تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: بيانُ معنَى الكُفْرِ بالطاغوتِ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي بيانُ معنَى الكُفْرِ بالطاغوتِ

    بيانُ معنَى الكُفْرِ بالطاغوتِ
    قال اللهُ تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: ٢٥٦].
    وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[النحل: ٣٦].
    وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى [الزمر: ١٧].
    فاجتنابُ عِبادةِ الطاغوتِ وإخلاصُ العبادةِ للهِ تعالى وَحْدَه لا شَرِيكَ له هو مَعْنَى التوحيدِ.
    ولا يَكونُ المَرْءُ مُسلِمًا مُوَحِّدًا حتى يَكْفُرَ بالطَّاغُوتِ.
    والطاغوتُ هو كلُّ ما يُعْبَدُ من دُونِ اللهِ تعالى، سَواءٌ أكانتْ عبادتُه بدعائهِ، والاستعانِة به، والتَّوكُّلِ عليه، والذَّبْحِ له، والنَّذْرِ له، أم باتِّباعِه في تحليلِ الحرامِ وتحريمِ الحلالِ، أم بالتَّحاكُمِ إليه والرِّضا بحُكْمِه.
    قال ابنُ جَريرٍ رحِمه اللهُ: (والصَّوابُ من القولِ عندِي في "الطَّاغُوتَ" أنه كُلُّ ذِي طُغْيانٍ على اللهِ، فعُبِدَ من دونِه، إما بقَهْرٍ منه لمَن عَبَدَه، وإما بطَاعةٍ مِمَّن عبده له، وإنسانًا كان ذلك المَعْبودُ، أو شَيْطانًا، أو وَثَنًا، أو صَنَمًا، أو كائِنًا ما كانَ من شيءٍ).
    فالطاغوتُ هو: الذي بَلَغ في الطُّغْيانِ مَبْلَغًا عظيمًا فصَدَّ عن سبيلِ اللهِ كثيرًا وأضَلَّ إضلالاً كبيرًا.

    والطواغيتُ التي تُعْبَدُ من دُونِ اللهِ تعالى كثيرةٌ، وأشْهَرُ أصْنَافِ الطَّواغيتِ وأَكْثَرُها طُغْيانًا وصَدًّا عن سَبيلِ اللهِ ثلاثةٌ: الشيطانُ الرَّجيمُ، والأوثانُ التي تُعْبَدُ من دونِ اللهِ، ومَن يَحْكُمُ بغيرِ ما أنْزَلَ اللهُ.

    الصِّنْفُ الأولُ: الشَّيْطانُ الرَّجيمُ
    وهو أصْلُ كلِّ شِرْكٍ وطُغْيانٍ، بل كلُّ عِبادةٍ لغيرِ اللهِ تعالى فهي في حَقيقةِ الأمرِ عِبادةٌ للشَّيْطانِ؛ لأنه سَبَبُها والداعِي لها.
    قال اللهُ تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس: ٦٠–٦١].
    وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّه ُمْ وَلَأُمَنِّيَنَ ّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُ مْ فَلَيُبَتِّكُنَ ّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُ مْ فَلَيُغَيِّرُنَ ّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)[النساء: ١١٦–١٢١]
    وقد جعَلَ اللهُ تعالى من عُقوبةِ المُعْرِضينَ عن ذِكْرِه تَسْلِيطَ الشَّياطِينِ عليهم، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُم ْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ[الزخرف: ٣٦–٣٩].
    واجتنابُ هذا الطاغوتِ يَكونُ بالاستعاذةِ باللهِ منه، والحَذَرِ من كَيْدِه، وعَدَمِ اتباعِ خُطُواتِه، فهو عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ[الحج: ٤].
    وتَوَلِّي الشَّيْطانِ يَكونُ باتِّباعِ خُطُواتِه وتَصْديقِ وُعُودِه واستشرافِ أَمَانِيِّه وفِعْلِ ما يُزَيِّنُه من المعاصي، والإعراضِ عن هُدَى اللهِ تعالى؛ فمَن فعَلَ ذلك فقد تَولَّى الشيطانَ.
    والشيطانُ يَحْضُر ابنَ آدَمَ عندَ كلِّ شيءٍ من شأنِه، كما صَحَّ ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في صحيحِ مُسلمٍ وغيرِه من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي اللهُ عنهما.
    وتَحقيقُ الاستعاذةِ من الشيطانِ يَكُونُ بصِدْقِ الالتجاءِ إلى اللهِ تعالى، واتِّباعِ هُدَى اللهِ العَاصِم من شَرِّ الشَّيْطانِ وشِرْكِه.
    ومِمَّا هَدَانا اللهُ تعالى إليه ليَعْصِمَنا من شَرِّ الشَّيْطانِ: تَكْرَارُ الاستعاذةِ باللهِ تعالى منه، والإيمانُ باللهِ والتَّوكُّلُ عليه، والإخلاصُ، وكثرةُ ذِكْرِ اللهِ، والتَّعْويذات الشَّرعيَّة.
    وحَذَّرَنا اللهُ من اتِّباعِ خُطُواتِ الشيطانِ، وفِعْلِ ما يَتسَلَّطُ به الشيطانُ من نَقِيضِ ما ذُكِرَ آنفًا؛ فضَعْفُ الإيمانِ وضَعْفُ التوكلِ والإخلاصِ، والغَفْلةُ عن ذِكْرِ اللهِ تعالى، والتَّفْرِيطُ في التعويذاتِ الشَّرْعِيَّةِ، كُلُّ ذلك من أسبابِ تَسَلُّطِ الشيطانِ على الإنسانِ.
    وكذلك ما يَجِدُ به الشيطانُ على الإنسانِ مَدْخَلاً للتسلطِ عليه كالغَضَبِ الشديدِ، والفَرَحِ الشَّديدِ، والانْكِبابِ على الشَّهواتِ، والشُّذُوذِ عن الجماعةِ، والوَحْدةِ، ولا سِيَّما في السَّفَرِ، ونَقْلِ الحديثِ بينَ الناسِ، وخَلْوةِ الرجُلِ بالمرأةِ، والظنِّ السَّيِّئِ، وغِشْيانِ مَواضِعِ الرِّيَبِ.
    وشُرِعت التسميةُ في كلِّ شأنٍ من شُئونِ الإنسانِ لحُصولِ البَرَكةِ والحِفْظِ من كيدِ الشيطانِ، فيُسَمِّي العبدُ إذا أكَلَ، وإذا شَرِبَ، وإذا دخَلَ المَنْزِلَ، وإذا خَرَجَ منه، وإذا أَصْبَحَ، وإذا أمْسَى، وإذا رَكِبَ، وإذا جَامَعَ، وإذا دخَلَ الخَلاءَ، وإذا أرادَ النَّوْمَ.
    وفي صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضِي اللهُ عنه أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((إذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ ما اسْتَطَاعَ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ في فِيهِ)).
    وفي رِوَايةٍ لأحْمَدَ وعبدِ الرَّزَّاقِ: ((إذا تَثَاوَبَ أحَدُكم فَلْيَضَعْ يَدَهُ على فِيهِ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مع التَّثَاوُبِ)).
    ومَن اتَّبَعَ ما أَرْشَدَ اللهُ إليه من الهُدَى كان في حِصْنٍ وأمانٍ من كَيْدِ الشيطانِ، ومَن قَصَّرَ وفَرَّط، لم يَأْمَن أن يَنْالَه شيءٌ من كيدِ الشيطانِ وإيذائِه وإغوائِه بسَبَبِ تَفْريطِه.

    الصِّنْفُ الثاني: الأوثانُ التي تُعْبَدُ من دونِ اللهِ عز وجل
    وهذه الطواغيتُ أنواعٌ:
    فمن الأوثان: الأصنامُ والتماثيلُ التي تُنْحَتُ على شَكْلِ صُوَرٍ؛ إما صُوَرِ رِجَالٍ أو حَيواناتٍ أو غيرِ ذلك؛ فمِن المُشْركِينَ مَن يَزْعُم أنها تَنْفَعُ وتَضُرُّ، ومنهم مَن يَزْعُم أنها تَشْفَعُ لمَن يَدْعُوها ويَتَقرَّبُ إليها بالذَّبْحِ والنَّذْرِ وسؤالِ الحَاجاتِ.
    قال اللهُ تعالى: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ[الصافات: ٩٥–٩٦].
    وقال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) [الشعراء: ٦٩–٨٢].
    وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)[الأنبياء: ٥١–٥٧].
    ومن الأوثانِ: بعضُ الأشجارِ والأحجارِ المُعظَّمة التي يَعْتَقِدُ فيها بعضُ المُشْركينَ اعتقاداتٍ كُفْريَّةً، فيَعْتَقِدُونَ فيها النَّفْعَ والضُّرَّ وأنَّها تَشْفَعُ عندَ اللهِ عز وجل لمَن يَدْعُوها ويَتقَرَّبُ إليها.
    وقد كانتِ الأصنامُ والأشجارُ والأحجارُ التي تُعْبَدُ في الجاهليَّةِ كثيرةً جِدًّا، حتى كانَ حَوْلَ الكعبةِ وَحْدَها ثلاثُمائةٍ وسِتُّونَ صَنَمًا، وقد حَطَّمَها النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم لمَّا فَتَحَ مَكَّةَ.
    وكانَ في بعضِ أحياءِ العَرَبِ أشجارٌ وأحجارٌ كثيرةٌ تُعَظَّم وتُعْبَدُ من دونِ اللهِ عز وجل.
    ومن الأوثانِ: القُبورُ والمَشاهِدُ والأَضْرِحَةُ والمَقاماتُ التي تُعْبَدُ من دونِ اللهِ عز وجل، فيُطافُ حولَها تقرُّبًا لها، ويُذْبَحُ لها، وتُقَدَّمُ لها النُّذورُ والأموالُ، ويكونُ لبعضِها سَدَنَةٌ وخُدَّامٌ يَصُدُّونَ عن سبيلِ الله، ويأكلونَ أموالَ الناسِ بالباطلِ، ويُزَيِّنُونَ لهم سُؤالَ المَوْتَى قَضَاءَ الحاجاتِ ودَفْعَ البَلاءِ.

    وقد قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ((اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ)) رواه مَالِكٌ.
    بل نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن اتِّخاذِ القبورِ مَساجِدَ لئلا تَجُرَّ إلى عبادةِ المَقْبورينَ فيها، فعن جُنْدَبِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ مَنْ كان قبلَكم كانوا يَتَّخِذُونَ قُبورَ أنبيائِهم وصَالحِيهم مَساجِدَ، ألا فلا تَتَّخِذوا القُبورَ مَسَاجِدَ، فإنِّي أنْهَاكُم عن ذلكَ)). رواه مُسلمٌ.
    وقال أبو عُبَيدةَ عامِرُ بنُ الجَرَّاحِ رضِي اللهُ عنه: (كَانَ آخِرَ ما تَكَلَّم به نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أخْرِجُوا يَهُودَ الحِجَازِ من جَزِيرةِ العَرَبِ، واعْلَمُوا أنَّ شِرارَ الناسِ الذين يَتَّخذونَ القُبورَ مَساجِدَ). رواه الإمامُ أحمدُ.
    واتخاذ القبور مساجد هو أنْ يُصَلَّى عَليها، أَو يُصَلَّى إِلَيهَا، أو يُبْنَى عَليهَا مَسجدٌ؛ فَمَن فَعَل واحدةً من هذِهِ الثَّلاثِ فقد وَقَع في المحذورِ.

    ومن الأوثان: ما يَرْمُزُ للشركِ وعبادةِ غَيْرِ اللهِ عز وجل من الشِّعَاراتِ والتعاليقِ، ففي سُننِ التِّرْمذيِّ أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم رَأَى في عُنقِ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ صَلِيبًا من ذَهَبٍ فقال له: ((يا عَدِيُّ، اطْرَحْ عنكَ هذا الوَثَنَ)).
    والمَقْصودُ أنَّ كلَّ ما يُعْبدُ من دونِ اللهِ عز وجل فهو طاغوتٌ، سواءٌ أكان صَنَمًا أم شَجَرًا أم حَجَرًا أم قَبْرًا أم غَيْرَهُ.
    وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((يَجمعُ اللهُ الناسَ يومَ القيامةِ، فيقولُ: مَن كانَ يَعْبُدُ شيئًا فلْيَتبعه؛ فيَتبعُ مَن كانَ يَعبدُ الشَّمسَ الشَّمسَ، ويَتبعُ مَن كان يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، ويَتبعُ مَن كانَ يَعْبُدُ الطَّواغِيتَ الطَّوَاغيتَ)). مُتَّفق عليه.
    وهذا الاتباعُ يَكونُ إلى نارِ جَهَنَّم والعياذُ باللهِ، كما قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ [الأنبياء: ٩٨–١٠٠].
    الحَصَبُ هو ما يُحْصَب به، أي يُحْذَفُ به.
    وهذه الآياتُ تَدُلُّ على أن هذه الأوثانَ لا تَنْفَعُ عَابِدِيها، بل تُقْذَفُ في النارِ يَوْمَ القِيامةِ هي وَمَن عبَدَها من دونِ اللهِ عز وجل قَذْفًا شديدًا.
    وأمَّا مَن عُبِد من دونِ اللهِ وهو لا يَرْضَى بذلك، فليسَ بطاغوتٍ، وإنما اتَّخَذَه المشركون إلهًا وربًّا وطاغوتًا يَطْغُونَ بسَبَبِ اعتقادِهم فيه، وهو بَرِيءٌ من شِرْكِهم وطُغْيانِهم، قال اللهُ تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: ٣١].
    وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُم ُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)[الأنبياء: ١٠١– ١٠٣].
    وكذلك الأولياءُ الصالحونَ الذين عَبَدَهم بعضُ المُشْركينَ ظُلْمًا وزُورًا بَرِيئونَ من هذا الشِّرْكِ.
    وأما مَن رضِي أن يُعْبَدَ من دونِ اللهِ تعالى أو دَعَا إلى عبادةِ نَفْسِه، فلا شَكَّ أنه من الطواغيتِ، كما قال فِرْعونُ لقومِه: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي[القصص: ٣٨].

    الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَن يَحْكُمُ بغَيْرِ ما أنْزَلَ اللهُ
    كلُّ مَن كانَ له سُلْطانٌ على الناسِ في بَلَدٍ من البُلْدانِ فأعْرَضَ عن تَحْكيمِ شَرْعِ اللهِ عزَّ وجلَّ فيهم، ووضَعَ لهم أحْكامًا يَحْكُم بها عليهم من تلقاءِ نفسِه؛ فيُحِلُّ لهم ما حَرَّم اللهُ، ويُحَرِّمُ عليهم ما أحلَّ اللهُ؛ فهو طاغوتٌ يُرِيدُ أن يُعْبَدَ من دونِ اللهِ عز وجل، وعبادتُه طاعتُه في تحليلِ الحرامِ وتحريمِ الحلالِ.
    ودليلُ ذلك ما صَحَّ عن عَدِيِّ بن حاتمٍ الطائِيِّ رضِي الله عنه أنه سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ قولَ اللهِ تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ[التوبة: ٣١].
    قال: فقلتُ: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهم.
    قال: ((أليسَ يُحَرِّمونَ ما أحَلَّ اللهُ فتُحَرِّمُونَه، ويُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللهُ فتَسْتَحِلُّونَ ه ؟))
    قلتُ: بَلَى
    قال: ((فتلكَ عِبادتُهم)). رواه البخاريُّ في التاريخِ الكبيرِ، والتِّرمذِيُّ والطَّبَرانِيُّ ، واللفْظُ له.
    وقال حذيفةُ بنُ اليَمَانِ: (أمَا إنَّهم لم يُصَلُّوا لهم، ولكنَّهم كانوا ما أحلُّوا لهم من حَرامٍ اسْتحَلُّوه، وما حَرَّموا عليهم من الحَلالِ حَرَّموه؛ فتلك رُبوبيـَّتـُهم). رواه سعيدُ بنُ مَنصورٍ.
    ومن الطواغيتِ: الكُهَّانُ والعَرَّافونُ والسَّحَرةُ الذين يَدَّعُون عِلْمَ الغَيْبِ ويَتحَاكَمُ إليهم الجَهَلةُ الضُّلالُ.
    قال اللهُ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[النساء: ٦٠].
    ونهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن إتيانِ الكَهَنةِ والعَرَّافينَ والسَّحَرةِ، فعن أبي هُريرةَ رضِي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن أتَى كاهنًا أو عَرَّافًا فصَدَّقَهُ بما يقولُ، فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على مُحمَّدٍ)). رواه الإمامُ أحمدُ من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي الله عنه.
    وقال ابنُ مسعودٍ رضِي الله عنه: ((مَن أتى كاهِنًا أو سَاحِرًا فصَدَّقه بما يقولُ فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ)). رواه البَزَّارُ.
    والإِعْرَاضُ عن حُكْمِ اللهِ والتَّحَاكُمِ إلى شَرْعِه، وطَلَبُ حُكْمِ الطَّواغيتِ هو من أعمالِ المُنافقين الذين ذَمَّهم اللهُ في كتابِه الكريمِ؛ فقال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِين َ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)[النور: ٤٧–٥٢].

    فصل: وكلُّ مَن اتَّبَعَ الطاغوتَ فإنما يَزِيدُه اتِّباعُه إيَّاه ضَلالاً وخَسارًا وظُلْمةً، وأما مَن كَفَر بالطاغوتِ وآمَن باللهِ واتَّبَعَ هُداه فإنَّ اللهَ تعالى يُخرِجُه من الظُّلماتِ إلى النورِ، ويهديهِ سُبلَ السلامِ، ويُدْخِلُه في رحمتِه وفَضْلِه، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: ٢٥٧].
    فهؤلاء الطواغيتُ يُلْقونَ بأوليائِهم في ظُلماتِ الشِّرْكِ والجَهْلِ والضَّلالِ وحَيْرةِ الشَّكِّ، والعِيشةِ الضَّنْكِ، وسُوءِ الحالِ والمآلِ. نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ.

    وأما المُؤمنونَ باللهِ فإنَّ اللهَ تعالى هو وَلِيُّهم الذي يُخرِجُهم مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ فيخرجُهم من ظُلْمةِ الشِّركِ إلى نورِ التوحيدِ، ومن ذُلِّ المَعصيةِ إلى عِزَّةِ الطاعةِ، ومن ضَلالاتِ البِدَعِ إلى مِنْهاجِ السُّنةِ، ومن حَيْرةِ الشكِّ إلى بَرْدِ اليقينِ، ويُخْرِجُهم من الضِّيقِ والضَّنْكِ إلى السَّعَةِ والانْشِراحِ، ومن الهَمِّ والخَوْفِ والحَزَنِ إلى الطُّمأنينةِ والأمنِ والسكينةِ، ويَزِيدُ اللهُ الذين اهتْدَوْا هُدًى، فهم كلَّ يومٍ في ازديادٍ من الخيرِ والهُدَى، تَرْتَفِعُ بهم الدرجاتُ، وتَتَضاعَفُ لهم الحَسَناتُ، ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
    [معالم الدين- للشيخ عبد العزيز الداخل]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: بيانُ معنَى الكُفْرِ بالطاغوتِ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    وقد قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ((اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ)) رواه مَالِكٌ.

    ومن الأوثان: ما يَرْمُزُ للشركِ وعبادةِ غَيْرِ اللهِ عز وجل من الشِّعَاراتِ والتعاليقِ، ففي سُننِ التِّرْمذيِّ أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم رَأَى في عُنقِ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ صَلِيبًا من ذَهَبٍ فقال له: ((يا عَدِيُّ، اطْرَحْ عنكَ هذا الوَثَنَ)).
    والمَقْصودُ أنَّ كلَّ ما يُعْبدُ من دونِ اللهِ عز وجل فهو طاغوتٌ، سواءٌ أكان صَنَمًا أم شَجَرًا أم حَجَرًا أم قَبْرًا أم غَيْرَهُ.
    وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((يَجمعُ اللهُ الناسَ يومَ القيامةِ، فيقولُ: مَن كانَ يَعْبُدُ شيئًا فلْيَتبعه؛ فيَتبعُ مَن كانَ يَعبدُ الشَّمسَ الشَّمسَ، ويَتبعُ مَن كان يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، ويَتبعُ مَن كانَ يَعْبُدُ الطَّواغِيتَ الطَّوَاغيتَ)). مُتَّفق عليه.

    وأمَّا مَن عُبِد من دونِ اللهِ وهو لا يَرْضَى بذلك، فليسَ بطاغوتٍ، وإنما اتَّخَذَه المشركون إلهًا وربًّا وطاغوتًا يَطْغُونَ بسَبَبِ اعتقادِهم فيه، وهو بَرِيءٌ من شِرْكِهم وطُغْيانِهم، قال اللهُ تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: ٣١].
    وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُم ُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)[الأنبياء: ١٠١– ١٠٣].

    وقد قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ((اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ)) رواه مَالِكٌ.

    ومن الأوثان: ما يَرْمُزُ للشركِ وعبادةِ غَيْرِ اللهِ عز وجل من الشِّعَاراتِ والتعاليقِ، ففي سُننِ التِّرْمذيِّ أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم رَأَى في عُنقِ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ صَلِيبًا من ذَهَبٍ فقال له: ((يا عَدِيُّ، اطْرَحْ عنكَ هذا الوَثَنَ)).
    والمَقْصودُ أنَّ كلَّ ما يُعْبدُ من دونِ اللهِ عز وجل فهو طاغوتٌ، سواءٌ أكان صَنَمًا أم شَجَرًا أم حَجَرًا أم قَبْرًا أم غَيْرَهُ.
    وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه أن النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((يَجمعُ اللهُ الناسَ يومَ القيامةِ، فيقولُ: مَن كانَ يَعْبُدُ شيئًا فلْيَتبعه؛ فيَتبعُ مَن كانَ يَعبدُ الشَّمسَ الشَّمسَ، ويَتبعُ مَن كان يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، ويَتبعُ مَن كانَ يَعْبُدُ الطَّواغِيتَ الطَّوَاغيتَ)). مُتَّفق عليه.
    هذه الادلة تفرق بين الوثن والطاغوت فالوثن من جهة التعريف ما عبد من دون الله سواء على هيئة صورة كالصنم او ليس على هيئة صورة كالقبر اما تعريف الطاغوت فهو ما عبد من دون الله وهو راض
    ولكن يمكن توجيه كلام الشيخ فى عدم تفريقه بين الوثن والطاغوت بما ذكره بعد ذلك- باتخاذ المشركين لهم آلهة و أربابا وطواغيت قال الشيخ وإنما اتَّخَذَه المشركون إلهًا وربًّا وطاغوتًا يَطْغُونَ بسَبَبِ اعتقادِهم فيه، قال اللهُ تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: ٣١].
    وقد ذكر ابن كثير رحمه الله معنى قريبا من ذلك وهو ان الشيطان هو الداعى الى عبادتها فهم يعبدون الشيطان الداعى الى عبادتها ويعبدون الاوثان فى نفس الوقت
    قال ابن كثير: (معنى قوله الطاغوت هو الشيطان؛ قوي جدا، فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها والاستنصار بها)
    قال محمد حامد الفقي: (والذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم؛ أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله، سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الإنس والأشجار والأحجار وغيرها، ......والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروجوها طواغيت، وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصدا أو عن غير قصد من واضعه، فهو طاغوت
    قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: والتحقيق أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، والحظ الأكبر من ذلك للشيطان.اهـ.
    وقال ابن عطية:، ومن لا يعقل كالأوثان فسميت طاغوتا في حق العبدة، وذلك مجاز، إذ هي بسبب الطاغوت الذي يأمر بذلك ويحسنه وهو الشيطان. اهـ

    عن مجاهد قال وقوله : ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ) هي الأصنام


    قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل : " يؤمنون بالجبت والطاغوت " أن يقال : يصدقون بمعبودين من دون الله ، يعبدونهما من دون الله ، ويتخذونهما إلهين .
    وذلك أن الجبت والطاغوت اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله ، أو طاعة ، أو خضوع له كائنا ما كان ذلك المعظم ، من حجر أو إنسان أو شيطان . وإذ كان ذلك كذلك ، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها كانت معظمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جبوتا وطواغيت . وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله ، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله . وكذلك حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ؛ لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله ، فكانا جبتين وطاغوتين .
    وقد بينت الأصل الذي منه قيل للطاغوت : طاغوت بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . [تفسير الطبرى]

    حدثنا ( أبو اليمان ) أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال قال ( سعيد بن المسيب ) أخبرني ( أبو هريرة ) رضي الله عنه أن رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة وذو الخلصة طاغية دوس .
    حدثنا عبد الله بن محمد ، نا أحمد بن محمد بن عيسى ، نا أبو حذيفة ، نا محمد بن مسلم ، نا المفضل بن تميم بن غيلان بن سلمة ، عن أبيه تميم بن غيلان قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة ورجلا آخر إما خالد بن الوليد أو غيره فأمرهم أن يكسروا طاغية ثقيف فقالوا : يا رسول الله فأين نجعل مسجدهم ؟ قال : « حيث كانت طاغيتهم حتى يعبد الله عز وجل كما كان لا يعبد »


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: بيانُ معنَى الكُفْرِ بالطاغوتِ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    ولكن يمكن توجيه كلام الشيخ فى عدم تفريقه بين الوثن والطاغوت بما ذكره بعد ذلك-
    سبحان الله بعد ان وجهت كلام الشيخ وجدت له نفس التوجيه نعم فالقلوب بين اصبعين من اصابع الرحمن ما تعارف منها إئتلف والمنهل الذى يستقى منه أهل التوحيد واحد
    قال الشيخ عبد العزبز الداخل فى شرح ثلاثة الاصول عند بيان معنى الطاغوت
    والطاغوت يجمع على طواغيت.
    والطواغي جمع طاغية.
    وفي صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم )).
    والمراد بالطواغي في هذا الحديث الأوثان التي تعبد من دون الله عز وجل.
    وقد بوَّب البخاري في صحيحه باب (لا يُحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت)
    وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الأنصار قبل أن يسلموا يهلُّون لمناةَ الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل).
    قال النووي: (ومناة: صَنَمٌ كان نصبه عمرو بن لحيّ في جهة البحر بالمشلَّل ممَّا يلي قديداً ).
    والمشلَّل: ثنية مشرفة على قُدَيدِ، وهو شمال جدة قريب من عسفان.
    وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة )).
    وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية ).
    قوله: (وذو الخلصة طاغية دوس...) هذا مدرج من كلام أبي هريرة رضي الله عنه.
    وفي هذا دليل على أن الشرك سيعود في هذه الأمة، وقد جاء بيان توقيت ذلك في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبدَ اللات والعزى )).
    فقالت عائشة: (يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} أن ذلك تاماً.
    قال: (( إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحاً طيبة ، فتوفَّى كلَّ مَن في قلبه مثقالُ حبة خَرْدل من إيمان؛ فيبقى من لا خير فيه ؛ فيرجعون إلى دين آبائهم )).

    وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    (( يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبدُ شيئاً فليتبعه؛ فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت)).
    وهذا الاتباع يكون إلى نار جهنم والعياذ بالله؛ فإن هذه الطواغيت وكذلك الشمس والقمر يؤمر بها فتلقى في نار جهنم هي ومن يتبعها، ويلقون في النار إلقاءً عنيفاً شديداً كما قال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون}
    الحصَبُ: هو ما يُحصَب به، أي يحذف ويُرمى، ومنه سميت الحصباء لأنها حجارة يُحصب بها، ويقال: حَصَبته بحصاة، إذا حذفته بها.
    والحَصَبُ: هو الشيء الذي يُحصَب به من حجارة أو غيرها؛ فجعل الله تعالى المشركين وما يعبدون من الطواغيت حَصَبَ جهنم، والعياذ بالله، قال ابن جرير: (معناه أنهم تقذف جهنم بهم، ويرمى بهم فيها).

    والمقصود أن أكثر ما يطلق لفظ الطاغوت في نصوص الكتاب والسنة على ما يُعبد من دون الله عز وجل.
    قال تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد}
    وقال: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}.
    قال ابن وهب : قال لي مالك: (الطاغوت: ما يعبدون من دون الله).

    وقد نقل عن السلف عبارات في تفسير الطاغوت لا تخالف ما سبق تقريره لكنها إما لبيان أصل الطاغوت ، أو التنبيه على بعض أنواعه.
    - فروي عن عمر بن الخطاب ومجاهد والشعبي: أن الطاغوت هو الشيطان.
    - وروي عن محمد بن سيرين أن الطاغوت هو الساحر، وهي إحدى الروايتين عن أبي العالية الرياحي ، وهذا بيان لنوع من أنواع الطواغيت.
    - وروي عن سعيد بن جبير أن الطاغوت هو الكاهن، وهي الرواية الأخرى عن أبي العالية الرياحي، وهذا بيان لنوع من أنواع الطواغيت.

    قال ابن جرير:
    (والصواب من القول عندي في"الطاغوت"، أنه كل ذي طغيان على الله، فعُبِدَ من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء).
    وهذا يدل عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ}
    ففسر اجتناب الطاغوت في قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} باجتناب عبادتها، فدل على أن الطاغوت هو ما يُعبد من دون الله عز وجل، مهما كان نوع تلك العبادة، فقد تكون دعاء وذبحاً ونذراً، وقد تكون تحاكماً والتجاءً، وقد تكون طاعة في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله.
    وأنت إذا تأملت هذه الأمور وجدت جامعَها عبادة الشيطان ،
    ولذلك قال ابن كثير بعد ما أورد أثر عمر بن الخطاب في تفسير الطاغوت بأنه الشيطان: (ومعنى قوله في الطاغوت: إنه الشيطان قوي جدًّا فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية، من عبادة الأوثان والتحاكم إليها والاستنصار بها).

    وبيان ذلك: أن عبادة الأصنام هي في حقيقة الأمر عبادة للشيطان، وكذلك التحاكم إلى الكهان هو تحاكم إلى الشياطين، لأن الكهان إنما يتلقفون أباطيلهم من الشياطين.

    قال الله تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم}
    [شرح ثلاثة الاصول -للشيخ عبد العزيز الداخل]
    وبيان ذلك: أن عبادة الأصنام هي في حقيقة الأمر عبادة للشيطان
    نعم هى عبادة للاصنام وطاعة للشيطان فالشيطان هو الداعى الاكبر الى عبادة غير الله وهو الذي يأمر بذلك ويحسنه وهو رأس كل شر- فتحقق فيهم عبادة الاوثان وعبادة الطاغوت قال الامام المجدد محمد ابن عبد الوهاب والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة :
    الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله ، والدليل قوله تعالى : {ألم أعهد إليكم يا بني ءادم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين-انتهى ]

    أن لا تعبدوا الشيطان معناه لا تطيعوه
    وطاعة الشيطان متفاوته منها ما هو كفر وهو الطاعة فى عبادة غير الله والطاعة فى التحليل والتحريم
    ومنها ما هو دون ذلك




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •