قال ابن عثيمين رحمه الله فى شرح السفارينية
أصحاب الكلام، الذين يسمّيهم أهل العلم أصحاب الكلام، عموما علم الكلام، وسمّوا أصحاب النظر، لأنهم قدّموا النظر على الأثر، أصحاب النظر
هؤلاء المتكلمين هم أكثر الناس فسادا واضطرابا في الأقوال، لأنهم لم يبنوا على أسس صحيحة، إنما بنوا على وهميّات ظنّوها عقليات، فبنوا عليها عقيدتهم،
ولعله قد مرّ بك أن أساطينهم ورؤساءهم أقرّوا بأنهم على ضلال،
فمن جملتهم الرازي الذي يقول:
" لقد تأمّلت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تروي غليلا، ولا تشفي عليلا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات قول الله تعالى: (( الرحمن على العرش استوى )) وقوله: (( إليه يصعد الكلم الطيب ))، وأقرأ في النفي: (( ليس كمثله شيء )) (( ولا يحيطون به علما )) ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي "
شف الرازي من أساطينهم وكبرائهم وعظمائهم،
يقول: هذه المناهج والطرق ما رأيتها تروي غليلا ولا تشفي عليلا، لا تسمن ولا تغني من جوع، ورأيت أقرب الطرق طريق القرآن، يعني: طريقة تحكيم النصوص في هذا الباب،
ثم ضرب مثلا: أقرأ في الإثبات: (( الرحمن على العرش استوى )) فأؤمن أنه على العرش استوى، وأقرأ: (( إليه يصعد الكلم الطيب )) فأؤمن بأنه في العلو، وأقرأ في النفي: (( ليس كمثله شيء )) (( ولا يحيطون به علما )) ف (( ليس كمثله شيء )) نفي للتمثيل (( ولا يحيطون به علما )) نفي للتكييف، " ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ".
ويقول بعضهم:
" نهاية إقدام العقول عقال *** وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا *** وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا "
هذا محصول جيّد!
الشيخ : نعم، قيل وقال، والرسول نهى عن قيل؟
الطالب : وقال.
الشيخ : عن قيل وقال، هؤلاء لو بحث طول عمرهم ما استفادوا إلا قيل وقال، وغاية دنياهم أذى ووبال والعياذ بالله، لأن غاية دنياهم نسأل الله العافية الشكّ والحيرة، أكثر الناس شكّا عند الموت أهل الكلام، لأنهم ما عندهم عقيدة يبنون عليها، معبودهم عزّ وجلّ لا يعرفونه، إلا بوهميّاتهم التي يدّعون أنها عقليات،
فلذلك إذا جاءت الساعة وجاء وقت الامتحان والمحكّ ضاعوا ما وجدوا حسيبا، فكانوا أكثر الناس شكّا عند الموت، نسأل الله العافية،
حتى أن بعضهم يقول:
ها أنا أموت على عقيدة أمي! أمه الأمية التي ما تعرف،
والثاني يقول: أموت على عقيدة عجائز نيسابور، عقيدة العجائز، رجعوا إلى عقيدة العجائز لأنها فطرية، وهم عقيدتهم نظريّة وهمية في الواقع، وهمية.
فإذا نظرنا إلى هؤلاء وإلى مآلهم وإلى أحوالهم، فهل يمكننا أن نقول إنهم على حق وندع الأثر لنظرهم؟ لا يمكن أبدا، كل إنسان عاقل لا يمكن أن يتولى مثل هؤلاء ويأخذ من أقوالهم، لأنها أقوال فاسدة متناقضة ليس لها أساس لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أقوال السلف.
الغريب أن الناظم هذا يقول: " أرواحنا في وحشة من جسومنا " يعني إلى هذا الحدّ! روحه مستوحشة من جسده لا تودّ أن تقرّ فيه! كأنما يتمنّون الموت الآن ومفارقة الروح للجسد الذي هي في وحشة منه، لأن الإنسان نسأل الله العافية والسلامة ويثبّتنا وإياكم إذا لم يكن له عقيدة ضاع، اللهم إلا أن يكون قلبه ميتا لأن الذي قلبه ميت يكون حيوانيا ما يهتمّ بشيء أبدا، لكن الإنسان الذي عنده شيء من حياة القلب إذا لم يكن له عقيدة فإنه يضيع ويهلك، ويكون في قلق دائم لا نهاية له، فتكون روحه في وحشة من جسمه.
https://alathar.net/home/esoundhttps: