قال ابن كثير رحمه الله :
وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذاً بالله من خلاف ذلك
فالآية تخاطب عامة أهل الإيمان أن يبذلوا جهدهم فى الاستمساك بالاسلام
وان يعتصموا بحبل ربهم , وليعتزوا بدينهم , وليبذلوا له ويعطوا لدعوته , ويكملوا مسيرته , فإنهم لا يدرون متى يقع عليهم الموت فتنتهي آجالهم , فاستمسكوا بتقواكم وصلاحكم وطاعاتكم حتى إذا جاءكم الموت وجدكم مسلمين مؤمنين أتقياء صالحين .
وهذا الاستمساك يقتضي :
إخلاص التوحيد لله سبحانه , والإيمان بكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
تنقية جناب التوحيد عن ادران الشرك , وتجديد العهد على التوحيد وعلى الإيمان
غلبة الرجاء عند الموت وحسن الظن بالله: قال - تعالى -: ( مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت، آية: 5) لا يجتمع الخوف والرجاء في قلب العبد عند سكرات الموت ومفارقة الحياة إلا أعطاه الله ما يرجوه من الرحمة وآمنه مما يخافه من العقوبة والمغفرة، ولكن ينبغي أن يغلّب عند الموت جانب الرجاء على الخوف، وأن الله - تعالى -يرحمه ويعفو عنه، ويتجاوز عن سيئاته، وذلك حسن الظن الذي عناه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري حين قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام يقول: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحُسن الظن بالله - عز وجل -)).
دوام التوبة من الذنوب والآثام استعدادا للقاء الله : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( إن الله - عز وجل - يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)).
البعد عن أسباب سوء الخاتمة: فإن من أسباب حُسن الخاتمة، الخوف من سوء الخاتمة والبعد عن أسبابها وهي، فساد المعتقد والانغماس في البدع، النفاق ومخالفة الباطن للظاهر، التسويف بالتوبة، طول الأمل وحب الدنيا، تعلق القلب بغير الله، إلف المعاصي والإصرار عليها،، مصاحبة أهل الفساد، عدم الاستقامة على الطاعة.
الاستقامة: قال - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
الدعاء: كان من دعاء الصالحين أن يتوفاهم الله حين انقضاء آجالهم وهم متمسكون بالاسلام ومن دعائه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) وهذا يتضمن سؤال حسن الخاتمة، والله - تعالى -يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران: 102] أي: استقيموا على الإسلام حتى يأتيكم الموت وأنتم على ذلك، (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
ومن دعاء الصالحين: كما قال السحرة: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرَاً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) [الأعراف: 126]، ومن دعاء الانبياء يوسف - عليه السلام - يقول: (تَوَفَّنِي مُسْلِمَاً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) [يوسف: 101]
وقال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة (132)
وقوله صلى الله عليه وسلم : « طُوبَى لِمَنْ هُدِىَ إِلَى الإِسْلاَمِ )
وقد روى البيهقي في سننه (حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا يَدْعُو وَيَقُولُ :
( اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ،وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ،وَإِنِّي أَسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنِي إِلَى الإِسْلاَمِ ،أَلاَّ تَنْزِعَهُ مِنِّى حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ.
الحياة بالإسلام .{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه رب العالمين
فهذه الامور يحيا بها العبد مستمسكا بإسلامه منتظرا لقاء ربه . فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا