أخي إذا كان صديقي

سئل حكيم: أيهما أحب إليك: أخوك أو صديقك؟ فقال: أخي إذا كان صديقي .
هذه الإجابة الحكيمة تشير إلى أنه ينبغي أن يكون الأخ صديقاً لأخيه، دون أن يكتفي برابطة الأخوة وإن كانت من أعظم الروابط.
والمتأمل في أحوال الناس، وما يكتب في العلاقات عموماً يلحظ فتوراً في علاقات الإخْوة فيما بينهم، وقِلَّةً في الكتابات التي تتعرض لهذا النوع من العلاقات.

فالإخْوة _في كثير من الأحيان_ يميلون إلى طابَع الرسمية في علاقاتهم، وربما مالوا إلى جانب الندِّية، وربما كان بعضهم يحقر بعضاً، ولا يقضيه حق الاحترام والتقدير؛ فيخسر الإخْوَةُ خسارةً فادحة؛ إذ يفوتهم الأجر والتآزر، والتعاون على مرافق الحياة.
ويفوتهم _أيضاً_ جوانب كثيرة من السعادة والصداقة المؤسسة على الثقة والرابطة القوية.
ويُعرِّضون أُسَرَهُمْ، ووالديهم، وأولادهم لنكسات وعداوات ربما أكلت الأخضر واليابس.
والذي ينبغي في العلاقات بين الإخوة أن تقوم على الإيثار، والمحبة، والصفاء، وتدبر العواقب، و تقدير الصغير للكبير، ورحمة الكبير بالصغير، وإنزالِ ذي المنزلةِ مكانَهُ اللائق به،وتشجيعِ المتباطئ والمتكاسل حتى ينهض بنفسه، وأن يكمل بعضهم بعضاً حتى يُسعدوا أنفسهم، وأسرهم، وألا يجعلوا لقائل فيهم مقالاً.
وإذا قُدِّر للإنسان أن يكون ذا شهرة، أو علم، أو جاه، أو مال، أو نحو ذلك_ فيحسن به ألا ينسى نصيب إخوانه منه، وألا يتطاول عليهم.


كما ينبغي لمن كان لهم أخ قد نال ما نال مما ذُكر _ أن يعينوه على نفسه، وألا يقفوا أمام طموحاته، وأن يحملوا عنه ما يجب عليه من نحو بر الوالدين، وما جرى مجرى ذلك، فيكونوا بذلك شركاء له في الأجر والنجاح.

ومما يعين على شيوع روح الصفاء بين الإخوة أن يبادروا إلى قسمة الميراث؛ لكي يظفر كلُّ طرف بنصيبه، وليقطعوا دابر الفتنة وسوء الظن.


ومما يصفي الودَّ بين الإخوة أن يحرصوا على الوئام والاتفاق حال الشراكة؛ فإذا كان بينهم شراكة في نحو تجارة أو غيرها _ فليحرصوا على ذلك، وعلى أن تسود بينهم روح الإيثار والمودة، والشورى، والرحمة، والصدق، والأمانة، وحسن الظن.
وأن يحب كلُّ واحدٍ منهم لأخيه ما يحبه لنفسه، وأن يعرف كل طرف ما له وما عليه.

كما يحسن بهم أن يناقشوا المشكلات بمنتهى الصراحة، والوضوح، وأن يحرصوا على التفاني والإخلاص في العمل.

كما يجمل بهم أن يكتبوا ما يتفقون عليه إذا كان الأمر يستدعي ذلك.
فإذا ساروا على تلك الطريقة حلَّت فيهم الرحمة، وسادت بينهم المودة، ونزلت عليهم بركات الشركة.


ومن الأمور التي تبقي على المودة بين الإخوة لزومُ التواضعِ، ولينُ الجانب، والتغاضي، والتغافل، والصفح، ونسيان المعايب، وترك المنِّة على الإخوة، والبعد عن مطالبتهم بالمثل، وتوطين النفس على الرضا بالقليل مما يأتي منهم، ومراعاة أحوالهم، وطبائعهم، وتجنب الشدة في العتاب حال وقوع الخطأ، وتجنب الخصام، والجدال العقيم، والمبادرة بالهدية والزيارة إن حصل خلاف.


ومن ذلك أن يستحضر المرء أن إخوانه لحمة منه؛ فلا بد له منهم، ولا فكاك له عنهم، والعرب تقول: أنفك منك وإن ذنَّ وعيصك منك وإن كان أشَبَا .

ومن ذلك أن يستحضر المرء أن معاداة الإخوة شر وبلاء؛ فالرابح فيها خاسر، والمنتصر مهزوم.

ومن ذلك أن يربي الإخوة أولادهم على احترام أعمامهم، وتوقيرهم.

هذا وقد أرانا العيان نماذج رائعة، ومثلاً عليا من صداقات الإخوة، وقيامهم بالحقوق ما جعلهم مضرب مثل، وموضع أسوة.
وبعد، فهذه إلماحات وإشارات، ولعل الفرصة تواتي لمزيد من إلقاء الضوءِ على هذه المسألة.

محمد بن ابراهيم الحمد