الأثار السلبية للقصص الغرامية

كمال عبدالمنعم محمد خليل


الصحة والفراغ من النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، فقد روى البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ<، وسوف يسأل الإنسان يوم القيامة عن هذا الوقت الذي هو عمره، فقد روى الترمذي في سننه بسند صحيح عن أبي برزة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟، ورغم هذه الأهمية التي أولاها الإسلام للوقت، فإن كثيراً من الناس يهمل فيه، ويضيعه سدى، ولا ينتفع به، والأدهى من ذلك الأمر أن بعضاً منهم يقضي وقتاً طويلاً في قراءة ما لا جدوى منه، ولا فائدة، بل يجر عليه صاحبه الشر المستطير، وذلك بقراءة ما يعرف بالقصص الغرامية التي تعرض الحكايات والروايات الخيالية، والتي تؤدي إلى انحراف الشباب وخصوصاً المراهقين منهم، وتجرهم إلى الوقوع في الرذائل، وبعدها يندمون يوم لا ينفع الندم· إن المضار التي تسببها القصص الغرامية أكثر من أن تحصى، وأعظمها خطراً تعلق القلب بغير الله تعالى، حيث يبيت الشاب أو الفتاة ويصبح في تفكير غير سوي، وبالتالي فلا مكان في قلبه لذكر الله تعالى، وينشغل هذا القلب بالعشق والرغبة في ارتكاب المحرَّم إذا ما سنحت له الفرصة لتنفيذ ما يصبو إليه، سواء بقلبه أو بعينه أو بيده، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الصحيح، فقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >كل إنسان كتب عليه نصيبه من الزنى مدركه لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واليدان زناهما البطش، والرجلان زناهما السعي، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه<، والقصص الغرامية تصور لمن يقرأها أن علاقته غير السوية أمر طبيعي ومشروع، لذا ترى الذين يقرأون تلك القصص معتقدين وموقنين بما يدور فيها، بل يحاولون تنفيذ ذلك على الواقع إرضاء لأهوائهم· إن الإسلام يرفض كل ما يثير الغرائز حتى مجرد النظرة، فقد أمر بغض البصر وحفظ الفرج للرجال والنساء، قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم···) النور:30، (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن···) النور:31،
وقد نظم الإسلام العلاقات بين الرجال والنساء بتشريعه الزواج لأنه العلاقة الوحيدة التي أحلها الإسلام للارتباط بين الجنسين، بل جعل فيه السكن والمودة والرحمة، قال الله تعالى: (ومن أياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم:21، وهذا خلاف ما يسير عليه الذين يسيرون في الطرق المظلمة، ويرتكبون المنكرات، حيث يعيشون في وهم وتوتر وقلق، فضلاً عن الآثام والذنوب التي يرتكبونها· لقد بيّن الإسلام طرقاً كثيرة يمكن للإنسان سواء كان ذكراً أو أنثى أن يقضي وقت فراغه في الانشغال بها، حتى تنفعه في الدنيا والآخرة، وينال بها رضا الله تعالى ويبعد نفسه عن الشبهات والشهوات، ومن هذه الطرق المحافظة على الفرائض وأداء الصلوات في أوقاتها، ومداومة ذكر الله تعالى، فكل ذلك من أفعال المتقين المستقيمين على طريق الخير، قال الله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) الأحقاف:13، وقال سبحانه: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت:30·
كما يمكن للمسلم أن يقضي وقت فراغه في ممارسة الأنشطة النافعة التي تفيد بدنه، ويفرغ فيها بعض قوته الزائدة، ويبعد بها نفسه عن كل طريق فيه اعوجاج أو زيغ، كذلك يمكن أن يشغل نفسه بقراءة سير الصالحين من السلف، وزيارة الأقارب والتفكير فيما ينفع المسلمين، فإنه إن فعل ذلك نجا بنفسه من الوقوع في المهالك، واغتنم أوقات الفراغ، واستفاد بنصائح الرسول الكريم التي قال فيها: >اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك< (رواه الحاكم)· وإن لم يفعل ذلك وسار وراء عقله المريض، واستمر في قراءة تلك القصص والروايات الهابطة فلا يأمن على نفسه من التردي في المهالك، والوقوع في الشرور والأثام·