تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها

    قال الامام محمد ابن عبد الوهاب فى الاصول الثلاثة
    (فَإذَا قِيلَ لَكَ: مَا الأُصُوْلُ الثَّلاثَةُ الَّتِي يَجبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُها؟
    فَقُلْ: مَعْرِفَةُ العَبْدِ رَبَّهُ، وَدِينَهُ، وَنَبيَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
    الشرح
    هذه الأصول العظيمة الثلاثة هي أصول الدين.
    والأصول جمع أصل ، وهو ما ينبى عليه الشيء.
    فمن لم يقم أصول الدين فدينه ليس له أصل .
    وأصول دين الإسلام هي هذه الثلاثة وهي راجعة إلى معنى الشهادتين.
    فمعرفة العبد ربه هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وهو الأصل الأول.
    ومعرفة العبد نبيه صلى الله عليه وسلم هي مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وأما دين الإسلام فهو الرسالة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم.
    فهٰهنا ثلاثة أمور: مرسِل، ورسول، ورسالة.
    فالمرسل هو الله جل وعلا.
    والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم.
    ورسالته هي دين الإسلام.
    فالدين لا يقوم إلا على هذه الأصول الثلاثة، فهي أصول الدين.
    ولذلك فإن هذه الأصول هي التي يسأل عنها العبد في قبره
    كما في سنن أبي داوود وغيره من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الميتَ ليسمع خَفْق نعالهم إذا وَلَّوْا مدبرين حين يقال له : يا هذا، مَنْ ربُّك ؟ وما دِينُك ؟ ومن نَبِيُّكَ)).
    ومسائل الدين كلها ترجع إلى هذه الأصول الثلاثة.[شرح ثلاثة الاصول للداخل بتصرف]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها

    الأصل الأول وهو معرفة العبد ربه جل وعلا
    بيان معنى (الرب)
    قوله: (فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟
    فَقُلْ: رَبِّيَ اللهُ الَّذِي رَبَّانِي، وَرَبَّى جَمِيعَ العَالَمِينَ بنِعْمَتِهِ، وَهُوَ: مَعْبُودِي لَيْسَ لِي مَعْبُودٌ سِوَاهُ.
    وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {الحَمْدُ لِلَّهِ رَب العَالَمِينَ} [الفاتحة:2]،
    وَكُلُّ مَن سِوَى اللهِ عَالَمٌ، وَأَنَا وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ العَالَمِ).

    قوله: (فَإِذَا قِيلَ لَكَ: مَنْ رَبُّكَ؟ )

    هذا شروع في بيان الأصل الأول ،
    وهو معرفة العبد ربه جل وعلا.

    والرب هو الجامع لجميع معاني الربوبية من الخلق والملك والإنعام والتدبير والتربية والإصلاح
    فالربوبية في اللغة تشمل هذه المعاني كلها.
    - فهو الخالق العظيم والخلاق العليم الذي خلق كل شيء ،
    ومن معاني (الرب) في لسان العرب: المالك؛ فرب الشيء هو مالكه، ورب الدار: صاحبها ومالكها، ورب الإبل: مالكها.
    ولا يطلق هذا اللفظ بغير الإضافة إلا على الله عز وجل، فهو الرب وحده.
    والله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، لا يخرج شيء عن ملكه،
    فهو مالك كل شيء، وبيده ملكوت كل شيء، فله جميع معاني الملك،

    وهذا مما يوجب توحيده جل وعلا بالعبادة، وطاعته فيما يأمر به،وينهى عنه.
    ولذلك أنكر الله تعالى على من يعبد غيره فقال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا}
    وبقية المعاني العظيمة للربوبية العامة من الإنعام والإصلاح والتربية والتدبير هي من آثار اسمه (الملك)،
    فهو جل وعلا مالك النعمة وموليها،
    الذي ربى خلقه بالنعم،
    وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وأصلح خلقهم وأحسنه، وأصلح أحوال معاشهم، فمهَّدَ لهم الأرض، وأنبت لهم فيها من كل الثمرات، وبث فيها من كل دابة، وأنزل لهم من السماء ماء، وجعل في الأرض الجبال الرواسي، والأودية والأنهار والآبار والبحار التي تحفظ لهم الماء، وجعل لهم الأنعام لهم فيها منافع كثيرة، وعَلَّمَهم الحِرَفَ التي يكتسبون بها أقواتهم.

    وهو الذي حفظ لهم هذا الملكوت العظيم الذي يعيشون فيه
    فأمسك السموات أن تقع على الأرض، وجعل الأفلاك تسير في نظام دقيق محكم تقوم به مصالح العباد في معاشهم وسائر أمور حياتهم


    وكل ذلك إنما هو ذكر لأمثلة يسيرة مما نعلمه ونشاهده من معاني ربوبيته جل وعلا،
    ...لو تأملت تلك المعاني العظيمة حق التأمل وتفكرت في آثارها في الخلق والأمر لأفضت بك إلى نظر فسيح في ملكوت الله جل وعلا لا تملك معه إلا أن تسبح بحمده، وتوحده جل وعلا، ولأيقنت أن العالم لا صلاح له إلا بأن يكون ربه واحدا، بل لا يمكن أن يكون له أرباب متعددون كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}

    وقال: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}
    فكما أن الكون ليس له إلا رب واحد على الحقيقة،
    فلا يكن في قلبك إلا إله واحد هو هذا الرب العظيم، فأسلم قلبك له واعبده وتوكل عليه.

    فاسم الرَّبِّ يقتضي أن نعبده جل وعلا ونفرده بالعبادة ولهذا قال تعالى:
    {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} فاستدل على توحيد العبادة باسم الربوبية.
    فلأنه ربنا الذي خلقنا من العدم، وأسبغ علينا النعم، ولا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً إلا بما شاء، فإخلاص العبادة له حق واجب، وشكر نعمته فرض لازم.
    وعبادة غيره ضلال مبين، وظلم عظيم، إذ كيف يعبد من لا يخلق شيئاً ،
    والربوبية لها معنيان:

    ربوبية عامة بالخلق والملك والإنعام والتدبير، وهذه عامة لجميع المخلوقات.
    وربوبية خاصة لأوليائه جل وعلا بالتربية الخاصة والهداية والإصلاح والنصرة والتوفيق والتسديد والحفظ.
    والله تعالى هو الرب بهذه الاعتبارات كلها
    وأنت إذا تأملت هذه المعاني تبين لك بجلاء أنه لا يستحق العبادة أحد إلا الله جل وعلا، وأن عبادة غيره ظلم عظيم، وكفر مبين، وسفه وضلال.
    ويطلق لفظ (الرَّبّ) في النصوص ويراد به المعبود ، كما في سؤال العبد في قبره: من ربك؟
    المراد به من معبودك الذي تعبده؟
    ولأن العبادة من لوازم الربوبية، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الآيات
    فذكر من آلاء ربوبيته ما نبه به على الأسباب الموجبة لاستحقاقه العبادة وحده لا شريك له جل وعلا.
    والربَّ الحق هو الله ، وهو المعبود الحق، فهذه المعاني تجتمع في حق الله تعالى اجتماعاً صحيحاً
    وأما ما عبد من دون الله، فليس معبوداً بحق، وليس برب على الحقيقة، وإنما اتخذ رباً ، واتخذ إلها، كما في قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا}
    وقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}
    قال عدي بن حاتم: (( يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم
    قال النبي صلى الله عليه وسلم: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه و يحلون ما حرم الله فتستحلونه؟
    قال عدي: بلى
    قال صلى الله عليه وسلم : ( فتلك عبادتهم )) رواه أحمد والترمذي وحسنه جماعة من أهل العلم.
    ففهم عدي - رضي الله عنه - من هذا اللفظ معنى العبادة، لأن اتخاذ الشيء رباً معناه عبادته، لأن الربوبية تستلزم العبادة.
    ولذلك قال الله تعالى في أول أمر في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}
    فإذا قيل: الرب هو المعبود، فهذا الإطلاق صحيح باعتبار، وإذا قيل: من معاني الرب فصحيح باعتبار آخر.
    قوله: (وهو معبودي ليس لي معبود سواه)
    هذا تلقين للمتلقي ، وبيان له بأن لا يكون له معبود سوى الله جل وعلا.
    [المصدر السابق]


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها

    بيان طرق معرفة العبد ربه جل وعلا
    قوله: (فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟
    فَقُلْ: بآيَاتِهِ وَمَخْلُوقاَتِه ِ، وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَالشَّمْسُ وَالْقمَرُ، وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ السَّمَاواتُ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُمَا.
    وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ أكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57].
    وَقَوْلُهُ تَعَالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:37].
    وَقَوْلُهُ تَعَالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوات وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].
    وَالرَّبُّ: هُوَ الْمَعْبُودُ.
    وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ والَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رزْقاً لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:21-22]
    قَالَ ابْنُ كَثيِرٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى-: (الْخَالِقُ لِهذِهِ الأَشْيَاءِ، هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلْعبَادَةِ).
    لمعرفة العبد ربه جل وعلا طريقان بينهما الله عز وجل في كتابه الكريم:
    الطريق الأول: التفكر في آياته الكونية المخلوقة.
    والطريق الآخر : التفكر في آياته الشرعية وهي آيات القرآن العزيز وما تضمنه أمره جل وعلا في كتابه وفي غيره من الآيات البينات.

    و(الآية) في اللغة تطلق على العلامة وعلى الرسالة وعلى الجماعة.
    قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} أي علامة في قول الجميع لا أعلم في ذلك خلافاً.
    وفي الصحيحين من حديث أنس أن النبي قال: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار).
    فالآية هي العلامة البينة الدالة على المراد.
    ومن الإطلاق الثاني قول كعب بن زهير:

    ألا أبلغا هذا المعرض آية.......أيقظان قال القول إذ قال أو حلم
    وهذا استعمال مشهور في لغة العرب.
    فالآيات هي علامات بينات على ما أراده الله تعالى بها، وهي رسائل من الله إلينا.
    والعلامة وإن كان فيها معنى الظهور والبيان والدلالة على الشيء حيث جعلت عليه ومنه سمي الجبل علماً، لدلالته على الموضع دلالة بينة إلا إن لفظ الآية أبلغ في البيان والدلالة من لفظ (العلامة) ولذلك استعمل في القرآن الكريم.
    ففيها زيادةً على معنى الدلالة معنى الوضوح والجلاء والبيان، ومنه يقال (إياة الشمس) يعني ضوؤها، وقولك في التفسير والتبيين: (أي) هو من هذا الأصل الذي هو التبيين والوضوح والجلاء.
    وهذا مما يدل على براعة التعبير القرآني، وأسرار اختيار بعض الألفاظ على بعض.
    قال الخليل بن أحمد: (الآية: العَلامةُ، والآية: من آيات الله، والجميع: الآي)
    قوله: (والآية: من آيات الله) يشمل الآيات الكونية والشرعية
    - فالآيات الكونية: الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض وما أنعم به من سائر النعم كلها آيات على أنها من عند الله جل وعلا
    وهي علامات بينات لا ينكرها إلا مُكابِر مُعانِد.
    - والآيات الشرعية هي: آيات القرآن المتلوة، سميت بذلك لأنها دالة على أنها من عند الله عز وجل.
    ولأن فيها من البراهين البينة ما يوجب قيام الحجة على من بلغته.

    أمثلة للآيات الدالة على بطلان عبادة ما سوى الله عز وجل
    وقد ذكر الله تعالى في الكتاب براهين عقلية تدل على بطلان عبادة ما يعبد من دون الله
    قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا}
    - فذكر ثلاثة أدلة بينة على أن هؤلاء الشركاء الذين يُدعون من دون الله لا يستحقون أن يعبدوا من دون الله جل وعلا.
    1: فهم لم يخلقوا شيئاً ، وعبادة من لا يخلق من دون خالقه سفه وضلال كما دل عليه قوله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}
    2: وليس لهم نصيب في الملك يشاركون الله فيه، فيسألهم من يدعوهم من نصيبهم الذي يملكونه.
    3: ولم يأذن الله بعبادتهم.
    فبطل ما كانوا يغرون به بعضهم من زخرف القَوْل والعِدَات الباطلة.
    وقوله تعالى: {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} بيان لسنة كونية لا تنخرم، وهي أن الظالمون إنما يغر بعضهم بعضاً ويمنّي بعضهم بعضاً حتى إذا أتوا ما يمقتهم الله عليه وعاينوا عذابه لم تنفعهم وعودهم ولم تغن عنهم من الله شيئاً.
    وهذه الآية نظير قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللِّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)}
    فلم يخلقوا شيئاً ابتداء وليس لهم فيه شراكة في الملك، ولم يؤذن بعبادتهم.
    وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) }
    قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (فتأمَّلْ كيف أخذَتْ هذه الآية على المشركين بمجامع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك؟!!
    وسدتها عليهم أحكم سد وأبلغه؟!!
    فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه وإلا فلو لم يرجُ منه منفعةً لم يتعلَّقْ قلبه به.
    وحينئذ فلا بدَّ أن يكون المعبودُ:
    - مالكاً للأسباب التي ينفع بها عابده.
    - أو شريكاً لمالكها.
    - أو ظهيرا أو وزيراً ومعاوناً له.
    - أو وجيهاً ذا حرمة وقدر يشفع عنده.
    فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه وبطلت انتفت أسباب الشرك وانقطعت موادُّه.
    فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقالَ ذرَّة في السموات والأرض.
    فقد يقول المشرك: هي شريكة لمالك الحق!
    فنفى شركتها له.
    فيقول المشرك: قد تكون ظهيراً ووزيراً ومعاوناً!
    فقال: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}
    فلم يبقَ إلا الشفاعة؛ فنفاها عن آلهتهم.
    وأخبر أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه؛ فهو الذي يأذنُ للشافع؛ فإن لم يأذن له لم يتقدم بالشفاعة بين يديه كما يكون في حق المخلوقين؛ فإن المشفوع عنده يحتاج إلى الشافع ومعاونته له فيقبل شفاعته وإن لم يأذن له فيها.
    وأما منْ كلُّ ما سواهُ فقيرٌ إليه بذاتِهِ، وهو الغني بذاتِهِ عن كل ما سواه فكيف يشفع عنده أحد بدون إذنه؟!!).

    وتأملوا قول الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)}
    وقوله: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)}
    - وقوله: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُو نَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيَّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)}
    تجدون فيها بياناً جلياً على وجوب إفراد الله تعالى، وتحريم الشرك، وأنه حد بين الكفر والإيمان.
    وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)}

    حجج الموحدين فى وجوب التوحيد، ومن أهمها:
    1: أن الله هو الخالق الرازق المالك المدبر فهو المستحق للعبادة.
    2: أن الله تعالى هو الذي بيده وحده النفع والضر وغيره لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن غيره كما قال الله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أي الذي يعلم أحوالكم ويسمع دعاءكم.
    3: أن الموحدين معهم سلطان الحجة والبرهان بأن الله أمر بعبادته وحده لا شريك له، وبذلك أرسلت إليهم الرسل.
    4: وأن المشركين الظالمين إنما يغر بعضهم بعضاً وأنهم لا حجة لهم على الشرك، بل حجتهم داحضة عند ربهم، وعليهم غضب ، ولهم عذاب شديد.

    والمقصود أن من تأمل الآيات الكونية والآيات الشرعية تبين له وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة، وأن من أشرك بالله شيئاً فهو من الخاسرين.
    ولكن الظالمين يكون لديهم علوم يفرحون بها، ومزاعم يغترون بها ، ويتعامون عن التفكر في ما أمر الله بالتفكر فيه، بل كرر الأمر به في مواضع كثيرة من القرآن العظيم، فيتعامى أولئك الظالمون عن تلك الآيات البينات، ويفرحون بما عندهم من العلم الدنيوي ، ويُعرضون عما جاءت به الرسل، ويستهزئون بهم وبما جاؤا به حتى إذا فنيت أعمارهم، وانقضت مهلة بقائهم في الدنيا، ورأوا ما كانوا يوعدون تبين لهم أنهم كانوا خاطئين وعرفوا من أول ما يرون آيات الآخرة أن الشرك بالله باطل وضلال مبين، فيؤمنوا حين لا ينفعهم الإيمان ولا يقبل منهم، ويتخلى عنهم الشيطان بعد أن أوردهم المهالك، وكتب عليهم الشقاء الأبدي، وحرمت عليهم السعادة أبداً ، وخسروا الخسران المبين والعياذ بالله .
    قال الله تعالى: {وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)}

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها

    (الأَصْلُ الثَّانِي: مَعْرِفَةُ دِينِ الإسْلاَمِ بالأَدِلَّةِ).
    يطلق لفظ (الدّين) في لسان العرب على معانٍ لها أصول جامعة منها العادة والانقياد والذل والحكم والجزاء.
    فالدين هو ما ينقاد له العبد بتذلل وخضوع واعتياد؛ فيخضع لأحكامه، وينقاد لأوامره على وجه الاستدامة.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والدين يتضمن معنى الخضوع والذل يقال: دنته فدان أى أذللته فذل ويقال يدين الله ويدين لله أي يعبد الله ويطيعه ويخضع له فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له).

    فمعنى الدخول في دين الإسلام هو الانقياد لأحكام الشريعة الإسلامية والتزام أوامرها ونواهيها على وجه التعبد.
    (دِينِ الإسْلاَمِ) هو شريعة الإسلام التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسخ الله بها جميع الأديان السابقة؛ فقال الله تعالى : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}

    قوله : (بالأَدِلَّةِ) هذا فيه بيان وجوب معرفة الحق بدليله فيكون متبعاً صاحب حجة، لا مقلداً لا حجة له.
    فالذي يعرف الحق بدليله في مسألة من المسائل فهو عالم بها، فإن كان هذا دأبه في مسائل العلم أن يعرفها بدليلها وكثر ذلك منه ؛ فهو من العلماء.
    قال ابن القيم رحمه الله:


    والعلم معرفة الهدى بدليلهما....... ذاك والتقليد يستويـان

    قوله: (وَهُوَ: الاسْتِسْلامُ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، والانقيادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ).
    هذا تعريفٌ للإسلام بمعناه الشرعي.
    وأما التعريف اللغوي للإسلام فبيانه أن الإسلام لا يسمى إسلاماً في اللغة حتى يتحقق فيه وصفان:
    أحدهما: الإخلاص والبراءة من المشاركة والعلة وغيرها مما يقدح في التسليم.
    والآخر: تمكين المسَلَّم للمسلَّم له وانقياده له في كل موضع بحسبه.
    يقال: سلَّمت لفلان حقَّه إذا مكَّنته منه وأخلصته له ؛ فبرئ من المشاركة والمنازعة فيه، وسَلِمَ له وتمكَّن منه، وأصبح قياده له.
    ويقال: أَسْلَم فلان أخاه إذا خذله ومكَّن عدوه منه، ولم ينازعهم فيه، بل تركهم يقتادونه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمه)) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
    والسلامة من المرض هي من هذا الباب لأنها تعني البراءة من العلة والخلاص منها، والانقياد لحال الصحة والعافية.
    والأصل فيه أن المريض لا يجاري الأصحاء كما لا تجاري الشاة المريضة القطيع فإذا سلمت من المرض انقادت مع سائر الرعية.
    ومما يوضح هذا المعنى قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
    متشاكسون أي: مختلفون متنازعون غير متفقين، بل يسيئ بعضهم إلى بعض.
    {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} أي خالصاً له منقاداً إليه، ليس لأحد فيه شراكة، بل قد برئ من الشراكة فيه، وانقاد له هذا المولى انقياداً تاماً لا يشاركه فيه أحد.
    وهذا مثل ضربه الله لتقبيح الشرك، وتحسين الإسلام.
    والمقصود أن المسلم هو الذي أسلم دينه لله لم يجعل لله شريكاً فيه، وانقاد لأوامر الله جل وعلا.
    قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}
    وقال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقد فسر إسلام الوجه لله بما يتضمن إخلاص قصد العبد لله بالعبادة له وحده، {وَهُوَ مُحْسِنٌ} بالعمل الصالح المشروع المأمور به.
    وهذان الأصلان جماع الدين: أن لا نعبد إلا الله، وأن نعبده بما شرع، لا نعبده بالبدع).

    فإسلام الوجه هو: إسلام القصد والنية وتخليصها من قصد الشرك مع الله جل وعلا.
    وإطلاق لفظ الوجه على القصد معروف في لسان العرب،وفي الحديث المتفق على صحته: ((ووجهت وجهي إليك)).
    وقال بشر بن أبي خازم الأسدي:


    إِلَيكَ الوَجهُ إِذ كانَت مُلوك....... يثِمادَ الحَزنِ أَخطَأَها الرَبيـعُ

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً: (الوَجْهُ يتناول المتوجِّه والمتوجَّه إليه، كما يقال: أي وجه تريد؟ أيْ: أيَّ وجهة وناحية تقصد ، وذلك أنهما متلازمان ، فحيث توجَّه الإنسان توجَّه وجْهُه ، ووجهُهُ مستلزمٌ لتوجُّهِهِ ، وهذا في باطنه وظاهره جميعاً ، فهذه أربعة أمور ، والباطن هو الأصل، والظاهر هو الكمال والشعار.
    فإذا توجَّه قلبُه إلى شيء تَبِعَه وجْهُه الظاهر، فإذا كان العبد قصده ومراده وتوجهه إلى الله فهذا صلاح إرادته وقصده، فإذا كان مع ذلك محسناً فقد اجتمع أن يكون عمله صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ، وهو قول عمر رضي الله عنه : (اللهم اجعل عملي كله صالحاً واجعله لوجهك خالصاً ، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً).
    والعمل الصالح هو الإحسان ، وهو فعل الحسنات وهو ما أمر الله به ، والذي أمر الله به هو الذي شرعه الله ، وهو الموافق لسنة الله وسنة رسوله ، فقد أخبر الله تعالى أنه من أخلص قصده لله وكان محسناً في عمله فإنه مستحق للثواب سالم من العقاب).

    والخلاصة أن الإسلام لا بد فيه من جمع أمرين:
    الأمر الأول: الاستسلام والانقياد لأمر الله جل وعلا.
    الأمر الثاني: الإخلاص والبراءة من الشرك في ذلك.

    فالمسلم هو الذي أخلص دينه لله جل وعلا، وانقاد لأمره.
    وبذلك تعرف أن المشرك غير مسلم لأن دينه ليس بخالص لله جل وعلا.
    والمستكبر غير مسلم لأنه ممتنع غير منقاد لأمر الله جل وعلا.
    قال الله تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُم ْ إِلَيْهِ جَمِيعًا}
    قال ابن تيمية: (الإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده ؛ فمن استسلم له ولغيره كان مشركًا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرًا عن عبادته.
    والمشرك به، والمستكبر عن عبادته: كافرٌ.
    والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده، وطاعته وحده؛ فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره).

    وبهذا تعلم أن المسلمين يتفاضلون في إسلامهم بتفاضل الإخلاص وكمال الانقياد ، فكلما كان العبد أحسن إخلاصاً وانقياداً كان أحسن إسلاماً.
    وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أَحْسَنَ أحدكم إسلامه؛ فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها)).

    فالإسلام يتضمن معنى الإخلاص، إخلاص العبادة من الشرك في الاعتقاد والقول والعمل، وإخلاص الانقياد لله تعالى بطاعته، وذلك بامتثال أمره واجتناب نهيه .
    - فكما أن الله تعالى هو مالكه وخالقه ورازق ومدبر أمره وحده لا شريك له في ذلك؛ فكذلك يجب أن يخلص العبد عبوديته لله تعالى ويسلمها له جل وعلا، فيخلصها من الشرك بعبادة غير، ويخلّصها من العصيان المنافي للانقياد.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها

    أَرْكَانُ الإِسْلاَمِ خَمْسَةٌ، وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: ((بُنِي الإسْلاَمُ عَلى خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاَةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ)) ).
    هذه الخمسة هي أركان الإسلام وأصوله التي يقوم عليها إسلام العبد، وقد تضمنت هذه الخمسة قواعد الإسلام وشعائره العظام، وهي أصول العبادات وينبني على كل أصل أنواع من العبادات.
    وهذه الأصول على مراتب؛ فأصل هذه الأركان الشهادتان فلا يدخل العبد في الإسلام حتى يشهد الشهادتين، ولا تصح منه سائر الفرائض قبل أن يشهد الشهادتين.
    وعمود الإسلام الصلاة كما في حديث معاذ بن جبل مرفوعاً في المسند والسنن.
    فإذا استقر الأصل وقام عمود الإسلام ثبت وصف الإسلام للعبد، فإن لم يقم بهذا الأصل أو انتقض بارتكاب ما ينقض الشهادتين فليس من المسلمين.
    وإذا سقط عمود إسلام المرء فلا إسلام له ؛ كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة)).
    وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة من حديث بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)).
    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند موته: (لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة). رواه مالك في الموطأ.
    وأما الأركان الثلاثة الأخرى فقد أجمع أهل العلم على أن من تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر لأنه مكذب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا التكذيب ينقض الشهادتين.
    وكذلك من تركها إباء وامتناعاً عن الانقياد لشريعة الإسلام فهو كافر لأن هذا الإباء والامتناع ينقض الشهادتين.
    وأما من تركها تهاوناً وكسلاً من غير جحد لوجوبها ولا امتناع عن الانقياد لأحكام الشريعة فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه مرتكب لكبيرة من الكبائر وأن إسلامه ناقص ولا يكفر بذلك لبقاء أصل الإسلام وعموده ، لكنه متوعَّد بالعذاب الشديد على تركه لهذه الفرائض العظيمة كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.

    وهذه الأركان الخمسة من الشعائر التعبدية الظاهرة فيعملها الموحدون لله جل وعلا، ويعمل المشركون نظائرها تقرباً لآلهتهم.
    فشهادتهم ما يهلون به من ألفاظ الشرك التي تتضمن الشهادة لآلهتهم بأنها تنفع وتضر وتستحق أن تعبد، وما يشهدون به لمتبوعيهم بأنهم أحق من يتبع.
    ولهم صلوات يؤدونها لآلهتهم وإن اختلفت في كيفيتها عن صلاة المسلمين ، كما قال الله تعالى عن المشركين: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} فالأقوال والأفعال المنتظمة التي تؤدى على وجه التعبد هي صلاة وإن اختلفت كيفيتها عن صلاة المسلمين.
    وتقديمهم للأموال والقرابين هو نظير أداء الزكاة عند المسلمين، وإن لم يسموها زكاة ، ذلك أن منهم من يجعل على نفسه قدراً معلوماً من المال يتقرب به، ومنهم من يُفرض عليه هذا المال بأسماء مختلفة.
    وكذلك الصيام منهم من يصوم تقرباً وطمعاً في أشياء يرجوها من تلك الآلهة التي يتقرب إليها وإن اختلف صيامه عن صيام المسلمين فمنهم من يصوم عن الكلام، ومنهم من يصوم عن بعض الأطعمة ومنهم من يواصل الصيام أياماً عن كل شيء فيجوع نفسه ويشق عليها طمعاً أن تتنزل عليه بعض الشياطين ويظن أنهم خدام مرسلون من تلك الآلهة.
    وكل إمساك تقرب به إلى غير الله جل وعلا على وجه التعبد فهو صيام.
    وكذلك الحج يفعله المشركون وهو من الشعائر الظاهرة لديهم فمنهم من يقطع المسافات البعيدة لزيارة قبر يعبد من دون الله جل وعلا يحج إليه ويطوف حوله ويذبح له ويفعل ما يضاهي به حج المسلمين، فهذا حج وإن لم يسمّوه حجاً فالعبرة بحقائق الأشياء.
    فعلم بذلك أن هذه الخمسة هي أصول العبادات الظاهرة ويجب إخلاصها لله جل وعلا.
    كما أن أصول العبادات الباطنة المحبة والخوف والرجاء ويجب إخلاصها لله جل وعلا.

    الإسلام دين أهل السموات، ودين أهل التوحيد من أهل الأرض
    {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ} [آل عمران:19]،
    وَقال تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرينَ} [آل عمران:85]).

    الإسلام في هذه الآية المراد به الإسلام الشرعي العام الذي هو دين الأنبياء جميعاً وهو التوحيد ، وعلى هذا تفاسير السلف لمعنى الإسلام في هذه الآية.
    قال قتادة في قوله تعالى: {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ}: (الإسلام: شهادة أنّ لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله، ودلّ عليه أولياءه، لا يقبل غيرَه ولا يجزى إلا به). رواه ابن جرير.
    وفيه دلالة على وجوب التوحيد وأنه الدين الذي يقبله الله تعالى، والإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم أصله التوحيد لله جل وعلا.
    قال ابن القيم رحمه الله: (وقد دل قوله: {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ} على أنه دين جميع أنبيائه ورسله وأتباعهم من أولهم إلى آخرهم، وأنه لم يكن لله قط ولا يكون له دين سواه.
    - قال أول الرسل نوح: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
    - وقال إبراهيم وإسماعيل: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}
    - {وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
    - وقال يعقوب لبنيه عند الموت: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ} إلى قوله {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
    - وقال موسى لقومه: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}
    - وقال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
    - وقالت ملكة سبأ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
    فالإسلام دين أهل السموات،
    ودين أهل التوحيد من أهل الأرض،
    لا يقبل الله من أحد ديناً سواه).

    وقال ابن كثير رحمه الله: (قوله: {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ}
    إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثته محمدًا صلى الله عليه وسلم بدِين على غير شريعته، فليس بمتقبل. كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }).ا.هـ.


    قوله: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرينَ}).
    وللسلف في المراد بالإسلام في هذه الآية قولان :
    القول الأول: أنه دين الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وأصله الشهادتان، وعليهما مدار التوحيد، وأن هذه الآية نسخت جميع الأديان السابقة من اليهودية والنصرانية والصابئية وبقايا الحنيفية.
    القول الثاني: أن المراد به الإسلام العام الذي هو دين جميع الأنبياء، وهو توحيد الله جل وعلا.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً}
    الآية عام في الأولين والآخرين
    بأن دين الإسلام هو دين الله الذي جاء به أنبياؤه وعليه عبادة المؤمنون كما ذكر الله ذلك في كتابه من أول رسول بعثه إلى أهل الأرض نوح وإبراهيم وإسرائيل وموسى وسليمان وغيرهم من الأنبياء والمؤمنين).


    وأجمعوا على أن المراد بالإسلام في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} هو دين الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها

    بيان الأصل الثالث من أصول الدين
    وهو معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم
    الأصل الثالث من أصول الدين، وهو معرفة النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا الأصل العظيم تندرج تحته أبواب ومسائل كثيرة من مسائل الاعتقاد, فلذلك ينبغي لطالب العلم أن يضبط معرفة هذا الأصل جيداً, حتى تتبيَّن له كثير من المسائل المترتبة على هذه الأصل العظيم.

    فشهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, أصل من أصول الدين, لايدخل عبدٌ في الإسلام حتى يشهد هذه الشهادة.
    وهذه الشهادة العظيمة ينبني عليها منهج الإنسان وعمله ، ونجاته وسعادته، إذ عليها مدار المتابعة، والله تعالى لا يقبل من عبد عملاً ما لم يكن خالصاً له جل وعلا، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    فالإخلاص هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله.
    والمتابعة هي مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ولما كانت الأعمال لا بد فيها من قصد وطريقة تؤدى عليها عُدَّت الشهادتان ركناً واحداً.

    وشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم تستلزم أموراً عظيمة يمكن إجمالها في ثلاثة أمور كبار من لم يقم بها لم يكن مؤمناً بالرسول صلى الله عليه وسلم:
    الأمر الأول: تصديق خبره.
    الأمر الثاني: امتثال أمره.
    الأمر الثالث: محبته صلى الله عليه وسلم.

    وما يعود على أحد هذه الأمور الثلاثة بالبطلان فهو ناقض لشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وإذا انتقضت هذه الشهادة انتقض إسلام العبد؛ فالإسلام لا بد فيها من إخلاص وانقياد
    ومن لم يشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة صحيحة لم يكن منقاداً ولا مسلماً، وإن ادعى الإسلام.
    ما تستلزمه شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم

    معنى التصديق، وبيان ما ينقضه وينقصه
    * فأما الأمر الأول: وهو تصديق خبره صلى الله عليه وسلم ، فهو أصل عظيم من أصول الدين ، وهذا التصديق ينقضه أمران:
    الأمر الأول: التكذيب.
    والأمر الثاني: الشك.
    فكلٌّ من المكذب والشاك غير مصدق ولا مؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم.
    والتكذيب على درجتين:
    الدرجة الأولى: التكذيب المطلق؛ فيدَّعي أنه كذاب في أصل رسالته أي أن الله لم يرسله، أو يكذّبه فيما يخبر به عن الله جل وعلا وعن أمور الغيب، وهذا هو تكذيب المشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وتكذيب بعض أصحاب الملل الأخرى كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم.
    وكذلك المنافقون النفاق الأكبر الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ويضمرون العداوة لله ولرسوله وللمؤمنين فهؤلاء وإن شهدوا بألسنتهم أن محمداً رسول الله إلا أنهم كفار كاذبون كما قال الله تعالى فيهم: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}
    فهم كاذبون في دعواهم أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله، وإنما نطقوا بهذه الشهادة نفاقاً، ولو كانوا صادقين في شهادتهم له بالرسالة لقاموا بما يلزم من تصديق خبره وطاعة أمره ومحبته.
    والمنافقون مخالفون لهذه الأمور ناقضون لها؛ فهم مبغضون للرسول صلى الله عليه وسلم ولما جاء به، وعاصون له ، ومكذبون ومشكّكون في أخباره.
    فهذه هي الدرجة الأولى من درجات التكذيب وهو التكذيب المطلق.
    الدرجة الثانية: تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يقع من بعض من يقرّ برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكذبه في بعض أخباره، كإقرار بعض اليهود والنصارى بأنه رسول ، لكن رسالته للعرب وليست لجميع الناس؛ وكتكذيب بعض من ينتسب للإسلام لبعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم مع إقراره بصحتها عنه ؛ فمن كذَّب النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من أخباره فهو كافر بإجماع أهل العلم.
    ولا ينفعه إقراره بأنه رسول الله ولا تصديقه له في بعض أخباره.
    وكذلك المشكك في بعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر غير مصدق.
    ولا يستقيم إسلام العبد حتى يصدّق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يخبر به.

    وههنا مسألة مهمة:
    وهي أنه يجب التفريق بين تكذيب خبر الرسول بعد الإقرار بصحته إليه، وبين تكذيب الخبر المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
    فتكذيب الخبر المنسوب الذي لم تتحقق صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو تأوَّله المتأوّل على غير معناه الصحيح ليس له حكم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم.
    وذلك لأن الأخبار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم قد تصح نسبتها وقد لا تصح، وإذا صحت النسبة فقد يصح تفسير المعنى على ما فهمه المتلقي وقد يفهم منه فهماً خاطئاً مخالفاً لنص صحيح صريح فيكذب الخبر بناء على ما صح عنده من مخالفته للنص المحكم الصحيح؛ فهذا ليس بتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم في حقيقة الأمر.
    ولذلك قد يكون لبعض الناس عذر في تكذيب بعض ما يبلغهم من الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم يمنع من تكفيرهم ؛ إما بسبب جهلهم بصحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما بسبب عدم فهمهم لمعناه على الوجه الصحيح وإما لشبهة أخرى عرضت لهم، وغالب ما يمنع تكفير أصحاب البدع هو هذه الشُّبَه المانعة من التكفير.
    أما من أقرَّ بصحة نسبة الخبر الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم، وأقر بمعرفته لمعناه الصحيح ثم كذَّبه بعد ذلك فلا شك في كفره.

    فهذه مسألة مهمة ينبغي أن يتفطن لها طالب العلم ، ويضبطها جيداً.

    ولو تأملتم كثيراً من المسائل التي يذكرها العلماء في نواقض الإسلام لوجدتموها راجعة إلى هذا الأصل ، وهو أنها تقتضي تكذيب خبر النبي صلى الله عليه وسلم.

    معنى الطاعة، وبيان ما ينقضها وينقصها
    * أما الأمر الثاني: فهو طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك يكون بامتثال أمره واجتناب نهيه.
    لأن العبد قد يصدّق ولايطيع, فإذا صدق وأطاع فقد أدى هذين الأمرين.
    والواجب على العبد حتى يحقق شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطيعه في كل ما يأمر به ما استطاع ، وأن يجتنب ما نهاه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض واجب، وهي طاعة لله جل وعلا كما قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}
    وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
    وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}
    وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}
    وقال: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
    وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم)).

    - ولفظ طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه إذا أطلق في النصوص يشمل امتثال أمره واجتناب نهيه وتصديقه ومحبته لأن الاتباع الصحيح لا يتحقق إلا بهذه الأمور.

    والمخالفون في هذا الأمر على درجتين:
    الدرجة الأولى: الذين لا يرون أنه يلزمهم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهؤلاء كفار غير مسلمين، وإن أقرّوا بصحة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل من لم ير طاعة الرسول واجبة عليه لازمة له فهو كافر غير مسلم؛ لأنه ممتنع عن الطاعة متولٍّ غير منقاد لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
    ومن هؤلاء من يظهر الطاعة ويبيّن الامتحان حقيقته ولا يأتي من أمر الرسول إلا بما يوافق هواه ورغبته وهذا من شأن المنافقين الذين قال الله فيهم: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِين َ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)}
    فلا يستقيم إيمان عبد حتى يسمع ويطيع.
    الدرجة الثانية: الذين يؤمنون بأنه يلزمهم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كبير الأمور وصغيرها وأن ما أوجبه عليهم فهو واجب، وما حرَّمه عليهم فهو حرام، ويلتزمون ذلك، لكنهم يخالفون في بعض الأمر فيرتكبون بعض المحرمات ويتركون بعض الواجبات مع إقرارهم بعصيانهم فهؤلاء من عصاة المسلمين، وهم آثمون مستحقون للعذاب بقدر ما عصوا الرسول فيه، ولا يكفرون إلا إذا أفضت معصيتهم إلى ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، والعياذ بالله.

    - وقد ضلت طوائف من أهل البدع في هذا الباب فكفَّروا مرتكب الكبيرة كما فعلت الخوارج وقالوا بأن أهل الكبائر خالدون مخلدون في نار جهنم.
    - ومن أهل البدع من قال هم في منزلة بين المنزلتين فليسوا بمسلمين ولا كفار وهم يوم القيامة خالدون في نار جهنم، وهذا قول المعتزلة.
    وكلا الطائفتين يسميهم أهل السنة الوعيدية.
    وهؤلاء ينكرون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر وشفاعة الشافعين الذين يأذن الله بشفاعتهم يوم القيامة كشفاعة الشهداء والصالحين وكشفاعة الأطفال لأهليهم وغيرهم ممن صح الخبر عن النبي صلى الله عليهم وسلم بأنهم يشفعون لبعض من استحق النار من المسلمين بسبب عصيانه ومنهم من يدخلها ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين.
    - وأهل السنة والجماعة لا يكفرون أصحاب الكبائر من المسلمين، بل يقولون: هم من عصاة المسلمين، وهم على خطر من عصيانهم، وترجى لهم الرحمة والمغفرة وتنفعهم دعوات المسلمين وصدقاتهم وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة الشافعين فمنهم من تدركه الشفاعة قبل العذاب فينجو ويسلم، ومنهم من يعذب ما شاء الله أن يعذب ثم ينجو بعد ذلك ، ولا يخلد في النار إلا كافر.
    هذا تلخيص لأهم المسائل المتعلقة بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحكام العصاة.

    معنى المحبة، وبيان ما ينقضها وينقصها
    * الأمر الثالث: محبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض واجب، لا يصح الإيمان إلا به
    بل يجب تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على محبة النفس والأهل والولد والمال
    كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
    وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)).
    وفي رواية لمسلم: ((لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين )).
    وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب؛ فقال له عمر: (يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي).
    فقال النبي صلى الله عليه و سلم: (( لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك )).
    فقال له عمر: (فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي).
    فقال النبي صلى الله عليه و سلم: (( الآن يا عمر )).
    وهذا المعنى يشهد له قوله تعالى: {النَّبيُّ أوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ}
    قال ابن جرير: ( {النَّبيُّ} محمد {أوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ } يقول: أحق بالمؤمنين به {مِنْ أنْفُسِهِمْ} أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم).
    وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}

    - وتقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة النفس والأهل والولد والناس أجمعين على ثلاثة درجات وهي درجات الاتباع:
    الدرجة الأولى: وهي التي لا يصح الإسلام إلا بها وهي تقديم محبته فيما يلزم منه البقاء على دين الإسلام ، والمخالف في هذه الدرجة هم الكفار الأصليون والمرتدّون الذين ارتكبوا ناقضاً من نواقض الإسلام فقدَّموا ما يحبونه من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة الرسول؛ فخرجوا من دين الإسلام بهذه المخالفة.
    فهذه الدرجة المخلف فيها كافر خارج عن دين الإسلام.
    الدرجة الثانية: درجة الوجوب ، فيطيع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به أمر وجوب، ويجتنب ما نهى عنه نهي تحريم، والذين يؤدي هذه الدرجة هو مؤمن مؤدٍّ للطاعة الواجبة ، والمخالف فيها هو الذي يقدم ما تحبه نفسه وتهواه على طاعة الرسول عاص مخالف للأمر مستحق للعقاب بقدر مخالفته.
    الدرجة الثالثة: درجة الاستحباب والكمال، وهو طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به أمر وجوب أو استحباب على ما يستطيع العبد، واجتناب ما ينهى عنه نهي تحريم وكراهة ، وهذه الدرجة من حقَّقها فهو من أهل الإحسان.
    ومن خالف فيها بما لا يلحقه بالمخالفين في الدرجة الثانية فهو غير آثم ، لكن يفوته من الخير والفضل بقدر ما فرَّط فيه.
    فتبيَّن أن تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة النفس والأهل والولد والناس أجمعين على هذه الدرجات الثلاث منها ما لا يصح الإسلام إلا به، ومنها ما هو واجب ومنها ما هو كمال مستحب.
    ويكون معنى نفي الإيمان في قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه...)) على ثلاث درجات:
    1: نفي أصل الإيمان، وهذا للمخالفين في الدرجة الأولى.
    2: نفي الإيمان الواجب ، وهذا للمخالفين في الدرجة الثانية.
    3: نفي كمال الإيمان ، وهذا للمخالفين في الدرجة الثالثة.

    - ومما يتصل بهذه المسألة وهي محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أن لها لوازم من لم يأت بها لم تكن محبته صادقة:
    وهذه اللوازم هي: طاعة الرسول ونصرته ومحبة أصحابه وموالاتهم ومحبة دعوة الرسول ونصرتها ويجمع ذلك كله النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم
    كما في الصحيحين من حديث تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الدين النصيحة ))
    قلنا : لمن؟
    قال: (( لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
    يقال: نصح فلاناً، ونصح له.
    نصحه إذا وصَّاه بما ينفعه وحذَّره مما يضره، وهذا ليس بمراد هنا.
    ونصح له، إذا صدق في محبته له وبذل ما يحبه المنصوح له بصدق وإخلاص بلا غش ولا خديعة ولا كذب ولا تقصير.
    فالناصح هو الذي يجمع معنى الصدق والإخلاص، وضده الغاشّ والمكاشح.
    فالغاشّ هو الذي يظهر الموافقة والموالاة ويبطن المخالفة والمعاداة.
    والمكاشح والكاشح هو الذي يظهر العداوة ويبديها.
    - والنصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم واجبة وهي تستلزم الصدق والإخلاص في المحبة والطاعة والنصرة والتصديق.
    ومن قصر في واجب من هذه الواجبات فهو مقصّر في النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم.
    وإثمه على حسب تقصيره، كما تقدم شرحه في درجات مخالفة الاتباع.
    فنصيحة المسلم للرسول صلى الله عليه وسلم تكون بحسب اتباعه له؛ فكلما كان أكثر اتباعاً كان أكثر نصحاً.
    - ومما ينقض هذه المحبة: البغض والإيذاء والسب والاستهزاء.
    ومن وقع في هذه الأمور التي تستلزم عدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر بإجماع العلماء.

    والناس في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: الجفاة المقصِّرون في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء على درجتين: كفار، وعصاة
    فأما الكفار فهم الذين يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم أو يبغضون شيئاً مما جاء به من شريعة الإسلام .
    وأما العصاة فهم الذين يخالفون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيرتكبون بعض المحرمات ويتركون بعض الواجبات ، وقد قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
    القسم الثاني: الغلاة الذين غلوا في دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء على درجتين: مشركون ومبتدعة:
    - فأما المشركون فهم الذين غلوا في النبي صلى الله عليه وسلم حتى صرفوا له بعض أنواع العبادة من الدعاء والنذر وطلب المدد وقضاء الحوائج وغير ذلك.
    - وأما المبتدعة فهم الذين غلوا في مدحه فأطروه وجاوزوا الحد المأذون فيه من المدح والثناء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري من حديث عمر بن الخطاب، ومن الغلو ما يفعله بعض الصوفية من بدعة الموالد النبوية وغيرها من مظاهر الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم.
    القسم الثالث:المهتدون المتبعون لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه الكرام والتابعين لهم بإحسان بلا غلو ولا تفريط، وهؤلاء هم الناجون السعداء.
    - بعض العلماء يضيف في مقتضيات شهادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأن لا يعبد الله إلا بما شرع).
    وهذا يندرج تحت طاعته صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )). متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
    فابتداع شيء من العبادات محرم لا يجوز، والمبتدع عاص ببدعته.

    أقسام البدع
    والبدع لها تقسيمات مهمة ينبغي لطالب العلم أن يضبطها ، منها أنها تنقسم بحسب حكمها إلى قسمين: بدع مكفرة، وبدع مفسقة
    - فأما البدع المكفرة فهي التي يكون فيها ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام كأن تتضمن تلك البدعة شركاً أكبر بصرف العبادة لغير الله عز وجل كما يفعله بعض غلاة الشيعة والباطنية والصوفية.
    أو يكون فيها تكذيب لخبر الله عز وجل وخبر رسوله وادعاء ما يخالف دين الإسلام بالضرورة كدعوى بعض فرق الشيعة أن القرآن ناقص محرَّف ، ودعوى بعض غلاة الصوفية أن أقطابهم يعلمون الغيب ويطلعون على اللوح المحفوظ، ودعوى الجهمية نفي أسماء الله عز وجل وصفاته.
    وضابط البدع المكفّرة أنها هي التي يلزم منها ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام.
    - القسم الثاني: البدع المفسّقة ، وهي التي لا يكون فيها ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام من الشرك الأكبر أو التكذيب أو غيرها من النواقض.
    وهذه غالب البدع العملية من مثل ما يحدثه بعض المبتدعة من الموالد والأذكار المبتدعة والزيادة على القدر المشروع في بعض العبادات، وتخصيص بعض الأزمنة والأمكنة بعبادات لم يرد تخصيصها بها.

    هذا تلخيص موجز لما تقتضيه شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهي مسائل كبار من مسائل أصول الدين ينبغي لطالب العلم أن يفهمها جيداً.
    [بإختصار وتصرف من شرح ثلاثة الاصول للداخل ]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •