*الاستدلال بدليل السبر والتقسيم على أنه إذا لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا*
➖➖➖➖➖➖➖➖

قال ابن كثير (٧٧٤ه*) رحمه الله تعالى: *«وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة -رضي الله عنهم- هو بدعة لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها»* اه*.
-تفسير القرآن العظيم (٤/ ٢٥٩٨).

وقد استدل الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- في كتابه *فتح رب البرية بتلخيص الحموية* ص(١١)، *بدليل السبر والتقسيم* على هذه المسألة وإليك كلام العثيمين مع تصرف وتحوير وتعميم لتناسب المقام وتوضيح الفكرة:
[الصحابة -رضي الله عنهم- لابد أن يكونوا *قائلين بالحق وفاعلين الحق* فيما يتعلق بدين الله لأن ضد ذلك إما السكوت وإما القول بالباطل في الأول، وإما عدم العمل أو العمل بالباطل في الثاني،
وكل هذه الأشياء ممتنعة عليهم:
*أما امتناع السكوت*
فوجهه إما أن يكون عن جهل منهم بالدين وإما أن يكون عن علم منهم ولكن كتموه وكل منهما ممتنع:
*أما امتناع الجهل* فلأنه لا يمكن لأي قلب فيه حياة وطلب العلم ونهمة في العبادة ألا أن يكون أكبر همه هو البحث عن أحكام الدين والسؤال عنها وتحقيق ذلك علما واعتقادا، ولا ريب أن القرون المفضلة وأفضلهم الصحابة هم أبلغ الناس في حياة القلوب، ومحبة الخير وتحقيق العلوم النافعة كما في حديث خيرية القرون وهذه الخيرية تعم فضلهم في كل ما يقرب إلى الله من قول وعمل واعتقاد.
ثم لو فرضنا أنهم كانوا جاهلين بالحق في مسألة من المسائل لكان جهل من بعدهم من باب أولى؛ لأن معرفة ما ينفى ويثبت للدين الحق لا طريق للوصول إليه إلا عبر الرسالة، وهم - أعني الصحابة- الواسطة بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبين الأمة، وعلى هذا الفرض يلزم أن لا يكون عند أحد علم وهذا ظاهر الامتناع.
*وأما امتناع كتمان الحق* فلأن كل عاقل منصف عرف حال الصحابة -رضي الله عنهم- وحرصهم على نشر العلم النافع وتبليغه للأمة.
*وأما امتناع القول بالباطل عليهم* فمن وجهين:
أحدهما: أن القول بالباطل لا يمكن أن يقوم عليه دليل صحيح، ومن المعلوم أن الصحابة -رضي الله عنهم- أبعد الناس عن القول فيما لم يقم عليه دليل صحيح فهم أولى الناس بامتثال قوله تعالى:
*«ولا تقف ما ليس لك به علم»،* وقوله: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا *وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون* »
ثانيهما: أن القول الباطل إما أن يكون مصدره الجهل بالحق وإما أن يكون مصدره إرادة ضلال الخلق وكلاهما ممتنع في حق الصحابة -رضي الله عنهم- :
*أما امتناع الجهل فقد تقدم بيانه.*
*وأما امتناع إرادة ضلال الخلق:* فلأن إرادة ضلال الخلق قصد سيء لا يمكن أن يصدر من الصحابة الذين عرفوا بتمام النصح للأمة ومحبة الخير لها]
*وأما امتناع عدم العمل* فقد شهد القاصي وعرف الداني أنه ما من شريعة من شرائع الدين إلا وللصحابة لهم فيها نصيب وافر وقدح ظافر.
*وأما امتناع العمل بالباطل* فوجهه إما أن يكون عن جهل وقد تقدم امتناعه، وإما يكون عن مكابرة وتعمد المخالفة للحق وهذا لا يتصور من الصحابة.
وإذا تبين أن الصحابة لا بد أن يكونوا قائلين بالحق وعاملين به فإنه إما أن يكون ذلك بعقولهم أو من طريق الوحي والأول ممتنع فتعين الثاني، وهو المطلوب.
وبدليل السبر والتقسيم هذا نثبت صحة ما نقله ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن أهل السنة والجماعة أنه كل قول أو عمل لم يثبت عن الصحابة فهو بدعة، وبهذا يتقرر إلتزام غرز الصحابة وعدم الخروج عنهم، والله الموفق.