قال علم الهداة الاعلام الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ أَنَّ الحَنِيفِيَّةَ - مِلَّةَ إِبْراهِيمَ -: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، وَبِذَلكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛
كَمَا قَالَ تَعَالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ،
وَمَعْنَى يَعْبُدُونِ: يُوَحِّدُونِ.

وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدُ، وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ،
وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكُ، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرهِ مَعَهُ؛
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوْا بِهِ شَيْئاً}
الشرح
إن الحنيفية - ملةَ إبراهيم عليه السلام- هي التي أمر الله جل وعلا نبيه، وأمر الناس أن يكونوا عليها،
قال جل وعلا: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}.

وملة إبراهيم هي التوحيد؛ لأنه هو الذي تركه فيمن بعده،
حيث قال جـل وعـلا: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}.

هذه الكلمة: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}
اشتملت على نفي في الشق الأول،
وعلى إثبات في الشق الثاني،
{إنني براءٌ مما تعبدون} البراءةُ نفي،
ثم أثبت فقال: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}
فتبرأ من المعبودات المختلفة،
وأثبت أنه عابد للذي فطره وحده،
وهذا هو معنى كلمة التوحيد،
ولهذا قال جل وعلا بعدها: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} يعني: لعلهم يرجعون إليها.

وعقب إبراهيم عليه السلام منهم العرب، ومنهم أتباع الأنبياء، فهو أبو الأنبياء،
ومعنى ذلك أنه أبٌ لأقوام الأنبياء.

جعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون إليها،
وهذه الكلمة هي كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)؛ لأن التوحيد هو ملة إبراهيم.

(لا إله إلا الله) معناها ما قال إبراهيم عليه السلام: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}
فـ(لا إله) مشتملة على البراءة من كل إله عبد،
(وإلا الله) إثبات لعبادة الله -جل وعلا- وحده دون ما سواه؛
ولهذا يقول العلماء: (لا إله إلا الله معناها: لا معبود حق -أو بحق- إلا الله)، معنى ذلك أن كل المعبودات إنما عُبدت بغير الحق،
قال جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ذلك بأن الله هو الحق، ولكونه جل وعلا هو الحق كانت عبادته وحده دون ما سواه هي الحق،
قال: لا إله بحق، لا معبود بحق،
لكن ثَمَّ معبودات بغير الحق، ثَم معبودات بالباطل،
ثم معبودات بالبغي والظلم والعدوان،
لكن المعبود بحق يُنفى عن جميع الآلهة، إلا الله جل وعلا؛ فإنه هو وحده المعبود بحق.

هذه الكلمة هي التي ألقاها إبراهيم عليه السلام في عقبه،
وهذا مراد الشيخ -رحمه الله تعالى- بما ذكر.

[شرح قول: وأعظم ما أمر الله به التوحيد]
وبَيَّن أن أعظم الواجبات،
أعظم ما أَمَر به إبراهيم الخليل عليه السلام،
وما أَمَر به النبي صلى الله عليه وسلم: التوحيد،
وأعظم ما نهى عنه: الشرك،
ومعنى ذلك: أن أعظم دعوة الأنبياء والمرسلين؛ من إبراهيم عليه السلام، بل من نوح عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛
أعظم ما يدعى إليه بالأمر هو الأمر بتوحيد الله جل وعلا،
وأعظم ما يُنهى عنه، ويؤمر الناس بتركه هو الشرك،
فأعظم ما أُمر به التوحيد، وأعظم ما نُهي عنه الشرك،
لِمَ؟
لأن التوحيد هو حق الله جل وعلا،
ومن أجله بعثت الرسل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.

فالغاية من بعث الرسل أن تبين للناس، وأن تقول للناس: اعبدوا الله وحده دون ما سواه -هذا الأمر- واجتنبوا الطاغوت، يعني: اتركوا الشرك ومظاهر الشرك.
فإذاً:
أعظم مأمور به هو التوحيد،
أعظم ما دعا إليه الرسل والأنبياء من نوح عليه السلام إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، أعظم ما دُعي إليه من المأمورات: التوحيد،
وأعظم ما نُهي عنه من المنهيات هو الشرك،
لِمَ؟
لأن الغاية من خلق الإنسان هي عبادة الله وحده،
فصار الأمر بالتوحيد هو الأمر لهذا المخلوق بأن يعلم وأن يُنْفِذ غاية الله -جل وعلا- من خلق هذا المخلوق.

والنهي عن الشرك معناه:
النهي عن أن يأخذ هذا المخلوق بطريق أو بفعل يخالف الغاية من خلقه،
وهذا ولاشك كما ترى يقود إلى فهم التوحيد،
وفهم حق الله جل وعلا،
وفهم دعوة الحق بأعظم ما يكون الفهم؛
لأنك تنظر إلى أن إنفاذ المرء ما خلق من أجله
هو أعظم ما يدعى إليه،
ونهي المرء عنما يصده عن ما خُلِق من أجله، هذا أعظم ما ينهى عنه؛
ولهذا كانت دعوة المصلحين،
ودعوات المجددين؛
على مر العصور بهذه الأمة،
هي بالدعوة إلى التوحيد ولوازمه،
والنهي عن الشرك وذرائعه.
[شرح ثلاثة الاصول للشيخ صالح ال الشيخ]