صدر حديثًا كتاب: "منهج الإمام البخاري في التفسير من خلال كتابه (الصحيح)"، تصنيف: د. "السيد بن أحمد الإمام الجنكي الشنقيطي"، المدرس بكلية الحرم المكي، من منشورات "دار طيبة الخضراء".
منهج الإمام البخاري في التفسير من خلال كتابه (الصحيح) للسيد بن أحمد الشنقيطي
وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير في قسم "الكتاب والسنة" بكلية الدعوة وأصول الدين من جامعة أم القرى وذلك بعنوان "منهج الإمام البخاري في التفسير من خلال كتابه (الصحيح)"، وذلك تحت إشراف د. "محمد الخضر الناجي ضيف الله"، عام 1415 هـ.
وتتضمن هذه الرسالة إبراز ما للإمام البخاري من جهود ومناهج في التفسير حيث أن التفسير عند الإمام البخاري ذو أهمية بالغة لقوة مأخذه ودقة ملحظه، ونادرًا ما طُرِقَ هذا الجانب في فقه الإمام البخاري في ترتيب صحيحه، وتضمنت أهداف الرسالة ما يلي:
أولًا: إبراز ما أسداه الإمام البخاري على التفسير من تأصيل لقواعده، وتنوع في مناهجه وأساليبه ومسالكه، وهو جانب كاد أن تغطى عليه إمامته في الحديث والفقه، حتى خفي على كثير من الباحثين ما لهذا الإمام من جهود ومناهج في التفسير.
ثانيًا: إظهار منهج البخاري العقدي السلفي في التفسير حيث إن الشائع عند الدارسين قصر جهود البخاري في العقيدة على رسالة (خلق أفعال العباد)، وبيان منهجه هنا يجنب الأوساط العلمية التفسيرية - لو سارت عليه - مزالق عقدية كثيرة.
ثالثًا: إنه قد كتب عن الامام البخاري وكتابه رسائل عديدة منها "الامام البخاري محدثًا وفقيهًا"، و"فقه الإمام البخاري في الصيام والحج"، و"الإمام البخاري وصحيحه"، و"سيرة الإمام البخاري"، و"الإمام البخاري إمام الحفاظ والمحدثين"، وغيرها من الرسائل، فكان من المناسب أن يكتب عن هذا الجانب المهم المنسي من كتاب الامام البخاري حتى تكتمل الصورة ناصعة عن جهود هذا الإمام العلمية.
رابعًا: إن هذا الموضوع يتناول جملة وافرة من الآيات والأحاديث والآثار وأقوال السلف العقدية والفقهية، والخلافية، مما يجعله جديرًا بالدراسة والبحث.
وتمحورت هذه الرسالة في مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة.
أما المقدمة فقد احتوت على أسباب الاختيار وأهمية الموضوع وخطة البحث ومنهج الباحث.
أما الباب الأول فقد كان عن حياة الإمام البخاري والحديث عن كتابه، وعلاقته بالتفسير ومراحل التفسير قبل البخاري كالتفسير في زمنه، وهل فسر الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل القرآن؟ ثم مراحل التفسير زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى زمن البخاري، وهل كتب ابن عباس - رضي الله عنهما - تفسيره بنفسه؟ ومن هو أول من فسر القرآن تفسيرًا مرتبًا؟
أما الباب الثاني فكان عن كيفية استعمال البخاري لعلوم القرآن تفسيرًا، وشمل ذلك منهجه في أول ما نزل، وآخر ما نزل، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والقراءات، وغريب القرآن، وكان منهجه في هذه المواضيع يجمع بين الكثرة والدقة والبراعة العلمية.
أما الباب الثالث فكان عن الأسس العامة والخاصة لمنهج البخاري في التفسير.
أما الأسس العامة ((الأصلية)): فهي تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة وأقوال الصحابة والتابعين، وتفسير القرآن اعتمادًا على اللغة العربية كالتصريف والاستشهاد بالشعر وأقوال العرب الموضحة للتفسير، وهل في القرآن ألفاظ غير عربية؟
أما الأسس الخاصة ((الفرعية)): فكانت عن منهجه في تفسير آيات العقيدة وآيات العبادات وآيات القصص، فكان منهجه في آيات العقيدة هو إحكام الردود على الخوارج والمرجئة - مرجئة الفقهاء - والقدرية والمعتزلة والكلابية والجهمية ومن سار على نهجهم واستخدم في هذه الردود بلاغةً وإحكامًا في الأدلة.
وكان منهجه في آيات العبادات هو التأصيل والتفريع فيؤصل المسائل ويفرع الأقوال، فظهرت في آيات الاحكام إمامته الفقهية وبرز إمامًا مجتهدًا متفننًا، وشمل ذلك منهجه في آيات الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغير ذلك...
وخُتِمَ هذا الباب بمنهجه في قصص القرآن، فكان منهجه هو أن يجمع غريب القصة من القرآن ثم يتبع ذلك بالمرويات الصحيحة، ويشير إلى تلك التي ليست على شرطه إشارة خفية ويظهر هنا عمقه التاريخى وبعده عن الإسرائيليات إلا في القليل النادر.
أما الخاتمة فكانت عن أهم نتائج البحث والاقتراحات، والفهارس العلمية.
ومن ضمن هذه النتائج:
١- أن الإمام البخاري جعل تفسير كتاب الله تعالى هدفًا وغاية من أهداف كتابه؛ حيث أصل ستة وخمسين كتابًا في صحيحه تأصيلًا تفسيريًا، وترجم أكثر من ألف ترجمة تفسيرية شملت الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وغريب القرآن وتفسير القرآن بالقرآن، وبأقوال الصحابة والتابعين واللغة العربية، فضلًا عن الروايات الكثيرة المنتشرة في الكتاب.
٢- أن الإمام البخاري إمام في التفسير كما هو إمام في الحديث والفقه، وكادت إمامته في الحديث والفقه أن تغطى على إمامته في التفسير؛ حيث أوشك الأئمة أن يهملوا التنويه عن هذا الجانب.
٣- أن الامام البخاري زادَ عن عقيدة أهل السنة والجماعة ضد أصول الفرق الإسلامية الكبيرة دفاعًا لا نظير له، وقد خفي ذلك على بعض الدارسين.
٤- أن المفسرين الكبار كانوا عالة على الامام البخاري في التفسير خصوصًا عند الترجيح بين الأقوال كابن العربي، والقرطبي، وابن كثير، ومن أخذ عنهم كالشوكاني وغيره، كما تظهر آراؤه ومروياته في "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي والكتب الآخذة عنه ككتب المتأخرين.
5- ظهر من خلال البحث استقلالية الإمام البخاري الفكرية والمنهجية والاستنباطية، ويظهر ذلك جليًا في مواقفه العقدية، والتفسيرية، واللغوية، والفقهية على السواء.
6- أن الإمام البخاري كان ممن يتوقى الأخذ عن الاسرائيليات في التفسير إلا في القليل النادر مثل قصة داود وسليمان عليهما السلام، وكقصة الغرانيق.
7- أن الامام البخاري له اليد الطولى في اللغة العربية من صرف ونحو وغيره، وأنه كان يأخذ المباحث اللغوية من الكتب المعتبرة التي ألفها أئمة اللغة كأبي عبيدة وأبي عبيد والفراء وغيرهم، وبهذا يرد على العلامة "العيني" ومن تبعه في اتهامهم الامام البخاري بقصر اليد في اللغة العربية.
8- لقد تبين من خلال البحث عدم صحة المقولة القائلة إن الإمام البخاري كان يقصد في تراجمه الرد على أقوال الحنفية، وذلك لموافقة البخاري الحنفية في أمور عديدة، كالتيمم بالرمل والحجر، والتيمم في الحضر، وأن التيمم يأخذ حكم الماء، وأن الإحصار يكون من كل شيء، وغير ذلك.
9- كشف البحث متانة دفاع البخاري عن عقيدة أهل السنة والجماعة ضد أصول الفرق الاسلامية الضالة كالخوارج والقدرية والمرجئة، والمعتزلة والجهمية والكلابية وغيرهم بأسلوب لا نظير له ولم تقتصر جهوده على (خلق أفعال العباد) كما يظن ذلك بعض الباحثين.
ونجد أن الكاتب جعل كتاب (صحيفة علي بن أبي طلحة) وتفسير عبد الرزاق ومجاز القرآن لأبي عبيدة ومعاني القرآن للفراء وتفسير الإمام الطبري أصولًا لتخريج ما يورده الإمام البخاري من الآثار في التفسير ثم الاعتماد مع ذلك على تخريج الحافظ ابن حجر في الفتح لهذه الآثار.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/141643/#ixzz6WEYXPA3Z