عولمة الملابس··· وارتداء المرأة للبنطال
محمود محمود النجيري


امتنَّ الله سبحانه على عباده بنعمة الثياب التي يتجمل بها الإنسان ويستر عورته، يقول سبحانه: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذَّكرون) الأعراف:26·
ولا شك أن الملابس مع تقدم الإنسان في الحضارة ـ صار لها فلسفتها، فلم تعد تقتصر على ستر العورة فقط، وإنما تعتبر خصوصية ثقافية، ورمزاً محسوساً على تفرد كل أمة، لذا نجد لكل قوم لباساً يعتزون به، وزياً يحقق لهم التميز والتوحد·
ومعلوم أن الإسلام لم يفرض على أتباعه زياً معيناً يتزيون به، وإنما اشترط التستر، وحرّم على المرأة أن تُبدي شيئاً من جسدها أو تبرز زينتها حتى لا تكون سبب فتنة في المجتمع، كما أمر المسلمين بعدم التشبه بغير المسلمين في أزيائهم، قال الله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) النور:31، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >من تشبه بقوم فهو منهم<(1)·
وذكر علماؤنا عن لباس المسلمة أنه ينبغي أن يميزها عن غير الشريفة، فيكون لباس عفة وحشمة ووقار، لا ضيقاً يصف، ولا خفيفاً يشف، حتى لا يتعرض لها من في قلبه مرض كما قال الله تعالى: (يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً) الأحزاب:59·
أي أن إدناء المسلمة الجلباب على جسدها أقرب إلى أن يُستدل به على أنها عفيفة شريفة، فلا يقترب منها أصحاب الأهواء، ولا ينالها لسان ولا يد بسوء·
صرعة البنطال
ظاهرة غريبة تفشت في بعض مجتمعات المسلمين، وهي ارتداء كثير من النساء للبنطال في الشوارع والمتاجر وأماكن الترفيه والعمل حتى صارت صرعة تنتشر انتشاراً سريعاً من مكان لآخر وكأنها صرخة شيطان هوى بها في آذان أهل الأرض فاتبعه هؤلاء كما قال الله تعالى: (إن يَدْعُون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً· لعنه الله وقال لاتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً· ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغرين خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً) النساء:117 ـ 119·
وتبين هذه الآية الكريمة أن الشيطان اللعين تعهد بأن يقتطع نصيباً من بني آدم، يضلهم ويمنيهم الغرور، ويأمرهم بتغيير خلق الله عز وجل، ومن ذلك التغيير لبس النساء ملابس الرجال، فتصير المرأة بذلك من المسترجلات·
ولهذا البنطال أنواع متعددة منه >الجينز< الأميركي و>شل ستون< الفرنسي، الذي يضيق من أعلى حتى الركبة فيصف العورة، ويتسع عند القدمين وينجر على الأرض، ومنه >جيب شورت< وهو بنطال قصير واسع، ومنه >ستريتش< مطاطي يلتصق بالجسم فيظهر معالمه، و>تي شورت< وهو بنطال قصير إلى منتصف الساقين··· وهذا ما تلبسه المرأة اليوم، ويلبسه الرجل أيضاً، حيث لم يعد من الممكن التفريق بين بنطال الرجل وبنطال المرأة!·
وبعض موديلات البنطال تصنع بحيث ينتهي عند أسفل السرة، ثم تلبس المرأة تنورة قصيرة يظهر معها جزء من بطنها وظهرها، وبعض الأقمشة التي يصنع منها البنطال النسائي لها خاصية الالتصاق بالجسم وتسمى >الاستريتش< فتظهر معالم الجسد تماماً، وقد تشف عما تحتها، فتكون سبب فتنة شديدة، بدلاً من أن تكون ستراً·
وبعض النساء يلبسن البنطال الضيق ليتباهين برشاقتهن، والسمينات لا يستحين من إبراز ضخامة سيقانهن، وكذلك العجائز، فيثرن السخرية من مظهرهن المتصابي·
وهناك بعض من يرتدين البنطال والقميص القصير ويضعن خماراً على رؤوسهن، وهذا عجيب أن يجتمع لبس الخمار والبنطال معاً! فلا ندري لماذا سترت شعرها بخمار، وأبرزت معالم جسدها بالبنطال؟!
والمؤسف له أن بعض المتنقبات يلبسن عباءة مفتوحة من أمام، وقد تكون الفتحة كبيرة، فيظهر البنطال في حال المشي محدداً للسيقان، ولافتاً للأنظار، وربما تكون العباءة شفافة ترى العيون المتفحصة ما تحتها، فتصير المرأة كاسية عارية، وكأنها لا تلبس إلا البنطال· وبعض البناطيل تشتريها النساء جاهزة، وبعضها يفصلنه عند خياط، ويحرصن على أن يكون الخياط رجلاً، لأن النساء ـ فيما يقال ـ لا يحسنَّ تفصيل الثياب كالرجال، ويمد الخياط يده ليأخذ المقاس ويلمس جسدها، وهذا ما لا يجوز شرعاً ولا خلقاً!·
وقد تخلع المرأة وتلبس كثيراً في المحال التجارية حتى تستقر أخيراً على البنطال المطلوب، وتستثير الباعة في جمال البنطال، كما أنها تجري تجربه عند التفصيل، قبل أن ترضى عنه رضاء نهائياً، فيعاين الحائك صناعته، ويبدي رأيه في كل جزء من أجزاء البنطال، وهي تطلب منه أن يوسعه أو يضيقه، أو يطيله أو يقصره ولا يصح هذا لمسلمة صالحة متمسكة في دينها!·
لماذا البنطال؟
انتشار ارتداء المرأة البنطال في بلادنا دليل على ضعف في العقيدة عند كثير من النساء، وتشوه في الوعي الديني، وغلبة نزعة التشبه بالغرب، وفقدان الإحساس بالخصوصية، والانتماء لحضارة الإسلام بما عرف عن المسلمين في تاريخهم من أزياء سابغة تدل على العناية بالأخلاق والحشمة والوقار والتستر·
ومن المؤكد أن الفضائيات والمجلات النسائية التي تنبع من الغرب وتنتشر في العالم، ساعدت على انتشار هذا اللباس الفاحش، فالأزياء الغربية تهاجمنا وتقتحم علينا حياتنا، وتجد من الكثيرين رغبة في المحاكاة دون تفكير، والحضارة الغربية حددت صورة الرجل المثالي >الجنتلمان< والمرأة المثالية، وأرادت توحيدها في العالم كله، وهي تسعى لفرض أزيائها فيما يمكن أن يسمى عولمة الثياب·
ومن عجب أن نسمع فتاوى لبعض المنتسبين للعلم تبيح للمرأة ارتداء البنطال والصلاة فيه، حتى رأينا بعض النساء يذهبن إلى المساجد للصلاة وهن يرتدين البنطال، وفي صلاة العيدين يُرى من ذلك الكثير الكثير!·
الجلباب بديلاً عن البنطال
ارتداء المرأة البنطال في بيتها كان حتى وقت قريب يعد منقصة، وقدحاً في مروءتها، فما بالنا نرى اليوم كثيراً من النساء تجرأن بل اعتدن ارتداء البنطال خارج بيوتهن، ثم إن لمرأة من الجيل الماضي كانت تستحي أن تلبس ذلك أمام محارمها، فصارت الآن ترتديه من دون خجل، وقمصاناً قصيرة في كل مكان، تزاحم الرجال دون أن تستحي من نظراتهم الحادة إلى مفاتنها، بل ربما تزهيها نظرات الإعجاب الجائعة التي هي سهام مسمومة من سهام إبليس·
والأكثر عجباً أن ترى الرجل يصاحب زوجته أو ابنته ليشتري لها بنطالاً ضيقاً، وتسير في الطريق إلى جواره تلاحقها نظرات الرجال، وهو لا يشعر بالغيرة على عرضه، ولربما يزدهيه هذا الإعجاب بابنته أو زوجته، وكأنها سلعة يعرضها على أعين المارة!·
ولا ريب أن المرأة التي ترتدي البنطال تثير شهوة الرجال، وتجعل من الشباب العابث يتتبعها ويعاكسها، وقد يندفع للاعتداء عليها، فارتداء البنطال ليس عنواناً على العفة، بل عنوان على التحلل من الخلق القويم، وكأنه دعوة سافرة من صاحبته إلى الطمع فيها، والله عز وجل حذَّر المرأة من لينها في الكلام حتى لا يجعل أصحاب الأهواء يطمعون فيها فقال: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) الأحزاب:32 وكم من فتاة خطفت وانتهك عرضها بسبب ارتداء البنطال أو الملابس الضيقة!
ومن هنا كان طبيعياً أن نرى العفيفات من النساء يرفضن ارتداء البنطال، أما صاحبات الهوى، فهوين في شراكه حتى لم يعدن يرتدين إلا البنطال، ويدعين أنه أكثر راحة لهن، وهذا منقصة للمروءة·
وليس غريباً أن نرفض عولمة الثياب لأنها تشبه بغير المسلمين ومحاكاة لهم في خصوصياتهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم، ومعلوم أن المرأة الغربية هي التي لبست البنطال في الشارع وفي المكاتب، لأن لها حرية مطلقة في لباسها لا يحكمها في هذا دين ولاخلق ولا عرف اجتماعي· ولا يجادل أحد في أن ارتداء البنطال حتى وقت قريب كان عنواناً على أن المرأة أجنبية أو متفرنجة، وكان هذا المشهد نادراً ما يُرى في بلادنا نحن المسلمين، إلى أن صار كالنار تنتشر في الهشيم، ولا ينجو منها إلا قليل من النساء اللواتي يحفظن عفتهن ويخفن الله تعالى في أنفسهن، ويجدن في أزواجهن وآبائهن ناصحين ومربين·
وغير خاف أن كلمة >بنطال< نفسها غير عربية، عرَّبها بعضهم بكلمة >بنطال< ويقابلها قديماً >السروال<، وهي كلمة فارسية معربة كما في القاموس المحيط، وما لبس الرسول صلى الله عليه وسلم >السراويل<، لكن أذن لأصحابه في لبسها وكان غالب لبسه الإزار·(2)
ودليل ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل<(3)، وروى مالك بن عميرة الأسدي قال: >قدمت قبل مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترى مني سراويل<(4)·
والثابت أن النساء كن يلبسن أيضاً الأُزر، وهي الملاءات والملاحف، روى البخاري أن عائشة كانت تقول: لما نزلت هذه الآية: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) النور:31، أخذن أُزرهن فشققنها من قِبَل الحواشي فاختمرن بها< الإزر ههنا: الملاءة·(5)
وثبت في الصحيح >لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال<، وفيه أيضاً: >لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء<(6)·
وروى أبوداود بسند صحيح عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: >لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل<·
وقد حدد الله سبحانه لباس المرأة في القرآن الكريم بالجلباب، وأمر بإدنائه، أي أن تنزله المرأة حتى يستر قدميها، بقوله تعالى: (يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) الأحزاب:59·
ومع الجلباب أمر القرآن الكريم المرأة أن تختمر بخمار، وتطيل هذا الخمار حتى يستر صدرها وعنقها، بقوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينهن إلا لبعولتهن أو آبائهن···) النور:31·

فأين البنطال من ذلك؟ ولا يعني هذا أننا نحرِّج على المرأة في لبس البنطال، بل لها أن تلبسه في بيتها، وأسفل جلبابها عند الخروج من البيت، وللطفلة الصغيرة أن تلبس البنطال قبل بلوغها، والأفضل أن تُدرب في الصغر على ارتداء الجلباب والخمار، وأن ترغَّب في ذلك، وتعرف فضله، وترى في نساء قومها قدوة حسنة يشجعنها على أن تتجه بفطرتها إلى الاحتشام في الملبس والكلام، يقول الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) التحريم:6·
الهوامش
1 ـ رواه أحمد·
2 ـ انظر فتح الباري، طبعة العبيكان، 10/284، زاد المعاد، مؤسسة الرسالة، ط3، 1419هـ، 1/134·
3 ـ رواه البخاري·
4 ـ رواه أحمد·
5 ـ فتح الباري، طبعة العبيكان، 8/357·
6 ـ الحديثان في صحيح البخاري·