كشف حساب
" مقال للدكتور أحمد حمدى
بمناسبة العام الهجرى الجديد "



• فى نهاية عام هجرى وبداية عام جديد ينبغى على العاقل اللبيب أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة وقفة صادقة فيها مصارحة ومواجهة حقيقية بدون مجاملة ولا مداهنة ولا خداع يرى فيها هل هو راض عن وقته وعمره وقلبه وعمله أم لا ؟
• إن التاجر فى نهاية العام وكذلك المؤسسات تعقد جردا لمعرفة نسب الارباح والخسائر وتقييم الوضع كذلك الجهاز المركزى للمحاسبات وأجهزة المراقبة والتفتيش فإذا كان ذلك فى أمور الدنيا فأولى بذلك إذ الامر يتعلق بالأخرة والجنة والنار وإذا كان الله هو الحسيب والرقيب والشهيد الذى يعلم خائنة الاعين وماتخفى الصدور ويستوى عنده علم الغيب والشهادة ولا تخفى عليه خافية فترى الانسان يرتب أوراقه ويهرب من نقد البشر ويخفى عيوبه فلن تستطيع أن تفعل ذلك مع الله قال تعالى "بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ " فالله عزوجل يخاطبنا " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" وقال تعالى "يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ " وقال النبى صلى الله عليه وسلم " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينطر أشأم مِنْهُ، فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لم يجد فبكلمة طيبة" وقال الفاروق عمر رضى الله عنه " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ " وقال تعالى " وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ" فالميزان يوم القيامة بمثاقيل الذر قال تعالى " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ "

• وأقسم الله عزوجل بذاته بأن سيسأل العباد عن جميع أعمالهم قال تعالى "فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " "تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ " "لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ " فما بالك بالكاذبين وقال تعالى "فَلَنسألن الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ " " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا " "إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " فليحاسب الانسان نفسه عن جوارحه عن سمعه وما يسمع به وعن بصره وما ينظر اليه وعن قلبه يفتش فى نيته قال بن القيم رحمه الله " ما من عمل إلا وينشر له ديوانان لما وكيف ؟ لما تسأل عن القصد والنية والاخلاص وكيف عن المتابعة وموافقة السنة "
• فيجب أن يحاسب الانسان نفسه على أعمال القلوب من المحبه والخوف والرجاء والتوكل والحمد والشكر والصبر والاخلاص والتواضع والخشوع والاخبات ...وكذلك لسانه قال تعالى " مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" وقال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ" فالانسان سيحاسب على الصغير والكبير والنقير والقطمير والكلمة والخطوة قال صلى الله عليه وسلم "أَوَّل ما يُحَاسَبُ بهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاة، فإنْ صَلحَتْ صَلحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وإِنْ فسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ " صلاة الفجر وصلاة الجماعة وتكبيرة الاحرام والخشوع فى الصلاة وأدائها بأركانها وواجباتها وشروطها وسننها وحق القران من الحفظ والمراجعة والتدبر والتفسير والعمل به قال تعالى " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا " وكذلك حق زوجك وأولادك وأبويك وجيرانك وأرحامك وإخوانك قال صلى الله عليه وسلم "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " " مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرعِيهِ اللهُ رَعِيَّة، يَموتُ يَوْمَ يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عليه الجَنَّةَ" " إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ "
• ويسأل العبد فى قبره ثلاثة أسئلة معروفة مسبقا ليست مفاجئة ولا من خارج المقرر ولكنها مباشرة لن يجيب عليها من حفظها ولكن من عمل بها وكانت حياته تدور حولها " من ربُّك وما دِينُك ومن نبيُّك " توحيد الله بأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته وكذلك تعلم أركان الاسلام والعمل لهذا الدين ماذا قدمت لدين الله وما الهم الذى تحمله ؟؟من يحمل هم الاسلام والأمانة وتبليغ الرسالة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ؟؟كم شخص اهتدى على يديك العام الماضى ؟وكذلك حق الرسول صلى الله عليه وسلم من تعلم سيرته وسنته والدفاع والذب عنها والعمل بها والدعوة اليها واتخاذ النبى القدوة والاسوة وسيسأل العبد يوم القيامة أسئلة قال صلى الله عليه وسلم "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ " وفى رواية عن خمس " وعن شبابه فيما أبلاه؟ فأوقات العمر والساعات التى تمر علينا فى لهو ولعب أو نوم زائد أو بغير فائدة أو سهر او مباريات أو مواقع التواصل وكذلك شبابه فيما أبلاه ؟ فى الدعوة وطلب العلم واتباع الجنائز وعيادة المرضى والصيام والقيام والجهاد والحج والعمرة وإغاثة الفقراء . وكذلك سيسأل عن ماله أكتسبه من رشوة أم من ربا أو من حرام أو سرقة أو أكل أموال الناس بالباطل أو أكل ميراث اليتامى أو البنات ؟ أم من حلال وفيما أنفق هذا المال فى الدعوة والزكاة والصدقات على الفقراء وبناء المساجد والصدقات الجارية والحج والعمرة. كم درس واظبت عليه وكم كتابا قرأته وأنهيته من أوله لأخره وهل عملت بهذا العلم أم أنك تزيد من حجج الله عليك ؟
• بعد هذه الوقفات السريعة يجد الانسان نفسه مقصرا هالكا إن لم تدركه رحمة الله فيحتاج الى توبة سريعة وليس مصمصة الشفاة ولكن ندم وحرقة حقيقية فى القلب لان نهاية العام تذكرنا بنهاية العمر فالموت يأتى بغتة ومن عاش على شىء مات عليه ومن مات على شىء بعث عليه وإنما الاعمال بالخواتيم ولقد كثر موت الفجأة وقد فارقنا فى العام الماضى إخوانا لنا د مصطفى عبدالرحمن و ش بريك و ش محمد غنيم و ش محمد البرماوى وش أبوبكر الجرارى ود خالد شريف وغيرهم رحمهم الله جميعا وقد لقوا ربهم وربما نكون أنا وأنت هذا العام فلنعمل للقاء الله ولنكن مستعديين دائما ولا نسوف فإن أكثر صراخ أهل النار من التسويف والامانى فلابد من الاقلاع فورا عن الذنب والعزم على عدم العودة اليه فى المستقبل ورد المظالم واخلاص التوبة لله والاكثار من الأعمال الصالحة قال تعالى "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ " وقال صلى الله عليه وسلم "وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا " فالتوبة وظيفة العمر قال تعالى " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا " ولم يقل يا أيها الكفار أو العصاة أو الناس وقال تعالى "إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ " " قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُـوَ الْغَفُـورُ الرَّحِيــمُ" وقال الحسن البصرى رحمه الله قسم الله الناس قسمين إما تائب وإما ظالم قال تعالى " وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" والنبى صلى الله عليه وسلم الذى غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر كان يتوب الى الله ويستغفره فى اليوم مائة مرة..اللهم أغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا وتب علينا لنتوب وارزقنا حسن الخاتمة وتوفنا مسلمين والحقنا بالصالحين..اللهم أمين