صور محظورة من الزواج المختلط

سميرة بنصديق



مما لا شك فيه أن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي يحرص عليها الإسلام· وعقد الزواج إنما يعقد للدوام والتأييد إلى أن تنتهي الحياة ليتسنى للزوجين أن يجعلا من البيت مهداً يأويان إليه وينعمان في ظلاله الوارفة بنعمة الاستقرار والسعادة، ومن أجل هذا كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات وأوثقها، وليس أدل على قدسيتها من أن الله سبحانه وتعالى سمى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ، قال تعالى في سورة النساء: (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً)·
وفي إطار اهتمامه بالزواج وما يترتب عليه من نتائج وآثار، بيّن الإسلام موانع الزواج التي تمنع المسلم من الاقتران بنساء معينات أو في حالات محددة لما قد ينتج عن هذا الاقتران من أضرار سلبية تتعارض ومقاصد الشرع الحكيم·
وإذا كانت موانع الزواج تنقسم إلى قسمين: موانع مؤبدة لا يمكن أن تزول وأخرى مؤقتة تمنع الزواج مادامت قائمة وتبيحه في حال ارتفاعها، فإن ما يعرف في الاصطلاح الحديث بالزواج المختلط، أي الزواج بالأجنبيات يدخل في بعض صوره ضمن الموانع المؤقتة، كما أن الزواج المختلط يتنوع بدوره إلى نوعين: الزواج المختلط الأصلي >مثل زواج المسلم بالكتابية< والزواج المختلط الطارئ >مثل إسلام زوج الكتابية< وهو بشطريه يشتمل على عدة صور منها ما هو جائز في حق المسلم ومنها ما هو محظور·
ولما كان الزواج المختلط قد أضحى في عصرنا هذا يشكل ظاهرة لافتة للانتباه خاصة في صفوف أبناء الجاليات والأقليات المسلمة في الغرب فإن المشكلات والانعكاسات السلبية التي يطرحها هنا وهناك قد أمست تتفاقم بحدة وتزداد تعقيداً خاصة على مستوى وقوع الكثير في الصور المحظورة من الزواج المختلط مما جاء منهياً عنه في الشريعة الإسلامية، ولذلك نقتصر في هذه العجالة على إيضاح وبيان هذه الصور المحظورة حتى يتنبه إليها من يهمه الأمر·
ويمكن تلخيص الصور المحظورة من الزواج المختلط في الحالات التالية:
الحالة الأولى
تحريم زواج المسلمة بغير المسلم، وهذا أمر أجمع عليه المسلمون استناداً إلى قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنَّ حل لهم ولا هم يحلونَّ لهنَّ) الممتحنة:10·
والحكمة من تحريم زواج المسلمة بغير المسلم، هو أن الإسلام يأبى أن يكون المسلم تحت سلطان الكافر لأن عقد الزواج يستلزم أن يكون للرجل حق الطاعة والقوامة على المرأة، ونص الفقهاء أيضاً على أن الكافر قد لا يتحرج من سب دين زوجته المسلمة وتسفيه عقيدتها وقد يؤثر عليها فتنخلع من ربقة الإسلام، كما أن الأولاد يتبعون آباءهم في الدين والنسب وكل هذه الحيثيات جعلت الشارع الحكيم يمنع ويحظر هذه الحالة من الزواج·
الحالة الثانية
تحريم زواج المسلم بالمشركة، والمقصود بها المرأة التي لا تعتنق ديناً سماوياً، ويدخل في هذا المسمى كل من المرأة الوثنية التي تعبد الأوثان والأصنام مثل البوذيين والمجوس والبراهمة عبدة البقر، والملحدة التي تجحد الأديان كالشيوعية·
والحكمة من تحريم الزواج بالمشركة هو كونها تختلف عن المسلم اختلافاً بيناً في العقيدة مما يحول دون أي التقاء أو اتفاق يسمح بالسكن والمودة والرحمة التي هي من مقاصد الزواج·
الحال الثالثة
إسلام زوج المشركة، إذ لما كان المسلم لا يجوز له الزواج بالمشركة، فإنه إذا أسلم الرجل وكان في عصمته امرأة مشركة توجب عليه عرض الإسلام على الزوجة، فإن أسلمت أبقى عليها وإن امتنعت وعارضت لزمه فراقها·
الحالة الرابعة
إسلام زوجة الكتابي أو المشرك، وهذه الحالة تنبني على القاعدة المقررة وهي أن المسلمة لا يمكن أن ينعقد زواجها على غير المسلم، ولذلك فإنه إذا أسلمت الزوجة ورفض زوجها ـ كتابياً كان أو مشركاً ـ الدخول في الإسلام، فإنه يجب التفريق بينهما عند انتهاء عدة الزوجة التي هي استبراء من ماء الزوج الكافر بعد إسلام الزوجة·
الحالة الخامسة
ردة أحد الزوجين لأن إعلان أحد الزوجين ارتداده عن الإسلام يجعل الطرف الآخر مرتبطاً بزوج خارج عن الدين، وهو ما يستلزم التفريق بينهما بطلقة بائنة، والدليل على تحريم زواج المرتد أو المرتدة قوله تعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر< الممتحنة:10، وقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمِنَّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) البقرة:221·
إن الباعث من وراء التنبيه إلى هذه الصور المحظورة من الزواج المختلط هو كون كثير من المسلمين الذين يهاجرون إلى الغرب للعمل أو لطلب العلم تتفشى بينهم ظاهرة الزواج بالأجنبيات، فيقع بعضهم في الممنوع شرعاً طمعاً في تحقيق أغراض ومصالح شخصية كالحصول على الجنسية أو الطمع في ثروة المرأة الأجنبية أو غير ذلك من الإغراءات التي تجعل الواقع فيها لا يستحضر الدين والضوابط الشرعية·