عجبا لأمر المؤمنة!

ميسون صافي



لو شئنا الصراحة لقلنا إن المرأة غير الملتزمة بتعاليم ديننا العظيم تتمتع بقدر أرحب في الفاعلية والحركة والتأثير من نظيرتها المرأة المؤمنة!··· كما أن اهتمامات الأولى ودائرة نشاطاتها أوسع من تلك الخاصة بالمؤمنة، بل بمراحل متقدمة أيضا··· وكذلك فإن حدود تفكيرها أرحب ومجال نظرتها أبعد وأكثر أثراً في مجتمعها القريب والبعيد على حد سواء!··· ربما كان هذا الحكم قاسياً ولكن لابد من الاعتراف به إذا ماشئنا التخلص منه! ومن أجل ذلك فلابد لنا من شيء من التفصيل!·
إن المؤمنة ـ للأسف الشديد ـ تصرف جزءاً كبيراً من وقتها وجهدها في نشاطات تعوَّدت عليها منذ الصغر لكنها لا تقربها من رضى ربها··· ولا تُعينها في دورها المهم والحيوي الذي خُلقت له··· أعني دورها كمربية وداعية وراعية سيسألها المولى عن رعيتها أأحسنت أم ضيعت؟!··· وما ذلك للأسف الشديد إلا لأنها تعوَّدت على نمط من النشاطات··· بسيطة هينة لذلك استطابتها··· واستسهلتها··· فتوقفت عندها مرتاحة الضمير والفكر والبال!·
وقد تيسَّر لي أن أجالس الكثيرات من المؤمنات زوجات رجال مؤمنين!··· ولكنني في كل مرة أكتشف أن المؤمنة قد صدقت ـ بل ورضيت ـ ما قيل عنها من أنها لا تصلح إلا للطبخ نهاراً، أما ليلاً فـ>····!<··· وبقبولها بهذه المقولة فقد برمجت نفسها على أساسها ووضعت برنامج نشاطها اليومي··· ولاسيما أن هذه المهمة لم تعد تكلفها طاقة كبيرة بوجود التقنيات الكهربائية الحديثة التي وفَّرت عليها كثيراً من الوقت والجهد، ولهذا كلما تعمدت أن أسأل إحداهن: >ماذا تفعلين الآن؟!···< أجابتني في شيء غير قليل من الدهشة: >وماذا تتوقعين لي أن أفعل؟!·· الأولاد في مدارسهم·· وعندنا من الطعام ما يكفي لأيام·· وبيتي نظيف!···<، وعندما ألح عليها وأكرر: >إذاً ماذا ستفعلين ما دمت بالتأكيد لن تبقي ساكنة هكذا دون حركة؟!···<، فترد عليَّ بتلقائية عجيبة: >سألبي دعوة جارتي إلى قهوة الصباح!<·
المرأة غير الملتزمة بتعاليم دينها اشتغلت خارج بيتها، صارت طبيبة أو محامية أو ناظرة مدرسة··· وملأت مناصب إدارية مهمة وحساسة··· وقادت هذه المناصب حسب تفكيرها غير الملتزم بما يرضي الله بالتأكيد··· وشيئاً فشيئاً صارت لها قناعاتها الثابتة والبعيدة عن فكر الإسلام وقناعاته··· وصارت تغزو بناتنا وأخواتنا بها إن في المدرسة أو في المؤسسة التي تعمل فيها أو في الفضائيات!·
وأعلم أن هناك رائدات من المؤمنات··· فالمجلات مليئة بالأقلام التقيّة منهن·· وبعض الفضائيات قد أحسنت اختيار المؤمنة الصادقة في التزامها··· كما أن منتديات الأسرة عامرة بمن تجيد طرح المفهوم الشرعي للأسرة المسلمة في مواجهة الزيف والانحراف المتعمد على يد غير الملتزمات·· ولكن هذا وغيره يبقى قليلاً بالقياس إلى >الكل< والأغلب من المؤمنات اللواتي لا يخرجن عن التشخيص الذي أشرت إليه في بدء هذه الكلمات·
المؤمنة أيضاً لابد لها أن تعمل··· علينا أن ندرك هذا ونعترف به!··· طبيعة التكوين البشري فيها يدفعها أن تتحرك باستمرار ولا ترضى لنفسها الهمود أو السكون·· وهي ـ بالتالي ـ إن لم نلفت اهتمامها إلى الأولى والأجدى والأخطر في هذه المرحلة··· إن لم نفعل هذا فستبادر إلى ممارسة الأسهل والأقرب وما اعتادت عليه··· وبالتالي تكون قد خسرت الكثير من طاقتها في الأمور البسيطة إن لم نقل التافهة >وعفواً للتعبير<··· وتكون قد حرمت نفسها من فرصة الارتقاء بمكوناتها الفكرية والنفسية والشعورية إلى ما هو أرفع مما هي عليه الآن بكثير!··· كما تكون قد حرمت مجتمعها من طاقة كانت سترفع بها >رعيتها< إلى أعلى بالتأكيد!·
