضم الذهب الفضل إلى الذهب قبله، والذهب قبله على حوله، ويستقبل بالفضل حولا من يوم أفاد كالفائدة غيره من غير ربح الذهب، وهكذا هذا في الورق لا يختلف
    [باب زكاة الحلي]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي ولا تخرج منه الزكاة، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تحلي بنات أخيها بالذهب، والفضة لا تخرج زكاته أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج منه الزكاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال سمعت رجلا يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي: أفيه زكاة؟ فقال جابر: لا فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: كثير.
    (قال الشافعي)
    :
    ويروى عن ابن عباس وأنس بن مالك ولا أدري أثبت عنهما معنى قول هؤلاء: ليس في الحلي زكاة؟ ويروى عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص أن في الحلي زكاة.
    (قال الشافعي)
    :
    المال الذي تجب فيه الصدقة بنفسه ثلاث عين، ذهب، وفضة وبعض نبات الأرض، وما أصيب في أرض من معدن وركاز وماشية
    (قال) :
    وإذا كان لرجل ذهب، أو ورق، في مثلها زكاة، فالزكاة فيها عينا يوم يحول عليها الحول كإن كانت له مائتا درهم تسوى عشرة دنانير ثم غلت فصارت تسوى عشرين دينارا ورخصت فصارت تسوى دينارا فالزكاة فيها نفسها، وكذلك الذهب، فإن اتجر في المائتي درهم فصارت ثلثمائة درهم قبل الحول ثم حال عليها الحول زكى المائتين لحولها، والمائة التي زادتها لحولها ولا يضم ما ربح فيها إليها؛ لأنه شيء ليس منها.
    (قال الشافعي) :
    وهذا يخالف أن يملك مائتي درهم ستة أشهر ثم يشتري بها عرضا للتجارة فيحول الحول، والعرض في يده فيقوم العرض بزيادته، أو نقصه؛ لأن الزكاة حينئذ تحولت في العرض بنية التجارة وصار العرض كالدراهم يحسب عليه حول الدراهم فيه، فإذا نض ثمن العرض بعد الحول أخذت الزكاة من ثمنه بالغا ما بلغ؛ لأن الحول قد حال عليه وعلى الأصل الذي كانت فيه الزكاة فاشترى به.
    (قال الشافعي)
    :
    ولكن لو نض ثمن العرض قبل الحول فصار دراهم لم يكن في زيادته زكاة حتى يحول عليه الحول وصار الحكم إلى الدراهم؛ لأنها كانت في أول السنة وآخرها دراهم وحالت عن العرض.
    (قال الشافعي) :
    وهذا يخالف نماء الماشية قبل الحول ويوافق نماءها بعد الحول، وقد كتبت نماء الماشية في الماشية.(قال الشافعي) : والخلطاء في الذهب، والفضة كالخلطاء في الماشية، والحرث لا يختلفون
    (قال الشافعي) :
    وقد قيل في الحلي صدقة، وهذا ما أستخير الله عز وجل فيه
    (قال الربيع)
    قد استخار الله عز وجل فيه أخبرنا الشافعي وليس في الحلي زكاة، ومن قال في الحلي صدقة قال هو وزن من فضة قد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثل وزنه صدقة ووزن من ذهب قد جعل المسلمون فيه صدقة
    (قال الشافعي)
    :
    ومن قال فيه زكاة فكان منقطعا منظوما بغيره ميزه ووزنه وأخرج الزكاة منه بقدر وزنه، أو احتاط فيه حتى يعلم أنه قد أدى جميع ما فيه، أو أداه وزاد وقال فيما وصفت فيما موه بالفضة وزكاة حلية السيف، والمصحف، والخاتم وكل ذهب وفضة كان يملكه بوجه من الوجوه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الثانى -كتاب الزكاة
    الحلقة (59)
    صــــــــــ 45 الى صـــــــــــ51

    (قال الشافعي)
    :
    ومن قال لا زكاة في الحلي ينبغي أن يقول لا زكاة فيما جاز أن يكون حليا ولا زكاة في خاتم رجل من فضة ولا حلية سيفه ولا مصحفه ولا منطقته إذا كان من فضة، فإن اتخذه من ذهب، أو اتخذ لنفسه حلي المرأة، أو قلادة، أو دملجين، أو غيره من حلي النساء ففيه الزكاة؛ لأنه ليس له أن يتختم ذهبا ولا يلبسه في منطقة ولا يتقلده في سيف ولا مصحف، وكذلك لا يلبسه في درع ولا قباء ولا غيره بوجه، وكذلك ليس له أن يتحلى مسكتين ولا خلخالين ولا قلادة من فضة ولا غيرها
    (قال الشافعي) :
    وللمرأة أن تتحلى ذهبا وورقا ولا يجعل في حليها زكاة من لم ير في الحلي زكاة.
    (قال الشافعي) : وإذا اتخذ الرجل، أو المرأة إناء من ذهب، أو ورق زكياه في القولين معا، فإن كان إناء فيه ألف درهم قيمته مصوغا ألفان فإنما زكاته على وزنه لا على قيمته
    (قال) :
    وإذا انكسر حليها فأرادت إخلافه، أو لم ترده فلا زكاة فيه في قول من لم ير في الحلي زكاة إلا أن تريد إذا انكسر أن تجعله مالا تكتنزه فتزكيه
    (قال) ::
    وإذا اتخذ الرجل، أو المرأة آنية ذهب، أو فضة ففيها الزكاة في القولين معا ولا تسقط الزكاة في واحد من القولين إلا فيما كان حليا يلبس
    (قال الشافعي) :
    وإن كان حليا يلبس، أو يدخر، أو يعار، أو يكرى فلا زكاة فيه، وسواء في هذا كثر الحلي لامرأة، أو ضوعف، أو قل وسواء فيه الفتوخ، والخواتم، والتاج وحلي العرائس وغير هذا من الحلي
    (قال الشافعي)
    :
    ولو ورث رجل حليا، أو اشتراه فأعطاه امرأة من أهله، أو خدمه هبة، أو عارية، أو أرصده لذلك لم يكن عليه زكاة في قول من قال لا زكاة في الحلي إذا أرصده لمن يصلح له، فإن لم يرد هذا، أو أراده ليلبسه فعليه فيه الزكاة؛ لأنه ليس له لبسه، وكذلك إن أراده ليكسره.
    [باب ما لا زكاة فيه من الحلي]
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: وما يحلى النساء به، أو ادخرنه، أو ادخره الرجال من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ومرجان وحلية بحر وغيره فلا زكاة فيه، ولا زكاة إلا في ذهب، أو ورق، ولا زكاة في صفر ولا حديد ولا رصاص ولا حجارة ولا كبريت ولا مما أخرج من الأرض، ولا زكاة في عنبر ولا لؤلؤ أخذ من البحر. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره البحر. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه سئل عن العنبر فقال: إن كان فيه شيء ففيه الخمس.
    (قال الشافعي)
    :
    ولا شيء فيه ولا في مسك ولا غيره مما خالف الركاز، والحرث، والماشية، والذهب، والورق.
    [باب زكاة المعادن]
    (أخبرنا)
    الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: وإذا عمل في المعادن فلا زكاة في شيء مما يخرج منها إلا ذهب، أو ورق فأما الكحل، والرصاص، والنحاس، والحديد، والكبريت، والموميا وغيره فلا زكاة فيه
    (قال الشافعي) :
    وإذا خرج منها ذهب، أو ورق فكان غير متميز حتى يعالج بالنار، أو الطحن، أو التحصيل فلا زكاة فيه حتى يصير ذهبا، أو ورقا ويميز ما اختلط به من غيره
    (قال الشافعي) :
    فإن سأل رب المعدن المصدق أن يأخذ زكاته مكايلة، أو موازنة، أو مجازفة لم يكن له ذلك، وإن فعل فذلك مردود وعلى صاحب المعدن إصلاحه حتى يصير ذهبا، أو ورقا ثم تؤخذ منه الزكاة
    (قال) :
    وما أخذ منه المصدق قبل أن يحصل ذهبا، أو ورقا فالمصدق ضامن له، والقول فيما كان فيه من ذهب، أو ورق قول المصدق مع يمينه إن استهلكه، وإن كان في يده فقال: هذا الذي أخذت منك، فالقول قوله(قال الشافعي) : ولا يجوز بيع تراب المعادن بحال؛ لأنه فضة، أو ذهب مختلط بغيره غير متميز منه
    (قال الشافعي) :
    وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن المعادن ليس بركاز، وأن فيها الزكاة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها الزكاة إلى اليوم.
    (قال الشافعي) :
    ليس هذا مما يثبته أهل الحديث رواية، ولو أثبتوه لم يكن فيه رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا إقطاعه فأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، وقد ذهب بعض أهل ناحيتنا إلى أن في المعادن الزكاة
    (قال)
    :
    وذهب غيرهم إلى أن المعادن ركاز فيها الخمس
    (قال)
    :
    فمن قال في المعادن الزكاة، قال ذلك فيما خرج من المعادن فيما تكلفت فيه المؤنة فيما يحصل ويطحن ويدخل النار (قال) : ولو قاله فيما يوجد ذهبا مجتمعا في المعادن، وفي البطحاء في أثر السيل مما يخلق في الأرض كان مذهبا، ولو فرق بينه فقال كل هذا ركاز؛ لأن الرجل إذا أصاب البدرة المجتمعة في المعادن قيل قد أركز وقاله فيما يوجد في البطحاء في أثر المطر وجعله ركازا دون ما وصفت مما لا يوصل إليه إلا بتحصيل وطحن كان مذهبا.
    (قال الشافعي)
    :
    وما قيل منه فيه الزكاة فلا زكاة فيه حتى يبلغ الذهب منه عشرين مثقالا، والورق منه خمس أواق
    (قال)
    :
    ويحصى منه ما أصاب في اليوم، والأيام المتتابعة ويضم بعضه إلى بعض إذا كان عمله في المعدن متتابعا، وإذا بلغ ما تجب فيه الزكاة زكاه.
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا كان المعدن غير حاقد فقطع العامل العمل فيه ثم استأنفه لم يضم ما أصاب بالعمل الآخر إلى ما أصاب بالعمل الأول قل قطعه، أو كثر والقطع ترك العمل بغير عذر أداة أو علة مرض فإذا كان العذر أداة أو علة من مرض متى أمكنه عمل فيه فليس هذا قاطعا لأن العمل كله يكون هكذا وهكذا لو تعذر عليه أجراؤه أو هرب عبيده فكان على العمل فيه كان هذا غير قطع ولا وقت فيه إلا ما وصفت قل أو كثر.
    (قال الشافعي)
    ::
