صدر حديثًا كتاب "الذخر الحرير بشرح مختصر التحرير"، تأليف: الإمام الفقيه الأصولي "أحمد بن عبد الله بن أحمد البعلي الحنبلي" (ت 1189 هـ)، تحقيق: "وائل محمد بكر زهران الشنشوري"، تقديم: أ.د. "أحمد منصور آل سبالك"، من منشورات "دار الذخائر"- "المكتبة العمرية".
وكتاب "الذخر الحرير بشرح مختصر التحرير" هو شرح على "مختصر التحرير" للشيخ تقي الدين محمد بن أحمد بن النجار الفتوحي، الذي اختصره بدوره من كتاب "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للمرداوي، وهو في علم أصول الفقه على مذهب الحنابلة.
وقد ألف البعلي الكتاب في شهر رجب من سنة 1275 هـ.
وأما سبب تأليفه للكتاب فيقول "البعلي" في مقدمة الشرح:
«... لما رأيت الكتاب الموسوم "بمختصر التحرير" للشيخ الإمام العالم تقي الدين محمد بن أحمد بن النجار الفتوحي، اختصره من "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للشيخ الإمام المنقح علاء الدين المرداوي رحمهما الله تعالى، مشتملًا على قواعد كثيرة، وفوائد عظيمة ومع ذلك شرحه مصنفه - أي الفتوحي - شرحًا عظيمًا (يقصد شرح الكوكب المنير)، لكنه أطال في بعض المواضع، وترك أخرى بلا حل لمعانيها، رغبت أن أشرحها شرحًا مختصرًا تسهل قراءته، لكون بعض أسيادي سألني ذلك، ولا يسعني مخالفته، فأجبته لذلك مستثنيًا لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الكهف: 23، 24] مع عجزي واعترافي بالقصور من رتبة الخوض في تلك المسالك، واستخرت الله تعالى وطلبت منه المعونة والتدبير، وسميته "الذخر الحرير بشرح مختصر التحرير" وأسأل الله النفع به كما نفع بأصله».
ومن ثم يتضح منهج المؤلف في الكتاب في تلك العبارات حيث:
• أن البعلي قد وضع كتابه هذا بعد ظهور "التحبير" للمرداوي، و"الكوكب المنير في شرح مختصر التحرير" لابن النجار، حيث أخذ ما في الشرحين من محاسن ودرر، وخرج بزبدة مصفاة لما في الشرحين في هذا المختصر.
• أنه قام بشرح "المختصر" بعبارة سهلة سلسة راعى فيها عدم الصعوبة، مع تفصيل المسائل وعدم إدراجها ضمن بعضها بحيت يسهل تمييزها وهي أهم عيوب شرح ابن النجار التي حاول تلافيها في هذا الشرح.
• أنه قام بفك عبارات "المختصر" عبارة عبارة، حتى أن الناظر يجده يفك العبارات الواضحة أيضًا، لتيسيره لطلبة العلم المبتدئين لا المتوسطين.
• أنه جعل عبارات الشرح بين عبارات "المختصر"، وذلك لبيان وتوضيح ما يمكن أن يشكل على القارئ.
• ذكر الخلافات والأدلة والترجيح في كثير من المسائل.
• يذكر عديد من الفوائد والتنبيهات وهي غالبًا ما تكون مسائل متعلقة بالمسالة المذكورة في المختصر ولم توجد في المختصر فيذكرها البعلي على شكل فائدة وقد تكون بيان إشكال في المسالة.
• أورد في عديد من المسائل كلام العلماء الآخرين وأرائهم نصًا.
• رتب شرحه ترتيبًا يوضح علاقة المسائل بعضها ببعض، يجعل أحدها في فائدة أو تنبيه، إذا كان بين المسالتين تشابه أو يُرد شرح إيضاح لها.
• يذكر الخلاف في بعض المسائل مع أدلة كل قول في الغالب، كما فعل في مسألة كلام الله تعالى هل هو متعلق بمشيئته أم لا.
• يذكر روايات الإمام أحمد في بعض المسائل في الغالب سواء كانت المذهب أم لا، كما فعل في مسألة البسملة هل هي من الفاتحة أم لا.
ومن محاسن الكتاب:
1- أنه يبين سبب الترجيح عندما يرجح في مسألة ما.
2- أنه يذكر أمثلة واستدلالات عديدة مما يسهل على القارئ الفهم.
3- أن الكتاب فيه عرض للمسائل باختصار غير مخل.
4- سهولة العبارة ووضوحها.
وقد استقى الكاتب مادته من الشروح السابقة إلى جانب العديد من المصادر منها: "أصول الفقه" لابن مفلح، و"الواضح في أصول الفقه" لابن عقيل، و"المسودة" لآل تيمية، إلى جانب كتاب "التحبير" للمرداوي، و"شرح الكوكب المنير" لابن النجار.
وقد قام المحقق بتحقيق متن الكتاب على نسخة الخطية، مراعيًا الفروق بينها، معلقًا على غمض من ألفاظ الإمام البعلي، ومخرجًا لأغلب المسائل الواردة في الشرح.
والمؤلف: هو شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن مصطفى الحلبي الأصل البعلي الدمشقي، (1108هـ - 1189هـ = 1697م - 1775م) هو مفتي وفقيه حنبلي المذهب، رياضي عالم بالفرائض، أصله من حلب، ومولده ومنشأه ودراسته في دمشق. اشتهر في بعلبك ونسب إليها. وقد كان البعلي زاهدًا متواضعًا، وكان يأكل من كسب يمينه في حياكة الألاجة (وهي صناعة نسيج لأثواب الرجال معروفة في دمشق).
ولد بدمشق 8 رمضان سنة 1108 هـ، ونشأ بها في كنف والده وتلا القرآن الكريم، ثم شرع في طلب العلم مشمرًا عن ساق الاجتهاد، فأخذ التفسير والحديث والفقه عن والده الجمال عبد الله بن أحمد البعلي، وعن خاتمة المسندين الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة بدمشق، وعن حفيده الشيخ محمد بن عبد الجليل المواهبي، والشيخ عبد القادر بن عمر التغلبي، والشيخ عواد بن عبيد الكوري، والشيخ مصطفى بن عبد الحق اللبدي، وغيرهم. وأخذ التفسير والحديث وباقي العلوم عن جماعة كالأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي، والشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي.
وقد حج سنة 1165 هـ، وذهب إلى المدينة المنورة في نفس السنة، ودرس فيها على الشيخ الإمام جعفر بن حسن بن عبد الكريم البرزنجي، ودرّس في المسجد النبوي. كما أنه درّس في الجامع الأموي، وفي شهر شوال سنة 1188 هـ تولى إفتاء الحنابلة في دمشق.
تتلمذ عليه جمع من العلماء منهم:
• محمد شاكر.
• إبراهيم الجديد.
• سليم العطار.
• أحمد بن عبيد العطار.
• محمد كمال الدين الغزي.
صنف كتبًا في الحساب والفرائض والفقه، منها:
• الروض الندي شرح كافي المبتدي - في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل. أشرف على طبعه وتصحيحه: الشيخ عبد الرحمن حسن محمود، من علماء الأزهر. كما اعتنى به تحقيقًا وضبطًا وتخريجًا نور الدين طالب. وهو شرح لكتاب (كافي المبتدي) متن مشهور لدى الحنابلة، كثر تداوله، وعمَّ ذكره، وذاع صيته، وهو من تأليف شيخ الحنابلة، الإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الخزرجي الدمشقي، المتوفى سنة 1083 هـ.
• منية الرائض لشرح عمدة كل فارض. وهذا هو عنوان الكتاب كما جاء في النسخة التي بخط المؤلف. وجاء في النسخة الثانية والتي هي بخط تلميذه بعنوان: (منية الرائض بشرح عمدة كل فارض) والصواب الأول؛ لأنه العنوان الوارد في النسخة التي بخط المؤلف، وهو أعلم بالعنوان الصحيح لكتابه. وقد أخذ بهذا العنوان كل من ترجم للشيخ أحمد بن عبد الله البعلي.
• الذخر الحرير في شرح مختصر التحرير.
توفي بدمشق ليلة السبت السادس عشر من محرم سنة 1189 هـ. وصلي عليه في الجامع الأموي، ودفن بباب الصغير، بالقرب من مدفن بني الدسوقي.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/141623/#ixzz6W7pyTBk3