أسلوب المداراة بين الزوجين
سميرة بنصديق



أودع الله تعالى في بني الإنسان تمايزاً وتبايناً في المزاج والطباع والفهم والإدراك، وبذلك سهل على المتميز منهم سلوك سبيل المداراة ولين الكلمة لتسهيل سبل المعاملة والعيش المتبادل· ولما كانت العلاقات الاجتماعية بين الناس يطبعها أُسلوب التعاون والتآزر فإن ممارسة >المداراة< أمر طبيعي يفرضه السلوك الأخلاقي الذي يمارسه الإنسان مع أخيه الإنسان·
والمداراة لغة من درأ يدرأ أي دفع، فكل ما يدفعه الإنسان عنه فقد درأه ومنه الحديث >ادرأوا الحدود بالشبهات<·
قال الجوهري: ومداراة الناس: المداجاة والملاينة، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه حديث: >رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس< أي استعمال أسلوب الملاينة معهم واحتمالهم واصطحابهم بالمعروف·
قال ابن حجر العسقلاني (ت852) نقلاً عن ابن بطال: >المداراة من أخلاق المؤمنين وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أَقوى أسباب الأُلفة، وظن بعضهم أَنَّ المداراة هي المداهنة، فغلط لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة، وهي أن ترى مُنكراً أو تقدر على دفعه ولم تدفعه حفظاً لجانب مرتكبه أو جانب غيره···<·
وقد يكون في المداراة نوع من إِخفاء الحقيقة ومجاوزة الصدق تحقيقاً لمصلحةٍ يراها الشرع ضرورية، إلا أنه حددها كما جاء في صحيح مسلم في ثلاث حالاتٍ: الحرب وحديث الرجل لامرأته والإصلاح بين الناس·
والذي يهمنا في هذه العجالة هو مداراة الرجل لامرأته حفاظاً على عش الزوجية وتمتيناً لدعائم الأسرة، فالرجل عندما يعي جيداً كيف أن امرأته تنتابها من حين لآخر تصرفات انفعالية تؤدي إلى نشوء خلافات يضطر لسلوك طريق المداراة، فيستميل زوجته بالحديث اللين والكلام اللطيف الذي تحبه وتسكن إليه حتى إذا سكنت نفسها وهدأت عادت إلى الابتهاج والاطمئنان فيعود الاستقرار العائلي إلى طبيعته الأولى، وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >أَلا إن المرأة خُلقت من ضلع، وإنك إن أردت إقامة الضلع كسرتها، فدارها تعش بها< وكسر الضلع معناه الطلاق، ولذلك قال ابن العربي الأندلسي (ت543) في كتابه >عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي<: >والغالب من النساء قلة الرضى والصبر، فهن ينشزن على الرجال كثيراً ويكفرن العشير، فلذلك سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المنتزعات أنفسهن من النكاح منافقات·
وقال ابن حجر في شرح رواية أخرى من الحديث: >يؤخذ منه أن لا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب وإنما المراد أن يتركها على اعوجاجها في الأمور المباحة، وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتأليف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن<·
وكان عليه الصلاة والسلام حريصاً على إرضاء أزواجه وفق مفهوم ما شرع لهن على أزواجهن من حقوق يأتي في مقدمها حسن المعاشرة بالتلطف إليهن وتأليف قلوبهن والصبر على عوجهن، وفي الحديث أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: >كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ويمكث عندها فواطيت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلنقل له: أكلت مغافير >شيء شبيه بالصمغ لكنه حلو< إني أجد منك ريح مغافير، قال: لا، ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً<، وهذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم اجتهاد منه حتى أن الله تعالى عاتبه في ذلك قائلاً: (يأيها النبي لِمَ تحرِّم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم) التحريم:1·
ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم من منطلق بشريته وإنسانيته السوية يقع له مع أهل بيته من الخلافات والنزاعات ما يمكن أن يحدث بين أي رب أسرة مع زوجه وأبنائه، ولكنه في جميع الأحوال يبقى ذلك الإنسان الكريم ذا الخلق العظيم الذي يلجأ إلى المداراة والمجاملة، لكنه لا يقول إلا الصدق ولا يتصرف إلا بالحق والسداد·
هكذا إذن يتبين أن الاستقرار العائلي واستمرار العلاقات الزوجية يحتاج إلى استعمال أسلوب المداراة والملاينة بين الزوج والزوجة، ولا يفهم من هذا أن الزوج وحده مطالب بسلوك هذه الطريق ولكن الزوجة بدورها تحتاج إلى الاستعانة بهذا الجانب من المعاملة درءاً للخلافات والنزاعات وحرصاً على استمرار الدفء العائلي والمودة المتبادلة، بيد أن اكتساب أسلوب المداراة يتوقف على مدى القدرة على التعود عليه ليصبح سلوكاً ومنهجاً في الحياة الزوجية قوامه الصبر والأناة واللين والرفق والحكمة والموعظة الحسنة وكلها أساليب تربوية حث الإسلام عليها بهدف بناء العلاقات الاجتماعية السليمة في المجتمع وتأكدت أهمية وجدوى الأخذ بها واستعمالها بين الزوجين من أجل تقوية أواصر المودة والرحمة بينهما·