    ولو تابع العمل في المعدن فحقد ولم يقطع العمل فيه ضم ما أصاب منه بالعمل الآخر إلى العمل الأول؛ لأنه عمل كله، وليس في كل يوم سبيل للمعدن، ولو قطع العمل ثم استأنفه لم يضم ما أصاب منه بالعمل الآخر إلى ما أصاب بالعمل الأول، ولا وقت في قليل قطعه ولا كثيره إلا ما وصفت مع القطع وغير القطع
    [باب زكاة الركاز]
    أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وفي الركاز الخمس» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
    قال:
    «في الركاز الخمس» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «في الركاز الخمس» أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن داود بن شابور ويعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في كنز وجده رجل في خربة جاهلية إن وجدته في قرية مسكونة، أو سبيل ميتاء فعرفه، وإن وجدته في خربة جاهلية، أو في قرية غير مسكونة ففيه، وفي الركاز الخمس»
    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    الذي لا أشك فيه أن الركاز دفن الجاهلية.
    (قال الشافعي)
    :
    والذي أنا واقف فيه الركاز في المعدن، وفي التبر المخلوق في الأرض
    (قال)
    :
    والركاز الذي فيه الخمس دفن الجاهلية ما وجد في غير ملك لأحد في الأرض التي من أحياها كانت له من بلاد الإسلام، ومن أرض الموات، وكذلك هذا في الأرض من بلاد الحرب، ومن بلاد الصلح إلا أن يكونوا صالحوا على ملك مواتها، فمن وجد دفنا من دفن الجاهلية في موات، فأربعة أخماسه له، والخمس لأهل سهمان الصدقة
    (قال الشافعي) :
    وإن وجد ركازا في أرض ميتة يوم وجده، وقد كانت حية لقوم من أهل الإسلام، أو العهد كان لأهل الأرض؛ لأنها كانت غير موات كما لو وجده في دار خربة لرجل كان للرجل.
    (قال الشافعي) :
    وإذا وجده في أرض الحرب في أرض عامرة لرجل، أو خراب قد كانت عامرة لرجل فهو غنيمة، وليس بأحق به من الجيش، وهو كما أخذ من منازلهم
    (قال الشافعي) :
    وإذا أقطع الرجل قطيعة في بلاد الإسلام فوجد رجل فيها ركازا فهو لصاحب القطيعة، وإن لم يعمرها؛ لأنها مملوكة له
    (قال الشافعي) :
    وإذا وجد الرجل في أرض الرجل، أو داره ركازا فادعى صاحب الدار أنه له فهو له بلا يمين عليه، وإن قال صاحب الدار: ليس لي، وكان ورث الدار قيل إن ادعيته للذي ورثت الدار منه فهو بينك وبين ورثته، وإن وقفت عن دعواك فيه، أو قلت ليس لمن ورثت عنه الدار، كان لمن بقي من ورثة مالك الدار أن يدعوا ميراثهم ويأخذوا منه بقدر مواريثهم.
    (قال الشافعي)
    :
    وإن ادعى ورثة الرجل أن هذا الركاز لهم، كان القول قولهم.
    (قال الشافعي) :
    وإن أنكر الورثة أن يكون لأبيهم كان للذي ملك الدار قبل أبيهم وورثته إن كان ميتا، فإن أنكر إن كان حيا، أو ورثته إن كان ميتا أن يكون له، كان للذي ملك الدار قبله أبدا هكذا، ولم يكن للذي وجده
    (قال الشافعي)
    :
    وإن وجد الرجل الركاز في دار رجل، وفيها ساكن غير ربها وادعى رب الدار الركاز له فالركاز للساكن كما يكون للساكن المتاع الذي في الدار الذي ببناء ولا متصل ببناء
    (قال الشافعي)
    ::
    ودفن الجاهلية ما عرف أن أهل الجاهلية كانوا يتخذونه من ضرب الأعاجم وحليتهم وحلية غيرهم من أهل الشرك.
    (قال الشافعي)
    :
    وسواء ما وجد ذلك في قبر وغيره إذا كان في موضع لا يملكه أحد
    (قال الشافعي) :
    فإن كان لأهل الجاهلية، والشرك عمل، أو ضرب قد عمله أهل الإسلام وضربوه، أو وجد شيء من ضرب الإسلام، أو عملهم لم يضربه ولم يعمله أهل الجاهلية فهو لقطة، وإن كان مدفونا، أو وجد في غير ملك أحد عرف وصنع فيه ما يصنع في اللقطة.
    (قال الشافعي) :
    وإذا وجد في ملك رجل فهو له، والاحتياط لمن وجد ما يعمل أهل الجاهلية، والإسلام أن يعرفه، فإن لم يفعل أن يخرج خمسه ولا أجبره على تعريفه، فإن كان ركازا أدى ما عليه فيه، وإن لم يكن ركازا فهو متطوع بإخراج الخمس وسواء ما وجد من الركاز في قبر، أو دار، أو خربة، أو مدفونا، أو في بنائها.أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال جاء رجل إلى علي - رضي الله تعالى عنه -
    فقال:
    إني وجدت ألفا وخمسمائة درهم في خربة بالسواد فقال علي كرم الله وجهه: أما لأقضين فيها قضاء بينا، إن كنت وجدتها في خربة يؤدي خراجها قرية أخرى فهي لأهل تلك القرية، وإن كنت وجدتها في قرية ليس يؤدي خراجها قرية أخرى فلك أربعة أخماسه ولنا الخمس ثم الخمس لك
    (قال الشافعي) :
    ولو وجد ركازا في أرض غير مملوكة فأخذ الوالي خمسه وسلم له أربعة أخماسه ثم أقام رجل بينة عليه أنه له، أخذ من الوالي وأخذ من واجد الركاز جميع ما أخذا، وإن استهلكها معا ضمن صاحب الأربعة الأخماس الأربعة الأخماس في ماله، وإن كان الوالي دفعه إلى أهل السهمان أخذ من حق أهل السهمان فدفعه إلى الذي استحقه، وذلك أن يأخذ ما يقسم على أهل البلد الذي يقسم فيهم خمس الركاز من ركاز غيره، أو صدقات مسلم أي صدقة كانت فيؤديها إلى صاحب الركاز، وإن استهلكه لنفسه ضمنه في ماله، وكذلك إن أعطاه غير أهل السهمان ضمنه ورجع به على من أعطاه إياه إن شاء
    (قال الشافعي)
    :
    وإن هلك الخمس في يده بلا جناية منه، وإنما قبضه لأهل السهمان فيغرمه لصاحبه من حق أهل السهمان
    (قال) :
    وإن عزل الذي قبضه كان على الذي ولي من بعده أن يدفعه إلى صاحبه من حق أهل السهمان.
    (قال الشافعي)
    :
    وما قلت هو ركاز فهو هكذا وما قلت هو لأهل الدار، وهو لقطة فلا تخمس اللقطة، وهي للذي وجدها، إذا لم يعترف، وكذلك إذا اعترف لم تخمس(قال الشافعي) : وإذا وجد رجل ركازا في بلاد الحرب في أرض موات ليس بملك موات كموات أرض العرب فهو لمن وجده وعليه فيه الخمس، وإن وجده في أرض عامرة يملكها رجل من العدو فهو كالغنيمة وما أخذ من بيوتهم.
    [باب ما وجد من الركاز]

    (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
    لا أشك إذا وجد الرجل الركاز ذهبا، أو ورقا وبلغ ما يجد منه ما تجب فيه الزكاة أن زكاته الخمس.
    (قال الشافعي) :
    وإن كان ما وجد منه أقل مما تجب فيه الزكاة، أو كان ما وجد منه من غير الذهب، والورق فقد قيل فيه الخمس، ولو كان فيه فخار، أو قيمة درهم، أو أقل منه ولا يتبين لي أن أوجبه على رجل ولا أجبره عليه، ولو كنت الواجد له لخمسته من أي شيء كان وبالغا ثمنه ما بلغ
    (قال الشافعي) :
    وإذا وجد الركاز فوجب فيه الخمس فإنما يجب حين يجده كما تجب زكاة المعادن حين يجدها؛ لأنها موجودة من الأرض، وهو مخالف لما استفيد من غير ما يوجد في الأرض
    ( قال الشافعي) :
    ومن قال ليس في الركاز شيء حتى يكون ما تجب فيه الصدقة فكان حول زكاة ماله في المحرم فأخرج زكاة ماله ثم وجد الركاز في صفر وله مال تجب فيه الزكاة زكى الركاز بالخمس، وإن كان الركاز دينارا؛ لأن هذا وقت زكاة الركاز وبيده مال تجب فيه الزكاة، أو مال إذا ضم إليه الركاز وجبت فيه الزكاة، وهذا هكذا إذا كان المال بيده، وإن كان مالا دينا، أو غائبا في تجارة عرف الوقت الذي أصاب فيه الركاز ثم سأل، فإذا علم أن المال الغائب في تجارة كان في يد من وكله بالتجارة فيه فهو ككينونة المال في يده وأخرج زكاة الركاز حين يعلم ذلك، ولو ذهب المال الذي كان غائبا عنه، وهكذا إذا كان له وديعة في يد رجل، أو مدفون في موضع فعلم أنه في الوقت الذي أصاب فيه الركاز في موضعه.
    (قال الشافعي)
    :
    وهكذا لو أفاد عشرة دنانير فكان حولها في صفر وحول زكاته في المحرم كان كما وصفت في الركاز
    (قال الشافعي) : وإذا وجد الركاز في صفر وله دين على الناس تجب فيه إذا قبضه الزكاة بنفسه، وإذا ضم إلى الركاز فليس عليه أن يزكيه حتى يقبضه وعليه طلبه إذا حل، وإذا قبضه، أو قبض منه ما يفي بالركاز ما تجب فيه الصدقة زكاه
    (قال الشافعي) :
    من قال هذا القول قال لو أفاد اليوم ركازا لا تجب فيه زكاة وغدا مثله، ولو جمعا معا وجبت فيهما الزكاة لم يكن في واحد منهما خمس ولم يجمعا وكانا كالمال يفيده في وقت تمر عليه سنة ثم يفيد آخر في وقت فتمر عليه سنة ليس فيه الزكاة، فإذا أقام هذا من الركاز في يده هكذا، وهو مما تجب فيه الزكاة فحال عليه حول، وهو كذلك أخرج زكاته ربع العشر بالحول لا خمسا.
    [باب زكاة التجارة]
    (أخبرنا)

    الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس، أن أباه قال: مررت بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعلى عنقي آدمة أحملها فقال عمر " ألا تؤدي زكاتك يا حماس؟ " فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي غير هذه التي على ظهري وآهبة في القرظ فقال: " ذاك مال فضع " قال فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدها قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة.
    (أخبرنا)
    الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن عجلان عن أبي الزناد عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه مثله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه قال " ليس في العرض زكاة إلا أن يراد به التجارة " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن رزيق بن حكيم أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: " أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم من التجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى تبلغ عشرين دينارا فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا "
    (قال الشافعي) :
    ويعد له حتى يحول عليه الحول فيأخذ ولا يأخذ منهم حتى يعلموا أن الحول قد حال على ما يأخذ منه
    (قال الشافعي)
    :
    ونوافقه في قوله " فإن نقصت ثلث دينار فدعها ونخالفه في أنها إذا نقصت عن عشرين دينارا أقل من حبة لم نأخذ منها شيئا لأن الصدقة إذا كانت محدودة بأن لا يؤخذ إلا من عشرين دينارا، فالعلم يحيط أنها لا تؤخذ من أقل من عشرين دينارا بشيء ما كان الشيء ".
    (قال الشافعي)
    :
    وبهذا كله نأخذ وهو قول أكثر من حفظت عنه وذكر لي عنه من أهل العلم بالبلدان
    (قال الشافعي) :
    والعروض التي لم تشتر للتجارة من الأموال ليس فيها زكاة بأنفسها فمن كانت له دور أو حمامات لغلة أو غيرها أو ثياب كثرت أو قلت أو رقيق كثر أو قل فلا زكاة فيها، وكذلك لا زكاة في غلاتها حتى يحول عليها الحول في يدي مالكها، وكذلك كتابة المكاتب وغيره لا زكاة فيها إلا بالحول له، وكذلك كل مال ما كان ليس بماشية ولا حرث ولا ذهب ولا فضة يحتاج إليه أو يستغني عنه أو يستغل ماله غلة منه أو يدخره ولا يريد بشيء منه التجارة فلا زكاة عليه في شيء منه بقيمة ولا في غلته ولا في ثمنه لو باعه إلا أن يبيعه أو يستغله ذهبا أو ورقا فإذا حال على ما نض بيده من ثمنه حول زكاه، وكذلك غلته إذا كانت مما يزكى من سائمة إبل أو بقر أو غنم أو ذهب أو فضة فإن أكرى شيئا منه بحنطة أو زرع مما فيه زكاة فلا زكاة عليه فيه حال عليه الحول أو لم يحل لأنه لم يزرعه فتجب عليه فيه الزكاة وإنما أمر الله عز وجل أن يؤتى حقه يوم حصاده، وهذا دلالة على أنه إنما جعل الزكاة على الزرع
    (قال الربيع)
    قال أبو يعقوب: وزكاة الزرع على بائعه؛ لأنه لا يجوز بيع الزرع في قول من يجيز بيع الزرع إلا بعد أن يبيض
    (قال أبو محمد الربيع) :
    وجواب الشافعي فيه على قول من يجيز بيعه فأما هو فكان لا يرى بيعه في سنبله إلا أن يثبت فيه خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتبع
    (قال الشافعي)
    :
    ولا اختلاف بين أحد علمته أن من أدى عشر أرضه ثم حبس طعامها أحوالا لم يكن عليه فيه زكاة.
    (قال الشافعي)
    :
    ومن ملك شيئا من هذه العروض بميراث أو هبة أو وصية أو أي وجوه الملك ملكها به إلا الشراء أو كان متربصا يريد به البيع فحالت عليه أحوال فلا زكاة عليه فيه؛ لأنه ليس بمشترى للتجارة.
    (قال الشافعي)
    :
    ومن اشترى من العروض شيئا مما وصفت أو غيره مما لا تجب فيه الزكاة بعينه ذهب أو ورق أو عرض أو بأي وجوه الشراء الصحيح كان أحصى يوم ملكه ملكا صحيحا، فإذا حال عليه الحول من يوم ملكه، هو عرض في يده للتجارة فعليه أن يقومه بالأغلب من نقد بلده دنانير كانت أو دراهم ثم يخرج زكاته من المال الذي قومه به.
    (قال الشافعي)
    :
    وهكذا إن باع عرضا منه بعرض اشتراه للتجارة قوم العرض الثاني بحوله يوم ملك العرض الأول للتجارة ثم أخرج الزكاة من قيمته وسواء غبن فيما اشتراه منه أو غبن عامة إلا أن يغبن بالمحاباة وجاهلا به؛ لأنه بعينه لا اختلاف فيما تجب عليه الزكاة منه.
    (قال الشافعي)
    :
    وإذا اشترى العرض بنقد تجب فيه الزكاة أو عرض تجب في قيمته الزكاة حسب ما أقام المال في يده ويوم اشترى العرض كأن المال أو العرض الذي اشترى به العرض للتجارة أقام في يده ستة أشهر ثم اشترى به عرضا للتجارة، فأقام في يده ستة أشهر، فقد حال الحول على المالين معا، الذي كان أحدهما مقام الآخر، وكانت الزكاة واجبة فيهما معا، فيقوم العرض الذي في يده فيخرج منه زكاته.
    (قال الشافعي) :
    فإن كان في يده عرض لم يشتره أو عرض اشتراه لغير تجارة ثم اشترى به عرضا للتجارة لم يحسب ما أقام العرض الذي اشترى به العرض الآخر وحسب من يوم اشترى العرض الآخر، فإذا حال الحول من يوم اشتراه زكاه؛ لأن العرض الأول ليس مما تجب فيه الزكاة بحال
    (قال الشافعي)
    :
    ولو اشترى عرضا للتجارة بدنانير أو بدراهم أو شيء تجب فيه الصدقة من الماشية، وكان أفاد ما اشترى به ذلك العرض من يومه لم يقوم العرض حتى يحول الحول يوم أفاد ثمن العرض ثم يزكيه بعد الحول.
    (قال الشافعي) :
    ولو أقام هذا العرض في يده ستة أشهر ثم باعه بدراهم أو دنانير أقامت في يده ستة أشهر زكاه وكانت كدنانير أو دراهم أقامت في يده ستة أشهر؛ لأنه لا يجب في العرض زكاة إلا بشرائه على نية التجارة فكان حكمه حكم الذهب والورق التي حال عليها الحول في يده.
    (قال الشافعي) :
    ولو كانت في يده مائتا درهم ستة أشهر ثم اشترى بها عرضا فأقام في يده حتى يحول عليه حول من يوم ملك المائتي درهم التي حولها فيه لتجارة عرضا أو باعه بعرض لتجارة فحال عليه الحول من يوم ملك المائتي درهم أو من يوم زكى المائتي درهم، قومه بدراهم ثم زكاه ولا يقومه بدنانير إذا اشتراه بدراهم، وإن كانت الدنانير الأغلب من نقد البلد، وإنما يقومه بالأغلب إذا اشتراه بعرض للتجارة
    (قال الشافعي) :
    ولو اشتراه بدراهم ثم باعه بدنانير قبل أن يحول الحول عليه من يوم ملك الدراهم التي صرفها فيه أو من يوم زكاه فعليه الزكاة من يوم ملك الدراهم التي اشتراه بها إذا كانت مما تجب فيه الزكاة، وذلك أن الزكاة تجوز في العرض بعينه فبأي شيء بيع العرض ففيه الزكاة، وقوم الدنانير التي باعه بها دراهم، ثم أخذ زكاة الدراهم ألا ترى أنه يباع بعرض فيقوم فتؤخذ منه الزكاة ويبقى عرضا فيقوم فتؤخذ منه الزكاة، فإذا بيع بدنانير زكيت الدنانير بقيمة الدراهم
    (قال الربيع) :
    وفيه قول آخر أن البائع إذا اشترى السلعة بدراهم فباعها بدنانير فالبيع جائز ولا يقومها بدراهم ولا يخرج لها زكاة من قبل أن في الدنانير بأعيانها زكاة، فقد تحولت الدراهم دنانير فلا زكاة فيها، وأصل قول الشافعي أنه لو باع بدراهم قد حال عليها الحول إلا يوما بدنانير لم يكن عليه في الدنانير زكاة حتى يبتدئ لها حولا كاملا كما لو باع بقرا أو غنما بإبل قد حال الحول على ما باع إلا يوما استقبل حولا بما اشترى إذا كانت سائمة
    (قال الشافعي) :
    ولو اشترى عرضا لا ينوي بشرائه التجارة فحال عليه الحول أو لم يحل ثم نوى به التجارة لم يكن عليه فيه زكاة بحال حتى يبيعه ويحول على ثمنه الحول؛ لأنه إذا اشتراه لا يريد به التجارة، كان كما ملك بغير شراء لا زكاة فيه
    (قال الشافعي) :
    ولو اشترى عرضا يريد به التجارة فلم يحل عليه حول من يوم اشتراه حتى نوى به أن يقتنيه ولا يتخذه لتجارة لم يكن عليه فيه زكاة كان أحب إلي لو زكاه وإنما يبين أن عليه زكاته إذا اشتراه يريد به التجارة ولم تنصرف نيته عن إرادة التجارة به، فأما إذا انصرفت نيته عن إرادة التجارة فلا أعلمه أن عليه فيه زكاة، وهذا مخالف لماشية سائمة أراد علفها فلا ينصرف عن السائمة حتى يعلفها؛ فأما نية القنية والتجارة فسواء لا فرق بينهما إلا بنية المالك
    (قال الشافعي) :
    ولو كان لا يملك إلا أقل من مائتي درهم أو عشرين مثقالا فاشترى بها عرضا للتجارة فباع العرض بعدما حال عليه الحول، أو عنده، أو قبله بما تجب فيه الزكاة زكى العرض من يوم ملك العرض لا يوم ملك الدراهم؛ لأنه لم يكن في الدراهم زكاة لو حال عليها الحول وهي بحالها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



    كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
    محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
    المجلد الثانى -كتاب الزكاة
    الحلقة (60)
    صــــــــــ 52 الى صـــــــــــ55


    ( قال الشافعي ) :
    ولو كانت الدنانير ، أو الدراهم التي لا يملك غيرها التي اشترى بها العرض أقامت في يده أشهرا لم يحسب مقامها في يده ; لأنها كانت في يده لا تجب فيها الزكاة وحسب للعرض حول من يوم ملكه ، وإنما صدقنا العرض من يوم ملكه أن الزكاة وجبت فيه بنفسه بنية شرائه للتجارة إذا حال الحول من يوم ملكه هو مما تجب فيه الزكاة لأني كما وصفت من أن الزكاة صارت فيه نفسه ولا أنظر فيه إلى قيمته في أول [ ص: 52 ] السنة ولا في وسطها ; لأنه إنما تجب فيه الزكاة إذا كانت قيمته يوم تحل الزكاة مما تجب فيه الزكاة ، هو في هذا يخالف الذهب والفضة ، ألا ترى أنه لو اشترى عرضا بعشرين دينارا وكانت قيمته يوم يحول الحول أقل من عشرين سقطت فيه الزكاة ; لأن هذا بين أن الزكاة تحولت فيه وفي ثمنه إذا بيع لا فيما اشترى به .

    ( قال الشافعي ) :
    وسواء فيما اشتراه لتجارة كل ما عدا الأعيان التي فيها الزكاة بأنفسها من رقيق وغيرهم فلو اشترى رقيقا لتجارة فجاء عليهم الفطر وهم عنده زكى عنهم زكاة الفطر إذا كانوا مسلمين وزكاة التجارة بحولهم ، وإن كانوا مشركين زكى عنهم التجارة وليست عليه فيهم زكاة الفطر ( قال ) : وليس في شيء اشتري لتجارة زكاة الفطر غير الرقيق المسلمين وزكاته غير زكاة التجارة ، ألا ترى أن زكاة الفطر على عدد الأحرار الذين ليسوا بمال ، وإنما هي طهور لمن لزمه اسم الإيمان
    ( قال الشافعي ) :
    ولو اشترى دراهم بدنانير ، أو بعرض ، أو دنانير بدراهم ، أو بعرض يريد بها التجارة فلا زكاة فيما اشترى منها إلا بعدما يحول عليه الحول من يوم ملكه كأنه ملك مائة دينار أحد عشر شهرا ثم اشترى بها مائة دينار ، أو ألف درهم فلا زكاة في الدنانير الآخرة ولا الدراهم حتى يحول عليها الحول من يوم ملكها ; لأن الزكاة فيها بأنفسها
    ( قال الشافعي ) :
    وهكذا إذا اشترى سائمة من إبل ، أو بقر ، أو غنم بدنانير ، أو دراهم ، أو غنم ، أو إبل ، أو بقر فلا زكاة فيما اشترى منها حتى يحول عليها الحول في يده من يوم ملكه اشتراه بمثله ، أو غيره مما فيه الزكاة ، ولا زكاة فيما أقام في يده ما اشتراه ما شاء أن يقيم ; لأن الزكاة فيه بنفسه لا بنية للتجارة ولا غيرها
    ( قال الشافعي ) :
    وإذا اشترى السائمة لتجارة زكاها زكاة السائمة لا زكاة التجارة ، وإذا ملك السائمة بميراث ، أو هبة ، أو غيره زكاها بحولها زكاة السائمة ، وهذا خلاف التجارات .

    ( قال الشافعي )
    وإذا اشترى نخلا وأرضا للتجارة زكاها زكاة النخل والزرع ، وإذا اشترى أرضا فيها غراس غير نخل ، أو كرم ، أو زرع غير حنطة .

    ( قال أبو يعقوب والربيع ) : وغير ما فيها الركاز لتجارة زكاها زكاة التجارة ; لأن هذا مما ليس فيه بنفسه زكاة ، وإنما يزكى زكاة التجارة .

    ( قال الشافعي ) ومن قال :
    لا زكاة في الحلي ولا في الماشية غير السائمة ، فإذا اشترى واحدا من هذين للتجارة ففيه الزكاة كما يكون في العروض التي تشترى للتجارة .
    ( قال الشافعي ) :
    رحمه الله تعالى وإذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم قراضا فاشترى بها سلعة تسوى ألفين وحال عليها الحول قبل أن يبيعها ففيها قولان : أحدهما أن السلعة تزكى كلها ; لأنها من ملك مالكها لا شيء فيها للمقارض حتى يسلم رأس المال إلى رب المال ويقاسمه الربح على ما تشارطا .

    ( قال الشافعي ) :
    وكذلك لو باعها بعد الحول ، أو قبل الحول فلم يقتسما المال حتى حال الحول ( قال ) : وإن باعها قبل الحول وسلم إلى رب المال رأس ماله واقتسما الربح ثم حال الحول ففي رأس مال رب المال وربحه الزكاة ، ولا زكاة في حصة المقارض ; لأنه استفاد مالا لم يحل عليه الحول .

    ( قال الشافعي ) :
    وكذلك لو دفع رأس مال رب المال إليه ولم يقتسما الربح حتى حال الحول صدق رأس مال رب المال وحصته من الربح ولم يصدق مال المقارض ، وإن كان شريكا به ; لأن ملكه حادث فيه ولم يحل عليه حول من يوم ملكه .

    ( قال الشافعي ) :
    ولو استأخر المال سنين لا يباع زكى كل سنة على رب المال أبدا حتى يسلم إلى رب المال رأس ماله ، فأما ما لم يسلم إلى رب المال رأس ماله فهو من ملك رب المال في هذا القول لا [ ص: 53 ] يختلف .

    ( قال الشافعي ) :
    وإن كان رب المال حرا مسلما ، أو عبدا مأذونا له في التجارة والعامل نصرانيا ، أو مكاتبا ، فهكذا يزكي ما لم يأخذ رب المال رأس ماله ، وإذا أخذ رأس ماله زكى جميع ماله ولم يزك مال النصراني ولا المكاتب منه ، هو أشبه القولين والله تعالى أعلم
    ( قال الشافعي ) :
    والقول الثاني ، إذا دفع الرجل إلى الرجل ألف درهم قراضا فاشترى بها سلعة تسوى ألفا فحال الحول على السلعة في يدي المقارض قبل بيعها قومت ، فإذا بلغت ألفين أديت الزكاة على ألف وخمسمائة ; لأنها حصة رب المال ووقفت زكاة خمسمائة ، فإن حال عليها حول ثان ، فإن بلغت الألفين زكيت الألفان ; لأنه قد حال على الخمسمائة الحول من يوم صارت للمقارض فإن نقصت السلعة فلا شيء على رب المال ولا المقارض يتراجعان به من الزكاة ، وإن زادت حتى تبلغ في عام مقبل ثمن ثلاثة آلاف درهم زكيت ثلاثة آلاف كما وصفت ولو لم يكن الفضل فيها إلا مائة درهم للمقارض نصفها وحال عليها حول من يوم صار للمقارض فيها فضل زكيت ; لأن المقارض خليط بها ، فإن نقصت السلعة حتى تصير إلى ألف درهم زكيت ألف ولا تعدو الزكاة الأولى أن تكون عنهما معا ، فهما لو كانا خليطين في مال أخذنا الزكاة منهما معا ، أو عن رب المال ، وهذا إذا كان المقارض حرا مسلما ، أو عبدا أذن له سيده في القراض فكان ماله مال سيده ، فإن كان المقارض ممن لا زكاة عليه كأن كان نصرانيا والمسألة بحالها زكيت حصة المقارض المسلم ولم تزك حصة المقارض النصراني بحال ; لأن نماءها لو سلم كان له .

    ( قال الشافعي ) :
    وهكذا لو كان المقارض مكاتبا في القول الأول إذا كان رأس المال لمسلم ولا تزكى حصة العامل النصراني والمكاتب في القول الآخر ; لأنه لا زكاة عليهما في أموالهما .

    ( قال الشافعي ) :
    ولو كانت المسألة بحالها ورب المال نصراني والعامل في المال مسلم ، فاشترى سلعة بألف فحال عليها حول وهي ثمن ألفين فلا زكاة فيها ، وإن حال عليها أحوال ; لأنها مال نصراني إلا أن يدفع العامل إلى النصراني رأس ماله فيكون ما فضل بينه وبين النصراني فيزكي نصيب العامل المسلم منه إذا حال عليها حول ولا يزكي نصيب النصراني في القول الأول ، وأما القول الثاني ، فإنه يحصي ذلك ولا يكون عليه فيه زكاة ، فإذا حال حول ، فإن سلم له فضلها أدى زكاته كما يؤدي زكاة ما مر عليه من السنين منذ كان له في المال فضل ( قال ) : وإذا كان الشرك في المال بين المسلم والكافر صدق المسلم ماله صدقة المنفرد لا صدقة الشريك ولا الخليط في الماشية والناض وغير ذلك ; لأنه ، إنما يجمع في الصدقة ما فيه كله صدقة ، فأما أن يجمع في الصدقة ما لا زكاة فيه فلا يجوز .
    أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان كان يقول : " هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منها الزكاة " .

    ( قال الشافعي ) :
    رحمه الله تعالى وحديث عثمان يشبه والله تعالى أعلم أن يكون إنما أمر بقضاء الدين قبل حلول الصدقة في المال في قوله " هذا شهر زكاتكم " يجوز أن يقول : هذا الشهر الذي إذا مضى حلت زكاتكم كما يقال شهر ذي الحجة ، وإنما الحجة بعد مضي أيام منه .

    ( قال الشافعي ) :
    فإذا كانت لرجل مائتا درهم وعليه دين مائتا درهم فقضى من المائتين شيئا قبل حلول المائتين ، أو استعدى عليه السلطان قبل محل حول المائتين فقضاها فلا زكاة عليه ; لأن الحول حال وليست مائتين ( قال ) : وإن لم [ ص: 54 ] يقض عليه بالمائتين إلا بعد حولها فعليه أن يخرج منها خمسة دراهم ثم يقضي عليه السلطان بما بقي منها .

    ( قال الشافعي ) :
    وهكذا لو استعدى عليه السلطان قبل الحول فوقف ماله ولم يقض عليه بالدين حتى يحول عليه الحول كان عليه أن يخرج زكاتها ثم يدفع إلى غرمائه ما بقي .

    ( قال الشافعي ) :
    ولو قضى عليه السلطان بالدين قبل الحول ثم حال الحول قبل أن يقبضه الغرماء لم يكن عليه فيه زكاة ; لأن المال صار للغرماء دونه قبل الحول ، وفيه قول ثان أن عليه فيه الزكاة من قبل أنه لو تلف كان منه ومن قبل أنه لو طرأ له مال غير هذا كان له أن يحبس هذا المال وأن يقضي الغرماء من غيره .

    ( قال الشافعي ) :
    وإذا أوجب الله عز وجل عليه الزكاة في مال ، فقد أخرج الزكاة من ماله إلى من جعلها له فلا يجوز عندي والله أعلم إلا أن يكون كمال كان في يده فاستحق بعضه فيعطي الذي استحقه ويقضي دينه من شيء إن بقي له .

    ( قال الشافعي ) :
    وهكذا هذا في الذهب والورق والزرع والثمرة والماشية كلها لا يجوز أن يخالف بينها بحال ; لأن كلا مما قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في كله إذا بلغ ما وصف صلى الله عليه وسلم الصدقة .

    ( قال الشافعي ) :
    وهكذا هذا في صدقة الإبل التي صدقتها منها والتي فيها الغنم وغيرها كالمرتهن بالشيء فيكون لصاحب الرهن ما فيه ولغرماء صاحب المال ما فضل عنه وفي أكثر من حال المرتهن ، وما وجب في مال فيه الصدقة من إجارة أجير وغيرها أعطي قبل الحول ( قال الشافعي ) : ولو استأجر الرجل على أن يرعى غنمه بشاة منها بعينها فهي ملك للمستأجر ، فإن قبضها قبل الحول فهي له ولا زكاة على الرجل في ماشيته إلا أن يكون ما تجب فيه الصدقة بعد شاة الأجير ، وإن لم يقبض الأجير الشاة حتى حال الحول ففي غنمه الصدقة ، على الشاة حصتها من الصدقة ; لأنه خليط بالشاة .

    ( قال الشافعي ) :
    وهكذا هذا في الرجل يستأجر بتمر نخلة بعينها ، أو نخلات لا يختلف إذا لم يقبض الإجارة .

    ( قال الشافعي ) :
    فإن استؤجر بشيء من الزرع قائم بعينه لم تجز الإجارة به ; لأنه مجهول كما لا يجوز بيعه إلا أن يكون مضى خبر لازم بجواز بيعه فتجوز الإجارة عليه ويكون كالشاة بعينها وتمر النخلة والنخلات بأعيانهن ( قال الشافعي ) : وإن كان استأجره بشاة بصفة ، أو تمر بصفة ، أو باع غنما فعليه الصدقة في غنمه وتمره وزرعه ويؤخذ بأن يؤدي إلى الأجير والمشتري منه الصفة التي وجبت له من ماله الذي أخذت منه الزكاة ، أو غيره .

    ( قال الشافعي ) :
    وسواء كانت له عروض كثيرة تحمل دينه ، أو لم يكن له شيء غير المال الذي وجبت فيه الزكاة ( قال الشافعي ) : ولو كانت لرجل مائتا درهم فقام عليه غرماؤه فقال : قد حال عليها الحول ، وقال الغرماء : لم يحل عليها الحولفالقول قوله ويخرج منها الزكاة ويدفع ما بقي منها إلى غرمائه إذا كان لهم عليه مثل ما بقي منها ، أو أكثر .

    ( قال الشافعي ) :
    ولو كانت له أكثر من مائتي درهم فقال : قد حالت عليها أحوال ولم أخرج منها الزكاة وكذبه غرماؤه كان القول قوله ويخرج منه زكاة الأحوال ثم يأخذ غرماؤه ما بقي منها بعد الزكاة أبدا أولى بها من مال الغرماء ; لأنها أولى بها من ملك مالكها ( قال الشافعي ) : ولو رهن رجل رجلا ألف درهم بألف درهم ، أو ألفي درهم بمائة دينار فسواء ، وإذا حال الحول على الدراهم المرهونة قبل أن يحل دين المرتهن ، أو بعده فسواء ، ويخرج منها الزكاة قبل دين المرتهن .

    ( قال الشافعي ) :
    وهكذا كل مال رهن وجبت فيها الزكاة .
    ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى :
    وإذا كان الدين لرجل غائب عنه فهو كما تكون التجارة له غائبة [ ص: 55 ] عنه الوديعة وفي كل زكاة ( قال ) وإذا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحول لم يجز أن يجعل زكاة ماله إلا في حول ; لأن المال لا يعدو أن يكون فيه زكاة ولا يكون إلا كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا يكون فيه زكاة فيكون كالمال المستفاد .

    ( قال الشافعي ) :
    وإذا كان لرجل على رجل دين فحال عليه حول ورب المال يقدر على أخذه منه بحضور رب الدين وملائه وأنه لا يجحده ولا يضطره إلى عدوى فعليه أن يأخذه منه ، أو زكاته كما يكون ذلك عليه في الوديعة هكذا ، وإن كان رب المال غائبا ، أو حاضرا لا يقدر على أخذه منه إلا بخوف ، أو بفلس له إن استعدى عليه وكان الذي عليه الدين غائبا حسب ما احتبس عنده حتى يمكنه أن يقبضه ، فإذا قبضه أدى زكاته لما مر عليه من السنين لا يسعه غير ذلك ، وهكذا الماشية تكون للرجل غائبة لا يقدر عليها بنفسه ولا يقدر له عليها ، وهكذا الوديعة والمال يدفنه فينسى موضعه لا يختلف في شيء .

    ( قال الشافعي ) :
    وإن كان المال الغائب عنه في تجارة يقدر وكيل له على قبضه حيث هو ، قوم حيث هو وأديت زكاته ولا يسعه إلا ذلك وهكذا المال المدفون والدين ، وكلما قلت لا يسعه إلا تأدية زكاته بحوله وإمكانه له ، فإن هلك قبل أن يصل إليه وبعد الحول وقد أمكنه فزكاته عليه دين وهكذا كل مال له يعرف موضعه ولا يدفع عنه فكلما قلت له يزكيه فلا يلزمه زكاته قبل قبضه حتى يقبضه فهلك المال قبل أن يمكنه قبضه فلا ضمان عليه فيما مضى من زكاته ; لأن العين التي فيها الزكاة هلكت قبل أن يمكنه أن يؤديها ( قال الشافعي ) : فإن غصب مالا فأقام في يدي الغاصب زمانا لا يقدر عليه ثم أخذه ، أو غرق له مال فأقام في البحر زمانا ثم قدر عليه ، أو دفن مال فضل موضعه فلم يدر أين هو ثم قدر عليه فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أن لا يكون عليه فيه زكاة لما مضى ولا إذا قبضه حتى يحول عليه حول من يوم قبضه ; لأنه كان مغلوبا عليه بلا طاعة منه كطاعته في السلف والتجارة والدين ، أو يكون فيه الزكاة إن سلم ; لأن ملكه لم يزل عنه لما مضى عليه من السنين .

    ( قال الربيع ) : القول الآخر أصح القولين عندي ; لأن من غصب ماله ، أو غرق لم يزل ملكه عنه ، هو قول الشافعي .

    ( قال الشافعي ) :
    وهكذا لو كان له على رجل مال أصله مضمون ، أو أمانة فجحده إياه ولا بينة له عليه ، أو له بينة غائبة لم يقدر على أخذه منه بأي وجه ما كان الأخذ .

    ( قال الربيع ) : فإذا أخذه زكاه لما مضى عليه من السنين ، هو معنى قول الشافعي .

    ( قال الشافعي ) :
    فإن هلك منه مال فالتقطه منه رجل ، أو لم يدر التقط ، أو لم يلتقط ، فقد يجوز أن يكون مثل هذا ويجوز أن لا يكون عليه فيه زكاة بحال ; لأن الملتقط يملكه بعد سنة على أن يؤديه إليه إن جاءه ، ويخالف الباب قبله بهذا المعنى .

    ( قال الشافعي ) :
    وكل ما أقبض من الدين الذي قلت عليه فيه زكاة زكاه إذا كان في مثله زكاة لما مضى ثم كلما قبض منه شيئا فكذلك



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •