ألقاب شيعة عصرنا
أ.د. ناصر بن عبد الله القفاري
للألقاب تأثير كبير على الترويج للعقائد والنحل والتنفير منها، ومن طريف ما نقل إليَّ مؤخرًا في هذا الباب أن دعاة أهل السنة في جمهورية مالي لما رأوا ازدياد النشاط الرافضي في بلادهم، ومحاولة تسللهم إلى ديارهم قاموا بتكوين مجموعة خاصة من الدعاة لمواجهة هذا الخطر الداهم، وسلكت هذه المجموعة أساليب حكيمة في تحذير العامة من الرافضة، ومن هذه الأساليب الناجحة لقب أطلقوه على الرافضة يبين حقيقة مذهبهم ويفضح هويتهم عند عامة المسلمين؛ حيث اتفقوا على تلقيبهم بـ«شَتَمة الصحابة»، حتى انتشر هذا اللقب، وصار عَلَمًا على الرافضة في هذه البلاد، فانصرف الناس عن مجالسهم، وانكسرت شوكتهم، وكان لهذا اللقب الكاشف لحقيقتهم أثره الطيب في الحفاظ على عقيدة المسلمين في جمهورية مالي، ولله الحمد.
ومن هنا يسعى كثير من الفرق الضالة إلى ترويج ألقاب محمودة يروجون بها عقائدهم، ويسترون بها عورات مذهبهم، ومن هذه الطوائف التي سلكت هذا المنهج شيعة عصرنا.
وأعني بشيعة عصرنا الطائفة التي شاع إطلاق لقب الشيعة عليها، وإن كان هذا الإطلاق غير صحيح[1]، لكني أردت إخراج الزيدية والإسماعيلية من هذه الدراسة؛ لأن الزيدية تلتقي مع الأمة في مصادر التلقي من حيث الجملة، والإسماعيلية باطنية محضة منعزلة عن الأمة، لا تدعو لمذهبها غالبًا، بل ولا تسمح لغير الخواص من أتباعها بالاطلاع على مصادرهم وأسرار مذاهبهم، حتى قال أحد معاصريهم: «إن لنا كتبًا لا يقف على قراءتها غيرنا ولا يطلع على حقائقها سوانا»[2].
أما طائفة الإثنى عشرية فلها اهتمام كبير بنشر مذهبها والدعوة إليه، وعندها دعاة متفرغون ومنظمون، ولها في كل مكان خلايا سرية وأنشطة خفية، وتوجه جل اهتمامها في الدعوة لنحلتها في أوساط أهل السنة، ولا أظن أن طائفة من طوائف البدع تبلغ شأو هذه الطائفة في العمل لنشر معتقدها والاهتمام بذلك، وهي اليوم تسعى جاهدة لنشر مذهبها في العالم الإسلامي، وتصدير ثورتها، وإقامة دولتها الكبرى بمختلف الوسائل.
وقد تشيع بسبب الجهود التي يبذلها شيوخ الإثنى عشرية الكثيرُ من شباب المسلمين، ومن يطالع كتاب «عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد» يهوله الأمر، حيث يجد قبائل بأكملها قد تشيعت.
وقد تحولت سفارات دولة الشيعة في إيران إلى مركز للدعوة إلى مذهبها في صفوف الطلبة، والعاملين المسلمين في العالم. وهي تهتم بدعوة المسلمين أكثر من اهتمامها بدعوة الكافرين.
ولا شك أن المسؤولية كبيرة في إيضاح الحقيقة أمام المسلمين، ولاسيما الذين دخلوا في سلك التشيع حبًّا لأهل البيت واعتقادًا منهم أن هذا الطريق عين الحق، وطريق الصدق.
كما أن هذه الطائفة قد احتوت معظم الفرق الشيعية التي وجدت على مسرح التاريخ، وتمثل مصادرها في التلقي خلاصة أفكار الاتجاهات الشيعية المختلفة التي ظهرت على امتداد الزمن، حتى قيل إن لقب الشيعة إذا أطلق لا ينصرف إلا إليها.
والهدف من هذا البحث هو تبصير الناس بألقابهم؛ لأن تغير الألقاب وتعدد الأسماء يؤدي إلى اللبس ويخفي الحقيقة، وربما تعمدوا إخفاء هويتهم من خلال التستر بألقاب أخرى؛ لئلا يعرف الناس معتقدهم، وليسهل عليهم نشر مذهبهم، ويتمكنوا من التسلل إلى المجتمعات الإسلامية، فكلما عرف الناس لهم لقبًا ظهرت حقيقتهم به تحولوا إلى لقب آخر.
وبعض الناس لا يفرقون بين الألقاب والفرق، فربما جعلوا الفرقة لقبًا، واللقب فرقة.
ومن أشهر الألقاب التي يطلقها بعض كتاب الفرق والمقالات وغيرهم على الإثنى عشرية ما يلي:
1- الشيعة:
لقب الشيعة في الأصل يطلق على فرق الشيعة كلها، ولكن هذا المصطلح اليوم إذا أطلق - في نظر جمع من الشيعة وغيرهم - لا ينصرف إلا إلى طائفة الإثنى عشرية. وممن قال بهذا الرأي: شتروتمان[3]، والطبرسي[4]، وأمير علي[5]، وكاشف الغطا[6]، ومحمد حسين العاملي[7]، وعرفان عبد الحميد[8]، وغيرهم[9].
ولكن الحق أنه لا يصح تسميتهم شيعة؛ لأن ذلك يؤدي إلى نتيجة تخالف إجماع المسلمين، وهي أن يكون عليٌّ رضي الله عنه على عقيدتهم، والحق أن يلقبوا بــ«مدعي التشيع» أو «الرافضة»، بل هم «غلاة الرافضة»، أو يطلق لقب الشيعة عليهم مقيدًا، فيقال: الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، فلا ينسبون لأهل البيت بعد وصفهم بالإمامية الإثنى عشرية[10].
2- الإمامية:
هذا اللقب عند كثير من أصحاب الفرق والمقالات يطلق على مجموعة من الفرق الشيعية، ولكن خص فيما بعد عند جمع من المؤلفين وغيرهم بالإثنى عشرية، ولعل من أول من ذهب إلى ذلك شيخ الإثنى عشرية في زمنه «المفيد» في كتابه «أوائل المقالات»[11]، وأشار السمعاني إلى أن ذلك هو المعروف في عصره فقال: «على هذه الطائفة [يشير إلى الإثنى عشرية] يطلق الآن الإمامية»[12]. وقال ابن خلدون: «وأما الإثنى عشرية فربما خُصوا باسم الإمامية عند المتأخرين منهم»[13]. وأشار صاحب مختصر التحفة الإثنى عشرية إلى أن الإثنى عشرية هي المتبادرة عند إطلاق لفظ الإمامية[14]. ويقول الشيخ زاهد الكوثري: «والمعروف أن الإمامية هم: الإثنى عشرية»[15].
ويلاحظ أن كاشف الغطا - من شيوخ الشيعة المعاصرين - يستعمل لقب الإمامية بإطلاق على الإثنى عشرية[16]، ومن شيوخ الشيعة الآخرين من يرى أن الإمامية فرق منهم الإثنى عشرية، والكيسانية، والزيدية، والإسماعيلية[17].
وأكثر مؤلفي الفرق لم يخصوا الإمامية بالإثنى عشرية، بل كان لقب الإمامية عندهم أعم من ذلك وأشمل، فالشهرستاني يقول: «الإمامية هم القائلون بإمامة علي - رضي الله عنه - نصًّا ظاهرًا، وتعيينًا صادقًا من غير تعريض بالوصف، بل إشارة إليه بالعين»[18]، ومثله الأشعري حيث يقول: «هم يدعون الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي بن أبي طالب»[19]. ومن أصحاب الفرق من قال بأنهم سموا بالإمامية؛ لأنهم يزعمون أن الدنيا لا تخلو عن إمام، إما ظاهراً مكشوفاً، وإما باطناً موصوفاً[20]. ولكن ابن المرتضى يقول: «الإمامية سميت بذلك لجعلها أمور الدين كلها للإمام، وأنه كالنبي، ولا يخلو وقت من إمام يُحتاج إليه في أمر الدين والدينا»[21].
فمن هؤلاء من راعى في سبب التسمية مسألة النص، ومنهم من اعتبر في سبب التسمية قولهم بأن الدنيا لا تخلو من إمام، ومنهم من جمع إلى ذلك قولهم بأن أمور الدين كلها للإمام، وهي أقوال متقاربة يرجع بعضها إلى بعض، ومصطلح الإمامية ظهر بعد شيوع مصطلح الشيعة، ويبدو أن ظهوره مرتبط ببدء الاهتمام الشيعي بمسألة الإمام والإمامة، وظهور الفرق الشيعية التي تقول بإمامة أفراد من أهل البيت.
وقد ذكر ابن أبي الحديد أن مقالة الإمامية - فضلًا عن لقبها - لم تشتهر إلا متأخرة. يقول ابن أبي الحديد: «لم تكن مقالة الإمامية ومن نحا نحوهم من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ (يعني في العصر الأموي) على هذا النحو من الاشتهار»[22].
3- الإثنى عشرية:
هذا المصطلح لا نجده في كتب الفرق والمقالات المتقدمة، فلم يذكره القمي (ت 299ه* أو 301ه*) في «المقالات والفرق»، ولا النوبختي (ت 310ه*) في «فرق الشيعة»، ولا الأشعري (ت 330ه*) في «مقالات الإسلاميين»، ولعل أول من ذكره من الشيعة المسعودي (ت 349ه*)[23]. أما من غير الشيعة فأول من ذكره - بحسب علمي - عبد القاهر البغدادي (ت 429ه*) حيث ذكر أنهم سموا بالإثنى عشرية لدعواهم أن الإمام المنتظر هو الثاني عشر من نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه[24].
قال الرافضي المعاصر محمد جواد مغنية: «الإثنى عشرية نعت يطلق على الشيعة الإمامية القائلة باثني عشر إماماً تعينهم بأسمائهم»[25].
وظهور هذا الاسم كان بلا شك بعد ميلاد فكرة الأئمة الاثني عشر، والتي حدثت بعد وفاة الحسن العسكري (توفي سنة 260ه*) حيث إنه: «قبل وفاة الحسن لم يكن أحد يقول بإمامة المنتظر إمامهم الثاني عشر، ولا عرف من زمن علي ودولة بني أمية أحد ادعى إمامة الاثني عشر»[26].
4- القطعية:
وهو من ألقاب الإثنى عشرية عند طائفة من أصحاب الفرق، كالأشعري[27]، والشهرستاني[28]، والإسفراييني[29]، وغيرهم[30]. وهم يسمون بالقطعية؛ لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر الصادق[31]، وهذا ما تذهب إليه الإثنى عشرية.
يقول المسعودي: «وفي سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي.. وهو أبو المهدي المنتظر الإمام الثاني عشر عند القطعية من الإمامية»[32]، ومنهم من يعتبر القطعية فرقة من فرق الإمامية، وليس من ألقاب الإثنى عشرية[33].
5- أصحاب الانتظار:
يلقب الرازي الإثنى عشرية بأصحاب الانتظار، وذلك لأنهم يقولون بأن الإمام بعد الحسن العسكري ولده محمد بن الحسن العسكري وهو غائب وسيحضر.. ويقول: «هذا المذهب هو الذي عليه إمامية زماننا»[34]. والانتظار للإمام مما يشترك في القول به جمع من فرق الشيعة على اختلاف بينهم في تعيينه، ولا يختص به طائفة الإثنى عشرية.
لكن شيعة عصرنا (الإثنى عشرية) بنوا دولتهم على مبدأ النيابة العامة عن الإمام المنتظر، وهو ما يسمى بـ«ولاية الفقيه»[35].
6- الرافضة:
ذهب جمع من العلماء إلى إطلاق اسم الرافضة على الإثنى عشرية كالأشعري في المقالات[36]، وابن حزم في الفصل[37].
كما يلاحظ أن كتب الإثنى عشرية تنص على أن هذا اللقب من ألقابها، وقد أورد شيخهم المجلسي في كتابه البحار - وهو أحد مراجعهم في الحديث - أربعة أحاديث من أحاديثهم في مدح التسمية بالرافضة، في باب سماه: «باب فضل الرافضة ومدح والتسمية بها». ومن أمثلة ما ذكره في هذا الباب: عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر - عليه السلام -: جعلت فداك، اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا، قال: وما هو؟ قلت: الرافضة، فقال جعفر: «إن سبعين رجلًا من عسكر موسى - عليهم السلام - فلم يكن في قوم موسى أشد اجتهادًا وأشد حبًّا لهارون منهم، فسماهم قوم موسى الرافضة، فأوحى الله إلى موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني نحلتهم، وذلك اسم قد نحلكموه الله»[38]، وكأنهم أرادوا تطييب نفوس أتباعهم بتحسين هذا الاسم لهم، ولكن في هذه الأحاديث ما يفيد أن الناس بدؤوا يسمونهم بالرافضة من باب الذم لا المدح، ولا تجيب هذه المصادر الشيعية عن سبب تسمية الناس لهم بهذا الاسم على سبيل الذم والسب لهم[39]. ولكن المصادر الأخرى تذكر أن ذلك لأسباب تتعلق بموقفهم من خلافة الشيخين، يقول أبو الحسن الأشعري: «وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر»[40].
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية قول الأشعري هذا وعقب عليه بقوله: «قلت: الصحيح أنهم سموا رافضة لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك»[41]. وهذا الرأي لابن تيمية يعود لرأي الأشعري، لأنهم ما رفضوا زيدًا إلا لما أظهر مقالته في الشيخين ومذهبه في خلافتهما[42]، فالقول بأنهم سموا رافضة لرفضهم زيداً أو لرفضهم مذهبه ومقالته مؤداهما - في نظري - واحد. إلا أن شيخ الإسلام راعى الناحية التاريخية، في ملاحظته على الأشعري، ذلك أن رفض إمامة أبي بكر وعمر قد وجدت عند بعض فرق الشيعة كالسبئية ونحوها قبل خلافهم مع زيد، ولكن لم يلحقهم هذا الاسم (الرافضة) ولم يوجد إلا بعدما أعلنوا مفارقتهم لزيد لترضيه عن الشيخين وتسمية زيد لهم بالرافضة.
هذا وهناك أقوال أخرى في سبب تسميتهم بالرافضة[43]. على أن هناك من أصحاب الفرق من أطلق اسم الرافضة على عموم فرق الشيعة[44].
وهذا التعميم خطأ؛ إذ يتعين أن الزيدية لا تدخل تحت عموم الرافضة، إلا الجارودية المنتسبة للزيدية.
كما أن بعضهم يخص بلقب الرافضة الإثنى عشرية، بينما الحقيقة أن الإسماعيلية تشترك مع الإثنى عشرية في هذا اللقب (الرافضة)، ذلك أن لقب الرافضة ظهر سنة 121 أو 122هـ، وافتراق الرافضة إلى إسماعيلية وموسوية أو قطعية وهم أسلاف الإثنى عشرية حدث سنة 148هـ، هذا بالإضافة إلى أن الإسماعيلية يوافقون الإثنى عشرية في موقفهم من الصحابة، وهو تكفيرهم والطعن فيهم.
وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى كذب لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة، لأن اسم الرافضة لم يعرف إلا في القرن الثاني[45].
ومما يتعين ذكره هنا أن شيعة اليوم ليسوا رافضة، بل هم من غلاة الرافضة، وبرهان ذلك أن يقولوا كما جاء على لسان شيخهم الأكبر في هذا العصر الخميني: «إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملَك مقرب ولا نبي مرسل.. وقد ورد عنهم (ع): إن لنا مع الله حالاتٍ لا يسعها ملَك مقرب ولا نبي مرسل»[46]. وهذا مذهب غلاة الروافض، ولذا قال القاضي عياض: «وكذلك نقطع بتكفير غلاة الروافض في قولهم: إن الأئمة أفضل من الأنبياء»[47]، بل هم من الغلاة بحسب مقاييس رافضة القرن الرابع؛ فقد كان رأي جمهور الشيعة أن أول درجة في الغلو هي نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وسلم[48]، فكانوا يعدون من ينفي السهو عن النبي صلى الله عليه وسلم من الشيعة الغلاة، ففي «البحار» للمجلسي أنه قيل - إمام الشيعة الثامن -: إن في الكوفة قومًا يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وآله - لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا لعنهم الله، إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو»[49].
لكن نفي السهو عند الخميني أصبح من ضرورات مذهبهم، فقد قرر أن أئمتهم «لا يتصور فيهم السهو أو الغفلة»[50]، ومثله شيخ الشيعة المعاصر وآيتها العظمى عبد الله الممقاني الذي يؤكد أن نفي السهو عن الأئمة أصبح من ضرورات المذهب الشيعي[51]، وهو لا ينكر أن شيوخهم السابقين كانوا يعدون ذلك غلوًّا، لكنه يقرر أن ما يعتبر غلوًّا في الماضي أصبح اليوم من ضرورات المذهب الشيعي[52].
7- الجعفرية:
وتسمى الإثنى عشرية بالجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق إمامهم السادس - كما يزعمون - وهو من باب تسمية العام باسم الخاص. روى الكشي أن شيعة جعفر في الكوفة (أو من يدعون التشيع لجعفر) سموا بالجعفرية، وأن هذه التسمية نقلت إلى جعفر فغضب ثم قال: «إن أصحاب جعفر منكم لقليل، إنما أصحاب جعفر من اشتد ورعه وعمل لخالقه»[53].
وقد جاء في الكافي ما يدل على أن الناس كانوا يطلقون على من يدعي التشيع لجعفر الصادق: «جعفري خبيث»، وأن بعض الشيعة اشتكى من ذلك لجعفر فأجابه: «ما أقل والله من يتبع جعفرًا منكم، إنما أصحابي من اشتد ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، فهؤلاء أصحابي»[54]. فهذا يدل - إن صحت الرواية - على أن اسم الجعفرية كان شائعًا في زمن جعفر، وأن جعفرًا لا يرضى عن كثير ممن ينتسب أو ينسب إليه، ويلقب بالجعفري، وأن الصادق منهم قليل، ثم يضع معيارًا لمعرفته، وهو تحقق الورع والتوحيد، وقد نسبت إليه مصادر الإثنى عشرية قوله: «إن الناس أولعوا بالكذب علينا، وإني أحدث أحدهم بالحديث، فلا يخرج من عندي، حتى يتأوله على غير تأويله، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله، وإنما يطلبون الدنيا، وكلٌّ يحب أن يدعى رأسًا»[55].
كما يدل على أن لقب الجعفري كان يطلق على الإسماعيلية والإثنى عشرية؛ لأن الافتراق بين الطائفتين تمَّ بعد وفاة جعفر، كما ذكرنا آنفًا.
وقد أطلق اسم الجعفرية على طائفة من الشيعة انقرضت كانت تقول بأن الإمام بعد الحسن العسكري أخوه جعفر[56].
يتبع