فقد أورد القرآن الكريم قصص عدد من الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وكيف توكلوا على الله في جميع أحوالهم، ومدى صبرهم على إيذاء أقوامهم؛ قال الله تعالى على لسان نبيه شعيب: عليه السلام ﴿ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89]، وقالها نوح عليه السلام، قال الله تعالى: ﴿ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ [يونس: 71]، ولأهمية التوكل قرن الله عز وجل بينه وبين الإسلام والإيمان، وجعله شرطًا لتحقيقهما؛ قال الله عز وجل حكايةً عن موسى عليه السلام ﴿ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 84، 85].
فجُعل التوكل "شرطاً في الإيمان، فدل على انتفاءِ الإيمان عند انتفاء التوكل"[1].
وتوكَّل هود عليه السلام على الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾ [هود: 56]، وصرَّح بها يعقوب عليه السلام، قال الله تـعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُو نَ ﴾ [يوسف: 67]، وقالها جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام لأقوامهم، قال الله تعالى ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُو نَ ﴾ [إبراهيم: 12].
فَعِلْمُ القُرآن الكريم "جُمع في الفاتحة وعلم الفاتحة في هذين الأصلين عبادة الله والتوكل عليه"[2].
فالتوكل "نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة، وأفضل أنواعه هو التوكل في واجب الحق، وواجب الخلق، وواجب النفس، وأوسعه وأنفعه التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية، أو في دفع مفسدة دينية، وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله، ودفع فساد المفسدين في الأرض، وهذا توكل ورثتهم"[3].
فالتوكل على الله والاعتماد عليه في جلب الخير، ودفع الضر، والحصول على الرزق، والنصر على الأعداء، وغير ذلك من أهم العبادات وأوجب الواجبات، ومن صفات الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وصالحي المؤمنين، أمر الله عز وجل به في القرآن الكريم، وحث الرسول صلى الله عليه وسلم عليه في السنة النبوية المطهرة.
-----------------
[1] طريق الهجرتين وباب السعادتين؛ لابن قيم الجوزية، ص255، دار السلفية، القاهرة، ط2، 1394هـ.
[2] جامع الرسائل؛ لابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، ج1، ص91، المحقق: محمد رشاد سالم، دار العطاء - الرياضط1، 1422هـ - 2001م .
[3] مدارج السالكين: ابن قيم الجوزية، ج2، ص113- 114؛ (بتصرف)


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/141403/#ixzz6UtYrc3dO