صدر حديثًا كتاب "رفع الوشاح عن حاشية ابن جراح على" منار السبيل في شرح الدليل "لابن ضويان"، الحاشية للشيخ العلامة: "محمد بن سليمان آل جراح الحنبلي" (ت ١٤١٧ هـ)، إعداد وتحقيق: الشيخ أ.د. "وليد بن عبدالله عبد العزيز المنيّس"، في ثلاثة مجلدات، نشر "دار لطائف لنشر الكتب والرسائل العلمية" بدولة الكويت.
ويتضمن هذا الكتاب حاشية وتعليق الشيخ "محمد بن سليمان آل جراح الحنبلي" (1322 – 1417 هـ) علاَّمة الكويت على كتاب "منار السبيل في شرح الدليل" لابن ضويان، التي قيدها تلامذة الشيخ من خلال تسجيلاته الصوتية أثناء شروحاته على الكتاب، ومن ثم عرضوها على الشيخ "ابن جراح" لإقرار تلك التقييدات، وطبعها كحاشية مع متن الكتاب، وكتاب "منار السبيل" لابن ضويان، هو شرح لمتن "دليل الطالب لنيل المطالب" للشيخ "مرعي بن يوسف الكرمي"، ومتن "دليل الطالب" من المتون المهمة في الفقه الحنبلي، اختصره مؤلفه اختصارًا حسنًا وذكر فيه القول الراجح المعتمد في المذهب، وقد بين في مقدمته أنه لم يذكر فيه إلا ما جزم بصحته أهل التصحيح والعرفان، وعليه الفتوى فيما بين أهل الترجيح والإتقان من المتأخرين... فكان هذا المتن اللطيف حقيقًا بالعناية لما اشتمل عليه من الفوائد.
وكان ممن تصدى لذلك الشيخ "إبراهيم بن ضويان" - رحمه الله - فشرحَ هذا المتن شرحًا غير مطول، فاكتفى بذكر الدليل والتعليل مع الإشارة أحيانًا إلى الروايات الأخرى في المسألة عند الحاجة، وبخاصة إذا كانت الرواية الأخرى أقوى دليلًا، وكثيرًا ما يشير إلى ترجيحات بعض محققي الحنابلة كـ"الموفق ابن قدامة" وشارح "المقنع"، وقد أكثر من النقل عنه وعن "شيخ الإسلام" وتلميذه "ابن القيم" وصاحب "الفروع" وصاحب "الإنصاف".. وغيرهم، وبالجملة فالكتاب نافع في بابه يصلح للمبتدئين في دراسة الفقه الحنبلي، وقد عني الشيخ "الألباني" بأحاديث هذا الكتاب فخرجها في كتابه "إرواء الغليل" مما زاد من قيمة هذا الكتاب المبارك.
وقد اهتم كثير من المتأخرين في شروحهم لأبواب الفقه الحنبلي بتدريس وشرح كتاب "منار السبيل"، وقد كان الشيخ "محمد بن سليمان آل جراح" قد تصدى لشرح كتاب "دليل الطالب" وقام طلبته بإخراج تعليقاته، وقد قام الشيخ بعدها بشرح "منار السبيل" لإتمام شروحاته على المتنين لطلبة العلم الحنابلة، لذا تعد تعقبات الشيخ "ابن جراح" على قلتها نفيسة مميزة في التعقيب على مرادات الشيخين "مرعي الكرمي" صاحب "دليل الطالب" و"ابن ضويان" صاحب "منار السبيل".
وقد قام محقق الكتاب بوضع متن كتاب "منار السبيل" محققًا منسقًا، ووضع تعقبات الشيخ "ابن جراح" وتعليقاته في الحواشي، ويقدمها بقوله: قال الشيخ محمد الجراح:....، إلى جانب تخريجه لآثار الكتاب وأحاديثه وشرح ما غمض من ألفاظ المتن.
وصاحب الحاشية هو الشيخ العلامة "محمد بن سليمان آل جراح الحنبلي" المعروف بابن جراح، (1322 - 1417 هـ)، ولد في الكويت سنة 1902 م (1322 هـ) بعد هجرة جده عبدالله بأربعة عقود من إحدى قرى سدير في نجد إلى الكويت ثم الزبير، ويعود نسبة إلى آل فضل من بني لام من طيء.
بدأ تعلم القرآن على يد الملا "أحمد بن محمد الحرمي" وملا "محمد المهيني"، وتعلم الكتابة والحساب وقسمة المواريث في مدرسة السيد "هاشم الحنيان"، وتعلق قلبه بالعلم وكسب المعرفة منذ نعومة أظفاره فحفظ في بداية شبابه العديد من المتون العلمية، وأخذ مبادئ الفقه على يد علامة الكويت الشيخ "عبدالله خلف الدحيان" حيث كان يقرأ في مجلسه تفسير ابن كثير وفتح الباري، كما أخذ العلم من الشيخ "عبدالوهاب عبدالله الفارس"، والشيخ "أحمد عطية الأثري" والشيخ "عبدالعزيز بن قاسم حمادة".
ويعد "ابن جراح" من أبرز علماء الكويت في اللغة والأدب والفقه، وشاعرًا من شعرائها، خدم في مجال الإمامة والخطابة في مساجد الكويت الزاخرة والمنتشرة بين الأحياء السكنية، وكان يعلم طلبته الصبر على طلب العلم وعدم الاستعجال في الأسئلة قبل إتقان العبارات وفهم المقاصد، وكيفية الاعتناء بالكتاب والمحافظة عليه، وكيفية كتابة التعليق في الكتاب إن وجد وأين يكتبه، وكان يذكرهم بتحسين الخط، كما كان حريصًا على نشر علمه بين عامة الناس لكي يستفيدوا منه في حياتهم، وكانت له الكثير من الرسائل والفتاوى المدعمة بالحجة والدليل من كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ومن صور زهده في الدنيا والمناصب العليا عندما عرض عليه الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس دائرة المحاكم آنذاك أن يتولى القضاء فقال "من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين"، فرفض المنصب بأدب ولباقة، ومن تواضعه عبارته المشهورة التي قالها قبل وفاته بأيام معدودة "إني طالب علم مقصر محب للعلم ولست بفقيه الكويت ولا فرضيها، وما قيل في من الإطراء فأنا بريء منه، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيرًا مما يظنون".
استمر الشيخ الفاضل في سعيه الدؤوب في تحصيل العلم وتوصيله باذلًا جهده ووقته وصحته حتى مشارف سنة 1416 هـ، فمنذ تلك السنة تتابعت أعراض المرض عليه، فلما بلغ عمره حينها 95 عاما، وفي فجر الخميس 13 جمادي الأولى سنة 1417 هـ توفي رحمه الله.
ومن مؤلفاته: "تبصير القانع في الجمع بين شرحي ابن شطي و ابن مانع"، و"كفاية الناسك في أحكام المناسك"، وعدة فتاوى، وحواش على "نيل الطالب"، و"منار السبيل" وغيرها من متون الفقه الحنبلي.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/141500/#ixzz6VTosi9xB