الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، والصلاة والسلام على من بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وعلى آلهِ الأطهار، وصحابته الأخيار، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله يا عباد الله، وكونوا من الصادقين المُصَدِّقين، والسامعين المُطيعين، وعليكم بالحرص والاجتهاد في طاعة الله، والتقرب إليه بما شرع من الأقوال الصالحات، والأفعال الخيِّرات، والبُعد عن كل ما نهى عنه من القول أو العمل في أي ظرفٍ وأي حال، واعلموا أن الله تعالى يعلمُ خائنة الأعيُن وما تُخفي الصدور.
أما حديثي هذا اليوم، فسيكونُ عن بعض الأحاديث النبوية التي تُعرف بـ(الرباعيات النبويَّة)، وهي مجموعةٌ من الأحاديث النبوية الشريفة التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أربعةً من الأمور في حديثٍ واحد، وسياقٍ واحد.
ويأتي من أهم تلك الأحاديث ما صحَّ عن سَمُرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الكلام [وفي روايةٍ أحب الكلام إلى الله] أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"؛ (رواه مسلم).
ومن الرباعيات النبوية ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به بعد التشهد الأخير في الصلاة متعوذًا بالله سبحانه من أربعة أمورٍ جاء تفصيلُها فيما صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تشهد أحدكم فليَستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذابِ جهنم، ومن عذابٍ القَبر، ومن فتنة المَحيا والممات، ومن شَرِّ فتنة المسيح الدجال"؛ (رواه مسلم).
ويأتي من الرباعيات التربوية النبويةما كان للتنبيه والتحذير من عددٍ من الخصال والسلوكيات المجتمعية الخاطئة التي ورد النهي عنها، وهو ما صحَّ عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حدَّثه، فقال: "أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهنَّ: الفخرُ في الأحساب، والطعنُ في الأنساب، والاستسقاءُ بالنجوم، والنياحة"؛ (رواه مسلم).
ومن تلك الرباعيات التربوية النبوية ما جاء في الصحيحين عن أوصافِ المرأةِ التي يتعلَّقُ بها كثيرٌ من النَّاسُ فيما يخص اختيار الزوجة، والتوجيه إلى أهم تلك الصفات التي ينبغي الاهتمام والعناية بها، وهو ما يؤكده الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تُنكح المرأة لأربع: لمالِها، ولحَسبِها، ولجَمالِها، ولدينها، فاظفَر بذاتِ الدين تَرِبَت يَداك"؛ (رواه البخاري ومسلم).
ومن الرباعيات التربوية النبوية ما اتفق عليه صاحبا الصحيح من التحذير النبوي الشديد من بعض الخصال السيئة التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمرضٍ اجتماعيٍ خطيرٍ، وصفةٍ من الصفات التي تتنافى مع كمال الإيمان، وهي النفاق نسأل الله تعالى السلامة، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن، كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمنَ خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"؛ (رواه البخاري ومسلم).
كما أن من الرباعيات التربوية النبوية ما جاء في بيان أسباب السعادة والشقاء التي ترتبط بحياة الإنسان، وهو ما جاء عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق"؛ (رواه ابن حبان، وقال الألباني: سنده صحيح).
ومن الرباعيات التربوية الدعاء الذي كان صلى الله عليه وسلم يدعو به، ويتعوذ فيه من أربعة أمورٍ جاء ذكرها في الحديث الذي صحَّ عن عبدالله بن عمرو (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يتعوَّذ من أربع: من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ودعاءٍ لا يُسمع، ونفسٍ لا تشبع"؛ (رواه النسائي).
كما أن من الرباعيات التربوية النبوية ما يدعو إلى التزام المسلم بِحُسن الخُلق الذي يرْقـى بصاحِبِهِ إلى أعْلى المراتِبِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وهو ما يؤكده الحديث الذي جاء عن عبدالله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) مرفوعًا: "أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، صدْقُ الحديثِ، وحفْظُ الأمانةِ، وحُسْنُ الخُلقِ، وعفَّةُ مَطْعَمٍ"؛ (أخرجه أحمد، وصححه الألباني).
عباد الله، أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم بما نقول ونسمع من آيات القرآن الكريم وهدي نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والآه، أما بعد:
فيتبقى لنا في حديثنا عن الرباعيات التربوية النبوية أن نُشير إلى ما كانت له علاقةٌ ببعض ما أرشد إليه هدي النبوة المبارك وتربيته العظيمة من الأعمال الصالحات التي تُعد في حقيقتها ذُخرًا للإنسان، ورصيدًا له في آخرته، ومنها ما جاء عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أربعٌ من عمل الأحياء يجري للأموات:
رجلٌ ترك عقبًا صالحًا يدعو له فيبلغه دعاؤهم، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ جاريةٍ له مِن بعده أجرُها ما جَرَت، ورجلٌ علَّم علمًا فعُملَ به من بعده، فلَهُ مثلُ أجرِ من عَمِلَ به، من غير أن يُنقص من أجر من عمله شيئًا، ورجلٌ مرابِطٌ يُنمَى له عمله إلى يوم الحساب"؛ (أخرجه ابن أبي الدنيا، والطبراني في المعجم الكبير).
كما أن من الرباعيات التربوية النبوية ما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عُمره فيمَ أفناه؟ وعن شَبابهِ فيمَ أَبلاه؟ وعن مَالِه من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن عِلمِه ماذا عمل فيه؟"؛ (أخرجه الطبراني، وحسنه الألباني).
فيا عباد الله، أين نحن من مضمون هذه الأحاديث النبوية، وما فيها من التوجيهات التربوية سواءً أكانت فرديةً أم جماعية، وسواءً أكانت دينيةً أم دنيوية؟ وأين نحن من معرفتها واستلهام معانيها، وتطبيق مضامينها؟ ولماذا لا تكون لنا نبراسًا نستضيء به في حياتنا، وهديًا نلتزمه في كل شأنٍ من شؤون ديننا ودنيانا، وطبعًا نتحلى به في مختلف الجوانب الحياتية؟ وفَّقنا الله وإياكم جميعًا لما فيه الخير والصلاح.
ثم اعلموا (بارك الله فيكم) أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأن خير الهدي هدي نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأن شـر الأمور محدثاتـها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على النبـي، فقال جل شأنه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، فاللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابع التابعين، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ يسِّر لنا الخير والعمل به، واصرِف عنَّا الشـر ظاهره وباطنه، ووفِّقنا اللهم لصالح القول والعمل والنية.
اللهم ارزُقنا حُسن الالتزام بهدي نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ووفِّقنا لحُسن الاتِّباع، واكتُب لنا التوفيق والسَّداد والهداية والرشاد، يا رب العالمين.
اللهم إنَّا نسألك أن ترحم العباد والبلاد، وأن تُغيثنا بغيث الإيمان في قلوبنا، وغيث الأمطار في بلادنا وبلاد المسلمين، وأن تغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، ولأمواتنا وأموات المسلمين، من عرفنا منهم ومن لم نعرف من عبادك الصالحين.
اللهم اجمع كلمتنا على الحق، وأصلح ذات بيننا، ووفِّق اللهم الراعي والرعيَّة، وارزقنا جميعًا صلاح القول والعمل والنية، وأرنا اللهم الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، والباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، وخُذ بنواصينا لما فيه خيري الدنيا والآخرة، وصلاح البلاد والعباد.
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكُركُم، وأشكُرُوه على نِعَمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/141164/#ixzz6Sjakz2Bt