الضوابط الشرعية لخروج المرأة من بيتها
محمد بن عبد اللّه الهبدان

الأصل أنَّ المرأة مأمورة بلزوم البيت، منهية عن الخروج إلاَّ عند الحاجة، إلاَّ أنَّ الفقهاء وضعوا ضوابط لخروجها وهي كالتالي:
الضابط الأول: أن يكون خروجها لضرورة أو حاجة
روى البخاري في صحيحه، عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن)) [1].
يقول العيني في شرح هذا الحديث: (قال ابن بطال: في هذا الحديث دليلٌ على أنَّ النساء يخرجن لكل ما أبيح لهنَّ، الخروج من زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم، وغير ذلك مما تمسُّ به الحاجة) [2]
وقال ابن كثير ـ - رحمه الله - ـ في تفسير قوله - تعالى -: - ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) أي الزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة) [3].
وأمَّا إذا لم يكن لها ضرورة ولا حاجة، فلا يجوزُ لها بل يحرم عليها أن تترك عملها الأساس - وهو راعية بيتها - ثم تخرج إلى عملٍ لا حاجة لها به [4].
الضابط الثاني: أن يكون الخروج بإذن وليها:
والمرأة لا تخلو من حالتين:
أن تكون ذات زوجٍ أو غير متزوجة.
فإن كانت ذات زوج فلا تخرج إلاَّ بإذن زوجها:
لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ((ولا تخرج من بيته إلاَّ بإذنه، فإن فعلت لعنتها الملائكة ملائكة الغضب والرحمة حتى تتوب أو تراجع)) [5].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (لا يحلُ للزوجة أن تخرج من بيتها إلاَّ بإذنه، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية لله ورسوله، ومستحقةً للعقوبة)([6])
وقال النووي عند التعليق على حديث: ((إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ)): (أُستدل به على أنَّ المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلاَّ بإذنه لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن، وللزوج منع زوجته من الخروج من منزله إلا ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما. [7]
قال ابن قدامة: (قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة، طاعة زوجها أوجب عليها من أمِّها، إلاَّ أن يأذن لها، ولأنَّ طاعة الزوجة واجبة، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب، ولا يجوز لها الخروج إلاَّ بإذنه، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما، لأنَّ في ذلك قطيعة لهما، وحملاً لزوجته على مخالفته، وقد أمر الله - تعالى -بالمعاشرة بالمعروف [8].
- وإن كانت غير متزوجة:
فلا يجوزُ لها الخروج إلاَّ بإذن الأبوين في حال وجودهما، أو الجد في حال عدم وجود الأب [9].
الضابط الثالث: أن تلتزم بالحجاب الشرعي
فلا يبدو منها إلاَّ ما لابُدَّ منه من الثياب الظاهرة امتثالاً لقوله - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) (الأحزاب: 59).
قوله - تعالى -: ((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)) (الأحزاب: 53).
ففي تفسير الآية الأولى، يروي ابن جرير الطبري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قوله: ((أمر نساء المؤمنين إذا خرجنَّ من بيوتهن في حاجةٍ أن يغطين وجوههنَّ من فوق الجلابيب، ويبدين عيناً واحدة))[10].
الضابط الرابع:أن يكون خروجها على تبذل وتستر تام
لحديث أبي موسى- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا استعطرت المرأة فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا)) رواه أبو داود [11]، وفي رواية لأحمد: ((فهي زانية)) [12].
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات)) رواه أبو داود [13].
قال العيني: (يجوز الخروج لما تحتاج إليه المرأة من أمورها الجائزة، بشرط أن تكون بَذيئة الْهَيْئَةِ، خَشِنَةَ الْمَلْبَسِ، تَفِلَةَ الرِّيحِ، مَسْتُورَةَ الْأَعْضَاءِ، غير متبرجةٍ بزينة، ورافعة صوتها).
قال ابن قيم الجوزية: (يجب على ولي الأمر منع النساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهنَّ من الثياب التي يكنَّ بها كاسيات عاريات، وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منـزلها، ولاسيما إذا خرجت متجملة، بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهنَّ على الإثم والمعصية، والله سائل ولي الأمر في ذلك، وقد منع أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- النساء من المشي في طريق الرجال، والاختلاط بهم في الطريق) [14].
الضابط الخامس: أن لا يفضي خروجها إلى حرام أو ترك واجب
كأن يؤدي خروجها إلى اختلاطها بالرجال الأجانب، أو الخلوة بالرجل الأجنبي كالسائق والموظف، أو السفر بدون محرم، أو أنَّ خروجها سيؤثر على رعاية بيتها وزوجها وأولادها، أو أن تخرج لتعمل، فيؤدي عملها إلى تضييقِ فرص الكسبِ لدى الرجال، والمسألةُ محكومة بالقاعدة الأصولية المعروفة: (ما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب، وما يترتب عليه محرم؛ فهو محرم) [15].
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: (الدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال في المجتمع الإسلامي، من أعظم آثارهِ الاختلاط، الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا، الذي يفتك بالمجتمع، ويهدم قيمه وأخلاقه، وعليه فعمل المرأة بين الرجال من غير المحارم فتنة، تضعها على الطريق الموصل إلى مالا تحمد عقباه مما حرم الله، وما يؤدي إلى الحرام، وعليه فعملُ المرأة بين الرجال محرمٌ لا يقول بخلافه إلاَّ من حادَّ الله ورسوله) [16].
ويقول أيضاً - رحمه الله - (إنَّ عمل المرأة بعيداً عن الرجال، إن كان فيه مضيعة للأولاد، وتقصير بحق الزوج، من غير اضطرارٍ شرعي لذلك يكون محرماً، لأنَّ ذلك خروجٌ على الوظيفة الطبيعة للمرأة، وتعطيلٌ للمهمة الخطيرة التي عليها القيام بها، مما ينتجُ عنه سوء بناء الأجيال، وتفكك عُرى الأسرة التي تقومُ على التعاون والتكامل والتضامن، ومساهمة كلٌ من الزوجين بما هيأ الله له من الأسباب، التي تساعد على قيام حياةٍ مستقرة آمنةٍ مطمئنة، يعرف فيها كل فرد واجبة أولاً، وحقهُ ثانياً). [17]
----------------------------------------
[1] ورقمه (5237).
[2] عمدة القاري (20/218).
[3] تفسير ابن كثير (3/483).
[4] أجريت دراسة على دوافع النساء العاملات للعمل فوجد أن من يعملن للحاجة فقط24 %.
[5] رواه البيهقي (7/292) والطيالسي (2063) وعبد بن حميد (814) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وعطاء لم يسمع من ابن عمر كما قال علي بن المديني. ورواه البزار من حديث ابن عباس وفيه حسين بن قيس وهو متروك الحديث. انظر: مجمع الزوائد (4/307) والمطالب العالية (1713).
[6] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (32/281).
[7] المجموع (4/199).
[8] المغني (7/244).
[9] انظر: عمل المرأة، هند الخولي ص 150.
[10]جامع البيان عن تأويل آي القرآن (12/46).
[11] ورقمه (4173). والترمذي (2786) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[12] مسند أحمد (4/413).
[13]رواه أبو داود (565).
[14] الطرق الحكمية ص 280.
[15] القواعد والفوائد الأصولية، ابن اللحام ص 94.
[16] نقلا من: عمل المرأة وموقف الإسلام منه ص 190.
[17] نقلا من كتاب تأملات في عمل المرأة ص 65-66.