تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ظاهرة تشييخ محركات البحث

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي ظاهرة تشييخ محركات البحث



    ظاهرة تشييخ محركات البحث









    كتبه/ محمد مصطفى


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    فإن التقدم العلمي ما زال يتحفنا كل يوم بجديده، وبالرغم من أن صُنـَّاعه لم يقصدوا به خدمة الإسلام؛ إلا أن الله -عز وجل- يسَّر لنا ما قدَّمه الغربُ لاستخدامه في خدمة الدين، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ) متفق عليه.

    وقد كانت محركات البحث إحدى تلك الوسائل التي استفاد منها المسلمون، سواء من خلال محركات البحث البرمجية كتلك الموجودة في البرامج المختلفة، أو من خلال محركات البحث على شبكة الإنترنت، والتي يكفي أن تكتب فيها الكلمة المطلوب البحث عنها، وبضغطة زرٍّ واحدة تأتي لك هذه الكلمة من الشرق ومن الغرب.

    ولا شك أن تلك الوسائل وفـَّرت كثيرا من الجهود في البحث، وساعدت على تقدم حركة البحث العلمي، وتوفير الوقت المستغرق في ذلك، واتساع دائرة البحث، خاصة بعد أن صارت هذه الخدمات في متناول الجميع، إلا أن الجانب المظلم من التكنولوجيا -التي تـُنعَت دائما بأنها سلاح ذو حدَّين- قد عكـَّر صفو هذه الاستفادة من عدة جوانب، ولعل من أهمها مسألة:

    "تشييخ محركات البحث"!

    فقد كان السلف الصالح يحذِّرون من تشييخ الكتب والصُّحف، والاكتفاء بالقراءة فيها، واعتبار ذلك بديلا عن التتلمذ على أيدي العلماء، وثني الركب بين أيدي المشايخ، فقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "من تفقـَّه من بطون الكتب ضيـَّع الأحكام".

    وكان بعضهم يقول: "من أعظم البلية تشيخ الصحيفة"، وقال سليمان بن موسي -رحمه الله-: "كان يقال: لا تأخذوا القرآن من المصحفين، ولا العلم من الصَّحفيين"، وقال الإمام سعيد بن عبد العزيز التنوخي -رحمه الله-: "كان يقال: لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي"، وقيل أيضا: "من كان شيخه كتابه؛ كان خطؤه أكثر من صوابه".

    وما أحسن ما قاله أبو حيَّان النحوي -رحمه الله-:

    يظن الغـُمر أن الكتب تجـدي أخــا فــهـمٍ لإدراك الـعــلــومِ

    وما يدري الجهولُ بأن فيــها غـوامض حيرت عقل الفهيمِ

    إذا رُمـت العلومَ بغير شيـــخ ضللت عن الصراط المستقيمِ

    وتلتـبس الأمور عليك حــتى تكون أضل من توما الحكيمِ!

    والمقارن بين تشييخ الكتب وتشييخ محركات البحث يجد أن الأمر في محركات البحث أشد خطورة؛ فإن مشيِّخ الكتب إذا أراد أن يقف على مسألة فإنه يلزمه في الغالب أن يقلـِّب الكتبَ وينقـِّب فيها ليقف على المسائل، بخلاف محركات البحث التي يقف مستخدمها على الكلمة التي يريدها بضغطة زر، فيقرأ كلمتين قبلها وكلمتين بعدها دون أن يمسك الكتاب بيديه ويبحث فيه.

    ثم هذه الكلمات قد تكون مُصحَّفة ومحرَّفة، فلا يخفى كثرةُ التصحيف في أغلب الكتب المنشورة إلكترونيًّا، فيتسبب هذا التصحيف في سوء الفهم من القارئ، وهذا إن كان موجودًا في الكتب المطبوعة؛ فإن وجوده في الكتب الإلكترونية، وفي نتائج محركات البحث أكثر.

    ثم قد يكون الباحث قليل الخبرة بالإعراب فيسوء فهمه، أو يدمج من المقاطع ما شأنه الفصل، ويفصل ما شأنه الدمج، أو لا يفهم ألفاظ أهل الفن، فيصير المقروءُ عند هذا غير المقروء عند غيره، والمفهوم عنده بعيد كل البعد عن المقصود من الكلام.

    أقول له عَمرًا فيسمعه سعدًا ويكتبه حمدًا وينطقه زيدًا!

    ولا نقصد بذلك نقد استخدام محركات البحث مطلقًا؛ فهي وسيلة يسَّرها الله -عز وجل- ويسَّر بها الكثير من جوانب العلم، كما أننا لا ننقد استخدام الكتب، ولكن المقصود في هذا المقام هو تشييخ محركات البحث والاعتماد عليها، كما هو الحال مع تشييخ الكتب والصحف الذي انتقده السلف.

    وقد أفرز لنا تشييخ محركات البحث في السنوات الأخيرة الشَّوك، حتى امتد الأمر إلى المصنفات، فلا عجب اليوم أن ترى كتابًا في مسألة ما، يدَّعي مصنفه أنه بحث حديثي فقهي مقارن! فيبدأ بعرض المسألة، ثم يشرع في التقميش من هنا ومن هناك، فيذكر أقوال الفقهاء من كل مذهب من المذاهب الفقهية، وما أسهل ذلك باستخدام الموسوعات الفقهية الإلكترونية، ثم يعرض بحثه الحديثي الذي يجمع فيه الغث والسمين، ويختم بحثه بالترجيح وقد صدَّره بقوله: "ونحن نرى"، "وما نذهب إليه"، "ومذهبنا المختار"!!

    وإن كانت مثل هذه الأبحاث والكتب المبنية على محرِّكات البحث لا تنطلي على صغار طلبة العلم فضلا عن أهل العلم الراسخين؛ إلا أن هناك قطاعا لا يُستهان به ممن ينخدعون بالأحجام وكثرة النقول غير المتجانسة، ولا ينكشف لهم عوار تلك التي يسميها أصحابها زورا بحوثا وكتبا.

    وإذا نظرنا إلى هذه الظاهرة -خاصة مع انتشار أجهزة الحاسب واستخدام الشبكة العنكبوتية- نجد أن لها دوافع، ويترتب عليها مفاسد يجب أن توضع في الحسبان.

    فمن دوافع تشييخ محركات البحث:

    1- الكسل: فيستصعب المرء الذهاب إلى مجالس العلم، ويستثقل حضورها والتدرج في السلم العلمي المنطقي، فيلجأ -من باب إرضاء النفس- إلى وسيلة ترضي نفسه ولا تخدش كسله، فيستبدل بمجلس العلم شاشةَ الحاسب، وبالمدارسة والمذاكرة ضغطاتٍ على "الفأرة" فتنسخ من هنا وتلصق هنا، دون فقه، وربما دون قراءة أصلاً.

    2- التربية على الوقوف على الخلاصة: فقد نشأ كثير من شباب اليوم على الملخصات والمذكِّرات وأهم الأسئلة المتوقعة، وصار تحصيل العلوم عند الكثيرين في عصر السرعة شأنه شأن الوجبات السريعة، فلم يتعلموا التأصيل في العلوم، والذي قد يستغرق كثيرا من الوقت والجهد، ولكنه في الحقيقة بَذرٌ له ثمرٌ، بخلاف تعلـُّم المسائل بصورة سطحية.

    3- الثقة بالنفس: حيث يرى الواحد من هؤلاء في نفسه القدرة على أخذ العلم مكتوبا دون الرجوع إلى أهل العلم في توضيح العبارات وحل المشكلات.

    4- التكبُّر عن طلب العلم على أيدي المشايخ: فإن الكِبر أحد أكبر عوائق طلب العلم، ومن رواسب الجاهلية المستفحلة أن يتكبر المرء عن الجلوس بين يدي شيخ قد ينهره مرة أو يعنفه أخرى، فيؤثر السلامة -زعم-، ويختار أن يشيِّخ محركات البحث التي لا تـُعنـِّف ولا تنهر ولا تعاقب، بل هي متى شاء أسكتها، ومتى شاء أعملها.

    5- استعجال الثمر: فكثير ممن أهلكه حبُّ العلوِّ والصدارة يستعجل النتائج، بل يحسب في قرارة نفسه أنه بعد مضي بضع سنوات في طلب العلم سيصبح العالم الجهبذ الذي لا يُشَقُّ له غبار، فيستثقل أن يرقى في سُلـَّم الطلب كما هي سنة العلماء، وقد قال المأمون عن أمثال هؤلاء: "يطلب الحديث ثلاثة أيام، ثم يقول: أنا من أهل الحديث"!

    ومن النتائج المترتبة على تشييخ محركات البحث:

    1- تصدر صغار الأسنان: الذين لم ترسخ قدمهم في العلم في وجود من هم أكبر منهم سنـًّا وأرسخ قدما، وقد قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "إذا ترأس الرجل سريعا أضر بكثير من العلم، وإذا طلب وطلب بلغ"، وقال عبد السلام برجس -رحمه الله-: "حقُّ الحدث النابغ أن يُنتفعَ به في المدارسة والمذاكرة والمباحثة، أما أن يُصدَّر للفتوى ويُكتب إليه بالأسئلة؛ فلا وألف لا؛ لأن ذلك قتل له وفتنة وتغرير".

    2- ظهور جيل من مدعي العلم عديمي الأدب: لأن الأدب لا يمكن أن يُبحث عنه من خلال محركات البحث، ولا أن يُتعلم من الـ"جوجل" والـ"ياهو"، وإنما يُستقى من أهل العلم، ويُستفاد من أخلاقِهم التي قوَّمها العلم وقوَّمتها الخبرة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ولا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم".

    قال ابن قتيبة -رحمه الله- تعليقًا على أثر ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب وحِدته وعجلته وسفهه، واستصحب التجربة والخبرة، ولا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث، فمع السن: الوقار، والجلالة، والهيبة".

    3- الشعور بالاكتفاء: فإن من آفات الاقتصار في العلوم على محركات البحث أن يشعر المرء بالاكتفاء، فهو كلما أراد أن يقف على مسألة أعمل حاسِبَه وبحث عنها، وكما قال سحنون -رحمه الله-: "يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم فيظن أن الحق كله فيه".

    4- الإعجاب: الذي هو نتيجة متوقعة للشعور بالاكتفاء، وقد قال علي بن ثابت -رحمه الله-: "العلم آفته: الإعجاب والغضب، والمال آفته: التبذير والنهب".

    5- الاستبداد بالرأي: فهذا الذي ظن أنه قد أوتي العلم واكتفى بما بين يديه ستجده مستبدًّا برأيه كما قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "أفضل الأشياء التزيد من العلم؛ فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافيا استبد برأيه، فصار تعظيمه لنفسه مانعًا من الاستفادة"، وقال: "غير أن اقتصار الرجل على علمه إذا مازجه نوعُ رؤية للنفس حُبس عن إدراك الصواب، نعوذ بالله من ذلك".

    6- استصغار طلبة العلم والعلماء: فمن رأى لنفسه مكانا عاليا لا يصل إليه أحد استصغر غيره، ومن استصغر غيره نسي فضلَه وسبقَه، فأوقعه الشيطان في انتقاصه والنيل منه ظنا منه أنه يتعبد لله بذلك، وما أُتي المسكين إلا من قبل جهله.

    ولما كان الأمر بهذه الخطورة؛ فقد لزم أن يحرص المربُّون من الإخوة والدعاة على العمل على وقاية أبنائهم وتلاميذهم من هذا المرض، خاصة هؤلاء الذين تبدو عليهم أمارات النجابة ويُتوقع لهم مستقبل في طلب العلم، وأن تتم هذه الوقاية قبل أن تحدث الإصابة ويصعب العلاج، وكما قيل: "الوقاية خيرٌ من العلاج".

    وأهم عناصر الوقاية تتمثل في:

    1- التربية على إخلاص النية لله -تبارك وتعالى-:

    فهو أول الأمر وأوسطه وآخره، وكذا هو العلاج لمعظم هذه الأسباب؛ فمن أخلص لله -تعالى- لم يبحث عن الثمرة العاجلة، بل سيظل مع العلم من المهد إلى اللحد، ومع المحبرة إلى المقبرة، ولن يبحث عن الشهرة وحب الصدارة والعلو، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من تعلم علما مما يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا؛ لم يجد عرف الجنة -يعني ريحها- يوم القيامة) رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني.

    وقال الحسن -رحمه الله-: "من طلب العلم ابتغاء الآخرة أدركها، ومن طلب العلم ابتغاء الدنيا فهو حظه منه".

    2- التركيز على مسألة أن العلم لا يُنال بالراحة:

    قال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله-: "لا يُستطاع العلم براحة الجسد".

    وقال ابن الحداد المالكي: "ما للعلم وملائمة المضاجع"!

    وقال الإمام الشافعي: "لا يبلغ في هذا الشأن رجل حتى يضر به الفقر ويؤثره على كل شيء".

    فمن أراد صدقًا أن يطلب العلم فعليه أن ينبذ الكسل والدعة، وأن يسعى سعيًا حثيثا حاذٍ حَذو سلفه؛ حتى يدرك غايته وينال بغيته، وكما قيل: "أعطِ للعلم كلـَّك يعطِكَ بعضه".

    3- الاهتمام بمدارسة سير السلف الصالح:

    ومواقفهم في طلب العلم، وبذلهم الجهد في الرحلة ونحو ذلك؛ ليكون للخلف قدوة فيمن سلف، ويُنصح حديثي الالتزام والمبتدئين في الطلب –بصفة خاصة- بالقراءة في كتاب "من أعلام السلف" للشيخ أحمد فريد، ثم كتاب "صفة الصفوة" لابن الجوزي -رحمه الله-، وينصح بمراجعة كتاب "علو الهمة" للشيخ محمد إسماعيل الفصل المتعلق بعلو الهمة في طلب العلم، وكذا كتاب "صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل" للشيخ عبد الفتاح أبي غدة.

    3- التركيز على مسألة التخلص من رواسب الجاهلية:

    كالكبر، ورؤية النفس والثقة بها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) رواه مسلم.

    4- التربية على توقير أهل العلم والسابقين بالخير:

    ومعرفة مضار الاشتغال بعيوب الناس، وكذا منهج السلف في التعامل مع أخطاء الآخرين، والتربية على آداب طلب العلم.

    نسأل الله أن يوفقنا لمراضيه، وأن يجعل مستقبل أيامنا خيرا من ماضيه.

    المراجع:

    اقتضاء العلم العمل - تذكرة السامع والمتكلم - جامع بيان العلم وفضله - حلية الأولياء - سير أعلام النبلاء - شرح إحياء علوم الدين للزبيدي - صيد الخاطر - عوائق الطلب.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: ظاهرة تشييخ محركات البحث

    قاعدة: "مَن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر مِن صوابه" في الميزان النقدي
    السعيد صبحي العيسوي
    @esawi_said

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
    فلا ينكرُ دورُ الشيخِ المعلم في عمليةِ طلبِ العلم, وصار الحضُّ عليها متواتراً من أعلامِ السلف, لكن هذه العبارة قد انتشرت وسرت بين طلاب العلم, وهي: "مَن كان شيخُه كتابَه كان خطؤُه أكثرَ مِن صوابِه", والناظرُ فيها يجد أنه قد يفهم منها نوع تعدٍّ وتجاوز.
    لذا فإن التوجيه الصحيح لفهمها أن تنزَّل على:

    1.المبتدئ في الطَّلب:
    وإلا, فإنَّ اعتماد الكتب الأصلية والشُّروح المعتبرة بعد التصور الإجمالي لأبواب الفنِّ ومصطلحاته جادة مسلوكة لنيل العلم والتمكن منه, فإذا وفَّر الطَّالب زمانه على الانشغال بها لها بعد حصول التأسيس فهو مأمون الخطأ في الجملة, وإذا طالعت شروح العلماء وقارنتها بالشُّروح الأصلية والحواشي التي سطرها الشُّرَّاح علمت اعتماد المتأخر عليها, ودورانه في فلكها, ويندر الخروج عنها والإضافة عليها, وهذا مشاهد وظاهر.

    2.العلوم المفتقرة إلى ضبطٍ ومجالسة وسماع:
    كالقراءات وغيرها, وأما ما احتاج إلى حفظٍ وعنايةٍ وفهم فلا يقال فيه ذلك, إذا المعتمد فيه ذهن الطَّالب, وتكرار العلم وإعادة تذكاره ليرسُخ في الفهم.
    وإذا كان مفتاح العلم بأيدي علماء الفنِّ, فإن المؤمل حينئذٍ من المتعلم أن يلج ليشارك بجهده وفهمه وحفظه, لا أن يظل زمانه في تحصيل المفاتيح لا ليَعْبُرَ أبواب العلم, أو يستفتح بها فضل الله الواسع من الفهم والاستفادة والزيادة.

    3.ما كان قبل عصر الطباعة:
    حيث كانت الكتابة بخط اليد لا آلات الطباعة, وتحتاج إلى ضبط النُّسَخ, وقد اشتهر التصحيف وتصرف النُّسَّاخ, مما احتيج معه إلى ضبط الكتب والنسخ.
    وعلى هذه التأويلات وغيرها تتنزل عبارات أهل العلم, كقول الإمام الشافعي رحمه الله: (من تفقه من الكتب ضيع الأحكام"[1].
    وكذلك ما حكاه النووي رحمه الله عن بعض العلماء أنهم (قالوا: ولا تأخذ العلم ممن كان أخذه له من بطون الكتب من غير قراءةٍ على شيوخ, أو شيخٍ حاذقٍ, فمن لم يأخذه إلا من الكتبِ يقع في التَّصحيف, ويكثرُ منه الغلط والتَّحريف)[2].
    وقد سُئل سماحة الشَّيخ ابن باز رحمه الله عن رأيه في مثل هذه العبارة فقال:
    (هذا صحيح، إنَّ من لم يدرس على أهل العلم، ولم يأخذ منهم، ولا عرف الطرق التي سلكوها في طلب العلم فإنه يخطئ كثيراً، ويلتبس عليه الحقُّ بالباطل؛ لعدم معرفته بالأدلة الشرعية والأحوال المرعية التي درج عليها أهل العلم، وحقَّقوها وعملوا بها.
    أما كون خطئه أكثر فهذا محلُّ نظر، لكن على كل حال أخطاؤه كثيرة؛ لكونه لم يدرس على أهل العلم، ولم يستفد منهم، ولم يعرف الأصول التي ساروا عليها؛ فهو يخطئ كثيراً، ولا يميز بين الخطأ والصواب في الكتب المخطوطة والمطبوعة, وقد يقع الخطأ في الكتاب ولكن ليست عنده الدراية والتمييز فيظنه صواباً، فيفتي بتحليل ما حرّم الله، أو تحريم ما أحل الله؛ لعدم بصيرته؛ لأنه قد وقع له خطأ في كتاب مثلاً: لا يجوز كذا وكذا، بينما الصواب أنه يجوز كذا وكذا، فجاءت لا زائدة, أو عكسه: يجوز كذا وكذا، والصواب: ولا يجوز، فسقطت "لا" في الطبع أو الخط، فهذا خطأ عظيم.

    وكذا قد يجد عبارة: "ويصح كذا وكذا"، والصواب: "ولا يصح كذا وكذا"، فيختلط الأمر عليه لعدم بصيرته، ولعدم علمه، فلا يعرف الخطأ الذي وقع في الكتاب، وما أشبه ذلك)[3].
    وقال الشَّيخ محمد العثيمين رحمه الله عن عبارة "مَنْ كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر مِنْ صوابه":
    (هذا ليس صحيحاً على إطلاقه، ولا فاسداً على إطلاقه، أما الإنسان الذي يأخذ العلم من أي كتاب يراه فلا شك أنه يخطئ كثيراً ، وأما الذي يعتمد في تعلمه على كتب من رجال معروفين بالثقة والأمانة والعلم فإن هذا لا يكثر خطؤه, بل قد يكون مصيباً في أكثر ما يقول)[4].
    فللكتب إذن دورها في مَدَارج الطَّلب, إذ بها يعلو مقام الناظر فيها, المتفهم لمعانيها ومراميها, على قدر أصالتها في الفنِّ, وتميُّزها في بابها, وتركيزها على حقائق العلم.

    -----------------------------------
    [1] المجموع للنووي (1/69).
    [2] المجموع (1/66).
    [3] مجموع فتاوى ابن باز (7/ 239).
    [4] العلم, (ضمن مجموع فتاوى ورسائل الشيخ رحمه الله) (26/ 197).
    https://www.saaid.net/Doat/esawi/3.htm
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •