تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الرد الفصل على من زعم أن لفظة ((هلك)) في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ تعنى انقطاع النسل

  1. #1

    Exclamation الرد الفصل على من زعم أن لفظة ((هلك)) في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ تعنى انقطاع النسل

    الرد الفصل على من زعم أن لفظة ((هلك))
    في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ تعنى انقطاع النسل
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
    وبعـــد:
    فإن القرآن الكريم قد يسره الله للذكر، وبين معانيه للفهم، غير أن الناس يتفاوتون في العلم والفهم، لذلك فقد يقع البعض في الفهم الخاطيء لبعض كلمات أو آيات الذكر الحكيم، مما يخالف ما اتفق عليه أهل العلم بالتفسير واللغة من فهم الكلمة أو الآية في سياقها القرآني.
    وقد كثر في عصرنا الحالي مثل هذه التفسيرات الخاطئة لبعض آيات أو كلمات القرآن، والتي قد تنتشر بين العامة وبعض المثقفين، خاصة على مواقع التواصل الإجتماعي.
    وقد تسبب في ذلك كثرة الكلام في دين الله دون تثبت أو رجوع إلى أهل العلم والمتخصصين، كذلك التجريء على القول في دين الله بغير علم.
    من هذه التفسيرات الخاطئة القول بأن مفردة «هلك» في القرآن الكريم تعني الفناء التام بحيث لا يوجد خلائف أو ورثة لمن «هلك» .
    وبناءًا على هذا التفسير للكلمة فقد ذهب القائل بذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا([1]).
    أن لفظة «هلك» في الآية تدل على أن يوسف عليه السلام مات وليس له ولد، وأنه لم يصح أن يوسف كان له ذرية أو أثر.
    وقد استدل القائل فيما ذهب إليه بقول الله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ «هلك» لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ([2]).
    وقال بأنه لا يصح حمل لفظة «هلك» على الموت، إذ أن في الهلاك معنى زائد على الموت، وأن المعنى الزائد في الآية هو الانقطاع من الذرية أو الولد، وآية الكلالة خير شاهد على ذلك.
    واستدل من قال بهذا القول المحدث على ما زعم أيضاً بحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا «هلك» نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، ... ([3]).
    وقال بأن الخلافة شيء والوراثة شيء، وأن لفظة «هلك» في الحديث تدل على أنه كلما مات نبي ولم يترك ذرية ترث النبوة.
    وهذا والله عبث من القول، وتجرأ على كتاب الله تعالى بغير علم أو هدى، وقد قال النبي ﷺ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»([4]). وقال ﷺ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ»([5]).
    وإن من المهم في كل فن أن يتعلم المرء من أصوله ما يكون عونًا له على فهمه وتخريجه على تلك الأصول، ليكون علمه مبنياً على أسس قوية ودعائم راسخة ً، وقد قيل: من حٌرِم الأصول حرم الوصول.
    وإن من أجل فنون العلم، بل هو أجلها وأشرفها، علم التفسير الذي هو تبيين معاني كلام الله عز وجل وقد وضع أهل العلم له أصول وقواعد تحكم خطة المفسر، وتحول بينه وبين الخطأ في الفهم والاستنباط، وتعينه على أداء مهمة التفسير على الوجه الأفضل.
    ولو راجع هذا المجترىء على كتاب الله هذه الأصول والضوابط لتبين له قبح مسلكه في تفسير هذه الآية الكريمة.
    فإن الكلام في كتاب الله والتجاسر عليه, دون اقتفاء لأثر إمام ولا نقل لقول أحد الأعلام من أئمة العربية أو التفسير لهو بدع من القول، وقديمًا قال إمام من سادات الأئمة ومن علية القوم الذين يهتدى بهم -أحمد بن حنبل - إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، فنحن أمة الإتباع ونبذ الابتداع.
    ونحن بفضله الله وكرمه في هذا البحث نبين خطأ هذه التفسير من عدة وجوه:
    أولاً: بيان قول أئمة اللغة أن لفظة «هلك» تأتي بمعنى مات .
    ثانياً: الاستشهاد ببعض الآيات والأحاديث التي ذكرت الهلاك بمعنى الموت.
    ثالثاً: نقل إجماع أهل التفسير في الآيتين على أن لفظة «هلك» فيهما بمعنى مات.
    رابعاً: إثبات أن يوسف عليه السلام غير منقطع الذرية.
    خامساً: كيف وجه أئمة التفسير لفظة «هلك» في سياق الآية الكريمة.
    أولاً: بيان قول أئمة اللغة أن لفظة «هلك» تأتي بمعنى مات .
    قال ابن فارس: «الْهَاءُ وَاللَّامُ وَالْكَافُ: يَدُلُّ عَلَى كَسْرٍ وَسُقُوطٍ. مِنْهُ الْهَلَاكُ: السُّقُوطُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْمَيِّتِ هَلَكَ»([6]).
    وقال الهروي: «ويقال: هلك فلان إذا مات»([7]).
    وقال ابن سيده: «هَلَكَ يَهلِكُ هُلْكاً وهُلُكا وهَلاكا: مَاتَ»([8]).
    وجاء في موسوعة اللغة العربية المعاصرة([9]): هلَك فلانٌ: مات «ما هلَك امرؤٌ عرَف قدرَه».اهـ
    فهؤلاء أئمة اللغة وأساطين العربية يثبتون أن لفظة هلك تقع بمعنى الموت المجرد.
    ثانياً: الاستشهاد ببعض الآيات والأحاديث التي ذكرت الهلاك بمعنى الموت.
    أولاً: الاستشهاد بآيات القرآن :-
    ذكر الراغب في المفردات أربعة أوجه للهلاك في القرآن الكريم من بينها الموت، فقال رحمه الله: «الأول: افتقاد الشيء عنك، وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى:﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ﴾[الحاقة/ 29] .
    والثاني: وهَلَاكِ الشيء باستحالة وفساد كقوله:﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾[البقرة/ 205] ويقال: هَلَكَ الطعام.
    والثالث: الموت كقوله: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾[النساء/ 176] وقال تعالى مخبرًا عن الكفّار:﴿وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ﴾[الجاثية/ 24] .
    ولم يذكر الله الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذّمّ إلّا في هذا الموضع، وفي قوله:﴿وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا﴾[غافر/ 34] ، وذلك لفائدة يختصّ ذكرها بما بعد هذا الكتاب.
    والرابع: بطلان الشيء من العالم وعدمه رأساً، وذلك المسمّى فناء المشار إليه بقوله:﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾[القصص/ 88]» ([10]).
    فهذه ثلاث آيات ذكرها الراغب جاء فيها الهلاك بمعنى الموت المجرد، ونحن نضيف عليها ثلاثة أخرى، وهي:
    - قوله تعالى: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾[الأنفال/42]، وقد جاء في هذه الآية الهلاك مقابل الحياة.
    قال ابن جرير الطبري: «ويعني بقوله: {ليهلك من هلك عن بينة}، ليموت من مات من خلقه» ([11]). وعليه جمهور المفسرين.
    - وقوله تعالى: ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا﴾[الأعراف/155].
    قال القرطبي: «أي أمتهم، كما قال عز وجل:«إن امرؤ هلك»، والمعنى: لو شئت أمتنا من قبل أن نخرج إلى الميقات»([12]). وهو قول عامة أهل التفسير.
    - وقوله تعالى: ﴿قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ﴾[يوسف/85].
    قال الطبري: «وقوله: (أو تكون من الهالكين) ، يقول: أو تكون ممن هلك بالموت»([13]). ونقل عليه الإجماع القرطبي، فقال: (أو تكون من الهالكين) أي الميتين، وهو قول الجميع»([14]).
    ثانياً: الاستشهاد بالأحاديث النبوية :-
    * قد استدل المخالف على ما تقدم ذكره بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، ... ([15]).
    والحقيقة أن هذا الحديث حجة عليه لا له، حيث قد ورد بلفظ: «كُلَّمَا ذَهَبَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ»([16]).، وبلفظ: «إِذَا مَاتَ نَبِيٌّ قَامَ نَبِيٌّ مَكَانَهُ»([17]).
    قال النووي رحمه الله: «في هذا الحديث جواز قول هلك فلان إذا مات وقد كثرت الأحاديث به وجاء في القرآن العزيز، قوله تعالى: {حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا}»([18]).
    فهذا فهم الأئمة لهذا الحديث، ولم قول أحد بمثل قوله، وكيف يتصور أن جميع أنبياء بني إسرائيل أو أكثر كان منقطع الذرية، وغاية ما يقال أن النبوة كانت تتنقل بين أسباط بني إسرائيل، وقد يرثها الابن عن أبيه كما ورث سليمان داود، ويحيى زكريا، لكنه عبر هنا بالخلافة لأنها أعم ولأن خلافة النبوة أمر وهبي وليس كسبي، ولذلك لما وُرثت صارت ملكاً.
    * عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، .... ([19]).
    قال العيني رحمه الله: أَي: مَاتَت خَدِيجَة قبل أَن يتَزَوَّج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعائشة([20]).اهـ
    وقد تركة خديجة رضي الله عنها أبناء من النبي ﷺ وغيره .
    * عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، .... ([21]) .
    قال القسطلاني: مات.اهـ
    فعبرت في الحديث بأنه هلك وقد ترك صبية، فتبين أن الهلاك يعنى انقطاع الذرية.
    * عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، ... ([22]).
    وعند الترمذي([23]): قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَاتَ، وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعًا، فَجِئْتُ بِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِنَّ، ...
    فجعل الهلاك بمعنى الموت.، وقد ترك عبد الله جابر وتسع بنات كما ذكر في الحديث.
    * عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ, قَالَ: لَمَّا أَمَرَنِي أَبُو بَكْرٍ فَجَمَعْتُ الْقُرْآنَ كَتَبْتُهُ فِي قِطَعِ الْأُدُمِ وَكِسَرِ الْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ عُمَرُ كَتَبَ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ ... ([24])
    ومعلوم أن أبا بكر ترك ذرية من بعده.
    فهذه آيات القرآن الكريم، وأحاديث السنة، ذكر فيها الهلاك بمعنى الموت، كذلك فهما
    الأئمة والعلماء وتكلم بها النبي ﷺ والصحابة رضوان الله عليهم.
    ثالثاً: نقل إجماع أهل التفسير في الآيتين على أن لفظة «هلك» فيهما بمعنى مات.
    الآية الأولى :-
    قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا([25]).
    قال الطبري: (حَتَّى إِذَا هَلَكَ) يقول: حتى إذا مات يوسف.
    أبو الليث السمرقندي: حَتَّى إِذا هَلَكَ يعني: مات.
    مكي: {حتى إِذَا هَلَكَ}، (أي: مات يوسف).
    الراغب: وقد تقدم.
    البغوي: {حتى إذا هلك} مات.
    ابن الجوزي: حَتَّى إِذا هَلَكَ أي: مات.
    البيضاوي: حتى إذا هلك: مات.
    الخازن: حَتَّى إِذا هَلَكَ: يعني مات.
    الفيروزابادي: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} مَاتَ.
    الإيجي: (حَتَّى إِذَا هَلَكَ) مات.
    العليمي: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} مات.
    المسعودي: {حتى إِذَا هَلَكَ} بالموتِ.
    الألوسي: حَتَّى إِذا هَلَكَ بالموت.
    القاسمي: حَتَّى إِذا هَلَكَ أي مات.
    المراغي: حتى إذا مات.
    فهؤلاء أئمة التفسير على مر العصور لم يصرف أحدهم لفظ الهلاك في الآية على غير
    الموت، أو أضاف زيادة عليه، أأخطئوا وأصبتم، أم ضلوا واهتديتم؟!
    الآية الثانية:-
    قوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ([26]).
    قال الطبري: يعني بقوله:«إن امرؤ هلك»، إن إنسان من الناس مات.
    الماتريدي: كقوله: (امْرُؤٌ هَلَكَ)، أي: مات.
    أبو الليث السمرقندي: قال: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ يعني إن مات رجل.
    العسكري: ذكر وجوه الهلاك في القرآن وقال منها: الموت، قال اللَّه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ).
    الراغب: وقد تقدم .
    القرطبي: أي أمتهم، كما قال عز وجل: إن امرؤ هلك.
    النسفي: أي أماتني الله كقوله إن امرؤ هلك.
    الخازن: قوله تعالى: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ: يعني مات سمي الموت هلاكا لأنه إعدام في الحقيقة.
    ابن كثير: {إن امرؤ هلك} أي مات.
    الفيروزابادي، أوجه الهلاك: المَوْتُ، نحو قوله تعالى: {إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}.
    صديق خان: (إن امرؤ هلك) والمعنى مات وسمي الموت هلاكاً لأنه إعدام في الحقيقة.
    القاسمي: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) أي: مات. واختصاص الهلاك بميتة السوء عرف طارئ لا يعتد به. بدليل ما لا يحصى من الآي والأحاديث.
    المراغي: هلك مات .
    فهؤلاء أئمة التفسير فهموا من لفظة الهلاك في الآية أنها تعني الموت المجرد.
    رابعاً: إثبات أن يوسف عليه السلام غير منقطع الذرية.
    تقدم أن حمل المخالف لفظة هلك في آية غافر على أن يوسف عليه السلام لم يترك ذرية، أو أن ذريته قد ماتت في حياته.
    وتعنت في الاحتجاج لقوله بأنه لم يرد في نص صحيح أن ليوسف عليه السلام ذرية من بعده، وكأن علم الأنساب لا يؤخذ إلا من حديث صحيح أو آية صريحه!
    وهل لنا أن نهدر نسل نبي كريم ونجرده من ذريته بمجرد تأويل يحتمل الخطأ قبل الصواب؟! بل هو تأويل خطأ مخالف لجميع علماء التفسير المتقدمين والمتأخرين.
    وهل لم ينتبه قائل هذا القول لما يؤول إليه قوله؟!
    إن الحقيقة التي أغفلها هذا القائل ولم يكلف نفسه عناء البحث عنها أن ليوسف عليه السلام ذرية بقية إلى زمن النبي محمد ﷺ، وربما تكون باقية إلى يومنا هذا.
    بل إنه قد خرج من ذريته أنبياء ورثوا النبوة والكتاب، حتى لا يقول معترض أن المراد انقطاع النبوة في ذريته.
    ونحن بعون الله وتوفيقه سنثبت من أقول العلماء بقاء ذرية يوسف عليه السلام بما لا يدع مجال للشك في هذا الجانب.
    أولاً: قال الله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ([27]).
    قال ابن جرير الطبري: وأما «الأسباط» الذين ذكرهم، فهم اثنا عشر رَجلا من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وَلَد كل رجل منهم أمّة من الناس، فسموا«أسباطًا»([28]).
    ثم ساق بأسانيده عن ابن عباس، وقتادة، والربيع بن أنس، وابن زيد، والسدي، ومحمد بن إسحاق، القول بذلك([29]).
    وقال الزجاج: «الأسباط اثنا عشر سِبْطاً وهم ولد يعقوب عليه السلام، ومعنى السبط في اللغة: الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد، والسبط في اللغة الشجرة، فالسبط، الذين هم من شجرة واحدة»([30]).
    أبو الليث السمرقندي: «هم أولاد يعقوب، كان له اثنا عشر ابناً، فصار أولاد كل واحد منهم سبطاً، والسبط بلغتهم بمنزلة القبيلة للعرب»([31]).
    ابن أبي الزمنين: «الأسباط يَعْنِي: يُوسُف وَإِخْوَته»([32]).
    الثعلبي: وَالْأَسْباطِ يعني أولاد يعقوب واحدهم سبط. سمّوا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة من النّاس وسبط الرّجل حافده، ومنه قيل للحسن والحسين (عليهما السلام) سبطا رسول الله ﷺ، والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب، والشعوب من العجم.
    الواحدي: والأسباط: وهم أولاد يعقوب وكان فيهم أنبياء.
    السمعاني: أما الأسباط: هم اثنا عشر سبطا وهم أولاد يعقوب والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب.
    البغوي: والأسباط، يعني: أولاد يعقوب، وهم اثنا عشر سبطا: واحدهم: سبط، سموا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة.
    الزمخشري: وَالْأَسْباطِ حفدة يعقوب ذرارىّ أبنائه الاثني عشر .
    ابن عطية: وَالْأَسْباطِ هم ولد يعقوب، وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وربالون ويشحر ودنية بنته وأمهم ليا، ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين، وولد له من سريتين ذان وتفثالي وجاد وأشرو، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد
    إسماعيل، فسموا الأسباط لأنه كان من كل واحد منهم سبط.
    القرطبي: والأسباط: ولد يعقوب عليه السلام، وهم اثنا عشر ولدا، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس.
    ابن تيمية: قد أخبر الله عن أخوة يوسف بما أخبر من ذنوبهم وهم الأسباط الذين نبأهم الله تعالى.
    الخازن: وَالْأَسْباطِ وهم أولاد يعقوب الاثنا عشر واحدهم سبط وكانوا أنبياء.
    أبو حيان الأندلسي: والأسباط هم أولاد يعقوب، وهم اثنا عشر سبطا. قال الشريف أبو البركات الجواني النسابة: وولد يعقوب النبي ﷺ: يوسف النبي ﷺ، صاحب مصر وعزيزها، وهو السبط الأول من أسباط يعقوب عليه السلام الاثني عشر، والأسباط سوى يوسف: كاذ، وبنيامين، ويهوذا، ويفتالي، وزبولون، وشمعون، وروبين، ويساخا، ولاوي، وذان، وياشيرخا.
    ابن كثير: قال أبو العالية والربيع وقتادة: الأسباط: بنو يعقوب اثنا عشر رجلا؛ ولد كل رجل منهم أمة من الناس، فسموا الأسباط.
    المسعودي: والأسباطُ جمع سبط وهو الحافد والمراد بهم حفدة يعقوبَ عليه السلام أَوْ أبناؤه الاثنا عشر وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم واسحق.
    الألوسي: والْأَسْباطِ جمع سبط كأحمال وحمل وهم أولاد إسرائيل.
    القاسمي: والأسباط هم أولاد يعقوب الاثنا عشر المتقدم ذكرهم.
    رشيد رضا: والأسباط أولاد يعقوب، والفرق أو الشعوب الإثنى عشر المتشعبة منهم.
    فهؤلاء المفسرون على مر العصور ليس بينهم خلاف على أن يوسف كانت منه الذرية، بل هو أول أسباط بني إسرائيل.
    وإنما الخلاف الواقع بينهم هل المراد بالأسباط أبناء يعقوب عليه السلام أم أحفاده وذرية أبناءه؟
    والصحيح الذي عليه الجمهور، والذي يقتضيه السياق القرآني أنهم أبناء يعقوب عليه السلام، حيث لم يرد ذكر الأسباط في القرآن إلا متعلق وتابع لذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وذلك في أربعة مواضع اثنان في البقرة، وموضع في آل عمران، وموضع في النساء، وهي بالترتيب كالتالي:
    الأول: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ﴾[البقرة: 136].
    الثاني: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾[البقرة: 140].
    الثالث: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾[آل عمران: 84].
    الرابع: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾[النساء: 163].
    بالنظر في جملة هذه الآيات يتبين أن:
    الأسباط اقترن ذكرهم بآبائهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وباستقراء السياق نجد أن آية البقرة الأولى جاءت بعد قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
    ففي هذه الآيات دلالة واضحة على أن أبناء يعقوب هم الأسباط المعنيون في الآيات اللاحقة، وذلك لتعلق اللاحق بالسابق، وعدم انقطاع السياق.
    كذلك مما يستأنس به دعاء يعقوب ليوسف عليهما السلام: ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[يوسف: 6]. وقول يوسف عليه السلام: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾[يوسف: 38].
    في الآية الثانية بأن الأسباط لم يكونوا على اليهودية ولا النصرانية، حيث لم تعرف اليهودية إلا بعد موسى ولا النصرانية إلا بعد عيسى عليهما السلام.
    ثم الذي يتضح من الخطاب أن الأسباط أشخاص معينون معروفون عند اليهود والنصارى كما عرفوا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، فالذي يترجح أنهم أبناء يعقوب من صلبه لأنهم أجدادهم وحيث ذكر الأجداد من الأنبياء ذكرهم.
    في الآية الرابعة ذكر الله تعالى أنه أوحى إلى الأسباط كما أوحى إلى المرسلين والنبيين، وهذا لا يستقيم مع القول بأن الأسباط المعنيون في الآيات هو أحفاد يعقوب وذرية أبناءه، إذ أنهم لم يكونوا جميعاً أنبياء، بل منهم الضال.
    فالراجح:أنهم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء .
    قال برهان الدين البقاعي: وهذا هو الذي يظهر إذا تأملت هذه الآية مع التي بعدها وآية النساء ، فإن الأسباط - أعني القبائل - كانت منهم الضلال، وقد أنكر الله على من قال: إنهم كانوا هوداً أو نصارى، وأخبر في آية النساء أنه أوحى إليهم.اهـ
    يتبين مما سبق أن يوسف عليه السلام رأس سبط من أسباط بني إسرائيل وهذا باتفاق علماء الملل الثلاثة .
    ذكر ذرية يوسف عليه السلام عند مؤرخي الإسلام:
    قال ابن قتيبة: «ولد ليوسف ابنان: افرائم، وهو جد يوشع بن نون بن افرائم والآخر: ميشا. فولد لميشا ابن يقال له: موسى، فتنبأ قبل موسى بن عمران»([33]).
    وقال الطبري: «ولد ليوسف أفراييم بن يوسف ومنشا بن يوسف، فولد لإفراييم نون، فولد لنون بن إفراييم يوشع بن نون وهو فتى موسى، وولد لمنشا موسى بن منشا.
    وقيل: إن موسى بن منشا نبى قبل موسى بن عمران»([34]).
    قال المطهر المقدسي: «في التوراة أن يوسف مات وهو ابن مائة وعشرون سنة وكان تزوج زليخا فولدت له اثنين افرايم بن يوسف جد يوشع بن نون وكان ولي عهد موسى من بعده ومنشا بن يوسف»([35]).
    وقد ذكر الدينوري في حديثه عن ملك داود عليه السلام أن طالوت كان من سبط يوسف عليه السلام([36]).
    قال ابن حزم: «كان في سبط يوسف- عليه السلام- من الأنبياء: يوشع بن نون، خليفة موسى- عليه السلام- وهو من ولد أفراييم بن يوسف»([37]).
    وذكر ابن كثير في نبوة يوشع عليه السلام وتقسيم المقاتلة من الأسباط، فقال: «السبط الخامس سبط يوسف عليه السلام وكانوا أربعين ألفًا وخمسمائة ونقيبهم يوشع بن نون»([38]).
    ومن تتبع كتب التفسير والتاريخ علم يقيناً أنه كان من ذرية يوسف قبيلة كاملة.، ولم ينكر وجود ذرية يوسف عليه السلام أحد من علماء المسلمين.
    فإن قال جاهلهم تعصبًا إن هذا قد ورد عن أهل الكتاب فلا يصدق، ولا يحتج به!!
    قلنا: وما قولك في بقاء ذرية يوسف عليه السلام في الصحابة رضوان الله عليهم، فقد ذكر أهل السير والتواريخ أن الصحابي الجليل عبد الله بن سلام الحبر يعود نسبه لسبط يوسف عليه السلام.
    قال ابن سعد: هو رجل من بني إسرائيل. من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه وسلامه. ([39])
    قال ابن عبد البر: «ولا يختلفون أنه من بني إسرائيل من ولد يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم»([40]).
    مما سبق يتبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن يوسف عليه السلام ترك ذرية من بعده، وكان من ذرية الأنبياء والصالحين، وأن ذريته بقية إلى زمن الصحابة، ولا يمتنع أن تكون باقية إلى يومنا هذا.
    كما يتبين لنا وبكل وضوح خطأ حمل لفظة «هلك» في قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ
    بَعْدِهِ رَسُولًا([41]). على انقطاع الذرية.
    خامساً: كيف وجه أئمة التفسير لفظة «هلك» في سياق الآية الكريمة.
    كان لازمًا بعد تحقيق ثبوت ذرية يوسف عليه السلام، وبيان خطأ هذا المسلك من التفسير، أن نبين كيف تعامل علماء التفسير مع هذه اللفظة «هلك» ضمن سياق الآية التي وردت فيها.
    يقول الماتريدي في تفسيره: قوله: (حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا) يخرج من وجهين: أحدهما: آمنوا به، وأنكروا رسالة غيره بعده بقولهم: لن يبعث اللَّه من بعده رسولا.
    والثاني: أي: أنكروا رسالته في حال حياته ولم يؤمنوا به، فإذا هلك أنكروا أن يكون هو مبعوثًا إليهم رسولا، فيحذر هَؤُلَاءِ صنيع أُولَئِكَ ألا يكونوا كأُولَئِكَ آمنوا به، وأنكروا رسالة غيره من الرسل بعده.، أو يقول: لا تكونوا كأُولَئِكَ يكذبونه ما دام حيًّا، فإذا هلك يكذبون رسالته، يحذرهم سفه أوائلهم، واللَّه أعلم.اهـ
    فانظر كيف حمل المعنى المضاف من اللفظة على إيمانهم بانقطاع الرسالة من بعده، لا انقطاع ذريته!
    وقال الخازن: (إِذا هَلَكَ) يعني مات (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا) يعني أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة وإنما قالوا ذلك على سبيل التشهي والتمني من غير حجة ولا برهان عليه بل قالوا ذلك ليكون لهم أساسا في تكذيب الأنبياء الذين يأتون بعده وليس قولهم لن يبعث الله من بعده رسولا تصديقا لرسالة يوسف كيف وقد شكوا فيها وإنما هو تكذيب لرسالة من بعده مضمون إلى التكذيب لرسالته.اهـ
    وقال ابن كثير: أي: يئستم فقلتم طامعين: {لن يبعث الله من بعده رسولا} وذلك لكفرهم وتكذيبهم.اهـ
    قال البقاعي: دل على تمادي شكهم بقوله : (حتى إذا هلك) وكأنه عبر بالهلاك إيهاماً لهم أنه غير معظم له، وأنه إنما يقول ما يشعر بالتعظيم لأجل محض النصيحة والنظر في العاقبة.
    {قلتم} أي من عند أنفسكم بغير دليل كراهة لما جاء به وتضجرا منه جهلاً بالله تعالى: {لن يبعث الله} أي الذي له صفات الكمال.
    ولما كان مرادهم استغراق النفي حتى لا يقع البعث في زمن من الأزمان وإن قل، أدخل الجار فقال: {من بعده} أي يوسف عليه السلام {رسولا} وهذا ليس إقراراً منهم برسالته، بل هو ضم منهم إلى الشك في رسالته التكذيب برسالة من بعده، والحجر على
    الملك الأعظم في عباده وبلاده والإخبار عنه بما ينافي كماله.اهـ
    قال المراغي: أي ولقد جاء آباءكم يوسف من قبل موسى بالآيات الواضحات، والمعجزات الباهرات، فلم يزالوا في ريب من أمره، وشك من صدقه، فلم يؤمنوا به، حتى إذا مات قالوا: لن يبعث الله رسولا من بعده يدعو إليه ويحذّر بأسه، ويخوّف من عقابه، فالتكذيب متوارث، والعناد قديم، والريب دأب آبائكم الغابرين، وقد نسب تكذيب الآباء إليهم، لما تقدم من أن الأمم متكافلة فيما بينها، فينسب ما حدث من بعضها إلى جميعها، إذا تواطئوا واتفقوا عليه.اهـ
    قال الطاهر بن عاشور: أي قال أسلافكم في وقت وفاة يوسف: لا يبعث الله في المستقبل أبدًا رسولا بعد يوسف، يعنون: أنا كنا مترددين في الإيمان بيوسف فقد استرحنا من التردد فإنه لا يجيء من يدعي الرسالة عن الله من بعده ... وحاصله أنهم كانوا في شك من بعثة رسول واحد، وأنهم أيقنوا أن من يدعي الرسالة بعده كاذب فلذلك كذبوا موسى.اهـ
    وعلى ما ذكر عامة أهل التفسير على مر العصور، مع اختلاف كل واحد منهم في السياق.
    وبذلك نكون قد أوضحنا بيان هذه اللفظة هند العلماء والمفسرين، وتبرأنا إلى الله من نسبة هذا القول في نبي الله يوسف الكريم بن الكريم بن الكريم بن خليل الله إبراهيم عليهم جميعاً وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
    كتبه /أبو عمار الفيديميني .






    ([1]) سورة غافر: الآية (34).

    ([2]) سورة النساء: الآية (176).

    ([3]) البخاري، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3455).

    ([4]) الترمذي، برقم (2950)، والنسائي، برقم (8031).

    ([5]) الترمذي، برقم (2952)، والنسائي، برقم (8032).

    ([6]) مقاييس اللغة لابن فارس ( 6/62) مادة هلك .

    ([7]) الغريبين في القرآن والحديث (6/1935) مادة هلك.

    ([8]) المحكم والمحيط الأعظم ( 4/139) مادة هلك، لسان العرب لابن منظور (10/305) .

    ([9]) (3/2358) مادة هلك .

    ([10]) المفردات للراغب الأصفهاني (ص844).

    ([11]) تفسير الطبري (13/568).

    ([12]) تفسير القرطبي (7/294).

    ([13]) تفسير الطبري (16/224).

    ([14]) تفسير القرطبي (9/251).

    ([15]) البخاري، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم (3455).

    ([16]) مصنف ابن أبي شيبة (7/464)، وابن ماجه برقم (2871).

    ([17]) إسحاق بن راهويه في مسنده (1/256)، وابن حبان في صحيحه برقم (4555).

    ([18]) شرح مسلم للنووي (12/231).

    ([19]) البخاري، باب: تزويج النبي ﷺ، برقم (3816).

    ([20]) عمدة القاري للعيني (16/279).

    ([21]) البخاري، باب: غزوة الحديبية، برقم (4160).

    ([22]) البخاري، باب: الدعاء للمتزوج، برقم (6387).

    ([23]) الجامع، باب: ما جاء في تزويج الأبكار، برقم (1100)، وصححه الألباني.

    ([24]) مشكل الآثار للطحاوي (8/128)، وحلية الأولياء (2/51).

    ([25]) سورة غافر: الآية (34).

    ([26]) سورة النساء: الآية (176).

    ([27]) سورة البقرة: الآية (136).

    ([28]) تفسير الطبري (3/111).

    ([29]) انظر: تفسير الطبري (2/121)، (3/111).

    ([30]) معاني القرآن للزجاج (1/217).

    ([31]) بحر العلوم (1/97).

    ([32]) التفسير (1/181).

    ([33]) المعارف (1/41).

    ([34]) تاريخ الأمم والملوك (1/364).

    ([35]) البدء والتاريخ (3/69).

    ([36]) انظر: الأخبار الطوال (ص17).

    ([37]) جمهرة أنساب العرب (ص508).

    ([38]) البداية والنهاية، ط/هجر (2/231).

    ([39]) انظر: الطبقات (2/367) متمم الصحابة، ومعجم الصحابة للبغوي (4/102)، والثقات لابن حبان (3/228)، والمنتظم لابن الجوزي (5/206)، أسد الغابة (3/265)، الإصابة (4/104).

    ([40]) الاستيعاب (4/1590)

    ([41]) سورة غافر: الآية (34).

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    492

    افتراضي رد: الرد الفصل على من زعم أن لفظة ((هلك)) في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ تعنى انقطاع النسل

    ​سلمت يمينك يا أبا عمار

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: الرد الفصل على من زعم أن لفظة ((هلك)) في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ تعنى انقطاع النسل

    جزاكم الله خيرا
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  4. #4

    افتراضي رد: الرد الفصل على من زعم أن لفظة ((هلك)) في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ تعنى انقطاع النسل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منصور مهران مشاهدة المشاركة
    ​سلمت يمينك يا أبا عمار
    سلمك الله من سوء ومكروه

  5. #5

    افتراضي رد: الرد الفصل على من زعم أن لفظة ((هلك)) في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا هَلَكَ ﴾ تعنى انقطاع النسل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرا
    وجراكم الفردوس الأعلى

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •