قال ابن عُثيمين رحِمَه اللهُ :
قوله تعالى: صِبْغَةَ اللَّهِ « الصِّبْغَةُ » مَعنَاهَا اللونُ؛ وقالوا: المُراد بـ صِبْغَةَ اللَّهِ دينُ الله؛ وسَمَّي «الدَّين» صِبغَةً لظهورِ أثَرهِ على العَاملِ به؛ فإن المُتدينَ يَظهرُ أثرُ الدِّينِ عليه: يظهرُ على صَفحاتِ وَجهِه، ويَظهرُ عَلى مَسلَكه، ويَظهرُ على خُشوعِه، وعلى سَمتِه، وعَلى هَيئتِه كُلِّها؛ فهو بِمَنزلةِ الصَّبغِ للثَّوبِ يظهرُ أثرُه عليه؛ وقيل: سُمَّي صِبغَةً للزومه كَلزومِ الصَّبغِ للثَّوبِ؛ ولا يَمنع أن نقولَ: إنه سُمِّي بذلك للوجهين جَميعاً: فهو صِبغةٌ للزومه؛ وهو صبغةٌ أيضاً لِظهورِ أثرهِ على العامل به. قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً : الاستفهام هنا بمعنى النفي؛ أي لا أحد أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ؛ وذلك؛ لأن دينَ اللهِ عزّ وجلّ مشتمل على المَصالح، ودرءِ المَفَاسِدِ؛ ولا يُوجد دينٌ يشتملُ على هذا إلا ما جاء من عند الله، سواء كان الدينُ الإسَّلامي الذي جاء به مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أو الأديانُ الأُخرى ما دَامت قائمةً لم تُنسخ.
قال السَّعدي رحِمه اللهُ :
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ .
أي: الزموا صِبغَةَ الله، وهو دينُه، وقوموا به قياما تاما، بجميع أعماله الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ ، وجميع عقائده في جميع الأوقات، حتى يكون لكم صبغة، وصفة من صفاتكم، فإذا كان صفة من صفاتكم، أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره، طوعا واختيارا ومحبة، وصار الدينُ طبيعةً لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة، فحصلت لكم السعادةُ الدنيوية والأخروية، لحث الدينِ على مَكارم الأخلاق، ومَحاسن الأعمال، ومَعالي الأمور، فلهذا قال - على سبيل التعجب المُتقرر للعقول الزكية-: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً أي: لا أحسن صبغةً من صبغته .
وإذا أردت أن تعرفَ نموذجا يبينُ لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصِّبَغ، فقس الشيء بضده، فكيف ترى في عبد آمن بربه إيمانا صحيحا، أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح، فلم يزل يَتحلى بكل وصف حسن، وفعل جميل، وخلق كامل، ونعت جليل، ويتخلى من كل وصف قبيح، ورذيلة وعيب، فوصفه: الصدق في قوله وفعله، والصبر والحلم، والعفة، والشجاعة، والإحسان القولي والفعلي، ومحبة الله وخشيته، وخوفه، ورجاؤه، فحاله الإخلاص للمعبود، والإحسان لعبيده، فقسه بعبد كفر بربه، وشرد عنه، وأقبل على غيره من المخلوقين فاتصف بالصفات القبيحة، من الكفر، والشرك والكذب، والخيانة، والمكر، والخداع، وعدم العفة، والإساءة إلى الخلق، في أقواله، وأفعاله، فلا إخلاص للمعبود، ولا إحسان إلى عبيده.
فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما، ويتبين لك أنه لا أحسن صبغة من صبغة الله، وفي ضمنه أنه لا أقبحَ صبغة ممن انصبغ بغير دينه.
وفي قوله: وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ بيان لهذه الصبغة، وهي القيام بهذين الأصلين: الإخلاصُ والمُتابعة، لأن " الْعِبَادَةَ " هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ: مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ ولا تكون كذلك، حتى يُشرعها الله على لسان رسوله، والإخلاص: أن يقصد العبدُ وجهَ الله وحده، في تلك الأعمال، فتقديمُ المعمول، يؤذنُ بالحصر.
وقال: وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار، ليدل على اتصافهم بذلك وكونه صار صبغة لهم ملازما.

قال صاحب تَفسيرِ المَنَارِ :
(صِبْغَةَ اللهِ) أَيْ صُبِغْنَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صِبْغَةَ اللهِ وَفِطْرَتَهُ فُطِرْنَا عَلَيْهَا ، وَهِيَ مَا صَبَغَ اللهُ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى سُنَّةِ الْفِطْرَةِ ، فَلَا دَخْلَ فِيهَا لِلتَّقَالِيدِ الْوَضْعِيَّةِ وَلَا لِآرَاءِ الرُّؤَسَاءِ وَأَهْوَاءِ الزُّعَمَاءِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - بِلَا وَاسِطَةِ مُتَوَسِّطٍ وَلَا صُنْعِ صَانِعٍ ، وَالصِّبْغَةُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ صِيغَةٌ لِلْهَيْئَةِ مِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ إِذَا لَوَّنَهُ بِلَوْنٍ خَاصٍّ (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) أَيْ لَا أَحْسَنَ مِنْ صِبْغَتِهِ فَهِيَ جِمَاعُ الْخَيْرِ الَّذِي يُؤَلِّفُ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ ، وَيُزَكِّي النُّفُوسَ وَيُطَهِّرُ الْعُقُولَ وَالْقُلُوبَ . وَأَمَّا مَا أَضَافَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ إِلَى الدِّينِ مِنْ آرَاءِ أَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ فَهُوَ مِنَ الصَّنْعَةِ الْإِنْسَانِيَّ ةِ ، وَالصِّبْغَةِ الْبَشَرِيَّةِ قَدْ جَعَلَ الدِّينَ الْوَاحِدَ مَذَاهِبَ مُتَفَرِّقَةً مُفَرِّقَةً ، وَالْأُمَّةَ الْوَاحِدَةَ شِيَعًا مُتَنَافِرَةً مُتَمَزِّقَةً (وَنَحْنُ لَهُ) وَحْدَهُ (عَابِدُونَ) فَلَا نَتَّخِذُ أَحْبَارَنَا وَعُلَمَاءَنَا أَرْبَابًا يَزِيدُونَ فِي دِينِنَا وَيَنْقُصُونَ ، وَيُحِلُّونَ لَنَا بِآرَائِهِمْ وَيُحَرِّمُونَ ، وَيَمْحُونَ مِنْ نُفُوسِنَا صِبْغَةَ اللهِ الْمُوجِبَةَ لِلتَّوْحِيدِ ، وَيُثْبِتُونَ مَكَانَهَا صِبْغَةَ الْبَشَرِ الْقَاضِيَةَ بِالشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ .

عن قتادة قال: إنّ اليهود تصبغ أبناءها يهودًا، والنّصارى تصبغ أبناءها نصارى، اما صبغة الله فهى الإسلام، ولا صبغة أحسن من صبغة الإسلام ولا أطهر، وهو دين الله الّذي بعث به نوحًا ومن كان بعده من الأنبياء.
فقول الله تعالى (صِبْغَةَ اللَّهِ) ، أي: اطلبوا ” صِبْغَةَ اللَّهِ ” وهي الدين والإسلام، لا صبغة هؤلاء المنحرفين، الضالين، المشركين، الذين يفترون على الله الكذب،
والزموا صبغة الله، وهو دينه، فقوموا بذلك قياماً تامًّا على الوجه المطلوب بجميع أعماله الظاهرة والباطنة، بعقائده، وشرائعه، وعباداته المتنوعة كي يكون لكم صبغة تتميزون بها عن غيركم؛ من أجل أن يكون ذلك رسماً ووصفاً ثابتاً لا يفارقكم،
فإذا كانت تلك المعاني ثابتةً راسخةً في قلوب أصحابها فإن ذلك لابد أن يظهر على الوجوه، والألسن، والأعمال شاء أصحابها أم أبوا؛ لأن ذلك بمنزلة الصبغ الذي يصبغ به الثوب أو الشيء، فيكون الدين طبيعةً وسجيةً تلازمهم في كل أحوالهم، في نومهم، ويقظتهم، وسفرهم، وإقامتهم، في حال مزاحهم، وجدهم، وما إلى ذلك، فهو لا يفارقهم بحال من الأحوال، وعندها تحصل لهم السعادة الدنيوية والأخروية، وبذلك يتميزون عن غيرهم.
فدين الاسلام يدعو إلى الإيمان، والأعمال الصالحة، ومكارم الأخلاق، والعفة في الألسن، ويدعوهم إلى كل قولٍ جميل، وإلى كل فعلٍ جميل، فإذا كان ذلك الإيمان صحيحاً مستقرًّا في القلوب فإن ذلك ما يلبث أن يظهر على أصحابه، فإذا دخل الرجل في الإسلام فإن ذلك يعني أنه يتحول بكليته، في ظاهره، وفي باطنه، في أخلاقه وتعامله، في سمته وهديه، فيشرق وجهه، ويستنير، وتظهر آثار الإيمان وأنواره على ذلك الوجه بعد أن كان مظلماً بظلمة الكفر والمحادة لله – تبارك وتعالى

ومن أحسن من الله صبغة يصبغ عباده بالإيمان ويطهّرهم به من أوساخ الكفر، فلا صبغة أحسن من صبغته.
فهذه الصّبغة إذن : هي الإيمان الّذي يطهّرنا من الكفر، والحقّ الّذي يدفع عنّا الباطل، والشّرع الّذي يبيّن لنا الحدود، والخُلق الّذي يبعدنا عن الفسوق، والعبادة الّتي تسمو بها الأرواح ،وتزكو بها النّفوس،
وهذه الصّبغة هي صبغة كلّ مؤمن؛ أيّ يجب أن يصطبغ بها كلّ مسلم في آرائه وأفكاره، وسلوكه وأخلاقه، وأذواقه واهتماماته، وهذا هو المقصود بالحديث الذي روي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ ”

إن الفطرة هي دين الإسلام، ودين الإسلام هو الدين الذي اصطفاه الله -عز وجل- واختاره للعالمين، وهذه الصبغة هي الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفة ربها، ومعبودها،
وخالقها -جل جلاله وتقدست أسماؤه.
فاصطبغت هذه القلوب بمحبته، والإخلاص له، وعبادته وحده لا شريك له، وصبغت الأبدان بعبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دون الله -

فظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء، وعلى أبدانهم، وألسنتهم.
وأيضاً فيما يتصل باللسان من الصدق، والعدل في الأقوال، والذكر، وقراءة القرآن، إلى غير ذلك مما يصدر عن اللسان.
إضافةً إلى أعمال الجوارح كلها، مع الكف عن كل ما لا يليق مما يخالف أمر الله وشرعه، وبهذا يصطبغ فكر الإنسان، وعقله، ومشاعره، وتصوراته، وآماله، وأهدافه، وسلوكه، وأعماله بالصبغة الإلهية.
وذلك هو مفهوم العبودية بمعناها الواسع أن يكون المؤمن عبداً لله -عز وجل- بظاهره وباطنه، وذلك لا يكون إلا بمعرفة الإسلام الحق الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- معرفة صحيحة مستمدةً من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- على فهم السلف الصالح -رضي الله عنهم-.

ولا يكون ذلك إلا بتحقيق التوحيد ظاهراً وباطناً، لا يكون ذلك إلا بتوحيد مصدر الهداية، والتلقي، والنظر، والاستدلال، لا يكون ذلك إلا بالعمل بشرائع الدين.
أما دعوى الإيمان وحدها فإنها لا تكفي، بل لابد من إيمانٍ راسخٍ، وعمل ظاهر هو جزء من هذا الإيمان، فالإيمان قول وعمل، وكذلك أيضاً أن يكون ذلك تربيةً يتربى عليها أهل الإيمان، وتزكيةً لنفوسهم،
أما أن يبقى الإيمان دعوة يدعيها كل أحد، ثم إذا نظرت إليه لا ترى أثراً لهذا الإيمان في سلوكه، في عمله، في تعامله، معاملاته، في أخلاقه، على لسانه، في عباداته وجوارحه، لا يعرف الله، عفيف الجبهة، لا يسجد، ولا يصلي، ثم هو بعد ذلك يتشبه بأعداء الله -تبارك وتعالى-، فلا يُميَّز هل هذا بوذي، أو نصراني، أو يهودي، وإنما يحتاج إلى سؤاله ليُعرِّف بنفسه، هل أنت من المسلمين أو لا؟
فمثل هذا لم يصطبغ بهذه الصبغة؛ وذلك لأن الإيمان قد ضمر في باطنه فانكمش من ظاهره، وذهبت أنواره وآثاره، فلم يعد يُميَّز عن غيره من الناس ممن لم تستنر قلوبهم، ولم تهتدِ بهدى الإسلام.

ونحن في كل ركعة نتلوا قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
فالذين خالفوا هذا الصراط من غير أهل الإنعام لا تخلو حالهم، إما أن يكون هؤلاء ممن عرفوا الحق فتركوه فهم أهل الغضب،
وإما أن يكون هؤلاء قد ضلوا عن الحق لجهلهم، ل.
أما الذين انعم الله عليهم بصبغة الاسلام فهؤلاء هم الذين هداهم الله -عز وجل- فلزموا الصراط المستقيم الذي رسمه الله -عز وجل- لعباده من أجل سلوكه.
وهذا الصراط هو الذي قال الله -تبارك وتعالى- فيه:
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة: 132.

هذا هو الصراط المستقيم، الطريق الوحيد الموصل إلى الله -تبارك وتعالى-، فاللائق، بل الواجب على من هداه الله -عز وجل- لهذا الدين وميزه عن هؤلاء الضالين، وأهل الغضب أن يحقق ذلك في باطنه،وفي لسانه، وجوارحه،، وأن يكون له من الهدي، والسمت ، وأن يكون له من الأخلاق والاداب ما يتميز به عن المخالفين لهدى المرسلين

فأهل الإيمان حياتهم كلها لله
قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين

( صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً )

فينبغي على العبد أن يستكثر من شرائع الإيمان، وأن يعمل على تحقيقها ظاهراً وباطناً؛ من أجل أن يصطبغ قلبه وباطنه بنور الله -تبارك وتعالى- وبصبغته، ومن أجل أن يصطبغ لسانه، وتصطبغ جوارحه، وذلك لا يكون بحالٍ من الأحوال إلا عندما يتغلغل هذا الإيمان فيتشربه قلب العبد فيصفو، ويزكو، ويشرق، وينير.
وهنا تظهر عليه الينابيع من الخير، والمعروف، والبر، فيكون رحمة على الناس،
فهؤلاء هم أصحاب الصبغة الإلهية، الصبغة الربانية التي اصطبغوا بها في ظاهرهم وباطنهم، فتخلصوا من الإشراك، والبدع، والضلالات، والأهواء، ولم يكن أحدٌ منهم عبداً لغير الله -جل جلاله-.
فمن اصطبغ بصبغة الاسلام : لا تستعبده الشهوة، ولا يستعبده الهوى، ولا يستعبده المال ، وإنما يكون عبداً لربه، وخالقه، ومولاه، يكون عنده من القناعة والرضا القلبي ما لا يجعله ذليلاً حقيراً يسعى خلف نفسٍ لا تشبع، تطلب من هذا الحطام، وهي تشعر بفقرٍ يلازمها، لو أُعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة ،
قال ابن القيم -رحمه الله-:

“في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته.
وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته.
وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه.
وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه.
وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه.
وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته، والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أُعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبدًا ).