نصائح مشتركة لتنمية الحب والمودة بين ا لزوجين-1
الشيخ الدكتور أنس العمايرة




<b> إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) |سورة آل عمران:102|.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا) |سورة النساء:1|.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما) |سورة الأحزاب:70-71|.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
الحمد لله على هذه الخيرات ، فربكم أيها الإخوة كريم جواد ، هاهو قد هل علينا الغيث ، وهي فاتحة خير وبركة للموسم إن شاء الله ، فنسألك الله أن تغثنا غيثا هنيئا مريئا غدقا طبقا عاما واسعا مجللا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل .
أيها الأفاضل :
إن النفس البشرية بطبيعتها تتغير وتتبدل وتمل الروتين فالحب والمودة يكون بين الزوجين في بداية زواجهما في أعلى درجاته ، ثم يبدأ بالانتقاص شيئا فشيئا ؛ وإذا لم يجد رعاية وعناية من قبلهما ربما يموت ويدفن،فهو تماما كالغرسة في الأرض تحتاج للسقاية والعناية.
وهنا أقدم للزوجين بعض النصائح والوسائل التي من شأنها أن تنمي الحب والمودة بينهما :

أولاً: التطاوع والتناصح
فعلى الزوجين أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة، ولا يقدما عليها تقليداً أو عادة غلبت على الناس،أو مذهباً . فقد قال عز وجل: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا). الأحزاب : 36 ، آداب الزفاف ص : 206 بتصرف .
ثانياً : التزام كل من الزوجين بالواجبات الموكلة له
على الزوجين أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر ، فلا تطلب الزوجة - مثلاً - أن تساوي الرجل في جميع حقوقه ، ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة والرياسة ؛ فيظلمها ويضربها بدون حق . .......... قال صلى الله عليه وسلم :( المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا). مسلم برقم : 1827. (انظر: آداب الزفاف ص : 206)
ثالثاً : إعانة كلا الزوجين للطرف الآخر على طاعة الله
على الزوجين أن يتعاونا على العبادات والنوافل والأذكار فعلى الزوجة إعانة زوجها على طاعة الله وحثه على فعل الخيرات ، وكذلك الزوج ؛ ففي ذلك مرضاة لله وإحياء للبيت .
أما المعصية فتجلب الهم والغم ، وتوجب الشقاء والتعاسة، وتطبع سوادا في الوجه وقسوة قي القلب ، وتتبدل السعادة إلى شقاء والحب إلى كره . قال أحد السلف : ( إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي ) .
وجاء في الحديث : ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) مسلم برقم : 1467 وغيره .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء . ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها ،فإن أبى نضحت في وجهه الماء) أبو داود برقم:1308وابن ماجة برقم:1336والحاكم:ب رقم:1164 وقال:(صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ) .
وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) أبو داود برقم : 1451، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم : 626.
وعن عائشة قالت :(كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت) مسلم برقم : 512 والفظ له ، والبخاري برقم : 952 .
وعن ابن عباس رضي الله عنه رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند جويرية ، وكان اسمها برة فحول اسمها ، فخرج [ رسول الله ] وهي في مصلاها ودخل وهي في مصلاها ، فقال: (ألم تزالي في مصلاك هذا) ؟ قالت: نعم، قال:(قد قلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) ) سنن أبي داود برقم : 1503 وهو صحيح ، وأصله في صحيح مسلم برقم : 2726 ..
رابعاً : وضع الخطوط العريضة للحياة الزوجية
على الزوجين أن يحددا الخطوط العريضة لحياتهما في بداية المشوار ، ويضعا النقاط على الحروف ؛ ليعلم كل طرف ما له فيأخذه وما عليه فيعطيه , فتتصرف المرأة حسب رغبة زوجها ويراعي الزوج رغباتها أيضا . وانظر إلى الحوار الذي جرى بين شريح وزوجه زينب ليلة زفافهما ، قالت الزوجة : ( الحمد لله احمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله ، إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك ؛ فبين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأزدجر عنه . إنه قد كان لك في قومك منكح وفي قومي مثل ذلك ولكن إذا قضى الله أمرا كان . وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به،إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولك) . قال شريح فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع فقلتُ : ( الحمد لله أحمده واستعينه وأصلي على النبي وآله وسلم وبعد : فإنك قد قلت كلاما إن تثبتي عليه يكن ذلك حظك وإن تدعيه يكن حجة عليك . أحب كذا وأكره كذا ، ونحن جميع فلا تفرقي ، وما رأيت من حسنة فانشريها وما رأيت من سيئة فاستريها ) قالت : وكيف محبتك لزيارة الأهل ؟ قال : ما أحب أن يملني أصحابي . قالت : فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك آذن لهم ومن تكرهه أكرهه ؟ قلت : بنو فلان قوم صالحون ، وبنو فلان قوم سوء . ثم ذكر شريح للشعبي أنه مكث مع زوجته لا يرى منها إلا ما يحب عشرين عاما) . انظر فالخطوط العريضة التي وضعت بينهم أغنتهم من وقوع المشاكل والخلافات لمدة عشرين عاما .
خامساً : فهم النفسيات
فعلى كلا الزوجين أن يفهم نفسية الآخر ، ويدرسها دراسة دقيقة ، فلا بد للزوج أن يكون عارفا حاذفا لنفسية زوجته ؛ حتى يستطيع من خلال هذه النفسية أن يتعامل معها بالأسلوب المناسب ولا بد للزوجة أن تكون عارفة حاذفة لنفسية زوجها أيضا ؛ حتى لا تنزعج من بعض التصرفات التي لا تعجبها منه . ولعل المشكلة التي يعيشها معظم الأزواج اليوم هي : أن المرأة تتعامل مع الرجل بأنه امرأة ، والرجل يتعامل مع المرأة بأنها رجل من غير مراعاة نفسية الطرف الأخر .
عُملت دراسة عالمية على إحدى عشرة دولة في العالم فتبين أن (92%) من نسبة المشاكل الزوجية متعلقة في الحوار بين الزوجين ،وعدم قدرتهم على التفاهم ، وهذا لا شك خطير للغاية . ولو نظرنا في سيرة المصطفى صلوات الله عليه وسلامه لوجدنا كيف استطاع أن يفهم نفسية أزواجه صلى الله عليه وسلم ، حيث تقول عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم إذا كنت عني راضية ، وإذا كنت عني غضبى ) ، فقلت: من أين تعرف ذلك ؟ فقال: ( إذا كنت عني راضية ؛ فإنك تقولين : لا ورب محمد ، وإذا كنت علي غضبى؛ قلت : لا ورب إبراهيم ) . قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله ! ما أهجر إلا اسمك) البخاري برقم : 4930 ، ومسلم برقم : 2439 .
. فيبن لنا هذا الحديث دقة عناية النبي صلى الله عليه وسلم بنفسية عائشة حتى أنه أصبح يعلم ما يرضيها وما يغضبها من خلال قسمها .
فإذن : فهم النفسيات في الحياة الزوجية يساعد الزوجين على : فهم أحدهما للآخر ، وحسن التعامل معه ، والتقليل من نسبة الغضب بينهما ، ويزيد من نسبة الارتياح النفسي والاجتماعي ، كما أنه يعلم كل طرف بصفاته وخصائصه وقدراته ومواهبه .
سادساً: ترضية كلا الزوجين للطرف الآخر إن غضب
إذا غضب أحد الزوجين وجب على الآخر ترضيته والاعتذار له و الحلم به ؛ لأن حال الغضبان كحال السكران ، لا يدري ما يقول ولا يدرك ما يفعل . وإذا قوبل الغضب بالغضب فإن المسألة سوف تعظم وتكبر وقد تأخذ منحى آخر وقد تصل إلى الطلاق . لذا قال أبو الدرداء لامرأته : ( إذا رأيتيني غضبت فرضني . وإذا رأيتك غضبى رضيتك ؛ وإلا لم نصطحب ) .
سابعاً : الإرواء العاطفي بين الزوجين
لا بد من الإرواء العاطفي بين الزوجين ، حيث إن الحياة الزوجية لا تستمر بجفاف عاطفي ؛ وهذا يحتاج إلى وقت وتأسيس . فالتوافق العاطفي والعقلي يحتاج إلى وقت طويل بين الزوجين الناشئين ، ولن يتم ذلك عادة دون أن يتنازل كل من الزوجين عن بعض أنماط سلوكه وعاداته القديمة ، ويقع العبء الأكبر على المرأة في ذلك ؛ لكونها تابعة للرجل .
فالكلمة الطيبة الدافئة ، والتعبير العاطفي ، والعبارات الرقيقة كإعلان الحب للزوجة مثلا والعكس ، وإشعار المرأة بأنها أجمل امرأة في عينه ، وإشعاره أنه أفضل رجل في العالم ، كل ذلك يساعد على تنمية الحب والمودة بينهما . ولا تنسيا أن الكلمة الطيبة صدقة. جزء من حديث رواه البخاري برقم : 2827 ، ومسلم برقم : 1009 .
ثامناً : استشارة كلا الزوجين للآخر وعرض مشاكله عليه
على الرجل أن يشعر الزوجة أن لها أهميه في حياته ، وعليه أن يجعلها تشاركه في القرارات ؛ لما لذلك من أهمية بالغة في نفسية المرأة ، وكذا الزوجة . فيعرضا مشاكلهما وهمومهما على بعض ويطلبا الحلول المناسبة ولو كان أحدهما يعلم أن رأي الطرف الآخر غير صائب وأنه لن يأخذ به .
تاسعاً : التوجيه بالكلمة الطيبة
على كلا الزوجين معالجة القصور والنقص عند الطرف الآخر بألطف الأساليب واقرب الطرق ، من خلال الكلمة الطيبة والتوجيه الحسن ، بعيدا عن النرفزة والإثارة والغضب ورفع الصوت ..... .
عاشراً :التغاضي عن الزلات
على الزوجين التغاضي عن زلات وهفوات الطرف الآخر وعليهما تذكر الحسنات والإيجابيات عند رؤية السلبيات . فاعلما أن الأخطاء تبدو كبيرة عندما يكون الحب صغيرا ، وتبدو صغيره عندما يكون الحب كبيراً :
وإذا الحبيب أتى بذنب واحــــــــد جاءت محاسنه بألف شفيـــــــــــع
قال ابن المبارك : ( المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات) وقد سأل صديق صديقه صف لي عيوبي ، فأجابه :
( نظرت لك بعين الرضا ) وأنشد قائل :
وعين الرضا عن كل عيب كليلـة كما أن عين السخط تبدي المساويا
فهذا من قبل الصديق لصديقه فما بالك بين الزوجين ؟


هذا وللحديث بقية ، سيكون في الأسبوع القادم إن شاء الله .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد