توبة مدخن

د.مسعود صبري


شاب في العشرينات من عمره، يبدو وسيما، لكن ما لفت انتباهي أنه كان يحمل سيجارة في يده، وهو يمشي في الشارع، فاقتربت منه مبتسما، وألقيت عليه السلام، فرده علي، ومشيت معه، نتحادث، أسأله عن أحواله في الدنيا، وكيف حال معيشته، ثم قلت له: أنت إنسان رائع، شعرت بذلك قبل أن أتكلم معك، لكن ألا تخاف على صحتك من السجائر؟ وكم تدفع من المبالغ يوميا في شراء الدخان؟ فأخبرني أنه يشرب كل يوم ثلاث علب من السجائر، فقلت له : إن هذا كثير جدا. ثم بادرته بالسؤال: ما تقول في رجل أمسك بمبلغ من المال، ثم أشعل فيه النيران؟ فقال: إنه رجل مجنون.
فقلت له: إنك أسوأ حالا من ذلك المجنون. فالذي يشعل النار في النقود الورقية يتلف النقود الورقية فقط، أما الذي يدخن فهو يزيد عليه أنه يحرق بها صحته، فضلا عن كونه يعصي الله تعالى.
فاعترض وقال: لكن هناك من المشايخ من يقول إنها مكروهة، وليست حراما.
فقلت له: هذا كان في القديم، قبل أن يكتشف العلم الحديث أضرار التدخين.
فقال لي: أنا لست سيئا في علاقتي مع الله بالشكل الذي تبادر إلى ذهنك.
ثم حكى لي:
أنا سائق سيارة أجرة، وفي يوم من الأيام أشارت لي إحدى الفتيات، فركبت معي، ثم بعد فترة، أخرجت سيجارة، وقالت تفضل، فأخذتها، فإذا بها سيجارة حشيش، فأوقفت السيارة وقلت لها: أنا لا أشرب إلا السجائر العادية، أما المخدرات، فأنا الحمد لله لا أشربها أبدا. لكنها ألحت علي في شربها، وقالت: إنها ممتعة، ونريد أن نستمتع معا، فقلت لها بإلحاح وإصرار: أنا لا أشرب المخدرات، أفهمتِ، فإن لم يعجبك فانزلي من السيارة، فقالت: أنا آسفة.
ثم سرت بالسيارة، فأخذت تكلمني، ثم قالت: لقد أعجبت بك بشخصيتك كثيرا.
فقلت لها: شكرا.
فقالت: هل يمكن أن تذهب معي إلى البيت، فأنا معجبة بك جدا، وأحتاج إليك.
فأوقفت السيارة: وقلت لها: انزلي فورا، وإلا ضربتك.
فقالت: مهلا، أنا أقول لك، أنا معجبة وأريدك، تقول لي هذا الكلام؟!!
فقلت لها: أقسم بالله العظيم، إن لم تنزلي لأوجعتك ضربا في الشارع أمام الناس.
ثم أكمل كلامه قائلا:
يمكن للإنسان أن يخطئ، لكن هناك حدود لكل شيء، قلت له: الحمد لله أنت مملوء بالخير.
قال لدي خطوط فاصلة بين الكبائر والصغائر، ربما أقع في بعض صغائر المعاصي، لكني لا أقع في الكبائر وأرفضها بفطرتي.
سألته أخيرًا: وماذا عن السيجارة التي في يدك؟
قال لي مبتسمًا: آخر سيجارة إن شاء الله.