وعجباً لأمر المؤمنة··· أيكون نداء الدنيا لدى نظيراتها غير الملتزمات أقوى من نداء ربها لديها حين يدعوها إلى الاهتمام بكبريات الأمور؟!·· كيف؟!·· كيف لم تستجب لجزء كبير من تعاليم دينها وهي تأمرها بالفاعلية وعلو الهمة وسمو التفكير ورفعة الغايات والأهداف؟!··· كيف لم تفعل وهي سليلة >أم عمار< و>نسيبة المازنية< و>الخنساء< و>أسماء بنت أبي بكر<، ومن قبلهن زوجات الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام؟! كيف وهي بنت هؤلاء اللواتي فعلن وفعلن وفعلن··· أننسى موقف >أسماء< لما صُلب ولدها عبدالله بن الزبير وماذا قالت له وكيف أخذت بيده ودفعته إلى الشهادة في سبيل ما يؤمن به؟!··· أننسى >الحميراء< عائشة التي أمر الرسول الكريم صحابته الرجال >أجل الرجال!< أن يأخذوا نصف دينهم عنها؟!··· أننسى الخنساء وما قالته في أولادها يوم >القادسية<؟!··· أننسى وننسى وننسى ونحن ورثة تاريخ مجيد··· وحضارة زاهرة عامرة·· وما فيها من مؤمنة إلا وقامت بالدور المشرف لها ولأبنائها وزجها وأولادها؟!···· إن >ابن تيمية< ينسب لأمة··· والشافعي يعترف لأمه بفضل حبه للعلم ونبوغه فيه··· وغيرهم وغيرهم كثير!·
وعجباً لأمر المؤمنة مرة ثانية وثالثة··· لقد خدرتها الأيام الحلوة··· ورغد العيش··· وسهولة الواجبات·· خدرتها فارتاح ضميرها··· وقالت لنفسها: >مادام بيتي نظيفاً·· وطعام الأولاد جاهزاً، وكذلك ملبسهم··· وفوق هذا مادام زوجي راضياً عن أدائي هكذا!!··· فلماذا لا أرتاح وأتنعم؟!<··· ولم تؤرق راحتها العواصف التي تزمجر من حولها··· وأن كثيراً من مشاهد الدنيا تتغير·· وأن تغيرها إن لم يصبها هي فسيصيب بناتها بالتأكيد·· كيف لم تنتبه إلى أن ابنتها لن تحفظ آية من كتاب الله ما لم ترها منكبة على القرآن تحفظه وتتلوه!··· وأن ولدها لن ينجو من غزو الفضائيات لمجرد أنها تذهب إلى صلاة >التراويح< بل لابد أن يجد عندها الإجابة الشافية إذا ما سألها لماذا عليَّ أن أمتنع عن مثل هذه السموم حلوة المذاق!··· عجباً لأمر المؤمنة كيف لم تنتبه إلى هذا وإلى أن المدرس الخصوصي الذي دخل بيتها بعدما عجزت بمستواها العلمي المتواضع عن استيعاب أبسط المعلومات المدرسية التي تساعد بها أولادها·· أن هذا المدرس لن يأخذ >فلوسها< ويمضي!··· بل سيزرع أشياء كثيرة لن تنتبه إليها إلا بعد فوات الأوان؟!·
إن مؤمنة اليوم لن تعدوَ إلى ساح القتال لتسقي المقاتلين أو تضمد جراحهم كما فعلت أمهاتنا وقدواتنا من الصحابيات بالتأكيد!··· ولكنها تملك ـ ويجب ـ أن تكون الراعية الحقة لما استأمنها الله من أمر >رعيتها<··· ولن يتحقق لها ذلك ـ لو علمت ـ ما دامت رضيت بالمستوى الذي لا يتجاوز المطبخ وأحاديث الجارات··· لن يتحقق ذلك إلا إذا تملكت الوسائل الفاعلة التي تمكنها من القيام بهذه الرعاية الحقة··· وأعني بها الوسائل المادية والفكرية والثقافية والعاطفية··· وبتوازن يضمن ألا نقع في تضخم في إحداها وهزال في الأخرى!·
كما أن الدور الذي نريده ويفرضه واقعنا اليوم يتطلب من المؤمنة أن تكون فاعلة لا منفعلة·· ومؤثرة في محيطها لا متأثرة بأول بريق يبدو لها من هذه أو تلك ممن لا تتقين الله··· وأن تكون القدوة لبناتها ولغير بناتها فيما تؤمن به لا مجرد آمرة لهن بما تقتنع وكفى!··· هذا هو الدور الذي نريده لك ونحتاجه منك أخت الإيمان··· فأين تريدن موقعك الحقيقي منه؟!
وإني لأسمح لنفسي أخيراً ـ أختي المؤمنة ـ أن أقول: إننا ندعوك إلى الارتقاء العام بمستوى اهتماماتك··· وأن تضعي إلى جانب ما تهتمين به الآن اهتماماً أكبر ما استأمنك الله عليه من أمور رعيتك··· اهتماماً يفوق المأكل والملبس وعدة >التنزه< أيام العطلات··· واهتماماً أكبر بما فرضه الله عليك في نفسك وعقلك وثقافتك··· وأخيراً في دورك الذي يريده لك ديننا العظيم بين الناس··· دور خولة والخنساء وأم عمار وأسماء··· وكلي أمل أن اليوم سيكون خيراً من الأمس··· وأن خطوة في الاتجاه الصحيح من مسيرة الألف ميل متى بدأت فإنها ستوصلك إلى أميال الألف الأخرى بإذن الله وتوفيقه··· والله المستعان·